ــــــــــــــــــــــــــ
(مشروعيته وآدابه)
د.
منقذ بن محمود السقار
[]2 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة
المد ل رب العالي ،والصلة والسلم على أنبياء ال أجعي ،عليهم وعلى
نبينا أزكى الصلة وأت التسليم ،وبعد:
فقد خلق ال آدم عليه السلم ،وندبه وذريته من بعده إل عمارة الرض بنهج
إن جاعل ف الرض خليفة (البقرة ،)30 :ودعاهم تبارك وتعال إل التمسك ال:
فإما يأتينكم من هدى فمن تبع هداي فل خوف عليهم بديه الذي أرسل به أنبياءه:
ول هم يزنون (البقرة.)38 :
وشاء ال بكمته البالغة أن يتلف البشر ف اتباعهم لنبياء ال ورسله ،فمنهم
شقي وسعيد ،وأرسل ال النبياء يقيمون حجته على خلقه ،يدعونم إل دين ال الذي
ارتضاه للقه دينا ليكونوا من السعداء ،ويذرونم من عصيان أمره حت ل يكونوا من
الشقياء ،ولكن إرسالم لن ينع تقق ما قد سبق ف علم ال ،فإن أكثر الناس ل يؤمنون
وما أكثر الناس ولو حرصت بؤمني (يوسف.)103 :
وأمام هذه السنة الكونية فإن السلم مطالب بدعوة الخرين إل الق الذي
شرح ال به صدره ،وهو على يقي بأن هداية ال قد ل تكتب لكثيين من يدعوهم،
إن عليك إل البلغ (الشورى.)48 : فل ينعه ذلك من بلغهم:
وحي يعرض الناس عن دعوة ال ول يؤمنون با ،فإن السلم ل يتوقف عن
التفاعل مع الخرين اجتماعيا وحضاريا ،رائده ف ذلك كتاب ربه ،وأسوته نبيه ،إذ
القرآن أمر بالحسان إل الوالدين والار ،ولو كانوا على غي دين السلم ،كما حثّ
على الب وحسن العشرة مع الذين ل يتصدوا لقاتلة السلمي والعتداء عليهم ،كما
كانت حياته نباسا ف التسامح وحسن التعايش مع الخرين ،من اختاروا إلفهم من
العقائد والديان.
واليوم وقد أصبح العال قرية صغية تتلقح فيها الثقافات عب وسائل العلم
الختلفة ،تزداد الاجة إل الوار ،وإل ضرورة تأصيله من الناحية الشرعية ،والسلمون
س الاجة إل معرفة مسوغاته الشرعية وآدابه ومظوراته.
حي يارسونه هم بأم ّ
[]3 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
وإسهاما منا ف هذا الباب نضع بي يدي القارئ الكري هذا الهد التواضع ،
والذي نرجو أن يعال بوضوعية علمية هذه السألة الشائكة ،الت كثر الدال حولا بي
مؤيد مندفع ومعارض متشكك.
وحي نتحدث عن الوار فإنا ل نقصد بال من الحوال الوار الذي يقوم على
وحدة الديان والتلفيق بينها وصهرها ف دين عالي جديد قائم على المع بي
التناقضات ،الكفر واليان ،التوحيد والوثنية ،فتلك الدعوة دسيسة تسترت بالوار
ينأى السلم بنفسه عنها ،كما سنبينه ف حينه.
ل نسأل أن يعل هذا العمل خالصا لوجهه الكري ،إنه ول ذلك والقادر
وا َ
عليه ،وآخر دعوانا أن المد ل رب العالي.
[]4 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
التعريفات
أ .الحوار
أصله من الور ،وهو الرجوع عن الشيء إل الشيء.
يقول ابن منظور " :الَوْر :هو الرجوع عن الشيء إل الشيء ..والحاورة:
1
الجاوبة ،والتحاور التجاوب ،والحاورة :مراجعة النطق ،والكلم ف الخاطبة ".
2
وقال الراغب الصفهان" :الحاورة والوار :الرادّة ف الكلم ،ومنه التحاور".
وهذه العان اللغوية وردت ف سياق اليات الكرية الت ورد فيها مادة (حور).
قال تعال :إنه ظن أن لن يور (النشقاق .)14:قال القرطب " :أي لن
يرجع حيا مبعوثا ..فالور ف كلم العرب الرجوع".
وقال تعال :فقال لصاحبه وهو ياوره أنا أكثر منك مالً وأعز نفرا (الكهف
.)34قال القرطب " :أي يراجعه ف الكلم وياوبه ،والحاورة :الجاوبة .والتحاور
3
التجاوب".
وقال تعال :قد سع ال قول الت تادلك ف زوجها وتشتكي إل ال وال
يسمع تاوركما (الجادلة ،)1 :قال ف الللي" :تراجعكما" 4أي ف الكلم.
وورد هذا العن أيضا ف غي ما حديث نبوي ,من ذلك أن النب كان يستعيذ
من (( :الَوْر بعد الكَوْر)) 5.قال القرطب " :يعن من الرجوع إل النقصان بعد
6
الزيادة".
ب .الجدال
الدال لغة :من َج َدلَ البل إذا فَتَلَه ،قال ابن منظور" :الدل :اللدد ف
الصومة والقدرة عليها ..ويقال :جادلت الرجل فجدلته جدلً ،أي :غلبته .ورجل
جدِل ،إذا كان أقوى ف الصام .وجادله أي :خاصمه مادلة وجدالً ".
11
وعن معن الدل عند أهل الصطلح يقول ابن منظور" :الدل مقابلة الجة
12
بالجة ،والجادلة :الناظرة والخاصمة".
وعرفه الرجان بأنه" :القياس الؤلف من الشهورات والسلمات ،والغرض منه
إلزام الصم ،وإفحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البهان" ،كما عرّفه أنه" :دفع
13
الرء خصمه عن إفساد قوله بجة أو شبهة".
وأما الوين فيى أن الدال" :إظهار التنازعَيْن مقتضى نظرَتما على التدافع
14
والتناف بالعبارة أو ما يقوم مقامها من الشارة والدللة".
وف العجم الوسيط" :طريقة ف الناقشة والستدلل ،وهو عند مناطقة السلمي
قياس مؤلف من مشهورات أو مسلمات".
15
وقد ورد إطلق (الدل) ف نصوص القرآن والسنة على نوعي متبايني:
الول :الدل الذموم ،وهو الذي يدور ف طلب الغالبة ل الق ،أو الذي فيه
ي أم هو ما ضربوه
نوع من الصومة واللدد ،ومنه قول ال تعال :وقالوا ءآلتنا خ ٌ
لك إل جد ًل بل هم قو ٌم خصمون (الزخرف ،)58 :ومثله قول ال تعال ف ذم جدال
الكافرين :ما يـادل ف آيـات ال إل الذين كفروا فل يغررك تقلبهم ف البلد
(غافر ، )4 :وقولـه تعال :وجـادلوا بالبـاطل ليدحضوا به الق (غافر،)5 :
وقوله تعال :ل جدال ف الج (البقرة )197 :قال ابن منظور" :قالوا :معناه ل
16
ينبغي للرجل أن يادل أخاه ،فيخرجه إل ما ل ينبغي".
ض ّل قوم بعد هدى كانوا عليه إل أُوتوا الدل)).
17
وف الديث(( :ما َ
والراد بذلك كله الدل على الباطل وطلب الغالبة به ،ل الدل بثا عن الق
وف طلبه ،فإن ذلك اللون من ألوان الدل ممود.
والثان :الدل الحمود ،وهو الذي يكون ف طلب الق بالسلوب السن
بعيدا عن الصومة ،ومنه قوله عز وجل :وجادلم بالت هي أحسن (النحل.)125 :
وهو بذا العن مرادف للحوار ،قال تعال واصفا حديث الرأة إل النب
قد سع ال قول الت تادلك ف زوجها وتشتكي إل ال وال بالوار والدال ،فقال:
يسمع تاوركما إن ال سيع بصي (الجادلة .)1 :قال ابن كثي " :وهو ياوره ،أي:
18
يادله ".
وهكذا فالدال صورة من صور الوار ،وقد أمر با ال ورسوله ،وتنبا لا قد
يكتنفه من اللدد ف الصومة فإنما أمرا بالجادلة بالت هي أحسن ،بعيدا عن ضروب
الدل الذموم الذي يفضي إل الشقاق.
ج .المناظرة
الناظرة لغة "من النظي ،أو من النظر بالبصـية" كما عند الرجان ،وقال ابن
منظور" :والنظر والنظرة :ما نظرت إليه فأعجبك أو ساءك ...النظر :الفكر ف الشيء
19
تقدره وتقيسه منك ".
20التعريفات (.)298
21لسان العرب (.)5/217
22تاج العروس (.)3/575
23آداب البحث والناظرة (.)2/3
[]9 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
حتمية الخلف
إن التعدّد ف الخلوقات وتنوّعها سنة ال ف الكون وناموسه الثابت ،فلكل شيء
ف هذا اللق طبيعته وخصائصه وصفاته الت تقارب غيه أحيانا ،وتتنافر عنها ف أحايي
أخرى ،وهكذا فطبيعة الوجود ف الكون أساسها التّنوّع والتّعدّد.
والنسانية خلقها ال وفق هذه السنة الكونية ،فاختلف البشر إل أجناس متلفة
وطبائع شت ،وكلّ من تاهل وتاوز أو رفض هذه السّنة الاضية ل ف خلقه ،فقد ناقض
الفطرة وأنكر الحسوس.
وقد جاء ف القرآن الكري ذكر بعض صور الختلف بي البشر ،كاختلف
ومن آياته خلق اللوان واللغات ،وها فرع عن اختلف الجناس والقوميات:
السّموات والرض واختلف ألسنتكم وألوانكم إنّ ف ذلك ليات للعالي ( الروم:
.)22
وقد أكدت اليات أن اختلف البشر ف شرائعهم هو أيضا واقع بشيئة ال
تعال ومرتبط بكمته ،يقول ال :لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء ال
لعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا اليات إل ال مرجعكم جيعا
(الائدة.)48 :
قال ابن كثي " :هذا إخبار عن المم الختلفة الديان باعتبار ما بعث اللّه به رسله
24
الكرام من الشرائع الختلفة ف الحكام التفقة ف التوحيد ".
وقال تعال :ولو شاء ربك لعل الناس أم ًة واحدةً ول يزالون متلفي إل من
رحم ربك ولذلك خلقهم ( هود .)119 –118 :
قال ابن حزم" :وقد نص تعال على أن الختلف ليس من عنده ،ومعن ذلك
25
أنه تعال ل يرض به ،وإنا أراده تعال إرادة كونٍ ،كما أراد الكفر وسائر العاصي".
قال القرطب " :ولو شاء ربك لعل الناس أمة واحدة قال سعيد بن جبي:
على ملة السلم وحدها ..ول يزالون متلفي أي :على أديان شت قاله ماهد
26
وقتادة ".
وقال ابن كثي " :ول يزالون متلفي إل من رحم ربك أي :ول يزال اللف
بي الناس ف أديانم واعتقادات مللهم ونلهم ومذاهبهم وآرائهم ..قال السن
البصري :الناس متلفون على أديان شت إل من رحم ربك ،فمن رحم ربك غي
متلف".
27
ولذلك خلقهم قال " :أي اقتضت حكمته ،أنه وعن قوله سبحانه:
خلقهم ليكون منهم السعداء [و]الشقياء ،والتفقون والختلفون ،والفريق الذي هدى
ال ،والفريق الذي حقت عليهم الضللة ،ليتبي للعباد عدله وحكمته ،وليظهر ما كمن
30
ف الطباع البشرية من الي والشر." ..
وف معن الية يقول ممد رشيد رضا " :لو شاء ربك أيها الرسول الريص
على إيان قومه السف على إعراض أكثرهم عن إجابة دعوته واتباع هدايته لعل
الناس أمة واحدة على دين واحد بقتضى الغريزة والفطرة ،ل رأي لم فيه ول اختيار،
وإذا لا كانوا هم هذا النوع من اللق الُسمّى البشر وبنوع النسان ،بل كانوا ف
حياتم الجتماعية كالنحل أو كالنمل ،وف حياتم الروحية كاللئكة مفطورين على
اعتقاد القّ وطاعة ال عز وجل ،فل يقع بينهم اختلف .ولكنّه خلقهم بقتضى حكمته
31
كاسبي للعلم ل مُ ْلهَمي .وعاملي بالختيار".
ولا كان الختلف والتّعدّد آية من آيات ال ،فإ ّن الذي يسعى للغاء هذا
التّعدّد كلية ،فإنا يروم مالً ويطلب متنعا ،لذا كان لبد من العتراف بالختلف.
والعتراف بوقوع هذا اللف ل يعن إقرار هذه الختلفات ول تسويغ
الختلف فيها ،لكنه يفرض على أهل الق أن يتصدوا لداية من قدروا على هدايته من
الختلفي عنهم ،مع يقينهم بالعجز عن إنقاذ الكثيين من اختار العماية ،قال تعال:
أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء ال لدى الناس جيعا (الرعد.)31 :
قال القرطب " :والعن على هذا :أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء ال لدى
32
الناس جيعا أن يشاهدوا اليات ".
وعليه فإن هداية الميع من الحال ،فإن أكثر الناس ل يعلمون الق ،وأكثرهم
ل يؤمنون به إن علموا به ،وواجب الدعاة الدأب ف دعوتم وطلب أسباب هدايتهم،
أي بذل الهد ف إزالة اللف ورفعه.
فإن أعرض من أعرض عن السلم فإنا أمر ال السلمي بإبلغ رسالته ف
:فإن تولوا فإنا الدنيا ،وال يتول حساب العرضي ف الخرة ،قال ال ماطبا نبيه
عليك البلغ (النحل.)82 :
قال القرطب " :فإن تولوا أي أعرضوا عن النظر والستدلل واليان؛ فإنا
33
عليك البلغ ،أي ليس عليك إل التبليغ ،وأما الداية فإلينا".
وقال تعال :فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنا عليك البلغ وال بصيٌ
بالعباد (آل عمران.)20 :
قال الطبي " :وإن أدبروا معرضي عما تدعوهم إليه من السلم وإخلص
التوحيد ل رب العالي ،فإنا أنت رسول مبلغ ،وليس عليك غي إبلغ الرسالة إل من
أرسلتك إليه من خلقي وأداء ما كلفتك من طاعت ،وال بصي بالعباد يعن بذلك:
وال ذو علم بن يقبل من عباده ما أرسلتك به إليه ،فيطيعك بالسلم ،وبن يتول منهم
34
عنه معرضا فيد عليك ما أرسلتك به إليه ،فيعصيك بإبائه السلم ".
فإنا عليك البلغ وعلينا قال الشوكان ف سياق شرحه لقول ال تعال:
الساب (الرعد " :)40 :أي :فليس عليك إل تبليغ أحكام الرسالة ،ول يلزمك
حصول الجابة منهم ،لا بلّغته إليهم ،وعلينا الساب أي :ماسبتهم بأعمالم
ومازاتم عليها ،وليس ذلك عليك.
رواه ابن جرير الطبي ف تفسيه ( ،)7/267وابن اب حات ف تفسيه ح (.)7630 38
ذكره ابن هشام ف سيته ( ، ،)1/511ونقل مثله ابن القيم ف زاد العاد عن أب أمامة ( 39
وما نقل ف ذلك ما ذكره ابن جرير ف تفسيه أنه جاء راهبا نران إل النب ،
فعرض عليهما السلم ،فقال أحدها :إنا قد أسلمنا قبلك .فقال(( :كذبتما .إنه
ينعكما عن السلم ثلثة :عبادتكم الصليب ،وأكلكم النير ،وقولكم ل ولد)).
قال :من أبو عيسى ؟ وكان ل يعجل حت يأت أمر ربه ،فأنزل ال تعال :
إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ث قال له كن فيكون (آل عمران:
40
.)59
وذكر الطبي بإسناده أيضا أن نصارى نران قالوا " :ألست تزعم أنه كلمة ال
فأما الذين ف قلوبم زيغ وروح منه ؟ قال :بلى .قالوا :فحسبنا .فأنزل ال عز وجل:
41
فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله (آل عمران .)7 :
لكن الذي يثي النتباه ف زيارة وفد نصارى نران ما نقله الطبي من اجتماع
النب بم ف حضور وفد من يهود الدينة ،فقد روى بإسناده إل ابن عباس أنه
"اجتمعت نصارى نران وأحبار اليهود عند رسول ال ،فتنازعوا عنده ،فقالت الحبار:
ما كان إبراهيم إل يهوديا .وقالت النصارى :ما كان إبراهيم إل نصرانيا .فأنـزل ال:
42
ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا (آل عمران.)67 :
وحي رجع وفد نران إل بلده ل ينقطع حوارهم مع السلمي ،ذلك أن النب
أرسل معهم الغية بن شعبة ،فكانوا ياورونه ويطرحون عليه السئلة عن القرآن،
ومن ذلك أنه أشكل عليهم مؤاخاة القرآن بي مري وهارون ،وبينهما زمن مديد ،فقالوا
يا أخت هارون (مري ، )28 :وقد علمتم ما بي موسى للمغية" :ألستم تقرؤون:
43
وعيسى ." ...
رواه ابن جرير ف تفسيه ( ، )3/163وأبو نعيم ف دلئل النبوة (.)2/258 40
كما استقبل النب ف مسجده عدي بن حات الطائي ،وحاوره ف أخذه الرباع
من قومه ،وهو ل يل له ف دينه ،ودعاه للسلم فأسلم.
44
واستقبل أيضا الارود بن عمرو ف وفد عبد القيس ،وكان نصرانيا؛ فدعاه إل
45
السلم ،فأسلم.
كما كانت مراسلة النب للوك النصارى ومقدميهم نوعا من الوار ،فقد أرسل
أصحابه بكتبه إل النجاشي وهرقل والقوقس عظيم القبط وهوذة النفي صاحب
اليمامة؛ يدعوهم للسلم.
مع أن كتب التاريخ ل تنقل إلينا الكثي ما جرى بي سفراء النب والرسلي
إليهم إل أنه من الؤكد تاورهم ،إذ هو ما تقتضيه السفارة.
وما نقل ف ذلك حوار حاطب بن أب بلتعة مع القوقس ،فقد سأله القوقس عن
حرب النب مع أعدائه ،فأجابه حاطب بأنه يَغلِب ويُغلَب ،فقال القوقس :أنب ال
46
يُغلب؟ فأجاب حاطب :أولد ال يُصلب؟
ومثله ما رواه ابن عبد الب ف الستيعاب من حديث حاطب بن أب بلتعة أن
القوقس جع بطارقته فقال :إن سأكلمك بكلم أحب أن تفهمه من .قال :قلت :هلم.
قال :أخبن عن صاحبك أليس هو نبيا؟ قلت :بلى ،هو رسول ال.
قال :فما له حيث كان هكذا ل يدع على قومه ،حيث أخرجوه من بلدته إل
غيها؟ فقلت له :فعيسى ابن مري ،أتشهد أنه رسول ال؟ فما له حيث أخذه قومه،
فأرادوا صلبه ألّا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم ال حت رفعه ال إليه ف ساء الدنيا؟
47
قال :أحسنت ،أنت حكيم جاء من عند حكيم.
ذكره الطبان ف معجمه الكبي ح ( ،)2108ونقله ابن حجر عن ابن إسحاق ف الصابة ( 45
.)1/441
انظر :عيون الناظرات (.)185 46
وحي دخل السلمون مصر وبلد الشام تولت تلك الشعوب النصرانية إل
السلم دين الفاتي الدد ،وهذا التحول ثرة لسباب متضافرة ،أهها الوار الذي
شاع بي السلمي والنصارى ف تلك الربوع.
ولئن كان التاريخ ذهل عن تسجيل حوارات عوام السلمي مع غيهم ،والذي
أسفر عن دخولم السلم ،فإنه ل يغفل عن تسجيل الوارات الت جرت ف قصور
السلطي من السلمي وغيهم .
ومنه حوار الليفة هارون الرشيد مع طبيبه النصران ،واستعانته بعال خراسان
48
ممد بن عمر بن واقد.
كما جع الليفة الأمون بي كلثوم بن عمرو العتاب وابن فروة النصران ،وتناظرا
49
بي يديه ف قول النصارى بألوهية السيح.
كما وفد القاضي أبو بكر ممد الباقلن على ملك الروم ف القسطنطينية بأمر
من العتضد العباسي ،والوار الذي جرى بينه وبي ملك الروم وراهبهم مشهور ف
كتب التاريخ.
50
ونقل صاحب عيون الناظرات قصة فيلسوف نصران قدم بغداد ،وأسلم بعد
حواره مع نبة من علماء السلمي ،جعهم الليفة ف قصره ،منهم الصالي والبائي
51
والكعب والشعري.
وبعيدا عن قصور المراء تاور العلماء السلمون مع غيهم ،ولعل من أوائل ما
نقل ف هذا الصدد حوار أب حنيفة النعمان بن ثابت مع طائفة من اللحدة حول سببية
52
العال.
54
ث مناظرة ابن القيم لحد رؤساء اليهود حول نبوة النب .
كما كتب العلماء العشرات من الكتب والردود على متلف ماوريهم ،فازدهر
حوار الكتب ،ومنه كتاب "الواب الصحيح" لبن تيمية ،وهو يرد فيه على كتاب ورد
من قبص بعنوان" :الكتاب النطيقي الدولة خان البهن عن العتقاد الصحيح والرأي
الستقيم " لراهب صيدا السقف بولص الراهب.
كما كتب أبو الوليد الباجي رسالة رد فيها على رسالة وجهها راهب فرنسا إل
55
القتدر أمي سرقسطة يدعوه فيها للدخول ف النصرانية.
وكتب أبو عبيدة الزرجي القرطب كتابه الشهور باسم " مقامع هامات
الصلبان ،ومراتع روضات اليان " 56ردا على أسئلة كان يثيها قسيس من القوط على
نفر من السلمي بطليطلة.
ول تنقطع الوارات والكتب التبادلة بي السلمي وغيهم ،وإن خَفَت بريقها
مع تراجع الركة العلمية عند السلمي.
ومع بداية الركة الستعمارية الغربية تدد الوار بي السلمي ومستعمريهم،
ولعل من أبرز ما يذكر ف هذا الصدد الوار الذي جرى بي العلمة رحة ال الندي
والقس كئي ومساعده القس فرنج ،ث جرت الناظرة الكبى بينه وبي القس فندر ف
شهر رجب من عام 1270هـ ردا على النشاط التنصيي ف الند.
انظر :مناظرة ف الرد على النصارى ،الرازي ،تقيق :عبد الجيد النجار ،كما أثبت مقاطع منها 53
انظر :رسالة راهب فرنسا للمي القتدر بال ،ورد الباجي عليها ،تقيق :ممد الشرقاوي. 55
حققه ممد شامة ،ونشره بعنوان :بي السلم والسيحية . 56
[]19 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
وف القرن اليلدي العشرين نشط الوار بي الديان ،ودعي التحاورون إل
عدد من الؤترات ،منها مؤتر تاريخ الديان الدول ف بروكسل ف عام 1935م،
والؤتر العالي للديان النعقد ف لندن عام 1936م ،ث ف جامعة السوربون عام
1937م.
ونشطت الدعوة إل حوار الديان إثر انعقاد ممع الفاتيكان الثان 1965م
والذي دعا لستئناف الوار مع الديان ،وأنشأ مؤسسات خاصة بذلك داخل الفاتيكان
تولت الدعوة لعدد من الؤترات واللقاءات بي القيادات الدينية ف العال ،ث توالت
الوارات والدعوات من متلف الؤسسات والنظمات والدول السلمية وغيها.
والتأمل ف هذه القراءة التاريية السريعة ف تاريخ الوار؛ لن تطئ عينه رؤية ما
قدمه السلم من ناذج حوارية فريدة منذ بعث النب ،ناذج ل تتوقف ف تارينا
الطويل ،وهي تدعونا لستئناف الوار الضاري وتنشيطه من جديد ،وأخذ زمام
البادرة إليه ،استجابة لمر ال تعال ،وتأسيا واتباعا لنهج نبينا .
[]20 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
أنواع الحوار ومشروعيتها
إن التتبع لتاريخ الوار بي أهل السلم وغيهم من أتباع اللل ف القدي
والديث يد أنواعا ثلثة من الوار تتداخل فيما بينها أحيانا ،وتفترق ف أحايي أُخر.
وف هذا البحث نود الوقوف مع كل نوع منها وبيان حكمه وأهم موضوعاته
وخصائصه.
أ .حوار الدعوة
وهو أهم أنواع الوار وأعظمها ،حيث عمد أنبياء ال وورثتُهم من العلماء
والدعاة إل حوار الكافرين بغية تعريفهم بدين ال وإنقاذهم به ،فالوار الدعوي أحد
أعظم وسائل الدعوة إل السلم ،حيث يعمد الحاور الؤمن إل تبيان مبادئ السلم
وفضائله ويوضح لحاوريه ما أعده ال للمؤمني به من عظيم الجر وحسن الثوبة ،وما
توعد به الكافرين من أليم عذابه وعقابه.
ولا كان ل يتصور رجوع الناس عن معتقداتم وإلفهم لجرد عظة سعوها ،إذ
تثور ف الذهان تساؤلت تبحث عمن ييب عنها ،ويلي الق فيها ،كان ل بد من
الوار.
لذا تتركز موضوعات حوار الدعوة حول التعريف بال تبارك وتعال وصفاته،
وباليان ونواقضه ،وباليوم الخر وسبيل النجاة واللص فيه.
ويتاز حوار الدعوة عن غيه من أنواع الوار بصائص وسات ،منها:
ذ الدف من حوار الدعوة ،الدعوة إل السلم والسعي إل إقناع الخرين بأن
السلم هو دين ال الذي ل يقبل ال من العباد غيه.
ذ التركيز ف مادلة أهل الكتاب على القضايا العقدية الفاصلة ،وماجتهم،
ومناظرتم ،لدحض شبهاتم ،ونقض حججهم ،بأسلوب علمي رفيق ،ث مباهلتهم إن
لزم المر.
-أخذ السلمي بزمام البادرة ف هذا اللون من الوار ،إذ هو استجابة لطبيعة
دينهم ،ويتحقق ذلك باستضافتهم ف دار السلمي ،واستقبال وفودهم ،والكتابة إليهم،
[]21 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
وغشيانم ف مافلهم وبيوتم لدعوتم ،إذ الدعوة والبلغ واجب السلم بقتضى
إسلمه.
-تغلب الصفة والعلقات الشخصية على هذا اللون من ألوان الوار الذي
يبتعد عن الصفة الرسية الت تغلب على حوار التعامل والتعايش كما سيتبي ف حينه.
والتتبع لا ورد ذكره ف القرآن عن أحوال النبياء يظهر له أهية هذا اللون من
ألوان الوار ،الذي ل تُغفِله دعوة نب منهم أو مصلح من تبعهم بإحسان.
فها هو نوح عليه السلم يادل وياور قومه قرونا طويلة ،من غي كلل ول
ملل ،دعاهم ليلً ونارا ،أسر لم ،وأعلن لم جهارا ،فقالوا :يا نوح قد جادلتنا
فأكثرت جدالنا فأتنا با تعدنا إن كنت من الصادقي (هود.)32 :
وعلى هذا الدي سار أنبياء ال من بعد نوح ،فقصّ ال علينا ف القرآن حوار
إبراهيم مع النمرود ،وحوار موسى مع فرعون ،بل وذكر لنا الكثي من حوار النبياء
مع أقوامهم.
قال ابن تيمية " :فأما الجادلة الشرعية كالت ذكرها ال تعال عن النبياء عليهم
السلم وأمر با ف مثل قوله تعال) :قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا( (هود:
)32وقوله) :وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه( (النعام )83 :وقوله) :أل تر إل
الذي حاج إبراهيم ف ربه( (البقرة )258 :وقوله) :وجادلم بالت هي أحسن( (النحل:
)125وأمثال ذلك فقد يكون واجبا أو مستحبا ،وما كان كذلك ل يكن مذموما ف
57 الشرع".
وأرسل ال ممدا خات الرسل داعيا إل ال ومبشرا بدينه ،آمرا إياه بدعوة
العالي إل هذا الدين :ادع إل سبيل ربك بالكمة والوعظة السنة وجادلم بالت
هي أحسن (النحل .)125 :
وقد اعتب العلماء الجادلة والناظرة والوار من واجبات السلم الت أوجبها
ال على أهل العلم والبصية ،واستدلوا با سبق ذكره من نصوص قرآنية تدثت عن
أمر ال لنبيائه بالوار أو فعلهم عليهم الصلة والسلم.
يقول شيخ السلم ابن تيمية ف سياق حديثه عن قول ال تعال :ادع إل
سبيل ربك بالكمة والوعظة السنة وجادلم بالت هي أحسن (النحل :)125 :
"والدعاء إل سبيل الرب بالكمة والوعظة السنة والجادلة بالت هي أحسن ونو ذلك
ما أوجبه ال على الؤمني ،فهذا واجب على الكفاية منهم .وأما ما وجب على أعيانم،
58
فهذا يتنوع بتنوع قدرهم وحاجتهم ومعرفتهم ".
وف هذا الصدد يستدل ابن حزم على وجوب الدال والناظرة بقول النب :
((جاهدوا الشركي بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)) 59.ويقول" :وهذا حديث ف غاية
60
الصحة ،وفيه المر بالناظرة وإيابا كإياب الهاد والنفقة ف سبيل ال".
وبالنظر إل آثار الوار وناعة طريقته ف نشر الق يزم ابن حزم بفضل هذا
السلوب من أساليب الدعوة ،ويراه أنع من غيه من وسائل حاية الدعوة كالهاد ف
سبيل ال ،إذ "قد تُهزم العساكر الكبار ،والجة الصحيحة ل تُغلب أبدا ،فهي أدعى إل
الق ،وأنصر للدين من السلح الشاكي والعداد المّة ..لن السيف مرة لنا ،ومرة
علينا ،وليس كذلك البهان ،بل هو لنا أبدا ،ودامغ لقول مالفينا ،ومزهق له أبدا.
و ُربّ قوة باليد قد دمغت بالباطل حقا كثيا ،فأزهقته ة وقد قتل أنبياء كثي
وما غُلبت حجتهم قط ".
وف القابل ،فإن "أفاضل الصحابة الذين ل نظي لم؛ إنا أسلموا بقيام الباهي
على صحة نبوة ممد عندهم ،فكانوا أفضل من أسلم بالغلبة بل خلف من أحد
61
السلمي".
ويثن ابن حزم بدليل آخر ،فيقول" :أول ما أمر ال عز وجل نبيه ممدا أن
يدعو له الناس بالجة البالغة بل قتال ،فلما قامت الجة وعاندوا الق أطلق ال تعال
عليهم السيف حينئذ ،وقال تعال) :قل فلله الجة البالغة( (النعام .)149 :وقال
62
تعال) :بل نقذف بالق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق( (النبياء.")18 :
يقول ابن تيمية" :فكل من ل يناظر أهل اللاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم ل
يكن أعطى السلم حقه ،ول وفّى بوجب العلم واليان ،ول حصل بكلمه شفاء
63
الصدور وطمأنينة النفوس ،ول أفاد كلمه العلم واليقي".
وكأن به -رحه ال -يرد على ما سيقول الصفدي ف ترجته ،فقد قال:
"وضيّع الزمان ف رده على النصارى والرافضة ومن عاند الدين وناقضه ،ولو تصدى
64
لشرح البخاري أو لتفسي القرآن العظيم لقلّد أعناق أهل العلوم بدرّ كلمه النظيم".
ويقول ابن القيم داعيا إل ماورة أهل الكتاب" :جواز مادلة أهل الكتاب
ومناظرتم ،بل استحباب ذلك ،بل وجوبه إذا ظهرت مصلحته من إسلم من يرجى
إسلمه منهم وإقامة الجة عليهم ،ول يهرب من مادلتهم إل عاجز عن إقامة الجة،
65
فليو ِل ذلك إل أهله ،وليخلِ بي الطي وحاديها ،والقوس وباريها ".
وأما موضوع الدعوة والوار فإنه حول أصول الدين وسبيل سعادة الدارين:
يا أهل الكتاب تعالوا إل كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا ول
يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (آل
عمران.)64 :
قال الطبي " :قل يا ممد لهل الكتاب -وهم أهل التوراة والنيل ذ
تعالوا هلموا إل كلمة سواء ،يعن إل كلمة عدل بيننا وبينكم ،والكلمة العدل
هي أن نوحد ال ،فل نعبد غيه ،ونبأ من كل معبود سواه ،فل نشرك به شيئا.
وقوله :ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا يقول :ول يدين بعضنا لبعض بالطاعة
فيما أمر به من معاصي ال ويعظمه بالسجود له كما يسجد لربه ،فإن تولوا يقول:
فإن أعرضوا عما دعوتم إليه من الكلمة السواء الت أمرتك بدعائهم إليها ،فلم ييبوك
66
إليها ،فقولوا أيها الؤمنون للمتولي عن ذلك :اشهدوا بأنا مسلمون ".
والنب كانت دعوته ترجانا واقعا لا أمر ال تعال به من دعوة ،فقد دعا
الشركي إل السلم على اختلف مذاهبهم ومللهم ،وكان يدعوهم وياورهم،
وخص أهل الكتاب بزيد من عنايته ،وكان أبرز هذه الوارات حواره مع نصارى
نران ،ومكاتباته للوك الرض.
كما كان رسول ال يغشى الناس ف مالسهم يدعوهم وياورهم ،ومنه ما
رواه المام أحد من حديث عوف بن مالك قال :انطلق النب يوما وأنا معه ،حت
دخلنا كنيسة اليهود بالدينة يوم عيد لم ،فكرهوا دخولنا عليهم ،فقال لم رسول ال
ل يشهدون أنه ل إله إل ال ،وأن ممدا
(( :يا معشر اليهود أرون اثن عشر رج ً
ب الذي غضب عليه)).
رسول ال ،يبط ال عن كل يهودي تت أدي السماء الغض َ
قال :فأسكتوا ،ما أجابه منهم أحد ،ث رد عليهم ،فلم يبه أحد ،ث ثلّث فلم يبه أحد.
فقال(( :أبيتم ،فوال إن لنا الاشر ،وأنا العاقب ،وأنا النب الصطفى ،آمنتم أو
كذبتم)).
ث انصرف وأنا معه ،حت إذا كدنا أن نرج ،نادى رجل من خلفنا :كما أنت
يا ممد .قال :فأقبل .فقال ذلك الرجل :أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا:
وال ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب ال منك ول أفقه منك ول من أبيك قبلك
ول من جدك قبل أبيك.
قال :فإن أشهد له بال أنه نب ال الذي تدونه ف التوراة .قالوا :كذبت .ث
ردوا عليه قوله ،وقالوا فيه شرا.
قال رسول ال (( :كذبتم ،لن يقبل قولكم ،أما آنفا فتثنون عليه من الي ما
أثنيتم ،ولا آمن كذبتموه ،وقلتم فيه ما قلتم ،فلن يقبل قولكم)).
قال :فخرجنا ونن ثلثة رسول ال وأنا وعبد ال بن سلم ،وأنزل ال عز
وجل فيه :قل أرأيتم إن كان من عند ال وكفرت به وشهد شاهد من بن إسرائيل
67
على مثله فآمن واستكبت إن ال ل يهدي القوم الظالي (الحقاف.)10 :
ومن صور الوار ف الصدر الول ما يكيه ثوبان رضي ال عنه ،إذ يقول :كنت
قائما عند رسول ال ،فجاء حب من أحبار اليهود فقال :السلم عليك يا ممد.
فدفعتُه دفعة كاد يصرع منها .فقال :ل تدفعن؟ فقلت :أل تقول :يا رسول ال؟ فقال
اليهودي :إنا ندعوه باسه الذي ساه به أهله .فقال رسول ال (( :إن اسي ممد الذي
سان به أهلي)) .فقال اليهودي :جئت أسألك .فقال له رسول ال (( :أينفعك شيء
إن حدثتك؟)) قال :أسع بأذن .فنكت رسول ال بعود معه فقال(( :سل)).
فقال اليهودي :أين يكون الناس يوم تبدل الرض غي الرض والسماوات؟
فقال رسول ال (( :هم ف الظلمة دون السر)).
قال :فمن أول الناس إجازة؟ قال(( :فقراء الهاجرين)).
قال اليهودي :فما تفتهم حي يدخلون النة؟ قال(( :زيادة كبد النون)).
قال :فما غذاؤهم على إثرها؟ قال(( :ينحر لم ثور النة الذي كان يأكل من
أطرافها)).
قال :فما شرابم عليه؟ قال(( :من عي فيها تسمى سلسبيل)) .قال :صدقت.
قال :وجئت أسألك عن شيء ل يعلمه أحد من أهل الرض إل نب أو رجل أو
رجلن؟ قال(( :ينفعك إن حدثتك؟)) قال :أسع بأذن .قال :جئت أسألك عن الولد.
ن الرأة
نّ الرجل م ّ
قال(( :ماء الرجل أبيض ،وماء الرأة أصفر ،فإذا اجتمعا فعل م ُ
ن الرجل آنثا بإذن ال)).
ن الرأة م ّ
أذكرا بإذن ال ،وإذا عل م ّ
قال اليهودي :لقد صدقت ،وإنك لنب ،ث انصرف فذهب ،فقال رسول ال :
68
((لقد سألن هذا عن الذي سألن عنه ،وما ل علم بشيء منه ،حت أتان ال به)).
إذا نلص إل القول بأن حوار الدعوة واجب دين تتابعت النصوص على
الدعوة إليه ،وهو مطلب أخلقي يفرضه علينا رحتنا بالخرين ،وحرصنا على هدايتهم،
واستنقاذهم من أوضار الكفر والعقاب الخروي.
مع كفار قريش ،وحوى الفقه السلمي بذاهبه الختلفة تراثا ضخما ف مال العلقات
الدولية الت بينت للمسلمي أصول التعامل مع متلف البشر.
ويركز هذا اللون من الوار على النقاط الشتركة الت يتفق عليها التحاورون،
فيهدفون إل تعميقها والتكاتف ف سبيلها ،وغالبا ما تصطبغ بالصبغة الخلقية أو
الصلحية ،كالوار حول السلم العالي والتعايش بي المم ومكافحة الشذوذ ومعالة
قضايا النلل الخلقي والتفكك السري.
وأبرز معال هذا النوع من الوار:
•العتراف بوجود الخر واختياره للدين والعتقد.
•العتراف باختلف التحاورين وخصوصية كل دين،
ونبذ التوفيق والتلفيق بي أديان الطراف التحاورة.
•تنب أو الذر ف البحث ف السائل العقدية الفاصلة،
حفاظا على استمرارية الوار وضمان ديومة التعاون
على تقيق القيم أو الصال الشتركة.
•تنب إطلق اللفاظ الفسدة لجواء الوار ،كإطلق
الكفر على الحاورين أو الديث عن خلودهم ف النار
أو الطعن ف مقدساتم ،وتنب هذا ليس تسويغا له البتة.
•إبراز أوجه التشابه والتفاق بي الطراف التحاورة،
والتركيز عليها لستثمارها وتنميتها ،وإقصاء أوجه
التباين والفتراق لا لا من أثر سلب على الوار.
•الدعوة إل معرفة الخر كما يريد هو أن يُعرف ،ورفع
الحكام السبقة عنه ،مع التأكيد على الدعوة إل نسيان
الاضي التاريي ،والعتذار عن أخطائه ،والتخلص من
آثاره.
[]28 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
وهذا اللون من الوار مشروع وجائز ،فقد شهد النب ف شبابه حلف الطيبي
الذين اتفقوا على رد الظال وإعانة الظلوم ،وهو لون من اللقاء حول أسباب التعايش.
وحي بُعث عليه الصلة والسلم أكد مشروعية مثل هذا العمل النبيل والتزامه
به فقال (( :ما شهدت من حلف إل حلف الطيبي ,وما أحب أن أنكثه ،وأن ل حر
النعم)) ،وف رواية أنه قال (( :ولو دعيت به اليوم ف السلم لجبت)) .وف رواية
عزاها ابن كثي ف السية إل الميدي(( :لو دعيت به ف السلم لجبت؛ تالفوا أن
ترد الفضول على أهلها ،وأل يعز ظال مظلوماً)) 69.فقد أقر اللقاء مع الكافر على
مثل هذه القيمة النبيلة والصلة الميدة.
قال ابن حجر ف الفتح " :وكان حلفهم أن ل يعي ظال مظلوما بكة ,وذكروا
ف سبب ذلك أشياء متلفة مصلها :أن القادم من أهل البلد كان يقدم مكة ،فربا
ظلمه بعض أهلها فيشكوه إل من با من القبائل ،فل يفيد ,فاجتمع بعض من كان
70
يكره الظلم ويستقبحه ،إل أن عقدوا اللف ,وظهر السلم وهم على ذلك ".
وقال القرطب رحه ال" :ذكر ابن إسحاق قال :اجتمعت قبائل من قريش ف دار
عبد ال بن جدعان لشرفه ونسبه ،فتعاقدوا وتعاهدوا على أل يدوا بكة مظلوما من
أهلها أو غيهم إل قاموا معه ،حت ترد عليه مظلمته ،فسمت قريش ذلك اللف حلف
الفضول ،وهو الذي قال فيه الرسول (( :لقد شهدت ف دار عبد ال بن جدعان
حلفا ما أحب أن ل به حر النعم ،ولو أدعى به ف السلم لجبت)) ،وهذا اللف هو
العن الراد ف قوله عليه السلم(( :وأيا حلف كان ف الاهلية ل يزده السلم إل
72
شدة)) ،71لنه موافق للشرع إذا أمر بالنتصاف من الظال".
قال الباركفوري " :قوله (( :أوفوا )) من الوفاء ،وهو القيام بقتضى العهد
((بلف الاهليّة)) أي العهود الّت وقعت فيها ،مّا ل يالف الشّرع لقوله تعال :أوفوا
وتعاونوا على البّ والتّقوى ول بالعقود (الائدة )1 :لكنّه مقيّ ٌد با قال اللّه تعال:
تعاونوا على الث والعدوان (الائدة (( ،)2 :فإنّه )) أي السلم (( ل يزيده )) أي
حلف الاهليّة الّذي ليس بخالفٍ للسلم (( إلّا ش ّدةً )) أي شدّة توثّقٍ ،فيلزمكم
73
الوفاء به".
قال ابن القيم " :وأمّا قول النّبّ (( :شهدت حلفا ف الاهليّة ما أحبّ أنّ ل
به حر النّعم ,لو دعيت إل مثله ف السلم لجبت)) ،فهذا -واللّه أعلم -هو حلف
ف الظّال ونوه ,فهذا إذا وقع ف
الطيّبي ,حيث تالفت قريش على نصر الظلوم ,وك ّ
السلم كان تأكيدًا لوجب السلم وتقوية له .وأمّا اللف الّذي أبطله فهو تالف
القبائل :بأن يقوم بعضها مع بعض وينصره ،ويارب من حاربه ,ويسال من ساله .فهذا
74
ل يعقد ف السلم".
قال ابن حجر " :ذكره ابن إسحاق وغيه ,وكان جع من قريش اجتمعوا
فتعاقدوا على أن ينصروا الظلوم وينصفوا بي النّاس ونو ذلك من خلل الي ,
واستم ّر العمل بذا اللف بعد البعثة النبوية ,ويستفاد من حديث عبد الرّحن بن عوف
أنّهم استمرّوا على ذلك ف السلم ,وإل ذلك الشارة ف حديث جبي بن
مطعم."...
75
وما يؤكد ديومة هذا اللف ف السلم أنه كان بي السي بن علي وبي الوليد
بن عتبة بن أب سفيان منازعة ف مال كان بينهما بذي الروة ،فكان الوليد يتحامل على
السي بن علي بسلطانه ف حقه ،فقال السي بن علي :أحلف بال لتنصفن من حقي،
أو لخذن سيفي ث لقومن ف مسجد رسول ال ،ث لدعون بلف الفضول.
فقال عبد ال بن الزبي ،وهو عند الوليد ،حي قال السي ما قال :وأنا أحلف
بال لئن دعا با لخذن سيفي ،ولقومن عنده ومعه ،حت ينصف من حقه ،أو نوت
76
جيعا".
وقد يشكل هنا قول النب (( :ل حلف ف السلم)) ،فيفهم منه قطع اللف،
وهذا العن غي صحيح ،فالرواية ف صحيح مسلم من حديث جبي بن مطعم(( :ل
77
حلف ف السلم ،وأيا حلف كان ف الاهلية ل يزده السلم إل شدة)).
وتأكيدا لذا الفهم نسوق رواية البخاري عن أنس بن مالك ،لا سئل :أبلغك أن
النب قال(( :ل حلف ف السلم))؟ قال :قد حالف النب بي قريش والنصار ف
78
داري.
قال الطبي " :ما استدل به أنس على إثبات اللف ل يناف حديث جبي بن
مطعم ف نفيه ,فإنّ الخاء الذكور كان ف أوّل الجرة ،وكانوا يتوارثون به ,ث نسخ
من ذلك الياث وبقي ما ل يبطله القرآن ،وهو التّعاون على القّ والنّصر والخذ على
79
يد الظال كما قال ابن عباس :إل النصر والنصيحة والرفادة ويوصى له".
وقال القرطب" :قال العلماء :فهذا اللف الذي كان ف الاهلية هو الذي شده
السلم ،وخصه النب عليه الصلة والسلم من عموم قوله(( :ل حلف ف السلم))
والكمة ف ذلك أن الشرع جاء بالنتصار من الظال وأخذ الق منه وإيصاله إل
الظلوم ،وأوجب ذلك بأصل الشريعة إيابا عاما على قدر من الكلفي ،وجعل لم
السبيل على الظالي ،فقال تعال :إنا السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون ف
الرض بغي الق أولئك لم عذاب أليم (الشورى.")42 :
80
وقال ابن حجر" :ويكن المع بأن النف ّي ما كانوا يعتبونه ف الاهليّة من نصر
الليف ولو كان ظالا ،ومن أخذ الثّأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها ،ومن التّوارث
ونو ذلك ,والثبت ما عدا ذلك من نصر الظلوم والقيام ف أمر الدّين ونو ذلك من
81
الستحبّات الشّرعيّة كالصادقة والواددة وحفظ العهد".
وهكذا ،فإن المة السلمة ل تتوقف ف حوارها مع الخرين على القضايا
الدينية ،بل تد أيديها إل الخرين ،وهي تسعى ف حوارها إل تقيق الصال الشتركة
الت تنشدها الطراف الختلفة ،عب حوار التعامل والتعايش الذي يؤمّن الزيد من
الستقرار والرخاء لشعوب النسانية ،ويعي البشرية على تاوز الكثي من الشرور على
الصعيد الجتماعي والخلقي والسياسي ،وغيها.
ج 0حوار الوحدة
وهو الوار الذي يهدف إل إزالة الفروق والختلفات العقدية والشعائرية بي
التحاورين وتييع خصائص الديان وتاوزها تاه وحدة الديان والتقريب بينها.
وهذه الدعوة التلفيقية قدية متجددة ،ترعاها مؤسسات من متلف اللل
والنحل ،ولكل منها أهدافه الت يرنو من خللا إل اجتذاب الخرين وصهرهم ف
بوتقته.
ولعل من أبرز من ينادي بالوحدة بي الديان؛ الركة الاسونية بناشطها
ومؤسساتا الختلفة وامتداداتا العاصرة ،يقول ممد رشاد فياض رئيس مفل الشرف
العظم الاسون مققا هدف الاسونية الزعوم التمثل ف الخاء النسان" :اليمات
الثلثة ف الوسوية والسيحية والحمدية يتمعون [هكذا] ف ميم واحدة هي ميم
إذا ل يكن دينه إل دين دان لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحب
حت ف فقهائهم وعبّادهم ،لسيما الهمية من التادية الفرعونية ونوهم ،فإنه غلبت
84
عليهم الفلسفة ،وهذا مذهب كثي من التفلسفة أو أكثرهم".
ويقول رحه ال " :وهذا من جنس جهال التتر أول ما أسلموا ،فإن السلم
85
عندهم خي من غيه ،وإن كان غيه جائزا ".
ث دبّت الياة من جديد ف فكرة وحدة الديان على أيدي البهائية الباطنية ،ث
جال الدين الفغان ومدرسته العقلنية ،فقد أسس ممد عبده ،والقس النليزي
إسحاق تيلور ،وجال رامز بك (قاضي بيوت) ،بشاركة نفر من اليرانيي ،أسسوا
جعية سرية للتقريب بي الديان ف بيوت ،وذلك عام (1301هـ1883 /م).
يقول الفغان ف العمال الكاملة " :هكذا ند الديان الثلثة :الوسوية
والعيسوية والحمدية على تام التفاق ف البدأ والغاية ..لقد لح ل بارق أمل كبي:
أن تتحد أهل الديان الثلثة مثل ما اتدت الديان ف جوهرها وأصلها وغايتها".
ث يشنع الفغان على الذين يصرون على اختلف الديان الذين أساهم:
"الزاربة الذين جعلوا كل فرقة بنلة حانوت ،وكل طائفة كمنجم من مناجم الذهب
والفضة ،ورأس مال تلك التجارات ما أحدثوه من الختلفات الدينية والطائفية
86
والذهبية".
وف عام 1987م دعا الفكر الفرنـسي روجيــه جارودي ـ عقب إعلنه
اعتناق السلم ـ إل اللتقى البراهيمي ف قرطبة ،واتذ من (القلعة الرة) مقرا
لؤسسته ومتحفه ومناشطها التلفيقية التوحيدية.
يقول جارودي" :إنن عندما أعلنت إسلمي ل أكن أعتقد بأن أتلى عن
مسيحيت ول عن ماركسيت ،ول أهتم بأن يبدو هذا متناقضا أو مبتدعا".
قال الطبي مبينا ما ف الية من تذير من اللي والطاوعة ف الدين " :ود هؤلء
الشركون يا ممد لو تلي لم ف دينك بإجابتك إياهم إل الركون إل آلتهم ،فيلينون
89
لك ف عبادتك إلك".
ول يفى أن الداراة أو الرفق من آداب السلم ف معاملة الخالفي ،ول يفى
على الحقق الفرق بينه وبي الدهان الحرم ،قال القرطب ف التفريق بينهما " :والفرق
بي الداراة والداهنة أن الداراة بذل الدنيا لصلح الدنيا أو الدين أو ها معًا ,وهي
90
مباحة ,وربا استُحبت ,والداهنة ترك الدين لصلح الدنيا ".
ومن صور الداهنة الت يقع با التحاورون ف وحدة الديان ،تسميتهم للمعابد
والكنائس بيوت ال ،وهي إل كفران ال وعصيانه أقرب.
قال شيخ السلم حي سئل عن تسمية البِيَع بيوت ال" :ليست بيوت ال،
وإنا بيوت ال الساجد ،بل هي [أي البيع] بيوت يكفر فيها بال ..فالبيوت بنلة
91
أهلها ،وأهلها كفار ،فهي بيوت عبادة الكفار".
لكن تلك الداهنة الحرمة دون الكم بإيان أهل اللل وتسويغ معتقداتم،
أو حت الرتياب ف ثبوت كفرهم وبطلن عقائدهم وعباداتم ،فإن الشك ف كفرهم
وفساد مذهبهم كفر مرج من اللة.
يقول القاضي عياض" :ولذا نكفر من دان بغي ملة السلمي من اللل ،أو وقف
فيهم ،أو شك ،أو صحح مذهبهم ،وإن أظهر مع ذلك السلم ،واعتقده ،واعتقد
92
إبطال كل مذهب سواه ،فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلف ذلك".
يقول ابن تيمية" :ومعلوم بالضطرار من دين السلمي وباتفاق جيع السلمي أن
من سوغ اتباع غي دين السلم ،أو اتباع شريعة غي شريعة ممد فهو كافر ،وهو
93
ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب".
وهكذا فإن السلم يرفض دعوات الوار الت ترنو إل إشاعة وحدة الديان
وصهرها ،ويراها ناقضا من نواقض السلم.
وصدق الشاعر ،وهو يصف حال أولئك الذين يرومون جع النقائض:
وقال رسول ال (( :أنا أول الناس بعيسى ابن مري ف الدنيا والخرة،
والنبياء إخوة لعَلّات ،أمهاتم شت ،ودينهم واحد)) ،95قال ابن حجر" :ومعن الديث
96
أن أصل دينهم واحد ،وهو التوحيد ،وإن اختلفت فروع الشرائع".
يقول ابن القيم" :فهؤلء النبياء كلهم وأتباعهم ،كلهم يذكر ال تعال أنم
كانوا مسلمي ،وهذا ما يبي أن قوله تعال ومن يبتغ غي السلم دينا فلن يقبل منه
وهو ف الخرة من الاسرين (آل عمران ،)85 :وقوله :إن الدين عند ال السلم
(آل عمران ،)19 :ل يتص بن بعث إليه ممد ،بل هو حكم عام ف الولي
والخرين.
ولذا قال تعال :ومن أحسن دينا من أسلم وجهه ل وهو مسن واتبع ملة
وقالوا لن إبراهيم حنيفا واتذ ال إبراهيم خليلً (النساء ،)125 :وقال تعال:
يدخل النة إل من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم
صادقي بلى من أسلم وجهه ل وهو مسن فله أجره عند ربه ول خوف عليهم ول هم
97
يزنون (البقرة.")112-111 :
قال شيخ السلم " :فدين النبياء واحد ،وهودين السلم ،كلهم مسلمون
98
مؤمنون ،كما قد بي ال ف غي موضع من القرآن ،لكن بعض الشرائع تتنوع ".
شرع لكم من وصدق ال العظيم وهو يربط رسالته الاتة برسالته السابقة:
الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين
ول تتفرقوا فيه (الشورى.)13 :
وقال السن " :لي القول من الدب السن الميل واللق الكري ،وهو ما
ارتضاه ال ،وأحبه ...قال عطاء بن أب رباح :من لقيت من الناس فقل له حسنا من
100
القول ".
ويأمر ال عباده أن يقولوا الت هي أحسن :قل لعبادي يقولوا الت هي أحسن
إن الشيطان ينغ بينهم (السراء .)53 :قال القرطب " :نزلت ف عمر بن الطاب،
ل من العرب شتمه وسبه ،وهمّ بقتله ،فكادت تثي فتنة ،فأنزل ال تعال
وذلك أن رج ً
101
فيه وقل لعبادي يقولوا الت هي أحسن "
قال السن" :هو أن يقول للكافر إذا تشطط :هداك ال ،يرحك ال ..وعلى
هذا تكون الية عامة ف الؤمن والكافر ،أي قل للجميع ".
102
قال ابن كثي " :وجادلم بالت هي أحسن ،أي من احتاج منهم إل مناظرة
وجدال ،فليكن بالوجه السن برفق ولي وحسن خطاب ..فأمر تعال بلي الانب كما
أمر به موسى وهارون عليهما السلم حي بعثهما إل فرعون ف قوله :فقول له قولً
لينا لعله يتذكر أو يشى وقوله :إن ربك هو أعلم بن ضل عن سبيله (النحل :
103
)125الية ،أي قد علم الشقي ".
ويلفت ابن تيمية النظر إل أن ال قال :ادع إل سبيل ربك بالكمة والوعظة
السنة وجادلم بالت هي أحسن (النحل ،)125 :فطلب الدال بالت هي أحسن،
"ول يقل بالَسنة كما قال ف الوعظة ،لن الدال فيه مدافعة ومغاضبة ،فيحتاج أن
104
يكون بالت هي أحسن ،حت يصلح ما فيه من المانعة والدافعة".
قال الشوكان ف تبيان معن الكمة" :أي بالقالة الحكمة الصحيحة" ،بينما
فسّر الوعظة بأنا تلك "الت يستحسنها السامع ،وتكون ف نفسها حسنة باعتبار انتفاع
105
السامع با".
وإن من الكمة والوعظة السنة أن ل نبه من ندعوه بقولنا :يا كافر .ف باب
العيب واللمز ،وإن كنا ل نشك ف كفره يقول نظام النفي" :لو قال ليهودي أو
موسي :يا كافر .يأث إن شق عليه" ،106وذلك الث يلحق صاحبه لجره الكمة ف
الدعوة والت هي أحسن ف البلغ.
-2الغض عن إساءة الخر ومقابلتها بالحسان
ل ريب أن اختلف العقائد يورث الضغائن ،وقد يصدر من اللسان ما يسوء
السلم ساعه ،سواء ما كان متعلقا بعتقده أم بشخصه ،وهذه الساءة فرع عن الكفر
الذي يتلبس به الحاور ،فماذا يكون موقف الحاور السلم؟ هل يغلق باب الوار
ويوقف مسار الدعوة ،أم يتغاضى عن خطأ الخر سياسة وصونا لصلحة الدعوة؟
ل ريب أن الوقف يفرض التصرف المثل الذي يسلكه الداعية تاه هذا
العدوان ،إذ قد أذن الشرع برد العدوان :وإن عاقبتم فعاقبوا بثل ما عوقبتم به ولئن
صبت لو خي للصابرين (النحل ،)126 :قال القرطب " :أيها الؤمنون من ظلمكم
واعتدى عليكم ،فعاقبوه بثل الذي نالكم به ظالكم ،ولئن صبت عن عقوبته،
واحتسبتم عند ال ما نالكم به من الظلم ،ووكلتم أمره إليه حت يكون هو التول
عقوبته لو خي للصابرين يقول :للصب عن عقوبته بذلك خي لهل الصب احتسابا
107
وابتغاء ثواب ال".
وف الصب على أخطاء الخالف يقول ال :ادفع بالت هي أحس ُن السيئةَ نن
أعلم با يصفون (الؤمنون.)96 :
قال الطبي " :وخاصمهم بالصومة الت هي أحسن من غيها :أن تصفح عما
نالوا به عرضك من الذى ،ول تعصه ف القيام بالواجب عليك من تبليغهم رسالة
108
ربك".
ويقول ابن كثي " :أمر تعال بصانعة شيطان النس ومداراته بإسداء الميل
109
إليه ،ليده طبعه عما هو فيه من الذى."..
ول تادلوا أهل ونقل الطبي عن ماهد ف سياق تفسيه لقوله تعال:
الكتاب إل بالت هي أحسن قولَه" :إن قالوا شرا ،فقولوا خيا :إل الذين ظلموا
110
منهم فانتصروا منهم".
وقال تعال مبينا للمؤمني ما سيتعرضون له من أذى الشركي ،وآمرا إياهم
بالصب والتقوى) :ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى
كثيا وإن تصبوا وتتقوا ل يضركم كيدهم شيئا( (آل عمران.)186 :
قال شيخ السلم ابن تيمية" :فأمر سبحانه وتعال بالصب على أذى الشركي
وأهل الكتاب مع التقوى ....وقد قال سبحانه وتعال) :ول يرمنكم شنآن قومٍ على
أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى( (الائدة ،)8 :فنهى أن يمل الؤمني بغضهم للكفار
111
على أل يعدلوا عليهم ...فهذا موضع عظيم النفعة ف الدين والدنيا."..
وف آية أخرى أخب ال بتنكب كثي من أهل الكتاب طريق اليان وإعراضهم
عما تبي لم من الق ،بل وصدهم عنه وحرصهم على إضلل الهتدين حسدا وبغيا ،
وف مقابله أمر ال بالعفو والصفح حت يكون الزاء ف دار عدله ] :ود كثي من أهل الكتاب لو
يردونكم من بعد إيانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبي لم الق فاعفوا واصفحوا
حت يأت ال بأمره إن ال على كل شيء قدير [(البقرة .)109:قال القرطب" :والعفو ترك
112
الؤاخذة بالذنب ،والصفح إزالة أثره من النفس".
وقد التزم أمر ربه فصب على أذى الشركي وأعرض عنه ،ول يقابل إساءتم
بالثل ،وصور ذلك ف سيته كثية.
109تفسي القرآن العظيم (.)1/14
110جامع البيان (.)21/1
111الستقامة (.)1/38
112الامع لحكام القرآن (.)2/71
[]44 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
منها ما صنعه النب مع اليهود الذين أتوا إليه ياورونه ،تقول عائشة رضي
ال عنها :إن اليهود أتوا النب فقالوا :السام عليك ،قال(( :وعليكم)) ،فقالت
عائشة :السام عليكم ،ولعنكم ال ،وغضب عليكم ،فقال رسول ال (( :مهلً يا
عائشة ،عليك بالرفق ،وإياك والعنف أو الفحش)) .قالت :أول تسمع ما قالوا؟ قال:
((أول تسمعي ما قلتُ؟ رددت عليهم ،فيستجاب ل فيهم ،ول يستجاب لم فّ)).
113
ومثل هذا الدب صنعه النب حي قسم قسما فقال رجل :إن هذه لقسمة ما
أريد با وجه ال ،يقول ابن مسعود :فأتيت النب فأخبته ،فغضب حت رأيت الغضب
114
ف وجهه ،ث قال(( :يرحم ال موسى ،قد أوذي بأكثر من هذا ،فصب)).
ومن حسن العاملة العراض ما أمكن عن النازعة وأسبابا ،ولو بالعراض عن
الجابة ،روى ابن مردويه وابن أب حات بسندها عن ابن عباس أن قريشا دعوا رسول
ال إل أن يعطوه مالً ،فيكون أغن رجل فيهم ،ويزوجوه ما أراد من النساء ،ويطأون
عقبه أي يسودوه.
ف عن شتم آلتنا ،فل تذكرها بسوء ،فإن ل
فقالوا :هذا لك عندنا يا ممد ،وك ّ
تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ،وهي لك ولنا فيها صلح ،قال(( :ما هي؟))
قالوا تعبد آلتنا سنة اللت والعزى ،و نعبد إلك سنة.
قال(( :حت أنظر ما يأتين من رب)) فجاءه الوحي من ال من اللوح الحفوظ:
115
قل يا أيها الكافرون [الكافرون ]1 :إل آخرها ".
و قوله ف هذا الديث(( :حت أنظر ما يأتين من رب)) نوع من التلطف ف
الروج من الوضوع.
قال ابن تيمية" :قد يقول هذا من يقصد به دفع الظالي بالت هي أحسن،
ليجعل حجته أن الذي عليه طاعته قد منع من ذلك ،فيؤخر الواب حت يستأمره ،وإن
كان هو يعلم أن هذا القول الذي قالوه ل سبيل إليه ،وقد تطب إل الرجل ابنته
فيقول :حت أشاور أمها ،وهو يريد أن ل يزوجها بذلك ،و يعلم أن أمها ل تشي به،
وكذلك قد يقول النائب :حت أشاور السلطان " 116.فالعراض عن الواب نوع من
التلطف وأدب من آداب الدعوة والوار.
-3ترك الخوض فيما ل يحسنه
لعل من الضروريات الت ل يسن بأحد تاوزها عدم خوض الرء فيما ل يلك
عليه بينة ول برهانا ،والرزية أن يهرف الرء با ل يعرف ،وأن يقول ما ل يعلم ،وهذا
الذي نعاه القرآن على أهل الكتاب ،وهو ذم لكل من صنع صنيعهم ،قال ال تعال:
فلم تاجون فيما ليس لكم به علم (آل عمران ،)66 :قال القرطب " :دليل على
النع من الدال لن ل علم له ،والظر على من ل تقيق عنده ..قد ورد المر بالدال
117
لن علم وأيقن ،فقال تعال :وجادلم بالت هي أحسن ".
وقال تعال :إن الذين يـادلون ف ءايـات ال بغي سلطـان أتـاهم إن ف
صدورهم إل كب مـا هم ببـالغيه فاستعذ بال إنـه هو السميع البصي (غافر:
.)56
وف هذه اليات تقريع من القرآن الكري لولئك الذين ياصمون النبياء،
ويلجون إل الوار دون دليل ول برهان ،ولنم ل يلكون علما ول حجة ،فإنم
يعالون مسائلهم بالوى والدال بالباطل والتكذيب والستكبار عن قبول الق.
والنب -وهو أعلم اللق -توقف ف حواره مع أهل نران حت أتاه علم ال
ف السألة الت ياور فيها ،إذ لا جاءه راهبا نران عرض عليهما السلم ،فقال أحدها:
إنا قد أسلمنا قبلك .فقال(( :كذبتما .إنه ينعكما عن السلم ثلثة :عبادتكم الصليب،
وأكلكم النير ،وقولكم :ل ولد)).
وحي حاور النب ف مسجده بالدينة وفد نصارى نران الذي قدم على النب
ل بقيادة أسقفهم أب الارث؛ أذن لم النب أن يقيموا صلتم
ف خسة عشر رج ً
ف أحد أركان مسجده.
120
رواه الطبي ف تفسيه ( ،)3/163و أبو نعيم ف دلئل النبوة (.)2/258 118
قال ابن القيم" :وفيها جواز دخول أهل الكتاب مساجد السلمي ،وفيها تكي
أهل الكتاب من صلتم بضرة السلمي وف مساجدهم أيضا إذا كان ذلك عارضا،
ول يكنون من اعتياد ذلك ".
121
120ذكره ابن هشام ف سيته ( ، ،)1/511ونقل مثله ابن القيم ف زاد العاد عن أب أمامة (
،)631-3/630وانظر الامع لحكام القرآن ،القرطب (.)4/5
121زاد العاد (.)3/638
122أحكام أهل الذمة (.)1/408
123رواه مسلم ح (.)2135
124الواب الصحيح (.)227-1/226
[]48 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
ومن آداب الوار حسن العاملة مع الحاور ،ومداراة الحاور الخر وإكرامه
ل استأذن على النب فلما رآه
وحسن استقباله ،فعن عائشة رضي ال عنها أن رج ً
قال(( :بئس أخو العشية ،وبئس ابن العشية)) فلما جلس تط ّلقَ النب ف وجهه
وانبسط إليه.
فلما انطلق الرجل قالت له عائشة :يا رسول ال حي رأيت الرجل قلت له كذا
وكذا ،ث تطلقت ف وجهه ،وانبسطت إليه فقال رسول ال (( :يا عائشة ،مت
عهدتن فحّاشا ،إن شر الناس عند ال منلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره)).
125
وف شرح الديث ينقل ابن حجر عن القرطب قوله" :ف الديث ..جواز
مداراتم اتقاء شرهم ما ل يؤد ذلك إل الداهنة ف دين ال تعال ...والفرق بي الداراة
والداهنة أن الداراة بذل الدنيا لصلح الدنيا أو الدين أو ها معًا ,وهي مباحة ,وربا
استحبت ,والداهنة ترك الدين لصلح الدنيا ,والنب إنا بذل له من دنياه حسن
عشرته والرفق ف مكالته ومع ذلك فلم يدحه بقولٍ ،فلم يناقض قوله فيه فعله ,فإن
قوله فيه قول حق ,وفعله معه حسن عشرة ."...
126
وعقّب ابن حجر بقوله " :وهذا الديث أصل ف الداراة ".
ومن الداراة مناداة الحاورين غي السلمي با يليق بم من ألقاب يستحقونا،
وتيتهم تية مناسبة ،كقوله (( :بسم ال الرحن الرحيم ،من ممد عبد ال ورسوله
127
إل هرقل عظيم الروم )).
قال ابن حجر " :قوله (( :عظيم الروم )) فيه عدول عن ذكره باللك أو
128
المرة ,لنه معزول بكم السلم ,لكنه ل يله من إكرام لصلحة التألف."..
قال النووي " :ول يقل :إل هرقل فقط ,بل أتى بنوع من اللطفة فقال:
((عظيم الروم)) ,أي الذي يعظمونه ويقدمونه ,وقد أمر ال تعال بإلنة القول لن
ادع إل سبيل ربك بالكمة والوعظة السنة يدعى إل السلم ،فقال تعال :
129
فقول له قولً لينا (طه )44 :وغي ذلك". (النحل ،)125 :وقال تعال :
وأيضا من الداراة للخرين الفعل السن ،كعيادة مريضهم ،وإكرام وفدهم،
تأسيا بالنب ف صنيعه مع عدي بن حات الطائي وعكرمة بن أب جهل قبل إسلمهما.
قال عدي بن حات" :أتيت رسول ال وهو جالس ف السجد ،فقال القوم:
ت إليه أخذ بيدي ..حت أتى
ت بغي أمان ول كتاب ،فلما دُفع ُ
هذا عدي بن حات .وجئ ُ
130
ب داره ،فألقت له الوليدة وسادة ،فجلس عليها ".
ولا قدم عكرمة بن أب جهل على النب قال له (( :مرحبا بالراكب الهاجر))،
وف رواية الطبان :فلما رآه النب قام إليه ،فاعتنقه ،وقال(( :مرحبا بالراكب
131
الهاجر)).
ومن قبل أحسن النب معاملة أبيه على طغيانه وكفره ،يقول الغية بن شعبة:
أن كنت أمشي مع أب جهل بكة ،فلقينا رسول إن أول يوم عرفت فيه رسول ال
فقال له(( :يا أبا الكم ،هلم إل ال وإل رسوله وإل كتابه ،أدعوك إل ال
ال)) 132.فناداه بأحب الساء إليه تألفا لقلبه.
ومن الداراة وحسن التعامل مع الخر صنيع مؤمن آل فرعون مع قومه ،فقد
كان يقول لم مع كل نصيحة :يا قوم (غافر .)41 ،39 ،38 ،32 ،30 :يتألفهم
133
بذلك .قال القرطب" :فقال :يا قوم ليكونوا أقرب إل قبول وعظه".
فالحاور السلم يتأدب بالرفق و اللطف والدارة ،إذ الرفق ما كان ف شيء إل
زانه ،ول نزع من شيء إل شانه.
هدى أو ف ضلل مبي (سبأ ،)24 :والعن على هذا :فأنا أول العابدين لذلك الولد،
136
لن تعظيم الولد تعظيم للوالد ".
قال الطبي " :ل يكن على وجه الشك ،ولكن على وجه اللطاف ف الكلم
قل ال وإنا أو إياكم لعلى هدى أو ف ضلل وحسن الطاب ،كما قال جل ثناؤه:
137
مبي (سبأ ،)24 :وقد علم أن الق معه ،وأن مالفيه ف الضلل البي ".
فلما جن عليه ومثله صنيع إبراهيم عليه السلم من قبل ،حيث قال لقومه:
الليل رأى كوكبا قال هذا رب فلما أفل قال ل أحب الفلي فلما رأى القمر بازغا قال هذا رب
فلما أفل قال لئن ل يهدن رب لكونن من القوم الضالي فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا رب
هذا أكب فلما أفلت قال يا قوم إن بري ٌء ما تشركون (النعام.)78-76 :
قال الرازي" :هذه الباحثة إنا جرت مع قومه لجل أن يرشدهم إل اليان والتوحيد ،ل
لجل أن إبراهيم كان يطلب الدين والعرفة لنفسه".
هذا رب إنا نوع من التدرج ف وقوله عليه السلم عن الشمس والقمر والكوكب:
إبطال ربوبيتها.
أراد أن يبطل وقد ذكر الرازي وجوها ف توجيه قول إبراهيم عليه السلم منها " أنه
قولم بربوبية الكواكب ،إل أنه عليه السلم كان قد عرف من تقليدهم لسلفهم وبُعد
طباعهم عن قبول الدلئل؛ أنه لو صرح بالدعوة إل ال تعال ل يقبلوه ول يلتفتوا إليه،
فمال إل طريق به يستدرجهم إل استماع الجة ،وذلك بأن ذكر كلما يوهم كونه
مساعدا لم على مذهبهم بربوبية الكواكب ،مع أن قلبه صلوات ال عليه كان مطمئنا
باليان ،ومقصوده من ذلك أن يتمكن من ذكر الدليل على إبطاله وإفساده وأن يقبلوا
قوله ،وتام التقرير أنه لا ل يد إل الدعوة طريقا سوى هذا الطريق ،وكان عليه السلم
138
مأمورا بالدعوة إل ال كان بنلة الكره على كلمة الكفر".
قال ابن القيم " :قاله على سبيل التقرير ،لتقريع قومه أو على سبيل الستدلل
والترقي " ،139وقال " :قيل :إنا على وجه إقامة الجة على قومه ،فتصور بصورة
الوافق ليكون أدعى إل القبول ،ث توسل بصورة الوافقة إل إعلمهم بأنه ل يوز أن
140
ل ".
يكون العبود ناقصا آف ً
ودعا ال نبيه إل تألف قلوب اليهود والنصارى ودعوتم إل السلم من خلل
دعوتم إل مبب إليهم ،إل اتباع ملة إبراهيم الذي يؤمنون به ،وهي ف القيقة دعوة
وقالوا كونوا هودا أو نصارى تتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان كل النبياء ،فقال:
من الشركي قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل إل إبراهيم وإساعيل وإسحق ويعقوب
والسباط وما أوت موسى وعيسى وما أوت النبيون من ربم ل نفرق بي أح ٍد منهم ونن له
مسلمون (البقرة.)136-135 :
قال الطبي" :احتج ال لنبيه ممد أبلغ حجة وأوجزها وأكملها ،وعلّمها
ممدا نبيَه فقال :يا ممد ،قل للقائلي لك من اليهود والنصارى ولصحابك:
كونوا هودا أو نصارى تتدوا (البقرة : )135 :بل تعالوا فلنتبع ملة إبراهيم الت
يمِع جيعُنا على الشهادة لا؛ بأنا دين ال الذي ارتضاه واجتباه ،وأمر به ،فإن دينه
كان النيفية السلمة ،وَندَع سائر اللل الت نتلف فيها ،فينكرها بعضنا ،ويقر با
بعضنا ،فإن ذلك على اختلفه ل سبيل لنا إل الجتماع عليه ،كما لنا السبيل إل
141
الجتماع على ملة إبراهيم".
ومن التنـزل مع الخر والرفق ف مادلته ماطبتُه باصطلحاته ولغته ،يقول ابن
تيمية" :وأما ماطبة أهل الصطلح باصطلحهم ولغتهم فليس بكروه ،إذا احتيج إل
ذلك ،وكانت العان صحيحة ،كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم
142
وعُرفهم ،فإ ّن هذا جائ ٌز حسن للحاجة ،وإنا كرهه الئمة إذا ل يتاجوا إليه".
وقال رحه ال" :ول ريب أن اللفاظ ف الخاطبات تكون بسب الاجات
كالسلح ف الحاربات ،فإذا كان عدو السلمي -ف تصنهم وتسلحهم -على صفة
غي الصفة الت كانت عليها فارس والروم ،كان جهادهم بسب ما توجبه الشريعة الت
مبناها على تري ما هو ل أطوع وللعبد أنفع ،وهو الصلح ف الدنيا والخرة ،وقد
يكون البي بروبم أقدر على حربم من ليس كذلك ،ل لفضل قوته وشجاعته ،ولكن
لجانسته لم ،كما يكون العجمي التشبه بالعرب -وهم خيار العجم -أعلم بخاطبة
143
قومه العاجم من العرب ".
ويقول" :كما نتنـزل إل اليهودي والنصران ف مناظرته ،وإنْ كنا عالي
ببطلن ما يقوله اتباعا لقوله تعال) :وجادلم بالت هي أحسن( (النحل )125 :وقوله:
)ول تادلوا أهل الكتاب إل بالت هي أحسن( ( العنكبوت ،)46:وإل فعلمنا ببطلن ما
يعارضون به القرآن والرسول ويصدون به أهل اليان عن سواء السبيل ،وإن جعلوه
144من العقول بالبهان أعظم من أن يبسط ف هذا الكان".
وقال الشيخ ابن سعدي " :فإن كان الدعو يرى أن ما هو عليه الق أو كان
داعية إل الباطل ،فيجادل بالت هي أحسن ،وهي الطرق الت تكون أدعى لستجابته
ل ونقلً ،ومن ذلك الحتجاج عليه بالدلة الت كان يعتقدها ،فإنه أقرب إل حصول
عق ً
145
القصود".
لكن هذا ل يعن موافقة الخر على أصوله الباطلة قال شيخ السلم ابن تيمية:
"وال تعال ل يأمر الؤمني أن يادلوا بقدمة يسلمها الصم إ ْن ل تكن علما ،فلو قُدرَ
أنه قال باطلً ،ل يأمر ال أن يتج عليهم بالباطل ،لك ّن هذا قد يفعل لبيان فساد قوله
146
وبيان تناقضه ،ل لبيان الدعوة إل القول الق ودعوة العباد إليه."..
-7إنصاف المخالف بذكر إيجابياته وموافقته فيما
يصدر عنه من حق
السلم رائده الق ،والكمة ضالته ،فهو يأخذها ويقر با بل غضاضة ،من أي
طريق جاءت ،فالرسول قال لب هريرة عن الشيطان مصدر الشرور والثام:
147
((صدقك ،وهو كذوب ،ذاك شيطان)).
وعلى هذا الدب درج أصحاب النب فأقروا لخالفيهم ما عندهم من صور
إيابية ،قال الستورد القرشي وهو عند عمرو بن العاص :سعت رسول ال يقول:
((تقوم الساعة والروم أكثر الناس)) .فقال له عمرو :أبصر ما تقول! قال :أقول ما
ت من رسول ال .
سع ُ
قال :لئن قلت ذلك ،إن فيهم لصالً أربعا :إنم لحلَم الناس عند فتنة،
وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ،وأوشكهم كرة بعد فرة ،وخيهم لسكي ويتيم وضعيف،
148
وخامسة حسنة جيلة :وأمنعهم من ظلم اللوك.
ول غرو ف ذلك القرار للمخالف بزيته ،فقد أدبم القرآن وصاغهم ،حي
دعاهم إل التزام العدل مع الخالفي ول يرمنكم شنئان قوم على أن ل تعدلوا اعدلوا
هو أقرب للتقوى (الائدة.)2 :
فقد قال تعال مثبتا بعض خصال الي لهل الكتاب :ومن أهل الكتاب من
إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار ل يؤده إليك إل ما دمت عليه
قائما ذلك بأنم قالوا ليس علينا ف الميي سبي ٌل ويقولون على ال الكذب وهم
يعلمون (آل عمران.)75 :
وكذا أثن النب على النجاشي با فيه من خِلل الي ،وهو يومئذ على الكفر،
فقال لصحابه (( :إن بالبشة ملكا ل يظلم عنده أحد ,فلو خرجتم إليه حت يعل ال
149
لكم فرجا)).
وف درس بليغ آخر يقبل النب من يهودي نصيحته ،ففي الديث ترويه قتيلة
بنت صيفي الهنية قالت :أتى حب من الحبار رسولَ ال فقال :يا ممد ،نِعم القوم
أنتم لول أنكم تشركون؟ قال (( :سبحان ال! وما ذاك؟)) قال :تقولون إذا حلفتم:
والكعبة.
قالت :فأمهل رسول ال شيئا ث قال(( :إنه قد قال [أي حقا] ،فمن حلف
150
فليحلف برب الكعبة)).
وكان معاذ بن جبل رضي ال عنه يقول" :اقبلوا الق من كل من جاء به ،وإن
كان كافرا ذ أو قال فاجرا ذ واحذروا زيغة الكيم ،قالوا :كيف نعلم أن الكافر يقول
151
كلمة الق؟ قال :إن على الق نورا".
وكان شيخ السلم ابن تيمية يقول " :ولكنّ الق يقبل من كل من تكلم
152
به".
وهكذا فإن الق رائد الحاور السلم ،كائنا من كان قائله ،ورفض الق
والستكبار عن قبوله من الخر ماف لداب السلم ،الذي يوصي الؤمني :ول
يرمنكم شنئان قوم على أن ل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى (الائدة.)2:
-8حسن الستماع للمحاور الخر
من أهم الداب الت ل ينفك عنها الوار؛ حسنُ الستماع للمحاور الخر ،إذ
ل يكن تقيق الرجو من الوار إذا كان من طرف واحد ،بل ل يكن تسميته حينذاك
حوارا ،ول يفى أن الحاور السلم سيسمع من ماوره نصرة لدينه الباطل وكفرا
بالعتقد الق الذي يدعو هو إليه ،لكن ساعه لذلك ضروري ليُسمع الخرين هدي ال.
وقد جلس النب إل عتبة بن ربيعة يستمع إليه ،وهو يعرض على النب
حطاما من الدنيا ،ويطلب منه التخلي عن دعوته ودينه ف مقابلها ،يقول ابن هشام:
"حت إذا فرغ عتبة ورسول ال يستمع منه قال(( :أقد فرغت يا أبا الوليد؟)) قال:
153
نعم .قال(( :فاسع من)) قال :أفعل ".
ومن هذا الدب السامي استلهم عطاء بن أب رباح خصلة من خصال اللق
الم ،فيقول " :إن الرجل ليحدثن بالديث ،فأنصت له ،كأن ل أسعه ،وقد سعته قبل
154
أن يولد".
ول ريب أن تلق الحاور السلم بذه الداب واجب شرعي ،وهو أدعى إل
قبول دعوته وساع حجته ،فالدعوة إل السلم بالوار والدال ينبغي أن تكون
منضبطة بالوسائل والداب الشرعية الت رأيناها ف كتاب ال وسنة رسوله .
ونقل السيوطي عن ابن الصار النصاري قوله" :إنا يرجع ف النسخ إل نقل
صريح عن رسول ال ،أو عن صحاب يقول :آية كذا نسخت آية كذا".
ث ذكر السيوطي أمرا آخر يدفع العلماء إل القول بالنسخ ،وهو تعارض
النصوص ،الذي ل سبيل للجمع فيه ،يقول" :وقد يكم به عند التعارض القطوع به،
مع علم التاريخ ،لنعرف التقدم والتأخر ..ول يعتمد ف النسخ قول عوا ّم الفسرين ،بل
ول اجتهاد الجتهدين من غي نقل صحيح ،ول معارضة بيّنة ،لن النسخ يتضمن رفع
حكم ،وإثبات حكم تقرر ف عهده .والعتمد فيه :النقل والتاريخ ،دون الرأي
157
والجتهاد".
ويسـوق ابـن حزم ضابطا ثالثا لصـحة ادعاء النسـخ ،أل وهـو الجاع ،فيقول:
"فإذا اجتمعت علماء المة كلهم بل خلف من واحد منهم على نسخ آية أو حديث،
فقد صح النسخ حينئذ".
أ ما إذا ل ي صل الجاع -ك ما ف م سألتنا ذ فإ نه ل يُ صار إل الن سخ إل "إن
وجدنا المرين ل يكن استعمالما معا ،أو وجدنا أحدها كان بعد الخر بل شك ،أو
وجدنا نصا جليا يصرح بالنسخ ،ووجدنا نصا ف ذلك من ني بعد أمر ،أو أمر بعد
ني".
أ ما إذا ل تقترن دعوى الن سخ بدليل ها ،فإن ا بن حزم يرد هذا ،وينكره ،فيقول:
"ل يلـ لسـلم يؤمـن بال واليوم الخـر أن يقول فـ شيـء مـن القرآن والسـنة :هذا
منسوخ إل بيقي؛ لن ال عز وجل يقول :وما أرسلنا من رسولٍ إل ليطاع بإذن ال
(النساء )64 :وقال تعال :اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم (العراف.)3 :
فكل ما أنزل ال تعال ف القرآن أو على لسان نبيه ،ففر ضٌ اتباعه ،فمن قال ف
ش يء من ذلك :إ نه من سوخ ،ف قد أو جب أل يطاع ذلك ال مر ،وأ سقط لزوم اتبا عه،
وهذه معصـية ل تعال مردة وخلف مكشوف ،إل أن يقوم برهان على صـحة قوله،
وإل فهو مفت ٍر مبطل ...ول يوز لنا أن نسقط طاعة أمر ،أمرنا به ال تعال ورسوله ،إل
158
بيقي ل شك فيه".
أ ما القر طب فيكت في بذمّ هذا ال صنيع وتطئة صاحبه ،إذ يقول" :الناس ف هذا
ب ي طر ف نق يض ،ف من قائل :ل يق بل ف الن سخ أخبار الحاد العدول ،و من ت ساهل
159
يكتفي فيه بقول مفسر أو متهد ،والصواب خلف قولما".
ث إن علماء التف سي و هم ينقلون دعوى ن سخ هذه اليات نقلوا أقوال مق قي
أ هل العلم ف إحكام تلك الن صوص ،يقول ال طبي ف سياق تف سي قوله تعال :ول
تادلوا أ هل الكتاب (العنكبوت " :)146 :ل مع ن لقول من قال :نزلت هذه ال ية
قبل المر بالقتال ،وزعم أنا منسوخة ،لنه ل خب بذلك يقطع العذر ،ول دللة على
صحته من فطرة عقل ،وقد بينا ف مواضع من كتابنا :أنه ل يوز أن يكم على حكم
160
ال ف كتابه بأنه منسوخ إل بجة يب التسليم لا من خب أو عقل".
ويقول شيخ السلم ابن تيمية" :ما ذكره ال تعال من مادلة أهل الكتاب بالت
هي أح سن إل الذ ين ظلموا م كم ل ين سخه ش يء ،وكذلك ما ذكره تعال من مادلة
ادع إل سبيل ربك بالكمة والوعظة السنة وجادلم بالت هي اللق مطلقا بقوله :
أحسن (النحل.)125 :
فإن من الناس من يقول :آيات الجادلة والحاجة للكفار منسوخات بآية السيف
لعتقاده أن المر بالقتال الشروع يناف الجادلة الشروعة ،وهذا غلط ،فإن النسخ إنا
يكون إذا كان الكم الناسخ مناقضا للحكم النسوخ ،كمناقضة المر باستقبال السجد
الرام ف الصلة للمر باستقبال بيت القدس بالشام ة
وقوله) :ول تادلوا أ هل الكتاب إل بال ت هي أح سن( (العنكبوت ،)46 :فهذا
ل يناق ضه ال مر بهاد من أ مر بهاده من هم ،ول كن ال مر بالقتال ينا قض الن هي ع نه
والقت صار على الجادلة ،فأما مع إمكان المع ب ي الدال الأمور به والقتال الأمور به
فل منافاة بينهما ،وإذا ل يتنافيا ،بل أمكن المع ل يز الكم بالنسخ ،ومعلوم أن كلً
منهمـا ينفـع حيـث ل ينفـع الخـر ،وأن اسـتعمالما جيعا أبلغ فـ إظهار الدى وديـن
161
الق".
ويستدل شيخ السلم لقوله بإحكام آيات الدال بفعل النب وماجته
للمشركي قبل نزول آية السيف وبعدها " وإذا كان النب ياج الكفار بعد نزول
المر بالقتال ،وقد أمره ال تعال أن يي الستجي حت يسمع كلم ال ،ث يبلغه مأمنه،
والراد بذلك تبليغ رسالت ال وإقامة الجة عليه ،وذلك قد ل يتم إل بتفسيه له،
الذي تقوم به الجة ،وياب به عن العارضة ،وما ل يتم الواجب إل به فهو واجب،
خ المر بالجادلة مطلقا ".
162
علم بطلن قول من ظن أن المر بالهاد ناس ٌ
وأيضا فإن ابن حزم يرى آيات الدال مكمة ،بل يعتبها نوعا من الهاد
الأمور به" :وأما ماهدة الكفار باللسان فما زال مشروعا من أول المر إل آخره ،فإنه إذا شرع
جهادهم باليد ،فباللسان أول ،وقد قال (( :جاهدوا الشركي بأيديكم وألسنتكم وأموالكم))".
163
ويستدل لرأيه أيضا بأن النب "كان ينصب لسان منبا ف مسجده ياهد فيه
164
الشركي بلسانه جهاد هجو ،وهذا كان بعد نزول آيات القتال".
وهذا هدي رسول ال حت وفاته ،وعليه سار أصحابه من بعده ،فإن "رسول
ال ل يزل ف جدال الكفار على اختلف مللهم ونلهم إل أن توف ،وكذلك
أصحابه من بعده ،وقد أمره سبحانه بدالم بالت هي أحسن ف السور الكية والدنية..
165
وبذا قام الدين ،وإنا جعل السيف ناصرا للحجة".
لكم دينكم ول دين (الكافرون ،)6 :وهي وف سياق شرح قوله تعال:
آية زعم بعض أهل العلم انا منسوخة بآية السيف ،وذلك أنم فهموا منها إقرارا
للمشركي على شركهمُ ،نسٍخ بهادهم وقتالم ،يقول ابن القيم " :إن هذه الخبار بأن
لم دينهم وله دينه ,هل هو إقرار فيكون منسوخا أو مصوصا؟ أو ل نسخ ف الية ول
تصيص؟ فهذه مسألة شريفة من أهم السائل الذكورة.
وقد غلط ف السورة خلئق ،وظنوا أنا منسوخة بآية السيف ،لعتقادهم أن
هذه الية اقتضت التقرير لم على دينهم ،وظن آخرون أنا مصوصة بن ُيقَرون على
دينهم ،وهم أهل الكتاب ،وكل القولي غلط مض ،فل نسخ ف السورة ول تصيص،
بل هي مكمة...
ومنشأ الغلط ظنّهم أن الية اقتضت إقرارهم على دينهم ،ث رأوا أن هذا القرار
زال بالسيف ,فقالوا :منسوخ...ومعاذ ال أن تكون الية اقتضت تقريرا لم أو إقرارا
على دينهم أبدا ،بل ل يزل رسول ال -ف أول المر وأشده عليه وعلى أصحابه -
أشد على النكار عليهم ،وتعييب دينهم وتقبيحه والنهي عنه ،والتهديد والوعيد كل
وقت وف كل ناد ،وقد سألوه أن يكف عن ذكر آلتهم وعيب دينهم ويتركوه وشأنه,
فأب إلّ مضيا على النكار عليهم وعيب دينهم ،فكيف يقال :إن الية اقتضت تقريره
لم؟
معاذ ال من هذا الزعم الباطل ،وإنا اليـة اقتضت الباءة الحـضة -كما
تقدم ،-وأن ما هم عليه من الدين ل نوافقهم عليه أبدا؛ فإنه دين باطل ،فهو متص
بكم ل نشرككم فيه ،ول أنتم تشركوننا ف ديننا الق ،فهذه غاية الباءة والتنصل من
موافقتهم ف دينهم ،فأين القرار حت يدعى النسخ أو التخصيص؟...
بل هذه آية قائمة مكمة ثابتة بي الؤمني والكافرين إل أن يُطهِر ال منهم عباده
166
وبلده".
ويسوق القرطب حجة لن أثبت الحكام لبعض هذه اليات ،فيقول" :والجة
لذا القول ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه قال :سعت عمر بن الطاب يقول لعجوز
نصرانية :أسلمي تسلمي ،إن ال بعث ممدا بالق قالت :أنا عجوز كبية والوت أقرب
ل إكراه ف الدين (البقرة،167.)256 : إلّ ! فقال عمر :اللهم أشهد ،وتل:
فاستشهاد عمر بالية دليل على أنه يراها مكمة.
ومثله صنع عمر مع ملوكه أسبق فقد روى ابن أب حات بإسناده عن أسبق قال:
كنت ف دينهم ملوكا نصرانيا لعمر بن الطاب ،فكان يعرض علي السلم ،فآب،
ت لستعنّا بك على بعض
ل إكراه ف الدين ويقول( :يا أسبق ،لو أسلم َ فيقول:
168
أمور السلمي).
وأكد ذلك رضي ال عنه ف عهدته الشهورة لهل القدس ،فقد جاء فيها " هذا
ما أعطى عبد ال عمر بن الطاب -أمي الؤمني -أهل إيليا من المان :أعطاهم أمانا
لنفسهم وأموالم ولكنائسهم وصلبانم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها :أل تسكن
كنائسهم ول تدم ،ول ينتقص منها ،ول من خيها ،ول من صليبهم ،ول من شيء من
169
أموالم ،ول يكرهون على دينهم ،ول يضار أحد منهم."..
وبصوص آية السيف ،فإن العلماء لم فيها تأويلت سوى تأويلها الشهور ،فقد
فسرها الطبي بأنا دعوة للوحدة ف وجه الشركي ،ل أنا تدعو لقتالم أجعي ،يقول
الطبي" :يقول جل ثناؤه :وقاتلوا الشركي بال ذ أيها الؤمنون ذ جيعا غي
170
متلفي ،مؤتلفي غي مفترقي ،كما يقاتلكم الشركون جيعا ،متمعي غي مفترقي".
ونقل عن ابن عباس وقتادة والسدي أقوالً ف ذلك ،فالية -وفق تفسيه -
ليست أمرا بشن الرب على الكفار جيعا ،بل دعوة للتناصر والوحدة ف وجه العدو
الذي يقاتلنا متمعا.
والقول بنسخ آيات الدال يعارضه قول طائفة من العلماء من التابعي وغيهم،
يرون آيات الدال مكمة ،ومنه قول ماهد عن قوله تعال :ول تادلوا أهل الكتاب
إل بالت هي أحسن قال" :هي مكمة ،فيجوز مادلة أهل الكتاب بالت هي أحسن
على معن الدعاء لم إل ال عز وجل والتنبيه على حججه وآياته رجاء إجابتهم إل
اليان ،ل على طريق الغلظ والخاشنة ،وقوله على هذا إل الذين ظلموا منهم
معناه :ظلموكم ،وإل فكلهم ظلم على الطلق."...
ث ساق القرطب قول القائلي بالنسخ ،وأتبعه بقوله" :وقول ماهد حسن ،لن
أحكام ال عز وجل ل يقال فيها :إنا منسوخة؛ إل بب يقطع العذر أو حجة من
171
معقول ،واختار هذا القول ابن العرب".
172
قال ابن تيمية" :فهذا ماهد ل يعلها منسوخة ،وهو قول أكثر الفسرين".
ومن هؤلء الفسرين ابن كثي ،فهو أيضا ييل إل رد دعوى النسخ ف آيات
جدال الكفار ،فيقول" :بل هي باقية مكمة لن أراد الستبصار منهم ف الدين ،فيجادل
ادع إل سبيل ربك بالكمة بالت هي أحسن ،ليكون أنع فيه ،كما قال تعال:
فقول له والوعظة السنة الية ،وقال تعال لوسى وهارون حي بعثهما إل فرعون:
قو ًل لينا لعله يتذكر أو يشى ،وهذا القول اختاره ابن جرير ،وحكاه عن ابن
173
زيد".
وقال ابن الوزي" :وقد ذهب كثي من الفسرين إل أن هذه الية منسوخة بآية
السيف ،وفيه بُعد ،لن الجادلة ل تناف القتال ،ول يقل له :اقتصر على جدالم ،فيكون
174
العن :جادلم ،فإن أبوا فالسيف ،فل يتوجه نسخ".
-وكذا ادعى بعض أهل العلم النسخ ف قوله تعال :فإنا عليك البلغ (آل
عمران ،)20:لكن غيهم من العلماء ضعفوه وخالفوهم فيه ،وردوا عليهم دعواهم
لعدم الدليل عليها .قال القرطب " :أي :إنا عليك أن تبلغ ،قيل :إنه ما نسخ بالهاد.
175
وقال ابن عطية :وهذا يتاج إل معرفة تاريخ نزولا ".
وإن تولوا فإنا عليك البلغ البي -وقد ادعوا النسخ أيضا ف قوله تعال:
(النحل ،)82 :قال ابن الوزي" :ذهب بعض الفسرين إل أن هذا الكلم اقتضى
القتصار على التبليغ دون القتال ،ث نسخ بآية السيف ،وقال بعضهم :لا كان حريصا
إنا أنت نذير على إيانم مزعجا نفسه ف الجتهاد ف ذلك سكّن جأشه بقوله:
(هود )12 :و فإنا عليك البلغ ،والعن :ل تقدر على سوق قلوبم إل الصلح،
176
فعلى هذا ل نسخ".
-وقال ابن الوزي عن آية سورة الرعد فإنا عليك البلغ وعلينا الساب
(الرعد" :)40 :قالوا :نسخ بآية السيف ،وعلى ما سبق تقيقه ف نظائرها ل وجه
177
للنسخ".
لست عليهم بسيطر -وادعى بعض أهل العلم نسخ قوله تعال:
(الغاشية ،)22 :فقال ابن الوزي" :وقد قال بعض الفسرين ف معناها :لست عليهم
178
بسلط ،فتكرههم على اليان ،فعلى هذا ل نسخ."...
أليس ال -وادعى بعض أهل العلم أيضا نسخ آية سورة التي ،وهي قوله :
بأحكم الاكمي (التي ،)8 :فقالوا" :نسخ معناها بآية السيف ،لنه ظن أن معناها:
179
دعهم وخلّ عنهم ،وليس المر كما ظن ،فل وجه للنسخ".
وبذا البيان تبي أن القول بنسخ آيات الدال دعوى ل تقبل إل ببهان قاطع،
لن النسخ دعوى لرفع لوجوب العمل ف بعض أمر ال ،ول يصار إل مثل هذا إل
بدليل معتب يكافئه.
ومثل هذا الدليل ل نده عند أولئك الذين ادعوا نسخ آيات الدال بالِلد ،
بل هم مجوجون بفعل الصحابة ث إطباق العلماء على إحكام هذه النصوص وعدم رفع
أحكامها.
وممود ،لكن الوار الذي تنشده الكنيسة وتارسه حقيقة ف كثي من الواطن هو
الوار مع دهاء السلمي وعامتهم ،وهو ما قد ينجح فيه التبشي ويقق ما يذره
التشككون والرافضون لشروع الوار.
كما يجم التشككون ف مصداقية جولت الوار السابقة عن الشاركة ف
جولته اللحقة لا يرونه من مشاركة بعض الطراف السلمية الت ل يلو منهجها من
دخن كالعصرانيي وغيهم من ل يعبون عن الوقف السلمي الصيل ف قضايا
الوار ،ولعل من أهم أسباب اتساع هذه الثلبة تباعد الغيورين عن هذا اليدان الذي
تضمن مشاركتهم فيه ظهور الوقف السلمي الناصع البن على هدي الكتاب والسنة.
وينقل الدكتور أحد سيف التركستان بعض حجج الانعي من الوار ،إذ يرون
"أن الوار يقود إل الفتنة والصدام" ،وقاعدة سد الذرائع -حسب رأيهم -تبر
العراض عن الشاركة ف الوار ،وهذه الجة يراها الدكتور التركستان نوعا من
تغييب القيقة ،ويرى أن تاوزها مكن ،إذا أخذنا "بشروط الوار الصحيح الال من
181
الدل العقيم أو غي اللتزم بآداب الوار".
كما يجم البعض عن الشاركة ف الوار لنه "يعطي الفرصة لتلميع الراء
الباطلة" وهذا تعميم ل يوافق عليه الدكتور التركستان ،إذ يرى "الغالب أن الراء
الباطلة إنا تكتسب بريقها إذا انفردت بالجواء والضواء ،بعيدا عن العتراض عليها
والتصدي لا بالوار" ،ويصل إل نتيجة مفادها أن "الوار يعطي الفرصة لتوهي الراء
الباطلة وخفض درجة توهجها وبريقها ،وذلك با يكشفه من الق الناقض لا ومن
182
الباطل النطوي فيها".
وإذ نسجل هذه العتراضات وتلك النظرات التشككة ف مصداقية الوار ،فإننا
نرى ضعفها وعدم كفايتها ف تغييب صوت الق عن مالس الوار والنقاش ،وما تؤدي
إليه من تصحيح للمفاهيم الاطئة وتييد لبعض القوى والؤسسات العادية للسلم ،بل
واجتذاب غي السلمي ودعوتم إل دين ال القوي.
وفرارا من الوقوع ف أخطاء الاضي ،وسعيا للوصول إل صورة منضبطة بآداب
الشرع نعرض لبعض الخطاء والحظورات الت ترتكب ف الوار:
-1الوقوع في المداهنة
لا كانت ملتقيات الوار بعموم أنواعها تدف إل استثمار العلقات النسانية كان
لبد أن تتسم لقاءاتا بالكثي من الجاملة الت ياول التحاورون من خللا تغييب الكثي
من الشقاق الذي تكنه عقولم وقلوبم للخرين.
وقد رأينا كيف أمرنا رسولنا ببسط الوجه وحسن اللقاء ،وكيف صنع مع
أساطي الكفر وصناديد الشرك.
لكن الجاملة والراءاة قد تؤدي ببعض التحاورين إل الداهنة والبتذال ،والضوع
بالقول ،وكتمان الق ،والسكوت عن الباطل ،وقد تدفع بالبعض إل موادة ماوريهم
واتاذهم بطانة من دون الؤمني ،وموالتم وموافقتهم ف مواقفهم وآرائهم ومعتقداتم،
ما يوقع الحاور السلم ف سخط ال وغضبه.
فقد أمر ال الؤمني بالصدع بالق وعدم كتمانه ،فقال آمرا نبيه وهو ف مكة :
فاصدع با تؤمر وأعرض عن الشركي( الجر.)94 :
وقال تعال منبها ومذرا الؤمني من الوقوع فيما وقع به بنو إسرائيل :وإذ أخذ
اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ول تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا
به ثنا قليلً فبئس ما يشترون (آل عمران ،)187 :فالداهنة ليست من شأن السلم
ول سَمته.
ول ا جاء و فد نران إل ال نب أ سعهم ال نب معتقده ف ال سيح عليه ال سلم،
ول يبال عليـه الصـلة والسـلم بغضبهـم مـن ذلك ،فقالوا :مالك تشتـم صـاحبنا؟ قال:
((وما أقول؟)) قالوا :تقول :إنه عبد .قال(( :أجل .إنه عبد ال ورسوله ،وكلمته ألقاها
[]69 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
إل العذراء البتول)) ،فغضبوا ،وقالوا :هـل رأيـت إنسـانا قـط مـن غيـ أب ،فإن كنـت
إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من ترب ث صادقا فأرنا مثله .فنلت الية:
183
قال له كن فيكون (آل عمران.)59 :
وللمداهنة الستقبحة صور كثية أهها الثناء على معتقدات الخرين وتسويغها ،أو
التوقف ف كفرهم واعتبارهم إخوة لنا يمعنا بم اليان بال وغي ذلك ما ل يفى
تريه ،وقد سبق بيان بعضه.
والعجب من وقوع بعض الحاورين ف هذا النكر البغيض تطوعا من غي ضرورة
ول مسوغ مفهوم إل التزلف للخرين واسترضاؤهم با يغضب ال العظيم.
وأمثال هؤلء مدعوون لقراءة ما قاله جعفر بن أب طالب بي يدي النجاشي ،إذ ل
ينعه ضعفه وغربته من أن يقول الق من غي مداهنة بي يدي ملك ل تدرى عواقب
مالفته .فقد قال سفي قريش عمرو بن العاص" :وال لنبئنهم غدا عيبهم عندهم ،ث
أستأصل به خضراءهم ...وال لخبنه أنم يزعمون أن عيسى ابن مري عبد.
قالت [أم سلمة] :ث غدا عليه الغد فقال له :أيها اللك ،إنم يقولون ف عيسى ابن
مري قولً عظيما ،فأرسل إليهم فاسألم عما يقولون فيه.
قالت :فأرسل إليهم يسألم عنه ،قالت :ول ينل بنا مثله.
فاجتمع القوم ،فقال بعضهم لبعض :ماذا تقولون ف عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا:
نقول -وال -فيه ما قال ال ،وما جاء به نبينا ،كائنا ف ذلك ما هو كائن.
فلما دخلوا عليه قال لم :ما تقولون ف عيسى ابن مري؟ فقال له جعفر بن أب
طالب :نقول فيه الذي جاء به نبينا ،هو عبد ال ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إل مري
184
العذراء البتول ".
ويكننا أيضا أن نلحظ ف القصة إباء جعفر وامتناعه عن السجود للنجاشي خلفا
لعادة الناس مع اللوك ،فقد تركه لرمته ف السلم ،مع مسيس الاجة إليه تألفا لقلب
النجاشي نوه ونو السلمي اللتجئي إل جواره وأرضه " فسلم ول يسجد ،فقالوا له:
مالك ل تسجد للملك؟ قال :إنا ل نسجد إل ل عز وجل .قال :وما ذاك؟ قال :إن ال
185
عز وجل بعث إلينا رسوله ،وأمرنا أن ل نسجد لحد إل ل عز وجل ".
-2تعظيم من ل يرضى الله تعظيمه
وهذا التعظيم مذموم لا فيه من مدحة أو ثناء ل يستحقه الحاور غي السلم ،قال
186
(( :ل تقولوا للمنافق سيدا ،فإنه إن يكن سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل)).
قال أبو الطيب البادي " :لنّه يكون تعظيما له ،وهو مّن ل يستح ّق التّعظيم،
187
فكيف إن ل يكن سيّدا بأحد من العان؛ فإنّه يكون مع ذلك كذّابا ونفاقا".
وحي خاطب النب ملوك الرض صانعهم ورفق بم ،لكنه ل يضف عليهم عظيم
اللقاب ،بل توقى ف خطابم ،من غي أن يبعد عن ملطفتهم واستمالتهم ،فقد كتب
ل (( :بسم ال الرحن الرحيم ،من ممد رسول ال إل
إل هرقل إمباطور الروم قائ ً
188
هرقل عظيم الروم.))..
قال ابن حجر" :فيه عدول عن ذكره باللك أو المرة ; لنّه معزول بكم السلم,
189
لكنّه ل يله من إكرام لصلحة التّألّف."..
قال النووي ف فوائد الديث " :التوقي ف الكاتبة ,واستعمال الورع فيها ,فل
يفْرِط ول ي َفرّط ,ولذا قال النب (( :إل هرقل عظيم الروم)) ,فلم يقل :ملك
الروم ,لنه ل ملك له ول لغيه إل بكم دين السلم ..ول يقل :إل هرقل فقط ,
بل أتى بنوع من اللطفة فقال :عظيم الروم ,أي الذي يعظمونه ويقدمونه ,وقد أمر
ادع إل سبيل ربك ال تعال بإلنة القول لن يدعى إل السلم ،فقال تعال :
185الديث السابق.
186رواه أبو داود ح (.)4977
187عون العبود (.)13/221
188رواه البخاري ح ( ،)6261ومسلم ح (.)1773
189فتح الباري (.)1/38
[]71 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
فقول له قو ًل لينا بالكمة والوعظة السنة (النحل ،)125 :وقال تعال :
190
(طه." )44 :
-3تصدي بعض من ل يحسنون الحوار له
وف بعض جولت الوار رأينا ضعفا وخورا عند من يتصدى له ،ويقع ذلك
منهم بسبب قلة معرفتهم بالعلوم الشرعية أو غيها من السباب ،ف وقت نرى فيه
حرص النصارى واليهود على إشراك أكب كفاءاتم العلمية والكنسية ف حوارهم مع
الخرين.
وهذا العيب ف بعض الحاورين من السلمي قد يدفع بالحاور إل الشطط ف
ماراة الخرين ،فينساق إل ما هو باطل ،أو يقصر عن تبيان ما هو حق ،فتقصر حجته،
وتكسد بضاعته.
ول تقف ما ليس لك به علم إن وقد حذر ال تعال من هذا الصنيع ،فقال:
السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولً (السراء.)36 :
قال ابن تيمية" :والذموم شرعا ما ذمه ال ورسوله كالدل بالباطل والدل بغي
علم والدل ف الق بعد ما تبي".
191
وهذا العيب نعاه القرآن الكري على أهل الكتاب ،فقال عز وجل :ها أنتم
هؤلء حاججتم فيما لكم به علم فلم تاجون فيما ليس لكم به علم (آل عمران:
.)66
قال القرطب" :الية دليل على النع من الدال لن ل علم له ،والظر على من
ل تقيق عنده ..وقد ورد المر بالدال لن علم وأيقن ،فقال تعال :وجادلم بالت
193
هي أحسن (النحل .")125 :
وقال ابن كثي " :الية هذه إنكار على من ياج فيما ل علم له به ،فإن اليهود
والنصارى تاجوا ف إبراهيم بل علم ..فأنكر ال عليهم ذلك ،وأمرهم برد ما ل علم
لم به إل عال الغيب والشهادة الذي يعلم المور على حقائقها وجليتها ".
194
وقال ابن تيمية مبينا ضرر الدال بل علم على السلمي" :وقد ينهون عن
ف العلم بالجة وجواب الشبهة ،فيخاف عليه أن
الجادلة والناظرة إذا كان الناظرُ ضعي َ
يفسده ذلك الضل ،كما ينهى ذلك الضعيف ف القاتلة أن يقاتل علجا قويا من علوج
195
الكفار ،فإ ّن ذلك يضره ويضر السلمي بل منفعة".
وتنبا لذا الحذور أوصى الجلس التأسيسي لرابطة العال السلمي ف دورته
التاسعة أن " ل يتول الوار إل الختصون من علماء السلمي " ،وأكده ف دورته
الادية والعشرين " :أن يتول تثيل الرابطة فيها العلماء الختصون بالواضيع الطروحة
ف جدول أعمالا ".
-4الخروج عن آداب السلم في الحوار
وما يؤخذ على بعض الشاركي ف الوارات العامة ،خاصة غي الرسية منها- ،
كتلك الت تري على شبكة النترنت ذ الستمرار ف الوار ،ولو فقد مصداقيته وضل
أهدافه ،وساء أدبه ،فاكتسى من السباب سربالً ،ومن العناد جلبابا.
وقال ابن سعدي ف وصف الجادلة الحمودة" :أن ل تؤدي الجادلة إل خصام
أو مشاتة تذهب بقصودها ،ول تصل الفائدة منها ،بل يكون القصد منها هداية اللق
إل الق ،ل الغالبة ونوها)).
199
ومثل هذا الوار ينجر عادة إل السباب الحرم ،الذي ل يتوافق مع الدعوة
بالكمة والجادلة بالت هي أحسن ،بل هو نوع من الرعونة والفحش وسوء اللق.
وهذه الصفات أبعد ما تكون عن الؤمن ،إذ ((ليس الؤمن بالطعان ول اللعان
200
ول الفاحش ول البذيء)).
قال الغزال" :الؤمن ليس بلعان؛ فينبغي أل يطلق اللسان باللعنة إل على من
مات على الكفر ،أو على الجناس العروفي بأوصافهم ،دون الشخاص العيني،
201
فالشتغال بذكر ال أول ،فإن ل يكن ففي السكوت سلمة".
ولا قيل لرسول ال :يا رسول اللّه ،ادع على الشركي ..قال(( :إنّي ل
202
أبعث لعّانًا ،وإنّما بعثت رحةً)).
قال مكي بن إبراهيم :كنا عند ابن عون ،فذكروا بلل بن أب بردة [الوال]
فجعلوا يلعنونه ويقعون فيه لذاه لبن عون وامتحانه له ،وابن عون ساكت ،فقالوا :يا
ابن عون؛ إنا نذكره لا ارتكب منك! فقال :إنا ها كلمتان ترجان من صحيفت يوم
القيامة" :ل إله إل ال"" ،ولعن ال فلنا" ،فلن يرج من صحيفت" :ل إله إل ال"؛
203
أحب إل من أن يرج منها" :لعن ال فلنا".
وخشية النرار إل السباب وتقويض غايات الوار ومقاصده نى ال عن
الؤمني عن سب ولز آلة الشركي وأصنامهم ،فقال] :ول تسبوا الذين يدعون من
دون ال فيسبوا ال عدوا بغي علم[ ( النعام.)108 :
وقد نقل الفسرون ف سبب نزولا أن كفار قريش قالوا لب طالب" :إما أن
تنهى ممدا وأصحابه عن سب آلتنا والغض منها ،وإما أن نسب إله ونجوه" ،فنلت
204
الية.
وقد أفاد القرطب منها النهي عن سب ولز سائر ما يقدسه الخرون ،ل من باب
التعظيم لا ،بل سياسة وتألفا ،يقول" :حكمها باق ف هذه المة على كل حال ،فمت
كان الكافر ف مَنَعة ،وخيف أن يسب السلم أو النب عليه السلم أو ال عز وجل،
فل يل لسلم أن يسُبّ صلبانم ول دينهم ول كنائسهم ول يتعرض إل ما يؤدي إل
ذلك لنه بنلة البعث على العصية ..وفيها دليل على أن الح ّق قد يكف عن حق له
إذا أدى إل ضرر يكون ف الدين".
205
ولا كتب النب رسائله إل اللوك صدّرها بالبسملة كما ف رسالة هرقل
207
((بسم ال الرحن الرحيم ،من ممد رسول ال إل هرقل عظيم الروم.))..
قال النووي ف فوائد الديث" :ومنها :استحباب تصدير الكتاب ببسم اللّه
208
الرّحن الرّحيم ,وإن كان البعوث إليه كافرًا".
ول ينع هذا ماطبتهم بلغاتم وطريقتهم إذا دعت الاجة إليه ،مع اللتزام
بالضوابط الشرعية ،قال ابن تيمية" :أما ماطبة أهل اصطلح باصطلحهم ولغتهم،
فليس بكروه ،إذا احتيج إل ذلك ،وكانت العان صحيحة ،كمخاطبة العجم من الروم
والفرس والترك بلغتهم وعرفهم ،فإن هذا جائز حسن للحاجة ،وإنا كرهه الئمة إذا ل
209
يتج إليه".
إن تعرفنا على مظورات الوار -الت ترج به عن ضوابط الشريعة الغرّاء -
يؤزنا لمارسة الوار ضمن ضوابط الشريعة وآدابا ،واللذان يكفلن تقيق القاصد
والغايات الشرعية الت نتوخى الوصول إليها من خلل حوارنا مع الخرين.
-أحكام أهل الذمة ،ابن القيم ،تقيق :يوسف البكري وشاكر العارومي ،ط
،1دار رمادي للنشر1418 ،هـ.
-الحكام ف أصول الحكام ،علي بن حزم ،ط ،1دار الكتب العلمية،
بيوت1405 ،هـ.
-التعريفات ،علي الرجان ،ط ،1دار الكتاب العرب ،بيوت1405 ،هـ.
-تفسي القرآن العظيم ،ابن كثي ،تقيق :إبراهيم البياري ،ط ،2دار الكتاب
العرب1413 ،هـ.
-تيسي الكري الرحن ،ابن سعدي ،ط دار الدن ،جدة.
-جامـع البيان عـن تأويـل آي القرآن ،ممـد بـن جريـر الطـبي ،دار الفكـر،
بيوت1405 ،هـ.
-الا مع لحكام القرآن ،أ بو ع بد ال القر طب ،ط ،2دار الش عب ،القاهرة،
1372هـ.
-حاشية ابن القيم ،ابن قيم الوزية ،ط ،2دار الكتب العلمية ،بيوت،
1415هـ.
-الوار السلمي السيحي ،بسام داود عجك ،ط ،1دار قتيبة1418 ،هـ.
-الوار وآدابه ،صال بن حيد ،ط ،1دار النارة.
-درء تعارض العقل مع النقل ،ابن تيمية ،تقيق :ممد رشاد سال ،ط ،1
جامعة المام ممد بن سعود1399 ،هـ.
-دعوة التقريب بي الديان ،أحد عبد الرحن القاضي ،ط ،1دار ابن
الوزي1422 ،هـ.
-الرد على النطقيي ،ابن تيمية ،ط ،4الكتبة المدادية ،لهور.
[]79 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
-شرح النووي على صحيح م سلم ،أ بو زكر يا ي ي بن شرف النووي ،ط ،2
دار إحياء التراث العرب ،بيوت1393 ،هـ.
-عون العبود ،شرح سنن أب داود ،أبو الطيب ممد العظيم آبادي ،ط ،2دار
الكتب العلمية ،بيوت1415 ،هـ.
-عيون الناظرات ،أبو علي السكون ،تقيق :سعيد غراب ،منشورات الامعة
التونسية1976 ،م.
-الفتاوى الكبى ،ابن تيمية ،ط دار العرفة ،بيوت ،لبنان.
-الفتاوى الندية ،الشيخ نظام الندي وآخرون ،ط دار العرفة بيوت ،لبنان.
-فتح الباري شرح صحيح البخاري ،علي ابن حجر العسقلن ،دار العرفة،
بيوت1379 ،هـ.
-لسان العرب ،ابن منظور ،ط ،1دار صادر ،بيوت.
-مموع الفتاوى ،ابن تيمية ،طبعة ممع اللك فهد لطباعة الصحف الشريف،
1416هـ.
-الصفى من علم الناسخ والنسوخ ،ابن الوزي ،تقيق :د .صال الضامن ،ط
،1مؤسسة الرسالة ،بيوت1415 ،هـ.
-مفردات القرآن ،الراغب الصفان ،تقيق :صفوان عدنان داوودي ،ط ،1
دار القلم1412 ،هـ.
-نواســخ القرآن ،ابــن الوزي ،ط ،1دار الكتــب العلميــة ،بيوت،
1405هـ.
[]80 الحوار مع أتباع الديان
ــــــــــــــــــــــــــ
فهرس الموضوعات
التعريفات
حتمية اللف
تاريخ الوار
أنواع الوار ومشروعيتها
أ .حوار الدعوة
ب .حوار التعايش
ج .حوار الوحدة
وحدة الدين
آداب الوار
هل آيات المر بالدعوة والدال والوار منسوخة بآية السيف؟
مظورات ف الوار
خاتة
الصادر والراجع