Anda di halaman 1dari 10

‫السترجاع النقدي القرآني‬

‫الهيمنة على التصديــق‬


‫إن مشكلة المسلمين ما بعد الحقبة النبوية الشريفة وحقبة الخلفاء‬
‫الراشدين مع الحاديث "المنحولة" والتي تدس على "أصول الدين" و‬
‫"فروعه" كما قررها القرآن "المعصوم" الذي "ل يأتيه الباطل من بين يديه‬
‫ول من خلفه "‪.‬‬
‫هي تماما ً كمشكلة المسيحيين مع الدس الذي أصاب نصوص‬
‫النجيل ‪ ،‬فأخرج المسيحية من "التوحيد" إلى التثليت اللهوتي‪.‬‬
‫غير أن المفكرين الوروبيين قد ملكوا الجرأة الكافية لسترجاع‬
‫تراثهم الديني "استرجاعا ً نقديا ً " عبر أدوات معرفية معاصرة ‪.‬‬
‫وبنفس هذه الدوات المنهجية المعرفية في السترجاع النقدي ‪ ،‬وكما‬
‫فعل القرآن نفسه تجاه التراث الديني السابق عليه ‪ ،‬يتطلب الموقف‬
‫الراهن العودة إلى القرآن المعصوم وبما يتجاوز الدس عبر منحولت‬
‫الحاديث‪.‬‬
‫فالقرآن يحمل ما هو أخطر من "التصديق " إذ أنه "مهيمن" بذات الوقت‪:‬‬
‫مًنا عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫مهَي ْ ِ‬‫ب وَ ُ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ًّقا ل ِ َ‬‫م َ‬ ‫حق ّ ُ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫وََأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫جعَل َْنا‬ ‫َ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫ل َ‬ ‫حقّ ل ِك ُ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬‫ما َ‬ ‫م عَ ّ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ه وََل ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫م ِفي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫جا وَلوْ َ‬ ‫ُ‬
‫ن ل ِي َب ْلوَك ْ‬ ‫حد َةً وَلك ِ ْ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬
‫مأ ّ‬ ‫جعَلك ْ‬ ‫هل َ‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫من َْها ً‬
‫ة وَ ِ‬ ‫شْرعَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ِ‬
‫ه‬
‫م ِفي ِ‬ ‫ُ‬
‫ما كنت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ُ‬
‫ميًعا فَي ُن َب ّئ ُك ْ‬
‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫جعُك ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ّ‬
‫ت إ ِلى اللهِ َ‬ ‫َ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ْ‬
‫قوا ال َ‬ ‫م َفا ْ‬
‫ست َب ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫ما آَتاك ْ‬ ‫َ‬
‫ن)‪ -(48‬المائدة ‪ /‬ج ‪ .6‬ومن خصائص الهيمنة القرآنية "‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫السترجاع النقدي " للموروث الديني بهدف "التقويم" و "التصحيح" ثم‬
‫إحداث "النسخ" لما سبق من شرائع توراتية قامت على التكافؤ بين‬
‫المعجزات الخارقة في العطاء كشق البحر لموسى ‪ ،‬والعقوبات الخارقة‬
‫في حال المعصية بنهج مقابل هو شرعة " الصر والغلل " التي تمضي‬
‫إلى حد الصلب من خلف ‪ ،‬والرجم للزاني ‪ ،‬وقطع اليد للسارق ‪ ،‬بل‬
‫وحتى المسخ إلى قردة وخنازير ‪ ،‬فهذه كلها عقوبات "نكالية" ‪.‬‬
‫دق القرآن تلك الكتب والديانات ثم عمد إلى نسخها حيث استبدالها‬ ‫قد ص ّ‬
‫" بشرعة التخفيف والرحمة " ‪ ،‬كما نسخ الخطاب الخاص للقوام من قوم‬
‫نوح وقوم عاد وقوم ثمود وإلى بني إسرائيل إلى " الناس كافة " دخول ً‬
‫إلى " عالمية الخطاب " ‪ ،‬وكما نسخ " الحاكمية اللهية " المباشرة على‬
‫تلكم القوام ‪ ،‬وكذلك "حاكمية الستخلف" وما سخر لها من كائنات غير‬
‫مرئية وعطاء امتد لتسخير الرياح والطير كما في عهدي داود وسليمان‬
‫إلى "حاكمية كتاب" مفتوح على العقل البشري دون حاكمية إلهية أو‬
‫حاكمية استخلف‪.‬‬
‫بنسخ القرآن للموروث الديني السابق عليه دخلنا مرحلة " عالمية‬
‫الخطاب" و "حاكمية الكتاب " و "شرعة التخفيف والرحمة " وانطلقا ً من‬
‫الرض "الحرام" في "مكة" بديل ً عن الرض "المقدسة" وخطابها‬
‫وشرائعها ‪.‬‬
‫يعتبر السترجاع النقدي القرآني للموروث الديني مدخل ً معرفيا ً ومنهجيا ً‬
‫بالغ الثر ‪ ،‬غير أن هذا السترجاع النقدي ونسخ الشرائع السابقة تعرض "‬
‫لدس متعمد " من خلل الروايات والحاديث المنحولة ‪ ،‬فأصبحت " شرعة‬

‫‪1‬‬
‫من قبلنا شرعة لنا "‪.‬وهكذا أصبح القرآن مجرد "مصدق" لما سبق من‬
‫كتب وشرائع وليس "مهيمنًا" و "ناسخًا" لها‪.‬‬
‫ونسخت هذه المنحولت المتعددة خصائص شرعة التخفيف والرحمة‬
‫وحاكمية الكتاب المنطلقة من إدراك العقل البشري نفسه لمضمون‬
‫الكتاب ‪ ،‬ولم يكن هذا "الدس المتعمد " لنسخ ما جاء القرآن لينسخه‬
‫ولكن لتثبيته ‪ .‬ويحمل هذا التثبيت نفيا ً لعلمات " النبي المي " الموعود به‬
‫في التوراة والنجيل وبالتالي تكذيب نبوة محمد نفسه وهذا ما فات على‬
‫كثيرين من الذين فهموا السنة النبوية الطاهرة فهما ً منحول ً وخاطئا ً ‪،‬‬
‫فطرحوا على المسلمين مفاهيم " الحاكمية اللهية " ومضوا فيهم صلبا ً‬
‫من خلف بموجب " حد الحرابة " ورجما ً للزاني وتقطيعا ً للطراف‬
‫بموجب " حد السرقة " فأصبحت "شرعة ما قبلنا شرعة لنا " فل مبرر‬
‫إذن لنبوة محمد أو أنه كاذب – والعياذ بالله – مخالف لبشارة التوراة‬
‫والنجيل‪.‬‬
‫فقد بشر الله – سبحانه – محمد كقائم على شرعة الرحمة والتخفيف‬
‫ونسخ شرعة الصر والغلل ‪ ،‬ورسول ً إلى الناس "كافة" حين وفد إليه‬
‫ن‬‫سب ِْعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫سى قَوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫خَتاَر ُ‬ ‫نقباء بني إسرائيل للعتذار عن عبادة العجل‪َ .‬وا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما أ َ َ‬
‫ي‬
‫ل وَإ ِّيا َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ت أهْلكت َهُ ْ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ب ل َوْ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫ف ُ‬‫ج َ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫خذ َت ْهُ ْ‬ ‫قات َِنا فَل َ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫جًل ل ِ ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ن‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ي إ ِل فِت ْن َت ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫شاُء وَت َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ب َِها َ‬ ‫ك تُ ِ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫مّنا إ ِ ْ‬ ‫فَهاُء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫أت ُهْل ِكَنا ب ِ َ‬
‫ب ل ََنا ِفي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‪َ(155‬واك ْت ُ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫خي ُْر ال َْغافِ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا وَأن ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر ل ََنا َواْر َ‬ ‫ت وَل ِي َّنا َفاغْ ِ‬ ‫شاُء أن ْ َ‬ ‫تَ َ‬
‫شاُء‬ ‫نأ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ إ ِّنا هُد َْنا إ ِلي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫م ْ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫ذاِبي أ ِ‬
‫َ‬
‫ة وَِفي ال ِ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫هَذِهِ الد ّن َْيا َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫كاةَ َوال ّ ِ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫ن وَي ُؤُْتو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫سأك ْت ُب َُها ل ِل ّ ِ‬ ‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سع َ ْ‬ ‫مِتي وَ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫وََر ْ‬
‫ي ال ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫ه‬‫دون َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذي ي َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي اْل ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن)‪(156‬ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ِبآَيات َِنا ي ُؤْ ِ‬ ‫هُ ْ‬
‫ْ‬
‫منك َ ِ‬
‫ر‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ف وَي َن َْهاهُ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫ل ي َأ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫لن ِ‬ ‫م ِفي الت ّوَْراةِ َوا ْ ِ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫مك ُْتوًبا ِ‬ ‫َ‬
‫م َواْلغَْل َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ث‬ ‫ئ‬ ‫با‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫با‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ط‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ح‬
‫وَ ُ ِ‬ ‫ي‬
‫َ َ ِ َ ََ َ ُ َُْ ْ ِ ْ َ ُ ْ‬ ‫َّ ِ َُ َ ّ ُ َ ِْ ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫ُ‬
‫ذي أنزِ َ‬
‫ل‬ ‫صُروهُ َوات ّب َُعوا الّنوَر ال ّ ِ‬ ‫مُنوا ب ِهِ وَعَّزُروهُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َفال ّ ِ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ال ِّتي َ‬
‫َ‬ ‫ه أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ل الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سو ُ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫ل َياأي َّها الّنا ُ‬ ‫ن)‪ (157‬قُ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫مع َ ُ‬ ‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫ت فآ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مي ُ‬ ‫ي وَي ُ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه إ ِل هُوَ ي ُ ْ‬ ‫ض ل إ ِل َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ملك ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل ُ‬ ‫ميًعا ال ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ذي ي ُؤْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫مات ِهِ َوات ّب ُِعوهُ لعَلك ْ‬ ‫ن ِباللهِ وَكل ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ال ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سول ِهِ الن ّب ِ ّ‬ ‫ِباللهِ وََر ُ‬
‫‪ – (158‬العراف ‪ /‬ج ‪.9‬‬
‫قد جاء الن " عصر التحدي " والذي يقضي بتخليص السلم من الشوائب‬
‫المنحولة عمدا ً ‪ ،‬فكما دس أحبار السرائيليين على النصارى فساقوهم‬
‫إلى "التثليت اللهوتي " عوضا ً عن "توحيدية " السيد المسيح ‪ ،‬كذلك فعل‬
‫أحبارهم في السلم ‪ .‬والتهام هنا موجه أساسا ً لكعب الحبار و "وهب بن‬
‫منبه " ومن شابههم كأبي هريرة‪.‬‬
‫قد تعرضت الحضارة الوروبية في حقبتها الرومانية للدس على‬
‫توحيدية السيد المسيح ونتج عن ذلك لهوت أسست عليه الكنيسة‬
‫المسيحية في ما تل الحقبة الرومانية من عصور وسطى كافة‬
‫النحرافات ‪ .‬وبحكم تحول الموروث المحرف إلى "المقدس" عانت كل‬
‫العصور التي تلت الحقبتين الرومانية والوسطى إشكالية "نقض" هذا‬
‫المقدس وذلك بالرغم من عصور الستنارة منذ القرن السادس عشر‬
‫وظهور حركات التجديد وتمكن هذه الحركات وغيرها من الفكر النقدي‬
‫التحليلي والعقلني ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وما حدث للحضارة الوروبية المسيحية حدث أيضا ً للحضارة العربية‬
‫السلمية فتمكن الدس الذي لم تجدي معه علوم الجرح والتعديل‬
‫والتحقيق وعلوم الرجال وسواها التي غفلت عن "المتن" وانشغلت‬
‫بالسند‪ ،‬علما ً بنهي الرسول عليه الصلة والسلم عن كتابة الحاديث لنها‬
‫مدخل الدس خلفا ً للقرآن المعصوم والممتنع عن الدس‪.‬‬
‫العقلنية الوروبية وتجاوز المقدس اللهوتي‬
‫ونفي عقيدة التثليث وتأليـه السيد المسـيح‬
‫قد حاول كتاب كثيرون في الحضارة الوروبية المسيحية نقد عقيدة‬
‫التثليث اللهوتية ونقد الناجيل نفسها حيث احتلت مسألة طبيعة المسيح ‪،‬‬
‫والناجيل المنسوبة إليه ‪ ،‬وعلقة هذه الناجيل بالتوراة حّيزا ً كبيرا ً في‬
‫محاورات الفلسفة الغربية وأفكار الصلح الديني‪.‬‬
‫وتمتد هذه المحاورات لتشمل أرجاء عديدة في مفهوميات العقيدة‬
‫المسيحية وفكرة الخلص‪ .‬بدأت المحاورات منذ بداية تنسم الغرب‬
‫المسيحي لرياح المتغيرات الجتماعية والذهنية ‪ ،‬والتي حملت معها‬
‫ارتجاجا ً كامل ً في مفهوميات الفكر الديني المسيحي ‪.‬‬
‫فمننذ القنرن الثننالث عشننر الميلدي علنى وجنه التقريننب ‪ ،‬هنناك أول‬
‫)جون وايكليف ( النكليزي الذي عنناش فنني القننرن الرابننع عشننر و )جننون‬
‫هاس ( من بوهيميا الذي عاش أوائل القننرن الخننامس عشننر ‪ ،‬حيننث قننادا‬
‫تيارا تجديديا على أساس تعاليم أوغسننطين ووجهننا مننن خللننه نقنندا عنيفننا‬
‫للنظام الكنسي التقلينندي ‪ .‬قيننل وقتهننا أن الكنيسننة الصننحيحة تتننألف مننن‬
‫أولئك الننذين انتقنناهم اللننه للخلص ‪ ،‬وأنهننا ليسننت مرادفننة لكنيسننة رومننا‬
‫‪.‬وبالستناد إلى هنذه النظرينة لنم يكنن للنتمناء إلنى الكنيسنة ) المرئينة (‬
‫والمساهمة في طقوسها أي تننأثير علننى خلص النسننان ‪ .‬وأصننبح النظننام‬
‫الكاثوليكي بكامله غير ضروري ‪ .‬دفننع )هنناس( حينناته ثمننا ً لننذلك الموقننف‬
‫الجريء ‪ ،‬أما )وايكليننف ( فقنند تننابع رحلننة النقنند داعي نا ً إلننى الرجننوع إلننى‬
‫التوراة بعد أن ترجمها إلى النكليزيننة – باعتبارهننا المرجننع الخيننر للعقينندة‬
‫في حين اتجه ) لوفيفر ديتابننل ( فني مرحلننة أخننرى إلننى نقنند الشننروحات‬
‫والحواشي وحاشية الحواشي التي تلبسننت الناجيننل وفرضننت عليهننا طلء‬
‫مخالفا ً لها‪.‬‬
‫عبر تلك المحاولت النقدية المتقدمة فتننح الطريننق للصننلح اللننوثري‬
‫والصلح الكالفني ‪ ،‬من أهم نتائج )لوثر( أن اليمان بالنسبة إليننه لننم يكننن‬
‫أبدا ً مجرد التمسك بالتقاليد‪.‬فالعتقاد ‪ ،‬كالحياة الخلقية ‪ ،‬هو ثمرة اليمان‬
‫ل جوهره ‪ ،‬بمعنى آخر استطاع لوثر أن يؤكد على مرتبة الحق الفردي في‬
‫تأويل النجيل والننتركيز علننى مفهننوم )المحبننة ( فنني العلقننة بننالله خلفنا ً‬
‫لمفهوم )كالفن ( الذي ركز على )الحننس النندقيق بننارادة اللننه المسننيطرة‬
‫وسلطانه ( ‪.‬‬
‫ورغم الفارق بين المفهومين ‪ ،‬ومختلف مفاهيم التجديد المسيحي‬
‫ما ناديا بوجوب اعتماد العقل في تأويل‬ ‫يبقى القول بأن لوثر وكالفن ل ّ‬
‫التوراة‪ :‬فتحا المجال لتيار عقلي أخذ في التضخم ‪ ،‬ثم دفع التطور‬
‫الحضاري بدور العقل خطوات إلى المام ‪ .‬هكذا نشأت الثغرة في العالم‬
‫المغلق وابتدأ الكفاح الطويل من أجل الحرية – أي حق الذكاء الفردي في‬
‫العمل على تحقيق أهدافه دون أن تعيقه حدود سلفية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫تولى التطور الوروبي بعد ذلك – ومنذ مفاهيم ) نيوتن ( عن آلية‬
‫الكون ‪ ،‬دفع النقد التحليلي للفكر المسيحي إلى مدى أبعد ‪ ،‬حيث تعرضت‬
‫مصداقية النصوص النجيلية نفسها للتشكيك ‪ .‬وأشير هنا إلى دراسات‬
‫) برونو باور( التي نشرها في كتابه الصادر عام ‪ 1840‬حول ) نقد تاريخ‬
‫أنجيل القديس يوحنا ( وكتابه الخر عام ‪ 1841‬حول ) نقد تاريخ الناجيل‬
‫الربعة وأنجيل يوحنا ( ‪ .‬أكد )باور( أن الناجيل ل تتضمن أي ذرة من‬
‫الحقيقة التاريخية وأنها وضع تلقائي لكتاب الناجيل ‪ ،‬بل إن ) باور ( مضى‬
‫لبعد من ذلك حين أصدر كتابه )نقد التفسير اللهوتي للناجيل ( في برلين‬
‫‪ 1852‬حيث بين أن ليس ثمة رابط بين التوراة والنجيل وأن الدين‬
‫المسيحي ليس سوى فلسفة وضعية تعبر عن وعي زمانها صاغها الكتاب‪.‬‬
‫بعد هذا نطرح ما أثارته الرسائل المتبادلة بين توينبي وروزنتال التي‬
‫نشرت في جريدة "التايمز" بتاريخ السبت ‪ .20/12/1975‬وقد توليت‬
‫ترجمتها ونشرها في صحيفة " التحناد " – أبو ظبي – بتاريخ ‪29‬‬
‫مارس)آذار( ‪ 1979‬م‪.‬‬
‫المراسلت غير المنشورة‬
‫بين توينبي وروزنتــال‬
‫توينبي هو أحد المعالم الفكرية في قرننا وقد توفي عام ‪ 1975‬وفي‬
‫هذه الصفحات يناقش فيليب هوارد مراسلت توينبي غير المنشورة حول‬
‫موقفه من المسيحية واليهودية‪.‬‬
‫"حين مات أرنولد توينبي في أكتوبر كان قد أكمل عمل جليل سبق أن‬
‫كرس له حياته عن وتيرة نشوء وسقوط الحضارات ومعنى الحداث‬
‫واتجاهها العام ‪ .‬وبغض النظر عن المآخذ حول دقة آرائه عن العالم ‪،‬إل ان‬
‫ذلك العمل سيبقى أثرا ً فكريا ً بارزا ً لقرننا العشرين لما يتميز من سعة في‬
‫الفق واستيعاب لتأثير المد الديني على التاريخ ‪ ،‬المر الذي لم يدرج على‬
‫تناوله المؤرخون المعاصرون في دراساتهم القل تعمقا ً ‪.‬‬
‫خلف توينبي من ورائه مراسلت غير مكتملة وغير منشورة توضح‬
‫في أهم جوانبها أن تصوره للدين كان آخذا ً في التغير عند نهاية حياته ‪.‬‬
‫وكانت هذه المراسلت التي تتناول العلقة بين المسيحية واليهودية متبادلة‬
‫مع )أبراهام روزنتال ( الكاتب والباحث في علم الديان المقارن ‪ .‬وقد‬
‫كرست الرسائل بشكل خاص لبحث آفاق مستقبل الديانتين المتلزمتي‬
‫النمو في )إسرائيل ( والتي يكره توينبي معاملتها ككيان سياسي‪.‬‬
‫كانت فكرة التطور باتجاه ديانة عالمية تستخلص الفضل من ديانات‬
‫العالم الكبرى هي الخيط الرئيسي والمهيمن على أعماله‪.‬‬
‫أثناء حياة توينبي منع المستر روزنتال نشر المراسلت متحججا بأنها‬
‫شخصية جدا ً ‪ .‬وتعتبر المراسلت من الجانبين وثائق مذهلة لحوار بين‬
‫عقلين حادي الذكاء إذ تتناول بعمق أعظم وأكثر مسألة يلفها الغموض في‬
‫العالم‪.‬‬
‫بدأت المراسلت قبل عشر سنوات تقريبا ً حينما كتب المستر‬
‫)روزنتال ( إلى البروفسير )توينبي( رسالة عن وصفه لليهودية في‬
‫محاضرة ألقاها الخير ذلك السبوع بأنها ) من البقايا المتبقية عن الحضارة‬
‫السريانية القديمة ( ويبدو أن هذا القول كان يتعارض مع رأي سابق‬

‫‪4‬‬
‫لتوينبي ذكر فيه ) أن اليهودية هي الديانة الوحيدة التي يمكن أن يتكاثر‬
‫معتنقوها كلما تقادمت العصور‪.(..‬‬
‫رد توينبي بإيجاز ولطف بأن استخدامه لكلمة ) بقية باقية ( يجب أل‬
‫يؤخذ كنص استفزازي ) ففي الحقيقة قصدت أن تعني الكلمة لك النجاح‬
‫الستثنائي الذي أصابته المجتمعات اليهودية والبارسية في البقاء ‪. ( ..‬‬
‫ثم رد المستر روزنتال متسائل ً عن الشخصية التي عناها توينبي حينما‬
‫أشار في كتاباته إلى أسم ) ديتيرواسحاق( ‪ .‬ففي اليهودية ل يوجد سوى‬
‫شخص واحد معنى بهذا السم وليس ثمة شخصان ‪.‬‬
‫رد توينبي بطريقة موسعة وعامة ثم بدأ يشق مجرى جديدا ً لتفكيره‬
‫بعد أن حسم مسألة الديتيرواسحاق ‪.‬‬
‫)قد نشأت مسيحيا وبالرغم من أنني لست ضد "الل‪-‬أدرية " الدينية إل‬
‫ون في مرحلة الطفولة نظرة النسان وعلى مدى ما بقي من‬ ‫أن الدين يل ّ‬
‫حياته ‪ .‬مع ذلك لم أكن قادرا في أي مرحلة من المراحل على ابتلع‬
‫الدعاء الرسمي للكنيسة المسيحية المجافي للعقل بأنها ) اسرائيل‬
‫الحقيقية ( ‪ ،‬أنني أرى المسيحية على حسب ما يستخدم الشيوعيون من‬
‫مصطلحات في قاموسهم ) انقساما منحرفا ( عن اليهودية وهرطقة‬
‫منشقة من وجهة النظر اليهودية التقليدية ‪ ،‬ومع ذلك فإن المسيحية‬
‫مصبوغة بالتقاليد اليهودية على نحو لفكاك منه لدرجة أنه لول شعبية‬
‫السماء "المسيحية " ) مثال أن إسمي الثاني هو جوزيف – يوسف ( لما‬
‫بقيت هناك أسماء يهودية كما هي عليه في أصلها ‪.‬‬
‫هناك مسألة خاصة بالمستقبل تثير في نفسي شغفا ً لمعرفتها ‪،‬‬
‫فيسوع نفسه لم يكن فقط يهوديا ً ولكنه كان – طبقا ً لما تمضي إليه بعض‬
‫البيانات غير المستوفية وبوضوح ‪ ،‬تقليديا متزمتا‪ .‬ذلك في حدود ما‬
‫نستخلصه من حقائق عبر كيفية تقديم اتباعه له ‪ ..‬فهل سيعود الشعب‬
‫اليهودي في يوم من اليام إلى إعادة نسبة إليه كواحد منهم وهم أحق‬
‫بذلك ؟‬
‫إن على اليهود الذين أصبحوا الن مواطني )إسرائيل ( أن يتعايشوا‬
‫على مقربة معه ‪ .‬أعني في ضوء السس اليهودية المشتركة لديهم ولديه‬
‫في نفس الوقت وذلك دون أي مسئولية تجاه ما جعلته منه الكنيسة‬
‫المسيحية أي مؤسسها السابق على وجودها ؟كيف تجد وقع هذه المسألة‬
‫لديك ؟‬
‫حين صدق توينبي على المسيح في القرآن‪:‬‬
‫تجاوب السيد روزنتال مع الحوار ورد مطول واضعا المسألة على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫)ما هو المشترك بين اليهود يمكن أن يكون عصبتهم الدينية أو‬
‫أنكاريتهم ويمكن أن يكون غير ذلك إل عدم اعترافهم بيسوع فهو عامل‬
‫مشترك بينهم جميعًا(‪.‬‬
‫)ما هو المشترك بين اليهود ؟ يمكن أن يختلفوا حول اليمان وحول‬
‫الكفر ولكنهم يتفقون بحزم على إنكار المسيح بغض النظر عن كونهم‬
‫متدينين أو مفكرين أو منكرين أو خلف ذلك ‪ ..‬فإن المشترك بينهم‬
‫عدم اعترافهم بيسوع ‪ ..‬بإمكانك أن تفصله عن الكنيسة التي أسسها‬
‫فعل ً غير أنه وبإجماع اليهود يبقى خارجا ً عليهم وسيبقى كذلك إلى البد (‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫تولى توينبي الضرب على الحديد ساخنا فقال في إجابة مسهبة انه شعر‬
‫بان المراسلت تقودهما عميقا إلى تفاهم مشترك ‪ ..‬قال في بعض‬
‫الفقرات ان اعتقاداتي الخاصة عن يسوع هي كالتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬انه رجل فان وليس إلها‪:‬‬
‫" لماذا تدعونني صالحا ً ‪ ،‬ليس أحد صالحا إل واحد هو الله "‬
‫ً‬
‫أنجيل متى اصحاح رقم ‪ 19‬عدد ‪17‬‬
‫عيسى ابن مري َ َ‬
‫ت قُل ْ َ‬
‫ت‬ ‫م أأن َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫ه َيا ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫)للمقارنة تصديقا ً للقرآن ‪ -‬وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫حان َ َ‬ ‫ن الل ّهِ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫خ ُ‬
‫ن ِلي أ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫ك َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي إ ِلهَي ْ ِ‬ ‫ذوِني وَأ ّ‬ ‫س ات ّ ِ‬ ‫َِللّنا ِ‬
‫سي وََل‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ِفي ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ت َعْل َ ُ‬ ‫مت َ ُ‬‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ت قُل ْت ُ ُ‬ ‫كن ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫حق ّ إ ِ ْ‬ ‫س ِلي ب ِ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫أُقو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مْرت َِني‬ ‫ما أ َ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ما قُل ْ ُ‬ ‫ب)‪َ (116‬‬ ‫م ال ْغُُيو ِ‬ ‫ت عَّل ُ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ِفي ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫م فَل َ ّ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما د ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫شِهي ً‬ ‫م َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كن ُ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫ب ِهِ أ ْ‬
‫ت عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫د)‪ (117‬إ ِ ْ‬ ‫شِهي ٌ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ت الّرِقي َ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫كن َ‬ ‫ت َوَفّي ْت َِني ُ‬
‫َ‬
‫م)‪– (118‬‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫م فَإ ِن ّ َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬ ‫ن ت َغْ ِ‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬ ‫عَباد ُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ت ُعَذ ّب ْهُ ْ‬
‫المائدة ‪ /‬ج ‪(.7‬‬
‫و " يا إلهي ‪ ..‬يا إلهي لماذا تخليت عني ؟ "‬
‫ونعود إلى سياق توينبي‪:‬‬
‫ان هذه القوال هي في تقديري من أربعة فقط غير‬
‫مشكوك في صحتها من بين عدة أقوال منسوبة إلى يسوع‬
‫في الكتب المقدسة المسيحية ‪ ..‬ويبدو أن الصل في‬
‫البقاء على هذه الربعة إما راجع إلى سهو تحليلي أو لنها‬
‫موثقة جدا ً ومعلومة جدا لتباع يسوع ‪ ،‬بما يجعل من غير‬
‫الممكن حذفها ‪.‬‬
‫والفقرتان اللتان اقتبستهما ل يتلءمان مع أوليات العقيدة المسيحية‬
‫لنهما يوضحان أن يسوع لم يكن يعتقد بأنه الله‪..‬‬

‫‪ -2‬إننا بالكاد نعرف أي شيء عن المسيح التاريخي وذلك على‬


‫النقيض من معلوماتنا الكثر نسبيا والموثوقة عن محمد‬
‫التاريخي ‪) -‬صلى الله عليه وسلم ( وذلك لن المسيح التاريخي قد‬
‫طى بنسيج )المخيلة( التي صورته بها الكنيسة المسيحية ؟ وبالرغم‬ ‫غُ ّ‬
‫من استخدامي لعبارة )مخيلة( على نهج )ماديسون( فإني ل أعتقد أن‬
‫صناع المخيلة المسيحية عن يسوع كانوا يرسمون عمدا ًَ تصورا ً مزيفا ً‬
‫بهدف خداع العامة كما يفعل اليوم من هم أدنى منهم سمعة من‬
‫معلني الشئون التجارية والسياسية ‪ ،‬في اعتقادي أن المصممين‬
‫الصليين للمخيلة المسيحية عن يسوع ساذجون يعيشون عالما ً طفولي‬
‫الفكر بمعنى أن شخصية يسوع وسيرته كانت بالنسبة لهم كما هي‬
‫قصص التسلية وحكايات الجن بالنسبة للطفال ‪ ،‬حيث تكون القضية‬
‫مثيرة وآخذة بالشغاف وحيث ل يكون الراوي أو المستمع قادرين على‬
‫التمييز بين الحقيقة والخيال ‪ .‬وهو التمييز الواضح والمطلوب‬
‫في حالة رجال ذوي تعليم عقلني فعال ‪.‬‬
‫‪ -3‬إني على يقين بأن يسوع كان سيشجب التصورات المسيحية عنه‬
‫والتي نشأت من بعده وبنفس الحزم الذي تشجبها به أنت وذلك لنفس‬
‫السبب ‪ ،‬فهو يهودي والتصور المسيحي عنه غير مواقف‬

‫‪6‬‬
‫) التوحيد ( اليهودي‪ .‬ومن المحتمل أن ما سيصاب به يسوع من‬
‫صدمة ستكون أعنف عليه شخصيا من أي يهودي آخر لنه قد اتخذ‬
‫هو بالذات موضوعا لهذا النحراف الثوري من أساسيات‬
‫التعاليم اليهودية‪) .‬راجع مرة أخرى ما سبق من آيات المائدة ‪-116‬‬
‫‪.( 118-117‬‬
‫‪ -4‬ل أعتقد أن يسوع هو مؤسس الكنيسة المسيحية ‪ ،‬فمما ل شك فيه‬
‫أن التابعين له هم الذين أنشأوها من بعد وفاته وذلك في إطار الجماعة‬
‫اليهودية وذلك كفرق يهودية خارجة عن الصل ‪ .‬فالمسيحية في علقتها‬
‫باليهودية التقليدية كعلقة ) البروتستانتية بالكاثوليكية ( ‪ .‬ثم تحولت‬
‫إلى ديانة بعد أن تحول إليها من غير اليهود أيضا ً ‪.‬‬
‫‪ -5‬بالرغم من تأكيد يسوع على طرح وتقديم تفسيره الذاتي لليهودية إل‬
‫أنه ظل وبإخلص يهوديا متعصبا لدينه كما هو دون ريب يهودي في عصبيته‬
‫‪ .‬وفي حدود ما وصل إليه علمنا انه بالكاد قد مضى لبعد من‬
‫أطراف تلك الرجاء من فلسطين التي كان يسكنها اليهود في‬
‫عصره‪.‬‬
‫وقد ورد انه قال ) لم أرسل إل للخراف الضالة من بيت‬
‫إسرائيل ( ‪.‬‬
‫‪.‬إنجيل متى ‪ ،‬إصحاح رقم ‪ ، 15‬عدد ‪24‬‬
‫)وللمقارنة تصديقا ً للقرآن ‪ -‬ورسوًل إَلى بِني إسراِئي َ َ‬
‫ة‬
‫م ِبآي َ ٍ‬ ‫جئ ْت ُك ُ ْ‬ ‫ل أّني قَد ْ ِ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ََ ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن طي ًْرا‬ ‫ُ‬ ‫كو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫في‬‫ِ‬ ‫خ‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ط‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ئ‬ ‫ن ال ّ ِ َ ْ‬
‫ي‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫طي‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خل ُقُ ل َك ُ ْ‬ ‫م أ َّني أ َ ْ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬‫م بِ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَأن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫موَْتى ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص وَأ ْ‬ ‫ه َواْلب َْر َ‬ ‫م َ‬ ‫ن الل ّهِ وَأب ْرِئُ اْلك ْ َ‬ ‫ب ِإ ِْذ ْ ِ‬
‫ن)‬ ‫مني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ة ل َك ُ ْ‬ ‫ك َلي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ن ِفي ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ما ت َد ّ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ت َأك ُُلو َ‬
‫ُ‬
‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫حّر َ‬ ‫ذي ُ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫م ب َعْ َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الت ّوَْراةِ وَِل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َيّ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ًّقا ل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫‪(49‬وَ ُ‬
‫َ‬
‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫طيُعوِني)‪ (50‬إ ِ ّ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫م َفات ّ ُ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِبآي َةٍ ِ‬ ‫جئ ْت ُك ُ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫فَر قال َ‬ ‫م الك ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫م)‪(51‬فل ّ‬ ‫قي ٌ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫صَراط ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫دوهُ هَ َ‬ ‫َفاعْب ُ ُ‬
‫شهد بأناَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مّنا ِبالل ّهِ َوا ْ َ ْ ِ ّ‬ ‫صاُر الل ّهِ آ َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫وارِّيو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫صاِري إ َِلى الل ّهِ َقا َ‬ ‫أن ْ َ‬
‫ن)‪ – (52‬آل عمران ‪ /‬ج ‪.3‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫وبذلك حصر مدى تجواله للمراقبة ضمن الجزاء اليهودية في‬
‫فلسطين مع المتناع عن تغشي مناطق الكفرة والمشركين‬
‫وحتى عن السامريين الذين كانت ديانتهم ول زالت قريبة‬
‫الشبه بالديانة اليهودية ‪ .‬ل بد من أن يكون هذان القولن موثقان بما‬
‫فيه الكفاية حتى تحتفظ بسجلتهما الكنيسة المسيحية التي غدت أغلبيتها‬
‫الساحقة وعلى نحو سريع من غير اليهود ‪.‬‬
‫"لم أتوقف كثيرا ً لدى قولك بان اليهود ومن كل الملل ‪ ،‬المؤمن بينهم‬
‫وغير المؤمن متحدون في عدم اعترافهم بالمسيح وذلك لني أعتقد انك‬
‫تعني عدم العتراف بيسوع ضمن ما صورته به الكنيسة‪ ،‬فاليهود‬
‫والسامريون هما الشعبان الوحيدان من شعوب المبراطورية الرومانية‬
‫اللذان لم يصبحا مسيحيين وبالطبع فإن صمودهما ضد تحولهما إلى دين‬
‫الغلبية التي يعيشان في داخلها يعتبر من مصلحتهما وذلك على مدى‬
‫ثلثة عشر قرنا عاش فيها عالمنا الغربي أجواء التعصب ‪ ،‬غير أنه ل يمكن‬
‫لليهود أن يمضوا في إنكار الحقيقة التاريخية ‪ ،‬أي كون يسوع يهوديا ً بأكثر‬
‫مما ينكر الكاثوليك بأن لوثر كان راهبا ً كاثوليكيا ً أو أن ننكر نحن في‬

‫‪7‬‬
‫بريطانيا أن جورج واشنطن كان تابعا ً لبريطانيا ‪ .‬بالمكان أن يعتقدوا‬
‫ويؤكدوا على أن هؤلء الثلثة مرتدون غير أن الوضاع الصلية لهذه‬
‫الشخصيات المثيرة للنقاش – تظل حقائق ثابتة ل تتبدل "‪.‬‬
‫وبعد مناقشة مستفيضة وتفصيلية يخلص توينبي إلى القول ) كيف يمكنك‬
‫على نحو إفرادي أن تؤكد على أن هذه هي وجهة النظر اليهودية الجماعية‬
‫‪ ،‬أو كيف يمكن لي شخص أي كان أن يتنبأ بأن ما هو موجود الن‬
‫سيستمر إلى نهاية البد ‪ .‬بل أننا حتى ل نعرف فيما إذا كان الزمان نفسه‬
‫يتجه إلى نهاية ما ‪ ،‬وخلل ذلك بالطبع فإن الزمان ل محال يحدث معه‬
‫التغييرات( ‪.‬‬
‫) ‪ ...‬الن هناك تمثال لجورج واشنطن في لندن ‪ ،‬وقريبا كانت الكنيسة‬
‫المسيحية الكاثوليكية تناقش الكنيسة المسيحية البروتستانتية حول‬
‫مشروع إنشائهما المشترك للكنيسة المسيحية الغربية وذلك بعد أن اتفق‬
‫الجميع على نصوص اليات الدقيقة الواردة في الصل العبري للتوراة‬
‫وكذلك كتاب العهد الجديد المخطوط باليونانية ‪ ،‬وأتوقع أن يأتي يوم ينجح‬
‫فيه أحد أساتذة الجامعة العبرية بالقدس وبطريقة منهجية صبورة في‬
‫تسليط الضواء على يسوع التاريخي بمعزل عن التصور‬
‫المسيحي المضفي عليه‪ .‬وذلك كما يفعل تماما خبير في‬
‫ترميم اللوحات وتجديدها حين يكشف عن الثر الفني الكامل‬
‫تحت طبقة من الطلء المتأخر ‪ ،‬وأتوقع لبعد من ذلك بأنه إذا ما‬
‫حدث ذلك فإن أهمية هذا البحث العلمي )الذي سيأفل دونه حتى عمل‬
‫البر فسير يادن في الماسادا ( سيتوج بإشادة نصب ليسوع الناصري‬
‫الشهير في تل أبيب – أعلم بالطبع ان التجسيد المرئي للشكل النساني‬
‫محرم في اليهودية ) ذلك بالرغم من تجاهل هذا التحريم في الكنيس‬
‫القائم في ديورا – ايروبس ( وبالرغم من أن التحريم قائم في السلم‬
‫أيضا ً فمع ذلك يوجد اليوم تمثال رمسيس الثاني في القاهرة وتمثال آخر‬
‫لتاتورك على صهوة جواد في )أنقرة( ‪.‬‬
‫"‪ ..‬أولن يأتي ذلك الرجل الذي ينندعي معرفننة مننا يحنندث إلننى نهايننة البنند‬
‫متشبها ً باللهة وعالما بالغيب بما ل يعلمه البشر ‪ .‬في الحقيقة أنه سيدعي‬
‫لنفسه رغما عن المحاذير ما تدعيه الكنيسة المسيحية ليسوع ‪ .‬وإنني الن‬
‫أشعر بالتفاهم الحسن بيننا ‪ ،‬بما يسمح لي بإنهاء هذه الرسننالة علننى هننذا‬
‫النحو الساخر" ‪.‬‬
‫كتب أبرهام روزنتال ردا مسهبا آخذا نقاط الحوار بالتفصيل غير أنه لم‬
‫يأت رد من توينبي قبل وفاته وبذلك بقي الحوار اللهوتي والفلسفي دون‬
‫انتهاء ومع ذلك كان بناء "‪ .‬انتهى نص الترجمة‪.‬‬
‫الدس على السلم وضرورة‬
‫السترجــاع النقــــدي‬
‫وهناك شك كبير في أن يكون الدس وأغلبه وارد في ما يسمونه‬
‫"الصحاح" قد امتد أيضا ً لصول المخطوطات " التي كتبت عن " أبي‬
‫حنيفة " النعمان – ‪ 80/150‬هن الموافق ‪ 699/767‬م – و "مالك بن أنس‬
‫– ‪ 93/179‬هن الموافق ‪ 711/795‬م – و " الشافعي – ‪ 150/204‬هن‬
‫الموافق ‪ 767/819‬م – و"أحمد بن حنبل" – ‪ 164/243‬هن الموافق‬
‫‪ 780/857‬م ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ففي تلك الحقب كانت المخطوطة تنتقل من يد إلى يد ‪ ،‬ومن بلد إلى‬
‫بلد ‪ ،‬ويمكن مراجعة علماء المخطوطات والمحققين ‪ ،‬فهناك أكثر من‬
‫مخطوطة دس عليها بل واختلف بعضها بالكامل ‪ ،‬ونسبت إلى علماء أجلء‬
‫ن‬
‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫من السلف الصالح ‪ .‬أما القرآن فهو معصوم إلهيا ً ‪َ .‬ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫د)‪ – (42‬فصلت ‪ /‬ج ‪ .24‬وهو‬ ‫مي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫زي ٌ‬ ‫فهِ َتن ِ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َد َي ْهِ وََل ِ‬
‫المرجع المطلق القاطع الذي أمرنا رسول الله اللتزام به‬
‫والستغناء به حتى عن كتابة أحاديثه حيث نهى عن كتابتها‬
‫وكذلك نهى الراشدون من خلفائه لنه يعلم ما ل يعلمون من دس أحبار‬
‫بني إسرائيل على السلم كما دسوا على النصرانية‪.‬‬
‫فالسترجاع النقدي القرآني هو أهم مدخل لنا لعادة فهم السنة النبوية‬
‫الصحيحة ‪ ،‬وفهم الموروث الديني ‪ ،‬وفهم خصائص ديننا الناسخ بعالمية‬
‫الخطاب وحاكمية الكتاب البشرية وشرعة التخفيف والرحمة لما قبله من‬
‫شرائع‪.‬‬
‫ويبقى بعد ذلك أن نوضح " المرجعية " التي نستند إليها في إعادة التقييم‬
‫إضافة إلى استرجاعية القرآن النقدية ‪.‬‬
‫تكمن هذه المرجعية في استخدام الدوات المنهجية العلمية المعاصرة‬
‫التي تقوم على التحليل والتفكيك والحفر المعرفي ثم إعادة التركيب‪.‬‬
‫لو كان قد قُّيض لفقهاء المة السلمية ومفكريها أن يأخذوا السلم‬
‫بمنهجية القرآن المعرفية لما احتاج )توينبي( وغيره لعمال العقل النقدي‬
‫وحده في نصوص النجيل ‪ ،‬فقد تولى الله – سبحانه وتعالى – تصحيح كل‬
‫الشكاليات وبمستوى مطلق في القرآن ‪ ،‬إذ يظل القرآن الكريم والمجيد‬
‫والمكنون ‪ ،‬هو )الوحي اللهي المعادل موضوعيا ً للوجود الكوني وحركته ‪،‬‬
‫بما في ذلك النسان ( والمتنزل دائما ً بمطلقه على نسبية الواقع ‪ ،‬والبديل‬
‫عن كافة الفلسفات )الوضعية ( التي تحاول معالجة الزمات النسانية‬
‫ولكنها – في الواقع – تغرق النسان في الزمات الكثر تعقيدا ً والناتجة عن‬
‫ما تعتبره حلول ً )منطقية( لها‪.‬‬
‫ثم إن ما يصيب السلم من فهم خاطئ لشرعته ‪ ،‬يؤدي إلى تصويب‬
‫سهام )العقلنية( لشرعتنا الكونية ‪ ،‬فهي معركة في غير معتركها متى فهم‬
‫السلم على حقيقته وخلت القلوب من )المرض( و )القسوة( ‪.‬‬
‫وأعلم في الختام أن المواضيع التي تطرقت إليها )مثيرة للجدل ( ومدعاة‬
‫للتهام ‪ ،‬ولكني بين خيارين ‪ :‬خيار)التعايش مع ما هو في الواقع (‬
‫بمنطق )براجماتي نفعي ( وفي هذه الحالة ينطبق علي مضمون اليات‪:‬‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫من َْها فَأت ْب َعَ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ذي آت َي َْناهُ آَيات َِنا َفان َ‬ ‫م ن َب َأ ال ّ ِ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫َوات ْ ُ‬
‫هُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مث َل ُ‬ ‫واهُ فَ َ‬ ‫ض َوات ّب َعَ هَ َ‬ ‫خلد َ إ ِلى الْر ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫شئ َْنا لَرفَعَْناهُ ب َِها وَلك ِن ّ ُ‬ ‫ن)‪(175‬وَلوْ ِ‬ ‫ال َْغاِوي َ‬
‫ل عَل َيه يل ْه ْ َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫قوْم ِ ال ّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫ك َ‬ ‫ث ذ َل ِ َ‬ ‫ه ي َل ْهَ ْ‬ ‫ث أوْ ت َت ُْرك ْ ُ‬ ‫ْ ِ َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬‫ن تَ ْ‬ ‫ب إِ ْ‬ ‫ل ال ْك َل ْ ِ‬ ‫مث َ ِ‬‫كَ َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوْ ُ‬ ‫مث ًَل ال ْ َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫ن)‪َ (176‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ص ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ق َ‬ ‫ص ال ْ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا َفاقْ ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫دي وَ َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫ه فَهُوَ ال ْ ُ‬ ‫ن ي َهْدِ الل ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن)‪َ (177‬‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا وََأن ُ‬
‫ن)‪ – (178‬العراف ‪ /‬ج ‪.9‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ل فَأ ُوْل َئ ِ َ‬‫ضل ِ ْ‬‫يُ ْ‬
‫والخيار الثاني هو اللتزام بهدى الله – على قدر استطاعتي بإذن الله –‬
‫مهما كان الثمن في هذه الدنيا الفانية بجسدها الفاني‪.‬‬
‫فلو أدرك المفكرون حقائق السلم بمنهجيته المعرفية المتفاعلة –‬
‫استيعابا ً وتجاوزا ً – مع كافة مناهج المعرفة البشرية ‪ ،‬والمتفاعلة – كذلك‬

‫‪9‬‬
‫استيعابا ً وتجاوزا ً – مع كافة النساق الحضارية وبسقف )كوني( يتجاوز‬
‫)الوضعية( و )اللهوت( معا ً ‪ ،‬إذن لهرعوا إليه ‪ ،‬ولهرع إليه أنصار‬
‫)التعددية( سلما ً وتكافؤا ً بين القوميات وبمعزل عن منطق الغلبية‬
‫والقلية‪.‬‬
‫ولهرع إليه أنصار )العقلنية( المتجاوزة برؤيتها الكونية لكل ما يبوتق‬
‫التفكير البشري‪.‬‬
‫ولهرع إليه أنصار )الحرية النسانية( المتجاوزة لليبرالية الفردية‬
‫وبراجمتيتها على حساب المجتمع ‪ .‬الحرية النسانية المؤسسة على السلم‬
‫وليس على الصراعات وتوازناتها في الشكل الديموقراطي الغربي‪.‬‬
‫ولهرع إليه أنصار )القسط بين الناس ( وليس فقط العدالة الجتماعية‪.‬‬
‫ما ِفي قَل ْب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫شهِد ُ الل ّ َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي ُ ْ‬ ‫ه ِفي ال ْ َ‬ ‫ك قَوْل ُ ُ‬ ‫جب ُ َ‬ ‫ن ي ُعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن َالّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫سد َ ِفيَها وَي ُهْل ِكَ‬ ‫ف ِ‬ ‫ض ل ِي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫م)‪(204‬وَإ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫سَعى ِفي الْر ِ‬ ‫ذا ت َوَلى َ‬ ‫صا ِ‬ ‫خ َ‬ ‫وَهُوَ ألد ّ ال ِ‬
‫ه‬‫خذ َت ْ ُ‬‫هأ َ‬ ‫ّ‬
‫ق الل َ‬ ‫َ‬ ‫ذا ِقي َ‬ ‫د)‪(205‬وَإ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫س َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه ات ّ ِ‬ ‫لل ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ف َ‬‫ب ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ل َوالل ُ‬ ‫ث َوالن ّ ْ‬ ‫حْر َ‬
‫ري‬ ‫ش ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن َالّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫د)‪(206‬وَ ِ‬ ‫مَها ُ‬‫س ال ْ ِ‬ ‫م وَل َب ِئ ْ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْعِّزةُ ِباْل ِث ْم ِ فَ َ‬
‫خُلوا‬ ‫مُنوا اد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ِبال ْعَِباِد)‪َ(207‬ياأي َّها ال ّ ِ‬ ‫ه َرُءو ٌ‬ ‫ضاةِ الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫ه اب ْت َِغاَء َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن‬‫ن)‪(208‬فَإ ِ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫م عَد ُوّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ه لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط َ‬‫ُ‬ ‫ة وَل ت َت ّب ُِعوا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلم ِ كافّ ً‬ ‫ْ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م)‪– (209‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ت َفاعْل ُ‬ ‫م الب َي َّنا ُ‬ ‫ُ‬
‫جاَءت ْك ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َزل َل ْت ُ ْ‬
‫البقرة ‪ /‬ج ‪.2‬‬

‫‪10‬‬

Anda mungkin juga menyukai