اللھم لك الحمد حمداً كثيراً مباركا ً ملئ السماوات وملئ األرض وملئ ما بينھما .الحمد! الذي ھدانا لھذا وما كنا
لنھتدي لوال أن ھدانا ﷲ .الحمد! تعالى الذي أنعم علينا بنعمة العقل .الحمد! الذي حرر عقل االنسان من قيود
األوھام والخرافات والكھنوت .الحمد! الذي حرر عقل اإلنسان من معتقالت التقليد واتباع الھوى.
عباد ﷲ اتقوا ﷲ حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون.
نستكمل في ھذه الخطبة ان شاء ﷲ خصائص االسالم .في خطبة اليوم سنتكلم عن المعقولية والمنطق في االسالم.
تمتاز العقيدة و الشريعة االسالمية بالبساطة والمنطق والمعقولية ألن مبادئھا واضحة بسيطة مفھومة يعقلھا كل ذي
عقل ويفھمھا كل ذي ثقافة ويستجيب لھا كل ذي فطرة سليمة.
إن العقل من أعظم نعم ﷲ على اإلنسان فبه يدرك ويميز ،ويفھم و يستنبط ،ويبتكر ويخترع ،ويبني ويعمر .وقد
حرص اإلسالم على تحرير العقول من كل سلطان يكبلھا ويعيقھا عن أداء دورھا في الحياة.
من بساطة اإلسالم ومعقوليته أنه أمر اإلنسان أن يفكر ويقدر ..ليصل إلى حقيقة اإليمان بواجد الوجود سبحانه
ويقر جز ًما واعتقادًا بوحدانيته المتفردة وقدرته المطلقة .فھناك الكثير من األمثلة في القرآن التي تحث على التفكير
ٰ
ت
اوا ِ والتقدير للوصول إلى الحق كقصة سيدنا إبراھيم ورحلة البحث عن الخالق " َو َك َذلِكَ نُ ِري إِ ْب َرا ِھي َم َملَ ُكوتَ ال ﱠ
س َم َ
ض َولِيَ ُكونَ ِمنَ ا ْل ُموقِنِينَ "]األنعام .[75:وأستمر في بحثه حتى أن ھداه ﷲ إلى الحق .فقال تعالى على لسان َو ْاألَ ْر ِ
ش ِر ِكينَ " ]األنعام.[79: ض َحنِيفًا ۖ◌ َو َما أَنَا ِمنَ ا ْل ُم ْ
ت َو ْاألَ ْر َ
اوا ِ سيدنا إبراھيم "إِنﱢي َو ﱠجھْتُ َو ْج ِھ َي لِلﱠ ِذي فَطَ َر ال ﱠ
س َم َ
رغب اإلسالم في النظر في الكون ،وحث على التدبر والتفكر في المخلوقات ،وذلك للتعرف على عظيم قدرة ﷲ
ت ﱢألُولِي ْاألَ ْلبَا ِ
ب" ف اللﱠ ْي ِل َوالنﱠ َھا ِر َآليَا ٍ
اختِ َال ِ ت َو ْاألَ ْر ِ
ض َو ْ اوا ِ
س َم َ تبارك وتعالى وحكمته ،قال تعالى" :إِنﱠ فِي َخ ْل ِ
ق ال ﱠ
]آل عمران .[190:فيزداد بذلك اإليمان فيكون ما يكون من العبدوية الحقة .قال تعال بعد أن بين في اآليه السابقة
ت َو ْاألَ ْر ِ
ض اوا ِ
س َم َ
ق ال ﱠ عظمة خالق ھذا الكون" :الﱠ ِذينَ يَ ْذ ُكرُونَ ﱠ َ
ﷲ قِيَا ًما َوقُ ُعودًا َو َعلَ ٰى ُجنُوبِ ِھ ْم َويَتَفَ ﱠكرُونَ فِي َخ ْل ِ
اب النﱠا ِر" ]آل عمران[191: َربﱠنَا َما َخلَ ْقتَ ٰ َھ َذا بَا ِط ًال ُ
س ْب َحانَكَ فَقِنَا َع َذ َ
ومن بساطة ومعقولية اإلسالم أنه حرص على تحرير العقول من كل سلطان يكبلھا ويعيقھا عن أداء دورھا في
الحياة .حررھا من قيود األوھام والخرافات والكھنوت ،فحرّ م إتيان العرافين والكھنة وتصديقھم ،واالعتقاد في
التمائم والرقى الشيطانية والودع ..وكل ما كان من ھذا الباب.
عندما تحكمت الكنيسة الغربية بالسلطة والشعب ..حاولت إجبار الناس على تبني نظريات علمية خاصة بھا..
واعتبرت الخروج عليھا والتفكير والنظر وإعمال العقل في مسائل الدين والدنيا ،ھرطقة وكفرا ..ودفع العلماء ثمنا ً
باھظا ً لخروجھم على تعاليم الكنيسة فصلب بعضھم وسجن آخرون ..وعندما ضعف سلطان الكنيسة وانتصر
العلماء ..طالبوا بالفصل الكامل بين الدين والعلم ..وإبقاء الدين مجرد عالقة خاصة بين الفرد والرب ..ومن ھنا
نشأت الخصومة بين الدين والعلم ..انزوى بعدھا الدين في زاوية مھملة من زوايا المعابد ..وانطلق العلم ..المفيد منه
والضار ..يتحكم باإلنسان والحياة .فجاءت نظريات تطلق العقل بال حدود مما أدى إلى االنحراف ..فالعقل مثل كل
الحواس ..محدود بالزمان والمكان ..ويختل ميزانه إن حاول الحكم علي غير المحدود ..مثل أمور الروح والقدر
وأسماء ﷲ وصفاته وغيرھا من المسائل التي ال حكم للعقل عليھا .ولھذا حدد اإلسالم مجال النظر العقلي في النافع
والمفيد .قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم) :تفكروا في خلق ﷲ وال تفكروا في ﷲ فإنكم لن تقدروه قدره( أبو
نعيم في الحلية مرفوعا بسند ضعيف ومعناه صحيح.
إن عبادة العقل والتحاكم إليه ليس بجديد ،بل ھو من يوم أن قال إبليس لربه" :أَنَا َخ ْي ٌر ﱢم ْنهُ َخلَ ْقتَنِي ِمن نﱠا ٍر َو َخلَ ْقتَهُ
ين" ]األعراف .[12:لقد جعل إبليس لنفسه رأيا ً مع أمر ﷲ ..استخدم عقله خارج حدود قدرته فضل وأض ّل. ِمن ِط ٍ
ورا ۖ◌ لﱠ َمن تَبِ َعكَ ِم ْن ُھ ْم َألَ ْم َألَنﱠ َج َھنﱠ َم ِمن ُك ْم أَ ْج َم ِعينَ "]األعراف.[18: ْ فكانت النتيجة أن "قَا َل ْ
اخ ُر ْج ِم ْن َھا َمذ ُءو ًما ﱠمد ُْح ً
ومن المعقولية أيضا ً أنﱠ اإلسالم حرر العقل من معتقالت التقليد والھوى إلغراقھا لصاحبھا في الضالل" :قَالُوا بَ ْل
ش ْيئًا َو َال يَ ْھتَدُونَ " ]البقرة .[170:ثم ھو يأمر بالتثبت من نَتﱠبِ ُع َما أَ ْلفَ ْينَا َعلَ ْي ِه آبَا َءنَا ۗ◌ أَ َولَ ْو َكانَ آبَا ُؤ ُھ ْم َال يَ ْعقِلُونَ َ
ٰ
ص َر َوا ْلفُؤَ ا َد ُك ﱡل أُولَئِكَ َكانَ َع ْنه ُ س لَكَ بِ ِه ِع ْل ٌم ۚ◌ إِنﱠ ال ﱠ
س ْم َع َوا ْلبَ َ كل أمر قبل االعتقاد به واقتفائه " َو َال تَ ْقفُ َما لَ ْي َ
ُوال" ]اإلسراء .[36:مسؤولية يحس معھا اإلنسان بعظم التبعة وھو يقدم على األمر ،فال يأخذ األمور سئ ً َم ْ
باستخفاف ،وال يأخذھا بال تثبت.
ومن بساطة ومعقولية الشريعة االسالمية أنھا تقبل التوبة من كل من يطرق باب ﷲ Υتائبًا منيبًا صادقًا يقول ﷲ
ﷲِ َمتَابًا] ".الفرقان ..[71:توبة مباشرة إلى ﷲ ال تحتاج إلى صالِ ًحا فَإِنﱠهُ يَت ُ
ُوب إِلَى ﱠ َاب َو َع ِم َل َ
تعالى " َو َمن ت َ
وساطة بين الخالق والمخلوق وقد نعت اإلسالم بشدة على أولئك الذين يخدعون الجماھير بكراسي االعتراف وبيع
صكوك الغفران ومنح الجنة وحرمان النار.
ومن بساطتھا ومعقوليتھا أنھا ربطت اإليمان بالحياة والعقيدة بالعمل الصالح ..فھناك الكثير من األحاديث الواردة
عن رسول ﷲ تذكرنا بأن المسلم ال يكون عند ﷲ مسل ًما إال إذا سلم الناس من لسانه ويده والمؤمن ال يكون عند ﷲ
ﷲُ َع ْنھُ َما ع َْن النﱠبِ ﱢي َ
صلﱠى ﱠ
ﷲُ َعلَ ْي ِه ض َي ﱠ
ﷲِ ب ِْن َع ْم ٍرو َر ِ مؤمنًا إال إذا أمنه الناس على دمائھم وأموالھم .ع َْن َع ْب ِد ﱠ
ع ْنهُ (.رواه البخاري .وعن أبي ﷲُ َ سانِ ِه َويَ ِد ِه َوا ْل ُم َھا ِج ُر َمنْ ھ ََج َر َما نَ َھى ﱠ سلِ َم ا ْل ُم ْ
سلِ ُمونَ ِمنْ لِ َ َو َسلﱠ َم قَا َل )ا ْل ُم ْ
سلِ ُم َمنْ َ
ھريرة مرفوعاً )المؤمن من أمنه الناس على دمائھم وأموالھم( رواه الترمزي والنسائي.
ھذا ھو اإلسالم في بساطته و معقوليته وواقعيته.
أقول قولي ھذا واستغفر ﷲ العظيم لي ولكم فيا فوز المستفرين ويا نجاة التائبين استغفروا ﷲ العظيم.
المراجع
خصائص التصور اإلسالمي -سيد قطب،
نظرات في رسالة التعاليم -محمد عبد ﷲ الخطيب،
اإلسالم شريعة الزمان والمكان د /عبدﷲ ناصح علوان
الفكر اإلسالمي الوسط مصطفى الطحان