أود أول أن أشير إلى أنى لن أتكلم عن السلم بل عن المسلمين .فالسلم مثله مثل المسيحية
واليهودية تعبير مبهم ل وجود له على ارض الواقع ،فان وجدتموه فادعوه يشرب القهوة عندي.
بينما الموجود هو المسلمون الذين يجتمعون على أمور ويفترقون على أخرى.
وليس القصد هنا الطعن في المسلمين بل تبيين نقاط الختلف بين حقوق النسان كما يفهمها
قطاع واسع منهم وبين حقوق النسان كما حددتها المم المتحدة .كما سوف نبين كيف حاول
المسلمون أنفسهم حل هذا الختلف من اجل حياة افضل.
هذا وكلمي عن المم المتحدة ل يعني بحد ذاته قبول لهذه المنظمة بقدر ما هو قبول لحقوق
النسان .فأنا من المطالبين بخروج العرب من هذه المنظمة التي ل تحترم مبادئها .ويكفي هنا
ذكر آلف الطفال العراقيين الذين ماتوا ويموتون يوميا بسبب قرارات هذه المنظمة الجائرة.
أ( القانون نتيجة اتفاق ديمقراطي :فالشعب يقرر ما هو القانون الذي يحكمه تماما كما يقرر نوعية
جبنة Fromage de Gruyèreالتي يريد أن يأكلها :مع ثقوب كبيرة أم صغيرة ،مع ملح أم دون
ملح.
ب( القانون نتيجة قرار ديكتاتوري :فالدكتاتور يضع القانون الذي يحكم الشعب دون أخذ رأيهم
ويقطع راس المخالفين.
ج( القانون نتيجة الدين والوحي :يقوم شخص بادعاء النبوة وانه على اتصال بال فيفرض قانون
باسم ال على شعب بعد إحكام السيطرة عليه بالترهيب والترغيب .ثم يقوم اتباعه بقطع رؤوس
المخالفين .وهكذا يجتمع الدكتاتور والنبي في خانة واحدة .وعلى سبيل المثال يقول كل من
الحاخام والفيلسوف اليهودي موسى ابن ميمون 1والشيخ المسلم محمد متولي الشعراوي 2بأن كل
من يرفض تطبيق شريعة ال يجب قتله.
والقانون الناتج عن الوحي نص ل يتغير بخلف القانون الديمقراطي .فليس هناك طبعة ثانية
منقحة للتوراة والنجيل والقرآن .فما ُكتب فقد ُكتب .وما على الناس إل تنفيذ النص الديني أو
التحايل عليه وتحميله ما قد يحتمل أو ما ل يحتمل من التفاسير لتيسير أوضاعهم والحد من
سطوته عليهم .ولو إنهم اعتبروه نصا تاريخيا إبن زمانه ومكانه لما احتاجوا لمثل هذا التحايل
على النص الديني.
ويلحظ انه كلما كان النص الديني مشبعا بالقواعد القانونية الدنيوية ،كلما كان تعامل الشعب معه
أكثر صعوبة وأقل حرية .وهذا هو وضع التوراة والقرآن بما يتضمنا من تفاصيل قانونية مملة
بخلف النجيل الذي هو نص أخلقي وليس نص قانوني إل نادرا .وهذا ما جعل الغربيين
المسيحيين يأخذون بالقانون الروماني الوضعي العلماني.
مفهوم القانون يؤثر على مفهوم حقوق النسان ذاته .ويمكن هنا التفريق بين المفهوم الديكتاتوري
الديني لحقوق النسان والمفهوم الديمقراطي العلماني الوضعي لتلك الحقوق.
حسب هذا المفهوم ،تنبع حقوق النسان عن الشعب الذي يقرر حقوقه من خلل ممارسته لسيادته.
فالعلن العالمي لحقوق النسان وغيره من وثائق صادرة عن المم المتحدة نابعة عن إرادة
البشر بقصد تأمين العيش بسلم .وليس في هذه الوثائق أي ذكر ل الذي تم إبعاده لنه يفرق ول
يوحد .وهذا المفهوم لحقوق النسان يتميز في كونه يقر مبدأ المساواة أمام القانون دون تمييز على
أساس الدين أو الجنس.
Moïse Maïmonide : Le livre de la connaissance, PUF, Paris, pp. 99-100 1
2محمد متولي الشعراوي :قضايا إسلمية ،دار الشروق ،1977 ،ص .29-28
3
حسب هذا المفهوم ،تنبع حقوق النسان ليس عن الشعب بل عن شخص خارج عنه .فالسيادة
حسب هذا المفهوم ليس للشعب ،بل ل )أو الديكتاتور( .فل يحق للشعب اخذ قرار حيثما وجد
نص واضح الدللة .وعلى خلف المفهوم الديمقراطي ،فإن هذا المفهوم لحقوق النسان يتميز في
كونه ل يقر المساواة أمام القانون دون تمييز على أساس الدين أو الجنس .وهذا المفهوم تسير
عليه كل من النظم العربية السلمية الحالية والتيارات السلمية المعارضة لهذه النظم .ونجد
تأثير هذا المفهوم في مجالت عدة نذكر منها:
-في مجال الحقوق السياسية :إذا ما تمعنا في القرآن وجدناه يفرق ما بين حزب ال وحزب
الشيطان .وبناء على هذه النظرة قام الفقهاء قديما ،ومنهم ابن تيمية ،بمنع نشوء أحزاب
سياسية ل تأخذ الدين قاعدة لها .وهذه الخلفية سبب لعدم نشوء ثقافة وممارسة سياسية تقبل
بتعدد الحزاب بصورة ديمقراطية في العالم العربي السلمي .ونجد امتدادا لهذه النظرة في
مشروع الدستور السلمي الذي وضعه الزهر ومشروع الدستور السلمي الذي وضعه
حزب التحرير السلمي )الفلسطيني( .وكل منهما يرفض وجود حزب غير إسلمي.3
-في مجال حقوق المرأة :كلنا نعرف نقاط التمييز ضد المرأة النابعة من منطلق ديني.
ونذكر منها تعدد الزوجات ،والطلق بيد الرجل ،وعدم المساواة بين الرجل والمرأة في
الميراث ،وحرمانها من الوصول إلى مناصب عامة مثل القضاء وغيره .وإن كان صحيحا
انه حدث تقدم في بعض الدول العربية السلمية في إزالة بعض اوجه التمييز ضد المرأة ،إل
أن التيارات السلمية ما زالت ترفض مثل هذا التقدم من منطلق ديني .وقد تحفظت الدول
العربية ضد وثائق المم المتحدة التي تقر بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة .وكان تحفظها
من منطلق ديني.
-في مجال حرية الرأي :نعرف جميعًا الحدود لحرية الرأي التي ترتكز على منطلق ديني.
ويكفي هنا ذكر شنق محمود محمد طه في السودان ،وقتل فرج فودا في مصر ،وحادثة أبو
زيد الذي طلقته محكمة النقض المصرية من امرأته بدعوى الردة فهربا إلى هولندا.
-في مجال الحرية الدينية :ما زالت أكثرية المسلمين وأنظمتهم تعتبر المسلم الذي يترك
دينه مقترفًا لجريمة الردة مع أن الردة ليست جريمة بل حق مقدس .فليس لحد أن ُيجَبر في
عبادة ال بخلف ما يقتنع فيه ضميره .وإن كانت قوانين الدول العربية ل تنص جميعها على
قتل المرتد عمل بالحديث النبوي )من غير دينه فاقتلوه( ،فإنها تمنع المرتد من الزواج،
وتعتبر الردة بعد الزواج سببا لفصله عن زوجته وحرمانه من أطفاله ومن حقه في الميراث
وتصفية ميراثه ،كما انه يحرم من عمله ويضطر على ترك بلده للنجاة من الموت .ونشير هنا
انه بخلف من يترك السلم فان من يترك دينه ليدخل السلم ُيرحب به .وهذا يعني أن
الحرية الدينية في اتجاه واحد.
-في مجال القليات الدينية :صحيح أن لهل الذمة حقوق اعترف بها المسلمون ولكن لم
يتم العتراف بمن ل يدين بغير دين سماوي .فحتى يومنا هذا ترفض الدول العربية
العتراف بالبهائيين وتعتبرهم مرتدين .وحقوق أهل الذمة ما زالت تخضع لقيود مخالفة
3انظر ترجمة الدستورين في كتابي Sami A. Aldeeb Abu-Sahlieh : Les musulmans face aux
.droits de l'homme, Winkler, Bochum, 1994, pp. 528 et 541
4
لحقوق النسان حتى يومنا هذا .وعلى سبيل المثال يمنع الذمي أن يتزوج من مسلمة بينما
يسمح للمسلم اخذ نساء الذميين .والذمي الذي يتزوج من مسلمة يعتبر مقترفًا إثما ل ُيغتفر.
ونشير هنا إلى وجود آلف من المسيحيين الذين يعملون في السعودية ُيحرمون من حق إقامة
شعائرهم الدينية وُيمنعون من إقامة كنائس لهم هناك رغم أن السعودية هي التي تبني الجوامع
في الدول الغربية.
-العقوبات الجسدية وسلمة الجسد :ما زال عدد من الدول السلمية ينفذ العقوبات
الشرعية مثل الجلد وقطع الطراف والرجم والعدام وعقوبة القصاص )العين بالعين والسن
بالسن( من منطلق ديني .وهذه العقوبات الشرعية مخالفة لحقوق النسان أدانتها منظمة العفو
الدولية .وما زال المسلمون يمارسون ختان الذكور والناث في عدد من الدول السلمية من
منطلق ديني .حتى أن شيخ الزهر جاد الحق اصدر فتوى يقول فيها) :الختان للرجال سنة
وهو من الفطرة وهو للنساء مكرمة فلو اجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم المام لنه
من شعائر السلم وخصائصه( .4وقد بينت في كتابي )ختان الذكور والناث عند اليهود
والمسيحيين والمسلمين( 5بأن كل من الختانين مخالف لروح القرآن.
-الرق :ما زال هناك حتى في عصرنا من يدافع عن الرق من منطلق ديني إسلمي.
ونذكر في هذا المجال العالم السلمي الباكستاني الكبير المودودي ،6وعضو البرلمان
المصري الشيخ صلح أبو إسماعيل ،7والستاذ الجامعي المصري احمد حمد احمد .وقد
اقترح هذا الخير قانونا موحدا للجيوش السلمية يوضح فيه إمكانية استرقاق السرى
وتقسيم نساء العداء على جنود المسلمين كسبايا .وهذا القانون في نظره يجب أن يحل محل
معاهدات جنيف.8
بطبيعة الحال ل يتفق كل المسلمين مع هذه المخالفات لحقوق النسان ذات المنطلق الديني .فالعالم
العربي السلمي يعرف اتجاهات فكرية كثيرة منها المتزمتة دينيا ومنها الرافضة لمثل هذا
التزمت .ونذكر هنا بعضها على سبيل المثال:
-المتزمتون دينيًا :هذا التجاه ل ينتقد مخالفات حقوق النسان المذكورة أعله إل نادرًا .ل
بل يطالب النظمة السياسية في اتخاذ مواقف اكثر اتفاقًا مع مفهومهم للدين والقرآن ،والتخلي
عن القوانين الحالية .وقد وضع عدد من التجاهات المتزمتة مشاريع دساتير مختلفة تتفق مع
مفهومها للدين .9وإذا ما طبقت هذه الدساتير فمن المؤكد بان انتهاكات حقوق النسان في
4نص الفتوى كامل في كتابي :سامي الذيب :ختان الذكور والناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين :الجدل
الديني ،رياض الريس ،بيروت ،عام ،2000ص .448-439
5سامي الذيب :ختان الذكور والناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين :الجدل الديني ،رياض الريس ،بيروت،
عام .2000
6أبو العلى المودودي :السلم في مواجهة التحديات المعاصرة ،دار القلم ،الكويت ،1978 ،ص .109-63
7صلح أبو إسماعيل :الشهادة ،دار العتصام ،القاهرة ،1984 ،ص .79-78
8احمد حمد احمد :نحو قانون موحد للجيوش السلمية ،مكتبة الملك فيصل السلمية ،الدوحة ،1988 ،المواد
52و .194-191
9انظر ترجمة لخمسة من هذه الدساتير في كتابي Sami A. Aldeeb Abu-Sahlieh : Les musulmans
.face aux droits de l'homme, Winkler, Bochum, 1994, pp. 523-569
5
الدول السلمية سوف تزداد حدة ،خاصة في مجال الحزاب السياسية وحرية الرأي وحقوق
المرأة وغير المسلمين وتطبيق قانون العقوبات .ونشير هنا إلى أن الجامعة العربية قد
وضعت مشروعا لقانون عقوبات موحد لجميع الدول العربية يتفق مع موقف المتزمتين .وان
دخل هذا المشروع حيز التنفيذ فسوف يكون نكسة كبرى لعالمنا العربي والسلمي.
-إبقاء الوضع كما هو :بمواجهة التجاه المتزمت دينيا هناك التجاه الحكومي في بعض
الدول مثل مصر التي ل تريد تغيير الوضع .فمن جهة ل تريد تغيير مواد قوانين الحوال
الشخصية المخالفة لحقوق النسان في مجال المرأة وغير المسلمين ،وذلك حتى ل تغيظ
التجاه الديني المتزمت .ومن جهة أخرى ترفض ترك قانون العقوبات لحلل الشريعة
السلمية مكانه كما يطالب التجاه المتزمت.
-التفريق بين المكي والمدني في القرآن :هناك اتجاه يفرق بين القرآن المكي )الذي نزل في
مكة قبل استلم النبي محمد الحكم( والقرآن المدني )الذي نزل في المدينة بعد استلم النبي
محمد الحكم( .فمن المعروف أن القرآن المدني هو الذي يحتوي على اليات ذات الطابع
القانوني التي تخلق مشاكل في مجال حقوق النسان في أيامنا عند المسلمين ،بينما القرآن
المكي فهو ل يتضمن قواعد قانونية بل يكتفي بوضع مبادئ عامة تؤكد على مبدأ المساواة
بين الجميع دون تمييز جنسي أو ديني .ولذا فالقرآن المكي ل يتعارض مع حقوق النسان.
ولهذا السبب يعتبر البعض أن القرآن المكي هو الذي يعبر عن روح السلم بخلف القرآن
المدني الذي تضمن تنازلت من قبل النبي محمد لهل زمانه .وعليه فإن القرآن المكي ينسخ
القرآن المدني .10وقد قادت هذه النظرية الجريئة صاحبها وهو الستاذ محمود محمد طه
السوداني إلى حبل المشنقة عام 1985بتحريض من الزهر وتصفيق من عدد من الهيئات
الدينية السلمية الخرى.
-التفريق بين القرآن والحديث :هذا التجاه يقول بأن القرآن هو وحده كلم ال وله وحده
الطاعة .أما الحديث فأكثره ملفق ومنسوب زورا للنبي ول طاعة له .ومن بين مؤيدي هذا
التيار العقيد معمر القذافي ومواطنه القاضي مصطفى كمال المهدوي الذي كتب كتابا بعنوان
)البيان بالقرآن( .11وقد تعرض هذا القاضي إلى محاكمة بالردة وحملة شرسة من قبل رجال
الدين المسلمين في بلده وخارجه .وقد انتهت محاكمته بحكم متناقض اقر بتبرئته وفي نفس
الوقت بمنع كتابه .ومن مؤيدي هذا التجاه نذكر المصري رشاد خليفة الذي اشتهر بنظريته
12
حول العجاز العددي للقرآن ،مرتكزًا على العدد )19الذي جاء في سورة المدثر . (74:30
ولكنه بعد ذلك اصدر كتيبًا يرفض فيه الحديث النبوي الذي اعتبره من كلم البشر ،ل بل من
عمل الشيطان .13وعلى اثر إعلنه عن هذا الموقف ،سقطت شهرته وصدر ضده عدد من
الفتاوى تعتبره مرتدًا .وقد تم اغتياله على يد أحد المسلمين في عام .1990
-تأويل القرآن :هناك عدة محاولت لتأويل القرآن للتغلب على المشاكل الناتجة عن بعض
آياته .وقد لجأت حركات نسائية مغاربية تضم نساء من تونس والجزائر والمغرب إلى هذا
السلوب .فبدل من التخلي عن نصوص القرآن المعارضة لحقوق النسان حاولت هذه
الحركات تقديم تأويل تقدمي لهذه النصوص للغاء هذه المعارضة ولسكات المتزمتين دينيًا.
وقد أصدرت مشروعًا للحوال الشخصية يلغي كل أنواع التمييز ضد المرأة وغير المسلمين
10عرضت هذه النظرية في كتاب محمود محمد طه :الرسالة الثانية من السلم ،أم درمان.1986 ،
11مصطفى كمال المهدوي :البيان بالقرآن ،الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والعلن ،مصراتة1990 ،
12رشاد خليفة :معجزة القرآن الكريم ،دار العلم للمليين ،بيروت.1983 ،
Rashad Khalifa: Quran, Hadith and Islam, Islamic productions, Tucson, 1982 13
6
أطلقت عليه اسم )مائة إجراء ومقتضيات من اجل تقنين مغارب بروح المساواة في مادة
الحوال الشخصية وقانون السرة( .وهذا المشروع ،انطلقا من هذا التأويل التقدمي ،يلغي
تعدد الزوجات ،ويلغي حق الرجل في تطليق امرأته بإرادته المنفردة ،ويمنح المساواة بين
الرجل والمرأة في الميراث ،ول ينص على مانع الردة للزواج ،ويسمح بزواج المسلمة من
رجل غير مسلم ،ول يحرم الغير مسلم من ميراث المسلم .وقد تم نشر هذا المشروع أيضا في
لبنان بتحريض مني من قبل )منظمة حقوق الناس(.
-إلغاء مفهوم الوحي :إن كانت التجاهات السابقة الذكر تحاول التشديد على ضرورة
احترام شرع ال أو محاولة التحايل عليه بالمراوغة أو التأويل ،فإن هناك من رأى اختصار
الطريق برفض فكرة الوحي والنبياء جملة وتفصيل لعطاء النسان الحق في تقرير
المصير بدل من إخضاعه لرادة خارجية غيبية .ونذكر في هذا المجال الطبيب والفيلسوف
الكبير محمد بن زكريا الرازي الذي يعتبر أحد اكبر الشخصيات في الحياة الفكرية السلمية
على مر عصورها حسب قول الستاذ عبد الرحمن بدوي .وقد كان الرازي قد كتب كتابًا
عنونه )مخاريق النبياء( لم يبقى لنا منه إل فقرات ضمن ردود أعدائه عليه .كما هناك كتابه
المسمى )الطب الروحاني( .ويتبين من هذا وذاك أن الرازي يؤكد على أن العقل يكفي وحده
لمعرفة الخير والشر فل مدعاة لرسال النبياء لقيادة البشر .فإرسال النبياء هذا تفضيل ل
تبرير له لبعض القوم على بعض ومدعاة للشقاق بين الناس .فالعقل هو المرجع للنسانية
وليس الوحي .14وفي عصرنا هناك موقف مشابه اتخذه الفيلسوف المصري زكي نجيب
محمود الذي يطالب قبل أن يتاح لنا استنبات زرع جديد أن تقتلع من تربتنا الثقافية نظرة
العربي بأن السماء قد أمرت وعلى الرض أن تطيع ،وأن الخالق قد خط وخطط وعلى
المخلوق أن يقتنع بالقسمة والنصيب ،وأن المنقول إذا ما تناقض مع المعقول ضحينا بالمعقول
ليسلم المنقول .15وهناك المفكر والكاتب المصري حسين فوزي الذي التقيت به في 8سبتمبر
1977وسألته كيف يمكن التعامل مع الحركات السلمية التي تطالب بتطبيق شرع ال الذي
جاء في الكتب السماوية علي يد النبياء .وكان رده أن ال قد خلق البشرية في ستة أيام ثم
ذهب ليستريح في اليوم السابع كما جاء في التوراة .وبما انه رأى قبل استراحته أن كل ما
عمله حسن حسب قول التوراة ،فلم يكن هناك داع لرجوعه للعمل في اليوم الثامن .وعليه لم
يكن له مجال لرسال النبياء .فالنبياء لم يحصلوا على أي تفويض من ال بل كل منهم جاء
بناء علي تفويض ذاتي ل دخل ل فيه ،وما إدعاؤهم بان ال أرسلهم للبشرية إل حيلة للسيطرة
على الغير وإسكات معارضيهم.16
إذا ما نظرنا في كتب الفقهاء القدامى نرى انهم يمنعون إقامة المسلمين في ديار الكفار ويطالبونهم
بالهجرة منها إلى ديار السلم حتى يتمكنوا من تطبيق الشريعة .17ولكن مع تغير الوضاع
القتصادية والجتماعية اخذ المسلمون يهاجرون للدول الغربية بحثًا عن لقمة العيش وطلبا للعلم.
وقد حمل المهاجرون المسلمون معهم عاداتهم كما حملوا ملبسهم .وإن حاولوا التأقلم مع محيطهم
الجديد الغير مسلم ،إل أن بعضهم حاول العيش هناك على طريقة تتفق وما يعتقد بأنه جزء من
14عبد الرحمن بدوي :من تاريخ اللحاد في السلم ،سينا للنشر ،القاهرة ،1993 ،ص .241-234
15زكي نجيب محمود :تجديد الفكر العربي ،دار الشروق ،القاهرة ،1974 ،ص .294
16انظر حول فكر حسين فوزي كتابي Sami A. Aldeeb Abu-Sahlieh : L’impact de la religion sur l'ordre
.juridique, cas de l'Egypte, Editions universitaires, Fribourg, 1979, p. 134
17انظر مقاليSami A. Aldeeb Abu-Sahlieh : La migration dans la conception musulmane, in Oriente :
moderno, année XIII, no 7-12, 1994, pp. 219-283
7
معتقده الديني .وقد حدث نتيجة لذلك تصادم بين معتقدات المسلمين المهاجرين وبين النظام
القانوني والجتماعي للدول الغربية المضيفة .ونعطي هنا بعض المثلة على ذلك التصادم:
-الحرية الدينية :يحاول المسلمون في الغرب التبشير بمعتقداتهم الدينية من خلل القناع،
ل في اجتذاب عدد من الغربيين إلى ديانتهم .إل أن بعضولهم الحق في ذلك .وقد نجحوا فع ً
الساليب تؤخذ عليهم لكونها صيد في المياه العكرة كما هو المر عندما يفرض اعتناق
ل على من يريد التزوج من مسلمة )انظر النقطة التالية( .وهناك محاولت السلم وإن شك ً
للضغط المباشر وغير المباشر على المسيحية التي تتزوج مسلم لكي تغير دينها )من خلل
حرمانها من الميراث أو من الحضانة إلخ( .وعلى العكس من الحرية التي يتمتع بها
المسلمون في التبشير بدينهم في الغرب ،فإنهم يرفضون العتراف بنفس الحرية للخرين.
ومن يتجرأ من المسلمين على تغيير دينه حتى في الغرب يعيش في حالة خوف دائم من
المسلمين .وأنا اعرف شخصيًا مغاربة وسوريين وعراقيين مسلمين اصبحوا مسيحيين
ولكنهم يخفون هويتهم بسبب هذا الخوف.
-الزواج :ل تقبل الدول الغربية بالنتماء الديني كمانع للزواج .وعليه فإن الرجال
المسلمين قد تزوجوا مع كثير من المسيحيات الغربيات .إل أن هؤلء المسلمين رفضوا أن
تتزوج أخواتهم وبناتهم مع الرجال الغير مسلمين من منطلق ديني إل إذا تحولوا إلى السلم.
وقد أدى مثل هذا الزواج دون تغيير الدين إلى مشاكل أوصلت بعض المسلمين إلى السجن أو
حملتهم إلى خطف النساء المسلمات التي تجرأت على مخالفة الشريعة السلمية.
-الميراث :ل يفرق القانون الغربي بين الرجل والمرأة في الميراث كما تفعل الشريعة
السلمية .وقد حدثت بعض قضايا طالبت فيها النساء المسلمات القضاء الغربي عدم تطبيق
الشريعة السلمية ومعاملتهن بالتساوي مع الرجال في الميراث.
-الحجاب :أثار الحجاب ضجة كبيرة في دول غربية من بينها فرنسا وسويسرا .وفي هذا
البلد الخير يفرض الدستور على المدارس العامة اتخاذ موقف محايد من الدين .فالدين ل
ُيدرس في هذه المدارس بل ُتدرس مكانه الثقافة الدينية التي قد يعلمها أستاذ ملحد .ول يحق
لدارة المدرسة وضع الصليب في قاعات التدريس لن ذلك يعتبر مخالفًا لمبدأ الحياد الديني.
وبنفس المنطق لم يسمح لمعلمة سويسرية تزوجت من جزائري وأسلمت من لبس الحجاب
في المدرسة العمومية لن الحجاب يعتبر رمزا دينيًا .وقد تدخلت المحكمة الفدرالية للتأكيد
على هذا المبدأ.
-المقابر :ليس كل الدول الغربية تقبل بالمقابر الدينية التي تعتبر نوعا من التمييز الديني
وتفريق بين الناس على أساس الدين .والمسلمون ،حتى من تزوج منهم مع مسيحية وعاش
معها في نفس السرير لمدة خمسين عام وانجب منها البنات والبنين ،يرفض أن يدفن في
المقابر العامة قرب زوجته بعد وفاته وذلك من منطق ديني يقول أن ال يعذب الكفار في
قبورهم ولذا يجب عدم مجاورتهم .وهذا ما جعل المسلمين يطالبون في سويسرا بمقابر لهم
منفصلة عن مقابر )الكفار( .إل أن طلبهم هذا يقابل بالرفض والستهجان .وأنا شخصيا من
الرافضين لمطلب المسلمين لنه مطلب عنصري في نظري .فما داموا يعيشون مع
المسيحيين فلماذا يجب أن ينفصلوا عنهم في مماتهم؟ فهل التسامح بين البشر يتوقف عند باب
القبر؟
8
-ختان الذكور والناث :هناك عدد متزايد من المهاجرين المسلمين من الدول التي تمارس
ختان الناث .وقد أدانت المم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات والدول
الغربية هذه الممارسة التي تعتبر خرقا لسلمة الجسد .وقد أدى ذلك إلى قضايا أمام المحاكم
أثارت ضجة كبيرة في الغرب .ونشير هنا إلى أن سكوت المنظمات المذكورة والدول الغربية
عن ختان الذكور ليس لنه مفيد للصحة بل لن إدانته تعرض تلك المنظمات والدول الغربية
إلى غضب اليهود الذين يعتبرونه جزء هام من معتقدهم .وهذا الموقف الذي يميز بين الذكور
والناث بسبب الخوف من اليهود هو خرق صارخ لحقوق النسان وتعدي على الطفال .وأنا
أدين بشدة هذا الموقف الذي يتنافى مع الخلق والمبادئ النسانية .ونشير هنا إلى أن الحق
في سلمة الجسد لم يتم ذكره في الميثاق العالمي لحقوق النسان ومعاهدة حقوق الطفل
والمعاهدة الوروبية لحقوق النسان .ول نستبعد في أن يكون سكوت هذه الوثائق عن حق
أساسي في هذه الهمية هو أيضًا بسبب الخوف من اليهود.
-الحلول الوقائية :يعتبر موضوع الزواج المختلط أحد المجالت التي يصطدم بها القانون
الغربي بالشريعة السلمية .وبما انه ل يمكن منع المسلم من الزواج من مسيحية ،هناك من
يطالب بأن يقوم الزوج المسلم بالتعهد كتابة على احترام القانون الغربي واحترام وما يتم
التفاق عليه بينه وبين زوجته في جميع المجالت بما في ذلك احترام حرية الدين للزوجة
والطفال والعتراف بالحقوق المتبادلة بين الزوجين وكذلك مكان الدفن حتى يتم تفادي
التضارب بين المعتقدات الدينية للزوج المسلم وحقوق النسان.18
18انظر في هذا المجال كتيبي Sami Aldeeb : Mariages entre partenaires suisses et
musulmans, connaître et prévenir les conflits, Institut suisse de droit comparé,
9
-الحلول الفلسفية :كما فعله الفلسفة المسلمون أمثال الرازي وزكي نجيب محمود وحسين
فوزي ،هناك من يطالب بفتح باب الجدل الفلسفي فيما يخص العلقة بين الدين والقانون
عمومًا .وهذا التجاه يرى أن الستمرار في العتقاد بان هناك اله في العلء يأمر وإنسان
على الرض يجب أن يطيع سوف يعيق التقدم في مجال حقوق النسان .فبدل من العتماد
على الوحي في تيسير أمور الناس ،يجب العتماد على العقل الذي هو هبة ال للجميع دون
تمييز بين ذكر وأنثى وبين مؤمن وغير مؤمن .وعليه يجب حذف فكرة الوحي تماما ما دام
انه ليس هناك أي وسيلة علمية للتصال بال لمعرفة إرادته كلما حلت بالناس مشكلة يجب
حلها .وإلغاء فكرة الوحي يعني إلغاء القداسة عن الكتب المقدسة فتصبح مجرد كتب تاريخية
مرتبطة بزمان ومكان معينين وتدخل ضمن تحايل البعض لفرض سيطرتهم على الخرين
باسم ال .وإلغاء فكرة الوحي يعيد للنسان حقه في تقرير مصيره بذاته دون وسيط خارجي.
وهذا هو القرب من الحديث القائل) :كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته( ،والحديث القائل:
)إن العلماء هم ورثة النبياء( .وقد قام النبياء أو من ندعوهم كذلك بدورهم في زمنهم وهم
مشكورون على ذلك .وعلينا نحن أن نتحمل دورنا في زمننا بدل من التكال عليهم .ونحن
نعتقد بأنه إذا لم يصبح التلميذ افضل من معلمه فإن البشرية ترجع إلى الوراء ول تتقدم .وبدل
من ركوب الطيارات والسيارات سوف نستمر في ركوب الحمير والدراجات.
وننبه هنا إلى أن إلغاء الوحي ل يعني بحسد ذاتسه اللحساد بسال .فمسن الجسور الحكسم علسى فيلسسوفنا
الرازي باللحاد لمجرد رفضه للوحي والنبوة .فكتاباته تبين انه رجسسل مسؤمن بسال .واليمسان بسسال
سابق لمجيء النبياء ويبقى بعد رفض نبسسواتهم .وبعسسض العسسرب قبسسل مجيسسء النسسبي محمسسد كسسانوا
يؤمنون بال ،وقد ورثنا عنهم كلمة )ال( .وفي القرآن كثير من اليات التي تبين إمكانية الوصسسول
إلى معرفة ال من خلل العقل والتمعن في مخلوقاته.