Anda di halaman 1dari 22

‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬

‫‪1‬‬

‫الدين الصحيح‬
‫يحل جميع المشاكل‬

‫تأليف علمة القصيم‬


‫عبد الرحمن بن ناصر السعدي‬
‫المتوفي سنة ‪1376‬هـ رحمه الله‬
‫اعتنى بنشره‬
‫إبراهيم بن عبد الله الحازمي‬
‫عفا الله عنه وسدد خطاه‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪2‬‬

‫حقوق الطبع محفوظة‬


‫الطبعة الولى‬
‫‪1414‬هـ‬

‫دار الشريف للنشر والتوزيع‬


‫ت ‪4779491‬ص‪.‬ب ‪52479‬‬
‫الجمع التصويري والخراج ـ الفرقان ‪4029865‬ـ‬
‫‪4043732‬‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪3‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لله وحده ل شريك له‪ ،‬والصلة والسلم على من ل‬
‫نبي وبعد‪ :‬فإن الدين السلمي هو الدين الذي ارتضاه الله‬
‫للبشرية جمعاء‪ ،‬وهو المنزل من عند الله سبحانه‪ ،‬وهو الدين‬
‫الذي يحوي جميع ما يحتاجه النسان في أمر دنياه وآخرته‪..‬‬
‫وهو الدين ذو المحامد‪..‬والمحاسن‪..‬والمكارم‪ ..‬لو وجد‬
‫رجال يعملون به وينشروه كما جاء‪!..‬‬
‫وهو الدين الذي أحبته العقول السليمة فهو‬
‫صلح‪..‬وإصلح‪..‬وفلح‪...‬ونجاح‪..‬وخير‪..‬وبركات وهدى‪...‬وراحة‬
‫وطمأنينة‪..‬وسعادة‪..‬وهناء‪.‬‬
‫فل عجب حينئذ أنه يحل جميع المشاكل الفرد‪ ..‬والجماعة‪..‬‬
‫يحل مشاكل الزمان‪ ..‬والمكان‪ ..‬فهو صالح لكل شيء‪ ..‬لنه جاء‬
‫من لدن حكيم خبير‪.‬‬
‫وهذه الرسالة التي بين يديك تعطيك الضوء الخضر محل‬
‫كثير من المشاكل التي نسمعها ونراها عند البعض‪..‬‬
‫وكتبها رجل فذ‪..‬عالم‪..‬زاهد‪..‬ثقة‪..‬ورع‪..‬فيه خصال‬
‫الخير‪..1‬لذا أخي المسلم في كل مكان ندعوك لقراءتها‬
‫ونشرها‪..‬بين الحبة‪..‬‬
‫لعل الله يجعلك عضوا فعال لنشر الفضيلة بين الناس‪.‬والله‬
‫المستعان وعليه التكلن‪.‬‬
‫وكتب إبراهيم بن عبد الله‬
‫الحازمي‬
‫عفا الله عنه وسدد خطاه‬

‫‪ 1‬ـ انظر ترجمة شيخ شيوخنا عبد الرحمن السعدي في مقدمة‬


‫كتاب‪:‬انتصار الحق بتحقيقي وكتاب‪:‬الفواكه الشهية في الخطب المنبرية‬
‫بتحقيقي أيضا‪.‬‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪4‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫قال العلمة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه‬


‫الله‪:‬‬
‫الحمد لله‪ ،‬وأصلي وأسلم على محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ .‬أما بعد فهذه كلمات تتعلق بموضوع الدين‬
‫السلمي‪،‬وأنه يهدي التي هي أقوم وأصلح‪ ،‬ويرشد العباد في‬
‫عقائده وأخلقه ومعاملته وتوجيهاته وتأسيساته إلى ما ينفعهم‬
‫في معاشهم ومعادهم‪.‬وبيان أنه ل سبيل إلى إصلح شيء من‬
‫أمور الخلق الصلح التام إل به‪ .‬وبيان أن جميع النظم المخالفة‬
‫لدين السلم ل يستقيم بها دين ول دنيا إل إذا استمدت من‬
‫تعاليم الدين‪.‬‬
‫وهذا الذي قلناه قد برهنت المحسوسات والتجارب على‬
‫صدقه وصحته كما دلت الشرائع والفطر والعقول السليمة على‬
‫حقيقته‪.‬فإن الدين كله صلح وإصلح‪ ،‬وكله دفع للشرور‬
‫والضرار‪ ،‬كلها يدعو إلى الخير والهدى‪ ،‬ويحذر من الشر وأنواع‬
‫الردى‪.‬‬
‫وعند عرض بعض النماذج من تعليماته وتوجيهاته يظهر لكل‬
‫عاقل منصف صحة هذا‪ ،‬وأن الخلق كلهم مضطرون إليه‪.‬‬
‫وأنهم ل يستغنون عنه في حالة من أحوالهم ذلك بأن الدنيا‬
‫كلها قد جاشت بمشكلت الحياة‪ ،‬والبشر كلهم يتخبطون في‬
‫دياجير الظلمات فيهتدون من وجه واحد ويضلون من وجوه‬
‫أخرى‪ .‬وقد يستقيم لهم أمر من بعض وجوهه ويقع النحراف في‬
‫بقية أنحائه‪.‬وهذا ناتج من أحد أمرين‪ :‬إما جهل بما دل عليه الدين‬
‫وما أرشد إليه‪ .‬وإما مكابرة وغي‪ ،‬ومقاصد سيئة وأغراض‬
‫فاسدة‪ ،‬حالت بينهم وبين الصلح الذي يعرفونه كما هو الواقع‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫لهذا ينبغي أن نذكر بعض مشاكل الحياة المهمة‪ ،‬مثل‬
‫مشكلة الدين‪ ،‬ومشكلة العلم‪ ،‬والغنى والفقر‪ ،‬والصحة والمرض‪،‬‬
‫والحرب والسلم‪ ،‬والجتماع والفتراق‪ ،‬والمحارب والمكاره‪ .‬وغير‬
‫ذلك مما اختلفت فيها أنظار الناس وتوجيهاتهم‪ ،‬وما سلكه الدين‬
‫السلمي فيها من المسالك الصالحة السديدة‪ ،‬وما أوله نحوها‬
‫من المنافع التي ل تعد ول تحصى‪.‬‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪5‬‬

‫المشكلة الولى‬
‫مشكلة الدين والعقيدة‬
‫وهذه المشكلة من أهم مشاكل الحياة وأعظمها‪ ،‬وعليها‬
‫تنبني المور كلها‪.‬‬
‫وبصلح الدين أو فساده أو عدمه تتوقف جميع الشياء‪ .‬وقد‬
‫تفرق فيها البشر وسلكوا في دينهم وعقائدهم طرقا شتى‪ ،‬كلها‬
‫منحرفة معوجة ضارة‪ ،‬غير نافعة إل من اهتدى إلى دين السلم‬
‫الحقيقي‪ ،‬فإنه حصلت له الستقامة والخير والراحة من جميع‬
‫الوجوه‪ .‬فمن الناس من تلعب بهم الشيطان فعبدوا غير الله من‬
‫الشجار والحجار والصور والنبياء والملئكة والصالحين‬
‫والطالحين‪ ،‬مع اعترافهم بأن الله ربهم ومالكهم وخالقهم وحده‬
‫ل شريك له‪ .‬فاعترفوا بتوحيد الربوبية وانحرفوا عن توحيد اللهية‬
‫الذي هو إفراد الله بالعبادة‪ ،‬وهؤلء هم المشركون على اختلف‬
‫مذاهبهم وتباين طوائفهم‪ .‬وقد دلت الكتب السماوية على‬
‫شقائهم وهلكهم‪ ،‬واتفق جميع الرسل على المر بتوحيد الله‬
‫والنهي عن الشرك‪ ،‬وأن من أشرك بالله فقد حرم الله عليه‬
‫الجنة ومأواه النار‪ .‬كما دلت العقول السليمة والفطر المستقيمة‬
‫على فساد الشرك والتأله والتعبد للمخلوقات والمصنوعات‪،‬‬
‫فالشرك باطل في الشرع‪ ،‬فاسد في العقل‪ ،‬عاقبة أهله الهلك‬
‫والشقاء‪ .‬ومن الناس من آمن ببعض الرسل والكتب السماوية‬
‫دون بعض‪ ،‬مع أن الرسل والكتب يصدق بعضها بعضا‪ ،‬ويوافق‬
‫بعضها بعضا‪ ،‬وتتفق في الصول الكلية‪ .‬فصار هؤلء ينقص‬
‫تكذيبهم تصديقهم‪ ،‬ويبطل اعترافهم ببعض النبياء وبعض الكتب‬
‫السماوية تكذيبهم للخرين من الرسل‪ ،‬فبقوا في دينهم‬
‫منحرفين‪ ،‬وفي إيمانهم متحيرين‪ ،‬وفي علمهم متناقضين‪ .‬قال‬
‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫ه( ويقولون‪) :‬وَي َ ُ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫سِبيًل )‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬ ‫ض وَن َك ْ ُ‬
‫ك َ‬ ‫ذوا ب َي ْ َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ض وَي ُ ِ‬‫فُر ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ن ب ِبُ َعْ ٍ‬
‫م ُ‬‫ن ُؤ ْ ِ‬
‫قا( )النساء‪.(150،151:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫‪ (150‬أول َئ ِ َ‬
‫فحكم بالكفر الحقيقي لنه عرف أن دعواهم لليمان دعوى‬
‫غير صحيحة‪ ،‬ولو كانت صحيحة لمنوا بجميع الحقائق التي اتفقت‬
‫عليها الرسل‪ ،‬ولكنهم قالوا‪:‬‬
‫صد ًّقا‬
‫م َ‬ ‫حقّ ُ‬‫ما وََراَءه ُ وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ل ع َل َي َْنا وَي َك ْ ُ‬‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫م ُ‬‫)ن ُؤ ْ ِ‬
‫م(‪ .‬ولهذا دعواهم اليمان دعوى كاذبة‪ ،‬فقال عنهم عز‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ما َ‬‫لِ َ‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪6‬‬

‫قتُلو َ‬
‫ن( )البقرة‪:‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫ن أن ْب َِياَء الل ّهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫وجل‪) :‬فَل ِ َ‬
‫م تَ ْ ُ َ‬
‫‪.(91‬‬
‫ومن الناس طائفة ادعت الفلسفة والعلم بالمعقولت‪،‬‬
‫فجاءت بأكبر الضللت وأعظم المحالت‪ ،‬فجحدت الرب العظيم‬
‫وأنكرت وجوده‪ ،‬فضل عن اليمان بالرسل والكتب وأمور الغيب‪،‬‬
‫وجحدوا آيات الله واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا واستكبارا‪،‬‬
‫فكذبوا بعلوم الرسل وما دلت عليه الكتب المنزلة من عند الله‪،‬‬
‫واستكبروا عنها بما عرفوا من العلوم الطبيعية وتوابعها‪ ،‬وأنكروا‬
‫جميع الحقائق إل ما أدركوه بحواسهم وتجاربهم القاصرة الضيقة‬
‫بالنسبة إلى علوم النبياء‪.‬‬
‫فعبدوا الطبيعة وجعلوها أكبر همهم ومبلغ علمهم‪ ،‬واندفعوا‬
‫وراء ما تقضيه طبائعهم‪ ،‬ولم يتقيدوا بشيء من الشرائع الدينية‬
‫ول الخلق النسانية‪ .‬فصارت البهائم أحسن حال منهم‪ ،‬فإنهم‬
‫نضبت منهم الخلق‪ ،‬واندفعوا وراء الشهوات البهيمية‪ .‬فلم يكن‬
‫ي إ ِّل َ‬
‫حَيات َُنا‬ ‫لهم غاية يرجونها‪ ،‬ول نهاية يطلبونها‪) :‬وََقاُلوا َ‬
‫ما ه ِ َ‬
‫ما ي ُهْل ِك َُنا إ ِّل الد ّهُْر( )الجاثية‪ .(24:‬وصار‬
‫حَيا وَ َ‬
‫ت وَن َ ْ‬
‫مو ُ‬
‫الد ّن َْيا ن َ ُ‬
‫المشركون على شركهم وكفرهم أحسن حال منهم‪ ،‬وأقل شرا‬
‫منهم بكثير‪ .‬والعجب الكثير أن هذا المذهب الخبيث جرف بتياره‬
‫في الوقات الخيرة جمهور البشر‪ ،‬لضعف الدين وقلة البصيرة‪،‬‬
‫ولما وضعت له المم القوية الحبائل والمصائد التي هلك بها‬
‫الخلق‪.‬‬
‫أما الدين السلمي فقد أخرج الخلق من ظلمات الجهل‬
‫والكفر والظلم والعدوان وأصناف الشرور إلى نور العلم واليمان‬
‫ه ع ََلى‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫واليقين والعدل والرحمة وجميع الخيرات )ل َ َ‬
‫م آ ََيات ِ ِ‬
‫ه‬ ‫م ي َت ُْلو ع َل َي ْهِ ْ‬‫سه ِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سوًل ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ث ِفيهِ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ ب َعَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ضَل ٍ‬
‫ل‬ ‫في َ‬ ‫ل لَ ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫كاُنوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ة وَإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫مه ُ ُ‬ ‫م وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫كيهِ ْ‬ ‫وَي َُز ّ‬
‫ن( )آل عمران‪.(164:‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ُ‬
‫ن وَِإيَتاِء ِذي ال ْ ُ‬ ‫)إن الل ّ ْ‬
‫ن‬
‫قْرَبى وَي َن َْهى ع َ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َوال ِ ْ‬ ‫مُر ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ن( )النحل‪،(90:‬‬ ‫ّ‬
‫م ت َذ َكُرو َ‬ ‫ُ‬
‫م لعَلك ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ي ي َعِظك ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫من ْكرِ َوالب َغْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫شاِء َوال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م( )السراء‪) ،(9:‬ال ْي َوْ َ‬
‫م‬ ‫ي أقْوَ ُ‬ ‫دي ل ِل ِّتي ه ِ َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫قْرآ َ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫) إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سَل َ‬
‫م‬ ‫م اْل ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫أك ْ َ‬
‫صد ًْقا وَع َد ًْل( )النعام‪.(115:‬‬ ‫ك ِ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِديًنا( )المائدة‪) ،(3:‬وَت َ ّ‬
‫أي كلماته الدينية التي شرع بها الشرائع‪ ،‬وسن الحكام‪ .‬وقد‬
‫جعلها الله تامة من جميع الوجوه‪ ،‬ل نقص فيها بوجه من الوجوه‪،‬‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪7‬‬

‫صدقا في أخبارها عن الله وعن توحيده وجزائه وصدق رسله في‬


‫أمور الغيب‪ ،‬عدل في أحكامها‪ ،‬وأوامرها كلها عدل وإحسان‬
‫وخيرات وصلح وإصلح‪ ،‬ونواهيها كلها في غاية الحكمة‪ ،‬تنهي عن‬
‫الظلم والعدوان والضرار المتنوعة )وم َ‬
‫ما‬‫حك ْ ً‬ ‫ن الل ّهِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن( )المائدة‪.(50:‬‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫لِ َ‬
‫وهذا استفهام بمعنى النفي المتقرر الذي تقرر حدوثه في‬
‫العقول والفطر‪ .‬فما أمر بشيء فقال العقل‪ :‬ليته نهى عنه‪ .‬ول‬
‫نهى عن شيء فقال العقل‪ :‬ليته أمر به‪ .‬لقد أباح هذا الدين كل‬
‫ي‬
‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬‫طيب نافع‪ ،‬وحرم كل خبيث ضار‪) .‬ال ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫مُرهُ ْ‬ ‫ل ي َأ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫م ِفي الت ّوَْراةِ َواْل ِن ْ ِ‬ ‫مك ُْتوًبا ِ‬
‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دون َ ُ‬‫ج ُ‬
‫ذي ي َ ِ‬ ‫ي ال ّ ِ‬‫م ّ‬ ‫اْل ّ‬
‫م ع َل َي ْهِ ُ‬
‫م‬ ‫حّر ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّي َّبا ِ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫ِ‬ ‫م عَ‬ ‫ف وَي َن َْهاهُ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ت ع َل َي ْهِ ْ‬
‫م(‬ ‫ل ال ِّتي َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫م َواْل َغ َْل َ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ضعُ ع َن ْهُ ْ‬ ‫ث وَي َ َ‬ ‫خَبائ ِ َ‬‫ال ْ َ‬
‫)العراف‪.(157:‬‬
‫فهو الدين الذي يوجه العباد إلى كل أمر نافع لهم في دينهم‬
‫ودنياهم‪ ،‬ويحذرهم عن كل أمر ضار في دينهم ومعاشهم‪ ،‬ويأمرم‬
‫عند اشتباه المصالح والمفاسد والمنافع والمضار بالمشاورة في‬
‫استخراج ما ترجحت مصلحته‪ ،‬ودفع ما ترجحت مفسدته‪.‬‬
‫وهو الدين العظيم الشامل‪ ،‬الذي أمر باليمان بكل كتاب‬
‫ما‬ ‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫ك َفاد ْع ُ َوا ْ‬ ‫أنزله الله‪ ،‬وبكل رسول أرسله الله )فَل ِذ َل ِ َ‬
‫ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫مرت وَل ت َت ّبعْ أ َهْواَءهُم وقُ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬
‫مْر ُ‬ ‫ب وَأ ِ‬ ‫ن ك َِتا ٍ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫لآ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أ ِ ْ َ َ‬
‫ل بينك ُم الل ّه ربنا وربك ُم ل َنا أ َع ْمال ُنا ول َك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ج َ‬ ‫ح ّ‬‫م َل ُ‬ ‫مال ُك ُ ْ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫ُ َ َّ ََ ّ ْ َ‬ ‫ِلع ْد ِ َ َ ْ َ ُ‬
‫صيُر( )الشورى‪.(15:‬‬ ‫م ِ‬ ‫معُ ب َي ْن ََنا وَإ ِل َي ْهِ ال ْ َ‬
‫ج َ‬‫ه يَ ْ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ‬
‫وهو الدين العظيم الذي شهد الرب العظيم بصحته وكماله‬
‫ه إ ِّل‬ ‫شهد الل ّ َ‬
‫ه َل إ ِل َ َ‬ ‫ه أن ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫وشهد بذلك الكمل من الخلق وخلصتهم‪َ ِ َ ) .‬‬
‫هُو وال ْمَلئ ِك َ ُ ُ‬
‫زيُز‬‫ه إ ِّل هُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ط َل إ ِل َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما ِبال ْ ِ‬ ‫ة وَأوُلو ال ْعِل ْم ِ َقائ ِ ً‬ ‫َ َ َ‬
‫م(‬ ‫سل ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َ اللهِ ال ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬‫ن ال ّ‬‫م )‪ (18‬إ ِ ّ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وهو الدين العظيم الذي شهد الرب العظيم بصحته وكماله‬
‫ن‬ ‫وشهد بذلك الكمل من الخلق وخلصتهم‪ ).‬وم َ‬
‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِديًنا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬
‫ن( )النساء‪.(125:‬‬ ‫س ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ل ِل ّهِ وَهُوَ ُ‬ ‫جه َ ُ‬‫م وَ ْ‬ ‫سل َ َ‬‫أ ْ‬
‫فل أحسن ممن هو مخلص لله محسن إلى عباد الله‪،‬‬
‫مخلص لله متبع لشريعة الله التي هي أحسن الشرائع وأعدل‬
‫المناهج‪ ،‬فانصبغ قلبه بالخلص والتوحيد‪ ،‬واستقامت أخلقه‬
‫وأعماله على الهداية والتسديد‪.‬‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪8‬‬

‫ة الل ّه وم َ‬
‫ن(‬
‫دو َ‬
‫عاب ِ ُ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ح ُ‬
‫ة وَن َ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬
‫صب ْغَ ً‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫ِ َ َ ْ‬ ‫صب ْغَ َ‬
‫) ِ‬
‫)البقرة‪.(138:‬‬
‫وهو الدين الذي فتح أهله القائمون به المتصفون بإرشاداته‬
‫وتعاليمه القلوب بالعلم واليمان‪ ،‬والقطار بالعدل والرحمة‬
‫والنصح لنوع النسان‪.‬‬
‫وهو الدين الذي أصلح الله به العقائد والخلق‪ ،‬وأصلح به‬
‫الحياة الدنيا والخرة‪ ،‬وألف به القلوب المشتتة‪ ،‬والهواء‬
‫المتفرقة‪.‬وهو الدين العظيم المحكم غاية الحكام في أخباره‬
‫كلها‪ ،‬وفي أحكامه‪ ،‬فما أخبر إل بالصدق والحق‪ ،‬ول حكم إل‬
‫بالحق والعدل‪ ،‬فلم يأت علم صحيح ينقض شيئا من أخباره‪ ،‬ول‬
‫حكم أحسن من أحكامه‪ ،‬أصوله وقواعده وأسسه تساير الزمان‬
‫السابق واللحق‪ ،‬فحيثما طبقت المعاملت المتنوعة بين الفراد‬
‫والجماعات في كل زمان ومكان على أصوله تم بها القسط‬
‫والعدل والرحمة والخير والحسان‪ ،‬لنها تنزيل من حكيم حميد‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ر( )هود‪:‬‬ ‫خِبي ٍ‬‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ل َد ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬‫صل َ ْ‬‫م فُ ّ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حك ِ َ‬
‫بأ ْ‬ ‫)ك َِتا ٌ‬
‫كيم ٍ‬
‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫زي ٌ‬ ‫خل ْ ِ‬
‫فهِ ت َن ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ َول ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫‪) .(1‬ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫ن(‬‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫ميدٍ( )فصلت‪) .(42:‬إ ِّنا ن َ ْ‬ ‫ح ِ‬
‫َ‬
‫)الحجر‪ .(9:‬حافظون للفاظه عن الزيادة والنقص والتغيير‪،‬‬
‫وحافظون لحكامه عن النحراف والنقص‪ ،‬بل هي في أعلى ما‬
‫يكون من العدل والستقامة والتيسير‪.‬‬
‫وهو الدين العظيم الذي يهدي إلى الحق وإلى طريق‬
‫مستقيم‪ ،‬الصدق شعاره‪ ،‬والعدل مداره‪ ،‬والحق قوامه‪ ،‬والرحمة‬
‫روحه وغايته‪ ،‬والخير قرينه‪ ،‬والصلح والصلح جماله وأعماله‪،‬‬
‫والهدي والرشد زاده‪.‬‬
‫وهو الدين الذي جمع بين مطالب الروح والقلب والجسد‪،‬‬
‫أمر الله به المؤمنين بما أمر المرسلين‪ ،‬بعبادته والعمل الصالح‬
‫الذي يرضيه‪ ،‬وبالكل من الطيبات‪ ،‬واستخراج ما سخر الله‬
‫لعباده في هذه الحياة‪ ،‬فدفع القائمين به حقيقة إلى كل علو‬
‫ورقي وتقدم صحيح‪ ،‬من عرف شيئا من أوصاف هذا الدين عرف‬
‫عظيم منة الله به على الخلق‪ ،‬وأن من نبذه وقع في الباطل‬
‫والضلل والخيبة والخسران‪ ،‬لن الديان التي تخالفه ما بين‬
‫خرافات وثنيات‪ ،‬وما بين إلحاد وماديات‪ ،‬تجعل قلوب أهلها‬
‫أعمالهم كالبهائم بل هم أضل سبيل‪ ،‬لن الدين إذا ترحل من‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪9‬‬

‫القلوب ترحلت الخلق الجميلة‪ ،‬وحل محلها الخلق الرذيلة‪.‬‬


‫فهبطت بأهلها إلى أسفل الدركات‪ ،‬وصار أكبر همهم وبملغ‬
‫علمهم التمتع بعاجل الحياة‪ .‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪10‬‬

‫المشكلة الثانية‬
‫مشكلة العلم‬
‫لقد غلط كثير من الناس في مسمى العلم الصحيح الذي‬
‫ينبغي ويتعين طلبه والسعي إليه على قولين متطرفين‪ :‬أحدهما‬
‫أخطر من الخر‪ .‬فالول‪ :‬قول من قصر العلم على بعض مسمى‬
‫العلم الشرعي‪ ،‬المتعلق بإصلح العقائد والخلق والعبادات‪ ،‬دون‬
‫ما دل عليه الكتاب والسنة‪ :‬من أن العلم يشمل علوم الشرع‬
‫ووسائلها‪ ،‬وعلوم الكون‪ .‬وهذا قول طائفة ممن لم تتبصر‬
‫بالشريعة تبصرا صحيحا‪ ،‬ولكنهم الن بدؤا يتحللون من هذا‬
‫الطلق‪ ،‬لما رأوا من المصالح العظيمة في علوم الكون‪ ،‬وحين‬
‫تنبه كثير منهم لدللت نصوص الدين عليه‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬قول من قصر العلم على العلوم العصرية‪،‬‬
‫التي هي بعض علوم الكون‪ .‬وهذا القول إنما نشأ من انحرافهم‬
‫عن الدين وعلومه وأخلقه‪ .‬وهذا غلط عظيم حيث جعلوا‬
‫الوسائل هي المقاصد وحيث نفوا من العلوم الصحيحة والحقائق‬
‫النافعة ما ل تنسب إليه العلوم العصرية بوجه من الوجوه‪ ،‬غرهم‬
‫ما ترتب عليهم من الصناعات والمخترعات‪ .‬وهؤلء هم المرادون‬
‫ن‬
‫م َ‬‫م ِ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬
‫ما ِ‬ ‫ت فَرِ ُ‬
‫حوا ب ِ َ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬‫سل ُهُ ْ‬‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬‫ما َ‬‫بقوله تعالى‪) :‬فَل َ ّ‬
‫ن( )غافر‪ .(83:‬فهم فرحوا‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬‫ما َ‬‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫ال ْعِل ْم ِ وَ َ‬
‫بعلومهم واستكبروا بها واحتقروا علوم الرسل‪ ،‬حتى نزل بهم ما‬
‫كانوا به يستهزؤن من الحق‪ ،‬ونزل بهم العذاب الذي وعد به‬
‫كذب الرسل‪ ،‬عذبوا في الدنيا بالختم على قلوبهم وأسماعهم‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬
‫شقّ وَ َ‬ ‫خَرةِ أ َ َ‬
‫ب اْل َ ِ‬ ‫ذا ُ‬‫وأبصارهم وعموا عن الحق‪) .‬وَل َعَ َ‬
‫ق( )الرعد‪.(34:‬‬ ‫ن َوا ٍ‬ ‫الل ّهِ ِ‬
‫م ْ‬
‫أما مدلول العلم النافع ومسماه الذي دل عليه الكتاب‬
‫والسنة‪ :‬فهو كل علم أوصل إلى المطالب العالية‪ ،‬وأثمر المور‬
‫النافعة‪ ،‬ل فرق بين ما تعلق بالدنيا أو بالخرة فكل ما هدى إلى‬
‫السبيل ورقي العقائد والخلق والعمال‪ ،‬فهو من العلم‪.‬‬
‫وقسم العلوم إلى قسمين‪ :‬مقاصد ووسائل توصل إليها‬
‫وتعين عليها‪.‬؟‬
‫فالمقاصد‪ :‬هي العلوم المصلحة للديان‪.‬‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪11‬‬

‫والوسائل‪ :‬ما أعان عليها من علوم العربية بأنواعها‪ ،‬ومن‬


‫علوم الكون التي ثمرتها معرفة الله ومعرفة وحدانيته وكماله‬
‫ومعرفة صدق رسله‪.‬‬
‫وثمرتها‪ :‬الستعانة بها على عبادة الله وشكره‪ ،‬وعلى قيام‬
‫الدين‪ .‬فإنه تعالى أخبر أنه سخر لنا هذا الكون‪ ،‬وأمرنا أن نتفكر‬
‫فيه ونستخرج منافعه الدينية والدنيوية‪.‬‬
‫والمر بالشيء أمر به وأمر به وأمر بما ل يتم إل به‪ .‬وذلك‬
‫حث على معرفة علوم الكون التي يستخرج بها ما سخره الله‬
‫لنا‪ ،‬لن منافعها ل تحصل لنا عفوا من دون طلب وفكر وتجارب‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫س(‬
‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬
‫ديد ٌ وَ َ‬ ‫س َ‬
‫ش ِ‬ ‫ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ‬ ‫قال تعالى‪) :‬وَأن َْزل َْنا ال ْ َ‬
‫ح ِ‬
‫)الحديد‪.(25:‬‬
‫فهذه المنافع ل تحصل إل بالمعرفة بفنون الصنائع حتى يتم‬
‫إنتاجها‪.‬‬
‫وقد تكاثرت نصوص الكتاب والسنة على الثناء على العلم‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫وي ال ّ ِ‬
‫ست َ ِ‬‫ل يَ ْ‬ ‫وأهله وتفضيلهم على غيرهم‪ .‬قال تعالى‪) :‬هَ ْ‬
‫ن( )الزمر‪.(9:‬‬ ‫ن َل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫شى الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫وإنهم أهل الخشية لله والمعرفة به‪) .‬إ ِن ّ َ‬
‫ماُء( )فاطر‪ .(28:‬وأمر الجهال بسؤال أهل العلم‪.‬‬ ‫عَباد ِهِ ال ْعُل َ َ‬ ‫ِ‬
‫وقد أمر بعبادات كثيرة‪ ،‬وعفا عن محرمات‪ ،‬والمر بالشيء‬
‫والنهي عنه ل يمكن امتثال المر واجتناب النهي إل بعد علمه‬
‫ومعرفته‪ .‬فجميع الوامر شرعية‪ ،‬والنواهي تدل على وجوب تعلم‬
‫العلم الذي تتوقف عليه‪ ،‬كما أنه أباح معاملت‪ ،‬وحرم معاملت‪،‬‬
‫ل يمكن تمييز الحلل والحرام منها إل بالعلم‪ .‬وقد ذم من لم‬
‫يعرف حدود ما أنزل على رسوله من الكتاب والحكمة‪.‬‬
‫ومن ذلك أنه أمر بالجهاد في عدة آيات‪ ،‬وبإعداد المستطاع‬
‫من القوة للعداد‪ ،‬وأخذ الحذر منهم‪ .‬ول يتم ذلك إل بتعلم فنون‬
‫الحرب والصنائع التي تتوقف القوة والحذر منهم عليها‪.‬‬
‫وأمر بتعلم أمور التجارة والصول القتصادية‪ ،‬حتى إنه أمر‬
‫أن يبتلى الولد الصغار اليتامى ويعلموا التجارة وطلب‬
‫ح فَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ذا ب َل َُغوا الن ّ َ‬
‫كا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬
‫مى َ‬ ‫المكاسب‪ .‬قال تعالى‪َ ):‬واب ْت َُلوا ال ْي ََتا َ‬
‫شدا َفادفَعوا إل َيه َ‬ ‫َ‬
‫م( )النساء‪ .(6:‬فلم يأمر‬ ‫وال َهُ ْ‬
‫م َ‬‫مأ ْ‬ ‫ِ ِْ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫م ُر ْ ً‬
‫من ْهُ ْ‬
‫م ِ‬
‫ست ُ ْ‬
‫آن َ ْ‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪12‬‬

‫بدفع أموالهم إليهم حتى يعلم رشدهم‪ ،‬ومعرفتهم لمور‬


‫المكاسب والتجارة‪.‬‬
‫فهذه الشريعة الكاملة أمرت بتعلم جميع العلوم النافعة‪:‬‬
‫من العلم بالتوحيد‪ ،‬وأصول الدين‪ ،‬ومن علوم الفقه والحكام‪،‬‬
‫ومن علوم العربية‪ ،‬ومن العلوم القتصادية والسياسية‪ ،‬ومن‬
‫العلوم التي تصلح بها الجماعات والفراد‪.‬‬
‫فما من علم نافع في الدين والدنيا إل أمرت به هذه‬
‫الشريعة وحثت عليه ورغبت فيه‪ .‬فاجتمع فيها العلوم الدينية‪،‬‬
‫والعلوم الكونية‪ ،‬وعلوم الدين‪ ،‬وعلوم الدنيا‪ .‬بل إنها جعلت‬
‫العلوم الدنيوية التي تنفع من علوم الدين‪.‬‬
‫وأما المتطرفون فإنهم اقتصروا على بعض علوم الدين‪،‬‬
‫فقصروا وغلطوا غلطا فاحشا‪.‬‬
‫وأما الماديون فإنهم اقتصروا على بعض علوم الكون‪،‬‬
‫وأنكروا ما سواها‪ ،‬فألحدوا ومرجت أديانهم وأخلقهم‪ ،‬وصارت‬
‫علومهم حاصلها أنها صنائع جوفاء‪ ،‬ل تزكي العقول والرواح‪ ،‬ول‬
‫تغذي الخلق‪ .‬فكان ضررها عليهم أعظم من نفعها‪ ،‬فإنهم‬
‫ينتفعوا بها من جهة ترقية الصنائع والمخترعات وتوابعها‪،‬‬
‫وتضرروا بها من جهتين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬أنها صارت أكبر نكبة عليهم وعلى جميع البشر‪،‬‬
‫لما ترتب عليها من الفناء والحروب المهلكة والتدمير‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أنهم أعجبوا بها واستكبروا‪ ،‬فحقروا لذلك علوم‬
‫الرسل وأمور الدين‪.‬‬
‫طا َ‬
‫ن ِفي‬ ‫م إِ ْ‬‫ن أَتاهُ ْ‬ ‫سل ْ َ ٍ‬ ‫ت الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُ‬ ‫ن ِفي آ ََيا ِ‬ ‫جاد ُِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫)إ ِ ّ‬
‫ع‬
‫مي ُ‬‫س ِ‬‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ست َعِذ ْ ِباللهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫م ب َِبال ِِغيهِ َفا ْ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل ك ِب ٌْر َ‬ ‫دورِه ِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما أغ َْنى‬ ‫صاًرا وَأفْئ ِد َة ً فَ َ‬ ‫مًعا وَأب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫جعَلَنا لهُ ْ‬ ‫صيُر( )غافر‪) .(56:‬وَ َ‬ ‫ال ْب َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يٍء إ ِذ ْ َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫م وََل أفْئ ِد َت ُهُ ْ‬ ‫صاُرهُ ْ‬ ‫م وََل أب ْ َ‬ ‫معُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ع َن ْهُ ْ‬
‫ن( )الحقاف‪:‬‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫ما َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫ت اللهِ وَ َ‬ ‫ن ب ِآَيا ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬‫ج َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م َ ْ ْ‬ ‫ت فَرِ ُ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل ُهُ ْ‬ ‫‪) .(26‬فَل َ ّ‬
‫ن العِلم ِ‬ ‫م ِ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬
‫ما ِ‬ ‫حوا ب ِ َ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫ن(‪).‬غافر‪ .(83:‬فتبين مما ذكرنا أن‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫العلوم النافعة في العاجل والجل‪ :‬هي العلوم التي جاءت في‬
‫كتاب الله وسنة رسول الله‪ ،‬وأنها احتضنت كل علم نافع‪،‬‬
‫ومعرفة صحيحة‪ ،‬ل فرق بين الصول والفروع‪ ،‬ول بين الدينية‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪13‬‬

‫والدنيوية‪ ،‬كما احتضنت عقيدتها اليمان بكل حق وحقيقة‪ ،‬وبكل‬


‫كتاب أنزله الله‪ ،‬وكل رسول أرسله الله‪ .‬والحمد لله‪.‬‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪14‬‬

‫المشكلة الثالثة‬
‫مشكلة الغنى والفقر‬

‫تنوعت مقاصد الخلق وسياساتهم في مسألة الغنى والفقر‪،‬‬


‫بحسب أغراضهم النفسية‪ ،‬ل بحسب إتباعهم للحق ونظرهم‬
‫للمصالح العامة الكلية‪ .‬ولكنهم أخطأوا الطريق النافع ‪ ,‬حيث لم‬
‫يتقيدوا بهدايات الدين السلمي‪ ،‬وتنوعت بهم الفكار‪ ،‬وعملوا‬
‫على مقتضى ذلك‪ ،‬فحصل بذلك شر مستطير‪ ،‬ووقعت فتن‬
‫كبرى بين من يدعي نصرة الفقر والفقراء والعمال‪ ،‬وبين من‬
‫يتمسك التمسك المزري بالثروات والموال‪ .‬ولهم في ذلك كلم‬
‫طويل كله خطأ وضلل‪ .‬وهدى الله المؤمنين إلى صراط‬
‫مستقيم في جميع أمورهم عامة‪ ،‬وفي هذه المسألة خاصة‪.‬‬
‫جاء الشرع ولله الحمد بصلح الغنياء والفقراء بحسب‬
‫المكان‪.‬‬
‫لما حكم الله تعالى قضاء وقدرا أن الخلق درجات‪،‬‬
‫فمنهم الغني ومنهم الفقير‪ ،‬ومنهم الشريف ومنهم الحقير‪،‬‬
‫لحكم عظيمة‪ ،‬وأسرار يضيق التعبير عن وصفها‪ .‬فربط بعضهم‬
‫ببعض بالروابط الوثيقة‪ ،‬وسخر بعضهم لبعض‪ ،‬وتبادلت بينهم‬
‫المصالح العادلة‪ ،‬واحتاج بعضهم إلى بعض‪.‬‬
‫شرع الشارع الحكيم أول‪ :‬أن يكونوا إخوانا‪ ،‬وأن ل‬
‫يستغل بعضهم بعضا استغلل شخصيا‪ .‬بل أرشد كل منهم أن‬
‫يقوم نحو الخر بواجباته الشرعية‪ ،‬التي يتم بها اللتئام وتقوم بها‬
‫الحياة‪.‬‬
‫أمر الجميع أن يتوجهوا بأجمعهم إلى المصالح العامة الكلية‬
‫التي تنفع الطرفين‪ ،‬كالعبادات البدنية‪ ،‬والمشاريع الخيرية‪،‬‬
‫وجهاد العداء ومقاومتهم‪ ،‬ودفع عدوانهم بكل وسيلة‪ ،‬كل منهم‬
‫بحسب وسعه وقدرته‪ .‬هذا ببدنه وماله‪ ،‬وهذا ببدنه‪ ،‬وهذا‬
‫بماله‪ ،‬وهذا بجاهه وتوجيه‪ ،‬وهذا بتعلمه وتعليمه‪ .‬لن الغاية‬
‫واحدة‪ ،‬والمصالح مشتركة‪ ،‬والغاية شريفة‪ ،‬والوسائل إليها‬
‫شريفة‪.‬‬
‫ثم أوجب في أموال الغنياء فرضا الزكاة‪ ،‬بحسب ما جاء‬
‫في تفاصيلها الشرعية‪ .‬وجعل مصرفها دفع حاجات المحتاجين‪،‬‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪15‬‬

‫وحصول المصالح الدينية المقيمة لمور الدنيا والدين‪ ،‬وحث على‬


‫الحسان في كل وقت وفي كل مناسبة‪ ،‬وأوجب دفع ضرورة‬
‫المضطرين‪ ،‬وإطعام الجائعين‪،‬وكسوة العارين‪ ،‬ودفع الضرورات‬
‫عن المضطرين‪ .‬وكذلك أوجب النفقات الخاصة للهل والولد‪،‬‬
‫وما يتصل بهم‪ ،‬والقيام بوجبات المعاملت كلها الواقعة بين‬
‫الناس‪ ،‬وأمرهم مع ذلك أن ل يتكلوا في كسب الدنيا على حولهم‬
‫وقوتهم‪ ،‬ول ينظروا نظر استقرار وطمأنينة إلى ما عندهم‪ .‬بل‬
‫يكون نظرهم على الدوام إلى الله وإلى فضله‪ ،‬وتيسيره‬
‫والستعانة به‪ .‬وأن يشكروه على ما تفضل به عليهم وميزهم به‬
‫من الغنى والثروة‪ .‬وأوجب عليهم أن يقفوا عند الحدود‪ ،‬فل‬
‫ينغمسوا في الترف والسراف إنغماسا يضر بأخلقهم وأموالهم‬
‫قوا‬
‫ف ُ‬‫ذا أ َن ْ َ‬
‫ن إِ َ‬ ‫وجميع أحوالهم‪ ،‬بل يكونوا كما قال الله تعالى‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ما( )الفرقان‪.(67:‬‬ ‫وا ً‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك قَ َ‬ ‫ن ب َي ْ َ‬ ‫قت ُُروا وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫سرُِفوا وَل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫م يُ ْ‬
‫وأمرهم مع ذلك أن يكون طلبهم للغنى والدنيا طلبا شريفا‬
‫نزيها‪ ،‬فل يتلوثون بالمكاسب الخبيثة التي هي ما بين ربا أو قمار‬
‫أو غرر أو غش أو خداع‪ ،‬بل يتقيدون بقيود الشرع العادلة في‬
‫معاملتهم كما تقيدوا بذلك في عباداتهم‪ .‬وأمرهم أن ينظروا إلى‬
‫الفقراء نظر الرحمة والحسان‪ ،‬ل نظر القسوة والغلظة والثرة‬
‫والبطر والشر والكبر‪.‬‬
‫ولهذه الرشادات الحكيمة تكون الثروة الدينية في غاية‬
‫الشرف وكمال العتبار‪ ،‬ويكون الغنى على هذا الوجه وصفا‬
‫محمودا‪ ،‬ونعت كمال ورفعة وعلو‪ ،‬لن الشرع هذبه وصفاه‪،‬‬
‫فحث على التباعد عن رذائله‪ ،‬ورغب في اكتساب فضائله‪.‬‬
‫وأما ما صنعه الدين السلمي مع الفقراء‪ ،‬فقد أمرهم وكل‬
‫من لم يدرك محبوباته النفسية أن يصبروا ويرضوا بقضائه‬
‫وتدبيره‪ ،‬وأن يعترفوا أن الله حكيم له في ذلك حكم‪ ،‬وفيه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫سى أ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م وَع َ َ‬ ‫شي ًْئا وَهُوَ َ‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬‫سى أ ْ‬ ‫مصالح متنوعة‪) .‬وَع َ َ‬
‫َ‬
‫ن()البقرة‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ت َعْل َ ُ‬
‫م وَأن ْت ُ ْ‬‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م َوالل ّ ُ‬
‫شّر ل َك ُ ْ‬
‫شي ًْئا وَهُوَ َ‬
‫حّبوا َ‬
‫تُ ِ‬
‫‪ .(216‬فنظرهم هذا يذهب الحزن الذي يقع في القلوب فيحدث‬
‫العجز والكسل‪.‬‬
‫ثم أمرهم أن ل ينظروا في دفع فقرهم وحاجاتهم إلى‬
‫المخلوقين‪ ،‬ول يسألوهم إل حيث ل مندوحة عن السؤال عند‬
‫الضرورة إلى ذلك‪ ،‬وأن يطلبوا دفع فقرهم من الله وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬بما جعله من السباب الدافعة للفقر الجالبة للغنى‪.‬‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪16‬‬

‫وهي العمال والسباب المتنوعة‪ ،‬كل واحد يشتغل بالسبب الذي‬


‫يناسبه‪ ،‬ويليق بحاله‪ ،‬فيستفيد بذلك تحرره من رق المخلوقين‬
‫وتمرنه على القوة والنشاط‪ ،‬ومحارة الكسل والفتور‪.‬‬
‫ومع ذلك ل يقع في قلوبهم حسد للغنياء على ما آتاهم الله‬
‫ل‬
‫جا ِ‬‫ض ِللّر َ‬ ‫ضك ُ ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬‫ما فَ ّ‬ ‫من فضله‪) .‬وََل ت َت َ َ‬
‫م ع َلى ب َ َعْ ٍ‬ ‫ه ب ِهِ ب َعْ َ‬ ‫وا َ‬ ‫من ّ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫سأُلوا الل ّ َ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬
‫سب ْ َ‬ ‫م ّ‬‫ب ِ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ساِء ن َ ِ‬
‫سُبوا وَِللن ّ َ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬ ‫م ّ‬‫ب ِ‬ ‫صي ٌ‬ ‫نَ ِ‬
‫ما( )النساء‪.(32:‬‬ ‫يٍء ع َِلي ً‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ب ِك ُ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فَ ْ‬
‫ضل ِهِ إ ِ ّ‬
‫وأمرهم أن ينصحوا في أعمالهم ومعاملتهم وصناعاتهم‪،‬‬
‫وأن ل يتعجلوا الرزق بالنغماس في المكاسب الدنيئة التي تذهب‬
‫الدين والدنيا‪.‬‬
‫وأمرهم بأمرين يعينانهم على مشقة الفقر‪ :‬القتصاد في‬
‫تدبير المعاش‪ ،‬والقتناع برزق الله‪ ،‬فالرزق القليل مع القتصاد‬
‫الحكيم يكون كثيرا‪ ،‬والقناعة كنز ل ينفد وغنى بل مال‪.‬‬
‫فكم من فقير وفق للقتصاد والقناعة ل يغبط الغنياء‬
‫المترفين‪ ،‬ول يتبرم بقلة ما عنده من الرزق اليسير‪.‬‬
‫فمتى اهتدى )من( أهل الفقر بإرشادات الدين من الصبر‬
‫والتعلق بالله‪ ،‬والتحرر من رق المخلوقين‪ ،‬والجد والجتهاد في‬
‫العمال الشريفة النافعة‪ ،‬والقتناع بفضل الله‪ ،‬هانت عليهم‬
‫وطأة الفقر وعناؤه‪ .‬ومع ذلك فهم ل يزالون يسعون في تحصيل‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫الغنى ويرجون ربهم وينتظرون وعده‪ ،‬ويتقون الله‪ ،‬فإنه )وَ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ب وَ َ‬‫س ُ‬ ‫ث َل ي َ ْ‬
‫حت َ ِ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫جا )‪ (2‬وَي َْرُزقْ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫خَر ً‬
‫م ْ‬
‫ه َ‬‫ل لَ ُ‬‫جعَ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ي َت ّ ِ‬
‫ه( )الطلق‪.(2،3:‬‬ ‫سب ُ ُ‬
‫ح ْ‬‫ل ع ََلى الل ّهِ فَهُوَ َ‬ ‫ي َت َوَك ّ ْ‬
‫فهذه التعاليم الدينية والرشادات من الله ورسوله لهل‬
‫الغنى والفقر تجلب لهم الخيرات‪ ،‬وتمنعهم من الشرور‬
‫والمضرات‪ ،‬وتنتج لهم أجمل الثمرات العاجلة والجلة‪ .‬فهذا الحل‬
‫الوحيد من الرب المجيد لمشكلة الغنى والفقر‪ ،‬وما سوى ذلك‬
‫فعناء وشقاء‪ ،‬وضرر وهلك‪ .‬والله الموفق‪.‬‬
‫ونظير هذا المسألة‪ :‬مسألة الصحة والمرض‪ ،‬فإن الشريعة‬
‫السلمية جاءت بأكمل المور فيها‪ :‬أمرت بكل ما يحفظ الصحة‬
‫وينميها‪ ،‬وما يدفع المراض أو يخففها بحسب المكان‪ .‬وفصلت‬
‫في هذا الموضوع تفاصيل نافعة‪ ،‬تدور على حفظ الصحة‬
‫وتنميتها‪ ،‬والحمية من جميع المؤذيات والمور الضارة‪ ،‬وعلى‬
‫السعي التحرز من المراض قبل نزولها‪ ،‬ومداواتها بعد نزولها‪.‬‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪17‬‬

‫وأمرت مع ذلك بالتوكل على الله‪ ،‬العتماد عليه‪ ،‬والعلم بأنه‬


‫تعالى هو المعطي للنعم‪ ،‬الدافع للنقم‪ ،‬بلطفه وقدرته ورحمته‪،‬‬
‫وبما جعله من السباب الكثيرة التي علمها الله العباد‪ ،‬وأمرهم‬
‫بسلوكها‪ .‬وأمر أيضا بمقاومة المراض بأمور أخرى غير الدوية‬
‫الحسية‪ ،‬أمر بالصبر لله على المكاره إيمانا به‪ ،‬واحتسابا لثوابه‪،‬‬
‫فإنه بذلك تخف مشقة المراض بما يحصل للصابر المحتسب من‬
‫اليمان واليقين والثواب العاجل والجل‪ .‬وكذلك أمر بقوة‬
‫العتماد على الله عند نزول المصائب والمكاره‪ ،‬وأن ل يخضع‬
‫النسان ويضعف قلبه وإرادته وتستولي عليه الخيالت التي هي‬
‫أمراض فتاكة‪ .‬فكم من مرض يسير بسيط عظمت وطأته بسبب‬
‫ضعف القلب وخوره وانخداعه بالوهام والخيالت‪ ،‬وكم من‬
‫مرض عظيم هانت مشقته وسهلت وطأته حين اعتمد القلب‬
‫على الله‪ ،‬وقوي إيمانه وتوكله‪ ،‬وزال الخوف منه‪ .‬وهذا أمر‬
‫مشاهد محسوس‪.‬‬
‫فالدين السلمي أمر بالمرين في وقت واحد‪ :‬أمر بفعل‬
‫السباب النافعة‪ ،‬وبالعتماد على الله في نفعها‪ ،‬وتحصيل المنافع‬
‫ودفع المضار‪ ،‬بحسب الستطاعة‪ .‬وكذلك النعم‪ ،‬والمسار‪،‬‬
‫والمكاره‪ ،‬والمصائب‪ ،‬جاءت شريعة السلم فيها بأكمل الحالت‪.‬‬
‫أمر الله ورسوله بتلقي النعم وبالفتقار إلى الله فيها‪،‬‬
‫والعتراف التام بفضل الله بتقديرها وتيسيرها‪ ،‬وشكر المنعم بها‪،‬‬
‫شكرا متتابعا‪ ،‬وتصريفها فيما كانت لجله‪ ،‬والستعانة بها على‬
‫عبادة الله‪ ،‬وأن ل يكون العبد عندها أشرا‪ ،‬ول بطرا‪ ،‬بل متواضعا‬
‫وأمر العبد أن يغتنم الفرصة النافعة في النعم‪ ،‬فيربح عندها‬
‫أرباحا عاجلة وآجلة‪ .‬يغتنم فرصة العافية والصحة والقوة والجدة‬
‫والجاه والولد‪ ،‬فل يغبن فيها بحيث تكون نعما حاضرة مؤقتة بل‬
‫يستخرج منها نعما باقية‪ ،‬وخيرا متسلسل‪ ،‬ونفعا مستمرا‪.‬‬
‫وفي الحديث‪" :‬اغتنم خمسا قبل خمس‪ ،‬شبابك قبل‬
‫هرمك‪ ،‬وصحتك قبل سقمك‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪ ،‬وغناك قبل‬
‫‪1‬‬
‫فقرك‪ ،‬وحياتك قبل موتك"‬

‫‪ 1‬ـ أخرجه ابن أبي الدنيا في قصر المل )‪/2/13‬أ( والحاكم )‪ (4/306‬عن‬
‫ابن عباس وإسناده حسن وله شاهد من مرسل عمرو بن ميمون أخرجه‬
‫ابن المبارك في الزهد )‪ (2‬وأبو نعيم في الحلية)‪ (4/148‬والقضاعي في‬
‫مسند الشهاب)‪ (729‬والخطيب في الفقيه والمتفقه)‪ (2/87‬وفي اقتضاء‬
‫العلم)‪ (170‬وإسناده حسن‪ ،‬يصح به الحديث‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪18‬‬

‫فمتى عرف العبد المقصود من النعم‪ ،‬وأنها مجعولة‬


‫وسائل إلى خيرات الخرة‪ ،‬اجتمع له المران‪ :‬التمتع بها عاجل‪،‬‬
‫والستفادة من خيراتها آجل‪ .‬فيؤدي واجبها ومستحبها‪ ،‬وبذلك‬
‫تكون نعما حقيقية دينية ودنيوية‪ .‬عكس حالة المنحرفين عما‬
‫جاءت به الشريعة‪ ،‬الذين يتمتعون بها كما تتمتع النعام السائمة‪.‬‬
‫ويتناولونها بمقتضى الشهوة البهيمية‪ .‬فالنعم في حقهم سريعة‬
‫الزوال وشيكة النفصال‪ ،‬ل تعقبهم إل الحسرة والندامة‪.‬‬
‫والولون يشاركونهم في التمتع العاجل‪ ،‬وربما زادوا عليهم براحة‬
‫القلب‪ ،‬وطمأنينة النفس‪ ،‬والسلم من الهلع والجشع‪.‬‬
‫وأما المصائب‪ ،‬فلما كانت لبد منها للخلق‪ ،‬ول أحد يسلم‬
‫منها‪ ،‬أعد الشارع الحكيم لها عدتها‪ ،‬وأرشد عباده إلى الصبر‬
‫والتسليم‪ ،‬والحتساب لثوابها‪ ،‬وأن ل يتلقاها العبد بجزع وخور‬
‫وضعف نفس‪ ،‬بل بقوة وتوكل على الله وإيمان صادق‪ .‬وبذلك‬
‫تخف وطأتهل‪ ،‬وتهون مشقتها‪ ،‬ويحصل من الثواب وزيادة اليمان‬
‫أضعاف أضعاف ما حصل من المصيبة‪.‬‬
‫ص‬‫ق ٍ‬ ‫جوِع وَن َ ْ‬ ‫ف َوال ْ ُ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬‫م بِ َ‬ ‫قال تعالى‪) :‬وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬
‫ن إِ َ‬
‫ذا‬ ‫ذي َ‬‫ن )‪ (155‬ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬‫ِ‬ ‫صاب ِ‬ ‫شرِ ال ّ‬ ‫ت وَب َ ّ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫س َوالث ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل َواْل َن ْ ُ‬
‫ف‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك ع َل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن )‪ (156‬أول َئ ِ َ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ة َقاُلوا إ ِّنا ل ِل ّهِ وَإ ِّنا إ ِل َي ْهِ َرا ِ‬ ‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْهُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫ن()البقرة‪155:‬ـ‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫ك هُ ُ‬ ‫ة وَُأول َئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ب(‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ ِ‬
‫ْ‬
‫جَرهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫صاب ُِرو َ‬
‫ْ‬ ‫ما ْي ُوَّفى ال ّ‬ ‫‪ .(157‬وقال تعالى‪ ):‬إ ِن ّ َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫ما ت َأل َ ُ‬ ‫ن كَ َ‬‫مو َ‬ ‫م ي َأل َ ُ‬ ‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬‫مو َ‬ ‫كوُنوا ت َأل َ ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫)الزمر‪) .(10:‬إ ِ ْ‬
‫ن( )النساء‪.(104:‬‬ ‫جو َ‬ ‫ما ل ي َْر ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫وَت َْر ُ‬
‫فانظر هذه الرشادات الحكيمة في هداية الشريعة إلى‬
‫تلقي النعم والمسار والمصائب والمضار‪ ،‬كيف ترى القلوب فيها‬
‫مطمئنة‪ ،‬والحياة طيبة‪ ،‬والخير حاصل ومأمول‪ ،‬والربح مستمرا‪.‬‬
‫"عجبا لمر المؤمن‪ ،‬إن أمره كله خير‪ ،‬إن أصابته سراء شكر‬
‫فكان خيرا له‪ ،‬وإن أصابته ضراء فكان خيرا له‪ ،‬وليس ذلك لحد‬
‫إل للؤمن"‪.1‬‬

‫المشكلتان الرابعة والخامسة‬

‫ـ أخرجه مسلم)‪ (4/2295‬من حديث صهيب ابن سنان‬ ‫‪1‬‬


‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪19‬‬

‫والخارجية‬ ‫الداخلية‬ ‫السياسية‬


‫وتوابعها‬

‫قد قررت شريعة السلم مسائل السياسة أكمل تقرير‪،‬‬


‫وهدت إلى جميع ما ينبغي سلوكه مع المسلمين ومع غيرهم‬
‫بأحسن نظام وأعدله‪ ،‬وجمعت فيه بين الرحمة والقوة‪ ،‬وبين‬
‫اللين والشفقة‪ ،‬والرحمة بالخلق‪ ،‬مهما أمكنت الحوال‪ .‬فإذا تعذر‬
‫ذلك استعملت القوة بحكمة وعدل‪ ،‬ل بظلم وعنف‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫ن وَِإيَتاِء ِذي ال ْ ُ‬ ‫)إن الل ّ ْ‬
‫ن‬‫قْرَبى وَي َن َْهى َع َ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َوال ِ ْ‬ ‫مُر ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ن )‪ (90‬وَأوُْفوا‬ ‫ّ‬
‫م ت َذ َكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م لعَلك ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ي ي َعِظك ْ‬‫ُ‬ ‫ْ‬
‫من ْكرِ َوالب َغْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫شاِء َوال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫جعَل ْت ُ ُ‬‫ها وَقَد ْ َ‬ ‫كيد ِ َ‬ ‫ن ب َعْد َ ت َوْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ضوا اْلي ْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫م وََل ت َن ْ ُ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ب ِعَهْد ِ الل ّهِ إ ِ َ‬
‫فيًل()النحل‪.(90،91:‬‬ ‫م كَ ِ‬ ‫ه ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫فأمر الله بالعدل مع كل أحد‪ ،‬وبالحسان والرحمة لكل‬
‫أحد‪ ،‬وبالحسان والرحمة لكل أحد‪ ،‬وخصوصا القرابة ومن لهم‬
‫حق على النسان‪ .‬ونهى عن الفحشاء والبغي على الخلق‪ ،‬في‬
‫دمائهم وأموالهم وأعراضهم وحقوقهم‪ .‬وأمر بوفاء العهود‬
‫والمحافظة عليها‪ ،‬وحذر من نقضها‪ .‬وهذه المور المأمور بها‬
‫والمنهي عنها‪ ،‬منها ما هو واضح جلي عينت على المسلمين‬
‫سلوكه‪ ،‬ولم تجعل لهم في ذلك خيرة ول معارضة‪ .‬وهي التي‬
‫نص الشارع على أعيانها ولم يكل بيانها إلى أحد‪.‬‬
‫ن َول‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫فهذا النوع يدخل في قوله تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫م ال ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ذا قَضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫خي ََرة ُ ِ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مًرا أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫من َةٍ إ ِ َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫مِبيًنا( )الحزاب‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ضلل ُ‬ ‫ضل َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫هف َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل َ‬ ‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِه ِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫مل‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل ي ُؤ ْ ِ‬ ‫‪َ) .(36‬فل وََرب ّ َ‬
‫ما()النساء‪:‬‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫يَ ِ‬
‫ل( )النساء‪:‬‬ ‫سو ِ‬ ‫دوه ُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬ ‫يٍء فَُر ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن ت ََناَزع ْت ُ ْ‬ ‫‪) .(65‬فَإ ِ ْ‬
‫ه( )الشورى‪:‬‬ ‫ه إ َِلى الل ّ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫يٍء فَ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِفيهِ ِ‬ ‫فت ُ ْ‬‫خت َل َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫‪) ،.(59‬وَ َ‬
‫‪ .(10‬وقد تتبع هذا النوع العظيم فوجد ـولله الحمدـ مطابقا‬
‫للعدل والحكمة‪ ،‬موافقا للمصالح‪ ،‬دافعا للمفاسد‪.‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬المور المشتبه في أصلها‪ ،‬أو في تطبيقها‬
‫على الواقع‪ ،‬وإدخال المور الواقعة فيها نفيا وإثباتا‪ ،‬وطلبا وهربا‪،‬‬
‫فهذا قد أمروا أن يتشاوروا فيه‪ ،‬وينظروا فيه من جميع نواحيه‪،‬‬
‫ويتأملوا ما يتوقف عليه من الشروط والقواعد‪ ،‬وما يترتب عليه‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪20‬‬

‫من الغايات والمقاصد‪ ،‬ومقابلة المصالح والمضار وترجيح الصلح‬


‫َ‬
‫ر( )آل عمران‪ .(159:‬وقال‬ ‫م ِفي اْل ْ‬
‫م ِ‬ ‫منها‪ .‬قال تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫شاوِْرهُ ْ‬
‫م( )الشورى‪:‬‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مُرهُ ْ‬
‫تعالى عن جميع المؤمنين‪) :‬وَأ ْ‬
‫‪.(38‬‬
‫وهذا النوع قد وسع الشارع فيه المر‪ ،‬بعد ما قرر القواعد‬
‫والسس الموافقة لكل زمان ومكان‪ ،‬مهما تغيرت الحوال‬
‫وتطورت المور‪ .‬فالقواعد الشرعية إذا سلكت في كليات المور‬
‫وجزئياتها‪ ،‬صلحت بها المور‪ ،‬واستقامت الدنيا والدين‪ ،‬وصلحت‬
‫أمور العباد‪ ،‬واندفعت الشرور والمضار عنهم‪ .‬ولكنها تحتاج إلى‬
‫عقد مجالس تجمع الرجال العقلء الناصحين‪ ،‬أولي العقول‬
‫الرزينة والحلم الواسعة‪ ،‬والرأي المصيب‪ ،‬والنظر الواسع‪،‬‬
‫وتبحث فيها القضايا الداخلية واحدة بعد واحدة‪ ،‬بحثا يشمل‬
‫نواحي القضية‪ ،‬وتصورها كما ينبغي‪ ،‬وتصور ما تتوقف عليه‪ ،‬وتتم‬
‫به إن كانت مقصودا تحصيلها‪ ،‬وتصور ما يترتب عليها من الفوائد‬
‫والمصالح الكلية والجزئية‪ ،‬وبحث أحسن طريق لتحصيلها‬
‫وأسهله‪ ،‬وبحث القضايا الضارة التي يطلب دفعها‪،‬بتتبع أسبابها‬
‫وينابيعها التي تسربت منها‪ ،‬وحسمها بحسب المكان‪ ،‬ثم السعي‬
‫في إزالتها بالكلية إن أمكن‪ ،‬وإل بتخفيفها وتلطيفها‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫م( )التغابن‪ .(16:‬وقال )صلى الله عليه‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫)َفات ّ ُ‬
‫‪1‬‬
‫وسلم(‪" :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ‪.‬‬

‫ومن أعظم الصول الشرعية حث المسلمين على القيام‬


‫بدينهم‪ ،‬والقيام بحقوق الله وعبوديته‪ ،‬والقيام بحقوق العباد‪،‬‬
‫والحث على التفاق واجتماع الكلمة‪ ،‬والسعي في أسباب اللفة‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ما ال ْ ُ‬ ‫والمحبة‪ ،‬وإزالة الحقاد والضغائن‪ .‬قال تعالى‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫خوَةٌ( )الحجرات‪.(10:‬‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫)إذ ْ ك ُنت َ‬
‫واًنا(‬‫خ َ‬ ‫مت ِهِ إ ِ ْ‬ ‫م ب ِن ِعْ َ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬
‫صب َ ْ‬ ‫ن قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫داًء فَأل ّ َ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫عوا‬ ‫طي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫حوا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫)‬ ‫(‪.‬‬ ‫‪103‬‬ ‫عمران‪:‬‬ ‫)آل‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ّ‬
‫فّرُقوا‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫ن( )النفال‪) .(1:‬وََل ت َ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ه إِ ْ‬‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫ت( )آل عمران‪.(105:‬‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فوا ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬
‫َوا ْ‬
‫ميًعا( )آل عمران‪ .(103:‬إلى غير ذلك‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫)َواع ْت َ ِ‬
‫من النصوص الدالة على هذا الصل العظيم‪ ،‬الذي به تستقيم‬
‫الحوال‪ ،‬ويرتقي به المسلمون إلى أعلى الكمال‪.‬‬
‫ـ أخرجه البخاري )‪13/251‬ـفتح( ومسلم)‪ (2/975‬من حديث أبي هريرة‬ ‫‪1‬‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪21‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ة َفاث ْب ُُتوا‬ ‫م فِئ َ ً‬ ‫قيت ُ ْ‬ ‫ذا ل َ ِ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫وقال تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫ه وََل‬ ‫َ‬
‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫ن )‪ (45‬وَأ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬‫ه ك َِثيًرا ل َعَل ّك ُ ْ‬‫َواذ ْك ُُروا الل ّ َ‬
‫ن)‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صب ُِروا إ ِ ّ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ب ِري ُ‬ ‫شُلوا وَت َذ ْهَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عوا فَت َ ْ‬ ‫ت ََناَز ُ‬
‫َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫‪ (46‬وََل ت َ ُ‬
‫س‬‫م ب َطًرا وَرَِئاَء الّنا ِ‬ ‫ن د َِيارِه ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬
‫ط( )النفال‪45:‬ـ‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ل الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬‫ص ّ‬‫وَي َ ُ‬
‫‪ .(47‬فأمر بطاعته وطاعة رسوله‪.‬‬
‫ويدخل في ذلك جميع الدين‪ .‬ونهى عن التنازع الذي يوجب‬
‫تفرق القلوب‪ ،‬وحدوث العداوات المحللة للمعنويات‪ .‬وأمر بكثرة‬
‫ذكره المعين على كل أمر من المور‪ ،‬وبالصبر الذي يتوقف عليه‬
‫كل أمر‪.‬‬
‫وأمر بالخلص والصدق‪ ،‬ونهى عما يضاد ذلك من الرياء‬
‫والفخر والبطر والمقاصد السيئة وإرادة إضلل الخلق‪ .‬وقال‬
‫ل‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬
‫ن رَِبا ِ‬ ‫ن قُوّةٍ وَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬‫ست َط َعْت ُ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬‫دوا ل َهُ ْ‬ ‫ع ّ‬‫تعالى‪) :‬وَأ َ ِ‬
‫م( )النفال‪ .(60:‬فأمر بإعداد‬ ‫ن ب ِهِ ع َد ُوّ الل ّهِ وَع َد ُوّك ُ ْ‬ ‫ت ُْره ُِبو َ‬
‫المستطاع من القوة‪ ،‬فيشمل القوة السياسية والعقلية‪،‬‬
‫والصناعات‪ ،‬وإعداد السلحة‪ ،‬وجميع ما يتقوى به على العداء‪،‬‬
‫وما به يرهبونهم‪ ،‬وهذا يدخل فيه جميع ما حدث ويحدث من‬
‫النظم الحربية‪ ،‬والفنون العسكرية‪ ،‬والسلحة المتنوعة‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫والحصون والوقايات من شرور العداء‪ .‬قال تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫م( )النساء‪.(71:‬‬ ‫حذ َْرك ُ ْ‬‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬‫مُنوا ُ‬‫آ َ‬
‫ولكل وقت ومكان من هذه المور ما يناسب ذلك‪ .‬فانظر‬
‫كيف كانت هذه التعاليم الشرعية هي السبب الوحيد والطريقة‬
‫المثلى لسلوك أقوى السياسات الداخلية والخارجية‪ ،‬وأن الكمال‬
‫والصلح بالهتداء بها‪ ،‬والسترشاد بأصولها وفروعها‪ .‬وأن النقص‬
‫الحاصل والنقص المتوقع إنما يكون بإهمالها وعدم العناية بها‪.‬‬
‫ومن السياسة الشرعية أن الله أرشد العباد إلى قيام‬
‫مصالحهم الكلية بأن يتولى كل نوع منها طائفة تتصدى للحاطة‬
‫علما بحقيقتها وما تتوقف عليه‪ ،‬وما به تتم وتكمل‪ ،‬وتبذل جهدها‬
‫واجتهادها في ترقيتها بحسب المكان‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫ْ‬ ‫)ول ْتك ُن منك ُ ُ‬
‫ف‬‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬‫مُرو َ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬
‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬
‫م ٌ‬‫مأ ّ‬ ‫َ َ ْ ِ ْ ْ‬
‫ن‬
‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ر( )آل عمران‪ .(104:‬وقال تعالى‪) :‬وَ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْك َ ِ‬ ‫ن عَ ِ‬‫وَي َن ْهَوْ َ‬
‫ة‬
‫ف ٌ‬
‫طائ ِ َ‬‫م َ‬ ‫ل فِْرقَةٍ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬‫فَر ِ‬ ‫ة فَل َوَْل ن َ َ‬‫كافّ ً‬‫فُروا َ‬ ‫ن ل ِي َن ْ ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م‬‫م ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫جُعوا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ذا َر َ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ن وَل ِي ُن ْذ ُِروا قَوْ َ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫قُهوا ِفي ال ّ‬ ‫ف ّ‬‫ل ِي َت َ َ‬
‫الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‬
‫‪22‬‬

‫ن( )التوبة‪ .(122:‬ول شك أن القيام بالمصالح العامة على‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫هذا الوجه الذي أرشد الله إليه هو السبب الوحيد للكمال الديني‬
‫والدنيوي‪ ،‬كما هو مشاهد يعرفه كل أحد‪ .‬ومن ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫م ِبال ِّتي‬‫جاد ِل ْهُ ْ‬
‫سن َةِ وَ َ‬ ‫عظ َةِ ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫مةِ َوال ْ َ‬
‫موْ ِ‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬
‫سِبي ِ‬‫)اد ْع ُ إ َِلى َ‬
‫ن( )النحل‪ .(125:‬وهذا يشمل دعوة المسلمين الذين‬ ‫َ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬‫يأ ْ‬ ‫هِ َ‬
‫حصل منهم إخلل ببعض أمور الدين‪ ،‬ويشمل دعوة الكفار‪.‬‬
‫الولون يدعون إلى تكميل دينهم‪ ،‬والخرون يدعون إلى الدخول‬
‫في دين السلم الذي به صلح البشر‪ .‬وتكون هذه الدعوة‬
‫بالحكمة التي بها تحصيل الخير أو تكميلة‪ ،‬وإزالة الشر أو تقليله‪،‬‬
‫بحسب الزمان والمكان‪ ،‬وبحسب الشخاص والحوال‬
‫والتطورات‪.‬‬

‫وكذلك بالموعظة الحسنة‪ ،‬والموعظة بيان وتوضيح المنافع‬


‫والمضار‪ ،‬مع ذكر ما يترتب على المنافع من الثمرات النافعة‬
‫عاجل وآجل‪ ،‬وما يقترن بالمضار من الشرور عاجل وآجل‪ .‬ووصفها‬
‫الله بأنها موعظة حسنة لنها نفسها حسنة وطريقها كذلك‪ ،‬وذلك‬
‫بالرفق واللين والحلم والصبر وتصريف أساليب الدعوة‪.‬‬
‫وكذلك إذا احتيج في الدعوة إلى مجادلة لقناع المدعو‪،‬‬
‫فلتكن المجادلة بالتي هي أحسن‪ :‬يدعى المجادل إلى الحق‪،‬‬
‫ويبين محاسن الحق ومضار ضده‪ ،‬ويجاب عن ما يعترض به‬
‫الخصم من الشبهات‪ .‬كل ذلك بكلم لطيف‪ ،‬وأدب حسن‪ ،‬ل‬
‫بعنف وغلظة‪ ،‬أو مخاشنة أو مشاتمة‪ ،‬فإن ضرر ذلك عظيم‪ .‬قال‬
‫قل ْ ِ‬
‫ب‬ ‫ظ ال ْ َ‬
‫ظا غ َِلي َ‬
‫ت فَ ّ‬
‫م وَل َوْ ك ُن ْ َ‬
‫ت ل َهُ ْ‬
‫ن الل ّهِ ل ِن ْ َ‬
‫م َ‬
‫مة ٍ ِ‬‫ح َ‬ ‫تعالى‪) :‬فَب ِ َ‬
‫ما َر ْ‬
‫م( الية )آل عمران‪.(159:‬‬ ‫ف ع َن ْهُ ْ‬ ‫ك َفاع ْ ُ‬‫حوْل ِ َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫َلن ْ َ‬
‫ف ّ‬
‫ولنقتصر على هذا النموذج‪ ،‬فإنه يحصل به المقصود‪ .‬والله‬
‫أعلم‪ .‬وصلى الله على محمد وسلم‪.‬‬
‫حرر في ‪ 5‬ربيع الخر سنة ‪1375‬‬

Anda mungkin juga menyukai