Qawa’id ad-
ad-Dakwah
ilaLlah
Versi --> 36
1
2
كتاب :قواعد الدعوة إى ﷲ
] د .همام سعيد [
3
ً ُ
النقص Mي الxyامج ال Hتعد الداعية واملوجه إعدادا وفق مستويات مختلفة لتالئم حاجات
متنوعة .ويبدو أن النقص أظهر ما يكون Mي مجال التأصيل والتقعيد .وأصبح من ٔالامور
ُ
امللحة أن تتلقى الدعوة عCى شكل تصور متكامل من البداية إ"ى ال*wاية ،مع استيعاب
كليا*ا ومعرفة ٔالاولويات ف*jا.
تأخر سن العطاء :إذ أن الزمن الذي ينفق قبل أن يصل الفرد إ"ى مرحلة التأث> xهو زمن
طويل .ومنشأ ذلك انتشار املعارف واملعلومات واتساع القراءات والتجارب .ولعل التأصيل هو
أحد العوامل املساعدة عCى ٕالاسراع Mي الوصول إ"ى مرحلة العطاء وٕالانجاز وبمعرفة
القواعد الضابطة نستغ ¢عن كث> xمن الفروع ،ونستطيع املواءمة ب>ن اتساع حقول
الدعوة وقصر الزمن املحدد للتكوين.
الجهود املعادية للدعوة .و]ي جهود متنوعة ذات إمكانيات كب>xة ،ولها خxyات واسعة Mي
الصد عن سبيل ﷲ .ورغم الخالفات الحادة ب>ن الشيوعية والرأسمالية وب>ن الوجودية
والقومية وغ>xها من ٔالاهواء والفرق الضالة إال أن الجميع يلتقون عCى حرب ٕالاسالم
ً ً
ودعوته .وهذﻩ الجهود تلقي عبئا كب>xا عCى دعاة ٕالاسالم الذين عل*jم أن يدركوا مخططات
أعدا*م وأن يصونوا الناس من شرور هؤالء ٔالاعداء بأسلوب الوقاية والعالج .
وإن مغريات الحياة ومشاغلها وتعقيدا*ا عقبة Mي طريق الدعوة والدعاة .والبد أن يفهم
الدعاة حركة الحياة ؤالاحياء ،وأن ُيلموا بالنفس البشرية وطرق التأث> xف*jا ،ووسائل
تزكي*¥ا .ولعل من املظاهر امللفتة للنظر تقدم الدعوة Mي صفوف ٔالاغنياء وأولئك الذين
عاشوا Mي غمار الحضارة الغربية وتعرضوا ملغريات الجاهلية الحديثة .وهذﻩ الظواهر
تساعد عCى تكوين مناعات ودفاعات أمام املغريات.
ويجد الداعية نفسه أما تيارات فكرية .تتحرك وتتقلب بسرعة هائلة ،وتصل إ"ى ٕالانسان
أينما كان ،وإن كالداعية مطالب بالوقوف Mي وجه هذﻩ التيارات الفكرية ،وأن يكون وقوفه
ً
أمامها قائما عCى العلم واملوضوعية.
ُ
هذﻩ ٔالاعباء وغ>xها تلح علينا أن ننقل الدعوة من ميدان املشاعر والانفعاالت والخطب
واملقاالت إ"ى ميدان التخطيط والتنظيم والxyمجة والتأهيل والتقعيد .
ً
وليس غريبا أن تxyز هذﻩ الحاجات Mي هذﻩ ٓالاونة؛ ألن الدعوة اتسعت وتشعبت وك¨xت
ممارس*¥ا وتجار*oا وأسالي©*ا .وهذا الاتساع والتشعب ال ُيضبط إال بالكشف عن ٔالاصول
والقواعد.
4
ً
وليس أمر الدعوة بدعا من أمور العلوم ٕالاسالمية ٔالاخرى .فقد تناول املسلمون حديث
رسول ﷲ بالرواية والدراية ح GHوجدوا أنفسهم بحاجة إ"ى علم أصول الحديث
ومصطلحه ،وكذلك الحال Mي النحو والصرف والعقيدة والتفس> xوالتاريخ والفقه ،فإن
أصول العلوم وقواعدها جاءت Mي مرحلة متأخرة ع*wا .
ً
وMي الوقت الذي اتجهت فيه العلوم إ"ى التأصيل والتقعيد كان علم الدعوة أقوالا مأثورة
ً
وشذرات منثورة ،ولم يكن علما باملع G¢الاصطال«ي للعلم ،ألن مبعث العلم الحاجة إليه،
ً ً ً ً ً
ولم يكن املجتمع ٕالاسالمي مهجورا أو غريبا ،وإنما كان قائما فاعال ناشطا ،وأك¨ xأفرادﻩ
يمارسون الدعوة كما يعيشون ويأكلون ويشربون وعندما دالت دولة ٕالاسالم ونقضت عرى
ً
ٕالايمان ،وجد املسلم نفسه غريبا Mي املجتمع ،ورجعت ّأمية العقيدة والفكر والنظم كما
كانت Mي عهد الجاهلية ٔالاو"ى ،فأخذ بعض الدعاة عCى عاتقهم إعادة التأسيس وشرعوا Mي
*يئة املكان والسكان الستئناف الحياة ٕالاسالمية ،ودب ٔالامل بعد اليأس ،وانطلق الدعاة
ً ً ً ً
شرقا وغربا عربا وعجما ،ودرس العلماء هذﻩ التجارب وكشفوا عن جوان©*ا ٕالايجابية
والسلبية.
ورغم النتائج ٕالايجابية ال Hحقق*¥ا الدعوة إ"ى ﷲ Mي جميع ٔالاقطار ،إال أ*°ا وكما سبق أن
أشرت بحاجة إ"ى املزيد من توظيف الطاقات وٕالامكانيات ،وحشد كل الجهود Mي سبيل
البناء ،وال نصل إ"ى هذا التوظيف إال بإعداد ٔالافراد للعطاء عCى مستويات متفاوته ،وأن
يكون لكل وظيفة من وظائف الدعوة إعدادها الخاص وزم*wا املناسب ،وال يتحقق هذا إال
عن طريق نظام تربوي محدد الخطوات ،يعتمد القواعد ؤالاطر العامة دون الخوض Mي
الكث> xمن الدقائق والتفاصيل ،ويقدم للداعية خالصة ُمركزة Mي الxبية والتكوين والقيادة
والتنظيم والتخطيط واملتابعة.
والكتاب الذي أقدمه إلخواني محاولة Mي تقعيد الدعوة وتأصيلها ،عCى شكل عدد من
القواعد ،بعضها Mي التصورات ،وبعضها Mي ٔالاساليب والوسائل.
وفيه وجهة نظر أقدمها للدراسة والنقد ،و]ي بداية وليست *°اية إن شاء ﷲ تعا"ى .
وﷲ من وراء القصد .
همام عبد الرحيم سعيد
5
بسم ﷲ الرحمن الرحيم
6
وقد جاءت هذا ٕالاضافات نتيجة جهد ومعاناة ،ف· رشحات قلب قبل أن تكون رشحات
قلم ،فإن ُوفقت فمن ﷲ تعا"ى ،وإن أخطأت فمن نف» ºومن الشيطان ،وأدعو ﷲ أن ال
يحرم ¢من واعظ ناصح .والحمد هلل رب العامل>ن .
7
القاعدة ٔالاوى
الدعوة إى ﷲ سبيل النجاة Nي الدنيا وٓالاخرة
عCى الداعية أن يعلم أن ﷲ تعا"ى إنما خلق ٕالانسان لعبادته لقوله تعا"ى :وما خلقت
الجن وٕالانس إال ليعبدون ) (1والعبادة ال تكون إال عCى بص>xة ،والبص>xة ال تكون إال وفق
منهج ﷲ الذي أنزله عCى رسله وأنبيائه ،فكان هؤالء املرسلون ؤالانبياء دعاة *+دون إ"ى
ً
الحق ،وكان هذا هو شغلهم الشاغل تحقيقا ملراد ﷲ الذي جعل آدم خليفة Mي ٔالارض،
يق ºÁبقضاء ﷲ وينفذ أمر ﷲ ،فقال تعا"ى :وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل Mي
ً
ٔالارض خليفة) .(2فكان مراد ﷲ تعا"ى من خلق ٕالانسان أن يكون مشتغال بأمرﻩ وهو القائل
سبحانه:وما خلقت الجن وٕالانس إال ليعبدون
يقول الرازي " :ما العبادة ال Hخلق الجن وٕالانس من أجلها؟ قلنا :التعظيم ألمر ﷲ
والشفقة عCى خلق ﷲ " ) .(3ثم يقول " :وملا كان التعظيم الالئق بذي الجالل وٕالاكرام ال
ُيعلم عقال ،لزم اتباع الشرائع ف*jا ؤالاخذ بقول الرسل عل*jم السالم ،فقد أنعم ﷲ عCى
عبادﻩ بإرسال الرسل وإيضاح السبل Mي نوµي العبادة " ) (4وهذا التقسيم لوظائف العبادة
تقسيم موجز وشامل.
والدعوة إ"ى ﷲ تعا"ى ]ي أبلغ مظهر من مظاهر تعظيمه ،والدعوة يدعو إ"ى فكرة أو هدف
ويصرف جهدﻩ Mي سبيله ،وإنما يفعل ذلك المتالئه *oذا الهدف أو هذﻩ الفكرة .ومن دعا
إ"ى فكرة فإنه يحسب عل*jا كما تحسب ]ي عليه كذلك.
وMي الدعوة إ"ى ﷲ تعا"ى دليل شفقة عCى عباد ﷲ ،ألن الداعية يريد إخراج الناس من
أوضاع التمزق والشتات تحت وطأة ٔالانظمة الوضعية ،إ"ى سعة الدين وآفاقه الرحيبة ،
ونظمه الكفيلة بإسعاد البشر .وأن يخرجهم من النار إ"ى الجنة كذلك.
ً
هذان هدفان كريمان من أهداف العبادة ،وهما هدفان من أهداف الدعوة إ"ى ﷲ أيضا.
والنجاة Mي هذين الهدف>ن .
.56 : )(1
.30 : )(2
.435/28 )(3
! . )(4
8
ى الغاية من خلق ﷲCي الدعوة إليه والحفاظ عM م أنبياء ﷲ ورسله الكرام أمر ﷲÌوقد ال
.ى دعوة الخلق إ"ى هذﻩ النجاةC وحرص كل رسول كريم ع،لهم
ً ً ولقد ﱠ
ى نجاة الدعاةC مؤكدا دائما ع. قص القرآن الكريم علينا معركة ٔالانبياء مع أقوامهم
: ى هالك الظامل>ن املعرض>نCوع
Å7ù=àø9$# ’Îû …çµyè¨Β tΒuρ çµ≈uΖø‹¤fuΖsù çνθç/¤‹s3sù : *ايةwففي قصة نوح عليه السالم مع قومه كانت ال
.(5) ∩∠⊂∪ tÍ‘x‹ΨçRùQ$# èπt7É)≈tã tβ%x. y#ø‹x. öÝàΡ$$sù ( $uΖÏG≈tƒ$t↔Î/ (#θç/¤‹x. tÏ%©!$# $oΨø%{øîr&uρ y#Íׯ≈n=yz óΟßγ≈uΖù=yèy_uρ
(#θãΖtΒ#u tÏ%©!$#uρ #YŠθèδ $oΨøŠ¯gwΥ $tΡâö∆r& u!%y` $£ϑs9uρ :*ايةwي قصة هود عليه السالم مع قومه كانت الMو
.(6) ∩∈∇∪ 7áŠÎ=xî A>#x‹tã ôÏiΒ Λèι≈oΨ÷Š¯gwΥuρ $¨ΖÏiΒ 7πyϑômtÎ/ …çµyètΒ
šÏ%©!$#uρ $[sÎ=≈|¹ $uΖø‹¯gwΥ $tΡâö∆r& u!$y_ $£ϑn=sù :النتيجة ي قصة صالح عليه السالم مع قومه كانتMو
.(7) ∩∉∉∪ Ⓝ͓yèø9$# ‘“Èθs)ø9$# uθèδ š−/u‘ ¨βÎ) 3 >‹Í≥ÏΒöθtƒ Ä“÷“Åz ôÏΒuρ $¨ΨÏiΒ 7πyϑômtÎ/ …çµyètΒ (#θãΖtΒ#u
Î$ó r'sù ( y7ø‹s9Î) (#þθè=ÅÁtƒ s9 y7În/u‘ ã≅ߙ①$¯ΡÎ) äÞθè=≈tƒ (#θä9$s% :ي قصة لوط عليه السالم كانت النتيجةMو
ãΝèδy‰ÏãöθtΒ ¨βÎ) 4 öΝåκu5$|¹r& !$tΒ $pκâ:6ÅÁãΒ …絯ΡÎ) ( y7s?r&zö∆$# ωÎ) î‰tnr& öΝà6ΖÏΒ ôMÏtGù=tƒ Ÿωuρ È≅ø‹©9$# zÏiΒ 8ìôÜÉ)Î/ šÏ=÷δr'Î/
ÏiΒ Zοu‘$yfÏm $yγøŠn=tã $tΡösÜøΒr&uρ $yγn=Ïù$y™ $yγuŠÎ=≈tã $oΨù=yèy_ $tΡâö∆r& u!$y_ $£ϑn=sù ∩∇⊇∪ 5=ƒÌs)Î/ ßxö6+Á9$# }§øŠs9r& 4 ßxö6+Á9$#
$¨ΖÏiΒ 7πuΗ÷qtÎ/ …çµyètΒ (#θãΖtΒ#u tÏ%©!$#uρ $Y6ø‹yèä© $uΖøŠ¯gwΥ $tΡãøΒr& u!$y_ $£ϑs9uρ :قومه ي قصة شعيب عليه السالم معMو
.(9) ∩⊆∪ šÏϑÏW≈y_ öΝÏδÌ≈tƒÏŠ ’Îû (#θßst7ô¹r'sù èπysøŠ¢Á9$# (#θßϑn=sß tÏ%©!$# ÏNx‹yzr&uρ
’Îû öΝßγ≈oΨø%tøîr'sù öΝåκ÷]ÏΒ $uΖôϑs)tFΡ$$sù عليه السالم مع فرعون وقومه كانت النتيجةGºÒي قصة موMو
šχθàyèôÒtFó¡ç„ (#θçΡ%x. šÏ%©!$# tΠöθs)ø9$# $uΖøOu‘÷ρr&uρ ∩⊇⊂∉∪ šÎ=Ï≈xî $pκ÷]tã (#θçΡ%Ÿ2uρ $uΖÏG≈tƒ$t↔Î/ (#θç/¤‹x. öΝåκ¨Ξr'Î/ ÉdΟuŠø9$#
9
( (#ρç$y9|¹ $yϑÎ/ Ÿ≅ƒÏℜu$ó Î) ûÍ_t/ 4’n?tã 4o_ó¡ßsø9$# šÎn/u‘ àMyϑÎ=x. ôM£ϑs?uρ ( $pκFÏù $uΖø.t≈t/ ÉL©9$# $yγt/Ì≈tótΒuρ ÇÚö‘F{$# šXÍ≈t±tΒ
).(10 ∩⊇⊂∠∪ šχθä©Ì÷ètƒ (#θçΡ$Ÿ2 $tΒuρ …çµãΒöθs%uρ ÜχöθtãöÏù ßìuΖóÁtƒ šχ%x. $tΒ $tΡö¨ΒyŠuρ
النتيجةtÏ%©!$# $uΖøŠpgΥr& ÿϵÎ/ (#ρãÅe2èŒ $tΒ (#θÝ¡nΣ $£ϑn=sù : وMي قصة القرية ال Hكانت حاضرة البحر كانت
).(11 ∩⊇∉∈∪ šχθà)Ý¡øtƒ (#θçΡ%x. $yϑÎ/ ¤§ŠÏ↔t/ ¥>#x‹yèÎ/ (#θßϑn=sß šÏ%©!$# $tΡõ‹s{r&uρ Ïþθ7¡9$# Çtã šχöθpκ÷]tƒ
¢ΟèO كل هذﻩ ٓالايات تؤكد أن النجاة Mي الدعوة إ"ى ﷲ .وهذا وعد ﷲ تعا"ى للمؤمن>ن :
).(12 ∩⊇⊃⊂∪ tÏΖÏΒ÷σßϑø9$# ÆkΨçΡ $uΖøŠn=tã $ˆ)ym y7Ï9≡x‹x. 4 (#θãΖtΒ#u šÏ%©!$#uρ $oΨn=ߙ①ÉdfuΖçΡ
ً
فتكون نجاة املؤمن>ن الداع>ن إ"ى ﷲ "حقا بسبب الوعد والحكم " ).(13
يقول سيد قطب رحمه ﷲ " :هذﻩ سنة ﷲ Mي ٔالارض ،وهذا وعد ألوليائه ف*jا ،فإذا طال
الطريق عCى العصبة املؤمنة مرة فيجب أن تعلم أن هذا هو الطريق ،وأن تستيقن أن
العاقبة والاستخالف للمؤمن>ن ،وأال تستعجل وعد ﷲ ح GHيÓيء و]ي ماضية Mي الطريق.
وﷲ ال يخدع أولياءﻩ ،وال يعجز عن نصرهم بقوته وال ُيسلمهم كذلك ألعدائه .ولكنه
يعلمهم ويدر*oم ويزودهم Mي الابتالء بزاد الطريق).(14
10
دعوة محمد أمان للبشرية .
ويالحظ من سياق ٓالايات الكريمة ال Hتتحدث عن معركة ٔالانبياء مع أقوامهم أن املكذب>ن
ً
من هؤالء ٔالاقوام كانوا ُي ْستأصلون بعذاب ﷲ تعا"ى فال ُيبقى عCى ٔالارض م*wم ديارا ،وال
يxك ﷲ م*wم باقية .وبمÓيء محمد ُرفع هذا الاستئصال العام بالطوفان والصاعقة
ً
والريح ،وذلك تكريما لهذﻩ ٔالامة ال Hال تخلو من قائم هلل بالحجة ،وال من الطائفة
الظاهرة عCى أمر ﷲ ح GHيأتي ﷲ بأمرﻩ ،وهذﻩ الطائفة هم الدعاة .و*oم يكتب ﷲ النجاة
لألمة من أن *لك بسنة عامة .وعندما تخلو ٔالارض من هذا الصنف الكريم عCى ﷲ ،فإن
الساعة تقوم ،وقد جاء هذا املعM G¢ي أحاديث كث>xة م*wا :
قال " :ال تقوم الساعة إال عCى أشرار الناس " ).(15
وقال " :ال تقوم الساعة عCى أحد يقول :ﷲ ﷲ " ) .(16وMي رواية ح GHال يقال Mي ٔالارض :
ﷲﷲ.
وقال ُ " :يقبض الصالحون الاول فاألول ويبقى حثالة كحثالة التمر أو الشع> xال يعبأ ﷲ
ً
*oم شيئا " ).(17
وهذﻩ ٔالاحاديث تدل عCى أن قيام الساعة يقxن به ذهاب الدعوة والدعاة ،وال أع*o ¢ذا
الاقxان اقxان السبب أو الشرط باملسبب أو املشروط ،وإنما أع ¢أن ﷲ تعا"ى يكرم
ٕالانسانية بالدعوة والدعاة ،وأنه ما دام الدعاة وما دامت الدعوة ،فإن الغاية من الخلق
عCى هذﻩ ٔالارض باقية ،فإذا زال الدعاة والدعوة فقد خسر ٕالانسان مxyر وجودﻩ عCى هذﻩ
ٔالارض .وهكذا فإن ٕالانسان يقع ب>ن *°ايت>ن ،أو بداية و*°اية:
ٔالاو"ى :وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل Mي ٔالارض خليفة ).(18
ً ً
والثانية :قوله "إن ﷲ يبعث ريحا من اليمن أل>ن من الحرير ،فال تدع أحدا فيه مثقال
حبة من إيمان إال قبضته " ).(19
وأخرج ٕالامام مسلم عن عبد الرحمن بن شماسة ر ºÙﷲ عنه قال " :كنت عند مسلمة
بن مخلد وعندﻩ عبدﷲ بن عمرو بن العاص ،فقال عبدﷲ :ال تقوم الساعة إال عCى شرار
11
الخلق ،هم شر من أهل الجاهلية ،ال ْيدعون ﷲ بºÚء إال ردﻩ ﷲ عل*jم .فبينما هم عCى
ذلك ،أقبل عقبة بن عامر ،فقال مسلمة :يا عقبة؛ اسمع ما يقول عبدﷲ .فقال عقبة :هو
أعلم ،وأما أنا ،فسمعت رسول ﷲ يقول :ال تزال عصابة من أم Hيقاتلون عCى أمر ﷲ،
قاهرين عدوهم ،ال يضرهم من خالفهم ح GHتأت*jم الساعة وهم عCى ذلك ،قال عبد ﷲ:
ً مسها ﱡ ً
يحا كريح املسك ﱡ
مس الحرير ،فال تxك نفسا Mي قلبه مثقال حبة من ثم يبعث ﷲ ر
إيمان إال قبضته ،ثم يبقى شرار الناس عل*jم تقوم الساعة").(20
ونالحظ Mي هذﻩ الرواية التوفيق ب>ن بقاء الطائفة املؤمنة إ"ى قرب قيام الساعة ،وقيام
الساعة عCى شرار الخلق .وعندئذ يكون مع G¢وجود الطائفة املؤمنة إ"ى قيام الساعة يع¢
ً
إ"ى قر*oا قيامها .وهذا ما ذهب إليه النووي وهو يشرح حديث " :إن ﷲ يبعث ريحا من
اليمن " . .فقال " :وأما الحديث ٓالاخر ال تزال طائفة من أم Hظاهرين عCى الحق إ"ى يوم
ً
القيامة فليس مخالفا ألن مع G¢هذا أ*°م ال يزالون عCى الحق حق تقبضهم هذﻩ الريح").(21
ّ
وملا كان الداعية قد وطن نفسه عCى الجهاد وندب نفسه للتضحية Mي سبيل ﷲ ،ودخل
ً
طرفا Mي مواجهة أعداء ٕالاسالم ،فإن هذﻩ املؤهالت تجعله أقدر عCى املصاولة واملجاولة،
ناج ،وعدوﻩ مخذول هالك. وهو بإذن ﷲ منصور ٍ
وليس املقصود بالنجاة نجاة الفرد من ٔالاذى ؤالالم ،وإنما املقصود نجاة الجماعة والفكرة
Mي ال*wاية ،وأما Mي ٓالاخرة فإن صورة النجاة نعيم مقيم وجنة عرضها السماوات ؤالارض،
ف*jا ما ال ع>ن رأت وال أذن سمت وال خطر عCى قلب بشر.
القاعدة الثانية
ً
واحدا خ> xلك من ُح ُمر ﱠ ً
النعم ( ) ألن *+دي ﷲ بك رجال
عCي بن أبي طالب ر ºÙﷲ عنه عندما أعطاﻩ الراية يوم هذا ما أخ xyبه رسول ﷲ ﱠ
خي ،xyفقال ﱡ
عCي :عالم أقاتل الناس ،نقاتلهم ح GHيكونوا مثلنا ؟ فقال " :عCى رسلك حGH
12
تÌÝل بساح*¥م ثم ادعهم إ"ى ٕالاسالم ،وأخxyهم بما يجب عل*jم ،فوﷲ ألن *+دي ﷲ بك
ً
واحدا خ> xلك من ُح ُمر ﱠ ً
النعم" ).(22 رجال
وذلك ألن هدي ﷲ هو الهدى ،وأنه ليس بعد الهدى إال الضالل ،وعندما يوفق ﷲ تعا"ى
داعية من دعاة ٕالاسالم في·ء له من يقبل دعوته فإن نتائج هذا القبول عظيمة جليلة ،
نذكر م*wا:
استنقاذا لهذا املهتدي من النار ،وصيانة له من سع>xها ولظاها ،وما ُ ً
صرف أ -أن Mي ذلك
عنه من النار إنما كان بعد فضل ﷲ بجهد الداعية وعنايته واستبدال مقام خالد Mي النار
بمقام خالد Mي الجنة أمر ال يدانيه ºßء من أصناف املعروف ،وال تصل إليه رتبة من رتب
ﱡ
ٕالاحسان والجود ،فالداعية يقدم الجنة هدية للناس من حوله ،ويدلهم عCى مقامات
السعادة ،وأي أجر ُيكتب للداعية عند ربه إال ٔالاجر الذي يليق بجالل املعطي سبحانه
ويتناسب مع قدر العطية؟
ب -أن كل حركة وسكنة يتحركها املهتدي ،وكل تسبيحة أو تكب>xة ينطقها وكل ركعة
وسجدة يفعلها وكل إحسان ُيجريه ﷲ عCى يديه ،فإنما كان الداعية سبب كل ذلك وطريقه
الدال عليه .وإن له مثل أجر فاعله لقول الن´ " :الدال عCى الخ> xكفاعله" ) ،(23ولقوله
ً
أيضا " :من ﱠ
سن Mي ٕالاسالم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل *oا بعدﻩ من غ> xأن
ينقص من أجورهم ºßء").(24
ً
وهذا باب من ٔالاجر ال ُيغلق ،وهو يتنامى يوما بعد يوم .وإن ُجهد أبي بكر الصديق ،وبالل
وعمار ،وخديجة ،وأسماء ،وغ>xهم وغ>xهن ،إنما هو أساس Mي إقبال كل إنسان عCى ﷲ
تعا"ى إ"ى قيام الساعة .وإن جهد املصطفى هو مبدأ كل جهد طيب بذله مسلم أو يبذله.
ولرسول ﷲ ـبعد ﷲ تعا"ى ِم ﱠنة واي ِم ﱠنة Mي عنق كل مسلم.
ﱡ ً
ويضم جهدﻩ لجهد ج -أن من *+تدي عCى يد الداعية يكون عونا للداعية عCى أداء رسالته،
الداعية .وهكذا فإن الدعوة ال تتكاثر إال عن طريق الدعوة وال تتقوى إال بالعناصر الجديدة
الرافدة .وما تغ> xحال املسلم>ن من السر إ"ى العلن الا يوم أن دخل عمر وحمزة Mي دين ﷲ.
وما تغ> xحالهم من الجماعة إ"ى املجتمع إال يوم أن دخل ٔالانصار Mي دين ﷲ تعا"ى.
;.111/6 ( >5 ) : 89: )(22
?> ! 346/5 C 5129 < 4; /$ . 1406/3 C 1893 < !@ AB 67 )(23
!
< .43/5 C 2674
?> !.2060/4 C 2674 < 704/2 C 1017 < 67 )(24
13
د .وأن الهداية أسلوب من أساليب النصر املادي ،ولكنه ال يتحقق Mي معركة ذات جرح
وقرح وال عن طريق السيف والسهم وإنما عن طريق ادع إ"ى سبيل ربك بالحكمة
واملوعظة الحسنة وجادلهم بال] Hي أحسن ).(25
ُ
هـ -وأن من *+ديه ﷲ عCى يديك أ*+ا الداعية إنما هو لبنة نزعت من بناء الجاهلية ووضعت
Mي بناء ٕالاسالم ،وسيكون هذا عCى حساب الكفر والضالل ،وهو خسارة للشيطان وأعوانه،
وكسب للرحمن وأنصارﻩ .وMي كل مرة *+تدي ف*jا من *+تدي فإنما يسقط ركن من أركان
الجاهلية .وهكذا كان أمر الجاهلية Mي مكة ،ففي كل صباح لهم حديث ،الكفار يتكلمون
عن الصابئ>ن املفارق>ن الخارج>ن ،واملسلمون يفرحون باملهتدين املؤمن>ن وكأني ببناء الكفر
يتصدع كل يوم ويفقد من بنائه ما يفتح الثغرة تلو الثغرة فيه.
القاعدة الثالثة
ٔالاجر يقع بمجرد الدعوة وال يتوقف عgى الاستجابة
ً
أ -وهذﻩ القاعدة تعالج خطأ شائعا عند كث>xين ،وهو أن ٔالاجر يxتب عCى النتيجة الدنيوية
الظاهرية .مش©*>ن ذلك باألعمال الدنيوية الُ Hينظر ف*jا إ"ى النتائج املحسوسة .ولو كان ٔالامر
ً
Mي الدعوة كذلك لكان كث> xمن أنبياء ﷲ صلوات ﷲ عل*jم محكوما عليه باإلخفاق ،وحاشا
أنبياء ﷲ أن يوصفوا *oذا ،رغم قلة املؤمن>ن بدعو*م .فهذا نوح عليه السالم يدعو قومه
ً
ويمكث ف*jم ألف سنة إال خمس>ن عاما .قال ﷲ تعا"ى ϵÏΒöθs% 4’n<Î) %·nθçΡ $uΖù=y™ö‘r& ô‰s)s9uρ :
∩⊇⊆∪ tβθßϑÎ=≈sß öΝèδuρ Üχ$sùθ’Ü9$# ãΝèδx‹s{r'sù $YΒ%tæ šÅ¡÷Ηs~ ωÎ) >πuΖy™ y#ø9r& öΝÎγ‹Ïù y]Î7n=sù
)(26
وظاهر سياق ٓالاية كما يقول ابن كث> xأنه مكث Mي قومه يدعوهم إ"ى ﷲ ألف سنة إال
ً
خمس>ن عاما).(27
14
ورغم هذا املكث الطويل فإنه لم يؤمن من قومه إال قليل ،قال تعا"ى $tΡâö∆r& u!%y` #sŒÎ) #¨Lym :
4 ztΒ#u ôtΒuρ ãΑöθs)ø9$# ϵø‹n=tã t,t7y™ tΒ ωÎ) šn=÷δr&uρ È÷uΖøO$# È÷y`÷ρy— 9e≅à2 ÏΒ $pκFÏù ö≅ÏΗ÷q$# $oΨù=è% â‘θ‘Ζ−F9$# u‘$sùuρ
15
y7Ý¡øtΡ ó=yδõ‹s? Ÿξsù ) .(35وقال : ∩∉∪ $¸y™r& Ï]ƒÏ‰y⇔ø9$# #x‹≈yγÎ/ (#θãΖÏΒ÷σムóΟ©9 βÎ) öΝÏδÌ≈rO#u #’n?tã
.(36) ¨ 4 BN≡u$y£ym öΝÍκöFn=tãوقل :وال تحزن عل*jم ) .(37وMي هذﻩ ٓالايات تسلية لرسول ﷲ
حيث كان الحريص عCى إيصال الخ> xوالهداية إل*jم ولك*wم عموا ّ
وصموا.
والقلب الرحيم يتقطع عندما يرى الناس ي*¥افتون Mي النار *افت الفراش ،وكذلك كان
ً حال رسول ﷲ فجاء التوجيه الرباني ) :فلعلك باخع نفسك؟!( أي مهلكها ً
أ GºÒوأسفا
ً ً
عل*jم أل*°م لم يؤمنوا بالقرآن الكريم .قال قتادة ) لعلك قاتل نفسك غضبا وحزنا عل*jم ؟!
ً
وقال مجاهد :جزعا واملع G¢متقارب ،أي ال تأسف عل*jم بل أبلغهم رسالة ﷲ ،فمن
اهتدى فلنفسه ،ومن ضل فإنما يضل عل*jاﻩ ( ).(38
وكذلك ُرفع هذا الحرج عن الدعاة من أمة محمد إن لم *+تد الناس ولم يستجيبوا لهم
ً
بعد استنفاد غاية الجهد معهم؛ ألن ﷲ ال يكلف نفسا إال وسعها .
ج-وMي هذﻩ القاعدة عالج ألولئك املتعجل>ن من الدعاة الذين ينتظرون النتائج الدنيوية
ً
الظاهرة ،ويجعلو*°ا شرطا للمواصلة والس>M xي طريق الدعوة .وهذا التالزم إنما هو سوء
فهم من جهة،ومخالفة صريحة لقواعد الدعوة Mي القرآن والسنة من جهة أخرى.
ولقد أكد القرآن الكريم عدم التالزم ب>ن الدعوة والاستجابة ،فقد يبذل الداعية قصارى
جهدﻩ ،وال يجد من املدعو سوى الاعراض ،وقد جعل القرآن الكريم ب>ن الدعوة
والاستجابة مرحلة وسيطة يبدو أ*°ا ضرورية ،و]ي مقت GºÁقوله تعا"ى :ح GHإذا استيأس
ُ ُ
الرسل ) .(39و]ي مرحلة وظنوا أ*°م قد كذبوا والوصول إ"ى هذﻩ املرحلة وسيط ب>ن
الدعوة وب>ن املرحلة الثالثةجاءهم نصرنا .
قال ابن كث> " : xيذكر تعا"ى أن نصرﻩ يÌÝل عCى رسله صلوات ﷲ وسالمه عل*jم أجمع>ن
عند ضيق الحال وانتظار الفرج من ﷲ Mي أحوج ٔالاوقات عليه ،كقوله تعا"ى :وزلزلوا حGH
يقول الرسول والذين آمنوا معه م GHنصر ﷲ ).(40
16
ظن الرسل أنفسهم ، وقد فهمت عائشة ر ºÙﷲ ع*wا أن هذا الظن إنما هو ظن ٔالاتباع ال ﱡ
وذلك عندما قال لها عروة :فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن ،قالت :أجل،
ُ
لعمري ،لقد استيقنوا بذلك ،فقلت لها :وظنوا أ*°م قد كذبوا؟ قالت :معاذ ﷲ لم تكن
الرسل تظن ذلك بر*oا .قلت فما هذﻩ ٓالاية؟ قالت :هم أتباع الرسل الذين آمنوا بر*oم
وصدقوهم ،فطال عل*jم البالء ،واستأخر ع*wم النصر ،ح GHإذا استيأس الرسل ممن
كذ*oم من قومهم وظنوا أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر ﷲ عند ذلك) .(41وذلك بناء
ُ
عCى قراءة عائشة ر ºÙﷲ ع*wا بتشديد )كذبوا( فيكون الفاعل ٔالاتباع ال الرسل) .(42وهو
توجيه يليق بمقام الرسل الكرام .وإذا جعلنا الضم> xللرسل كان ظ*wم حينئذ أن قومهم قد
كذبوهم .وال مانع من الجمع ب>ن املكذب>ن من أقوام الرسل وب>ن املتعجل>ن الظان>ن باهلل ظن
السوء .
د-وال يع G¢هذا أن الداعية غ> xمطالب ببذل قصارى جهدﻩ ،واستخدام أحسن ما يستطيع
من ٔالاساليب والوسائل ،وهذا ما سنذكرﻩ Mي قاعدﻩ البالغ التالية.
القاعدة الرابعة
ُ ّ
عgى الداعية أن يصل إى رتبة امل َب ِلغ وأن يسvى إى البالغ
ليس أمر الدعوة إ"ى ﷲ بأقل من أمر الدعوة أو الدعاية إ"ى سلعة دنيوية .ونحن عCى يق>ن
ً
أن صاحب البضاعة يستخدم أقوى الوسائل وأوسعها انتشارا من أجل إيصال الجمهور إ"ى
درجة القناعة ببضاعته ،ونراﻩ Mي سبيل ذلك يستخدم الكلمة والصورة والهدية وغ> xذلك
من الوسائل .
وقد جعل ﷲ تعا"ى مهمة رسله وأنبيائه البالغ ،فقال :
.(43) ßÎ7ßϑø9$# àJ≈n=t7ø9$# ωÎ) È≅ß™”9$# ’n?tã ö≅yγsù 4ووصف البالغ بأنه املب>ن.
وقال تعا"ى.(44) …çµtΡöθt±øƒs†uρ «!$# ÏM≈n=≈y™Í‘ tβθäóÏk=t7ムšÏ%©!$# : :
17
وعند إعراض الناس عن ٕالايمان كان يأتي التأكيد عCى وصول ٔالانبياء إ"ى رتبة البالغ ،قال
tβθ™7ÏtéB ω Å3≈s9uρ öΝä3s9 àMós|ÁtΡuρ ’În1u‘ s's!$y™Í‘ öΝà6çGøón=ö/r& ô‰s)s9 ÉΘöθs)≈tƒ tΑ$s%uρ öΝåκ÷]tã 4’¯<uθtFsù : تعا"ى
).(45 ∩∠∪ šÏ⇔ÅÁ≈¨Ψ9$#
َ
وكلمة َبل َغ :تع ¢وصل أو قارب عCى الوصول ،يقول ابن فارس " :الباء والالم والغ>ن أصل
واحد ) أي مع G¢واحد( ،وهو الوصول إ"ى الºÚء تقول :بلغت املكان إذا وصلت إليه" )، (46
ُ
ويقول " :وكذلك البالغة ال Hيمدح *oا الفصيح اللسان ألن َيبلغ *oا ما يريدﻩ").(47
ُ ْ
سمع ال بل ُغ ، وقال ٔالازهري " :والعرب تقول للخ xyيبلغ أحدهم وال يحققونه ،وهو يسوءهم :
ً ً
أي نسمعه وال يبلغنا ،ويجوز :سمعا ال بلغا " ).(48
وهذا دليل عCى أن استعمال كلمة البالغ إنما كان ملا ف*jا من طبيعة الوصول والان*¥اء.
ً
ب -وال معذرة للداعية إذا صر Mي البالغ ولقد نبه ﷲ تبارك وتعا"ى نبيه محمدا إ"ى مثل
ً
هذا قائال 4 …çµtGs9$y™Í‘ |Møó¯=t/ $yϑsù ö≅yèøs? óΟ©9 βÎ)uρ ( y7Îi/¢‘ ÏΒ šø‹s9Î) tΑÌ“Ρé& !$tΒ õJÏk=t/ ãΑθß™§9$# $pκš‰r'¯≈tƒ * :
).(49 ∩∉∠∪ tÍÏ≈s3ø9$# tΠöθs)ø9$# “ωöκu‰ Ÿω ©!$# ¨βÎ) 3 Ĩ$¨Ζ9$# zÏΒ šßϑÅÁ÷ètƒ ª!$#uρ
ً
قال القرط´ " :وهذا تأديب للن´ وتأديب لحملة العلم من أمته أال يكتموا شيئا من
شريعته") .(50وليس املقصود بالبالغ مجرد ٕالاخبار أو ٕالاعالن ،إنما املراد أن تصل رسالته
للناس.
ج-ومن مقتضيات البالغ أن يçي الداعية ما ُيبلغه ،ألنه ال تبليغ بال وµي ،ويستفاد هذا من
ﱠ ً قوله َ " :ن ﱠ
وفر ﱠب حامل فقه إ"ى من
وبلغهاَ ، ض َر ﷲ امرءا سمع مقال Hفوعاها وحفظها
18
َ
هو أفقه منه ،ثالث ال ُيغ ّل عل*jن قلب مسلم :إخالص العمل هلل ،ومناصحة أئمة
املسلم>ن ،ولزوم جماع*¥م ،فإن الدعوة تحيط من وراءهم").(51
ضر ﷲ معناﻩ الدعاء له بالنضارة و]ي النعمة قال الخطابي Mي شرحه لهذا الحديث َ " :ن ﱠ
ُّ ُّ
والبهجة" ) .(52وهذﻩ النضارة من آثار التبليغ عCى امل ِبلغ فامل َب ِلغون أصحاب الوجوﻩ الناضرة
Mي الدنيا وٓالاخرة.
)(53
واستفاد الخطابي من هذا الحديث كراهة اختصار الحديث ملن ليس باملتنا]ي بالفقه
وعCى هذا فإن الوµي يكون بحفظ النص وأدائه كما قيل .ويكون للفقيه بمحافظته عCى
املعاني املستفادة ،ويxتب عCى هذا الحديث كل ما يتعلق بالرواية والدراية من العلوم
والتفاصيل.
د -ومن مقتضيات البالغ البالغة.
ً
والبالغة Mي تفس> xقوله تعا"ى :(54) ∩∉⊂∪ $ZóŠÎ=t/ Kωöθs% öΝÎηÅ¡àΡr& þ_Îû öΝçλ°; ≅è%uρ :أن يكون كالما
ً
حسن ٔالالفاظ حسن املعاني مشتمال عCى الxغيب والxهيب والتحذير وٕالانذار والثواب
ً ُ
والعقاب ،فإن الكالم إذا كان هكذا َعظم وقعه Mي القلب ،وإذا كان مختصرا ركيك ٔالالفاظ
ركيك املع ،G¢لم يؤثر البتة Mي القلب).(55
ُ ّ
وقال Mي اللسان :رجل بليغ :حسن الكالم فصيحه ُ ،ي َب ِلغ بعبارة لسانه ك ْنه ما Mي قلبه).(56
وليست البالغة Mي صعوبة ٔالالفاظ ؤالاساليب ،والبحث عن وح ºÚالكالم وغريبه.
ُّ
وبناء عليه فإن عCى امل ِبلغ أن يعلم من لغة العرب وأسالي©*م ما يعينه عCى البالغ.
ً ً
ومقت GºÁهذا بحث واطالع ،واعتناء باللغة العربية :علما وقراءة وكتابة ومحادثة ،ونظرا Mي
ً ً
أدب العرب ن¨xا وشعرا ،وMي نظم القرآن مب G¢ومع G¢والدعاة اليوم هم أحوج ما يكونون
لهذا وال ُيعذرون بالقصور فيه.
هـ -ولقد جاء القرآن بتأكيد الفصاحة وسالمة النطق.
19
).(57 ’ÎΤ$|¡Ïj9 ÏiΒ Zοy‰ø)ãã ö≅è=ôm$#uρ وذلك عندما قال ﷲ تعا"ى عCى لسان مو GºÒعليه السالم:
فقد علم مو GºÒعليه السالم أن سالمة النطق وفصاحته من أسباب البالغ وإقامة
الحجة ،قال الرازي " :اختلفوا Mي أنه عليه السالم ِل َم طلب حل تلك العقدة عCى وجوﻩ" .
أحدها :لئال يقع Mي أداء رسالته خلل البتة.
وثان*jا :إلزالة التنف>x؛ ألن العقدة Mي اللسان قد تف ºÁإ"ى الاستخفاف بالقائل وعدم
الالتفات إليه).(58
ثم قال ورابعها :طلب السهولة ألن إيراد مثل هذﻩ الكالم عCى مثل فرعون Mي جxyوته ِوك ْxyﻩ
َ ً
َع ِس ﱡر جدا ،فإذا انضم إليه ت ﱡعقد اللسان بلغ العسر إ"ى ال*wاية ،فسأل ربه إزالة تلك
ً ً
العقدة تخفيفا وتسهيال).(59
عود نفسه عCى النطق الصحيح ،وإذا كانت ُ ّ
ويستفاد من هذﻩ القاعدة أن عCى الداعية أن ي ِ
Mي لسانه عقدة فليستعن بمن يفصح عنه ،ويساعدﻩ Mي مهمته ،وذلك كي يصل بدعوته إ"ى
سبحانهuθèδ Üχρã≈yδ ÅSr&uρ : درجة البالغ والبيان ،وهذا ما سأل مو GºÒعليه السالم ربه
والر ْد ُء :اسم ما
ِ
)ّ .(60 &Âχθç/Éj‹s3ムβr& ß∃%s{r& þ’ÎoΤÎ) ( ûÍ_è%Ïd‰|Áム#[÷ŠÍ‘ zÉëtΒ ã&ù#Å™ö‘r'sù $ZΡ$|¡Ï9 Íh_ÏΒ ßx|Áøùr
يستعان به .قال الرازي Mي تفس> xهذﻩ ٓالاية ) :ليس الغرض بتصديق هارون أن يقول له
صدقت أو يقول للناس :صدق مو ،GºÒوإنما هو أن يلخص بلسانه الفصيح وجوﻩ الدالئل
ويجيب عن الش©*ات ويجادل به الكفار ،فهذا هو التصديق املفيد ،أال ترى إ"ى قوله :وأèي
ً ُ
أفصح م ¢لسانا فأرسله مçي وفائدة الفصاحة تظهر فيما ذكرناﻩ ال Mي مجرد هارون هو
قوله :صدقت( ).(61
و -ومما يساعد الداعية عCى البيان والبالغ وجود إخوانه معه إ"ى جانبه ،فإن وجودهم
يشد من عضدﻩ ويلقي Mي روعه الطمأنينة من جهة ،ومن جهة أخرى فإن وقع ذلك عCى
ً ً ً
املدعوين كب> .xإذ عندما يرى املدعوون أن الداعية ليس وحيدا وأن معه أنصارا وأعوانا
فإ*°م يالحظون أثر الدعوة Mي الناس ويحملهم هذا عCى إمعان الفكر Mي هذﻩ الدعوة.
.27 : 8J )(57
.48/22 )(58
! .8$ )(59
.34 : C )(60
.249/24 )(61
20
ً
قال تعا"ى مخاطبا مو GºÒعليه السالم (62) y7‹Åzr'Î/ x8y‰àÒtã ‘‰à±t⊥y™ tΑ$s% :وقال عCى لسان
ً
مو GºÒأيضا çµø.Î$õ°r&uρ ∩⊂⊇∪ “Í‘ø—r& ÿϵÎ/ ÷Šß‰ô©$# ∩⊂⊃∪ ÅSr& tβρã≈yδ ∩⊄∪ ’Í?÷δr& ôÏiΒ #\ƒÎ—uρ ’Ík< ≅yèô_$#uρ
(63) ∩⊂⊄∪ “ÌøΒr& þ’Îûقال الرازي Mي تفس>xﻩ لهذﻩ ٓالاية " :واعلم أن طلب الوزير إما أن يكون
ألنه خاف من نفسه العجز عن القيام بذلك ٔالامر فطلب املُع>ن ،أو ألنه رأى أن للتعاون
الود وزوال ال*¥مة مزية عظيمة Mي أمر الدعاء إ"ى عCى الدين والتظاهر عليه مع مخالصة ّ
ِ
ﷲ .ولذلك قال عي» Gºعليه السالم :قال :من أنصاري إ"ى ﷲ ؟ قال الحواريون :نحن
أنصار ﷲ وقال ملحمد ) حسبك ﷲ ومن اتبعك من املؤمن>ن).(64
ز -ولكي يصل الداعية إ"ى درجة البالغ فعليه أن يستعمل الوسائل الكاشفة عن مرادﻩ
ُ املُ ّ
قربة لدعوته ،وهذا ما يعرف بوسائل ٕالايضاح ،والوسائل املعينة .وعCى الداعية أن ِ
يخاطب الناس بالصورة والفيلم والخارطة والرسم البياني واملقطع التوضيéي والرحلة
الهادفة والقصة واملثل والقسيدة والقصيدة ومخلوقات ﷲ تعا"ى وعجيب صنعه.
الن´ يستخدم وسيلة ٕالايضاح:
أخرج البخاري عن ابن عمر ـر ºÙﷲ ع*wما ـ قال " :كنا عند الن´ فأتى ُ
بج َمار) (65فقال:
َُ
إن Mي الشجر شجرة َمثلها كمثل املسلم ،فأردت أن أقول] :ي النخلة فإذا أنا أصغر القوم ،
ُ
فسكت ،فقال الن´ ] :ي النخلة ).(66
فالن´ سأل عن شجرة يش©*ها املسلم وتش©*ه وكان عند السؤال يأكل من ّ
الجمار .قال
الجمار إليه فهم ابن عمر أن املسؤول عنه ابن حجر " :ملا ذكر الن´ املسألة عند إحضار ّ
النخلة").(67
إبراهيم عليه السالم يستخدم وسائل ٕالايضاح:
والقرآن الكريم يقص علينا كيف كان إبراهيم عليه الصالة والسالم يستخدم هذﻩ الوسائل
املعينة عندما أراد أن يدعو قومه إ"ى عبادة ﷲ ويصرفهم عن عبادة النجوم والكواكب .قال
21
تعا"ىšÎ=ÏùFψ$# 7=Ïmé& Iω tΑ$s% Ÿ≅sùr& !$£ϑn=sù ( ’În1u‘ #x‹≈yδ tΑ$s% ( $Y6x.öθx. #uu‘ ã≅ø‹©9$# ϵø‹n=tã £y_ $£ϑn=sù : ﷲ
∪∉∠∩ zÏΒ Osðθà2V{ ’În1u‘ ’ÎΤωöκu‰ öΝ©9 È⌡s9 tΑ$s% Ÿ≅sùr& !$£ϑn=sù ( ’În1u‘ #x‹≈yδ tΑ$s% $ZîΗ$t/ tyϑs)ø9$# #uu‘ $£ϑn=sù
tΑ$s% ôMn=sùr& !$£ϑn=sù ( ç$t9ò2r& !#x‹≈yδ ’În1u‘ #x‹≈yδ tΑ$s% ZπxîΗ$t/ }§ôϑ¤±9$# #uu‘ $£ϑn=sù ∩∠∠∪ t,Îk!!$Ò9$# ÏΘöθs)ø9$#
š⇓ö‘F{$#uρ ÅV≡uθ≈yϑ¡¡9$# tsÜsù “Ï%©#Ï9 }‘Îγô_uρ àMôγ§_uρ ’ÎoΤÎ) ∩∠∇∪ tβθä.Î$ô³è@ $£ϑÏiΒ Öü“Ìt/ ’ÎoΤÎ) ÉΘöθs)≈tƒ
وهذا أسلوب فيه التÌÝل مع املدعو والتدرج معه ح GHيتوصل إ"ى إبطال ُم ّدعاﻩ وإقامة
الحجة عليه.
ومعاذ ﷲ أن يكون هذا هو معتقد إبراهيم عليه السالم .قال الرازي Mي تفس>xﻩ ":إن هذﻩ
الواقعة إنما حصلت بسبب مناظرة إبراهيم عليه السالم مع قومه ،والدليل عليه أن ﷲ
َ ْ َ ُ ﱠ َُ َََْ َ ْ َ َ َ َ
يم َعCى ق ْو ِم ِه ولم يقل عCى تعا"ى ملا ذكر هذﻩ القصة قال :و ِتلك حجتنا آتيناها ِإبر ِاه
نفسه ،فعلم أن هذﻩ املباحثة إنما جرت مع قومه ألجل أن يرشدهم إ"ى ٕالايمان
والتوحيد").(69
وأما قوله :هذا ربي فمعناﻩ عCى زعمكم واعتقادكم وذلك كقول مو GºÒعليه السالم
َ َْ ﱠ ْ ُ َ َ
للسامريَ :وانظ ْر ِإ"ى ِإل ِه َك ال ِذي ظل َت َعل ْي ِه ) .(70فإن مو GºÒعليه السالم لم يقرﻩ عCى
َ َ
مدعاﻩ وإنما حكى زعمه وادعاءﻩ .وكذلك قول ﷲ تعا"ى َو َي ْو َم ُي َن ِاد ِْ *+م ف َي ُقو ُل أ ْي َن
ُ َ
ش َركا ِئ َي) .(71فالشركاء هنا عCى حد زعم املشرك>ن وادعا*م .و*oذا يكون إبراهيم عليه
السالم قد دحض عقيد*م Mي عبادة الحوادث واملتغ>xات ،وأثبت عقيدته Mي عبادة الواحد
الباëي ،الذي ال يعxيه النقص والتغ>.x
ْ ْ
يم )ِ (83إذ َج َاء َرﱠب ُه ِب َقل ٍب َس ِل ٍيم )(84 يعته َإل ْب َراه ََ َ ﱠ ْ
ومثال آخر جاء Mي قوله تعا"ى :وِإن ِمن ِش ِ ِ ِ ِ
َ َ ُ َ َ ً َ ً َ ﱠ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ
ال ِأل ِب ِيه َوق ْو ِم ِه َماذا ت ْع ُب ُدون ) (85أ ِئ ْفكا آ ِل َهة ُدون الل ِه ت ِر ُيدون ) (86ف َما ظ ﱡنك ْم ِب َر ِ ّب ِإذ ق
ين )(90
ﱠ َ
يم ) (89ف َت َول ْوا َع ْن ُه ُم ْدبر َ ّ
ال إ ِني َس ِق ٌ َ ْال َع َامل َ>ن ) (87ف َنظ َر َنظ َر ًة Mي ﱡ
الن ُجوم ) (88ف َق َ ْ َ َ
ِِ ِ ِ ِ ِ
.79)76 :
6D$. )(68
.48/13 )(69
.97 : 8J )(70
.62 : C )(71
22
ْ اغ َع َل ْْ *jم َََ َ َ َُ ْ َ َْ ُ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ََ َْ ُُ َ
ض ْرًبا ِبال َي ِم ِ>ن ِ ر ف ( 92 ) ن و ق طِ ن ت ال م ك ل ام ( 91 ) نفراغ ِإ"ى آ ِله ِ*ِ ¥م فقال أال تأكلو
).(72) (93
َ َ َ ُ َ َ ً ﱠ َ َ َ ﱠ َ َ َ
وقال تعا"ى :ف َج َعل ُه ْم ُجذاذا ِإال ك ِب ً>xا ل ُه ْم ل َعل ُه ْم ِإل ْي ِه َي ْر ِج ُعون ) (58قالوا َم ْن ف َع َل َهذا
َ ُ َُْ ال َل ُه إ ْب َراه ُ َ ُ َ َْ ًَ َْ ُ ُ ْ َُ َ َ ﱠُ َ َ ﱠ َ
يم ) (60قالوا فأتوا ِب ِه ِبآ ِل َه ِتنا ِإنه ِملن الظ ِ ِامل>ن ) (59قالوا س ِمعنا ف GHيذك ُرهم يق ُ ِ ِ
ال َب ْليم )َ (62ق َ الناس َل َع ﱠل ُه ْم َي ْش َه ُدو َن )َ (61ق ُالوا َأ َأ ْن َت َف َع ْل َت َه َذا ب َآ ِل َه ِت َنا َيا إ ْب َراه َُع َCى َأ ْع ُ>ن ﱠ
ِ ِ ِ ِ ِ
)(73 َ َ َ ُ َ ُ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ ُ ْ ْ َ ُ َ ْ ُ نَ
فعله ك ِب>xهم هذا فاسألوهم ِإن كانوا ين ِطقو ). (63
ً
ونالحظ أن إبراهيم عليه السالم استخدم أسلوبا من أسالي©*م عندما يمرضون ،وهو املكث
ً ً ً
عند ٔالاصنام طلبا للشفاء ،ونراﻩ يحطم ٔالاصنام إال صنما كب>xا ،لعلهم إليه يرجعون ،ثم
ً
نراﻩ ينسب الفعل لهذا الكب> ،xوتأكيدا لهذا فقد جعل الفأس Mي رأسه ،وهذا كله جعلهم
الظاملُو َن )ُ (64ث ﱠم ُنك ُسوا َع َCى ُر ُءوسه ْم َل َقدْ َ َ َ ُ َ َْ ُ ْ َ َ ُ ﱠ ُ ْ َُْ ُ ﱠ
ِ ِ ِ ِ يقولون ) :فرجعوا ِإ"ى أنف ِس ِهم فقالوا ِإنكم أنتم
َ َ
َع ِل ْم َت َما َه ُؤال ِء َي ْن ِط ُقون ) .(74و*oذا فقد حكم املشركون عCى أنفسهم بالجهل والغباء.
ً
وقرروا عجز آله*¥م عن حماية نفسها إو إجراء الخ> xوالضر لها فضال عن تقديمه لغ>xها.
ح-وللوصول إ"ى رتبة البالغ فإنه البد من تقليب ٔالاساليب وتنوعها فما ال يصل بالجهر قد
يصل بالسر ،وما ال يصل Mي الليل قد يصل Mي ال*wار ،وما ال يستقر Mي القلوب مع إنشغالها
قد يستقر ف*jا عند فراغها ،وما ال يؤثر Mي الصحيح قد يؤثر Mي املريض .وMي سورة نوح
تطبيق كامل لهذا املبدأ ولهذا القاعدة قال ﷲ تعا"ى عCى لسان نوح :قال رب إني دعوت
ً ً ً
قومي ليال و*°ارا * فلم يزدهم دعائي إال قرارا* وإني كلما دعو*م لتغفر لهم جعلوا أصابعهم
ً ً
Mي آذا*°م واستغشوا ثيا*oم وأصروا واستكxyوا استكبارا* ثم إني دعو*م جهارا* ثم إني
ً ً
أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا* فقلت استغفروا رﱠبكم إنه كان غفارا) .(75قال القرط´":
كل هذا مبالغة Mي الدعاء وتلطف باالستدعاء").(76
.93)83 :
5 )(72
.63)58 :
K$. )(73
.65)64 :
K$. )(74
.10)5
<$ )(75
.301/18 4J )(76
23
وقال ابن كث> ": xنوع عل*jم الدعوة لتكون أنجح") .(77فدعاهم بالليل حيث السكون الداµي
إ"ى حسن الاستماع ،وحيث النجوم الدالة عCى خالقها ومنش*ðا .ودعاهم بال*wار حيث العمل
واللقاء واملحاورة واملناظرة .وكان شأ*°م التنكر له عندما يدعوهم ،ولكنه لم يتنكر لهم ،بل
وتلفعوا بثيا*oم ،فصاح واصل دعو*م ،وأمعنوا Mي التنكر فوضعوا أصابعهم Mي آذا*°م ،ﱠ
ً
بأعCى صوته كي يصل إ"ى أسماعهم ،وملا ألقوا بأسماعهم أسر لهم إسرارا .قال القرط´" :
وأسررت لهم :أتي*¥م Mي منازلهم ") .(78وهذﻩ التفاتة جيدة من القرط´ ،إذ أن الذهاب
ً
باملدعو بعيدا عن أع>ن الناس أبلغ Mي التأث>M xي ح>ن أن اللقاء مع املدعو أمام أع>ن الناس
ً
قد يسبب حرجا له ،باإلضافة إ"ى أنه ينبه أعداء ٕالاسالم الذين يضربون هذﻩ العالقة
بمجرد معرف*¥م *oذﻩ الصلة ويحذرون املدعو ،ويكون هذا قبل أن نتمكن الفكرة Mي نفس
املدعو ،فيؤدي ذلك إ"ى عدم الاستجابة أو يؤخرها.
ط-وللوصول إ"ى رتبة البالغ فإن عCى الداعية أن يخاطب املدعوين بالل>ن ال بالغلظة
والشدة والل>ن تلطف باملدعو ورفق به ،وتخ> xألحب ٔالاسماء إليه ،وأقرب ٔالاساليب إ"ى قلبه.
وليس الل>ن Mي التساهل Mي أحكام الشرع وال Mي مجاراة أهل الباطل عCى باطلهم وال Mي
السكوت عCى املنكرات .فاملؤمن عCى كل حال ال يخ GºÚإال ﷲ وال يرجو إال ثوابه.
وإذا كان ﷲ تعا"ى قد أمر مو GºÒبأن يدعو فرعون بالل>ن ،فمن باب أو"ى أن يكون الل>ن
ً ً
شعار كل دعوة .قال تعا"ى :اذهبا إ"ى فرعون إنه طñى* فقوال له قوال لينا لعله يتذكر أو
يخ .(79)GºÚوأمر ﷲ نبيه بأن يدعو بالحكمة واملوعظة الحسنة.
ً
والل>ن قطع من الشدة وأقدر عCى إيصال الكالم إ"ى القلوب .وكث>xا ما يجد الداعية العقبات
Mي طريقه بسبب كلمة قالها أو تصرف أساء فيه للمدعوين.
والدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة تجعل املدعو يقف مباشرة أمام الدعوةM ،ي ح>ن أن
الغلظة تجعل املدعو Mي حجاب عن الدعوة .وكما يضع أعداء ٕالاسالم العقبات Mي طريق
ً
الدعوة ،فقد يضع املسلم -وهو ال يعلم -عقبات أيضا Mي طريقها .سب©*ا سوء صنيعه
وضجرﻩ وسأمه وقصر نظرﻩ وضيق صدرﻩ .والداعية الناجح هو الذي ال يفقد صوابه واتزانه
مهما كانت الظروف.
24
يقول الرازي" :واعلم أن الدعوة إ"ى املذهب واملقالة البد أن تكون مبنية عCى حجة وبينة،
واملقصود من ذكر الحجة إما تقرير ذلك املذهب أو ذلك الاعتقاد Mي قلوب املستمع>ن ،وإما
أن يكون املقصود إلزام الخصم وإفحامه").(80
والدعاة إ"ى ﷲ يبتغون إيصال الحق والهدي إ"ى قلوب الخلق وليسوا Mي حلبة مصارعة
يبتغون الظفر عCى خصومهم ،ويريدون إثبات تفوقهم Mي الحجة والدليل .ويذهب الرازي إ"ى
أن الدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة ]ي ال Hتؤدي إ"ى كسب ٔالانصار ،بينما تبقى
املجادلة بال] Hي أحسن إلقامة الحجة عCى الخصوم .فقال ) :ومن لطائف هذﻩ ٓالاية أنه
قال :ادع إ"ى سبيل ربك بالحكمة واملوعظة الحسنة فقصر الدعوة عCى ذكر هذين
القسم>ن ..أما الجدل فليس من باب الدعوة بل املقصود منه غرض آخر مغاير للدعوة وهو
ٕالالزام وٕالافحام .فلهذا السبب لم يقل :ادع إ"ى سبيل ربك بالحكمة واملوعظة الحسنة
ً
والجدل ٔالاحسن ،بل قطع الجدل عن باب الدعوة تنب*jا عCى أنه ال يحصل الدعوة وإنما
الغرض منه ºßء آخر).(81
القاعدة الخامسة
عgى الداعية أن يقدم الجهد البشري وهو يطلب املدد الرباني
شاء ﷲ تبارك وتعا"ى أن تعمل هذﻩ الدعوة بالوسائل البشرية .والداعية الحق هو الذي
يستطيع أن يوظف عالم ٔالاسباب من أجل دعوته ،وهذا رسول ﷲ يواصل ليله ب*wارﻩ
ً ً
آخذا باألسباب ومستخدما ألساليب عصرﻩ املتاحة ولم يقل :بما أنه يو«ى إ"ي فإن "ي
طريقة أخرى Mي التماس النظر .وإننا لنجد Mي تفاصيل س>xته تطبيقات واسعة لهذا
املبدأ .ويوم أن خالف بعض الصحابة أمر الن´ وقصروا Mي ٔالاخذ باألسباب كانت تلك
النتيجة املفجعة Mي معركة أحد رغم أن الرسول ب>ن ظهران*jم والو«ي يتÌÝل عليه.
ً
وMي قول ﷲ تعا"ى :ال يكلف ﷲ نفسا إال وسعها) .(82بيان شاف لهذا املبدأ ،والتكليف هو
والج ﱠدة ،قال القرط´" :
ٔالامر بما يشق عليه .والتكليف هنا مرتبط بالوسع الذي هو الطاقة ِ
25
نص ﷲ تعا"ى عCى أنه ال يكلف العباد من وقت نزول ٓالاية عبادة من أعمال القلب أو
الجوارح إال و]ي Mي وسع املكلف وMي مقت GºÁإدراكه وبنيته ،وMي هذا انكشفت الكربة عن
املسلم>ن Mي تأويلهم أمر الخواطر") (83أي لم يكلفهم ﷲ بما Mي خواطر النفوس وخلجات
القلوب.
فهم خطأ :
والناس اليوم يفهمون هذﻩ ٓالاية عCى أن الوسع هو أدنى ما يستطيعه املرء ولذلك فإن هذا
الوسع متقلب متغ> xحسب الدوافع .فقد يدµي املسلم أنه ال يجد سوى ساعة من فراغ،
ً ً ً
قائال :ال يكلف ﷲ نفسا إال وسعها ،ثم يزيد هذا الجهد إ"ى ساعت>ن قائال :ال يكلف ﷲ
ً ً
نفسا إال وسعها ،ثم نجد وقته يتسع لثالث ساعات من العمل فيقول :ال يكلف ﷲ نفسا
إال وسعها.
وهذا التقلب والتغ>M xي ظرف واحد وزمان واحد دليل عCى أن الادعاء ٔالاول لم يكن
ً
صحيحا ،وأنه لم يبذل وسعة Mي ّ
املرة ٔالاو"ى والثانية والثالثة.
ونظرة إ"ى الشكل أعالﻩ تب>ن أن الكؤوس أ ،ب ،ج وإن تفاوت Mي مقدار سع*¥ا من املاء إال
أن الكأس ) د( هو الذي استوMى وسعه وطاقته .والدعاة Mي فهمهم لهذﻩ ٓالاية كهذﻩ
ً
الكؤوس ،ير GºÙأحدهم بتقديم الÌÝر القليل ثم يطالب بالنتائج الكبار ،علما بأن مهمة
الدعوة كب>xة واسعة .وما ينxﻩ العالم من الدعاة كب> xكاتساع دعو*م .هذا مع العلم بأن
التعامل هو مع الحكيم الخب> xالذي يعلم مقدورات النفوس.
ونحن ال نن» Gºأن الناس متفاوتون Mي أصل املقدرة والجهد وأن مساحات نفوسهم متفاوتة
ً
كذلك ،ولكن املطلوب أن تصل هذﻩ النفس إ"ى أك xyعطاء لها وأن يكون جهدها مÌايدا
ً ً ً
متصاعدا كل يوم ،وإن قدرا كب>xا من طاقة العامل>ن والدعاة محكوم عليه بالهدر والضياع
إن لم ُيستغل Mي سبيل الحق والدعوة .وإن ك¨xة العامل>ن الذين يقدمون بعض ما
ً
يستطيعون يعيقون الس> xوتزدحم *oم الطرق ،تماما كالعربات ال Hتمأل الطريق Mي الوقت
الذي ال تحمل من وسعها سوى الºÚء القليل.
إن ﷲ تعا"ى خلق هذا ٕالانسان وجعل Mي وسعه الكث> xالكث> ،xونحن Mي هذﻩ الحياة نقرأ عن
ً
بعض املنحرف>ن ومدمٕ ¢الاجرام ،أ*°م يبذلون جهدا Mي سبيل انحرافهم وإجرامهم ما
26
ً
يجعلهم يواصلون الليل وال*wار ،ويقطعون شاسع املسافات ،ويعانون ضروبا من التحمل
والص xyما يح>ٔ xالالباب ،ويبذلون من ٔالاموال ويركبون من ٔالاهوال واملخاطر ما يث> xالعجب
العجاب .والذي يستطيع فعل الشر فإنه يستطيع فعل الخ> ،xومن يركب املصاعب
ؤالاهوال Mي سبيل الباطل فإنه قادر عCى ذلك Mي سبيل الحق والخ>.x
الاستطاعة وٕالارادة:
والجدير بالذكر أن الاستطاعة ف*jا جانب إرادي نف» ºيدفع إل*jا ،ويعمل عCى تحقيقها بإذن
ﷲ تعا"ى .وإذا انعدم هذا الجانب فإن املرء يصاب بالعجز .ومن هنا فإن الن´ علمنا
بأن ندعو ﷲ قائل>ن " :اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل،
27
ً
وأعوذ بك من الجyن والبخل ،وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال") .(86وقال أيضا" :
املؤمن القوي خ> xوأحب إ"ى ﷲ من املؤمن الضعيف وMي كل خ> ،xاحرص عCى ما ينفعك
واستعن باهلل وال تعجز").(87
وإن الشعور بالعجز وعدم الاستطاعة الذي يxدد عCى ألسنة الدعاة وقد يفعلون ذلك
ويقولونه من باب التواضع ليعمل عCى هدر الطاقات ٕالاسالمية وتأخ> xركب الدعوة.
وما لم يزج الداعية نفسه Mي غمار دعوته بدون خوف من الفشل ،غ> xعابئ بما يوجه له
من النقد ،فإنه لن يتقدم ولن يصل إ"ى دفة التوجيه والتغي>.x
حدود الوسع ومعيارﻩ:
وقد يسأل سائل :وما حدود الوسع والطاقة؟
والجواب عCى ذلك تضمنته ٓالايات القرآنية الكريمة التالية:
&
!" #$ %
&' '
* ()&).(88
& .(89)
%
+ ,-' . / 0+
1 2 3 4
1
56
!" #$ %&' '
& !" #$
1 2 3 4
1
56 %
' 6&7
4
8
" .
&6
& 9
).(90
;
" .
&6
47 (10) : &: +
< =
47 :>. & @@
&1 4
= 7 ?+
<
/
& .
< 2 3 4
<
56
!" #$ %
)(91 =7
)(92 ً ً
انفروا خفافا وثقاال وجاهدا بأموالكم وأنفسكم Mي سبيل ﷲ .
ً ً
ومع G¢قوله تعا"ى :انفروا خفافا وثقاال أي سواء كنتم عCى الصفة ال Hيخف عليكم
الجهاد ،أو عCى الصفة ال Hيثقل ،وهذا الوصف يدخل تحته أقسام كث>xة:
28
ً ً
:خفافا Mي النفور لنشاطكم ،وثقاال عنه ملشقته عليكم. فاألو"ى
ً ً
:خفافا لقلة عيالكم وثقاال لك¨*xم. والثاني
ً ً
:خفافا من السالح وثقاال منه. والثالث
ً
:ركبانا ومشاة. والرابع
ً ً
والخامس :شبابا وشيوخا.
ً
والسادس :مهازيل وسمانا.
ً
:صحاحا ومر.GºÙ والسابع
والصحيح ما ذكرناﻩ إذ الكل داخل فيه ،ألن الوصف املذكور وصف كCي).(93
وقد فهم كث> xمن الصحابة والتابع>ن هذﻩ ٓالاية عCى إطالقها ،قال مجاهد :إن ابا أيوب
ً
شهد بدرا مع رسول ﷲ ولم يتخلف عن غزوات املسلم>ن .ويقول :قال ﷲ :انفروا
ً ً ً ً
خفافا وثقاال فال أجدني إال خفيفا أو ثقيال.
ً ً
وعن صفوان بن عمرو قال :كنت واليا عCى حمص فلقيت شيخا قد سقط حاجباﻩ من
أهل دمشق عCى راحلته يريد الغزو .قلت :يا عم؛ أنت معذور عند ﷲ ،فرفع حاجبيه وقال
ً ً
:يا ابن أèي ،استنفرنا ﷲ خفافا وثقاال ،أال إن من أحبه ﷲ ابتالﻩ.
وعن الزهري :خرج سعيد بن املسيب إ"ى الغزوة وقد ذهبت إحدى عينيه ،فقيل له :إنك
عليل صاحب ضرر ،فقال :استنفر ﷲ الخفيف والثقيل ،فإن عجزت عن الجهاد ُ
ك¨xت
السواد ،وحفظت املتاع.
وقيل للمقداد بن ٔالاسود وهو يريد الغزو :أنت معذور ،فقال :أنزل ﷲ علينا Mي سورة براءة:
ً ً
انفروا خفافا وثقاال).(94
ُ
الدعوة نفرة Nي سبيل ﷲ:
والنفور Mي سبيل ﷲ ال يع ¢صورة واحدة و]ي صورة القتال ،بل هو ّ
أعم من هذا،
والدعوة إ"ى ﷲ تعا"ى بجميع أشكالها ]ي نفرة Mي سبيل ﷲ .ولذلك فقد جاء Mي سورة
29
التوبة نفسها ما يشعر *oذا ،وهو قول ﷲ تعا"ى E-3F&G
1 4
-: H
$ I J
3 4 K
4$ :
.(95) . L
1 M
1
9 M' . N9
1
4H .
4
I%
#$ 1 ) 3 4O
قال الرازي :كان الواجب انقسام أصحاب رسول ﷲ إ"ى قسم>ن ،أحد القسم>ن
ينفرون إ"ى الغزو والجهاد ،والثاني يكونون مقيم>ن بحضرة الرسول ،فالطائفة النافرة
إ"ى الغزوة يكونون نائب>ن عن املقيم>ن Mي الغزوة ،والطائفة املقيمة يكونون نائب>ن عن
النافرين Mي التفقه ،و*oذا الطريق يتم أمر الدين *oات>ن الطائفت>ن).(96
والن ْف َرة لإلنذار. الن ْف َرة للفقه ﱡ ونالحظ Mي ٓالاية الربط ب>ن ﱡ
وبناء عليه فإن املسلم مطالب ببذل قصارى جهدﻩ ،ومسؤول عن تكليف نفسه وسعها من
أجل نصرة هذا ٕالاسالم بصور الجهاد املتنوعة ،وأولها الدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة،
ً
وإذا كان ٕالاسالم ال يطالب الضرير بتقديم ما يستطيعه البص>x؛ فإن الضرير والبص> xكال
ً
م*wما حسب استطاعته مطالب بتقديم الاستطاعة بمقتٓ GºÁالاية الكريمة :انفروا خفافا
ً
وثقاال.
واملؤمن يعلم بأن كل جهد يبذله Mي مجال التقوى فإنما هو جهد يقاس بإمكانياته البشرية
الضعيفة وال يصل هذا الجهد إ"ى الدرجة ال Hتليق بجالل ﷲ سبحانه وتعا"ى ،ومن هنا
فهم بعض املفسرين ٓالاية الكريمة :اتقوا ﷲ حق تقاته) (97عCى أ*°ا منسوخة بقول ﷲ
تعا"ى :فاتقوا ﷲ ما استطعتم) (98محتج>ن بما ورد من سبب الÌÝول؛ أنه ملا نزلت هذﻩ
ٓالاية شق ذلك عCى املسلم>ن؛ ألن حق تقاته أن يطاع فال ُيع÷ Gºطرفة ع>ن ،وأن ُيشكر فال
ُيكفر ،وأن ُيذكر فال ُين» ،Gºوالعباد ال طاقة لهم بذلك .
وخ> xمن النسخ أن ُيقال ـ وﷲ أعلم ـ :هناك معياران للتقوى:
معيار يليق باملعبود سبحانه.
ومعيار يتناسب مع استطاعة العبد ،فهو معيار شخ÷ ºيختلف من شخص إ"ى آخر ،ومن
حال إ"ى حال.
30
وهذا الحدان واملعياران يكون املؤمن بي*wما Mي صعود باتجاﻩ ما يليق بجالل ﷲ تعا"ى :فعCى
ً ً
املسلم أن يكون يومه خ>xا من أمسه .وغدﻩ خ>xا من يومه .وعليه أن يزداد Mي مدارج التقوى
ّ ً
كلما ازداد علما ،أو حلت به نعمة ،أو تقدم به السن.
وإذا أدرك املؤمن هذا املفهوم فإنه يخ GºÚأن ال يكون قد بذل استطاعته ،ويحتاط لذلك
دائما ،فال ير GºÙعن عمله وال عن بذله وال عن جهدﻩ خشية أن يكون قد ﱠ ً
قصر Mي
1 I6. - P
Q
املطلوب .وهذا شأن املؤمن>ن الذين وصفهم ﷲ تعا"ى بقوله
9 :
J P
K
1 I6 6
(58)
4
1 I6. T&U6
(57) ) 3P
4
X
#$ +. &2
T
(60) M'.
1 I6. ?
9
1 4 E-'
1 464H
47 & 7
4
&;
&6 Y Z
4
.(99)
0 K
YI L E OJ &4
%
&1 M "
K9 &2
I< K (61) ) 6&" &1
[ , 3
4
إشفاق َو َوجل :
وقد ذكرت هذﻩ ٓالايات صفات للمؤمن>ن :م*wا ٕالاشفاق والوجل " وٕالاشفاق يتضمن
الخشية مع زيادة رقة وضعف " ) ، (100قال الرازي وزاد " :وم*wم من حمل ٕالاشفاق عCى
أثرﻩ ،وهو الدوام Mي الطاعة .واملع : G¢الذين هم من خشية ر*oم دائمون Mي طاعته ،جادون
Mي طلب مرضاته ،والتحقيق أن من بلغ Mي الخشية إ"ى حد ٕالاشفاق ،وهو كمال الخشية،
ً ً
كان Mي *°اية الخوف من سخط ﷲ عاجال ،ومن عقابه آجال ،فكان Mي *°اية الاحxاز عن
املعا .(101)"ºùومن كان كذلك فإنه يستجيب ألمر ﷲ Mي الدعوة إليه والصدع بأمرﻩ و*°يه.
وأما كو*°م يؤتون ما آتوا وقلو*oم َو ِجلة " :معناﻩ يعطون ما أعطوا ،فدخل فيه كل حق يلزم
وجل من تقص>xﻩ وإخالله بنقصان أو غ>xﻩ فإنه ُ
إيتاؤﻩ . .ألن من يقدم عCى العبادة وهو ِ
ً
يكون ألجل ذلك الوجل مج*¥دا Mي أن يوف*jا حقها " ).(102
والخوف من التقص> xمع كون الخائف يبذل قصارى جهدﻩ Mي الاتقاء ،مÌÝلة من منازل
الو َجل علمهم بأ*°م إ"ى ر*oم راجعون.الصديق>ن ،وقد ب>ن ﷲ تعا"ى أن سبب هذا َ
فيا لها من صفات سامية تحمل أصحا*oا إ"ى املقامات العالية ،وتجعل نفوسهم نقية من
الرياء والسمعة ،وتشحذ الهمم إ"ى أحسن العمل.
!.62)57 :
/$!U )(99
.106/23 )(100
! .8$ )(101
.107/23 )(102
31
ً
وبعد هذﻩ التوج*jات الدافعة إ"ى رفع الكفاءة واملقدرة تأتي ٓالاية الكريمة :وال نكلف نفسا
إال وسعها ويبدو التكامل ب>ن إعطاء الفرد مسؤولية تقدير الاستطاعة وب>ن ما يعلمه ﷲ
تعا"ى من حقيقة الاستطاعة ال Hيراق©*ا ويحاسب عل*jا .وبلوغ الداعية درجة الخشية
وٕالاشفاق حافز عCى الصدق Mي تقدير الوسع.
القاعدة السادسة
الداعية مرآة دعوته والنموذج املع عا
ال ينفصل الداعية عن دعوته .والاقxان ب>ن الداعية والدعوة قائم Mي أذهان الناس.
والداعية نفسه شهادة للدعوة ،وهذﻩ الشهادة قد تحمل الناس عCى قبل الدعوة ،وقد
تحملهم عCى ردها ورفضها .والذين يتعاملون مع املبادئ مباشرة قلة قليلة Mي كل عصر
ومكان ،وأما أك¨ xالناس فيتعاملون مع حملة املبادئ والناطق>ن باسمها.
ً ً
وكلما كان املبدأ عظيما وقويا كان الÌامه أشد ،وكان الوصول فيه إ"ى املطلوب أشق.
وٕالاالم فيه من الواجبات والتكاليف ما يجعل املجاهدة Mي سبيل بلوغ مقاماته دائمة ال
تف ،xمتصلة ال تنقطع.
ً
وعندما يكون الداعية بعيدا عن الالÌام بواجبات ٕالاسالم وتكاليفه فإنه يكون فتنة للناس
يصرفهم بسلوكه عن دين ﷲ ،ويقطع الطريق عCى الناس ،فمثله كمثل قاطع الطريق ،بل
هو أسوأ ،وينبñي عCى الداعية أن يدعو دائما بقوله تعا"ى \
)
,-4O
$ &
M =
7 K &46. :
ً
ُ
.(103) (
&0وقد ذكر Mي تفس> xهذﻩ ٓالاية :ال تمك*wم من أن يحملونا بالظلم والقهر عCى
أن ننصرف عن هذا الدين الحق الذي قبلناﻩ) .(104وكذلك فإن الكافرين عندما يتسلطون
)(105
عCى املسلم>ن فإن تسلطهم ش©*ة لهم Mي أ*°م عCى الحق ،وأن املسلم>ن عCى الباطل
فيكون تسلطهم عCى املسلم>ن واستضعافهم للمؤمن>ن فتنة تصرف الكافرين عن ٕالايمان.
32
ً
ُويضم إ"ى هذﻩ املعاني أن يروا سلوك الداعية مخالفا لإلسالم ،فيصرفهم هذا السلوك عن
ٕالايمان ،قائل>ن لو كان هذا الدين هو الحق لظهرت أحقيته عCى قسمات أتباعه وتصرفا*م.
ولقد أعطى الصحابة عن هذا الدين صورة مشرفة للجنس البشري ،فثبتوا أمام الابتالء
واملحن تارك>ن من الرخص ما يمكن أن يكون سبب فتنة لغ> xاملؤمن>ن.
فهذا " عبد ﷲ بن حذافة السهم " صاحب رسول ﷲ يقع Mي أسر الروم ) فقال له
ُ
ملك الروم :تنصر أشركك Mي ملكي ،فأبى ،فأمر به فصلب ،ثم أمر برميه بالسهام فلم
ُ ُ يجزعُ ،فأنزل ،وأمر بقدر َف ُ
صب ف*jا املاء ،وأغCي عليه وأمر بإلقاء أس> xف*jا فإذا عظامه
تلوح ،فأمر بإلقائ إذا لم يتنصر ،فلما ذهبوا به بكى ،قال :ردوﻩ ،فقال لم بكيت؟ قال :
ُ
تمنيت أن "ي مائة نفس ،تلقى هكذا Mي ﷲ ،فعجب ملك الروم( ).(107
وعندما رأى سكان البالد املفتوحة صدق هؤالء ٔالاصحاب وثبا*م عCى عقيد*م ،وتمثلهم
ملنهج دي*wم ،أقبلوا عCى ٕالاسالم .قال ابن قيم الجوزية " :ولهذا ملا رأى النصارى الصحابة،
ً ً
وما هم عليه ،آمن أك¨xهم اختيارا وطوعا ،وقالوا :ما الذين صحبوا املسيح بأفضل من
ً
هؤالء" .ثم يقول ابن قيم الجوزية " :ولقد دعونا ،نحن وغ>xنا كث>xا من أهل الكتاب عCى
السالم فأخxyوا أن املانع لهم ما يرون عليه املنسب>ن إ"ى ٕالاسالم" .وكالم ابن القيم هذا Mي
33
القرن الثامن الهجري؛ فكيف لو كان يعيش Mي عصرنا هذا ،حيث يعطى املسلم صورة
عكسية لإلسالمة وتعاليمه.
ً ً
والداعية قد يكون معروفا عند الناس وقد يكون مجهوال .فإذا شرع Mي الدعوة وكان
ً
معروفا باالستقامة والورع فإن كالمه يصل إ"ى مجامع القلوب وكانت استقامته وورعه
تقدمة القبول والحافز عل*jا.
ً
وإذا كان الداعية فق>xا Mي الÌامه واتباعه فإن كالمه يمر فوق الرؤوس كالسهم الطائش
الذي ال يصيب الهدف.
خ من القول فاعله:
يقول املاوردي Mي أدب الدنيا والدين ) :وقال عCي بن أبي طالب :إنما زهد الناس Mي طلب
خ> xمن القول فاعله ،وخ> xمن العلم ملا يرون من قلة انتفاع َمن َع ِلم بما َع ِلم . .وكان يقال ُ
حامله. .الصواب قائله ،وخ> xمن العلم ُ
وقال بعض الصلحاء :العلم *+تف بالعمل ،فإن أجابه وإال ارتحل..
وقال بعض البلغاء ) :من تمام العلم استعماله ،من تمام العمل استقالله( ) .(108وإذا كان
ً ً
الداعية مجهوال عند مستمعيه فإن كالمه يبقى معلقا ال هو باملقبول وال هو باملردود حGH
يسألوا عنه ،فإن عرفوا منه الاستقامة والابتاع وقع املعلق من كالمه موقع القبول والتأث>.x
وإال فإن كالمه يخرج من اعتبارهم.
وحياة الداعية الخاصة والعامة موضوع املالحظة ،وع>ن الناس عليه كاملجهر املك ،xyوقبل
أن يطالب الناس بxك الغيبة فعليه أن يدفع الغيبة وال*¥مة عن نفسه وأن يصون حياته
الخاصة والعامة عن كل ما يشي*wا.
القاعدة السابعة
خاطبوا الناس عgى قدر عقولهم
الدعوة إ"ى ﷲ تقوم عCى الحكمة واملوعظة الحسنة .وتظهر الحكمة Mي معرفة املناسب من
الدعوة لكل فئة من الناس .والداعية الحكيم ال يقول كل ما يعرف لكل من يعرف .وهو
يتعامل مع العقول حسب مقدر*ا ال حسب مقدرته ،وال يحملها فوق طاق*¥ا .وقد فهم ابن
34
عباس ـ ر ºÙﷲ ع*wما ـ قول ﷲ تعا"ى ولكن كونوا رباني>ن فقال :كونوا حلماء فقهاء
وقال البخاري ) :ويقال :الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كبارﻩ( ).(109
والبدء بصغار العلم مرجعه مراعاة العقول ح GHال تنفر من الدعوة .قال ابن حجر) :واملراد
دق م*wا( ) .(110ويشهد لهذا ٔالاصل من أصول بصغار العلم ما وضح من مسائله ،وبكبا ﻩ ما ّ
ر
الدعوة كث> xمن النصوص نذكر م*wا:
حديثا ترجم له بقوله ) :باب من ترك بعض الاختيار مخالفة أن ُ ً
يقصر فهم ساق البخاري
بعض الناس عنه فيقعوا Mي أشد منه .ثم أخرج من طريقه إ"ى "ٔالاسود" قال :قال "ي " ابن
ً ُ
الزب> ) : "xكانت عائشة ت ِس ّر إليك كث>xا ،فما حدثتك Mي الكعبة؟ قلت :قالت "ي :قال
الن´ :ياعائشة ،لوال قومك حديث عهدهم ـ قال ابن الزب> : xبكفر ـ لنقضت الكعبة
فجعلت لها باب>ن باب يدخل الناس وباب يخرجون( ).(111
قال ابن حجر رحمه ﷲ ـ ) ويستفاد منه ترك املصلحة ألمن الوقوع Mي املفسدة( ).(112
ً وقال البخاري ـ رحمه ﷲ ـ ) باب من ُخ ﱠ
ص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن ال يفهموا،
َ ﱠ وقال" عCى " ّ :
حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن ُيكذب ﷲ ورسوله( ).(113
قال ابن حجر ـ رحمه ﷲ ـ ) :ومن كرﻩ التحديث ببعض دون بعض) (114أحمد ومالك Mي
أحاديث الصفات ،وأبو يوسف Mي الغرائب ،ومن قبلهم أبو هريرة Mي الجراب>ن) ،(115وأنه كرﻩ
أن يحدث بأحدهما ،ونحوﻩ عن حذيفة ،وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج
بقصة العرني>ن؛ ألنه اتخذها وسيلة إ"ى ما كان يعتمدﻩ من املبالغة Mي سفك الدماء بتأويله
الوا]ي( ) ، (116وقصة العرني>ن ]ي قصة قوم من عرينة قدموا عCى الن´ فاجتووا
ً املدينة ،أي لم يناس©*م ﱡ
جوها ،فأعطاهم الن´ إبال من إبل الصدقة يشربون ألبا*°ا ،
35
ويستشفون بأبوالها ،فقتلوا الرعاة واستاقوا ٕالابل ،فلحق *oم الن´ فقطع أيد*+م
الحرة .ويالحظ أن تحديث " الحجاج " *oذا يحمله عCى املبالغة وأرجلهم ،وتركهم عطM GºÚي ﱠ
Mي سفك الدماء ،كما قال ابن حجر.
ً ً ً
أخرج ٕالامام مسلم بسندﻩ إ"ى ابن مسعود قوله ) :ما أنت محدثا قوما حديثا ال تبلغه
عقولهم إال كان لبعضهم فتنة( ).(117
وأخرج البخاري ) إن الن´ قال :يا معاذ بن جبل قال :لبيك يا رسول ﷲ وسعديك ،قال
ً
:يا معاذ .قال :لبيك يا رسول ﷲ وسعديك ) ثالثا( قال :ما من أحد يشهد أن ال إله إال ﷲ
محمدا رسول ﷲ من قلبه إال ّ ً
حرمه ﷲ عCى النار ،قال يا رسول ﷲ :أفال أخ xyبه وأن
ً ً
الناس فيستبشرون؟ قال إذا يتكلوا .وأخ*o xyا معاذ عند موته تأثما( ).(118
وذلك ألن هذا الحديث إذا سمعه الناس فإ*°م يحملونه عCى محمل خطأ ،وهو ترك العمل
ً
والاكتفاء باإلقرار ،ومع G¢أنه أخ xyبه تأثما أي :أخ xyبه قبل موته مخافة ٕالاثم ح GHيبقى
الحديث وال ينقطع بوفاة معاذ ر ºÙﷲ عنه.
36
البد من مراعاة مÌÝل*¥م العلمية .ومن يستطيع مخاطبة العوام قد ال يستطيع مخاطبة
الخواص .وإذا خاط©*م من هو دو*°م فقد يفت*wم .
الصنف الثالث :أصحاب التخصصات العلمية ،إذ لكل تخصص مصطلحاته ووسائله ،ومن
يتعرف عCى هذا املناخ الخاص فإنه أقدر عCى توج*jه ولفت نظر أصحابه إ"ى الدالئل مما
ب>ن أيد*+م .فالداعية ب>ن املحام>ن يحتاج إ"ى معرفة ºßء عن القوان>ن والصالح والطالح
ُ
م*wا وأما ب>ن ٔالاطباء فهو بحاجة عCى معرفة بعض الجوانب ال Hتوقف الطبيب عCى عظمة
ﷲ وقدرته Mي خلق ٕالانسان ووظائف أعضائه .وإذا كان الداعية من أهل الاختصاص
املزودين بالعلم الشرµي فإن املردود يكون أعظم .ولذا فإن عCى الداعية صاحب العلم
الشرµي أن يأخذ نفسه بالتثقيف ،وأن ينوع معارفه ،وإذا كلف بالدعوة Mي قطاع
متخصص فاألجدر به أن يدرس هذا القطاع ،وأن يزداد معرفة *oذا الجانب الثقاMي.
القاعدة الثامنة
الابتالء سنة ﷲ تعاى وهو السبيل عgى تمثل الدعوة وصياغة النفس وفق العقيدة
ً ً ً
كلما كان العمل شاقا ودقيقا ومعقدا احاج املرء إ"ى بذل جهد أكM xyي الاعداد والتدريب لكي
يكون عCى مستوى ذلك العمل .والعمل لدين الهل تعا"ى مستمر ومتنوع وفسيح .ومهمته ال
تقف عند حدود أشكال معينة ،بل تتعدى الشكل إ"ى املضمون واملحتوى .ومسئولية العامل
ً
تزداد يوما بعد يوم .ومسئوليته بعد انتصار فكرته أعظم م*wا قبل ذلك.
من أجل ذلك وغ>xﻩ شاءت إرادة ﷲ سبحانه أن يخضع الدعاة لصنوف من الاختبارات
ً
الشاقة .وال تصل الجماعة املؤمنة إ"ى تحقيق أهدافها إال مرورا باالبتالء.
ومن خالل ٓالايات الكريمة ؤالاحاديث النبوية فإننا نتب>ن وظائف الابتالء ونتائجه :
عن أبي ه>xة ر ºÙﷲ عنه قال ،قال رسول ﷲ " :مثل املؤمن كمثل الزرع ال تزال الريح
تميله ،وال يزال املؤمن يصيبه البالء .ومثل املنافق كمثل شجرة ٔالارز ال * ÌحGH
ُ
تستحصد") .(119وهذا الحديث يكشف عن وظيفة الابتالء البنائية بالنسبة للجماعة
املسلمة ،فإن تعرض الزرع للحركة الدائمة يكسبه قدرة عCى الثبات أمام ٔالاعاص>M ، xي
ح>ن أن ٔالارزة اليت ال تحركها الرياح العادية فإ*°ا ال تقف أمام ٔالاعاص> xوالرياح الشديدة،
37
ولذلك فإ*°ا تتحطم .وكذلك الدعاة فإن لد*+م قوة احتمال عCى مواجهة الصعاب لك¨xة
إجراء الابتالء عل*jم.
ً
والابتالء يعمل عCى اصطفاء العناصر القوية الصالحة ،فال يدخل Mي العمل من يكون عبئا
عCى العامل>ن ،وإنما يأتي إ"ى الدعوة ويثبت عل*jا من تمكن ٕالايمان Mي قلبه ،ومن يبتñي وجه
ﷲ والدار ٓالاخرة ،ألن املرء إذا علم أن املغارم أك¨ xمن املغانم فإنه ال يختار املغارم إال إذا
ً
ر ºÙباآلجلة عوضا عن العاجلة.
والابتالء يكشف عن صدق الصادق>ن وحقيقة انتسا*oم لإليمان ،وهذا ما تضمنته آيات
عقب عCى ما أصاب املسلم>ن يوم أحد :إن يمسسكم قرح فقد من سورة آل عمران و]ي ُت ﱠ
قرح مثله ،وتلك ٔالايام نداولها ب>ن الناس وليعلم ﷲ الذين آمنوا ،ويمحق مس القوم ُ
الكافرين) .(120يقول الرازي Mي تفس>xﻩ ) :واعلم أنه ليس املراد من هذﻩ املداولة أن ﷲ تعا"ى
ينصر الكافرين ألن نصرة ﷲ منصب شريف وإعزاز عظيم فال يليق بالكافر ،بل املراد من
هذﻩ املداولة أنه تارة يشدد املحنة عCى الكفار وأخرى عCى املؤمن>ن وذلك من وجوﻩ:
ٔالاول :أنه تعا"ى لو شدد املحنة عCى الكفار Mي جميع ٔالاوقات وأزالها عن املؤمن>ن Mي جميع
ٔالاوقات لحصل العلم الاضطراري بأن ٕالايمان حق وما سواﻩ باطل ،ولو كان كذلك لبطل
التكليف والثواب والعقاب ،فلهذا تارة يسلط املحنة عCى أهل ٕالايمان وأخرى عCى أهل
الكفر.
الثاني :أن املؤمن قد يقدم عCى بعض املعا ºùفيكون عند ﷲ تشديد املحنة عليه Mي
ً
الدنيا أدبا له( ).(121
ً
الثالث :والابتالء يعمق الهوة ب>ن املؤمن>ن والكافرين ،فال يعود اللقاء ممكنا؛ ألن ممارسات
الكافرين Mي إيقاع ٔالاذى باملؤمن>ن ،وحرص الكافرين عCى استئصال ٕالايمان وجندﻩ ،كل هذا
يجعل املعركة دائمة مستمرة ال تنت· إال بخضوع الكفار ألحكام ٕالاسالم .ولو ظهر ل>ن الكفار
مع املؤمن>ن ،وسمح الكفار للمؤمن>ن بأن يدعو لإلسالم كما يشاؤون لقال ضعاف ٕالايمان:
إن الكفر ليس تلك الصفة البالغة Mي السوء .ومن هنا جاء البيان ٕالال· لهذا املوقف
َ
املبدأي الدائم :ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب وال املشرك>ن أن ُي Ýﱠُ Ìل عليكم من خ>x
38
من ربكم) .(122وقال سبحانه وال يزالون يقاتلونكم ح GHيردوكم عن دينكم إن
استطاعوا).(123
الرابع :والابتالء يربط ب>ن املؤمن>ن بعضهم ببعض برباط عقCي وعاطفي ،إذ باالبتالء تصل
عقول املؤمن>ن إ"ى حقيقة البناء ٕالاسالمي املxاص ،وأن الابتالء يعطي هذا البناء قوة
وصالبة .وإن الذين يبتلون من أجل إيما*°م إنما يسهمون بأعز ما يملكون من النفس واملال
وأما ما يحققه الابتالء من الرباط العاطفي فإن ٔالالم أدµى إ"ى تحقيق ؤالاهل ؤالاوطان .ﱠ
املشاركة والتعاون ،وقد ين» Gºاملرء من شاركه Mي مناسبة سعيدة هنيئة ،ولكنه لن ين»Gº
من شاركه Mي ٔالالم واملعاناة.
الخامس :والابتالء يقدم الدليل القوي عCى جدارة الدعوة؛ ومن هنا فإن كث>xين أقبلوا
عCى الدعوة عندما رأوا ثبات أهلها واصطبارهم عCى تحمل الابتالء الذي ال تثبت له الجبال
ُ
الراسيات .وتحمل الابتالء شهادة يد"ى *oا املبتCى أمام الناس ،وما زال قول الصحابي
الجليل" خثبيب بن عدي " ر ºÙﷲ عنه يمأل ٔالاسماع عندما قال:
ً
ولست أبا"ي ح>ن أقتل مسلما
عCى أي جنب كان Mي ﷲ مصرµي
يوقول الرازي " :ومن املعلوم أن التبع إذا عرفوا أن املتبوع Mي أعظم املحن بسبب املذهب
ً
الذي ينصرﻩ ،ثم رأوﻩ مع ذلك مصرا عCى ذلك املذهب ،كان ذلك أدµى لهم إ"ى اتباعه مما
ُ ﱠ
إذا رأوﻩ ُم َرفه الحال ال كلفة عليه Mي هذا املذهب").(124
ً
السادس :إذا علم املؤمن أنه سيبتCى فإنه يبقى دائما عCى حذر وخوف من ﷲ .وهذا
يدعوﻩ إ"ى إحسان العمل والحرص عCى توافر شروط النصر ،والبعد عن أسباب الهزيمة
من املعصية والعجز والتواكل.
السابع :والابتالء يحقق ٕالاخالص Mي نفس املؤمن .قال الرازي ":إن إخالص ٕالانسان Mي حال
البالء ورجوعه إ"ى ﷲ تعا"ى أك¨ xمن إخالصه حال إقبال الدنيا عليه").(125
39
الس ﱠن ِة مع املؤمن>ن عندما قال :ولنبلونكم بºÚء من الخوف
وقد أخ xyﷲ تعا"ى عن هذﻩ ُ
والجوع ونقص من ٔالاموال ؤالانفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصاب*¥م مصيبة
قالوا إنا هلل وإنا إليه راجعون).(126
القاعدة التاسعة
مجال الدعوة واسع فليتخ الداعية لدعوته
عندما تكون الدعوة Mي طور التأسيس والتكوين فإن الجهد املبذول قد يقع Mي مكانه
ﱡ
التخ> xلدعوته. املناسب إذا راµى الداعية مبدأ
فليبدأ بالقريب قبل البعيد ،فإنه ال داµي لقطع املسافات من أجل دعوة إنسان ما ،السيما
إذ كان ال عCى التعي>نM ،ي ح>ن أن ٔالاقرب>ن واملجاورين Mي السك G¢أو العمل محتاجون ملثل
هذﻩ الدعوة ،وهؤالء ٔالاقربون معروفون عند الداعية ،وال يحتاج إ"ى جمع املعلومات ع*wم ،
وهم يعرفونه فال داµي لكث> xمن املقدمات .وهم يعتبون عليه إذا أهملهم وذهب إ"ى
ٔالابعدين .وهو يعيش بي*wم ،فهم الع>ن الساهرة Mي الخ> xوالشر ،وهم الشهداء عCى السراء
والضراء ،وهو عند ﷲ مسؤول ع*wم فقد أخذ الن´ عCى قومه أ*°م ال يفقهون ج>xا*°م
ّ
وال ُي َع ِلمو*°م فتوعدهم بالعقوبة وأمهلهم سنة للقيام *oذا التكليف) .(127وعندما بدأ رسول
ﷲ بالدعوة أمرﻩ ﷲ تعا"ى أن ينذر عش>xته ٔالاقرب>ن ،فقال :وأنذر عش>xتك ٔالاقرب>ن
ً
) .(128قال الرازي ) :ثم أمرﻩ بدعوة ٔالاقرب فاألقرب ،ذلك ألنه إذا تشدد عCى نفسه أوال
ً
ثم عCى ٔالاقرب فاألقرب ثانيا ،لم يكن ألحد فيه مطعن البتة ،وكان قوله أنفع وكالمه أنجع(
) .(129أخرج البخاري Mي صحيحه عن ابن عباس ر ºÙﷲ ع*wما :قال ) :ملا نزلت وأنذر
عش>xتك ٔالاقرب>ن صعد الن´ الصفا فجعل ينادي :يا بِ ¢ف ْهر ،يا بَ ¢ع ِد ّي ـ لبطون
ً
قريش ـ ح GHاجتمعوا ،فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسوال لينظر ما هو.
ُ ً
فجاء أبو لهب وقريش ،فقال :أرأيتكم لو أخxyتكم أن خيال بالوادي تريد أن تغ> xعليكم
40
ً ﱠ
مصدëي؟ قالوا :نعم ،ما جربنا عليك إال صدقا ،قال :فإني نذير لكم ب>ن يدي عذاب أكنتم
شديد( ).(130
وMي رواية أخرى للبخاري ،عن أبي هريرة :قال :يا معشر قريش ـ أو كلمة نحوهاـ اشxوا
ً
أنفسكم ،ال أغ ¢عنكم من ﷲ شيئا ،يا عباس بن عبد املطلب ،ال أغ ¢عنك من ﷲ
ً ً
شيئا ،يا صفية عمة رسول ﷲ ال أغ ¢عنك من ﷲ شيئا ،ويا فاطمة بنت محمد
ً
سلي ¢ما شئت من ما"ي ،ال أغ ¢عنك من ﷲ شيئا( ).(131
يقول ابن حجر:
) والسر Mي ٔالامر بإنذار ٔالاقرب>ن أن الحجة إذا قامت عل*jم تعد*م إ"ى غ>xهم وإال كانوا علة
لألبعدين Mي الامتناع( ).(132
وليبدأ بالصغ> xقبل الكب> : xوذلك ألن الصغ> xلم يصلب عودﻩ عCى فكر مع>ن أو سلوك
مع>ن ،والتعامل معه أسهل من التعامل مع الكب> xالذي اختار طريقه ،وك¨xت ارتباطاته
ً ً
ومسؤولياته ،وحقق مركزا اجتماعيا أو مكاسب دنيوية يخ GºÚعل*jا .ثم إن الصغ> xالذي
ً ً
ُيقبل عCى الدعوة يدخل مباشرة Mي الصياغة والتكوين ،وال يبذل الداعية معه وقتا طويال
Mي تخليته من الشوائب والعادات الجاهلية ،وإنما ينصرف إ"ى تحليته وتعبئته بالفضائل
والعادات ٕالاسالمية .والصغار هم الذرية الذين من طبيع*¥م أن يكونوا أتباع الرسل
ُ
والدعوات .ففي قصة مو GºÒعليه السالم يقول ﷲ تعا"ى :فما آمن ملو GºÒإال ذرية من
قومه عCى خوف من فرعون ومألهم أن يفت*wم ) .(133وال أع ¢بقو"ي هذا إهمال الكبار
،وإنما أع ¢أن إقبال الصغار والناشئة عCى الدعوة أسرع .وإن صغ> xاليوم هو رجل الغد،
والناشئة هم مستقبل ٔالامة.
وليبدأ باملتواضع قبل املتك ،xyألن التواضع يدل عCى إمكان قبول الحقM ،ي ح>ن أن التكxy
يدل عCى سفه الحق وغمط الناس .ومن هنا وجدنا أتباع الرسل هم من فئة الشاكر
املتواضع أو الفق> xالصابر الضعيف .والجهد مع هذا الصنف من الناس يؤدي ثمارﻩ Mي
الغالب ،وال يع ¢هذا حرمان ٔالاصناف ٔالاخرى من الدعوة.
??.193/1 8 ;45 67! 501/8 ( >5 ) : \: )(130
;.192/1 67! 501/8 ( >5 ) : 89: )(131
.503/8 >5 )(132
(83) #$ )(133
41
إن كسب املواقع الجديدة القريبة السهلة املمكنة يساعد عCى كسب املواقع البعيدة
الصعبة ،ألن الانتشار الواسع يعطي الدعوة دماء جديدة وحيوية وطاقة تصرف Mي الوصول
إ"ى املواقع ٔالابعد .ثم إن الفكرة عندما تشيع ويك¨ xانصارها فإن كث>xين يراجعون موقفهم
م*wا عCى ضوء ذلك.
وليبدأ باملثقف قبل ٔالامي ،وذلك للدور الذي يقوم به املثقف Mي املجتمع ،إ"ى جانب أن
املثقف أقدر من غ>xﻩ عCى محاكمة ٓالاراء واختيار ٔالافكار .ومن يختار الفكرة عن وµي فإنه
Mي الغالب يلÌم *oا ،ثم إن املثقف>ن هم موضوع الاختالف ب>ن أصحاب املذاهب واملادة
املتنازع عل*jا بي*wم.
وليبدأ بغ> xاملنتم قبل املنتم ،ألن غ> xاملنتم يقع Mي مركز وسط ب>ن املذاهب والتجمعات،
وأما املنتم فقد انتقل من املركز إ"ى الطرف ٓالاخر .والجهد املطلوب لنقله إ"ى مركز التأثر
ً
أضعاف الجهد املطلوب لغ> xاملنتم؛ علما بأن املنتم إذا غ> xانتماءﻩ عن قناعة وفكر فإنه
سيتحول إ"ى الدعوة مع خxyة واسعة واستعدادات كب>xةّ ،
ولكن هذا قليل.
وليبدأ بزميله Mي العمل أو املهنة قبل غ>xﻩ؛ ألن أفراد كل مهنة بي*wم تعاون تلقائي .ومجاالت
الحديث بي*wم مهيأة ،ونقاط الاشxاك كث>xة .فالطبيب مع ٔالاطباء أقدر منه ب>ن املهندس>ن،
واملحامي ب>ن املحام>ن أقوى منه ب>ن املعلم>ن .وملا كان الداعية يمتاز بنظافة السلوك ـ وهذا
متوقع ـ وبالبعد عن روح التنافس الدنيوي فإنه مؤهل لالتصال بزمالئه والتأث> xف*jم.
ً
واملفروض أن يراµى التخ> xوفقا للمرحلة ال Hتمر ف*jا الدعوة ،فقد تكون املرحلة مرحلة
تجميع وسعة انتشار ،وقد تكون املرحلة مرحلة عمل محدد ،تربوي أو اقتصادي أو
ُ
اجتماµي أو سيا .ºÒوMي كل مرحلة تراµى مقتضيا*ا ويكون التخ> xوفق هذﻩ املقتضيات.
أعز ٕالاسالم بأحب هذين الرجل>ن إليك ،بأبي جهل أو بعمر وقد نفهم قول الن´ ) اللهم ّ
بن الخطاب( ) (134عCى ضوء املرحلة ال Hكانت تمر ف*jا الدعوة Mي مكة فقد انتشرت الدعوة
ب>ن الضعفاء والفقراء ووصلت إ"ى مرحلة تريد أن تعلن ف*jا عن نفسها ،وشخصية
كشخصية عمر تناسب املرحلة الجديدة ،وهذا ما حدث يوم أن دخل عمر ر ºÙﷲ عنه
ً ً
Mي دين ﷲ ،فقد دخلت الدعوة طورا جديدا هو طور العلن بعد السر.
ُ
وعندما ذهب مصعب بن عم> xر ºÙﷲ عنه إ"ى املدينة جاءﻩ " أسيد بن ُحض>" xوكان
ً
مشركا فقال " ملصعب" و " ألسعد بن زرارة" ما جاء بكما إلينا :تسفهان ضعفاءنا؟ وكان
42
أسعد قد قال ملصعب :هذا سيد قومه قد جاءك ،فاصدق ﷲ فيه ،فدعاﻩ مصعب إ"ى
ﷲ تعا"ى ،وقرأ عليه القرآن ،ثم قال :ما أحسن هذا الكالم وأجمله! كيف تصنعون إذا
َ َ
أردتم أن تدخلوا Mي هذا الدين؟ قاال له :تغتسل ف َتط ّه ُر وتطهر ثوبيك ،ثم تشهد شهادة
الحق ،ثم تصCي .فقام فاغتسل ،وطهر ثوبيه ،وتشهد شهادة الحق ،ثم ركع ركعت>ن ،ثم
ً
قال لهما :إن ورائي رجال إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه ،وسأرسله إليكما ٓالان ،
أي مصعب جاءك وﷲ سيد سعد بن معاذ .وملا أقبل سعد عل*jما ،قال أسعد بن ُزرارةْ :
من وراءﻩ من قومه ،إن يتبعك ال يتخلف عنك م*wم اثنان .وملا عرض عليه مصعب ٕالاسالم
أسلم ،ثم انطلق إ"ى قومه ب ¢عبد ٔالاشهل فقال :كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا :سيدنا ،
أيا ،وأيمننا نقيبة ،قال :فإن كالم رجالكم ونسائكم ّ ً
عCي حرام حGH وأوصلنا ،وأفضلنا ر
ً
تؤمنوا باهلل وبرسوله ،قاال :فوﷲ ما أم»M Gºي دار ب ¢عبد ٔالاشهل رجل وال امرأة إال مسلما
ومسلمة ).(135
ً ً
ونستفيد من هذﻩ الحادثة أمرا مهما ،وهو أن توجيه الدعوة إ"ى بعض مراكز القوة Mي
ً
املجتمع ُيسهم Mي ٕالاسراع Mي عملية التغي> ،xوقد يغ> xكث>xا Mي املعادلة لصالح الدعوة .
ً
ونستفيد م*wا أيضا مراعاة املرحلية Mي الدعوة.
القاعدة العاشرة
الزمن عنصر فعال من عناصر الدعوة
ً
كث>xا ما يشعر الدعاة بخيبة ٔالامل عندما يدعون إ"ى ﷲ ،ويستعملون الحجج والxyاه>ن،
ولكن ال يجدون استجابة كب>xة من قبل املدعوين .وهذا الشعور بالخيبة نا ºßعن
إسقاطهم لعنصر مهم من عناصر معادلة الدعوة وهو عنصر الزمن.
أول ما يجب أن نعلمه أن الواقع الذي نتعامل معه واقع غ> xإسالمي ،وأنه تشكل بفعل
عوامل كث>xة ،معظمها نشأ بفعل مؤثرات مادية إلحادية أو فاسدة ،وقد سيطر هذا الواقع
عCى أفراد املجتمع ،وأصبح الداعية يتعامل مع الفرد القابع تحت هذﻩ الxاكمات الفكرية
والسلوكية ،ال] Hي بمثابة الحجاب املانع من الاتصال ب>ن الداعية واملدعو ،وبعبارة أخرى
فإن الداعية Mي عالم واملدعو Mي عالم آخر .واملدعو صاحب قيم غ> xالقيم ال Hينادي *oا
43
الداعية ،ولهذا كله فإن توقع الاستجابة السريعة Mي غ> xمحله ،وهو مخالف لطبائع
ٔالاشياء.
ً
إن أية كلمة يقولها الداعية ال تذهب هباء منثورا ،وإنما تدخل Mي مكونات املدعو ،
َ
ويخ*°Ìا عقله وتxاكم خxyاته الخ ِّ>xة ،وقد يظهر أثر كلمة قيلت قبل سنوات بفعل موقف
محرك أدى إ"ى اسxجاع تلك الخxyة ،ثم إن ما يقوله الداعية اليوم يجدﻩ داعية آخر
ً ً
رصيدا بعد سن>ن .وكث>xا ما يحدث أنه عندما نتحدث مع إنسان ما يقول :هذا ºßء
سمعته من فالن.
وإن اختيار زمن الدعوة أمر Mي غاية ٔالاهمية ،وهناك أوقات يخلو املرء ف*jا مع نفسه ،وال
ً
يكون مستعدا ف*jا لتقبل ٔالافكار .وإن الدعوة تتأثر بالجو العام والظرف الذي يمر فيه
الداعية واملدعو ،ولهذا فإن عCى الداعية أن يختار أنسب ٔالاوقات ال Hال إحراج ف*jا وال
مشقة .يقول ابن مسعود ر ºÙﷲ عنه ) :كان رسول ﷲ يتخولنا باملوعظة مخافة
السآمة علينا( ).(136
وال ينبñي أن يطيل الداعية عCى املدعو؛ ألنه قد يضجرﻩ ويمله .ومعيار عدم ٕالاطالة أن يxك
املدعو Mي شوق الستكمال املوضوع ،وأن يطلب املزيد.
الاستعجال عCى املدعو قد يؤدي إ"ى نتيجة سيئة ؛ إذ أنه قد يفصل Mي املسألة ّإما بالرفض
وإما باالستجابة وٕالاقبال .وكال ٔالامرين قبل أوانه خط> ،xوهذا من قبيل سلب القرار ،ال من
قبيل اختيار القرار.
ففي حالة قرار الرفض يكون املدعو قد تعجل Mي اتخاذ قرارﻩ قبل أن يستكمل وجوﻩ
ً
الدعوة ،وبذلك يكون قد اتخذ موقفا من الدعوة ،وليس من السهل أن يغ> xموقفه؛ ألن
املرء حريص عCى أن ُيعرف باملواقف الثابتة ،وهذﻩ النتيجة إنما كانت بفعل الداعية الذي
أراد أن يج ¢الثمرة قبل أوا*°ا.
وMي حالة قرار الاستجابة املستعجل يجد املدعو نفسه بعد وقت يس> xأما تكاليف وواجبات
ً
لم يحسب حسا*oا ،ويتب>ن له أنه لو انتظر قليال ملا اختار هذا املوقف ،ويدخل Mي صراع ب>ن
املوقف املعلن واملوقف املبدأي وقد يرتكب محظورات سلوكية كالكذب والنفاق وكل هذا
بسبب الاستعجال عليه ،ولو فتحت أمامه فرصة التفكر والتدبر التخذ املوقف املبدأي
ٔالاصيل.
44
والطريقة املثCى أن ال نستعجل إصدار القرار ،بل نطلب من املدعو أن يتمهل Mي اتخاذ
املواقف ،وأن نصارحه بالعقبات Mي طريق الاستجابة إ"ى جانب ٕالايجابيات املبشرة وٓالامال
املتوقعة.
وإن ادخال الزمن كعنصر من عناصر الدعوة يخفف من حدة الدعاة ،ويقف أمام اليأس
ً
الذي يعxي الدعاة أحيانا ،ويفتح لهم باب ٔالامل ،ذلك عندما يفقهون دور الزمن .وإن
الطبيب ال يقول للمريض خذ العالج جرعة واحدة .بل يقول له خذﻩ عCى جرعات وMي خالل
مدة معينة من الزمن.
45
القاعدة الحادية عشرة
الدعوة فن وقيادة و¦ي تقوم عgى التخطيط واملتابعة
يظن كث> xمن الدعاة أن الدعوة تقوم عCى قول الكلمة الخ>xة Mي أي وقت وMي أي مكان ،
وأ*°ا تس> xبطريق عشوائي يستوي فيه الدعاة عCى اختالف امكانيا*م .ومما الشك فيه أن
هناك دعاة آتاهم ﷲ تعا"ى قدرة فائقة عCى التبليغ ،وتراهم يألفون ُويؤلفون ،وقد وضع
ﷲ لهم القبول Mي قلوب الخلق ،وهناك دعاة ال يحالفهم التوفيق Mي املنطق ؤالاسلوب .وكال
ً
الفريق>ن بحاجة إ"ى مبادئ الدعوة وأسالي©*ا والتدرب عل*jا ،وبذلك تكون الدعوة فنا
ُ َ
ُيتلقى ،وقواعد وأساليب تط ﱠور ،ووسائل تتأثر بالتحديث واملعاصرة.
والتخطيط الواµي هو الذي ينقل الدعوة إ"ى ٕالاطار الف ¢املنتج .والتخطيط هو التصور
النظري لس> xالدعوة وكلما اكتمل التخطيط واستوعب عناصرﻩ أدى إ"ى النتيجة املتوقعة
بعون ﷲ وبعد الاتكال عليه.
وكما ُعرفت أنواع الخطط الاقتصادية والسياسية والxبوية فإن عCى الدعاة أن يتجهوا
نحو التخطيط للدعوة .والخطة الواعية رأسها ٔالاهداف ،وجسمها الوسائل،والربط ب>ن
ٔالاهداف والوسائل عن طريق ٔالاساليب ،وماد*ا ٕالامكانيات البشرية واملادية واملعنوية،
وموجهها املتابعة والتقويم ،وثمرا*ا ظهور ٔالاهداف عCى شكل نتائج ملموسة.
أما ٔالاهداف :ف· الغايات من وراء ٔالاعمال وتأتي عند ٕالاجابة عCى السؤال الذي يوجهه
الداعية لنفسه :ملاذا أدعو؟ وماذا أريد؟ وٕالاجابة عCى هذا السؤال ]ي مبدأ كل عمل من
ٔالاعمال .وعCى ضوء الجواب يتحدد الجهد املطلوب والزمن الكاMي والوسائل ؤالاساليب
والتوقعات.
والجدير بالذكر أن اختالف الدعاة Mي ٕالاجابة عCى هذا السؤال هو الذي يجعلهم يختلفون
Mي التجمعات والانتماءات .
وهناك نوعان من ٔالاهداف :
ٔالاول :الهدف ٔالاك ، xyالذي هو الثمرة الرئيسة.
الثاني ٔ :الاهداف املرتبطة بأزمنة محدودة أو أمكنة معينة أو أفراد معين>ن .أو تسçى لتحقيق
الوسائل وتوف>xها .وهذﻩ ٔالاهداف بعضها يسلم لآلخر ،وبعضها أك xyمن بعض ،وكلها
ً
يستوع©*ا الهدف الكب>xة والغاية العظم ، Gويحدث أحيانا خلط ب>ن ٔالاهداف الصغرى
46
ً
ؤالاهداف الكxyى ،وعندها تقل انتاجية العمل ،ويستنفد الدعاة جهدهم بعيدا عن
الهدف ٔالاك .xyفبعض الدعاة يجيب عCى سؤال ملاذا أدعو؟
فيقول :أدعو إ"ى تزكية النفوس لقول ﷲ تعا"ى قد أفلح من زكاها* وقد خاب من
ً ﱠ
دساها) .(137وللوصول إ"ى هذا الهدف نجمع املريدين ،ونطبق عل*jم نظاما يقوم عCى ٔالاوامر
السلوكية ؤالاوراد ؤالاذكار .وينبñي أن ُيصرف الاهتمام كله لهذا الهدف.
وداعية آخر يقول :الهدف إعانة الفقراء واملساك>ن وٕالاحسان إل*jم لقول ﷲ تعا"ى :ما
سلككم Mي سقر؟ قالوا لم نك من املصل>ن* ولم نك نطعم املسك>ن) .(138ولتحقيق هذا
الهدف البد من دعوة أهل الخ> xإ"ى ٕالاحسان وبذل الصدقة وإيتاء الزكاة .وإنشاء الجمعيات
الخ>xية خ> xوسيلة لتحقيق هذا الهدف.
وداعية ثالث يقول :الهدف تحرير املسائل العلمية املختلف ف*jا ،وجمع ٔالاحاديث
الصحيحة ،ولتحقيق هذا الهدف البد من عقد حلقات العلم وإنشاء املدارس واملؤسسات
املتخصصة وطباعة الكتب.
وداعية رابع يقول :الهدف هو الوصول باملسلم>ن إ"ى درجة عالية من الوµي السيا ºÒالذي
يطلعهم عCى مخططات ٔالاعداء وما يستخدمونه من الوسائل لتنفيذ هذﻩ املخططات،
ً
وتحقيقا لهذا الهدف فالبد من القيام بالدراسات املتخصصة العميقة ،والاطالع عCى ما
يقال وينشر عن ٕالاسالم.
إ"ى جانب هذﻩ ٔالاهداف نجد بعض الدعاة ير GºÙبأهداف أصغر من ذلك ،كأن يكون
الهدف تشويه صورة جماعة ما باعتبارها حجر ع¨xة Mي طريق العمل ٕالاسالمي ،أو صرف
الاهتمام نحو شخص مع>ن ُيرى أنه السبب الرئي»M ºي مشاكل املسلم>ن وقضاياهم!!
ً
وبالرغم من أهمية بعض هذﻩ ٔالاهداف إال أن السؤال يبقى قائما :هل هناك أهداف أكxy
وأشمل؟ وإن نظرة سريعة إ"ى مستويات ٔالاهداف تجعلنا نقول :الهدف الكCي مقدم عCى
الهدف الجزئي.
ً
الهدف الذي يستغرق جميع قطاعات املجتمع مقدم عCى الهدف الذي يتناول فردا أو فئة.
الهدف الدائم املستمر مقدم عCى الهدف املؤقت املنقطع.
الهدف املمكن مقدم عCى الهدف غ> xاملمكن.
47
الهدف ٔالاعCى مقدم عCى الهدف ٔالادنى.
وهكذا فإنه من املمكن أن يصاغ الهدف ٔالاك xyعCى الشكل التا"ي :الهدف الكCي ٔالاعCى
املمكن املستمر الذي يستغرق جميع قطاعات املجتمع.
عبادة ﷲ أعظم ٔالاهداف :
ً
وال يشك أحد من الدعاة Mي أن أعظم ٔالاهداف وأشرفها هو ما قررﻩ ﷲ تعا"ى هدفا
لإلنسان وغ>xﻩ وهو هدف العبادة ،لقول ﷲ سبحانه :وما خلقت الجن وٕالانس إال
ليعبدون) .(139وقد حمل املسلمون هذا الهدف ،ومن أجله انطلقوا يعxyون الصحاري
ع xyعنه ربçي بن عامر أمام قائد الفرس ) :جئنا لنخرج والقفار ويقارعون الجبابرة ،وقد ﱠ
العباد من عبادﻩ العباد إ"ى عبادة ﷲ ،ومن جور ٔالاديان إ"ى عدل ٕالاسالم ،ومن ضيق الدنيا
إ"ى سعة الدنيا وٓالاخرة( ).(140
العبادة هدف للفرد والجماعة والدولة:
وبناء عCى هذا فإن هدف الجماعة املسلمة والفرد املسلم والدولة املسلمة هو تحقيق
العبودية هلل رب العامل>ن ،وأما ٔالاهداف الخاصة ف· جزئية مرحلية أو إقليمية محلية ،أو
خاصة محدودة .والعمل اليومي أو ٔالاسبوµي أو الشهري أو السنوي له أهدافه الخاصة .
والعمل Mي القرية أو املدينة أو العش>xة أو العمال أو الطالب أو النساء له أهدافه الخاصة
وكل مكون من مكونات املجتمع إنما يتحقق وفق أهداف خاصة.
الوسائل :
وأما الوسائل فم*wا الوسائل املباشرة وم*wا غ> xاملباشرة ،ولكل هدف جزئي وسائله الخاصة
،فإذا قلنا :إن العبادة تتحقق من خالل العابد القوي Mي عقله وروحه وجسدﻩ ،فإن
وسائل خاصة كث>xة تتوارد من أجل هذا الهدف .وٕالامكانيات واملعلومات تتدخل Mي
استخدام الوسائل ،ولست هنا بصدد تقديم خطة دعوة إنما املقصود إعطاء صورة عن
عناصر الخطة ومكونا*ا.
ُ
والوسائل تستخدم بأشكال مختلفة وأساليب عدة ،ؤالاسلوب ٔالافضل يعطي من الوسيلة
كفاءة أك ، xyواختيار ٔالاسلوب املناسب عامل كب>M xي نجاح العمل .ومن ٔالاساليب :الل>ن
.56 )(139
.39/7 I$ )(140
48
والشدة ،والxغيب والxهيب ،والك¨xة والقلة ،والسر والجهر ،والفردي والجماµي ،
والتاريي والوصفي ،والعقCي والعاطفي ،ؤالالم ؤالامل ،ؤالاخذ والعطاء.
جمع املعلومات أساس الخطة:
ً
وملا كانت الخطة تصورا عن عمل Mي مكان خاص وزمان محدد ،وأناس محددين كان البد
من جمع املعلومات عن البيئة ،سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ،أو مناخية،
أو طبيعية أو فكرية ،والبد من معرفة مراكز القوة والضعف .والبد من التعرف عCى العوائق
والحوافز ،وبذلك تكون الدعوة إ"ى ﷲ عCى بص>xة :قل هذﻩ سبيCي أدعو إ"ى ﷲ عCى
بص>xة).(141
الزمن عنصر ﱠ
فعال Nي الخطة:
فعال Mي الخطة يدل عCى مدى النجاح أو الفشل ،فما يحتاج إ"ى يوم واحد ال والزمن عنصر ّ
ً
ينبñي أن ُيصرف فيه شهر ،وما يحتاج شهرا من الزمن ال ينبñي الاسراع Mي إنجازﻩ Mي يوم أو
أسبوع.
واملراجعة والتقييم بعد ان*¥اء مدة الخطة تساعد عCى معرفة املمكن من غ> xاملمكن،
ً
والسهل من الصعب ،واملراجعة تقدم هدفا أو تؤخرﻩ ،وتحكم عCى فعالية الوسائل أو عدم
فعالي*¥ا .وتكشف عن جدوى ٔالاساليب أو عدم جدواها.
العن الساهرة :
واملتابعة ع>ن ساهرة وأذن صاغية ويد مؤيدة ،والخطة القوية قد تفشل بال متابعة،
والخطة الضعيفة قد تنجح مع املتابعة املستمرة.
ُ َ
فإذا توافرت هذﻩ العناصر فقد ُوجدت الخطة العلمية الواعية ،ثم يوكل أمر تنفيذها إ"ى
ً
العناصر البشرية املدربة املنظمة .وإلعداد املنفذين فإن علوما كث>xة أصبحت اليوم عCى
درجة من ٔالاهمية للداعية .فالعلوم ٕالادارية ،وعلوم الاتصال باألفراد والجماعات ،والعلوم
عد الداعية املنفذ للخطة .اللغوية والبالغية ،والعلوم النفسية والxبوية ،هذﻩ وغ>xها ُت ﱡ
والداعية الناجح صاحب مبادرة وبد*+ة حاضرة وقدرة عCى التصرف Mي أسوأ الظروف.
وقبل أن يفاجأ باملواقف الصعبة فإنه يفxضها ،ويتصورها ،ويلتمس لها الحلول ،وهكذا
ً
فإنه يستع>ن باملوقف الوهم الذي افxضه سابقا ملواجهة املوقف املفائ.
49
القاعدة الثانية عشر
الدعوة صورة أكيدة من صور الجهاد وتشك مع القتال Nي الهدف والنتيجة
لم تعد كلمة الجهاد تعطي املدلوالت ال Hفهمها الصحابة والتابعون ،وال Hجاء *oا القرآن
الكريم والسنة الشريفة ،إذا أ*°ا تعM ¢ي عرف بعض الدعاة القتال ،وأنه ال جهد بال قتال.
ونتيجة لهذا الفهم فقد ظهر Mي العالم ٕالاسالمي أناس يريدون القتال ولو لم يحن وقته
ً
وتستكمل عدته ،شعورا م*wم بأن ٕالاثم يطاردهم وهم ال يقاتلون .
ً
وتصويبا لهذا الفهم فإن علينا الرجوع إ"ى لسان الشرع Mي كلمة الجهاد ،إذ أن مراجعة
املعاني الشرعية ضرورة تعصم من الزلل والانحراف؛ قال Mي اللسان ) :الجهاد محاربة
ً
ٔالاعداء ،وهو املبالغة واستفراغ ما Mي الوسع والطاقة من قول أو فعل ( ) .(142وقال أيضا:
)والجهاد املبالغ واستفراغ ما Mي الوسع Mي الحرب ،أو اللسان ،أو ما أطاق من ºßء( ).(143
ولبيان هذا املع G¢العام للجهاد من سنة رسول ﷲ نسوق قول ابن قيم الجوزية ) :كان
رسول ﷲ Mي الذروة العليا منه فاستو"ى عCى أنواعه كلها ،فجاهد Mي ﷲ حق جهادﻩ
بالقلب والجنان والدعوة والبيان والسيف والسنان ( ) (144ثم يقول :أمرﻩ ﷲ تعا"ى بالجهاد
ً
من ح>ن بعثه وقال:ولو شئنا لبعثنا Mي كل قرية نذيرا فال تطع الكافرين وجاهدهم به
ً ً
جهادا كب>xا ).(145
ُ
فهذﻩ سورة مكية أمر ف*jا بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن ،وكذلك جهاد
املنافق>ن إنما هو بتبليغ الحجة وإال فهم تحت قهر أهل ٕالاسالم ،قال تعا"ى :يا أ*+ا الن´
جاهد الكفار واملنافق>ن واغلظ عل*jم ،ومأواهم جهنم وبئس املص> (146)xفجهاد املنافق>ن
أصعب من جهاد الكفار وهو جهاهد خواص ٔالامة وورثة الرسل .والقائمون به أفراد Mي
ً
العالم ،واملشاركون فيه واملعاونون عليه وإن كانوا هم ٔالاقل عددا فهم ٔالاعظم عند ﷲ
ً ّ
قدرا .وملا كان من أفضل الجهاد قول الحق مع شدة املعارض مثل أن تتكلم عند من تخاف
سطوته وأذاﻩ كان للرسل صلوات ﷲ عل*jم من ذلك الحظ ٔالاوفر .وكان لنبينا صلوات ﷲ
ً
وسالمه عليه من ذلك أكمل الجهاد وأتمه .وملا كان جهاد العبد Mي الخارج فرعا عCى جهاد
).109/4 AD / (142
).110/4 AD / (143
).38/2 D! (144
).52 51 / /F (145
).9 6? 73 (146
50
العبد نفسه Mي ذات ﷲ ،كما قال الن´ ":املجاهد من جاهد نفسه Mي ذات ﷲ واملهاجر
ً
من هجر ما ن· Gﷲ عنه" .كان جهاد النفس مقدما عCى جهاد العدو Mي الخارج( ).(147
هدف الجهاد:
ونخلص من هذا إ"ى أن الجهاد استفراغ الوسع Mي محاربة ٔالاعداء Mي الداخل والخارج،
وليس الهدف منه هو القضاء عCى العدو ،وإنما هو القضاء عCى أسباب العداوة
والخصومة ،فالكفر سبب العداوة ب>ن املؤمن والكافر ،فإذا زال السبب ودخل الكفار Mي
ٕالاسالمخ فقد زالت العداوة .والنفاق سبب العداوة ب>ن املؤمن واملنافق ،وإذا زال النفق
زالت العداوة.
ومآل الحرب Nي ٕالاسالم إى أحد أمور:
أن يخل الكافر املحارب Mي ٕالاسالم.
ً
أن يدفع الجزية ويخل Mي دار ٕالاسالم خاضعا لثقاف*¥ا ونظامها.
فيق GºÁعCى كفرﻩ باستئصاله وهدر دمه. أن ُيقتل ُ
الدعوة ¦ي الوسيلة ٔالاوى لكسب ٔالانصار :
وهذا ترتيب توقيفي البد من مراعاته .ومن خالله نرى أن الدعوة مقدمة عCى غ>xها ،و]ي
الوسيلة ٔالاو"ى لكسب ٔالانصار ولتحويل الكفار إ"ى مؤمن>ن وهدف الدعوة باللسان واليد
واحد .ؤالاصل Mي تكوين املجتمع املسلم دعوة ٔالافراد للدخول Mي ٕالاسالم فيلÌمون عقيدته
وشريعته.
ً
والدعوة إ"ى ﷲ بالحكمة واملوعظة ا لحسنة تجلب كل يوم أنصارا لإلسالمم .وكلما أقبل
فرد عCى هذﻩ الدعوة سقط مكون من مكونات الجاهلية ،وهكذا فإن الجاهلية Mي مكة كان
لها Mي كل يوم حديث عن تحول رجل أوامرأة من ساحة الشرك إ"ى ساحة ٕالايمان ،ومن
جند الشيطان إ"ى جند الرحمن.
ما فقدناﻩ بسبب الغزو الفكري
نسدﻩ عن طريق الدعوة
إن الغزو الفكري الذي داهم بالد املسلم>ن قد استحوذ عCى جمهرة كب>xة من أبنا*ا،
وسقط هؤالء ٔالابناء صرµى Mي معركة فكرية كانت Mي غيبة الدعاة غ> xمتكافئة ،وما
51
خسرناﻩ عن طريق الفكر ك¨ xمما خسرناﻩ عن طريق معارك املواجهة ،وما نسxدﻩ عن طريق
الفكر بعد هذﻩ الصحوة واليقظة أك¨ xمما نسxدﻩ عن طريق املواجهة .
وMي ح>ن أن القتال يكون ب>ن مجتمع>ن :مجتمع ٕالايمان ومجتمع الكفر بسبب العوائق الH
يضعها الكافرون Mي وجه الدعوة ،فإن الدعوة بالحوار واملوعظة تبقى قائمة Mي املجتمع
نفسه الستقطاب ٔالافراد من هذا املجتمع أو من املجتمعات ٔالاخرى .وأما انقسام املجتمع
إ"ى فرقت>ن متصارعت>ن فإنه ُيلñي الدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنةُ ،وينت· Gدور الكلمة
الهادئة الودود ،وعندها ال يكون أمام الدعاة من سبيل إال الفرار من املجتمع والرضا
ً
بشواهق الجبال أو عميق الكهوف ،وبذلك تتأكل الدعوة وتذوى يوما بعد يوم.
إن الفرار من املجتمع أو العزلة عنه أسلوب يدل عCى ضيق ٔالافق ويكشف عن جهل
ً
بأوليات الدعوة .ويدل أيضا عCى اليأس مناملجتمع ،وعCى فشل الداعية Mي ٕالاصالح ،وإن
أعداء الفكرة ٕالاسالمية يطمعون Mي إيصال الداعية إ"ى مثل هذﻩ القناعات ،وإن خطر هذﻩ
ٔالافكار أعظم عCى الدعوة من خطر أعدا*ا عل*jا.
موقف الن °±من العزلة :
ُ
لقد كان رسول ﷲ وهو Mي شعب أبي طالب يتشوق إ"ى اليوم الذي تمزق فيه صحيفة
املقاطعة ليعود هو وأصحابه إ"ى املجتمع املكي يقارعونه بالحجة واملوعظة والكلمة .وبذلك
يكون رسول ﷲ قد رفض العزل عن املجتمع ولم يعد وجودﻩ وأصحابه Mي الشعب
ً ً
استقالال مباركا للحركة ٕالاسالمية عن املجتمع وذلك ألن ٕالاسالم يقرر أن للدعوة طريق>ن.
الطريق ٔالاول :الدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة عندما يكون املسلمون مختلط>ن بغ>xهم
وهم قلة Mي املجتمع.
الطريق الثاني :الدعوة بكل وسائلها بما ف*jا القتال وذلك عندما يكون للمسلم>ن مجتمع
كتب له أسباب الحياة من حيث املوقع الاسxاتيÓي والسكاني والاقتصادي.
فهم املفسرين لهذﻩ الفكرة:
قال ابن ك¨M xي تفس> xقوله تعا"ى :ألم َتر إ"ى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصالة
ُ
وآتوا الزكاة فلما كتب عل*jم القتال إذا فريق م*wم يخشون الناس كخشية ﷲ أو أشد
خشية ) (148يقول ) :كان املؤمنون Mي ابتداء ٕالاسالم وهم بمكة مأمورين بالصالة والزكاة،
وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء م*wم ،وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن املشكرين
52
ُ
والص xyإ"ى ح>ن .وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليتشفوا من أعدا*م .ولم يكن إذ
ً
ذاك مناسبا ألسباب كث>xة م*wا :قلة عددهم بالنسبة إ"ى ك¨xة عدد عدوهم ،وم*wا كو*°م
كانوا Mي بلدهم وهو بلد حرام( ).(149
تحليل :
فابن كث> xـ رحمه ﷲ ـ يستبعد استعمال القوة عند قلة العدد ،الذي هو مظنة عدم الغلبة
والعدد عCى الاطالق ،وأن ُ ،وها مخالف للفهم الخطأ ،الذي خالصته أنه ال عxyة بالعدد
ً ً
مائة صابرة تغلب ألفا .علما بأن القرآن الكريم جاء يفصل هذﻩ القضية .وMي سورة ٔالانفال
حرض املؤمن>ن عCى القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يقول ﷲ تعا"ى :يأ*+ا الن´ ﱠ
ً
يغلبوا مائت>ن وإنيكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأ*°م قوم ال يفقهون* ٓالان
ً
خفف ﷲ عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائت>ن وإن يكن
منكم ألف يغلبوا ألف>ن بإذن ﷲ وﷲ مع الصابرين).(150
قال ابن كث> : xعن ابن عباس ر ºÙﷲ ع*wما :ملانزلت :إن يكن منكم عشرون صابرون
يغلبوا مائت>ن شق ذلك عCى املسلم>ن ،ح>ن فرض ﷲ ع*jم أال يفر واحد من عشرة ،ثم
جاء التخفيف فقل ٓ :الان خفف ﷲ عنكم قال :خفف ﷲ عنكم من العدة ،ونقص
منالص xyبقدر ما خفف ع*wم . .روى البخاري ) عن ابن عباس ـ ر ºÙﷲ ع*wما ـ ملا نزلت
ً
هذﻩ ٓالاية ثقل عCى املسلم>ن ،وأعظموا أن يقاتل عشرون مائت>ن ،ومائة ألفا ،فخفف ﷲ
ع*wم فنسخها باآلية ٔالاخرى ،فكانوا إذا كانوا عCى الشطر من عدوهم لم يسغلهم أن يفروا
من عدوهم ،وإذا كانوا دون ذلك لم يجب عل*jم قتالهم وجاز لهم أن يتجوزوا ع*wم( ).(151
قال الرازي :الذي استقر حكم التكليف عليه بمقت GºÁهذﻩ ٓالاية كل مسلم بالغ مكلف
ً
وقف بإزاء مشرك>ن فالهزيمة محرما عليه ما دام معه سالح يقاتل به .فإن لم يبق معه
سالح فله أن ي*wزم ،وإن قاتله ثالثة حلت له الهزيمة والص xyأحسن).(152
وهذا النمط من الxبية يفتقر إليه كث> xمن الناس الذين يظنون أن ال*¥ور قربة إ"ى ﷲ
تعا"ى ،ويظنون أن رمي ٔالالوف املؤلفة باآلحاد أسلوب مبدع من أساليب العمل ٕالاسالمي،
53
ً
وٓالايتان السابقتان تبطالن هذاالفهم .علما بأن أصحاب رسول ﷲ هم Mي الذؤوابة Mي
طب الفضل والسبق والتماس رضا ﷲ سبحانه وتعا"ى.
وهناك فرق كب> xب>ن الرغبة Mي تسجيل املواقف البطولية والرغبة Mي تحقيق ٔالاهداف،
والوصول باملسلم>ن إ"ى شاطئ السالمة ،والخروج *oم من املعاناة.
وأما قول ابن كث>":xوم*wا كو*°م كانوا Mي بلدهم " فيدل عCى فطنته وحكمته ،فقد التفت إ"ى
أن املسلم>ن Mي مكة إنما يعيشون Mي بلدهم ،وعندما يلجأون إ"ى القوة فإن آثارها ستصيب
ً
أوال .واملسلم ُعرف باإلصالح وٕالاحسان والتنمية والÌكية وصلة الرحم رغم ما يكون بلدهم
عليه أعداؤﻩ من قومه من القطيعة وٕالاساءة.
54
نخلص من هذا إ"ى أنه ال مناص من الدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة Mي حالة اختالط
الصالح>ن بغ>xهم واملسلم>ن بغ>xهم ،وأناستخدام القوة مؤاﻩ خطر عCى الدعوة والدعاة
لألسباب ٓالاتية:
ستتعرض فئات املجتمع أللوان البطش وٕالارهاب وسيذهب الxyيء مع غ>xﻩ.
ست َغ ﱠيب الدعوة بالحكمة واملوعظة والكلمة ،ولن يعود هناك من وسيلة للتفاهم سوى ُ
القوة.
سيxك الدعاة أماكن التأث>M xي املجتمع إ"ى املغاور والكهوف ؤالاماكن النائية.
ستنفرد ٔالافكار املعادية بxبية املجتمع وتوج*jه.
سيواجه ٕالاسالم بالدعاية املضادة ،وا*ام رجالهبأ*°م ال يفهمون سوى لغة القوة والبطش. ُ
ستخسرالدعوة من رجالها من يصعب تعويضه وسد العجز النا ºßعن فقدﻩ.
ً
سيقف هذا ٔالامر مانعا من لحاق كث> xمن الناس بركب الدعوة ،ألن الناس يفهمون عندها
أن الدعوة ليس لها هدف عميق صبور طموح يعمل ـ بإذن ﷲ ـ عCى إيصال املجتمع إ"ى
قبول ٕالاسالم ،وإنمايسود التصور القائل بأن املسلم يريد أن يموت Mي سبيل ﷲ ،وليست
لديه خطة واعية ناشطة للوقوف Mي وجه الفن ال Hستبقى تالحق أبناءﻩ وأقرباءﻩ وج>xانه.
يحول العمل لإلسالم إ"ى وعندما ال يضع املسلم Mي حسبانه مقارنة قوته بقوة أعدائه فإنه ّ
ضرب من الانتحار ،ولكنه Mي سبيل ﷲ !!.
وقفة :
وهناك خلط كب> xب>ن طبيعة الجماعة وطبيعة املجتمع ،والذين يطالبون الجماعة بما
يطالبون به املجتمع ،إنما يفعلون ذلك لظ*wم بأن الجماعة مجتمع .
والصواب أن الجماعة أفراد من الناس التقوا عCى فكر مع>ن ووالء مع>ن وخهطة معينة
ولهم تنظيم وقيادة .وهؤالء ٔالافراد متناثرون ب>ن فئات املجتمع ال يشكلون أك¨xية عددية ،
وال يملكون القوة الفاعلة Mي أجهزة املجتمع ومؤسساته ،وصورة املسلم>ن Mي مكة قبل
الهجرة تمثل حالة الجماعة.
وأما املجتمع فهو قطاع عريض من الناس ،يحكمهم نظام يخضعون لسلطان ،وهذا
القطاع له مؤسساته وأجهزته ويسيطر عCى هذﻩ املؤسسات ؤالاجهزة ويضع لها السياسات.
ويقوم هذا املجتمع عCى أرض ال ينازعه ف*jا أحد ،وهذا القطاع العريض يعمل عCى صياغة
ٔالافراد وفق قيمه وتطلعاته .واملجتمع Mي املدينة بعد الهجرة يمثل هذﻩ الصورة.
55
نتيجة:
إذا اتضح هذا فينبñي أن نفرق ب>ن مواجهة مجتمع ملجتمع آخر ،وب>ن مواجهة جماعة
ملجتمع .والجماعة ال تستطيع أن تواجه املجتمع ،وذلك ألن املجتمع نسيج كامل ،وأجهزة
فاعلة ناشطة ال تتوقف عن العطاء والتنمية والتكاثر ،ففي املجتمع تبقى املؤسسات
التعليمية تعمل ،وتبقى املؤسسات الاقتصادية تنتج ،وتبقى الدوائر الxبوية تربيM ،ي ح>ن
أن الجماعة إذا دخلت Mي محنة القتال فإن دوائرها الxبوية والاقتصادية والعملية وسائر
ستضمر وتذوى ،وإ"ى جانب ذلك فإن ُ وسائلها ستتوقف عن العمل ،وMي ال*wاية فإ*°ا
ً
املجتمع ال Ì*+بخسارته فردا من أفرادﻩ.
الن´ ب>ن الجماعة واملجتمع :
ً
وتطبيقا لهذا املبدأ فإن الرسول لم يوافق بعض اأنصار Mي بيعة العقبة عندما استأذنوﻩ
Mي أن يميلوا عCى أهل م G¢بأسيافهم ،وذلك بعد أن فهموا أن البيعة عCى حرب ٔالاحمر
ؤالاسود.
قال Mي إمتاع ٔالاسماع ) :وكانت هذﻩ البيعة عCى حرب ٔالاحمر ؤالاسود ،فلماتمت بيع*¥م
استأذنوا رسول ﷲ أن يميلوا عCى أهل م G¢بأسيافهم ،فقال " :لم نؤمر بذلك " .فرجعوا
وعادوا إ"ى املدينة ( ).(156
ولو كان الهدف منالدعوة مجرد الانتقام من رؤوس الشرك ألمر رسول ﷲ ـ ـ أتباعه
بقتلهم ،ولو كان الهدف من الدعوة أن يصل املؤمنون إ"ى مرتبة الشهادة لقاموا بذلك Mي
بداية أمرهم عند البيعة وهم Mي طور الجماعة ،وهذا عمل ال ينسجم مع ٔالاهداف واملصالح
الكب>xة ال Hراعاها هذا الدين.
وكذلك الحال Mي املدينة؛ فإن أهل املدينة لم يدخلوا Mي ٕالاسالم دفعة واحدة ،بل بقيت
ً
طوائفالنفاق تعيث فسادا وتتآمر عCى املسلم>ن ،إال أن رسول ﷲ استعاض عن حرب
التصفية الجسدية بحرب الدعوة والجدل وٕالاحسان للخصوم.
اختالل املوازين أمام ضغط الواقع :
ً ً ً
ال شك أن للواقع الذي يعيشه املسلمون تأث>xا كب>xا عCى فكرهم وممارس*¥م ،وأحيانا يصل
ضغط هذا الواقع إ"ى درجة يفقد املسلم معهاﻩ قدرته عCى تصور الخط املÓ*wي ،ويتساءل :
56
إ"ى م GHنبقى تحت وطأة املعاناة ؟ فيقول :أليس هناكºÚء غ> xالص xyواملصابرة؟ وعندها
يجيب املتحمسون عCى هذا السؤال بطلب املواجهة والانتقام ولو عCى حساب الدعوة.
ً ً ً والقرآن الكريم يحذرنا م*wذا التفك>ّ x
الغر ويب>ن أن أك¨ xالناس حماسا و*ورا واستعجاال هم
الذين يصابون بخور العزيمة .
ً ّ
بكف ٔالايدي وضبط النفس ،ولم يكن هذا جبنا ومن هنا فإن الشجاعة Mي مكة كانت ِ
ً
أوخوفا ،والشجاعة Mي املدينة كانت بالقتال وجهاد ٔالاعداء .ومن لم يمتلك الشجاعة Mي
مكة بكف يديه وضبط نفسه نجدﻩ تخور نفسه وت*wار عزيمته عندما طلب منه مواجهة
الكفار Mي ساحة املعركة .فالتعا"ي عCى ٔالاذى والجراح مع شدة الدواµي الباعثة عCى الانتقام
هو قمة الشجاعة .إذ أن النفس مجبولة عCى كرﻩ الظلم وحب الانتقام ،وإرغامها عCى
ً
الص xyحرصا عCى مصلحة الجماعة الناشئة يحتاج إ"ى مجاهدة ومصابرة ،فقمة املجاهدة
الانتصار عCى النفس ال الانتصار لها :ألم تر إ"ى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا
الصالة وآتوا الزكاة فلماكتب عل*jم القتال إذا فريق م*wم يخشون الناس كخشية ﷲ أو
أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لوال أخرتنا إ"ى أجل قريب قل متاع الدنيا
ُ
قليل وٓالاخرة خ> xملن اتقى وال تظلمون فتيال).(157
يقول ٔالاستاذ سيد قطب رحمه ﷲ ) :يعجب ﷲ سبحانه من أمر هؤالء الذين كانوا
يتدافعون حماسة إ"ى القتال ويستعجلونه وهم Mي مكة يتلقون ٔالاذى والاضطهاد والفتنة
ً
من املشرك>ن ،ح>ن لم يكن مأذونا لهم بالقتال للحكمة ال Hيريدها ﷲ ،فلما أن جاء
ُ
الوقت املناسب الذي قدرﻩ ﷲ ،و*يأت الظروف وكتب عل*jم القتال ،إذا فريق م*wم شديد
الجزع شديد الفزع().(158
ً ً ً ً
ويقول أيضا ) :إن أشد الناس حماسة واندفاعا و*ورا ،قد يكونون هم أشد الناس جزعا
الجد وتقع الواقعة ،بل إن هذﻩ قد تكون القاعدة! وذلك أن وا*°يا ًا وهزيمة عندما يجد ّ
ر
ً
الاندفاع وال*¥ور والحماسة الفائقة غالبا ما تكون منبعثة عن عدم التقدير لحقيقة
التكاليف ،ال عن شجاعة واحتمال وإصرا ،كما أ*°ا قد تكون منبعثة عن قلة الاحتمال ،قلة
احتمال الضيق ؤالاذى والهزيمة ،فتدفعهم قلة الاحتمال إ"ى طلب الحركة والدفع والانتصار
بأي شكل ،دون تقدير لتكاليف الحركة والدفع والانتصار ،ح GHإذا ووجهوا *oذﻩ التكاليف
57
ً ً ً
كانت أثقل مما قدروا وأشق مما تصوروا ،فكانوا أول الصف جزعا ونكوال وا*°يارا .عCى ح>ن
يثبت أولئك الذين كانوا يمسكون أنفسهم ويحتملون الضيق ؤالاذى بعض الوقت ،ويعدون
لألمر ُع ﱠدته( ).(159
واجب املوجه>ن واملفكرين:
قد يبلغ تيار الحماس من الشدة إ"ى درجة ينساق املربي واملوجه واملفكر Mي هذا التيار،
ويفقد هؤالء قدر*م عCى السيطرة والقيادة .وهذﻩ مجاراة خطرة وكما تكون مجاراة أهل
املعاM ºùي معصي*¥م فإن مجاراة املتعجل>ن والتنازل عن خط الدعوة املثمر كب>xة من
الكبائر ،بالرغم مما قد يوصف به املوجه من العجز والضعف .وإن املوجه الذي آتاﻩ ﷲ
بص>xة ومعرفة مسؤول عن نتائج التعجل أك¨ xمن املتعجل>ن.
الحل الصحيح
إن ضغط الواقع ينبñي أن ال يسوق إ"ى الحل الخطأ ،ومهما طال انتظار الحل الصحيح
فإن هذا هو الصواب ،وطول الزمن ال يفقد الحق أحقيته ،وقصر الزمن ال ُيصفى عCى
الخطأ صفة الصواب.
عود عCى بدء
إن الحل الصحيح هو الدعوة مع املعاناة والص xyعCى طول الطريق والتمركز Mي املجتمع
والتماس أسباب القوة والبحث عن هذﻩ ٔالاسباب Mي كل مجتمعات ٔالارض ،وحشد الطاقات
ً
Mي أك¨xها توقعا لقبول الدعوة ،وهو جهد ال يعرف الكلل وال امللل ،وعندئذ تقوم القاعدة
الصلبة ،ال Hيبدأ م*wا طريق الحل الشامل.
وقبل ذلك :
ً
وإ"ى أن يصل املسلمون إ"ى تلك املرحلة فإنه سيدفعون الثمن غاليا من الضحايا والدماء
ؤالاشالء ،ولكن سيجدون بعون ﷲ تعا"ى ثمرة جهادهم وجهدهم .وبغ> xهذا الطريق
ً
سيدفعون الثمن مضاعفا مع البعد عن الهدف.
وعندما يقبل املجتمع أن يكون ٕالاسالم نظامه وشريعته ،وذلك من خالل مراكز القوة فيه
ً
فإن املجتمع يصبح إسالميا ،وعندئذ تتكون القاعدة القادرة عCى القيام بأعباء الحرب،
ً ً
ويكون املجتمع عندئذ قادرا عCى استغالل طاقاته ،عامال عCى تعويض كل نقص ينشأ من
58
جراء القتال ،ويصبح القتال وسيلة ممهدة للدعوة تعمل عCى إزالة العقبات املانعة من
وصول الدعوة إ"ى الناس.
فالهدف من الدعوة والقتال واحد ،وهو إيصال الخ> xإ"ى الناس .والفارق بي*wما أن الدعوة
تكون مع احتمال ٔالاذى ،والقتال يكون دعوة مع إزالة ٔالاذى.
إن أعداء ٕالاسالم يطمعون Mي أن تخرج الجماعة املؤمنة عن خطها فتستعجل النصر
،وتحاول قطف الثمرة قبل أوا*°ا .والشواهد كث>xة عCى عمليات الاستدراجال Hتنت·
بالبطش والتنكيل بالعامل>ن لإلسالم ،إ"ى جانب النتائج السلبية ال Hيxكها التعجل عCى
الجماعة وأنصارها وخططها ومستقبلها.
لقد آن ٔالاوان أن يفعل املسلم ما يريدﻩ ال ما ُيراد له وأن يتصرف وفق ما خطط له ،وال
ً
ينبñي أن ُيشغل املسلم عن هدفه مؤثرا حظ النفس Mي العاجلة ،عCى تحقيق ٔالاهداف
ٓالاجلة.
إن الجماعة ٕالاسالمية لتسجيل كل يوم نتائج إيجابية تقر*oا من الهدف ،وإن املراقب
املنصف ل>xى التحوالت الجذرية Mي فكر كث> xمن الناس وسلوكهم ،ويالحظ أن ٔالامة بدأت
تستجيب لنداء ٕالايمان ،وبدأت تالف ما كانت باألمس تنكرﻩ .وإن العمل الحثيث يصل
باألمة إ"ى إحداث تغي> xكب>M xي جميع شؤون حيا*ا .وإن العديد من املؤسسات آخذ Mي
الاتجاﻩ نحو ٕالاسالم.
وهكذا فإن الدعوة إ"ى ﷲ تعا"ى ]ي الوسيلة إ"ى تكوين مجتمع ٕالاسالم وقاعدته وإن القتال
حركة اجتماعية تنبثق عن املجتمع وترتكز عCى القاعدة الصلبة وعندها ماذا سيقول
املتعجلون ؟ هل يقولون :ربنا لم كتبت علينا القتال لوال أخرتنا إ"ى أجل قريب ).(160
59
الدعوة :فف*jا توقع هالك النفس واملال ،وف*jا احتمال البعد عن ٔالاهل والولد ؤالاوطان.
ووظيفة ف*jا مثل هذا الجهد ال تعادلها الدنيا كلها.
ً ً
ولقد كان كل ن´ من أنبياء ﷲ الكرام يؤكد هذا املبدأ قائال :ال أسألكم عليه أجرا).(161
ُ
وقد أمر رسول ﷲ بالÌام هذا النهج ،وعندما أعرض أهل مكة عن ٕالايمان جاءت ٓالاية
ً ً
تسألهم عن سبب إعراضهم ،وتقول :أم تسألهم أجرا فهم من مغرام مثقلون) .(162علما
ً
بأن طالب الدنيا ال يفعلون شيئا إال بأجر دنيوي .وإن قصة السحرة مع مو GºÒـ عليه السالم
ً
ـ تثبت هذا عندما قالوا لفرعون :أئن لنا ألجرا إن كنا نحن الغالب>ن) .(163فأكد لهم
ً
فرعون ذلك وقال :نعم وإنكم إذا ملن املقرب>ن ).(164
قاضوبعد دخول ٕالايمان إ"ى قلو*oم لم يxكوا ٔالاجر فقط ،بل قالوا له :فأقض ما أنت ٍ
إنما تق ºÁهذﻩ الحياة الدنيا ).(165
أنواع ٔالاجر الذي يتÌÝﻩ عنه الداعية :
ؤالاجر الذي ينبñي أن يتÌÝﻩ عنه الداعية ال يقتصر عCى املال ،وإنما يشمل كل منفعة سب©*ا
الدعوة ،وينبñي أن ال ينتظر من الناس كلمة الشكر وال إسداء املعروف .وكل الذي يريدﻩ
من املعروف أن تصل الدعوة إ"ى قلوب الخلق .
والتأكيد عCى عدم طلب ٔالاجر له فوائد وحكم:
ٔالاول :قد يظن املدعوون أن الداعية إنما شرع Mي الدعوة كي يتوصل بالدعوة إ"ى الرزق
والاكتساب ،فرب صاحب دعوة يريد صرف وجوﻩ الناس إليه لينتفع من دعوته ،السيما
وأن معظم الدعاة إ"ى ﷲ فقراء ،وعCى رأسهم ٔالانبياء الكرام ـ صلوات ﷲ عل*jم ـ يقول
ً
الرازي Mي تفس> xقوله تعا"ى :ويا قوم ال أسألكم عليه ماال إن أجري إ"ى عCى ﷲ ) .(166كأﻩ
ً
عليه الصالة والسالم قال لهم :إنكم ملا نظرتم إ"ى ظواهر ٔالامور وجدتموني فق>xا ،وظننتم
60
أن ¢إنما اشتغلت *oذﻩ الدعوة ألتوسل *oا إ"ى أخذ أموالكم ،وهذا الظن منكم خطأ ،فإني
ً
ال أسألكم عCى تبليغ الرسالة أجرا).(167
الثانية :تعودت الشعوب أن تتعامل مع املشعوذين والدجال>ن من الكهنة الذين يتوصلون
بالدين إ"ى الدنيا وملذا*ا ،فجاء التأكيد عCى أن هذﻩ الدعوة نقية أصيلة ال يبتñي أهلها
ً
عرضا من أعراض الدنيا يتوصلون إليه بسب©*ا.
الثالثة :كل عمل مأجور قد يعxيه النقص والخلل؛ وصاحبه يس>xبه حسب مقدار ٔالاجر.
ودين ﷲ أكرم من أن ُيربط بمتاع الدنيا وتقلبه .ومن هنا فالعمل للدعوة مرتبط
باإلخالص.
الرابعة :والعمل املأجور يتأثر بمن يدفع ٔالاجر ،وإرادته تتدخل Mي العمل .وقد عرفت
ً
الدعوات نمطا من الناس غ>xوا وبدلوا تحت ضغط ٔالاجر الدنيوي .وأما ٔالانبياء الكرام
والصالحون منالدعاة إ"ى ﷲ فقد ثبتوا عCى معالم دعو*م قاطع>ن طمع كل طامع Mي أن
يغ>xوا ما جاءوا به أو يبدلوﻩ.
الخامسة :وإذا عرف الناس أن الداعية ال يلتمس منفعة دنيوية فإ*°م يتبينون صدق
الداعية Mي دعوته ،وينجذبون إ"ى الدعوة .ومن هنا فقد كانت دعوة رسول ﷲ أك¨x
ً ً ً
الدعواتتأث>xا ،وأعمقها أثرا Mي نفوس ٔالاتباع .قال الحسن البصري :ال تزال كريما عCى
الناس ما لم تعاط ما Mي أيد*+م ،فإذا فعلت ذلك استخفوا بك وكرهوا حديثك
وأبغضوك).(168
ومن لوازم غ G¢الداعية عن الناس أن يكون ذا كسب من تجارة أو زراعة أو عمل أو وحرفة.
كان أيوب السختياني يقول ألصحابه :الزموا السوق فإن العاقبة Mي الغ .(169)G¢وقد ُعرف
أصحاب رسول ﷲ والسلف الصالح بغناهم عن الناس ،وذلك ملا كانوا عليه من
الكسب ،وما اتصفوا به من القناعة .ولكن ينبñي أن ال يقود الكسب ـ كحاجة ـ إ"ى الحرص،
وال إ"ى تضييع العمر Mي جمع املال.
قبوال عند الناس ُ ً
فيعxyون عن محب*¥م له بالهبات والصالت والخدمات وقد يجد الداعية
والدعوات ،وقبول الداعية ملثل هذﻩ ٔالامور يحط من دعوته Mي أنظارالناس ،ف*jون عل*jم ،
61
ويصبحالداعية مرذول الطريقة مذموم الس>xة .والصادقون من الدعاة يعطون وال يأخذون،
وهم أصحاب ٔالايدي العالية والنفوس الكب>xة ،ويدخل هذا تحت املروءة ال] Hي عنصر من
عناصر الشخصية املسلمة ن ُومكون من ُمكونات الثقة .يقول املاوردي :واملروءة ]ي حلية
النفوس وزينة الهمم) .(170وال تكون املروءة إال Mي العفة والÌÝاهة والصيانة .والعفة البعد عن
املحارم واملآثم .والÌÝاهة البعد عن املطامع الذاتية ،واملواقف املريبة .وأما الصيانة فتكون
بصيانة النفس عن تحمل املÝن والاسxسال Mي الاستعانة بالخلق).(171
َ
يقول املاوردي :واملحتاج إلىالناس ك ﱡل ُمهتضم وذليل ُمستثقل).(172
ومما يجب أن يلتفت إليه أن الوظائف الُ Hيحبس عل*jا صاح©*ا كالتعليم وٕالامامة
ً ً
والخطابة إنما يأخذ ٔالاجر لكونه مشغوال *oا عن الاحxاف والاكتساب وهذا جائز شرعا ،
ً
ويدخلفي ذلك أيضا مسئولية ٕالامامة العامة ووالية القضاء وكل ما كان من جنس هذﻩ
ً
الاعمال وكان محبوسا عل*jا .
62
وهذﻩ البص>xة تظهر عCى شكل أنواع من السلوك ،وألوان من التصرف والتعامل ،وطرائق
من الاختيار ،تتقرر بعد معرفة املدعوين وإدراك أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية
والفكرية والنفسية ،ومما ال شك فيه أن التعامل مع املجهول شاق وصعب M ،ي ح>ن أن
التعامل مع املعروف يوفر الكث> xمن الجهد.
وأول ما ينبñي معرفته أسماء املدعوين وكناهم وألقا*oم ،وأن يخاط©*م الداعية بأحب
ٔالاسماء إل*jم ،وأن يتجنب ما يسوؤهم من ٔالالقاب والك .G¢والداعية الناجح يعمل جهدﻩ
عCى أن يذكر أسماء املدعوين ،وإذا لم يرزق الذاكرة الحافظة فإن عليه أن يستحفظ
ٔالاسماء ،وقد يجد املدعو Mي نفسه إذا تكرر نسيان الداعية السمهM ،ي ح>ن أن املدعو
يفاجأ إذا خاطبه الداعية باسمه ويشعر باالهتمام والتقدير.
ً
وإن معرفة ما يحبه املدعو وما يكرهه تجعل الداعية فق*jا بلغة املدعو الخاصة ،فهذا
رسول ﷲ ما أن يعلم حب أبي سفيان للفخر ح GHيقول " :من دخل دار أبي سفيان فهو
آمن") .(175وإذا بزعيم مكة الذي خرج للدفاع عن قاعدة الشرك يرجع ليحولها قاعدة
َُ
الحل ْيس بن علقمة ، لإلسالم .وMي صلح الحديبية يأمر الن´ بأن ُيعرض الهدي Mي وجه
سيد ٔالاحابيش ،الذي أرسلته قريش إ"ى رسول ﷲ ـ ـ يقول ابن هشام ) :ثم بعثوا إليه
َُ
الحل ْيس بن علقمة ،وكان يومئذ سيد ٔالاحابيش ،فلما رآﻩ الن´ قال " :إن هذا من قوم
يتألهون ـ أي يتعبدون ـ فأبعثوا الهدي Mي وجهه ح GHيراﻩ " فلما رأى الهدي يسيل عليه من
عرض الوادي Mي قالئدﻩ ،وقد أكل أوبارﻩ من طول الحبس عن محله رجع إ"ى قريش ولم
ً
يصل إ"ى الرسول ﷲ إعظاما ملا رأى ،فقال لهم ذلك ،فقالوا له :اجلس فإنما أنت
أعرابي ال علم لك ،فغضب عند ذلك ،وقال :يا معشر قريش ،والهل ما عCى هذا
ً حالفناكم ،وال عCى هذا عاقدناكم ُ ،أي ﱡ
صد عن بيت ﷲ من جاء معظما له ( ).(176
وهاتان الحادثتان وغ>xهما كث>M xي س>xة الن´ شواهد عCى البص>xة ال Hجاء هذا الدين
يؤكدها Mي كل جزئياته ،ويستطيع الداعية إذا أوتي مثل هذﻩ البص>xة أن يكسب قلوب
الناس ،وأن يستفيد من طاقا*م وجهودهم.
والداعية الناجح يتعرف عCى أحوال الناس وأوضاعهم ،وال تغيب عنه كث> xمن أمورهم
ً ً
الفكرية والاجتماعية والنفسية ،ويعرف م GHيكون املدعو مشغوال وم GHيكون خاليا ،وهذﻩ
)(175
)(176
63
املعرفة تأتي من خالل املعايشة والنشاط الاجتماµي ،فالداعية ال يضيع أية فرصة يمكنه
من خاللها التعرف عCى املدعوين ،ويجب أن تتم هذﻩ املعرفة بطريقة ال تث> xانتباههم.
ً
ومن جوانب املعرفة الضرورية واملفيدة معرفة أوضاع املدعو الاقتصادية ،فإن كان فق>xا
ً ً
معوزا كانت مساعدته من أهم القضايا ال* Hم الداعية ،وإن كان مريضا كانت مواساته
وإرشادﻩ إ"ى الطبيب املسلم من وظائف الداعية.
وإن كان Mي نزاع مع أقربائه أو ج>xانه أو زوجته كان الاصالح وجمع الشمل من اهتمامات
الداعية .وإن كان قد ُهضم حقه Mي وظيفة أو عمل كان انصافه ونصرﻩ من طموحات
ً ً ً
الداعية .وإن كان مسxشدا أو طالبا لنصيحة Mي دين أو دنيا كان الداعية حاضرا لكل إرشاد
ونصيحة ممكنة ،وإذا عجز عن ذلك فلن يحرم الداعية من نص> xمن إخوانه يسد العجز ،
ويفرج الكربة.
وحضور الداعية Mي املناسبات من ٔالافراح ؤالاتراح ؤالاعياد يفتح له ميادين الدعوة ،ويقدم
ً
له فرصا طبيعية لالتصال بالناس وكسب ُو ِ ّدهم .وكم من سؤال عن الولد املريض جعل
الوالد يفتح قلبه ويلقي بسمعه ويمد يدﻩ .وكم من همسة *نئة بولد ُرزقه أو فوز حققه
ً
كانت سببا Mي تحويل اتجاﻩ وتغي> xقرار .وال يعدم الداعية البص> xمن وسائل كث>xة تساعدﻩ
عCى كسب القلوب وتكث>ٔ xالانصار.
64
الداعية أن يبذل جهدﻩ ملعرفة معطيات الزمان واملكان والسكان .ومما ال شك فيه أن كل
بيئة لها مم>Ìا*ا ومتطلبا*ا .فالبيئة الصحراوية غ> xالبيئة القروية ،والبيئة القروية غ>x
البيئة الحضرية ،والبيئة التجارية غ> xالصناعية والزراعية.
والداعية اليوم يعيش Mي عالم إسالمي مxامي ٔالاطراف ،وال يخلو قطر من أقطارﻩ من
مشكلة مزمنة ،وMي نفس الوقت فإنه ال يخلو قطر من أسباب القوة واملنعة لإلسالم
واملسلم>ن .ثم إن العمل ٕالاسالمي Mي هذﻩ ٔالارجاء املتباعدة أخذ يتجه إ"ى الوحدة والتعاون،
ومن أجل ذلك فالبد من املعرفة الواسعة *oذا العالم.
والداعية يعيش Mي عالم مقسم ب>ن مراكز النفوذ الدو"ي إ"ى مناطق امتياز ،ويؤثر هذا ٔالامر
ً ً
عCى العالم ٕالاسالمي وعCى الدعوة ٕالاسالمية سلبا وإيجابا ،ولذلك فالبد من معرفة كيف
يدور الصراع وكيف يقسم النفوذ ب>ن الدول.
والداعية يعيش Mي عالم تتصارع فيه ٔالافكار والتيارات والفلسفات ،ؤالافكار فيه سريعة
التقلب والتغ> .xوالعالم ٕالاسالمي يتلقى عن الغرب والشرق بال احxاس ،وMي *°اية املطاف
يجد الداعية نفسه أمام هذﻩ ٔالافكار .وما كان يمكن تجاهله Mي عصر صعوبة الحركة
والانتقال ،أصبح ال يمكن تجاهله Mي عصر املحطات الفضائية ؤالاقمار الصناعية.
والداعية يعيش Mي عصر املخxعات العلمية املتطورة ،وم*wا ما يفيدﻩ Mي دعوته وم*wا ما
يعوق دعوته .والداعية الناجح يكتسب من مخxعات عصرﻩ ما ينفعه ،ويتقي ما يضرﻩ.
وال يقف الداعية مكتوف اليدين أمام الطبيعة ،بل يعتxyها مسخرة من ﷲ لخدمته
ولنصرة دعوته ،وهذﻩ النصرة ال تأتي إال بعد معرفة هذﻩ الطبيعة عن كثب ،من حيث
بحارها وأ*°ارها وجبالها وترا*oا وماؤها ّ
وحرها وبردها.
والداعية يعيش وسط كتلة بشرية ذات مذاهب ش ،GHم*wا البعيد وم*wا القريب ،وم*wا
املعادي وم*wا املسالم ،لذا كان البد من معرفة هذﻩ الفرق معرفة علمية موضوعية ،توقف
الداعية عCى حجم كل مذهب وتأث>xﻩ ،وتوقفه عCى تاريخ نشوئه وأهافه ووسائله.
ٔالامر الذي يوصل الداعية إ"ى بر ٔالامان والسالمة والنجاح له ولدعوته.
65
القاعدة السادسة عشر
Nي الفرق والفن والعزلة والجماعة
إن من أعظم العقبات Mي طريق الدعوة والدعاة أن تختلط ٕالافهام وتغيب الحقائق أمام
النصوص املتعارضة والتأويالت املختلفة واملفاهيم املتناقضة ،فيتيه املسلم ب>ن الفرقة
ُ
الهالكة والناجية ،وب>ن العزلة والخلطة ،وب>ن الفتنة ال Hيفرد م*wا والفتنة ال Hيبادرها
بالهجوم واملقاومةن وب>ن العمل الفردي والعمل الجماµي ،ويxتب عCى كل فهم من هذﻩ
املفاهيم أعمال ومناهج .ولتخليص هذﻩ املفاهيم من التعارض والاختالط كانت هذﻩ
القاعدة وأدعو القارئ الكريم إ"ى تأملها .
إن الناظر Mي تاريخ هذﻩ ٔالامة يجدها قد مرت Mي حال>ن عظيم>ن :
حال الانتصار والتمك>ن:
حيث وقفت هذﻩ ٔالامة Mي مواجهة أعدا*ا مجتمع>ن ومتفرق>ن ،وكانت تخرج من كل معركة
منتصرة ظافرة ،وعدوها مدحور مقهور.
حال الهزيمة والا*°يار:
ﱠ
وكان هذا الحال يوم ا*°ارت حصوننا من الداخل ،وتغلب عCى ٔالامة نفر من أبنا*ا مقوا
كيا*°ا الداخCي ونظامها الخاري .
ّ
يقوض وحدة وقد أخxyنا الن´ عن هذا الخطر الداهم ،وجعله السبب ٔالاعظم الذي ِ
ٔالامة وكيا*°ا ،فعن ثوبان ـ ري ﷲ عنه ـ قال :قال رسول ﷲ " إن ﷲ زوى "ي ٔالارض
فرأيت مشارقها ومغار*oا ،وإن أم Hسيبلغ ملكها ما ُزوي "ي م*wا ،وأعطيت الكÌÝين ٔالاحمر
ً
ؤالابيض ،وإن سألت ربي ألم Hأن ال *+لكها ِب َس َن ٍة عامة ،وأن ال ُيسلط عل*jم عدوا من
ً
قضاء فإنه ال يرد، سوى أنفسهم فيستبيح بيض*¥م ،وإن ربي قال :يا محمد ،إني إذا قضيت
ً
وإني أعطيتك ألمتك أن ال أهلكهم ِب َس َن ٍة عامة ،وأن ال أسلط عل*jم عدوا من سوى
أنفسهم ،يستبيح بيض*¥م ،ولو اجتمع عل*jم من بأقطارهاـ أو قال من ب>ن أقطارهاـ حGH
ً ً
يكون بعضهم ُ*+لك بعضا ،ويس´ بعضهم بعضا " ) .(177وMي رواية ابن حبان " :وسألته أن ال
ً
يلبسنا شيعا فمنعن*jا").(178
66
ً ً
وعند ابن ماجة رواية أتم " :وإني سألت ﷲ عز وجل ثالثا :أن ال يسلط عCى أم Hجوعا
ُ ً
قضيت ف*jلكهم به عامة ،وأن ال يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض ،وإنه قيل "ي :إذا
ً ً
قضاء فال مرد له ،وإني لن أسلط عCى أمتك جوعا ف*jلكهم فيه ،ولن أجمع عل*jم من ب>ن
ً ً
أقطارها حُ GHيف ¢بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا .وإذا وضع السيف Mي أم Hفلن يرفع
ع*wم إ"ى يوم القيامة .وإن مما أتخوف عCى أم Hأئمة مضل>ن .وستعبد قبائل من أمH
ً
ٔالاوائل .وستلحق قبائل من أم Hباملشرك>ن ،وإن ب>ن يدي الساعة دجال>ن كذاب>ن قريبا من
ثالث>ن كلهم يزعم أنه ن´ ،ولن تزال طائفة من أم HعCى الحق منصورين ال يضرهم من
خالفهم ح GHيأتي أمر ﷲ عز وجل").(179
وكانت الفرقة ال Hفصل الن´ صCى ﷲ عليه وسلم أخبارها أعظم ما ابتليت به ٔالامة وامللة
ً ً
فأصبحت ٔالامة أمما وامللة ملال.
ولقد كشفت السنة جوانب كث>xة من مستقبل ٔالامة من باب ٕالاخبار والتحذير وبيان الداء
والدواء ،وهذا فتح من الغيب أكرم ﷲ تعا"ى به نبيه زيادة Mي ٔالاعذار لألمة وٕالاشفاق
عل*jا .وملا كانت هذﻩ ٔالاخبار جملة غ> xمفرقة عCى ٔالاحداث والعصور فقد رأيت Mي ضوء
النسق التاريي والواقع البشري أن أحاول نظمها من جهة ،وفهم مصطلحا*ا من جهة
أخرى.
ً
وسأتناول أحاديث الفرق ؤالاهواء مبينا معاني الفتنة والعزلة والجماعة:
وإن أجمع حديث Mي هذا الباب ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث حذيفة بن اليمان
ر ºÙﷲ عنه قال :كان الناس يسألون رسول ﷲ صCى عن الخ> ، xوكنت أسأله عن الشر
مخافة أن ُيدرك ،¢فقلت :يا رسول ﷲ ،إنا كنا Mي جاهلية وشر فجاءنا ﷲ *oذا الخ> ،xفهل
َ
بعد هذا الخ> xمن شر؟ قال :نعم ،قلت :وهل بعد ذلك من خ>x؟ قال :نعم ،وفيه دخن.
قلت:وما دخنه قال :قوم *+دن بغ> xهديي ،تعرف م*wم وتنكر ،قلت :فهل بعد ذلك الخ>x
من شر؟ قال :نعم ،دعاة عCى أبواب جهنم من أجا*oم إل*jا قذفوﻩ ف*jا .قلت :يا رسول ﷲ
،صفهم لنا ،قال :هم من جلدتنا ،ويتكلمون بألسنتنا ،قلت :فما تأمرني إن أدرك ¢ذلك؟
قال :تلزم جماعة املسلم>ن وإمامهم .قلت :فإن لم يكن لهم جماعة وال إمام؟ قال :فاعÌل
تلك الفرق كلها ،ولو أن تعض بأصل شجرة ح GHيدركك املوت وأنت عCى ذلك).(180
67
ُ ً
وروي هذا املع G¢مفصال Mي حديث آخر ،فعن أبي عامر عبد ﷲ بن لéي قال :حججنا مع
معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة قام ح>ن صCى صالة الظهر ،فقال :إن رسول ﷲ
قال :إن أهل الكتاب افxقوا Mي دي*wم عCى اثنت>ن وسبع>ن ملة ـ يعM ¢ي ٔالاهواء ـ كلها Mي
النار إال واحدة ،و]ي الجماعة .وإنه سيخرج Mي أم Hأقوام تجارى *oم تلك ٔالاهواء كما
ََ
يتجارى الكل ُب بصاحبه ،ال يبقى منه عرق وال مفصل إال دخله ،وﷲ يا معشر العرب ل
ن
لم تقوموا بما جاء به نبيكم لغ>xكم من الناس أحرى أن ال يقوم به).(181
و ُروي Mي مع G¢هذا الحديث من طريق أبي هريرة ر ºÙﷲ عنه قال " :افxقت ال*jود عCى
إحدى أو اثنت>ن وسبع>ن فرقة ،وتفرقت النصارى عCى إحدى أو اثنت>ن وسبع>ن فرقة،
وتفxق أم HعCى ثالث وسبع>ن فرقة" رواﻩ أبو داود) ،(182وأخرجه الxمذي وقال :حسن
صحيح).(183
ويستفاد من هذﻩ ٔالاحاديث وما يؤيدها من ٔالاحاديث :التحذير من وقوع ٔالامة Mي حبائل
الفرقة والشتات ،والسيما إذا كانت الفرقة ناشئة عن اختالف العقائد ؤالاصول ،فهذا
ً ً َ ً
بصلة.
النوع من الفرقة ينِ ºÚملال وأديانا ،ويخرج من ٔالامة الواحدة أمما ال تمت إ"ى سلفها ِ
وال يدخل Mي الفرقة ذلك الاختالف Mي الفروع وتعدد الاج*¥ادات .وال تدخل Mي ذلك مذاهب
الفقه ما دام أصحا*oا يتحرون الدليل ويتفقون عCى ٔالاصول.
وال يقال وال ينبñي أن ُيقال ،إن أصحاب املذاهب ٔالاربعة ،أو غ>xهم ،عCى الحق ومن
عداهم عCى الباطل ،وإ*°م ناجون وغ>xهم هالك .والضابط Mي هذا ما ذكرﻩ البغدادي Mي
كتاب الفرق ب>ن الفرق ) :إن أمة ٕالاسالم تجمع املقرين بحدوث العالم ،وتوحيد صانعه،
وصفاته ،وعدله ،وحكمته ،ونفي التشبيه عنه ،وبنبوة محمد ورسالته إ"ى الكافة ،
وبتأييد شريعته ،وبأن كل ما جاء به حق ،وبأن القرآن منبع أحكام الشريعة ،وأن الكعبة
ُ
]ي القبلة ال Hتجب الصالة إل*jا ،فكل من اقر بذلك ولم َيش ْب ُه ببدعة تؤدي إ"ى الكفر فهو
الس ¢املوحد( ).(184
قال ٕالامام ابن تيمية :فأما من كان Mي قلبه ٕالايمان بالرسول ما جاء به .وقد غلط Mي
ً
بعض ما تأويله من البدع فهذا ليس بكافر أصال ،والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة
)(102/4) !?; 6!@ $! (181
).(4/5) 4; /$ (182
).(25/5)
!7 >? N!9 (183
)_ / (184
.(13C) M & D
68
ً ً
وقتاال لألمة وتكف>xا لها ،ولم يكن Mي الصحابة من يكفرهم ال عCي بن أبي طالب وال غ>xﻩ،
بل حكموا ف*jم بحكمهم Mي املسلم>ن الظامل>ن .ثم قال :ومن قال :إن الثنت>ن والسبع>ن
ً
فرقة كل واحد م*wم يكفر كفرا ينقل عن امللة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة
ـ رضوان ﷲ عل*jم ـ بل وإجماع ٔالائمة ٔالاربعة وغ>ٔ xالاربعة).(185
وجاء Mي العقيدة الطحاوية وشرحها ) :ونسم أهل قبلتنا مسلم>ن مؤمن>ن ما داموا بما جاء
به الن´ معxف>ن ،وله بكل ما قاله وأخ xyمصدق>ن .ثم قال الشارح :املراد بقوله أهل
قبلتنا :من يدµي ٕالاسالم ويستقبل الكعبة ،وإن كان من أهل ٔالاهواء ،أو من أهل املعا(ºù
).(186
وما ذهب إليه ابن حجر من القول ) :والدعاة عCى أبواب جهنم من قام Mي طلب امللك من
الخوارج وغ>xهم( ) .(187أمر غ> xمسلم ،فالخوارج واملعÌلة واملرجئة وأمثالهم متأولون ،أق÷Gº
ما يوصفون به أ*°م مبتدعة ولم ُيخرجهم علماؤنا من امللة ،ولم يقولوا :إ*°م من أهل
ً ً
النار ،فيما عدا أولئك الغالة الذين أحلوا املحرمات ،أو عبدوا عليا أو اتخذوا لهم نبيا غ>x
ً ً
محمد ،كما فعلت القاديانية ،أو جعلوا لهم كتابا غ> xالقرآن الكريم ،أو أنكروا معلوما
من الدين بالضرورة).(188
وإنما املقصود تلك املذاهب الضالة ال Hهدمت أركان ٕالايمان وقوضت دعائم ٕالاسالم،
وخربت عقائدﻩ ونظمه ،وتبنت ٕالالحاد ودعت الناس إليه ،وأطلقت عCى املنكرات أسماء
حرم ﷲ تعا"ى ،وحرمت ما أحل ،وعطلت أكام القرآن براقة لتجعلها مألوفة ،وأحلت ما ﱠ
ً
الكريم وسنة الن´ وأعلنت عCى أهل ٕالايمان حربا شعواء ،ورمت كل مؤمن ب*¥مة
ً ً
الجمود والرجعية ،واتخذت لها أصوال يرفضها ٕالاسالم جملة وتفصيال ،وتراها توقر ما
حقرﻩ ﷲ تعا"ى ،وتحقر ما وقرﻩ ،فتعتٔ xyالاسود العن» ºاملتن´ الكذاب رجل ثورة وإصالح،
وتجعل من القرامطة والحشاش>ن والزنج وأتباع بابك حركات تقدم وتحرير.
وهذﻩ املذاهب م*wا القديم ،وكث> xم*wا حديث ،فالسبأية والقرامطة وٕالاسماعيلية فرق
ً
ضالة عاثت Mي ٔالارض ٕالاسالمية فسادا ،ونقضت ]ي وأمثالها ٕالاسالم من أصوله،وادعت
إلهية البشر من دون ﷲ تعا"ى .ثم ظهرت البابية والقاديانية وال©*ائية ،ولكل واحدة من هذﻩ
).(217/7) ! / H5 (185
).(313C) ?J D <= (186
).(36/13) 9? /W >5 (187
).(114/2) 6? /W 1?$ 17! 45 1 (188
69
الفرق كتاب غ> xالقرآن الكريم ون´ غ> xمحمد .ثم ظهرت فرق إلحادية ال تؤمن بدين
كالشيوعية واملاسونية وما تفرع ع*wما من املذاهب والاتجاهات.
وأخطر من هذا كله استالم بعض الفرق الضالة الزعامة السياسية والفكرية فقد أشار
الحديث الذي رواﻩ حذيفة ر ºÙﷲ عنه إ"ى حالت>ن:
الحالة ٔالاو"ى:
خ> xوفيه دخن .قلت :وما دخنه؟ فقال :قوم *+دون بغ> xهديي تعرف م*wم وتنكر .وإن
الناظر Mي تاريخ املسلم>ن ل>xى هذﻩ املراحل ال Hتتم> Ìكل مرحلة م*wا عCى سابق*¥ا والحق*¥ا.
ً
فقد بدأ ٕالاسالم غريبا Mي مكة ،ثم عم خ>xﻩ وعلت كلمته Mي عهد النبوة والخالفة الراشدة،
ثم وقعت الفتنة ،ثم استقر ٔالامر لب ¢أمية ،واستقرت الدولة ،وامتدت الفتوح ،وانتشر
واستمدت ٔالاحكام من شريعته ،وهذا الخ>xُ ٕالاسالم ،وقامت سياسة الدولة عCى ٕالاسالم،
فيه دخن ) والدخن الكدورة إ"ى السواد ،فالدخن Mي الدابة عندما ال يصفو لو*°ا بل يكدرﻩ
ºßء من السواد .وقال أبو عبيدة :تكون القلوب هكذا ،ال يصفو لو*°ا بل يكدرﻩ ºßء من
)(189
السوادـ وقال أبو عبيدة :تكون القلوب هكذا ،ال يصفو بعضها لبعض وال ينصع ح©*ا(
فأما الخ> xفهو عودة ٔالامة إ"ى وحد*ا ،واستمرار روح الجهاد ،والاحتكام للشريعة Mي
الشؤون املختلفة ،والدخن الذي خالط هذا الخ> xما كان عليه الحكم من تعطيل ملبدأ
الشورى ،وتبديد للمال وٕالاسراف فيه ،وما كان يصيب ٔالامة من املظالم وسفك الدماء
بسبب املذهب واملعتقد .وبقي حال املسلم>ن عCى هذا النحو ،خ> xوفيه دخن ،إ"ى أن دالت
دولة ٕالاسالم ،وقامت دول علمانية أو قريبة من العلمانية ،وكانت أحكام ٕالاسالم قبل ذلك
سائدة رغم ظهور بعض املنكرات ال Hلم تصبغ املجتمع بصبغ*¥ا ،وكان ٔالامر باملعروف
والن· عن املنكر يؤدي دورﻩ Mي املجتمع.
الحالة الثانية :
دخل املسلمون Mي ش GHبالدهم Mي مرحلة جديدة سيطرت ف*jا ثقافة الغرب وأخالقه
ُ
وانتشرت التيارات ٕالالحادية ،وغزت مؤسسات الدولةُ ،وبدلت الثقافة،وغ ِّ>xت مفاهيم
الحياة .وكان دعاة هذا التغي> xمن أبناء ٔالامة يتكلمون بلغ*¥ا ،وينتسبون إل*jا .وقدانقسم
هؤالء الدعاة إ"ى شيع وأحزاب وملل ش .GHوهذا ما أشار إليه حديث حذيفة :قلت :فهل بعد
70
ذلك الخ> xمن شر؟ قال :نعم دعاة عCى أبواب جهنم ،من أجا*oم إل*jا قذفوﻩ ف*jا .قلت :يا
رسول ﷲ ،صفهم لنا ،قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.
قال ابن حجر ) :أي من قومنا ،ومن أهل لساننا وملتنا إشارة إ"ى أ*°م العرب ( ) .(190وهذا
من أعالم النبوة ومعجزا*ا ،حيث أخ xyالحديث عن ظهور هذﻩ الفرق ،وفيه إشارة إ"ى
القوميات ال Hانتشرت Mي العالم ٕالاسالمي ،واتخذت من العرق واللغة أساس>ن للتجمع
والانتماء.
ووصل ٔالامر Mي كث> xمن ٔالاقطار إ"ى أن تمتطي هذﻩ ٔالاهواء جماه> xالشعوب ،مدعية أن
الشعوب ]ي ال Hتختار طريقها ،وظهرت مصطلحات :الجماه> ،xوالطبقة الكادحة ،وٕالارادة
الشعبية ،ونفذت سياسات ضرب القيم ٕالاسالمية *oذا الطريق .وهذﻩ أشد الفن وأعتاها
حيث استطاع دعاة الباطل أن يتسxوا باإلرادة الشعبية ،ولعل هذﻩ الفتنة وأعتاها حيث
استطاع دعاة الباطل أن يتسxوا باإلرادة الشعبية ،ولعل هذﻩ الفتنة ]ي فتنة الدهماء
ً ً
ال Hذكرت Mي الحديث الذي أخرجه أبو داد وذكر فيه فتنا أربعا ،ومنه " :ثم فتنة الدهيماء
ً
ال تدع أحدا من هذﻩ ٔالامة إال لطمته لطمة ،فإذا قيل انقضت تمادت ،يصبح الرجل ف*jا
ً ً
مؤمنا ويم» ºكافرا ،ثم يص> xالناس إ"ى فسطاط>ن :فسطاط إيمان ال نفاق فيه،
وفسطاط نفاق ال إيمان فيه").(191
وقد تغلغلت هذﻩ ٔالاهواء بأصحا*oا كما أخ xyالحديث الذي يرويه معاوية ر ºÙﷲ عنه" :
تجاري *oم تلك ٔالاهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ال يبقى منه عرق وال مفصل إال دخله "
قال الشاط´ ) ،ت ) : (790مع G¢هذﻩ الرواية أنه عليه الصالة والسالم أخ xyبما يكون Mي
ُ
أمته من هذﻩ ٔالاهواء ال Hافxقوا ف*jا إ"ى تلك الفرق ،وأنه يكون ف*jم أقوام تداخل تلك
ٔالاهواء قلو*oم ح GHال يمكن Mي العادة انفصالهم ع*wا وتوب*¥م م*wا ،عCى حد ما يداخل داء
ََ
الكلب جسم صاحبه ال يبقى من ذلك الجسم جزء من أجزائه وال مفصل وال غ>xهما إال
دخله ذلك الداء ،وهو جرييان ال يقبل العالج وال ينفع فيه الدواء( ).(192
أما إحصاء هذﻩ الفرق وامللل ،فقد حاول بعض العلماء حصرها كما فعل البغدادي )ت
429هـ 1038 /م( Mي كتاب الفرق فقال ) :فهذﻩ الجملة ال Hذكرناها تشتمل عCى ثنت>ن
71
وسبع>ن فرقة ،م*wا عرون روافض ،وعشرون خوارج ،وعشرون قدرية ،وعشرون مرجئة،
وثالث نجارية ،وبكرية ،وضرارية ،وجهمية ،وكرامية ،فهذﻩ اثنتان وسبعون فرقة( ).(193
ولكن هذا ٕالاحصاء ال يسلم ،وعليه مآخذ:
ٔالاو"ى :أنه خلط ب>ن الفرق الخارجة عن ٕالاسالم وب>ن الداخة فيه.
الثاني :أنه يتكلم عن الفرق ح GHعصرﻩ ،وكأن عجلة الزمن قد توقفت ولم تنشأ فرق
ً ً
جديدة ،علما بأن فرقا كث>xة نشأت بعد البغدادي ولو عايشها ألدخلها Mي حسابه .وينبñي
ً
أن يxك الشراح واملفسرون نصيباص كب>xا لألحداث الواقعية ال Hتفسر النص وتشريحه.
الثالث :أنه ذكر ما يزيد عن تسع>ن فرقة ،ثم قال فهذﻩ ثنتان وسبعون فرقة.
).F5 95 ]T 1 $& D /; 3?2 (25 C) M & D / (193
72
موقف املسلم من هذﻩ الفرق :
أما موقف املسلم من هذﻩ الفرق فذو شق>ن سل´ وإيجابي .أما السل´ فعليه أن يعÌل هذﻩ
الفرق الضالة ح GHال يصيبه الداء الذي أصاب أهله؛ وألن مخالط*¥م مخالطة أهل النار
ودعا*ا .وأما ٕالايجابي فالبحث عن جماعة املسملون والاعتصام *oا.
وليست العزلة عزلة الخروج من املجتمع إ"ى الxyاري والقفار وقمم الجبال؛ ألن هذا النوع
من العزلة يعطي الفرصة ألصحاب ٔالاهواء كي يعمموها ويشيعوها Mي املجتمع ،ويستأثروا
بالتوجيه والقيادة ،وMي ذلك خذالن للحق وأهله .وال بد من التنبيه عCى أمر خط> xهو ذلك
الخطأ النا ºßعن تعميم املصطلحات عCى الحاالت املتناقضة املتباينة ،وأن ال يقدر لكل
حالة قدرها ،وأن ال تؤخذ كل كلمة Mي إطارها املناسب ،كأن نأخذ مفهوم العزلة عند سلف
ٔالامة فنعمة عCى جميع الظروف ؤالاحوال ،فيقال إن ابن عمر ر ºÙﷲ عنه وسعد بن أبي
وقاص وأبا بكرة قد اعÌلوا الفتنة ،و ِف ْع ُل هؤالء ٔالاصحاب دليل يشهد ملن عزم عCى ترك
املجتمع ،ونجد ٕالامام البخاري يxجم لهذا بباب خاص يقول " :التعرب Mي الفتنة :أي
اللحاق باألعراب والبادية عند فشو الفن".
وقد أخرج ) عن سلمة بن ٔالاكوع ر ºÙﷲ عنه أنه دخل عCى الحجاج فقال :يا ابن ٔالاكوع
أرتددت عCى عقبيك ،تعربت ؟ قال :ال ،ولكن رسول ﷲ أذن "ي Mي البدو( .قال ابن
حجر ) :التعرب أي السك G¢مع ٔالاعراب ،وهو أن ينتقل املهاجر من البلد ال Hهاجر إل*jا،
ً ً
فيسكن البدو ،ف>xجع بعد هجرته أعرابيا ،وكان إذ ذاك محرما إال إن أذن له الشارع Mي
ذلك() .(194فاألصل إذن منع املهاجر من العزلة Mي الxyاري والقفار أو اللحاق بالبادية.
وإننا إذا نظرنا إ"ى الحكمة Mي منهج املهاجر من التعرب وجدنا أن الهجرة إنما شرعت لنصرة
ٕالاسالم واملسلم>ن ،ولدفع الكفر والنفاق عن املجتمع ،فإذا ترك املسلم املجتمع تحت وطأة
أصحاب الفن فإنه يكون قد أسهم Mي هذا املنكر وساعد عCى استحكامه .قال ابن حجر:
"وقيل يمنع ) أي التعرب ( Mي زمن الفتنة ملا فيه من خذالن أهل الحق").(195
ومن رغب Mي العزلة من سلف ٔالامة فإنه ع G¢عدم الاستكثار من ٔالاصحاب واملبالغة Mي
مألوف العادات ،وٕالاسراف Mي ٔالاسمار واملباحات .قال ٕالامام أبو سليمان الخطابي ) :ولسنا
نريد *oذﻩ العزلة ال Hنختارها مفارقة الناس Mي الجماعات والجمعات ،وترك حقوقهم Mي
73
العبادات ،وإفشاء السالم ورد التحيات ،وما جرى مجراها من الحقوق الواجبة لهم،
وصنائع السÝن والعادات املستحسنة فيما بي*wم فإ*°ا مستثناة بشرائطها ،جارية عCى سبلها،
ما لم يحل دو*°ا حائل شغل ،وال يمنع ع*wا مانع عذر ،إنما نريد بالعزلة ترك فضول
الصحبة ،ونبذ الزيادة م*wا ،وحط العالوة ال Hال حاجة *oا إل*jا( ).(196
ارتباط العزلة بنوع الفتنة:
وهناك مسألة البد من بيا*°ا قبل الفراغ من موضوع العزلة ،و]ي تحديد نوع الفتنة
الداعية إ"ى ترك املجتمع واعÌاله وعدم املشاركة Mي أحداثه ،أو الداعية إ"ى الثبات Mي
مواقع التأث> xملقاومة الفن ومجا*¥*oا.
فتنة التنافس عCى امللك :
ً
فقد أخ xyالن´ عن وقوع الفن وتكاثرها ح GHكأ*°ا القطر ال يxك موضعا إال أصابه ،فقد
أخرج البخاري ) عن أسامة بن زيد قال :أشرف الن´ عCى أطم من آطام املدينة فقال :
هل ترون ما أرى؟ قالوا :ال ،قال :ف ¢ألرى الفن تقع خالل بيوتكم كموقع القطر( ).(197
وكان مقتل عثمان ر ºÙﷲ عنه أول فتنة وقعت ،وتالها القتال ب>ن عCي وعائشة ر ºÙﷲ
ع*wما ،ثم صف>ن ،وقداختلفت اج*¥ادات الصحابة Mي ترجيح صاحب الحق ،وإن كان
ً
ٔالاك¨xون عCى أن عليا ر ºÙﷲ عنه هو صاحب ٔالامر ،وأن معاوية مج*¥د مخطئ له أجر
واحد .ثم وقعت فن بعد ذلك كان الباعث عل*jا التنافس عCى الحكم والسلطان وهذامن
ً
قبيل ٔالاثرة ال Hأخ xyع*wا الن´ ،فقد أخرج البخاري عن أسيد بن حض> ) xأن رجال أتى
ً
الن´ ،فقال يا رسول ﷲ استعملت فالنا ولم تستعمل ،¢قال :إنكم سxون بعدي أثرة
،فاصxyوا ح GHتلقوني ( ) .(198وقد جاء معظم الخلفاء العباسي>ن وسالط ¢املماليك وغ>xهم
إ"ى الحكم عن طريق هذﻩ ٔالاثرة .وهذا علم من أعالم النبوة .إال أن هذﻩ الفن لم تخرج
املجتمع من ٕالاسالم ،وبقي استمداد ٔالاحكام الشرعية من الكتاب والسنة ،ويمكننا حمل ما
أخرجه البخاري عCى هذا حيث قال ) :عن أبي هريرة قال :قال رسول ﷲ :ستكون فن
القاعدة ف*jا خ> xمن القائم ،والقائم ف*jا خ> xمن املا ،ºßواملا ºßف*jا خ> xمن الساµي ،من
74
ً
تشرف لها تستشرفه ،فمن وجد ف*jا ملجأ أو معاذا فليعذ به( ) .(199وMي رواية مسلم لهذا
الحديث) :فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ،ومن كان له غنم فليلحق
بغنمه ،ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه ،قال :فقال :يا رسول ﷲ إن لم يكن له إبل وال
غنم وال أرض؟ قال :يعمد إ"ى سيفه فيدق عCى حدﻩ بحجر ،ثم لينج إن استطاع النجاﻩ،
ََ
اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ فقال رجل :يا رسول ﷲ أرأيت إن أكرهت حُ GHينطل َق
بي إ"ى أحد الصف>ن ،أو إحدى الفئت>ن ،فضرب ¢رجل بسيفه ،أويÓيء سهم فيقتل¢؟قال :
يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار( ).(200
وهو ما ذهب إليه ابن حجر Mي حمل هذﻩ الفتنة عCى الاختالف Mي طلب امللك حيث ال يعلم
ً
املحق من املبطل .ونقل ابن حجر كالما للطxyي يقول فيه :والصواب أن ُيقال إن الفتنة
أصلها الابتالء ،وإنكار املنكر واجب عCى كل من قدر عليه ،فمن أعان املحق أصاب ،ومن
أعان املخطئ أخطأ ،وإن أشكل ٔالامر ف· الحالة ال Hورد الن· عن القتال ف*jا.
ومن الحديث الذي رواﻩ أبو بكرة نعلم أن الفرار من الفتنة عندما تكون ب>ن صف>ن من
املسلم>ن حيث يشتبه الحق بالباطل ،وال ُيعرف املحق من املبطل .
ً
وقد جاء هذا الفهم صريحا عن أبي برزة ٔالاسلم ر ºÙﷲ عنه ،فقد أخرج البخاري ) :عن
أبي امل*wال ،قال :ملا كان ابن زياد ومروان وثب ابن الزب> xبمكة ،ووثب القراء بالبصرة،
ﱠ
فانطلقت مع أبي إ"ى أبي برزة ٔالاسلم ح GHدخلنا عليه Mي دارﻩ وهو جالس Mي ظل ِعلية له
من قصب ،فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث ،فقال :يا أبا برزة أال ترى ما وقع
ً
فيه الناس؟ فأول ºßء سمعته تكلم به :إني احتسبت عند ﷲ أني أصبحت ساخطا عCى
أحياء قريش ،إنكم يا معشر العرب كنتم عCى الحال الذي علمتم من الذلة والقلة الضاللة
وإن ﷲ أنقذكم باإلسالم ،وبمحمد عليه الصالة والسالم ،ح GHبلغ بكم ما ترون ،وهذﻩ
الدنيا ال Hأفسدت بينكم ،إن ذاك الذي بالشام وﷲ إن يقاتل إال عCى الدنيا ،وإن هؤالء
الذين ب>ن أظهركم وﷲ إن ٌيقاتلوا إال عCى الدنيا ،وإن ذاك الذي بمكة وﷲ إن ُيقاتل إال
علىالدنيا( ).(201
75
ويبدو من هذا النص أن أبا برزة ر ºÙاللهعنه كان يرى اعÌال الفتنة؛ ألنه ال يوجد صاحب
ٔالامر املحق ،وكان ابن عمر ر ºÙﷲ ع*wما قد سلك مثل هذاالسلوك عندما اعÌل ما
حدث ب>ن عبد امللك بن مروان وابن الزب>، xفقد أخرج البخاري عن سعيد بن جب> xقال) :
ً ً
خرج علينا عبدﷲ بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثا حسنا ،قال :فبادرنا إليه رجل فقال :
يا أبا عبد الرحمن حدثنا عن القتال Mي الفتنة ،وﷲ يقول :وقاتلوهم ح GHال تكون
فتنة ،فقال :هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان محمد يقاتل املشرك>ن ،وكان
الدخول Mي دي*wم فتنة ،وليس كقتالكم عCى امللك( ) ،(202وMي روايةأخرى ) :فكان الرجل ُيفن
عن دينه إما قتلوﻩ وإما يعذبونه ح GHك¨ٕ xالاسالم ،فلم تكن فتنة( ) ،(203أي لم يبق فتنة من
أحد من الكفار ألحد من املؤمن>ن.
وأخرج البخاري ) عن ابن عمر ر ºÙﷲ ع*wما أتاﻩ رجالن Mي فتنة ابن الزب> xفقاال :إن
ض ِّيعوا وأنت ابن عمر صاحب رسول ﷲ فما يمنعك أن تخرج؟ فقال :يمنع¢ الناس قد ُ
أن ﷲ حرم دم أèي ،فقاال :ألم يقل ﷲ :وقاتلوهم ح GHال تكون فتنة؟ فقال :قاتلنا
ح GHلم تكن فتنة ،وكان الدين هلل ،وأنتم تريدون أن تقالتوا ح GHتكون فتنة ،ويكون
الدين لغ> xﷲ( ).(204
ومن خالل هذﻩ الروايات نتعرف عCى نوع>ن منالفن .والبد من الxك> ÌعCى الفتنة الكxyى
ال Hتجتاح الدين و*دد ٕالايمان ،و]ي ال Hال مهادنة معها.
76
واظبوا عCى ذلك ٕالايذاء ح GHذهبوا إ"ى املدينة .وكان غرضهم من إثارة تلك الفتنة أن يxكوا
دي*wم ويرجعوا كفاراص ،فأنزل ﷲ تعا"ى هذﻩ ٓالاية .واملع : G¢قاتلوهم ح GHتظهروا عل*jم
فال يفتنونكم عن دينم فال تقعوا Mي الشرك( ).(206
ً
وهذﻩ الفتنة أك xyجرما من القتل؛ أل*°ا فساد Mي ٔالارض يؤدي إ"ى الظلم والقتل ،يقول
الرازي ) :وإنما جعل الكفر أعظم من القتل ؛ ألن الكفر ذنب يستحق صاحبه به العقاب
الدائم ،والقتل ليس كذلك ،والكفر يخرج صاحبه من امللة ،والقتل ليس كذلك( ).(207
والقران الكريم يحدد الحالة ال Hتنت· الفتنة *oا و]ي استقرار أمر الدين واستمرارﻩ ،وكونه
كله هلل تعا"ىويكون الدين هلل ،وهذﻩ غاية شريفة ال يتوقف الجهاد دو*°ا ،يقول الرازي) :
ليس ب>ن الشرك وب>ن أن يكون الدين كله هلل واسطة ،فصار التقدير :فقاتلوهم ح GHيزول
الكفر ويثبت ٕالاسالم( ).(208
وقد وقع هذا النوع من الفن ،ووصل الحال باملسلم>ن Mي كث> xمن أقطارهم إ"ى اختيار
مناهج ونظم ال تمت إ"ى ٕالاسالم بصلة ،بل تخالفه كل املخالفة ،وأقيمت شؤون الحياة عCى
مبادئ مستوردة ،وأمسك بعض امللحدين والعلماني>ن بدفة القيادة والتوجيه ،وانتكست
بعض فئات ٔالامة فارتدت عCى أعقا*oا ،وعملت عCى إقصاء ٕالاسالم عن سائر شؤون الحياة
ً
وأعلنت حربا عCى كل مسلم .وما حذر منه الن´ أصبح حقيقة واقعة Mي بعض بالد
ً
املسلم>ن ،وذلك قوله) :ال ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض( ).(209
فر إ"ى شواهق الجبال أو إ"ى ومثل هذﻩ الفن تالحق املسلم وال تدعه يسلم من شرها سواء ﱠ
أعماق الكهوف ،وال يدفعها الخروج من املجتمع ،والاعتكاف Mي املساجد.
املوقف ٕالايجابي من هذﻩ الفن:
وأما املوقف ٕالايجابي فهو البحث عن الجماعة املؤمنة والطائفة الظاهرة وإعطاؤها ثمرة
الجهد وصادق الانتماء .وهذا أمر ال خيار للمؤمن فيه ،وهو قول الن´ لحذيفة )تلزم
جماعة املسلم>ن وإمامهم( قال ابن حجر :وورد ٔالامر بلزوم الجماعة Mي هذﻩ أحاديث م*wا ما
أخرجه الxمذي مصححاص وفيه :وأنا آمركم بخمس أمرني ﷲ *oن :السمع والطاعة
والجهاد والهجرة والجماعة ،فإن من فارق الجماعة قيد ش xyفقد خلع ربقة ٕالاسالم من
).(132/5) 7 B (206
).(130/5) N9! (207
).(133/5 ) N9! (208
?> .(23/13 ( >5 /! ) : )(209
77
علقه .وMي خطبة عمر املشهورة ال Hخط©*ا بالجابية :فإن عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة،
فإن الشيطان مع الواحد ،وهو من الاثن>ن أبعد).(210
وقد يتساءل القارئ عن وجود هذﻩ الجماعة .وقد يتبادر إ"ى ٔالاذهان خلو املجتمع من مثل
هذﻩ الجماعة ،والجواب عCى ذلك خ xyالصادق املصدوق الذي قال ) :ال يزال من أمH
أمة قائمة بأمر ﷲ ،ال يضرهم من خذلهم وال من خالفهم ح GHيأت*jم أمر ﷲ وهم عCى
ذلك().(211
وMي رواية أخرى ) ح GHيأتي أمر ﷲ وهم ظاهرون عCى الناس( .وMي رواية املغ>xة بن شعبة
قوم من أم Hظاهرين عCى الناس ح GHيأت*jم أمر ﷲ وهم ر ºÙﷲ عنه ) :لن يزال ّ
ظاهرون( ).(212
وروايات هذا الحديث كث>xة ،وألفاظه متقاربة ولها بمجموعها دالالت ،م*wا:
أن هذﻩ ٔالامة لن تخلو من فئة قائمة بأمر ﷲ تعا"ى وفق ما جاء به محمد ،وهذﻩ الفئة
يحفظ ﷲ *oا الذكر ،ويحقق *oا إقامة الحجة عCى الخلق ويزيل *oا العذر ،وين>*o xا طريق
ص َح أن أهل كل عصر ال يجوز أن يخلوا من أن يكون الهداية والرشاد ،قال ابن حزمَ ) :ف َ
ف*jم قائل بالحق( ).(213
وMي الوقت ذاته تكون فئات كث>xة قد تخلت عن دين ﷲ ،ويكون هذا التخCي إما
باإلنصراف عنه إ"ى ٔالاهواء الضالة واملبادئ املنحرفة ،وهذا شأن املخالف>ن الذين يكيدون
لكل جماعة مؤمنة .وقد يكون التخCي بإشغال الحياة Mي طلب املتاع الزائل ،وبالبحث عن
وسائل الراحة والا*°ماك Mي الشهوات ،وهذا شأن القطاع ٔالا:بر من الناس الذين ال يتجاوز
تفك>xهم حدود مصالحهم الشخصية .وهكذا فإن الجماعة املؤمنة تقع ب>ن املخالف>ن
والخاذل>ن.
ج( وإن الجماعة املؤمنة تكون ظاهرة عCى من عاداها وناوأها وخذلها ،و]ي املؤيدة بنصر ﷲ
تعا"ى ال يضرها أحد من أعدا*ا .ومع G¢قول الن´ ) وهم ظاهرون ( :قال ابن حجر ) :أي
غالبون ،أو املراد بالظهور أ*°م غ> xمستxين بل مشهورون .ثم قال ابن حجر :ؤالاول أو"ى (
78
) ،(214ويبدو أن الثاني أو"ى ،وأن الظهور هو ظهور وجود واش*¥ار وإصرار عCى الحق وثبات
ً
عليه ،ويشهد لهذا املع G¢الرواية ال Hأخرجها البخاري ) :ولن يزال أمر هذﻩ ٔالامة مستقيما
ح GHتقوم الساعة ،أو ح GHيأتي أمر ﷲ( ) ،(215وال يلزم من الاستقامة الغلبة بالقوة املادية،
بل تكون الاستقامة ولو كانت الجماعة مستضعفة مضطهدة.
ولعل ابن حجر رجح مع G¢الغلبة ملا رأى من غلبة بعض أهل الحق عCى قطر أو ناحية من
ُ
زمن الن´ إ"ى زمانه .ولو عاش Mي العصور املتأخرة لرأى كيف غلب أهل الحق من قبل
أهل الباطل ،ولكن أهل الحق مصرون عCى حقهم ،ثابتون عليه ،معروفون به ،وال تقوى
ٔالاهواء عCى اقتالعهم من فكرهم ،وال يض>xهم ما يجدون من الصعاب والعقبات وصنوف
ٔالاذى وألوان الا*امات ،بل يواصلون س>xهم ،ويراهم الناس قائم>ن بأمر ﷲ تعا"ى .قال
النووي ) :ال يزالون عCى الحق ح GHتقبضهم هذﻩ الريح اللينة قرب القيامة( ) .(216لقد كان
رسول ﷲ وأصحابه ظاهرين عCى أهل مكة من املشرك>ن رغم ما كانوا يالقونه من ٔالاذى
واملطاردة ،وكذلك حال الجماعة املؤمنة القائمة بأمر ﷲ ف· ظاهرة وإن لم تكن لها
السيادة السياسية والاجتماعية.
تعي>ن الجماعة وهل ]ي واحدة؟
ال خالف Mي أن جماعة املسلم>ن Mي عهد الن´ وخلفائه الراشدين ]ي السواد ٔالاعظم من
ٔالامة الذي يحكم بشرع ﷲ تعا"ى .وظلت ٔالامة Mي مرحلة الجماعة ال Hتمثلها دولة إسالمية
قوية إ"ى أن دالت دولة ٕالاسالم ،فانفرط بذلك عقد ٔالامة الواحدة ،ونشأت ف*jا جماعات
ش.GH
ويبدو أن بعض العلماء قد نظروا إ"ى خصوص النص بفئة ،ح GHولو كانت ٔالامة Mي خ>x
قرو*°ا ،وهاهو ٕالامام أحمد وعCي بن املدي ¢وأبو عبدﷲ الحاكم يحملون النص عCى أن
املقصود هم أهل الحديث .وقد نقل الحاكم عن ٕالامام أحمد قوله ) .إن لم يكونوا أصحاب
الحديث فال أدري من هم( ،وقال الحاكم ) :فلقد أحسن أحمد بن حنبل Mي تفس> xهذا
الخ xyأن الطائفة املنصورة الُ Hيرفع الخذالن ع*wم إ"ى قيامة الساعة هم أصحاب
الحديث( ).(217
).(294/13) 9? /W >5 (214
?> .(293/13) ( >5 /! ) : )(215
).(132/2)$7 67! <= 45 \I$! (216
).(2 C) 6B?7 G? 67- 5D! (217
79
ورغم الدور العظيم الذي قام به املحدثون Mي خدمة السنة النبوية وصيان*¥ا ،وإال أننا ال
نستطيع القول بأن هذﻩ الطائفة مستمرة إ"ى قيام الساعة ،وفقد توقف عطاؤها
واج*¥ادهاـ فيما عدا أفراد قالئل ـ كما توقف عطاء غ>xها منذ مئات السن>ن ،ؤالاصل Mي
نص الحديث الاستمرار ،وبقاء الطائفة ح GHقبيل الساعة.
ً ً
أما ٕالامام محمد عبدﻩ فقد ذهب مذهبا بعيدا عندما استعرض حديث الفرق ثم قال) إن
هذا الحديث قد أفادنا أنه يكون Mي ٔالامة فرق متفرقة ،وأن الناي م*wم واحدة ،وكون ٔالامة
قد حصل ف*jا افxاق عCى فرق ش ،GHتبلغ العدد املذكور أو ال تبلغه ثابت ،وقد وقع ال
ً
محالة ،وكون الناي م*wم واحدة أيضا حق ال كالم فيه . .ثم قالّ :أما تعي>ن أي فرقة ]ي
الفرقة الناحية أي ال Hتكون عCى ما الن´ عليه وأصحابه فلم يتب>ن "ي إ"ى ٓالان ،فإن كل
طائفة ممن يذعن لنبينا بالرسالة تذهب تجعل نفسها عCى ما الن´ عليه وأصحابه( ).(218
وقد اعxض الشيخ رشيد رضا عCى أستاذﻩ Mي هذا املذاهب ،وعزاﻩ إ"ى تأثر أستاذﻩ باآلراء
الفلسفية والكالمية ،وإ"ى حرصه عCى جمع كلمة املسلم>ن ،وأنه كان ينقصه سعة الاطالع
عCى كتب الحديث .ثم عقب عCى مذهب أستاذﻩ ،بأن أهل الحديث وعلماء ٔالاثر املهتدين
*oدي السلف هم هذﻩ الطائفة ،وأ*°م ثلة من ٔالاول>ن وقليل من ٓالاخرين ،وأ*°م ال يمكن أن
يكونوا أتباع أحد من علماء الكالم املبتدع ،سواء م*wم من ضر ومن نفع ،وال من املقلدين
ً
Mي الفروع أيضا).(219
وذهب صاحب زاد املسلم إ"ى أن هذﻩ الطائفة ]ي الفئة املجاهدة Mي فلسط>ن ،وذلك Mي
زمان املؤلف).(220
ً
مذهبا ﱠ
أعم من كل ما سبق فقال ) :إن هذﻩ الطائفة مفرقة ب>ن أنواع أما النووي فقد ذهب
املؤمن>ن م*wم شجعان مقاتلون ،وم*wم محدثون ،وم*wم زهاد آمرون باملعروف وناهون عن
املنكر ،وم*wم أهل أنواع أخرى من الخ> ،xوال يلزم أن يكونوا مجتمع>ن بل قد يكونون
متفرق>ن Mي أقطار ٔالارض( ).(221
والذي يظهر "ي أن هذﻩ ٔالاقوال محصورة بأزمان قائل*jا ،ففي زمن ٕالامام أحمد كان
املحدثون حملة السنة واملنافح>ن ع*wا أمام الفلسفة اليونانية والهندية ،وأمام الفرق
80
الباطنية ،وقاموا بجهد هائل Mي جمع الحديث وتصنيفه وتمي> Ìصحيحه من سقيمه .ولكن
هذا الدور الريادي للمحدث>ن توقف أو كاد أن يتوقف مع ظهور الكتب املصنفة Mي ٔالابواب
واملسانيد واملعاجم والxاجم والتواريخ ،وساد التقليد Mي العصور املتأخرة كما هو الحال Mي
سائر أبواب املعارف ٕالاسالمية ،وال يمكننا أن نقول أن فئة املحدث>ن ]ي الفئة الظاهرة إ"ى
أن يأتي ﷲ بأمرﻩ أي قبيل يوم القيامة ،ووجود أفراد قالئل من املحدث>ن ال يع ¢وجود
طائفة فاعلة Mي املجتمع ،وال بأس أن ُيقال إن املحدث>ن كانوا يشكلون بعض هذﻩ الطائفة
Mي وقت سابق.
وإذا قال قائل إن الصوفية ]ي الطائفة الظاهرة ،فإن قوله ُيحمل عCى الزمان الذي كانت
ً ً
فيه هذﻩ الفئة فاعلة Mي املجتمع ،فقد أدت الصوفية دورا رياديا زمن الحروب الصليبية،
ً
وكذلك كان دورها رياديا Mي إفريقيا ،عندما وقفت Mي وجه الوثنية ثم Mي وجه الحضارة
الغربية ،وكانت الربط والزوايا قواعد انطالق ،انطلق م*wا ٕالاسالم إ"ى قلب إفريقيا.
وإذا قيل :إن املجاهدين الفلسطيني>ن الذين وقفوا Mي وجه ٕالانجل> Ìوال*jود هم هذﻩ الطائفة
فإن ذلك ممكن Mي ذلك الزمان عندما ألف الشنقيطي كتابه زاد املسلم ،فيكونون من هذﻩ
الطائفة ،ويمكن أن ُيقال ذلك Mي كل من حمل راية جهاد Mي سبيل ﷲ Mي فلسط>ن وMي
غ>xها من بالد املسلم>ن.
والذي يحل هذا ٕالاشكال هو البحث عن طائفة متنوعة Mي الكفاءات والطاقات وٕالامكانات
ؤالافراد ،متحدة Mي الغاية والهدف .وما ذهب إليه النووي قريب من هذا ،وينقص عبارته
عنصر التعميم الزماني.
وقوله ) :أنواع من املؤمن>ن م*wم شجعان مقاتلون ،وم*wم فقهاء ،وم*wم محدثون ،وم*wم
زهاد آمرون باملعروف وناهون عن املنكر( بيان لهذا التنوع ،بل فتح الباب ألنواع أخرى
عندما قال ) :وم*wم أهل أنواع أخرى من الخ>.(x
وإذا أدخلنا Mي حسابنا ٔالاحوال ال Hتعيشها ٔالامة منذ قرن من الزمان فإننا نجد ٔالامة قد
ابتعدت Mي الثقافة والفكر وMي النظم والتشريع عن ٕالاسالم وانقسمت ٔالامة إ"ى فئات ثالث:
فئة تحارب ٕالاسالم ،وتستع>ن بحربه بجميع التيارات الوافدة ؤالافكار املنحرفة .وفئة تنافح
عن ٕالاسالم وتطالب بتحكيم القرآن الكريم وسنة الن´ Mي حياة ٔالامة .وفئة صرفت
جهدها إ"ى هم املعاش وتلبية الحاجات ،وال تعت ¢بالصراع ب>ن الحق والباطل ،إال إذا
تعرضت مصالحها للتوقف.
81
ويمكننا أن نقول بكل ثقة إن هذﻩ الفئة املنافحة عن ٕالاسالم الداعية إ"ى تحكيم شريعته ،
القائمة بأمر ﷲ تعا"ى ]ي الطائفة الظاهرة ،و]ي متنوعة Mي الطاقات وٕالامكانات ،متحدة
Mي ٔالاهداف والغايات ،وال تكون هذﻩ الطائفة عCى املستوى املطلوب إال بالعلم والفقه الذي
يساعد هذﻩ الطائفة عCى فهم أحكام الشريعة ومعرفة عقيدة ٕالاسالم ونظمه وكيفية
الدعوة إليه .وال تكون الجماعة جماعة إال إذا وجد الوالء ب>ن أفرادها ،وال تكون جماعة إال
إذا قامت عCى السمع والطاعة والالÌام.
فالعلم الشرµي شرط من شروطها ،والعمل الشرµي شرط كذلك ،والوالء والالÌام صفتان
الزمتان لها .وقد جاءت بعض روايات الحديث ال Hيفهم م*wا شرط العلم والفقه كالرواية
ً
ال Hأخرجها البخاري وجاء ف*jا ) :من يرد ﷲ به خ>xا يفقهه Mي الدين ،وإنما أنا قاسم وﷲ
يعطي ،ولن تزال هذﻩ ٔالامة قائمة عCى أمر ر*oا ،ال يضرهم من خالفهم ح GHيأتي أمر ﷲ(
ً
) .(222وMي رواية أخرى) :ولن يزال أمر هذﻩ ٔالامة مستقيما ح GHتقوم الساعة أو ح GHيأتي أمر
ﷲ() .(223وقد فهم الكرماني من هذﻩ الرواية أن من جملة الاستقامة التفقه؛ ألنه ٔالاصل ،
ثم قال :و*oذا ترتبط ٔالاخبار املذكورة).(224
ً
وقد ترجم ٕالامام البخاري لباب من أبواب كتابه فقال ) :باب وكذلك جعلناكم أمة وسطا ،
وما أمر الن´ من لزوم الجماعة وهم أهل العلم( ).(225
قال ابن حجر ) :فعرف أن املراد بالوصف املذكور أهل السنة والجماعة ،وهم أهل العلم
الشرµي ،ومن سواهم ولو نسب إ"ى العلم ف· نسبة صورية ال حقيقية( ).(226
وبقي أن ُيقال إن عامة الناس ال تدخل Mي هذﻩ الطائفة إال إذا تفاعلت مع ٕالاسالم
وأحكامه ،ودخلت Mي حلبة الصراع لنصرة الحق وأهله ،وإذا قيل :ما املراد من قوله عليه
الصالة والسالم "فعليكم بالسواد ٔالاعظم"؟ وهل املراد عامة الناس وجمهورهم؟ أم فئة
من الناس وخاص*¥م؟.
فيجيب عCى هذا ٕالامام الشاط´ Mي كتابه الاعتصام حيث يقول :روي أبو نعيم عن محمد
بن القاسم الطو ºÒقال :سمعت إسحاق بن راهوية ،وذكر Mي حديث رفعه إ"ى الن´ قال
82
:إن ﷲ لم يكن ليجمع أمة محمد عCى ضاللة ،فإذا رأيتم الاختالف فعليكم بالسواد
ٔالاعظم .فقال رجل :يا أبا يعقوب ،من السواد ٔالاعظم ؟ فقال :محمد بن أسلم وأصحابه
ومن تبعهم ،ثم قال :سأل رجل ابن املبارك :من السواد ٔالاعظم؟ قال :أبو حمزة السكري.
ثم قالM :ي ذلك الزمان ) يع ¢أبا حمزة( وMي زماننا محمد بن أسلم ومن تبعه ،ثم قال
إسحاق :لو سألت الجهال عن السواد ٔالاعظم ،لقالوا جماعة الناس ،وال يعلمون أن
الجماعة عالم متمسك بأثر الن´ وطريقه ،فما كان معه وتبعه فهو الجماعة .ثم قال
الشاط´ :فانظر Mي حكايته تتب>ن غلط من ظن أن الجماعة ]ي جماعة الناس ،وإن لم يكن
ﱠ
ف*jم عالم .وهو وهم العوام ،ال فهم العلماء فليثبت املوفق Mي هذﻩ املزلة قدمه).(227
وما ذهب إليه إسحاق بن راهويه فهم عميق لدور الجماعة املسلمة والطائفة الظاهرة الH
تتمتع بدرجة من الوµي تجعلها تستوعب شريعة ٕالاسالم وسنة الن´ وتقف Mي وجه
التحديثات الثقافية والاجتماعية والسياسية .وال يخرج املسلمون من حالة الغثاء إ"ى
مجتمع الفتح والنصر إال عن طريق هذﻩ الجماعة املؤمنة والطائفة امللÌمة بما عليه الن´
وأصحابه.
الفهم لغة:
ب>ن صاحب لسان العرب مع G¢كلمة الفهم فقال :
معرفتك الºÚء بالقلب) .(228وعندما تعرض صاحب
ً
اللسان لكلمة ) علم ( :علمت الºÚء ،أعلمه ،علما:
عرفته).(229
وهذا يع ¢أن كلمة ) الفهم ( ف*jا مع G¢زائد عCى كلمة )العلم( ،فالعلم إدراك يقل عن
الفهم الذي هو إدراك القلب ،وهذا يع ¢أن كلمة الفهم تشارك كلمة العلم Mي موضوع
83
املعرفة وتزيد عل*jا فيأمر إقامة نوع عالقة مع ٔالاشياء ،من خالل الواقع وممارسة املعارف،
مع إدراك أبعادها وعالقا*ا ،لتصبح بعد هذﻩ املمارسة كأ*°ا جزء من الذات.
وقد اعتدنا عCى أن ال نستخدم كلمة ) فهمت( إال بعد استقرار املعلتومات والوصول إ"ى
تصور كامل لها ،وتطبيقها لالطالع عCى جوانب ال نصل إل*jا بمجر املعرفة ،فالطالب ال يفهم
املعادلة الكيماوية بمجرد إدراك رموزها ولو ذكر املعلم نتائج التفاعل ،ما لم يذهب إ"ى
املخت xyليشاهد بنفسه تلك املعادلة عCى شكل مواد تتفاعل ،وتنتج مواد جديدة يراها
ً
الطالب بعينيه ،ويسمع أصواتا جديدة يسمعها بأذنيه ويشم روائح جديدة ،وعندئذ
تتحول قراءته للمعادلة إ"ى قراءة جديدة و]ي قراءة فهم؛ ألنه يدرك بوجدانه وقلبه أشياء
كث>xة ال يتم تسجيلها أو التعب> xع*wا بالرموز ،وعندما تتعدد الوسائل املدركة وتك¨ xفإ*°ا
تحتاج إ"ى معرفة بأفرادها ،وإ"ى معرفة أخرى بالعالقات فيما بي*wا.
فإذا اقتصر عCى النوع ٔالاول من املعرفة فإ*°ا تكون معرفة تحليلية جزئية ،واملعرفة
التحليلية الجزئية ]ي سبب من أسباب تخلف الفهم ،فقد ابتCى املسلم املعاصر *oذا النوع
من املعرفة الذي قد يظهر ف*jا العلم Mي أعCى صورﻩ ،إ"ى جانب الجهل Mي أدنى صورﻩ .فقد
رأينا فقهاء وعلماء لهم حظ كب> xمن العلم Mي تخصصا*م ولك*wم ال يستوعبون حركة هذا
التخصص ضمن مجموعة املعارف ،وال يركزون عCى مكان هذا التخصص ضمن ٔالامكنة
ٔالاخرى ،وال يبحثون عن العالقات والروابط ب>ن هذا التخصص والتخصصات ٔالاخرى ،وال
يعيشون بتخصصهم Mي البناء املتكامل لقضايا ٕالاسالم.
وتكمن خطورة هذا النوع من املعرفة Mي ظهور مرض نستطيع أن نسميه تضخم الفهم"
وهو مرض البد أن ينتج باملقابل ضمور الفهم ،فهذا املسلم املستغرق بنشاط واحد ونوع
واحد من املعارف ٕالاسالمية ،يصاب باستيالء هذا النوع عليه ،فيظن أن ٔالامور كلها مبنية
ً
عليه ومستمدة منه ،وليس هذا الضرب من الخلل أو املرض حديثا عCى ٔالامة بل هو قديم،
حيث كان بعض العلماء يرى العلم كله Mي الفقه وآخرون يرون العلم كله Mي الحديث ،
وغ>xهم يرون العلم كله Mي التفس> ، xونشأت مذاهب جديدة ،بعضها يرى الحل كله Mي
الxبية الخلقية وال*¥ذيب ،وبعضها يرى الخلل كله Mي التفك> xالسيا ،ºÒوبعضها يرى الحل
كله Mي العمل العسكري ،إ"ى غ> xذلك من مظاهر تضخم الفهم وضمورﻩ.
أركان الفهم:
84
ً
وخروجا من أزمات الفهم وأمراضه البد من تحليل منطقي ألركان الفهم كي نتجاوز مرحلة
املعرفة الجزئية إ"ى مرحلة املعرفة الكلية ،وكي نخرج من املرحلة الذرية ال Hتظهر ف*jا
املعارف عCى شكل ذرات متناثرة ،و]ي الحالة ال Hيعاني م*wا املسلمون Mي الفكر وMي السلوك
عCى السواء ،وهذا يساعدنا عCى عالج املظاهر الاجتماعية والسلوكية بعد معالجة ٔالاساس
النظري والفكري ،وMي ضوء هذا التحليل يمكننا أن نضع العالج ملا كان ُيشار إليه من
ً
ٔالامراض ،كما كان ُينسب إ"ى الشيخ محمد عبدﻩ قوله ) :ما أقوى املسلم>ن أفرادا وأضعفهم
جماعة ،وما أعظم ٕالاسالم وأضعف املسلم>ن(.
َ
وهذا املرض البد أن يكون ناشئا عن خلل Mي معادلة الفهم بأن يكون ٕالاسالم بوضعه
النظري املفرق ال بوضعه النظري املركب هو السائد Mي العقول والنفوس.
وإنه ملن الضروري أن أش> xإ"ى ضرورة فرز مرحلة التفهم السقيم من مرحلة الفهم السليم
Mي التاريخ ٕالاسالمي ،وإن كانت الحاجة ماسة اليوم إ"ى استنباط الفهم السليم؛ ألن هذا
الفرز يساعدنا عCى فهم التاريخ ٕالاسالمي ومعرفة أسرار القوة والضعف فيه ،إذ لم يعد
يجدي أن ُيكتفى بالقول إن عصر النبوة والخالفة الراشدة هو عصر قوة ونشاط ،والعصور
قل ف*jا النشاط إ"ى أن وصل الحال إ"ى ما ُيسم Gبعصر الانحطاط ،فالبد من التالية عصور ّ
تحليل الفهم واستحداث معاي> xلهذا الفهم كي نتمكن من تجاوز عصور الانحطاط إ"ى
عصور العمل والنشاط ،وبذلك فقط نستطيع أن نتجاوز تلك الهوة السحيقة ب>ن العصور
ٔالاو"ى والعصر الحديث.
خارطة الفهم:
ولفهم أركان الفهم فإننا نصور الفهم بخارطة جغرافية البد أن تجتمع ف*jا أركان ثالثة:
الركن ٔالاول:
اشتمال هذﻩ الخارطة عCى جميع ٔالاجزاء من املدن والقرى والتضاريس والطرق والجبال
ؤالا*°ار ،وتكون هذﻩ الخارطة معxyة عما ترمز إليه بمقدار اشتمالها عCى مكونات ما ترمز
إليه.
وخارطة الفهم ٕالاسالمي البد أن تشتمل عCى مكونات ٕالاسالم ،فإذا كانت هذﻩ الخارجة
ً ً
متكاملة كان الفهم متكامال ،وبمقدار نقصها يكون الفهم ناقصا .والجدير بالذكر أن نقص
الفهم يؤدي إ"ى نقص Mي اللوك والعمل ،بل وMي التصور ،ويقود بالتا"ي إ"ى فهم آخر ُيخرج
صاحبه عن الصراط املستقيم ،فال يصل صاحب هذا الفهم الناقص إ"ى ٔالاهداف املتوخاة.
85
إن بعض العامل>ن لإلسالم يعانون من فشل نا ºßعن نقص خارطة فهمهم ،فعندما يطرح
ً ً
مسلم ما فكرﻩ ٕالاسالمي خاليا من تصور الحكم والسياسة ،أو خاليا من تربية النفس
ً ً
وتزكية الروح ،أو خاليا من تربية العقل وتنشيط الفكر ،أو خاليا من تربية البدن وتقوية
ً ً ً
ٔالاجساد ،أو مركزا عCى صالح الفرد بعيدا عن صالح املجتمع فإن مثل هؤالء جميعا
يشكلون أزمة فهم ال تسبب تأخ> xاملس>xة فقط بل قد تؤدي إ"ى جنوح املس>xة وشطط
يخرج عن الصراط السوي.
إن شمولية ٕالاسالم ليست موضع اج*¥اد بل ]ي شمولية نصية ال يجوز بحال من ٔالاحوال
تجاوزها ،والذي يريد أن ُيخرج بعض مشتمالت ٕالاسالم منه تحت ضغط واقع مع>ن يحمله
عCى حذف ºßء من ٕالاسالم فإنه يرتكب بذلك كب>xة Mي الوقت الذي يظن فيه أنه يحسن
ً
عمال ،وسيؤدي فعله هذا إ"ى تكوين عقول يتطاول عل*jا ٔالامد وتتصلب عCى هذا الفهم
السقيم.
لقد آن ٔالاوان للمسلم>ن أن ينظروا إ"ى نقص الفهم واجÌائه بالدرجة نفسها ال Hينظرون
ف*jا إ"ى نقص ٕالاخالص.
إن النتيجة ٔالارضية ال Hينتجها نقص الفهم ونقص ٕالاخالص واحدة و]ي الفشل .وال
نتعرض للنتيجة ٔالاخروية؛ ألننا ننظر إ"ى املسألة نظرة عملية ،وال ينبñي أن *°مل فكرة
نجاح العمل Mي الدنيا ملا يxتب عليه من ظهور الحق وزهوق الباطل ،و]ي نتيجة تتحقق
معها جدية ٕالاسالم ،وتظهر من خاللها أحقيته لكل ذي عين>ن.
الركن الثاني:
ولفهم خارطة الفهم البد من تصور الخارطة الجغرافية املشتملة عCى جميع ٔالاجزاء ،وقد
ً ً
أخذت أجزاؤها ٔالاحجام الطبيعية ،ال تختل هذﻩ ٔالاحجام ال تصغ>xا وال تكب>xا ،وعندما
تختل ٔالاحجام تكون الخارطة خادعة ،وكذلك فإن خارطة الفهم تكون خادعة ألصحا*oا
ُ ّ عندما ُي ّ
صغرون أجزاء فهمهم. كxyون وي ِ ِ
إن من يضع عCى عينيه عدسة مكxyة أو ينظر من خالل املجهر البد أن يضع Mي اعتبارﻩ أن
ً
ما يراﻩ من ٔالاحجام واملسافات ليس حقيقيا ،فإذا تصور هذا ٔالاشياء حقيقة فسيتصرف
ً ً
تصرفا خاطئا ؛ ألنه سيظن أن الجسم الذي رآﻩ عن طريق املنظار عCى مسافة أمتار منه
وهو Mي الواقع بعيد ،وسيتصرو أن الذرة الصغيةر جسم كب> xيحتاج إ"ى قوة كب>xة ،و]ي Mي
الحقيقة ال تقع تحت اللمس أو تحت الحركة.
86
وقد أصيب بعض املسلم>ن *oذا النوع من التضخم Mي فهمهم ألمور ٕالاسالم وقضاياﻩ.
فالكالم Mي موضوع الخالفة والعمل من أجلها ضروري للفهم الصحيح ،ولكن أن يستغرق
الكالم عن الخالفة مساحة ٕالاسالم إ"ى درجة تصغر معها ٔالاجزاء ٔالاخرى ح GHتكاد تخرج
عن الاهتمام هو أمر يق ºÁعCى الخالفة نفسها ،والنظر إ"ى تربية الروح وتزكي*¥ا نظرة
استغراق تخضع جميع أنواع النشاط لسيطر*ا وهيمن*¥ا بحيث تصغر أمور ٕالاسالم ٔالاخرى
هو أمر يق ºÁعCى الروح نفسها؛ ألنه ال يقول عاقل بأن التضخم حالة صحية ،بل هو
حالة مرضية ،وكذلك تضخم الفهم.
لقد أصيب بعض العامل>ن للغسالم بمثل هذا التضخم إ"ى درجة أ*°م ثبتوا اهتمامهم Mي
زاوية من الزوايا ولم يخطر عCى بالهم سوى هذﻩ الزاوية ،فأصبحت حال*¥م حال املريض
الذي أصيب *oذيان فال تسمع منه سوى كلمة وانحدة يرددها ،وكلما حاولت أن تعيدﻩ إ"ى
التوازن ضجر بمحاولتك ليعود إ"ى هذيانه.
إن تصور ٔالاحجام املناسبة لعناصر الفهم شرط أساس للعمل ،فإذا اختلت ٔالاحجام فإنه
البد أن يعود خللها عCى الخطة والفهم ،وبالتا"ي عCى النتائج والثمرات .وإن الانحرافات
الكب>xة Mي تاريخ البشرية كانت ترجع Mي كث> xمن ٔالاحيان إ"ى الخلل Mي مساحات الفهم
وأحجامه ،فال*jود الذين ال يعرفوا من دي*wم إال أ*°م شعب ﷲ املختار جعلهم فهمهم هذا
يتجاوزون حدودهم إ"ى درجة يتصورون معها تفوق عرقهم عCى كل عرق ،وطالبوا بإخضاع
كل ºßء لطموحات هذا العرق ورغباته ح GHﷲ تعا"ى ،فقد صورت لهم أنفسهم تفوقهم
عليه.
ً
وكذلك النصارى الذين رثوا لحال عي» Gºعليه السالم فلم يجدوا تعب>xا يناسب هذا الرثاء
ً
إال نعته بنعوت التأليه والتعظيم ليصبح فيما بعد إلها عCى حد زعمهم ،لقد اختلطت
العظمة باأللوهية ولم يعد من السهل تمي>Ìها فانحرفوا وضلوا.
وكذلك أمر مشركي العرب الذين كانوا يعظمون بعض رجالهم ،ثم انتقل التعظيم إ"ى ٓالاثار
ال Hعاش الرجال عCى مقربة م*wا ،ثم نسوا أولئك الرجال لتحل ٔالاصنام محلهم وتستو"ي
عCى عقولهم وقلو*oم ،وهكذا فلو أننا سرنا مع شعوب ٔالارض لوجدنا أن هذﻩ الشعوب قد
أصيبت Mي فهمها أك¨ xمما أصيبت Mي إخالصها للمعتقدات.
ً
وليس أمر كث> xمن املسلم>ن بعيدا عن هذا ،ومع أن املسلم يبقى Mي دائرة ٕالاسالم Mي كث>x
من ٔالاحيان مع تضخم فهمه ،لكنه لن يصل إ"ى النتائج ال Hيطمح للوصول إل*jا.
87
إن الفرق ٕالاسالمية ]ي تعب> xعن تضخم الفهم وخلله ،فالقدرية الذين أنكروا القدر قوم
متصفون بالصالح والتقى ،ولك*wم وقعوا Mي أزمة فهم جعل*¥م ينفون القدر ويتصورون أن
ً
علم ﷲ تعا"ى ليس أزليا بل هو علم حادث يكون بعد حدوث ٔالاشياء .لقد أرادوا تÌÝيه ﷲ
تعا"ى عن الظلم ،وتضخم هذا الجانب Mي نفوسهم وبالغوا فيه ح GHأوقعهم بوصف ﷲ
تعا"ى باجلهل ،فخرجوا عن قاعدة التÌÝيه وهم يريدون التÌÝيه ،ونجد هذا Mي الحديث الذي
أخرجه ٕالامام مسلم) .(230عن ابن عمر عندما جاء يح
Gبن يعمر وحميد بن عبد الرحمن
ً
الحم>xي فقاال له :إن قبلنا أناسا يقرؤون القرآن ويتقفرون ) (231العلم وذكروان من شأ*°م
ُُ
،أي من زهدهم وعباد*م ،وأ*°م يقولون :ال قدر ،وأن ٔالامر أنف ) أي مستأنف ( ال يعلمه
ابتداء ،فقال ابن عمر :إذا لقيت أولئك فأخxyهم أني بريء م*wم وأ*°م برءاء م، ¢ ً ﷲ
ً
فوالذي يحلف به عبدﷲ بن عمر لو أن ألحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما تقبل منه إال أن
يؤمن
بالقدر ،ثم ساق الحديث الذي يتناول قصة مÓيء جxyيل عليه السالم إ"ى الن´ وفيه
بيان أركان ٕالايمان.
وقد وصل ٔالامر ببعض دعاة التÌÝيه إ"ى درجة نفوا معها الصفات بحجة توحيد ﷲ تعا"ى
مخلص>ن فيما ذهبوا إليه Mي التعطيل ،واملش©*ة واملعطلة سواء Mي النتيجة ،وال ينبñي أن
توصف فئة م*wم بالعبقرية والتم> Ìكما حاول املستشرقون وتالمذ*م أن يصفوا املعÌلة
بأصحاب الفكر الحر والعقل الن> xوهم Mي الحقيقة أناس جنحوا Mي فهمهم.
ً
وكذلك ٔالامر بالنسبة للشيعة الذين أحبوا عليا ر ºÙﷲ عنه وآله ،ورثوا ملا أصا*oم،
فأخرجهم هذا الرثاء عن جادة الفهم حيث تضخم جانب الحب واملوالاة ،وسيطر عCى
ً ً
فهمهم ووجه حرك*¥م ع xyالتاريخ توج*jا خاطئا ،وكان ينبñي أن يعلموا أنه ال يلزم من حب
إنسان أن نخرجه عن ٔالاطوار البشرية ،ونرتب جميع ٔالاوراق التاريخية السابقة والالحقة
ً
تبعا لهذا الجانب.
وأما الخوارج فهم فئة تم>Ìت بجهادها وثبا*ا وصالب*¥ا وإقبالها عCى العبادة وقراءة القرآن ،
وهم كما ُوصفوا ) أنضاء عبادة واطالح سهر ( ) (232ولك*wم أصيبوا بتضخم الفهم عندما
88
ً ً
عجزوا عن تصور الجمع ب>ن كون املسلم عاصيا وكونه مؤمنا Mي وقت واحد ،فحملهم طلب
وضوح املوقف وتحديدﻩ من املعصية عCى تكف> xاملسلم>ن فوقعوا Mي معصية أك ، xyلقد
غاب ع*wم أن النصوص الشرعية لها أصول تفهم من خاللها ،وأن التعارض فيما بي*wا هو
تعارض ظاهري يزول بالعلم والرؤية الواسعة.
ً ً
وعند فقدان ٔالاصول والعلم يصبح التعارض شبحا ثقيال عCى العقل ،فيحمل املسلم عCى
اختيار نص وطرح نص آخر ،وهو Mي الوقت الذي يريد تحكيم شريعة ﷲ من خالل شعار )
ً ً
إن الحكم إال هلل ( يكون قد رفض شريعة ﷲ برفضه نصا من النصوص أو حكما من
ٔالاحكام ،ولبيان هذا ٔالامر ملا له من ٔالاهمية نمثل بنص>ن يبدو ف*jما التعارض .
ً
النص ٔالاول :أخرج ٕالامام البخاري ومسلم حديثا جاء فيه ) من قتل نفسه بحديدة فهو Mي
ً ً ً
نار ج*wم يتوجأ بحديدته خالدا مخلدا ف*jا ،ومن تجرع سما فهو Mي نار جهنم يتجرعه
ً ً
خالدا مخلدا ف*jا( ).(233
وظاهر هذا النص يفيد أن من قتل نفسه فهو خالد Mي النار ،والخلود Mي النار جزاء الكفار،
وعليه فقتل النفس كب>xة يخلد صاح©*ا Mي النار.
النص الثاني :أخرج ٕالامام مسلم Mي صحيحه من طريق جابر أن الطفيل بن عمرو الدوºÒ
أتى الن´ فقال :هل لك Mي حص>ن حص>ن ومنعة ،قال حصن كان لدوس Mي الجاهلية،
فأبى ذلك الن´ للذي ذخر ﷲ لألنصار فلما هاجر الن´ إ"ى املدينة هاجر إل*jا الطفيل
بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا) (234املدينة ،فمرض فجزع فأخذ
مشاقص) (235له فقط *oا براجيمه) (236فشخبت يداﻩ ح GHمات ،فرآﻩ الطفيل Mي منامه،
ً
وهيئته حسنة ،ورآﻩ مغطيا يديه ،فقال له ما صنع بك ربك ؟ ،فقال :غفر "ي بهجرتي إ"ى
ً
نبيه فقال :ما"ي أراك مغطيا يديك ،قال :قيل "ي لن نصلح منك ما أفسدت ،فقصها
الطفيل عCى رسول ﷲ فقال رسول ﷲ ) :اللهم وليديه فاغفر( ).(237
?> ! 103/1 /!@ AB 67 ?> .5778 < 247/10 7 J ( >5 0 : )(233
< .175
.(6 I5 6I ; ) ,9 A K H9 /! 87 ; : 4J: 1F $! 95 )(234
!=.N5 1 $ 85 6I C=! N!9 : CF )(235
!.N @ 1 ! : 9 )(236
?> !.184 < 109/1 /!@ AB 67 )(237
89
ً
وهذا النص يفيد أن قاتل نفسه ليس مخلدا Mي النار بل هو Mي الجنة كما أخ xyالن´
بإقرارﻩ رؤيا الطفيل ،ودعائه لقاتل نفسه باملغفرة.
ويبدو التعارض الظاهري ب>ن هذين النص>ن ،ولكن علماء العقيدة أزالوا هذا التعارض من
خالل فهمهم املÌن ،فحملوا النص ٔالاول عCى أن من قتل نفسه وهو مستحل لهذا الفعل
ً
أي معتقدا حله ،ومن اعتقد حل ºßء حرمه ﷲ فهو كافر خالد مخلد Mي النار.
ً
وأما النص الثاني :فقد كان الفعل ناتجا عن ضجر وسأم ال عن استحالل ما حرم ﷲ ،فلم
ً ً ً
يكن قاتل نفسه كافرا وال خالدا مخلدا Mي النار ،بل هو مقxف ملعصية مع بقاء أصل
ٕالايمان Mي نفسه ،ويبقى Mي دائرة وزن ٔالاعمال وعرضها عCى ﷲ ال Mي دائرة حبوط ٔالاعمال
وركمها Mي جهنم ،وإذا دخل املؤمن النار عقوبة عCى معصية فعلها فسيخرج م*wا بعد أن
ينال جزاءﻩ إذ ال خلود ألهل ٕالايمان Mي النار.
وأما Mي العصر الحديث فقد أصيب بعض الدعاة بمثل هذﻩ ٔالازمة Mي الفهم فنظروا إ"ى
ً
العصاة والجالدين نظرة جعل*¥م يحكمون عل*jم بالكفر والخلود Mي النار ،ظنا أ*°م ال
يستطيعون تعبئة الرأي العام ضدهم ،وال يمك*wم إقناع الناس بفساد هؤالء إال إذا
استندوا إ"ى نصوص تحكم عل*jم بالكفر والخلود.
وهذﻩ الفئة يمكن أن ُيقال ف*jا إن فكرها قد انحرف Mي ظل الفتنة ،وكان ينبñي أن يحافظ
الفكر عCى طبيعته ومنهجه حM GHي ظل الفتنة ،بل نحن أحوج إ"ى الفكر املÌن Mي الفتنة
أك¨ xمنه خارجها.
فالفكر ال يتعرض لالنحراف Mي ٔالاحوال العادية ،وإنما يتعرض لالنحراف Mي املنعطفات
الحادة ،فإذا وقعت ٔالاجساد اس>xة آلالم السياط فال ينبñي لألفكار أن تلتوي كما تتلوي
ٔالاجساد.
إن قساوة قلب السجان ،وانحراف فطرة الجالد هما مظهران من مظاهر السوء ودليالن
عCى فساد القلوب ،ولكننا نضعهما Mي مكا*°ما Mي مقاييس الشر ،والبد أن ُيقتص من كل
ظالم ،ولكن ال ينبñي أن يصل ٔالامر إ"ى درجة التكف> x؛ ألن التكف> xال يكون إذا إذا أنكر
ً
املسلم معلوما من الدين بالضرورة ،باإلقرار عCى نفسه بالكفر أو إنكار آية من كتاب ﷲ ،
أو باستحالل ما حرم ﷲ أو بتحريم ما أحل ﷲ .
إن الفهم املÌن يجعلنا نستطيع أن ندرك هذﻩ املعادلة ،ويمكن عندئذ أن يحكم الرجل
عCى جالدﻩ باملعصية ال بالكفرM ،ي ح>ن يحكم بالكفر عCى رجل رثى لحاله ومسح عCى
90
جراحه ووافاﻩ بطعامه وشرابه ،ولكنه همس همسة واحدة قال ف*jا إن الºÚء الفالني
ً
الذي حرمه ﷲ كان أو"ى أن يكون حالال ،أو إن الºÚء الفالني الذي أحله ﷲ كان ٔالاو"ى
ً
أن يكون حراما .ونحن ح>ن نرى شارب الخمر ال يجوز أن نحكم عليه بالكفر ،وقد نرى آخر
ً
ال يشر*oا ويعافها ولكننا نحكم عليه بالكفر عندما يقول :ما ينبñي أن تكون الخمر حراما.
الركن الثالث:
أن تأخذ عناصر الفهم أماك*wا الطبيعية فال تتبدل مواقعها ،بل يظهر كل عنصر Mي مكانه
الطبيçي ضمن سلسلة ٔالاولويات؛ وذلك ألن طريقة ترتيب ٔالاولويات تسهم Mي تغي> xاملنهج
وطريقة التفك> ، xفيكون الاختالف ب>ن جماعت>ن ليس Mي وجود عناصر الفهم ،ولكن Mي
ترتيب هذﻩ العناصر ،كما أن البدء Mي املرحلة قبل أوا*°ا يق ºÁعCى املرحلة نفسها ،ولقد
رأينا صنع أعداء ٕالاسالم وهم يحاولون Mي كث> xمن ٔالاحيان أن يجروا العمل ٕالاسالمي إ"ى
مرحلة لم ُيعد العدة لها ،ولم يستوعب شروطها ومقوما*ا ،وكان هذا يؤدي باستمرار إ"ى
إجهاض العمل ٕالاسالمي باستخدام هذﻩ ٔالامصال القاتلة.
فممارسة القتال هو ذروة سنام ٕالاسالم ،ومكون من مكونات ٕالاسالم *+دف إ"ى مقارعة
الفتنة والقضاء عل*jا ،وتمهيد الطريق النتشار الدعوة ووصولها إ"ى كل مكان وإزاحة
العقبات من طريقها ،والبد أن تحتوي عليه خارطة الفهم ،ومن يطالب بإلغاء الجهاد من
الفهم فإنه يكفر ويخرج من امللة.
ً
فقد كفرت القاديانية عندما عطلت هذﻩ الشع>xة عCى املستوى النظري وحذف*¥ا *°ائيا من
خارطة فهمها ،وصور لها دجالها أن ٕالاسالم يمكن أن يتم ويكمل بغ> xجهاد .ومع أن للجهاد
ً
هذها ألهمية وهو فريضة من فرائض الدين إال أن له شروطا ومقدمات البد من اكتمالها،
ح GHنصل إ"ى مكان القتال وفق ترتيبه Mي سلم ٔالاولويات ،وقدوتنا Mي هذا سيد املجاهدين
ً
الن´ محمد ،الذي لم يأذن ألصحابه بالقتال إال بعد هجر*م للمدينة ،علما بأن
ٔالاسباب الداعية للقتال كانت موجودة قبل ذلك ،ولكن الشروط الضرورية للقتال لم تكن
موجودة.
ونحن Mي هذﻩ ٔالايام نواجه أزمة فكرية عند بعض العامل>ن لإلسالم الذين يظنون أن توافر
ٔالاسباب وغزار*ا يغ ¢عن توافر الشروط ،فهم يريدون القتال عCى أي حال ،وهذﻩ معادلة
ُ
ذات شق واحد ،تؤدي إ"ى نتيجة عكسية ،وقد آن ٔالاوان الذي تعتمد فيه القيادة
الراشدة ،صاحبة املنهج والفهم ،كما آن ٔالاوان للمتعجل>ن أن يدركوا ضرورة هذا الرشد ،
91
ومع G¢بعد النظر ،واتباع قاعدة ٔالاولويات ،ح GHال يقع العمل ٕالاسالمي Mي املصيدة الH
ً ً
ينص©*اﻩ له أعداؤﻩ ،وقد تب>ن بما ال يدع مجاال للشك أن مثل هذﻩ املمارسات كانت عامال
Mي تجريد املجتمع من القوة ٕالاسالمية.
مراجعة الفهم:
وللمحافظة عCى هذا الفهم Mي حدود أركانه البد من استحضار العناصر ؤالاولويات ،وأن ال
تغيب هذﻩ ٔالامور عن العامل>ن لإلسالم .كما ينبñي أن ال يصرفنا الا*°ماك Mي مرحلة من
املراحل عن استحضار التصور الذه ¢والنظر لجميع املراحل ،وهذا شرط الستقرار املنهج
وسالمة التفك> ، xوإن أسباب التسرب Mي العمل ٕالاسالمي ترجع Mي كث> xمن ٔالاحيان إ"ى عدم
استحضار هذﻩ ٔالامور أو إ"ى نشاط مبالغ فيه ضمن جزئية من هذﻩ الجزئيات ،ومن أجل
ذلك نجد بعض الدعاة ليسوا قادرين عCى مواكبة الدعوة ،وقد يس>xون ف*jا بأجسادهم
أك¨ xمما يس>xون معها بالئحة فهمهم املتكاملة ،ومثل هؤالء لد*+م قابلية التسرب ،وعالج
هذﻩ القابلية يكون بمراجعة الفهم والوصول إ"ى قناعات حول أركانه.
واملتتبع لسنة الن´ يجد أنه كان باستمرار يعيد عCى الصحابة عناصر فهمهم لإلسالم،
فلو نظرنا Mي حديث جxyيل عليه السالم الذي كان Mي آخر عهد النبوة ،حيث ذكرت فيه
حقائق إسالمية لم تكن مجهولة عند الصحابة بل كانت معلومة ،وقد يقول قائل ما الداµي
ً ً
إ"ى إعاد*ا وترتي©*ا؟ علما بأن الحصابة رضوان ﷲ عل*jم كانوا قد سمعوا كث>xا عن الصالة
والزكاة والصيام والحج وٕالايمان وٕالاحسان والساعة ،ولكن منهج هذا الدين يقوم عCى
طريقه تربوية تعتمد عCى إدخال املعلومة الجديدة Mي ظل معلومات سابقة مرتبة ،لتكون
العملية الذهنية متكاملة ،وإن أفضل طريقة ملراجعة الفهم ]ي معرفة أهداف ٕالاسالم
الكxyى ومقاصدﻩ العظم ، Gواستحضار هذﻩ ٔالاهداف واملقاصد Mي حالة وµي ال تعرف
الهذيان وال التجزئه ،واملنهج السديد تxكز فيه أهداف ٕالاسالم ومقاصدﻩ و]ي أركان الفهم.
والبد من معرفة هذﻩ ٔالاهداف وشرحها للعامل>ن ومعاودة الرح والدراسة لتبقي حية Mي
النفوس ،صيانة لها من الغفلة والنسيان ،وهما أخو الجهل والضالل .
إن استعراض ٔالاهداف يعطي الداعية قناعة بأن دعوته كلية ال جزئية ،وأ*°ا متنوعة
املراحل ،ويوقفه عCى اتساع حقول الدعوة ،ويكشف له عن عظيم الجهد املطلوب لتحقيق
هذﻩ ٔالاهداف ،ويساعدﻩ عCى قياس الجهد املبذول.
92
إن ٕالادراك الواµي لفرق الجهد ب>ن املطلوب واملبذول يدفع الداعية إ"ى مراëي الجهد
املطلوب ،ويشعرﻩ بالتقص> xوبأسباب عدم بلوغ الغاية ،وهذا جزء مهم من عالج حالة
ٕالاحباط Mي نفوس الدعاة .فكث> xمن الدعاة تصي©*م الح>xة لعدم وصولهم إ"ى أهدافهم،
ﱠ
ظان>ن أ*°م وفوا ما عل*jم وأبرءوا ذم*¥م .وهذا يجعلهم ي*¥مون دعو*م بالقصور ،أو
ُيصابون باإلحباط ،والا*ام بالقصور وٕالاحباط سببان رئيسان يخرجان الداعية عن
مسارﻩ.
وزيادة Mي إيضاح هذﻩ الفكرة نقول :إن الجهد املطلوب جهد موضوµي ،مثاله أن نقل مائة
كيلو غرام يحتاج إ"ى قوة حمل تساوي مائة كيلو غرام 100 ،كغم وزن = 100كغم قوة.
إن 90كغم قوة ال يمكن أن ترفع وزن 100كغم.
إن الجهد املطلوب يبينه قول الل تعا"ى :يا أ*+ا الذين آمنوا اتقوا ﷲ حق تقاته وال تموتن
إال وأنتم مسلون ) ،(238ويبينه حديث الٕ " : ¢الايمان بضع وستون أو بضع وسبعون
شعبة ،أعالها ال إله إال ﷲ ،وأدناها إماطة ٔالاذى عن الطريق ،والحياة شعبة من ٕالايمان"
متفق عليه).(239
)(240
وأما الجهد املبذول فيدل عليه قول ﷲ تعا"ى فال تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى
ٓالاية ،وقوله وما أصابكم من ُمصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كث>ٓxالاية ).(241
93
القاعدة الثامنة عشر
الفهم السائد والفهم الواجب
لقد وقع كث> xمن املسلم>ن Mي مشكلة عدم فهم القرآن الكريم ،وهذﻩ ٔالازمة أشد عل*jم
ً
وأفتك *oم من عدوهم .فلقد أنتج الفهم الخطأ فرقا وطوائف مزقت ٔالامة وأتت عCى كلم*¥ا
ووحد*ا .ونحن Mي هذﻩ القواعد نقف عCى الفهم السائد Mي مقابل الفهم الواجب .فقد ساد
Mي ٔالامة فهم أناني فردي يتس xبستار النفعية وهو الضرر بعينه عCى الفرد والجماعة ،حيث
نجد أك¨ xالناس يدورون حول ذوا*م ويشعرون بالسلبية القاتلة عندما يظهور إلحاح
املصلحة العامة .ونجد الدعوة إ"ى الانكباب عCى الذات أو الدائرة الصغرى ،ولسان حال
أحدهم ٓالاية الكريمة :يا أ*+ا الذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضركم من ضل إذ اهتديتم
) ،(242ويفهمون من ٓالاية أن يعتٕ ¢الانسان بشئون الخاصة ويقطع صلته مع الناس ،مع
تكرار كلمات وشعارات مثل :نحن Mي آخر الزمان ،وما شابه ذلك من عبارات اليأس
والقنوط .وهذا الفهم مخالف ألهداف القرآن ومقاصه ،فقد جاء القرآن الكريم رحمة
للعامل>ن إلصالح الفرد والجماعة ،وطالب املسلم بأن ينفرد للدعوة والجهاد وأن ال يكون مع
الخوالف ،وأن ال يقعد مع القاعدين .والقرآن ال تتضارب آياته وال تتناقض مقاصدﻩ،
ً
وليست العوائق والعقبات أسبابا كافية لصرف هذﻩ املقاصد عن بلوغ غاي*¥ا ،ولوال ذلك ملا
ُ
شرع الجهاد بجميع صورﻩ وأشكاله ،وقد ندب ﷲ املؤمن>ن ملكافحة الفن أنى كانت.
ولقد التفت أبو بكر إ"ى خطورة هذا الفهم السل´ العك» ،ºفقد أخرج ٕالامام أحمد Mي
مسندﻩ والxمذي Mي الجامع من طريق التابçي الجليل قيس بن أبي حازم قال :قام أبو بكر
ر ºÙﷲ عنه فحمد ﷲ وأث G¢عليه ثم قال :أ*+ا الناس ،إنكم تقرءون هذﻩ ٓالاية :يا أ*+ا
الذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضركم من ضل إذا اهتديتم وإنكم تضعو*°ا عCى غ>x
موضعها ،وإني سمعت رسول ﷲ يقول " :إن الناس إذا رأو املنكر فلم يغ>xوﻩ أوشك ﷲ
ً ً
عز وجل أن يعمهم بعقابه") ،(243ولو فهم أبو بكر هذﻩ ٓالاية فهما سلبيا ملا أصر عCى مقاتلة
مانçي الزكاة ،ولxك املرتدين يعودون بالعرب إ"ى جاهلي*¥م الجهالء.
94
وقد أخرج ٕالامام أبو عي» Gºالxمذي صاحب الجامع ،بسندﻩ عن أبي أمية الشعباني قال :
أتيت أبا ثعلبة الخش ¢فقلت له :كيف تصنع *oذﻩ ٓالاية؟ قالّ :أية آية؟ قلت :قول ﷲ
تعا"ى :يا أ*+ا الذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضركم من ضل إذا اهتديتم ،قال :أما وﷲ
ً
لقد سالت ع*wا خب>xا ،سألت رسول ﷲ فقال " :بل ائتمروا باملعروف وتناهوا عن
ً ً ً
املنكر ،ح GHإذا رأيت شحا ُمطاعا وهو ًى متبعا ودنيا مؤثرة ،وإعجاب كل ذي رأي برأيه
ً
فعليك بخاصة نفسك ،ودع العوام ،فإن من ورائكم أياما للص xyف*jن مثل القبض عCى
ً
الجمر ،للعامل ف*jن مثل أجر خمس>ن رجال يعملون كعملكم").(244
و*oذا يكون أبو ثعلبة قد فسر ٓالاية ،وحملها عCى الوقت الذي تكون فيه صفات الناس كما
ذكر من الشح املطاع .والشح أعم من البخل غذ هو Mي املال وغ>xﻩ ،فيصبح الشح هو
ً
القاعدة العامة املتبعة ،والهوى متبعا وهو رغبة النفسُ ،ويعجب كل صاحب رأي برأيه فال
شورى وال اتفاق .وقد يقول قائل :إن هذﻩ الصفات تنطبق عCى مجتمعاتنا ،أال ترى الشح
املطاع والهوى املتبع إ"ى آخر هذﻩ الصفات؟ وبذلك تكون ٓالاية منطبقة عCى زماننا ،ونحن
املخاطبون *oا! والحق أن هذﻩ الصفات املذكورة ]ي الصفات ال Hتصبح سائدة عامة فال
يخرج أحد Mي املجتمع ع*wا ،وما زال Mي املجتمع خ> xكث> ،xهنالك الصالحون ٔالاتقياء والكرام
ٔالاسخياء ،وطالب ٓالاخرة ٔالاولياء ،والباحثون عن الدليل من الكتاب والسنة ،وليس املراد
أان يكون بعض الناس عCى هذﻩ الصفات السيئة ،فوجود الشحيح أمر متحقق Mي كل عصر
وMي كل مكان ،ووجود املعجب برأيه املعتد بخطئه واملع Ìبخطيئته ممكن Mي كل دهر .وقد
مدع أن هذا موجود حM GHي عصر الصحابة الكرام وMي عصر التابع>ن ٔالابرار ،و هو ما يدµي ٍ
أشكل عCى بعض الصحابة ح GHقام أبو بكر ينفي هذا ٕالاشكال ،وما اختلط عCى أبي أمية
الشعباني فقام يسأل أبا ثعلبة الخش ¢ر ºÙﷲ عنه ،فصرف أبو ثعلبة زمن تحققها عن
زمان الصحابة الكرام ،وقيد وجودها بالصفات املذكورة عCى وجه ٕالاحكام.
ونحن نقول :إن الزمان الذي تصل فيه ٔالامور إ"ى هذا الحد من الشح والهوى والدنيا املؤثرة
ُ
لم يأت بعد ،ويكون ذلك قبيل يوم القيامة؛ ألن القيامة ال تقوم إال عCى شرار الخلق
وأبغضهم إ"ى ﷲ تعا"ى .وإن استغراق هذﻩ الصفات الذميمة ألبناء الجنس البشري يجعل
الحياة عديمة الجدوى بال هدف ،وعندئذ يكون القدر املقدور Mي تدم> xهذا الكون املعمور.
95
ً
ونقول أيضا :إن هذﻩ الصفات تع ¢فساد الفطرة ٕالانسانية وتنك©*ا عن الخ> xوتمحضها
ُ
للشر .وقد أخxyنا الن´ عن زمان ال تقبل فيه توبة ،وأخxyنا القرآن الكريم عن وقت ال
ً ً
ينفع فيه نفسا إيما*°ا لم تكن آمنت من قبل أو كسبت Mي إيما*°ا خ>xا .قال عليه الصالة
والسالم" :ال تنقطع الهجرة ح GHتنقطع التوبة ،وال تنقطع التوبة ح GHتخرج الشمس من
مغر*oا") ،(245فباب التوبة مفتوح عCى مصراعيه ،والتوبة مبذولة لجميع البشر ،ويxتب عCى
ذلك ٔالامر باملعروف والن· عن املنكر ،وعدم اليأس من النسا ،والقيام بواجب ٕالانذار
والبالغ ،ولكن عندما تنقطع التوبة ُويغلق با*oا بظهور العالمات الكxyى ال Hال ينفع ٕالايمان
فعندئذ ال يفيد ٕالانذار والبالغ إال صاح©*ما Mي حصوله عCى أجرهما وثوا*oما .وهذا ما
ٍ بعدها
جعل ابن مسعود يرى أن بعض آيات القرآن الكريم جاء تفس>xها ،وبعضها لم يأت
تفس>xها.
ثم إن مما تفيدﻩ ٓالاية ت حص>ن النفس ووقاي*¥ا من عوامل الشر بأن يقوم املسلم بعمل>ن
متالزم>نٔ :الاول :إصالح الذات ،والثانيٕ :الاصالح خارجها .والخطر عCى الذات يكون من
داخلها ،ويكون من خارجها ،فإذا تركت الذات دون تحص>ن وحفظ تسربت إل*jا العوادي
الخارجية فأفسد*ا .وٓالاية تأمر املؤمن>ن بأن يحافظوا عCى أنفسهم من هذﻩ العوادي كما
ً
Mي قوله تعا"ى :يا أ*+ا الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودهها الناس
والحجارة).(246
وقد جاء Mي تفس>ٓ xالاية أن مع G¢أنفسكم :قومكم وأمتكم ،كما Mي قوله تعا"ى فسلموا
عCى أنفسكم ) ، (247وكما Mي قوله وال تلمزوا أنفسكم ) (248ويكون املع G¢احرصوا عCى
أمتكم وعCى أهل دينكم.
ونخلص من كل هذا إ"ى أن ٓالاية ف*jا دافعية عظيمة للعمل والحرص عCى مصلحة ٔالامة،
وليست سلبية عدمية تدعو إ"ى ٕالانكباب عCى الذات فقط ،أو عCى املصلحة الخاصة
فحسب.
96
القاعدة التاسعة عشرة
ٔالامر باملعروف والن °µعن املنكر فرض من فروض ٔالامة
ٔالامر باملعروف والن· عن املنكر أبرز خصائص ٔالامة املسلمة ،وعالمة خ>xي*¥ا ،قال تعا"ى :
كنتم خ> xأمة أخرجت للناس تأمرون باملعروف وت*wون عن املنكر وتؤمنون باهلل ).(249
ولتحقيق هذﻩ املزية والصفة الشريفة جاء ٔالامر القرآني بذلك :ولتكن منكم أمة يدعون
إ"ى الخ> xويأمرون باملعروف وي*wون عن املنكر).(250
فاألمر باملعروف والن· عن املنكر دليل عCى حياة ٕالايمان Mي القلب ،وبرهان عCى قيام
الرابطة الحقيقية ب>ن هذا املسلم ٓالامر النا]ي وب>ن دينه،وأنه ينطلق *oذا الدين بجد
وعزيمة.
املعروف واملنكر Mي اللغة والاصطالح:
املعروف Mي اللغة ما عرفه الناس واعتادوﻩ ،واملنكر ما أنكروﻩ ومقتوﻩ.
وأما Mي الشرع فاملعروف ما عرفه الناس واعتادوﻩ مما جاء به الشرع ،واملنكر ماأنكروﻩ
ً
ومقتوﻩ مما ن· Gعنه الشرع .فقد يكون العروف عند الناس منكرا Mي الشرع ،وقد يكون
ً
املنكر عند الناس معروفا Mي الشرع .ففي غياب شرع ﷲ تعا"ى عن املجتمعات تنشأ أعراف
جاهلية تبدل املوازين ؤالاذواق ؤالاخالق ،وها نحن نجد الكث> xمن مجتمعاتنا ٕالاسالمية
ً
تجعل من املنكرات معروفا يحظى بالدعم املادي واملعنوي ،وتحميه ٔالانظمة والقوان>ن ،
وهذا من الثمامر الخبيثة ال Hأنتج*¥ا سلبية ٓالاباء ؤالاجداد ،وموادع*¥م للمنكر وأهله ،
وفسح املجال لدعاة السوء Mي مختلف املجاالت .
مسئولية ٔالامر باملعروف والن· عن املنكر عامة :
ً ً
وليس ٔالامر باملعروف والن· عن املنكر شأنا خاصا ملسلم دون آخر بل ]ي مسئولية عامة
ً
مصدرها التكليف الشرµي العام ":من رأى منكم منكرا فليغ>xﻩ" ،وكلمة "من" من ألفاظ
ً ً ً
العموم ،فكل مسلم آمن باهلل ربا وباإلسالم دينا مكلف شرعا باألمر باملعروف والن· عن
املنكر .وال يستحق والية ﷲ ورسوله والذين آمنوا إال إذا قام *oذا الواجب :واملؤمنون
واملؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون باملعروف وي*wون عن املنكر).(251
97
والقيام *oذا الواجب فريضة شرعية ،بل هو أصل الفرائض الشرعية ،وهو مطلوب Mي كل
ً ً ً ً ً
حال ،وMي كل وقت ،سواء أكان املسلم غنيا أو فق>xا ،قويا أو ضعيفا ،فردا أوجماعة ،كث>x
العلم أو قليله .والذي يتنوع ويختلف إنما هو املنازل والدرجات ،فهذﻩ تختلف حسب
ٔالاحوال ؤالاوضاع ،فأعCى درجات إنكار املنكر التغي> xباليد ،وأدناﻩ التغي> xبالقلب.
بأ*+ما نبدأ:
اقxن ذكر ٔالامر باملعروف بالن· عن املنكر Mي أك¨ٓ xالايات ؤالاحاديث ال Hتحض عCى القيام
*oذﻩ الفريضة ،وجاء ذكر الن· عن املنكر وحدﻩ Mي مواضع أخرى ،وذلك مثل قوله تعا"ى
ُ
عن ب ¢إسرائيل :لعن الذين كفروا من ب ¢إسرائيل عCى لسان داود وعي» Gºبن مريم،
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون* كانوا ال يتناهون عن ُمنكر فعلوﻩ لبئس ماكانوا
يفعلون).(252
ً
وجاء إفراد الن· عن املنكر Mي الحديث " :من رأى منكم منكرا فليغ>xﻩ بيدﻩ ،فإن لم
يستطيع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف ٕالايمان").(253
ً
وهذا التنويع Mي ذكر ٔالامر باملعروف والن· عن املنكر يدل عCى أن كال م*wما قد يطلب Mي
ظروف أو أحوال معينة ،وأ*°ما قد يجتمعان أو ينفردان .والذي يقرر دون كل واحد م*wما
تمكن أحدهما Mي املجتمع ،فإذا تمكن املنكر كما كان الحال Mي مكة قبل الهجرة ،أوكما هو
Mي بعض املجتمعات ٕالاسالمية املعاصرة فإن ٔالامر باملعروف يxyز ويأخذ دورﻩ Mي عملية
التغي> ، xفإذا تمكن املعروف وهيمن عCى املجتمع فإن الن· عن املنكر يxyز ويأخذ دورﻩ
ملعالجه الظواهر الشاذة ،كما كان الحال بعد الهجرة إ"ى املدينة ،وقيام املجتمع املسلم ف*jا
،وكما هو الحال Mي مؤسسة إسالمية ،أو جماعة من الناس رضيت بحكم ٕالاسالم ف*jا.
98
) دور إصالح وترميم ( ) دور تأسيس وبناء(
طبيعة ٔالامر باملعروف :
تتصف طبيعة ٔالامر باملعروف بالحكمة واملودة والرحمة وال، xyوالنظر إ"ى الجانب ٕالايجابي Mي
الشخصية وتنمية هذا الجانب ،ويxyز دور القدوة الصالحة،إذا ال يكون ٔالامر باملعروف إال
من أهل املعروف الذين يظهر عل*jم معروفهم فتكون الدعوة إليه بلسان الحال قبل لسان
املقال.
طبيعة الن· عن املنكر:
تتصف طبيعة الن· عن املنكر باملقاومة واملغالبة وروح التحدي وٕالاثارة ،فهو يتضمن
تسفيه ٔالاحالم وتخطئه ٔالاقوال والتصرفات ،ومقاومة العادات والرغبات.
ومن هنا كان الن· عن املنكر أخطر وأشق من ٔالامر باملعروف.
عملية التغي> xمن خالل ٔالامر باملعروف:
يبدأ ٔالامر باملعروف بكلمة ودود ،ليس ف*jا إثارة أو مغاضبة ،وليس ف*jا مقاومة أو معاندة
،وتكون الكلمة منطقية ذات حجة قوية ،وبذلك تبدأ عملية التغي>M xي املجتمع من خالل
مراحل عدة :
املرحلة ٔالاو"ى:
عندما ُيلقى قول املعروف أو فعله Mي مجتمع املنكر يلقى هذا القول أو الفعل الاستهجان
والسخرية ،وهذﻩ ]ي املرحلة ٔالاو"ى؛ ألن عيون أهل املنكر وآذا*°م وأذواقهم لم تتعود عCى
مثل هذا القول أو الفعل فيقابل بالسخرية والاس*¥زاء والاستهجان ،كما هو الشأن Mي كل
جديد .فلقد أثارت صالة الن´ استهجان أهل مكة وسخري*¥م Mي أول ٔالامر.
املرحلة الثانية:
فإذا واصل أهل املعروف معروفهم فإن مرحلة جديدة تبدأ و]ي مرحلة عدم الرضا واملقت
مع الحوار والجدل .وهنا تبدأ مرحلة الدفاع عن املعروف ،واملحافظة عليه ،وإدامة
ً
زراعته ،وحياطة بذرته بالرعاية الالزمة .والجدير بالذكر أن املعروف يصبح مألوفا عند أهل
املنكر.
املرحلة الثالثة:
99
فإذا واصل أهل املعروف مهم*¥م Mي تأسيسه وتأكيدﻩ ،وتثبيت شعاراته ،وإبراز محاسنه ،
وصxyوا عCى ذلك ،واحتملوا ٔالاذى Mي سبيله ،وأحسنوا العرض والتأييد ،انتقل أمر
املعروف إ"ى عدم القبول أو الxك.
املرحلة الرابعة :
ومن خالل املواصلة Mي قول املعروف وفعله ينتقل ٔالامر إ"ى املساملة واملوادعة ،حيث يصبح
ً ً
أصيال Mي املجتمع ثابتا فيه ،ومع العمل املتواصل ينتقل املعروف إ"ى مرحلة القبول املعروف
والرضا.
املرحلة الخامسة:
ثم تأتي مرحلة ٕالايمان والحماس والنصر والتأييد.
إن هذﻩ الخطوات ]ي الخطوات املنطقية لعملية إرساء املعروف Mي النفس واملجتمع ،وإن
الانتقال من خطوة إ"ى ال Hتل*jا هو عمل إيجابي ،كما أن التحول املطلوب ال يتحقق بسرعة
،وال يتحقق من خالل مرحلة واحدة ،وال يقاس النجاح والفشل بحدوث الانقالب املفائ
ً
أو عدم حدوثه ،لذا فإن فتح مكة ودخول أهلها Mي دين ﷲ أفواجا لم يأت فجأة ،بل من
خالل عمل متواصل بدأ من أول أيام البعثة املباركة.
وبعكس هذﻩ الخطوات تس> xعملية املنكر Mي املجتمع؛ إذ أن أهل املنكر يرضون باليس> xمن
التغي> xاملرحCي ،ح GHيصلوا بمنكرهم إ"ى مرحلة الهيمنة والتحكم.
عملية إنكار املنكر:
ً
عندما يكون املنكر مهيمنا عCى مجتمع ما فالبد من أخذ ٔالامور التالية باالعتبار:
رسوخ املنكر Mي النفس واملجتمع ،وقيام مؤسسات قوية لحمايته والدفاع عنه.
فساد ٔالاذواق والقيم والعادات ؤالاعراف.
يظهر أهل املنكر بمظهر أصحاب الحق املشروع والنظام املؤيد بالقانون ،ويظهر النا]ي عن
املنكر بمظهر الشاذ الخارج عن النظام والقانون.
100
إن استخدام اليد ) القوة ( ملواجهة املنكر الاجتماµي املتمكن ضرب من الانتحار ،وإهدار
للطاقات دون جدوى ،وسيستخدم املنكر جميع مراكز القوة فيه ملقاومة النا]ي وتشويه
صورته ،والعمل عCى استئصاله ،وسيعد عمله ثورة غ> xمشروعة يلقى صاح©*ا ألوان
التنكيل والبطش .وال تستخدم اليد إال Mي إحدى حالت>ن:
ٔالاو"ى :من قبل الدولة املسلمة ؤالام> xاملسلم.
الثانية :من قبل الفرد املسلم Mي املجتمع املسلم Mي بعض الحاالت ،فله أن يكسر قارورة
الخمر وأن يريقه ،وله أن يقتل الخÌÝير ،وذلك إذاكان الخمر والخÌÝير بيد املسلم ،وليس له
أن يقتل فاعل املنكر بل يحيل أمرﻩ إ"ى الدولة.
كيف ننكر املنكر Mي مجتمعاتنا:
وإذا لم ننكر املنكر باليد فليس مع G¢ذلك تعطيل هذﻩ الفريضة ،بل نقوم *oا باللسان،
وإذا لم يمكن ذلك فإننا نقوم *oا بالقلب ،وذلك أضعف ٕالايمان.
أما إنكار املنكر باللسان فله ضوابط ،م*wا -:
ً
أوال ـ أن نتدرج Mي هذا ٕالانكار فنستخدم من ٔالالفاظ والعبارات ما نظن أنه يحقق النتيجة ،
ً
فنبدأ بالكلمة الرقيقة الودود ،واستعمال صيغ العموم دون ذكر اسم صاحب املنكر ابتاعا
للسنة وأنفع للعالج ،وما ُيدفع باألدنى ال ُيلجأ فيه إ"ى ٔالاعCى ؤالاشد ،وقد يكون ٕالاسرار
باإلنكار أو"ى من ٕالاشهار.
ً
ثانيا :أن يبتعد النا]ي عن املنكر عن ذكر ٔالاسماء ؤالاشخاص والهيئات؛ ألن التسمية
والتخصيص قد يتعرض معهما النا]ي للعقوبات والجزاءات ال Hتفرضها القوان>ن.
ً ً
ثالثا :هنالك منكرات Mي املجتمع ثبت منكرها عند الناس جميعا ،والن· ع*wا مقبول لدى
قطاع عريض من الناس ،وذلك مثل الزنا والخمر واملخدرات والاختالط ،فمثل هذﻩ
ً ً
املنكرات لو رفعنا صوتنا بإنكارها فسنجد معنا كث>xا من الناس الذين يمقتو*°ا ويتمنون
إزال*¥ا.
ً
رابعا :وإن جمع ٕالاحصائيات والبيانات ؤالاخبار والتقارير حول بعض املنكرات تجعل الحجة
Mي املقاومة أقوى وأوسع.
ً
خامسا :إن التحري الدقيق لصدق املعلومات أساس Mي إصابة الهدف ،واملبالغة والكذب
يحرمان الداعية من صالبة املوقف وصدق الدعوة.
تغي> xاملنكر بالقلب :
101
وقد ذكر الن´ التغي> xبالقلب فجعله رتبة معتxyة ،ومن لم ينكر املنكر بقلبه فليس Mي
قلبه ºßء من ٕالايمان ؛ إذ أن إنكار املنكر بالقلب هو القاعدة ٔالاساس ،وهذﻩ القاعدة
ً
مشxكة ب>ن جميع املراتب ،فمن أنكر بيدﻩ فالبد أن يكون منكرا بقلبه ،ومن أنكر بلسانه
ً ً
فالبد أن يكون منكرا بقلبه أيضا ،وٕالانكار بالقلب معناﻩ مقت املنكر وكرهه والاشم
Ìاز منه
ً
،ومن كرﻩ شيئا وعاداﻩ بقلبه فالبد أن تتحول هذﻩ الكراهية إ"ى عمل إيجابي يظهر Mي
كلماته وحركاته وسكناته ،فالعاطفة املتأججة ]ي مصدر الحركة والفعل ،وهذﻩ الرتبة رتبة
عامة يقدر عل*jا كل مسلم Mي كل زمان ومكان ،وشرطها عدم الرضا والشعور بالسخط عCى
املنكر وأهل املنكر ،وأدنى درجات هذﻩ الرتبة اعÌال املنكر والابتعاد عنه.
ترك> Ìالجهود:
وإن أجدى ٔالاعمال ؤالاقوال وأوالها ما توجه إ"ى إرساء املعروف ٔالاك ،xyوهو تحكيم شرع
ﷲ تعا"ى ورفع لواء دينه ،وينبñي أن يكون هذا التوجه شغل املسلم الشاغل Mي ليله و*°ارﻩ،
فإذا تركزت الجهود نحو هذا الهدف أوشكت أن تثمر فيجد املسلم عندئذ أك xyالعون Mي
إنكار املنكر ؤالامر باملعروف .
102
القاعدة العشرون
أشد من هجران القرآن مخالفة مقصودﻩ ومناقضة أهدافه
لقد أنزل ﷲ تعا"ى القرآن الكريم كتاب هداية يح
Gبه موات النفوس ،وينظم الحياة،
ويأخذ بأيدي البشر إ"ى أقوم السبل ،ويحقق السعادت>ن الدنيوية ؤالاخروية ،ولقد حقق
القرآن الكريم هذا الدور Mي حياة الصحابة والتابع>ن وأتباع التابع>ن ،وأحدث أعظم حركة
تغي>xية شهدها التاريخ ،وقد نتساءل ملاذا ال يحقق القرآن الكريم هذا الدور Mي حياة
البشرية اليوم؟ أليس القرآن هو القرآن الذي أنزل عCى محمد ؟ أليس هو هو بسورﻩ
وآياته وحروفه ؟ بCى ،إنه الكتاب الذي حفظه ﷲ تعا"ى من التبديل والتغي> ، xوهو أصدق
وثيقة عرفها تاريخ ٕالانسان ،والحق أن فهم القرآن الكريم هو الذي تعرض للخلل ،فلم يعد
أك¨ xاملسلم>ن يفهمون القرآن كما أنزل ،ولم يعودوا يتعاملون مع ٓالاية من خالل رصيدها
الحقيقي من املعاني ،وأصبح املسلم يستعمل ٓالاية Mي غ> xما أنزلت له،
ولكن ﷲ *+دي من يشاء) ،(254وهذﻩ آية ال ﱠ ومن ذلك قوله تعا"ى :ليس عليك هداهم
ً ً
تغيب عن املسلم ،سواء كان متعلما أو أميا ال يقرأ وال يكتب ،وأغل©*م يستشهد *oذﻩ ٓالاية
إما لحسم الخالف Mي موضوع ما ،أو ملطالبة من يدعو إ"ى ﷲ بدعوة مقنعة أن يقلع عن
دعوته بحجة أن ٓالاذان Mي صمم ،والناس ال يستجيبون إ"ى الخ> xوقد ذهب الزمان الذي
ً ً
كان املرء يجد فيه أعوانا عCى الهدى واملعروف ،وتستخدم أيضا إلعطاء املعاند واملكابر
مxyر ٕالاصرار عCى عنادﻩ وكxyﻩ ،فيقول املراقب الخا"ي الطرف من أعباء الحق ) :أترك يا
شيخ ،ليس عليك هداهم (.
وهذا ٔالاسلوب من الاستدالل باآليات الكريمة يناقض مقاصدها وأهدافها ،ويجعلها تعمل
Mي غ> xميدا*°ا ،وأشد من هجران القرآن مخالفة مقصودﻩ ومناقضة أهدافه ،واستخدام
آياته لتxyير القعود والكسل وتعطيل العمل.
حفها من القرائن وما سبقها ولحقها من ٓالايات فسيتب>ن لنا الدور وإذا تأملنا ٓالاية وما ﱠ
ً ً
العظيم الذي تؤديه Mي إيقاظ الهمم ،وإحياء النشاط ،وإثارة الجهد ،جهادا وثباتا ودعوة
إ"ى ﷲ تعا"ى.
103
ً
ومنه أيضا قوله تعا"ى :إنك ال *دي من أحببت ولكن ﷲ *+دي من يشاء وهو أعلم
باملهتدين).(255
فقد جاءت هذﻩ ٓالاية Mي سياق سورة القصص ،بعد الكالم عن قصة مو GºÒعليه السالم
وفرعون ،وبيان ما Mي القصة من أعCى وجوﻩ البالغ وأقواها Mي مواجهة أشرس صور العناد
والجحود والاستكبار ،ورغم سوق الشواهد والدالئل والxyاه>ن ،كل ذلك مؤيدة باملعجزة،
رغم كل هذا فقد أصم فرعون أذنيه عن سماع الحق ،فالهدي مبذول Mي أقوى صورﻩ
وأوضحها ،ولكن فرعون ومألﻩ أخذوا عCى أنفسهم إغالق جميع املنافذ ،وحجبوا بعنادهم
قلو*oم عن الهدى.
وهذا ٔالامر يتكرر ع xyالتاريخ ،فهذا محمد يمكث ي مكة ثالث عشرة سنة ال يxك قومه
Mي ليل وال *°ار إال ويأت*jم بأروع صور البيان وأجالها ،وبأيسر ٔالاساليب وأرفق الوسائل ،مع
فجمع له :البيان العجز والشرف العظيم والقلب الرحيم والحب التحبب والتودد ُ
الخالص ،وبصورة أخرى فقد كانت جميع الدواµي والظروف مناسبة لإليمان بدعوته،
ورغم كل هذا لم يملك هذا الن´ الكريم أن يلزم عمه الحبيب وهو النص> xالشفيق
باإليمان بدعوته والاهتداء *oديه.
أخرج الشيخان) (256بسند*+ما :ملا حضرت أبا طالب الوفاة جاءﻩ رسول ﷲ فوجد عندﻩ
أبا جهل وعبد ﷲ بن أبي أمية بن املغ>xة ،فقال رسول ﷲ :يا عم ،قل :ال إله إال ﷲ،
كلمة أشهد لك *oا عند ﷲ ،فقال أبو جهل وعبد ﷲ أبي أمية :يا أبا طالب ،أترغب عن
ملة عبد املطلب ؟ فلم يزل رسول ﷲ يعرضها عليه ،ويعيد له تلك املقالة ح GHقال أبو
طالب آخر ما كلمهم :هو عCى ملة عبد املطلب ،وأبي أن يقول :ال إله إال ﷲ ،فقال رسول
ْ
ﷲ :وﷲ ألستغفرن لك ما لم أنه عنك .فأنزل ﷲ عز وجل :ما كان للن´ والذين
ُ
آمنوا أن يستغفروا للمشرك>ن ولو كانوا أو"ي قربى من بعد ما تب>ن لهم أ*°م أصحاب
الجحيم) ،(257وأنزل ﷲ تعا"ى Mي أبي طالب ،فقال لرسول ﷲ :إنك ال *دي من
أحببت ولكن ﷲ *+دي من يشاء وهو أعلم باملهتدين .
104
إنه ملن أعجب العجب ﱠأن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ابن أحد زعماء مكة وصناديدها
وأعداء ٕالاسالم ف*jا يدخل ٕالايمان قلبه ،وأبو طالب عم الن´ الحبيب ونص>xﻩ وباذل
املال والنفس Mي سبيل الدفاع عنه ،الذي يقول ابن كث> xفيه :كان يحوطه وينصرﻩ ويقوم Mي
ً ً ً ً
صفه ويحبه حبا شديدا طبيعيا ال شرعيا ،ومع هذا يموت عCى غ>ٕ xالايمان!.
ً
أين العقدة إذا ؟ وهل شاء ﷲ تعا"ى ألبي حذيفة ٕالايمان ولم يشأ البي طالب؟ وهل معG¢
قوله :ولكن ﷲ *+دي من يشاء أن ﷲ تعا"ى يصرف ٕالايمان عن أحد من خلقه ويمنحه
ً
آلخر؟ وهذا فهم جxyي يتعارض مع رحمة ﷲ تعا"ى لخلقه وال يظلم ربك أحدا) ،(258ولم
تسق ٓالاية لهذا املع ، G¢وإنما سيقت لبيان عظمة ﷲ ،وتمام قدرته ،فهو وحدﻩ القادر عCى
ً
حمل الناس جميعا عCى دين واحد ،أو عCى مذهب واحد ،لو شاء جعلهم مؤمن>ن ،ولو شاء
ً ً
جعلهم كفارا ،ولو شاء لجعلهم أمة واحدة ،ولو شاء ألما*م جميعا .وهذا كالم عن املشيئة
ً
والقدرة ،وليس كالما عن فعله Mي خلقه ،فنحن عندما نقول عCى سبيل املثال ـ وهلل املثل
ٔالاعCى ـ يستطيع الرئيس أن يعزل جميع املوظف>ن ،ويستطيع أن يبدل وظائفهم ،فهل يع¢
ذلك أن يقوم الرئيس بمثل هذا العمل ملجرد أنه يستطيعه ،أو أنه من خصائصه؟
والجواب :إن الكالم عن الخصائص والصفات غ> xالكالم عن ٔالاعمال واملمارسات وال يتم
ٕالايمان باهلل تعا"ى إال إذا اعتقد املؤمن أن ﷲ وحدﻩ واهب الحياة وخالق ٔالاحياء وسائر
املوجودات وأنه وحدﻩ بيدﻩ الهدى.
ً ً
لقد كان الكالم Mي معرض حرص الن´ عCى عمه ،وقد حزن عليه حزنا شديدا وكأنه
يقول :كيف مات هذا العم العزيز الحبيب هكذا ولم يؤمن؟ ،فكان الجواب :إنك يا محمد
عبد من عبيد ﷲ مأمور بالبالغ والتبي>ن ،وال سلطان لك عCى قلوب الخلق ،إنك تملك أن
تب>ن حجتك ،وتقرأ القرآن الكريم عCى الناس من حولك ،ولكنك ال تملك تحويل القلوب
إليك وال زج ٕالايمان Mي سويدا*ا .وإن مقام العبودية يقت ºÁأن تعلم بأنك ال *دي من
أحببت ح GHلو كان عمك الحبيب ،إن عCى البشر أن يعلموا أنه ال سلطان ألحد عCى أحد
وأن الحكم كله هلل تعا"ى ،وال يتحقق التوحيد إال *oذﻩ املعرفة وهلل الاسماء الحسG¢
105
فادعوﻩ *oا) ،(259وله الصفات العليا ،وعCى هذا املنوال نفهم كل آية جاء ف*jا فإن ﷲ
يضل من يشاء و*+دي من يشاء) ،(260فاهلل وحدﻩ صاحب ٔالامر والقدرة املطلقة .ومن لوازم
هذا ٔالامر حبه وعبادته والاستعانة به سبحانه ،وليس من لوازمه أن يقع املرء تحت مطارق
الجxyية القاتلة ال Hتسلب اللبيب لبه والعبد اختيارﻩ السامي لعقيدته ودينه.
ومفهوم آخر البد من وعيه وهو أن هذﻩ ٓالاية تكاMئ العامل عCى عمله ،ح GHال يقول قائل:
هاهو رسول ﷲ يعمل تسع سنوات عCى إقناع عمه بدعوته ثم ال يؤمن *oا ،وقد يتصور
ً
واد أو نفخة Mي رماد ،وح GHالالسذج أن دعوته ذهبت هباء منثورا وضاعت كصيحة Mي ٍ
يكون مثل هذا التصور يب>ن ﷲ تعا"ى لنبيه أنه قد بلغ ما عليه وأن ٕالايمان ال ُيفرض
ً
فرضا وال يج xyعليه الناس؛ ألن ٕالايمان هو تصديق القلب من داخله ،وهذا التصديق سر
ال يطلع أحد عليه إال ﷲ تعا"ى ،وال يملك أحد أن يتدخل Mي قرار الفرد واختيارﻩ ،والذي
ً
يزعم أنه يملك ذلك فقد نصب نفسه إلها عCى الناس ،وما ذكرناﻩ ال يتعارض مع علم ﷲ
القديم منذ ٔالازل بما يص> xإليه كل مخلوق ،والعلم الكامل من صفات ﷲ سبحانه وتعا"ى،
وهذا يقت ºÁأن يعلم الºÚء قبل كونه ،والعلم بالهدى أو الضالل ºßء ،وإحداث الهدى
والضالل ºßء آخر ،وهو أعلم باملهتدين.
وهكذا فإن دور املسلم هو العمل الجاد بدأب ونشاط دون أن يستسلم لليأس أو للزعم
القدري بأن ﷲ أراد كذا أو كذا .وما أحوج أمتنا اليوم ألن تخلع ع*wا هذﻩ ٔالاغالل الجxyية
وأن ال تخلط ب>ن املعرفة التوحيدية الخالصة والسلوك الجxyي العاجز.
106
وقد أدرك أعداء ٕالاسالم خطورة اتصال الدعوة بالجماه> ، xوأدركوا دور الجماه>M xي نصرة
الدعوة وتأييدها ،فعلموا بكل ما أوتوا من جهد عCى عزل الدعاة عن هذﻩ الجماه>x
ُ
باإلشاعات املغرضة وال*¥م امللفقة ،وصوروا للجماه> xأن هؤالء الدعاة إرهابيون متطرفون،
غرضهم ٕالاساءة لعامة الناس ،وهذا كله لتظهر الدعوة ٕالاسالمية بمظهر الطائفة املفارقة
لعامة املسلم>ن ،فيتحقق بذلك الفصل ب>ن الدعاة وب>ن ٔالامة Mي ٓالامال وٓالاالم.
رد الفعل:
ً
وقد يعمل الدعاة أحيانا تحت ضغط ظرف ما عCى تكريس هذﻩ الفعل وتأكيدﻩ ،فينظرون
إ"ى الجماه> xنظرة تقلل من شأ*°م وأثرهم Mي ٔالاحداث ،وقد يستعمل بعض الدعاة كلمات
تع xyعن هذﻩ النظرة ،مثل :القطيع ،والغوغاء ،والدهماء ،والغثاء؛ ومردود هذﻩ الكلمات
خسران Mي جانب الدعوة والدعاة ،وكسب ألعدا*م من أصحاب ٔالافكار الهدامة والنحل
املنحرفة.
تصويب:
وإذا أدركنا أن الدعاة قوم لم يأتوا من خارج هذﻩ ٔالارض ،ولم تلدهم أمها*م دعاة ،وإنما
هم جزء من هذﻩ الجماه> ، xوقبل أن يكونوا دعاة ربما كان ُينظر إل*jم بذلك املنظار الاسود
،ثم تبدل حالهم وحسن مآلهم ،ورزقا من العلم والفهم ما ينبñي أن يقر*oم من الناس ،ال
قبل فمن ﷲ عليكم ) .(261وكو*°م ما يفضلهم عCى الناس قال تعا"ى :كذلك ُكنتم من ُ
كانوا من عامة الناس ثم صاروا من الدعاة يلزم منه أن يدركوا أن جماه>ٔ xالامة ]ي رافد
الدعوة ،وأن الخ> xال ينقطع وال يتوقف.
وأما صيغ التعميم الحاكمة عCى أهل بلدة ،أو مدينة ،أو عش>xة بالسوء والفساد ف· ع>ن
السوء والفساد ،وال ينبñي أن ُيقال :أهل مدينة كذا سيئون أو فئة كذا سيئة ،وهذﻩ
ً الصيغ ُ
ابتCي *oا عامة الناس ح GHما نكاد نجد أحدا إال وهو ينسب التقص> xوالفساد إ"ى
أهل بلدة أو مدينة .وقد تنتقل هذﻩ الصيغ مع ٕالانسان من مرحلة ما قبل الدعوة إ"ى مرحلة
ما بعد الدعوة.
أهلك الناس
107
ً
وهذا رسول ﷲ يعلمنا كيف نفتح قلوبنا للخلق بعيدا عن ٔالاحكام الجائرة والاطالقات
العامة ،فيقول " :إذا قال الرجل :هلك الناس فهو أهلكهم") ، (262قال أبو إسحاق ـ أحد
ُ َ
الرواةـ :ال أدري أهلكهم بانلصب ،أو أهلكهم بالرفع .وأخرجه أبو نعيم Mي حلية ٔالاولياء،
وفيه " :فهو أهلكهم " ،وأخرجه أحمد من رواية أبي هريرة قال :قال رسول ﷲ " :إذا
ً
سمعتم رجال يقول :هلك الناس فهو أهلكهم ،يقول ﷲ :إنه هو هالك") .(263وسواء كان
املع G¢أن القائل هو سبب هالك الناس؛ ألنه لم يقم بواجبه Mي النصح لهم والحرص عل*jم
ً
،والص xyعCى جاهلهم ومسي*ðم؛ أو أن يكون أك¨ xالناس هالكا ،وهو *oذﻩ الكلمة يع xyعن
هالكه هو وعن عجزﻩ.
دعوة ﷲ سçى لصالح الناس:
وMي الوقت الذي تتنافس فيه الدعوات ؤالافكار عCى الجمهور ،وكل يحاول أن يحتوي هذا
الجمهور لصالحه ويوظفه Mي صفه ،فإن دعوة ﷲ وحدها تعمل لخ> xالجمهور ،وال تريد من
ً
الجمهور أن يكون بقرة حلوبا لصالح فرد أو فئة أو ِحزب ،ودعوة ﷲ وحدها تعطي من
ً ً ً
يؤمن باهلل ربا ،وباإلسالم دينا وم*wاج حياة أيا كان لونه وجنسه ولغته أرفع الرتب البشرية
واملقامات العلية .والبد أن ُيع´ الدعاة قلو*oم بمحبة الناس ،ح GHيتغلغل هذا الحب Mي
ً
أعماق القلب ،وأن تتحول هذا التعبئة سلوكا يشيع منه الرفق والتواد والxاحم ،حGH
ُيعرف الداعية من ب>ن سائر الناس بمحبته للناس وحرصه عل*jم وتفانيه Mي خدم*¥م وسهرﻩ
عCى صيان*¥م من آفات ٔالافكار املنحرفة وشرورها .فهذا رسول اله يدخل مكة ،ويعاين
ف*jا أولئك الذي أخرجوﻩ وعذبوا أصحابه وقاتلوﻩ وقتلوا أحب الناس إليه حمزة ،فما زاد
عCى أن قال لهم :اذهبوا فأنتم الطلقاء.
املوقف السابق:
ً ً
والداعية ال ينطلق ب>ن الجماه> xوهو يحمل موقفا سابقا ،كونه من خالل العالقات
ٔالاسرية املشوبة بالتحامل ؤالاحقاد؛ إذ أن أك¨ xالناس يحتفظون Mي عقولهم وقلو*oم بكل
تصرف سل´ كان قد تصرفه أحد الناس ،ح GHتجمعت هذﻩ التصرفات عCى شكل ذكريات
ً
مؤملة ينقلها الخلف عن السلف ،ويتوا Gºùالناس كابرا عن كابر بالقطيعة ومقابلة ٕالاساءة
108
ً
باإلساءة؛ وذلك أل*°م نشأوا بعيدا عن هيمنة ٕالاسالم عCى النفوس والعقول ،فأصحبت
املوجة لكث> xمن الناس ،وأصبح الفرد ينطلق من هذا املشاحنات العصبية وٕالاقليمية ]ي ﱠ
الركام من العالقات غ>ٕ xالاسالمية ،ومن أوجب الواجبات عCى الداعية أن يعلم الناس
كيف يستطيعون تجاوز الذكريات السلبية .وقد يجد الداعية مقاومة من أقرب الناس إليه
ً ً
إذا الحظوا عليه عدم اكxاثه *oذﻩ ٔالاحقاد ال Hقد تعت xyرصيدا عزيزا عند أصحا*oا ،وعليه
أن يص xyعCى هذﻩ املقاومة.
العمل ٕالايجابي:
والعمل ٕالايجابي ب>ن الجماه> xيقوم عCى عنصرين رئيس>ن :املعرفة والسلوك.
وميادين العرفة كث>xة ،وميادين السلوك كث>xة كذلك .وال بد من مراعاة التخطيط والxyمجة
Mي التنفيذ كي يصل الداعية إ"ى نتائج إيجابية.
واملعرفة مقدمة عCى العمل؛ أل*°ا البص>xة الواعية ال Hتكشف مجاالت العمل ،وهذﻩ
املعرفة يمكن تحديدها عCى النحو التا"ي :
جمع املعلومات:
وأول شرط :ينبñي للداعية أن يقوم به هو معرفة الجمهور الذي يتعامل معه ،سواء كان
ً ً
هذا الجمهور صغ>xا عCى مستوى املؤسسة أو الدائرة ،أو كب>xا عCى مستوى البلدة أو
القطر ،وتأتي هذﻩ املعرفة من خالل جمع املعلومات ،وأول شروط جمع املعلومات مراعاة
الحذر واليقظة ح GHال يرتاب أحد بالداعية الذي ال يريد من عمله هذا كشف أسرار الناس
وٕالاطالع عCى عورا*م ،وإنما يريد التعرف عCى مراكز النفوذ الاجتماµي والاتجا]ي الفكرية
وأصناف الناس ،ومدى قر*oم أو بعدهم عن الدعوة.
والشرط الثاني :هو مراعاة املوضوعية Mي جمع املعلومات وتحليلها ،إذ أن كل مبالغة Mي
حكم من ٔالاحكام قد تؤدي إ"ى أخطاء فادحة ،ناتجة عن سوء التقدير .وقد يصنف
ً
الداعية إنسانا ما Mي دائرة أعدائه بسبب تصرف الحظه ،فجعله هذا التصرف يتعامل مع
هذا ٕالانسان عCى أنه صاحب فكر مضاد أو اتجاﻩ معاد ،فيكون سوء التقدير والتسرع Mي
ً
الحكم سببا Mي استكثار ٔالاعداء .وليس كل سلوك مفرد أو تصرف جزئي يدل عCى صيغة
ً
فكرية أو منهجية ،فليس كل من تكلم عن العرب والعروبة قوميا ،وليس كل من تكلم عن
ً
التأميم اشxاكيا.
109
والشرط الثالث :مراعاة منهجية النقل ،فال نأخذ ٔالاخبار واملعلومات إال عن الصادق>ن
الضابط>ن ملا ينقلون ،والبد من مالحظة أن بعض الصادق>ن ال يتحرون الدقة Mي نقلهم
وأخبارهم؛ ألن ٓالافة Mي الذين أخxyوهم وزودوهم باملعلومات .وإذا أهملت هذﻩ املنهجية فإن
ٔالاحكام ستكون جائزة غ> xعادلة.
والشرط الرابع :مراجتة املعلومات حول من يتخذهم الداعية أعداء فكري>ن للتخلص من
آثار املبالغة وسوء التقدير ،ومراعاة ملا يطرأ عCى أصحاب ٔالافكار واملذاهب من تغي> xسل´
أو إيجابي.
استدراك:
ً
وال تقف املعرفة عند حدود الاتجاهات واملذاهب والنشاطات الاجتماعية ،بل تتناول أيضا
التعرف عCى أفراد الجمهور وأمزج*¥م واحتياجا*م وما يسرهم وما يحز*°م ،وينبñي أن ال
يغيب عن الداعية ما يصيب أفراد املجتمع من السراء والضراء ،فإذا رزق أحدهم بولد
كان الداعية أول املهنئ>ن الذين يذكرون الوالد بنعمة ﷲ عليه ،وإذا نجح ولد أحدهم Mي
مدرسة أو جامعة كان أول املعxyين عن سرورﻩ *oذﻩ املناسبة باعتبارها مناسبة عزيزة *+تم
ً
*oا كما لو أنه صاح©*ا .وإذا فقد أحدهم عزيزا أو حل به مرض أو نزلت به مصيبة كان أول
املواس>ن الذين يمدون أيد*+م ويفتحون قلو*oم.
ً
ونظرا التساع دائرة املعلومات ال Hيحتاج إل*jا الداعية فقد يتبادر إ"ى ٔالاذهان ما يجدﻩ
الداعية من صعوبة ومشقة Mي ٕالاحاطة بكل هذﻩ الجوانب ،ولكن هذﻩ الصعوبة تزول
عندما نقسم املجتمع إ"ى دوائر صغ>xة عCى شكل أحياء ،أو مؤسسات ،ثم يتخصص كل
داعية بدائرة محدودة تتناسب مع قدرته وإمكاناته ويستطيع استيفاء املعلومات حول
جمهورها.
-2التصنيف:
وتأتي هذﻩ املرحلة بعد جمع املعلومات فيقوم الداعية بتصنيف أفراد الجمهور إ"ى أصناف.
الصنف ٔالاول ٔ :الانصار واملحبون ؤالاقرباء ؤالارحام ،وهؤالء يسرون بسرور الداعية ،وال
يبخلون عليه Mي تقديم ما يحتاج إليه لتسهيل مهمته.
110
الصنف الثاني ٔ :الاعداء الفكريون ،وهؤالء يحملون عقائد معادية ،ويعملون عCى نشرها،
ً
ويعتxyون الداعية عقبة Mي طريقهم ،وذكاء الداعية يظهر Mي قدرته عCى ترتي©*م تبعا لسلم
عداو*م ،وتأث>xهم Mي املجتمع.
ً
الصنف الثالث :املحايدون الذين ال يناصرون طرفا عCى طرف ،وينبñي أن يعتxyهم الداعية
ً ً ً
من فئة ٔالانصار؛ لكو*°م مسلم>ن ال يحملون فكرا آخر ،وال يتبنون مذهبا معاديا لإلسالم
وأهله.
مبادئ عامة Mي السلوك والتعامل مع الجمهور:
ليس من السهل حصر جميع املبادئ العامة ال Hتساعد الداعية عCى تحقيق أهدافه Mي
ّ
يكون هذﻩ املبادئ ؤالاخالق ،وسنذكر بع املبادئ الH
امليدان الجماه>xي؛ ألن ٕالاسالم كله ِ
نرى أ*°ا جديرة باالهتمام الختصاصها ٔالاكيد *oذا امليدان الدعوي.
-1الاحتفاظ باملعلومات:
فاملعلومات ال Hيجمعها الداعية ليوظفها Mي تعامله مع الجمهور ليست للنشر والتشه>.x
والداعية الواµي يحتفظ *oا لنفسه دون إشاع*¥ا ،وهو يستطيع أن يخفى Mي عميق صدرﻩ
جميع ما يعلمه ،دون أن يظهر Mي فلتات لسانه أو يبدو عCى قسمات وجهه .وهو بذلك
يحافظ عCى مستوى من الحياء لدى عامة الناس .ويستطيع أن يتعامل مع الناس دون أن
يتحفظوا منه أو ينعزلوا عنه.
-2املدارة:
ولكي يتحرك الداعية Mي املجتمع حركة مجدية دون أن تقف Mي وجهه العقبات والعوائق
فإن عليه أن يعرف كيف يداري هؤالء الناس ويجاملهم ،وهذﻩ املداراة سنة حميدة س*wا لنا
رسول ﷲ فعن عائشة ر ºÙﷲ ع*wا أنه استأذن عCى الن´ رجل فقال " :ائذنوا له،
فبئس ابن العش>xة ،أو بئس أخو العش>xة ،فلما دخل أالن له الكالم ،فقلت له :يا رسول
ﷲ :قلت ما قلت ،ثم ألنت له Mي القول فقال :أي عائشة إن شر الناس مÌÝلة عند ﷲ من
تركه الناس اتقاء فحشه") .(264وMي رواية " إنه منافق أداريه عن نفاقه ،وأخ GºÚأن ُيفسد
ﱠ
عCي غ>xﻩ".
ونستفيد من هذا الحديث أن الن´ كان يعلم من سوء أخالق ذلك الرجل ما جعله
يذمه ويذكرﻩ بما فيه ،ولكنه أالن له الحديث وهش له .ولم يصارحه بما يعلمه منه ألن
111
ً
وعداء .وال يعود ٕالاصالح املصارحة Mي مثل هذا املوقف فحش ،وال تكون ثمر*ا إال قطيعة
ً
ممكنا ،بل تستشري نار الفساد.
ْ
وهذا ما ع xyعنه الصحابي الجليل أبو الدرداء عندما قال " :إنا َلنك ِشر Mي وجوﻩ أقوام وإن
َ ْ
قلوبنا لتلع*wم") .(265والكشر أك¨ xما يطلق عCى الضحك ،وMي رواية أخرى " :ونضحك".
وقد فهم علماؤنا ٔالاجالء هذا املبدأ من مبادئ التعامل فنجد عCي بن خلف بن بطال أحد
شراح البخاري املتوMي سنة 449هـ ،يقول :املداراة من أخالق املؤمن>ن ،و]ي خفض الجناح
للناس ،ول>ن الكالم ،وترك ٕالاغالظ لهم بالقول ،وذلك من أقوى أسباب ٔالالفة).(266
ً
الفرق ب>ن املداهنة واملداراة :وقد يتبادر إ"ى ٔالاذهان أن املداراة املذكور آنفا ]ي نوع من
ً
املداهنة والنفاق ،وقد يأباها كث> xمن الدعاة أخذا بمبدأ الوضوح واملصارحة Mي قول كلمة
الحق وٕالاشارة إ"ى عوج كل ذي عوج ،وكأ*°م فهموا أن هذا ٔالاسلوب هو من باب كلمة الحق
عند سلطان جائر .وهذا Mي غ> xموضعه؛ يقول ٕالامام ابن حجر Mي شرحه لصحيح البخاري،
ً
نقال عن القا ºÙعياض Mي كالمه عCى الحديث السابق:
ً
والفرق ب>ن املداراة واملداهنة أن املداراة بذل الدنيا لصالح الدنيا أو الدين ،أو هما معا ،
و]ي مباحة ،وربما استحبت ،واملداهنة ترك الدين لصالح الدنيا ،والن´ إنما بذل له
من دنياﻩ حسن عشرته والرفق Mي مكاملته ،ومع ذلك فلم يمدحه بقول ،فلم يناقض قوله
فيه فعله ،فإن قوله فيه قول حق ،وفعله معه حسن عشرة ،ف>Ìول مع هذا التقرير
ٕالاشكال بحمد ﷲ تعا"ى").(267
ونخلص من هذا إ"ى أن املداهنة معاشرة الفاسق وإظهار الر GºÙبما هو عليه واستحسان
مذهبه من غ> xإنكار ،فيكون املداهن قد بذل دينه من أجل دنياﻩ Mي ر GºÙالناس عنه .وأما
ً
أن يبذل الداعية شيئا من الدنيا ألي إنسان فهذا أمر محمود ،فنحن نجود بدنيانا ونبخل
بديننا .وبناء عليه فإن من الجائز ،بل من املندوب أن نكرم من ال نر GºÙدينه وعقيدته
ً ً
تألفا لقلبه .وهذا مع G¢العبارة املنقولة آنفا عن القا ºÙعياض :املداراةت بذل الدنيا
ً
لصالح الدنيا أو الدين ،أو ُهما معا".
112
فما أحوج الداعية إ"ى فهم هذا املبدأ ،وبتطبيقه يستطيع جذب قلوب الناس إليه فهو يجxy
وال يكسر ؛ ألن كسر القلوب ال يعتود عCى الدعوة إال بالخسران ،والقلب الكس> xال يج xyإال
بمشقة ،وإن الرابط النف» ºال يوصل إذا انقطع إال بعد جهد كب>.x
-3إفشاء السالم:
والسالم أول الوسائل وأفضلها إلقامة اتصال ب>ن الاعية وب>ن جمهورﻩ،و*oذا السالم يدخل
الداعية إ"ى قلوب الخلق بما تشيعه هذﻩ الكلمة من ظالل املحبة والوفاء وٕالاخالص .وقد
شاء ﷲ تعا"ى أن يجعل وسائل الاتصال الجماه>xية عبادات يتقرب *oا املؤمن إ"ى ﷲ،
وجعلت هذﻩ الوسائل من شبع ٕالايمان وخصاله؛ ولنسمع لنبينا العظيم وهو يقول وقد
َ
أي ٕالاسالم خ>x؟ فقال " :تطعم الطعام وت ْقرأ السالم عCى من عرفت ومن لم سأله رجل :ﱡ
تعرف") .(268وهذا الحديث نص Mي أهمية السالم وبذله لجميع املسلم>ن ،قال النووي " :
وفيه بذل السالم ملن عرفت ،وملن لم تعرف ،وإخالص العمل فيه هلل تعا"ى ال مصانعة ،
ً
وال ملقا ،وفيه مع ذلك استعمال خلق التواضع ،وإفشاء شعار هذﻩ ٔالامة") .(269ويقول ابن
ً ﱡ ً ﱡ ً ً
تصنعا ،بل تعظيما لشعار ٕالاسالم، تكxyا أو حجر رحمه ﷲ " :أي ال تخص به أحدا ،
ومراعاة ألخوة املسلم").(270
والسالم من الحقوق الثابتة للمسلم ،قال رسول ﷲ " :حق املسلم عCى املسلم خمس،
رد السالم ،وتشميت العاطس،وإجابة الدعوة ،و عيادة املريض ،واتباع الجنائز").(271
وما دام السالم شعار ٕالاسالم فإن عCى الداعية أن يعمم هذا الشعار يلقيه عCى كل أحد،
ً
دون ملل أو سأم ،وتكرار إلقاء السالم البد أن يثمر تعارفا ثم تتوثق العالقة ،وتنتقل إ"ى ما
وراء الكلمة من السلوك والعمل املشxك.
وقد يظن بعض الدعاة أن السالم ال يليق ببعض الناس ملا هم عليه من خلق أو سلوك،
ُ
وهذا الظن تنعكس سلبياته عCى الدعوة ،إذ ت*¥م بالطبقية ،وأ*°ا تربي أبناءها عCى العزلة
والانفصال عن املجتمع ،ويوصف الداعية بالتك xyوالتعا"ي.
وال يقتصر الداعية عCى الكبار فيخصهم بالسالم ،بل يلقي السالم عCى الصغار ،وإلقاء
ً ً
السالم عCى الصبيان يxك أثرا حسنا Mي نفوسهم ،ألن هؤالء محرومون من التقدير
;.(82/1 >5 a!I ) : 89:; 9/2 $ <= 3$ 67! 89: )(268
=< !.(11/2) $7 67 )(269
.(56/1) >5 )(270
;.(143/14 ) ( $ /! ) 67! 89: )(271
113
والاحxام فمن يحxمهم ويقدرهم هو الذي يكس©*م لصفه ،أخرج ٕالامام مسلم ،عن سيار
البناني فمر بصبيان فسلم عل*jم ،وحدث ثابت أنه كان يمºÚ قال ":كنت أم ºÚمع ثابت ُ
مع أنس فمر بصبيان فسلم عل*jم ،وحدث أنه ) أنس ( كان يم ºÚمع رسول ﷲ فمر
بصبيان فسلم عل*jم").(272
ً ً
فالداعية الناجح ال ين» Gºهدفه Mي الوصول إ"ى قلوب الناس كبارا أو صغارا ،وهو يقxب كل
يوم من هدفه ،وإذا كان الناس Mي غفلة عن هذﻩ ٔالاهداف الكب>xة وتشغلهم ٔالاهداف
الشخصية القريبة ،فإن الداعية دائم الفكر دائب العمل مستمر التخطيط ليصل إ"ى
أهدافه الكب>xة ،ويرى Mي الطفل الصغ> xرجل املستقبل ،وMي العامل الفق> xاملسؤول الكب>،x
فالقليل يك¨ xوالصغ> xيك ،xyوالكسب ملن سبق وص xyوأحسن.
-4تألف الناس - :
والداعية يألف ويؤلف ،وذلك بسبب تكوينه الذه ¢والسلوكي ،وملا يتمتع به من رؤية
ً
واسعة ُوبعد نظر ،وهو يزيد من قوة ارتباطه بالناس يوما بعد يوم .ويلتقي عليه عدد كب>x
من الناس؛ أل*°م يشعرون بحرصه عل*jم ،ورفقه *oم ،فهو قوة جامعة ال قوة طاردة.
وتبدأ ٔالالفة من القلب بالنية الصالحة وترك الغلظة ،وتشرب الرقة والرحمة والرفق .وهذا
ً ّ
ما علمه ﷲ تعا"ى لنبيه ليجذب قلوب الخلق إليه ،فقال :ولو كنت فظا غليظ القلب
النفضوا من حولك فاعف عنه واستغفر لهم وشاورهم Mي ٔالامر) ،(273أما الفظ فهو
الغليظ الجانب الس
الخلق .والغليظ القلب الذي ال يتأثر قلبه عن ºßء ،فقد ال يكون
ً
س
الخلق وال يؤذي أحدا ،ولكنه ال يرق لهم وال يرحمهم).(274
وإذا كان صاحب بضاعة ما يفهم أن تسويق هذﻩ البضاعة ال يتم إال إذا توافر ٔالاساس
ُ
النف» ،ºفإن الخلق الرفيع ول>ن الجانب من أسباب إقبال الناس عCى الشراء من التاجر،
فكذلك أمر الداعية الذي يعرض سلعة ٕالايمان .يقول الرازي" :إن املقصود من البعثة أن
يبلغ الرسول تكاليف ﷲ إ"ى الخلق؛ وهذا املقصود ال يتم إال إذا مالت قلو*oم إليه،
ً ً
وسكنت نفوسهم لديه .وهذا املقصود ال يتم إال إذا كان رحيما كريما ،يتجاوز عن ذن©*م
ويعفو عن إساء*م ،ويخصهم بوجوﻩ ال xyواملكرمة والشفقة ،فلهذﻩ ٔالاسباب وجب أن يكون
114
الرسول ُم َxّ yأ من سوء الخلق .وكما يكون كذلك وجب أن يكون غ> xغليظ القلب ،بل يكون
كث> xامليل إ"ى إعانة الضعفاء ،كث> xالقيام بإعانة الفقراء ،كث> xالتجاوز عن السيئات").(275
وملكان ٔالالفة Mي دين ﷲ تعا"ى اعتxyت فريضة من فرائضه؛ قال القا ºÙعياض" :ؤالالفة
إحدى فرائض الدين وأركان الشريعة ونظام شمل ٕالاسالم") .(276ومن أسباب حصول ٔالالفة
الورع وصدق السريرة وٕالاخالص ،ولذلك جاء الربط ب>ن إفشاء السالم وب>ن الصالة بالليل
والناس نيام " ،عن عبدﷲ بن سالم ر ºÙﷲ عنه ،قال :ملا قدم الن´ انجفل الناس
عليه ،فكنت فيمن انجفل ،فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ،فكان أول
ﱡ
ºßء سمعته يقول " :أفشوا السالم ،وأطعموا الطعام ،وصلوا باألرحام ،وصلوا والناس
نيام ،تدخلوا الجنة بسالم").(277
فالصالة Mي الليل تربط العبد بخالقه ف> GºÙxعنه ،وإذا ر ºÙﷲ تعا"ى عن العبد أرGºÙ
العباد عنه .وMي الحديث عن أبي هريرة ر ºÙﷲ عنه ،عن الن´ قال " :إذا أحب ﷲ
ً ً
عبدا نادى جxyيل إن ﷲ ُيحب فالنا فأحبه فيحبه جxyيل ،فينادي جxyيل Mي أهل السماء:
ً
إن ﷲ يحب فالنا فأحبوﻩ ،فيحبه أهل السماء ،ثم يوضع له القبول Mي أهل ٔالارض").(278
الحجة حاضر البد*+ة ،فإن حجته وبد*+ته تعجز أمام عدم ومهما كان الداعية قوي ُ
التوفيق والرضا منه سبحانه وتعا"ى.
ومن أسباب ٕالالف عدم منازعة الناس Mي دنياهم ،أو منافس*¥م Mي املناصب ،وهذا هو
الزهد النافع ،أي الزهد بما Mي أيدي الناس .وأك¨ xمن ذلك فإن الداعية يؤثر الناس عCى
نفسه ولو كان به خصاصة.
ً
ومن اسبابه كذلك بذل املعروف ،فالداعية يفكر دائما بإسعاد الناس وإيصال الخ> xإل*jم
ولو بالكلمة الطيبة ،ومن كان هذا شأنه فإنه ال يعرف الشر وال ٔالاذى.
ومن أسبابه إطعام الطعام ملا فيه من أثر بالغ عCى النفس البشرية ،ولذلك ورد Mي
الحديث":أطعموا الطعام" .وعن عبد ﷲ بن عمرو ر ºÙﷲ ع*wما ،قال :قال رسول ﷲ
ً
":إن الجنة لغرفا ُيرى ظاهرها من باط*wا وباط*wا من ظاهرها ،فقال أبو مؤ GºÒالاشعري:
115
ً
ملن ]ي يا رسول ﷲ ،قال ك ملن أالن الكالم وأطعم الطعام وبات ﷲ قائما والناس
نيام") .(279وكان صهيب ر ºÙﷲ عنه يطعم الطعام الكث> xفراجعه عمر ر ºÙﷲ عنه Mي
ذلك فقالّ :أما قولك Mي الطعام فإن رسول ﷲ كان يقول " :خياركم من أطعم الطعام
ورد السالم").(280
ومن أسباب ٕالالف ال*¥ادي ،فللهدية سحر خاص يصل الداعية بقلوب الناس ،وهذﻩ الهدية
ً
دليل عCى حب الداعية للمهدي إليه وتقديرﻩ له .وإذا كان ال*¥ادي جائزا ب>ن املسلم>ن
واملشرك>ن واملحارب>ن فهو أو"ى ب>ن املسلم>ن ،وقد جاء Mي الصحيح أن عمر ر ºÙﷲ عنه
رأى حلة تباع ،فقال للن´ :ابتع هذﻩ الحلة تلبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفد ،فقال
ُ
:إنما يلبس هذﻩ من ال خالق له Mي ٓالاخرة ـ وكانت من الحرير ـ فأتي رسول ﷲ م*wا بحلل،
ّ
فأرسل إ"ى عمر م*wا بحلة ،فقال عمر :كيف ألبسها وقد قلت ف*jا ما قلت؟ قال :إني لم
أكسكها لتلبسها ،تبيعها أو تكسوها ،فأرسل *oا عمر إ"ى أخ له من أهل مكة قبل أن
يسلم")" .(281وقد كان الن´ يقبل الهدية ويثيب عل*jا").(282
وكم وصلت الهدية من الحبال املنقطعة؟ ،وكم غ>xت من املواقف؟ وكل إنسان يعلم أثر
الهدية Mي تحقيق املودة واملحبة .والداعية أو"ى الناس باستخدام هذﻩ الوسيلة الفعالة من
وسائل الاتصال الجماه>xي.
-5الداعية يخالط الناس ويص xyعCى أذاهم:
والداعية يتوقع ٕالاساءة قبل ٕالاحسان ويعذر الناس Mي س
ٔالاخالق وغليظ الطباع؛ أل*°م
ً
حرموا ردحا من الزمن من توجيه ٕالاسالم وتربيته ،ففسدت جوانب مهمة من جوانب
تركي©*م النف» ºوالاجتماµي ،وأصبح دأ*oم الغيبة والنميمة والهمز اللمز .والداعية الحكيم
يتعامل معهم كما يتعامل الطبيب الرحيم مع مرضاﻩ ،ولهذا فإن الداعية مأمور بالصxy
والاصطبار وانتظار النتائج دونما يأس أو كلل وشعارﻩ Mي ذلك قول الن´ " :املؤمن الذي
يخالط الناس ويص xyعCى أذاهم خ> xمن الذي ال يخالط الناس وال يص xyعCى أذاهم").(283
وعندما يصل الدعاة إ"ى هذا املستوى الرفيع من إعذار الناس ومسامح*¥م عCى زال*م،
116
فإ*°م يزيلون عوائق كث>xة سب©*ا الحنق والغضب والرغبة باملعاملة باملثل .وقدوة الداعية Mي
ذلك رسول ﷲ الذي ُعرف بسعة صدرﻩ وكظم غيظه ،قال عبدﷲ بن مسعود :قسم
الن´ قسمة ـ كبعض ما كان يقسم ـ فقال رجل من ٔالانصار :وﷲ إ*°ا لقسمة ما أريد *oا
وجه ﷲ عز وجل .قلت أنا :ألقولن للن´ ـ فأتيته وهو Mي أصحابه ـ فساررته ،فشق ذلك
عليه ،وتغ> xوجهه ،وغضب ح GHوددت إني لم أكن أخxyته ،ثم قال ":قد أوذي مو GºÒبأك¨x
من ذلك فص.(284)"xy
-6الداعية ال يغمط الناس حقهم ،وال ينكر ألحد فضله:
ً َ وذلك ﱠ
ألن سفه الحق وغ ْمط الناس من صفات املتكxyين ،الذين ال يروق لهم أن يروا أحدا
فوقهم ،ويحملهم الحسد والتنافس عCى إخفاء فضل الفضالء وعلم العلماء .وأما الداعية
فهو بريء من هذا العيب ،وهو يعxف لكل صاحب فضل بفضله ،ويتصف باملوضوعية Mي
تعامله ،ويقتدي بسنة الن´ الذي يقول " :ال يدخل الجنة من كان Mي قلبه مثقال ذرة من
ً
ك ،xyقال رجل :إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ،ونعله حسنة ،قال :إن ﷲ جميل
يحب الجميل ،الك xyبطر الحق وغمط الناس").(285
ً ً
ومع G¢بطر الحق :دفعه وإنكارﻩ ترفعا وتجxyا ،ومع G¢غمط الناس :احتقارهم .وهذا املوقف
من الداعية يحقق السالم بينه وب>ن سائر الناس ويمهد له الطريق إ"ى قلو*oم ،ويقيم
أفضل وسائل الاتصال معهم.
-7صلة الرحم:
ً ً
ويتصف الداعية بحرصه عCى صلة رحمه ،قياما بفريضة من فرائض الدين .وتطبيقا لسنة
من سننه ،وصلة ا لرحم تحقق الاتصال الحيوي بجماعة كب>xة من الناس يرتبط الداعية
ً
*oم رباط القربى ،ويفxض هؤالء الناس أن يكون الداعية وصوال لهم .ولذا فإ*°م ينكرون
حملونه من املسئولية أك¨ xمن غ>xﻩ .والداعية الذكي يتوجه ُ ّ
عCى الداعية عندما يقطعهم ،وي ِ
إ"ى هؤالء من خالل الصلة املعروفة ليقدم إل*jم دعوته بعد أن يقدم إل*jم ﱠبرﻩ .ولقد أمرنا
رسول ﷲ بالتعرف عCى أنسابنا ال من أجل عصبية جاهلية ولكن منأجل تأدية الواجب
نحو هؤالء ٔالارحام ،فقال عليه الصالة والسالم " :تعلموا من أنسابكم ما تصلون به
117
ْ
أرحامكم فإن صلة الرحم محبة Mي ٔالاهل ،م¨xاة Mي املال ،منسأة Mي ٔالاجل ،مرضاة
للرب").(286
ً
وقد اختار ﷲ نبيه محمدا وله Mي كل بيت من بيوت العرب رحم ،وقامت ٔالادلة عCى
ً
تبعا ُ
لسلم مرات©*م ،وقد ناقش ضرورة معرفة ٔالانساب ؤالارحام ،وذلك ألداء الحقوق إل*jم
ابن حزم Mي كتابه" جمهرة أنساب العرب" قول من قال ) :إن علم النسب علم ال ينفع
وجهالة ال تضر .ثم قال :وضح أنه بخالف هذا وأنه علم ينفع ،وجهل يضر .وكان من ب>ن
أصحاب الن´ من يتقن علم النسب كابي بكر الصديق وأبي الجهم بن حذيفة وجب> xبن
ً
مطعم ر ºÙﷲ ع*wم .وكان أبو بكر أشدهم رسوخا Mي العلم بجميع أنساب العرب ،وقد أمر
الن´ حسان بن ثابت أن يأخذ ما يحتاج إليه من علم نسب قريش عن أبي بكر
الصديق( ).(287
ً
وكث> xمن الدعاة *+ملون البحث Mي أنسا*oم ظنا م*wم أن ذلك من أمر الجاهلية .والجاهلية
]ي الفخر والخيالء والعصبية ،ومن الجاهلية القطيعة وإهمال ٔالارحام .وقد جعل القرآن
ً
الكريم تقطيع ٔالارحام قرينا لإلفساد Mي ٔالارض ،فقال تعا"ى :فهل عسيتم إن توليتم أن
ُ
تفسدوا Mي ٔالارض وتقطعوا أرحامكم ) .(288وقد بلغ من حرص هذا الدين عCى صلة الرحم
أن أمر بصلة الرحم املشركة ،فجاء عن الن´ أﻩ قال " :إن آل أبي فالن ليسوا بأوليائي
ﱡ
إنما ول
ﷲ وصالح املؤمن>ن ،ولكن لهم رحم أبلها بباللها ،أي أصلها بصل*¥ا").(289
ُ
والرحم سواء كانت مؤمنة أو غ> xمؤمنة قريبة أو بعيدة ،ف· ش ْجنة من الرحمن كما أخxyنا
ُ
الن´ " إن الرحم ش ْج َنة من الرحمن ،فقال ﷲ :من وصلك وصلته ،ومن قطعك
قطعته") ،(290والشجنة عرق منعروق الشجرة املشتبكة ،ومع G¢الحديث أن الرحم اشتق
اسمها من اسم الرحمن فلها به ُعلقة.
وقد حرم ﷲ عCى قاطع الرحم دخول الجنة ،قال الن´ " :ال يدخل الجنة قاطع").(291
118
وباملقابل فإن صلة الرحم بركة Mي الرزق ؤالاثر ،لقوله عليه الصالة والسالم ) :من أحب أن
يبسط له Mي رزقهُ ،وينسأ له Mي أثرﻩ فليصل رحمه( ).(292
وتكون صلة الرحم باملال للقادر عليه ،بالعون عCى الحاجة ،وبدفع الضرر ،وبطالقه الوجه،
وبالدعاء .واملع G¢الجامع :إيصال ما أمكن من الخ> ،xودفع ما أمكن من الشر بحسب
الطاقة).(293
ولقد شاع التقاطع Mي زماننا هذا ،ح GHأصبح كل إنسان يميل إ"ى ٔالابعدين عنه ،وال يرغب
بصلة ٔالاقرب>ن ملا يجد من إساءا*م وقطيع*¥م ،وإذا كان هذا التصرف له ما يxyرﻩ عند
جمهور الناس ،فإن الداعية مأمور بإحياء هذﻩ الصالت والحض عل*jا ،وال تتم عبادته هلل
تبارك وتعا"ى إال *oا .وقد أخ xyالن´ أن الواصل ال يكون املكاMئ ،فقال " :ليس الواصل
ُ
باملكاMئ ،ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها") .(294ومع G¢الحديث أن صلة الرحم
ً
ال يشxط ف*jا التبادل ،بل ]ي واجبة ح GHمع القطيعة ،فمن أراد أن يكون واصال فالبد أن
يبدأ هو بوصل من قطعه ،والبد أن يعطى من منعه .وأن يقابل ٕالاساءة باإلحسان .وأما إذا
ً
انتظر الصلة من الجانب ٓالاخر فإنه ال يكون واصال.
ؤالارحام مراتب حسب قر*oا وبعدها من النسب ،ودرجات حسب قر*oا وبعدها عن الدين.
وصلة الرحم تبدأ باألقرب ح GHتصل إ"ى ٔالابعد .وال xyواجب عCى كل حال ،والوالية تفارقه
ً ً ً
Mي حال كون الرحم فاسقا أو كافرا أو عدوا ،لقول ﷲ تعا"ى :ال ي*wاكم ﷲ عن الذين لم
ُ
يقاتلوكم Mي الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تxyوهم وتقسطوا إل*jم ،إن ﷲ ُيحب
املقسط>ن* إنما ي*wاكم ﷲ عن الذين قاتلتوكم Mي الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا
عCى إخراجكم أن تولوهم ،ومن يتولهم فأولئك هم الظاملون).(295
ويالحظ قوله Mي ٓالاية ٔالاو"ى :أن تxyوهم ،وMي الثانية :أن تولوهم ،ومع G¢ذلك أن الن· عن
تو"ي هؤالء لشدة عداو*م ،قال الرازي Mي تفس>xﻩ" :هذﻩ ٓالاية تدل عن جواز ال xyب>ن
املشرك>ن واملسلم>ن ،وإن كانت املوالاة منقطعة") ،(296فإذا علم الداعية كل هذا كانت صلة
119
ً ً
الرحم ميدانا رحبا لدعوته ،تصله بجماه> xمن الناس .ويكون عندئذ قطاع كب> xمن هؤالء
الناس عCى صلة بجماعة الدعاة ،وهو كسب للدعوة والدعاة.
-8الرفق:
والبد أن يتصف الداعية بالرفق مع سائر الناس .والرفق ل>ن الجانب بالقول والفعل .ؤالاخذ
باألسهل ؤالايسر ،وهو ضد العنف ،وقد روى ٕالامام مسلم Mي صحيحه عن الن´ أنه
قال " :إن ﷲ رفيق يحب الرفق ،ويعطي عCى الرفق ما ال يعطي عCى العنف " ) .(297ومن
خالل الرفق يستطيع الداعية أن يفكر Mي ٔالامور وأن يتخذ املواقف الصحيحة ،وال يمكن
ذلك من خالل العنف والتسرع .ورب كلمة يندفع الداعية إ"ى قولها ثم يتب>ن أن لها من
ٓالاثار السلبية ما يجعل جماعة كاملة تبذل وق*¥ا وجهدها من أجل إصالح ما أفسدﻩ عدم
الرفق ،ورب تصرف أهوج من إنسان محسوب عCى الدعوة والدعاة يؤخر مس>xة الدعوة
والدعاة .ولعل من أشد ٔالامراض الفتاكة بالدعوة والدعاة أن يكون ف*jا من يربي غ>xﻩ عCى
العنف ويطالبه باستعمال القوة وإنزال العقوبة عCى كل مخالف .وهذا السلوك يسلب
الدعوة أهم مقوما*ا وعناصر وجودها .وهذا ما يسçى أعداء ٕالاسالم ليل *°ار إليقاع الدعاة
فيه.
وكان دأب الن´ الرفق مع الناس كلهم؛ أخرج البخاري Mي صحيحه عن أنس بن مالك
َ ً
ر ºÙﷲ عنه" ﱠأن أعرابيا بال Mي املسجد فقاموا إليه ،فقال :ال ت ْز ِرموﻩ ،ثم دعا بدلو من
ص ﱠب عليه" .ومع " G¢ال تزرموﻩ" :ال تقطعوا عليه بوله .وMي رواية الxمذي" :دخل ماءَ ،ف ُ
ً
أعرابي املسجد والن´ جالس ،فصCى فلما فرغ قال :اللهم ارحم ¢ومحمدا وال ترحم
ً ً
معنا أحدا ،فالتفت إليه الن´ ،فقال :لقد تحجرت واسعا ،فلم يلبث أن بال Mي
ً ً
املسجد ،فأسرع إليه الناس ،فقال الن´ :أهريقوا عليه سجال من ماء ،أودلوا من ماء ،
ثم قال :إنما ُبعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين").(298
وMي هذﻩ الحادثة كمال رفقه ،وما أجمل أن يتأ GºÒالدعاة *oذا الخلق الكامل.
والبد أن يضع الداعية Mي ع>ن الاعتبار طبائع الناس وأمزج*¥م ،وأ*°م ال يتصرفون بطريقة
واحدة .وهم أنواع وأصناف ،والبد من مراعاة كل هذا ،فالجاهل له طبيعة ومزاج ،
والبدوي له طبيعة ومزاج ،والحضري له طبيعة ومزاج.
120
وتختلف الطباع ؤالامزجة مع اختالف البالد ،وقد يغلب عCى أهل قطر ما روح الدعابة
واملرح ،وعCى أهل قطر آخر روح الجد والحزم .ويتصف شعب ما بقدرته عCى املجاملة ول>ن
الكالم ،ويتصف غ>xﻩ بحدة املزاج وخشونة التعامل .والداعية الناجح يستوعب هذﻩ
الطبائع ؤالامزجة.
ومن ُحرم الرفق فقد ُحرم الخ> xكله) ،(299كما جاء Mي الحديث الشريف .
ً ً
ومن لوازم الرفق أن ال يكون الداعية فاحشا وال متفاحشا .والفحش كل ما خرج عن
مقدارﻩ ح GHيستقبح ،فالداعية ال يفحش Mي كالمه ،وال يجيب عCى الفحش بالفحش ،وال
ً ً ً ﱠ ً ﱠ ً
لعانا .وكل هذا من جهة كون الداعية أوسع قلبا وأعمق نظرا وأبعد هدفا سبابا وال يكون
من غ>xﻩ .فإذا كان الناس يتصفون بسرعة الاستجابة لدواµي الغضب والÌÝق فما ذلك إال
لقصر Mي أهدافهم ،ومالحقة لسفاسف ٔالامور وصغائرها .والداعية ال يكون كذلك ،بل هو
يعمل عCى ترويض الطباع الشاردة وتربية ٔالاخالق القاسية ،ومستلزمات هذﻩ الوظيفة
كب>xة.
-9مراعاة ذوي الهيئات والوجهاء:
وال *+مل الداعية وجوﻩ الناس وذوي النفوذ ف*jم ،بل يقبل عل*jم ويستطيع بحسن إدارته
وثاقب بص>xته أن يوظف الكث> xمن هؤالء لنصرة دعوته .وما يشيع عCى ألسنة الدعاة
ً
أحيانا من كلمات تدعو إ"ى إهمال هذﻩ الفئة هو مخالف لسنة الن´ Mي تعامله مع
ً
الوجهاء والزعماء .كما جعل لهم القرآن الكريم سهما من الزكاة وهو سهم املؤلفة قلو*oم،
وذلك ألن هؤالء هم أناس تتحرك بحرك*¥م فئات كب>xة من الناس ،فراµى ٕالاسالم ما لهم
من نفوذ Mي اتباعهم فاستمال قلو*oم لكي ال يقفوا Mي طريق أتباعهم الراغب>ن Mي دين ﷲ
تعا"ى.
وهؤالء الوجهاء م*wم العقالء الحلماء الحكماء ،وهؤالء تراµى مكان*¥م ويستفاد من صفا*م
ومزاياهم ،فقد قال الن´ ألشج عبد القيس " :إن فيك خصلت>ن يح©*ما ﷲ ورسوله:
الحلم ؤالاناة") .(300وقد يكون م*wم ٔالاحمق املطاع ومثل هذا يتقى شرﻩ وتستل سخيمة
صدرﻩ بºÚء من املداراة والل>ن من غ> xمداهنة أو وصفه بما ليس فيه .ويشهد لهذا ما رواﻩ
ً
عروة عن عائشة" أن رجال استأذن عCى الن´ فلما رآﻩ قال :بئس أخو العش>xة ،أو ابن
121
العش>xة ،فلما جلس تطلق الن´ Mي وجهه وانبسط إليه ،فلما انطلق الرجل قالت له
عائشة :يا رسول ﷲ ،ح>ن رأيت الرجل قلت كذا وكذا ،ثم تطلقت Mي وجهه وانبسطت
ً
إليه ،فقال رسول ﷲ :يا عائشة ،م GHعهدت ¢فاحشا ،إن شر الناس عند ﷲ مÌÝلة يوم
القيامة من تركه الناس اتقاء شرﻩ").(301
وهذا الرجل هو عيينة بن حصن الفزاري ،وقد وصفه الن´ أنه " أحمق مطاع" وذلك
عندما جاء إ"ى الن´ وعندﻩ عائشة ـ وكان ذلك قبل الحجاب ـ فقال :من هذﻩ ؟ قال :أم
املؤمن>ن ،قال :الا أنزل لك عن أجمل م*wا ،فغضبت عائشة ،وقالت :من هذا؟ قال :هذا
أحمق).(302
وإكرام هؤالء الوجهاء إكرام ألقوامهم ،وينعكس هذا ٕالاكرام عCى الدعوة والدعاة .وإذا
تعرض أحدهم ألزمة ما فإن عCى الداعية أن يقيل ع¨xته وأن يرحمه Mي موقف الذل ،بذلك
أمر الن´ عندما قال " :أقيلوا ذوي الهيئات ع¨xا*م").(303
-10السçي Mي حوائج الناس وحل مشكال*م:
والداعية الناجح يسçى Mي حوائج الناس ،ويحمل ع*wم همومهم ،ويشاركهم Mي آالمهم
ً
وأفراحهم ،ويعي*wم عCى نوائب الحق .فهو ال يدخر وسعا Mي تقديم كل عون ممكن لهم،
ً
وهذا ما وصف به رسول ﷲ يوم أن ذهب يرجف فؤادﻩ إ"ى خديجة ،فقالت له":كال
َ ً
وﷲ ما يخزيك ﷲ أبدا ،إنك لتصل الرحم ،وتحمل الك َل ،وتكسب املعدوم ،وتقري
الضيف ،وتع>ن عCى نوائب الحق").(304
ً
قال ابن حجر " :استدلت عCى ما أقسمت عليه من نفي ذلك أبدا بأمر استقرائي ،وصفته
بأصول مكارم ٔالاخالق؛ ألن ٕالاحسان إما إ"ى ٔالاقارب ،أو إ"ى ٔالاجانب ،وإما بالبدن ،أو باملال،
وإما عCى من يستقل بأمرﻩ ،أو من ال يستقل ،وذلك كله مجموع فيما وصفته به")،(305
ً
وكذلك فقد وصف ابن الدغنة أبا بكر عندما خرج مهاجرا ،فقال له ":فوﷲ ،إنك لÌين
العش>xة ،وتع>ن عCى النوائب ،وتفعل املعروف ،وتكسب املعدوم ،ارجع فأنت Mي
122
جواري") .(306وهذﻩ الحادثة تب>ن لنا بصورة جلية كيف يكون الداعية مع الناس ،وكيف
يجد الداعية تقدير الناس Mي ٔالازمات وامللمات.
ُ
والداعية ال يمل من فعل الخ> ،xويبذل Mي سبيل ذلك قصارى جهدﻩ ،ويشتد ساقه مع
ً
امللهوف ،ويجيب من يستنصرﻩ ويستصرخه ،وخالفا ملا يعتقدﻩ بعض الناس من أن
التدخل Mي شئون الناس لحل خصوما*م شغل بما ال يع ¢فإن الن´ قد جعل العدل
ب>ن الاثن>ن صدقة وإغاثة امللهوف صدقة فقال " :كل ُسالمى من الناس عليه صدقة ،كل
يوم تطلع فيه الشمس ،تعدل ب>ن اثن>ن صدقة ،والكلمة الطيبة صدقة") .(307وMي رواية
أخرى " :عCى كل مسلم صدقة ،قالوا :فإن لم يجد؟ قال :فيعمل بيدﻩ فينفع نفسه
ويتصدق ،قالوا :فإن لم يستطع أو لم يفعل ،قال :يع>ن ذا الحاجة امللهوف").(308
والداعية الناجح ال يبخل عCى أحد ببذل شفاعته ووساطته ،فإذا طلب إليه أحد الناس أن
ً
يسçى معه وأن يع xyله عن حاجته سار مسرعا إ"ى ذلك .والشفاعة سنة محمودة س*wا الن´
إ"ي ولتؤجروا وليقض ﷲ عCى لسان نبيه ما شاء " .وهذﻩ عندما قال " :اشفعوا ﱠ
الشفاعة ال تبدل الحقوق وال تسقط الواجبات ،وإنما توصل الحق إ"ى صاحب الحق ويعود
خ>xها عCى كل حال عCى الدعوة والداعية.
)(306
)(307
)(308
123
ألن العائلة والرتبة واملال ]ي مرتكزات القيادة Mي العالم املعاصر ،وستبقى هذﻩ املرتكزات
معتxyة تشد الناس إل*jا إ"ى أن *+يمن ٕالاسالم عCى املجتمع Mي العقيدة والسلوك والنظم،
والناس معادن خيارهم Mي الجاهلية خيارهم Mي ٕالاسالم إذا فقهوا.
وللقيادة تكاليفها الكث>xة ومن يرشح لهذﻩ املهمة البد أن يعان عل*jا ليقوم بمطال©*ا سواء
كانت هذﻩ املطالب معنوية ،أو مادية ،أما املعنوية فأن يحيطه إخوانه بºÚء من العناية
والاهتمام للفت أنظار الناس إ"ى مكانته ،وأن يذكروﻩ بالخ> xوٕالاجالل والتوق> ،xوأما املادية
فالتوسعة عليه Mي دارﻩ ومعيشته وتحمل املغارم عنه.
والبد من تربية واعية لهذﻩ القيادات بأن تدرس الرأي العام وصناعته ومكوناته ،وتتعرف
عCى علم نفس الجهور ،والتيارات السائدة Mي املجتمع ،وأن تتعلم الكث> xعن عادات املجتمع
وأعرافه ،وأن تطلع عCى ٔالانظمة والقوان>ن بقر يجعل حرك*¥ا الاجتماعية واعية ،ألن هذﻩ
القيادات تتعامل مع ٔالاجهزة املختلفة.
القيادات الجماه>xية قيادات متخصصة :
وال يتحقق كل ما سبق إال إذا كانت القيادات الجماه>xية متخصصة Mي ميدا*°ا بأن تكون
وظيفة القيادة الاجتماعية غ> xالوظيفة الxبوية والتنظيمية .ونحن نعيش Mي زمن
التخصص القائم عCى اتساع ميادين املعرفة وعCى تعقيد شئون الحياة ،فالعمل الاجتماµي
له ميادينه وتدريباته ،والعمل الxبوي له ميادينه وتدريباته ،وكذلك العمل التنظيم،
فالقائد الجماه>xي يعيش ب>ن الجماه> xويق ºÁليله و*°ارﻩ Mي حل مشكال*م والتعرف
عل*jم .وعندما يقوم املربي أو املنظم *oذا العمل فسيكون إما عCى حساب الxبية أو
التنظيم.
ضرورة العمل النقابي:
وقد أصبحت النقابات املهنية مراكز ثقل اجتماµي ،وتدخلت هذﻩ النقابات Mي كث> xمن بالد
العالم Mي اختيار الxyامج السياسية والاقتصادية ،وأثرت Mي امليادين التشريعية ،وتكونت
النقابات Mي بالد العالم ٕالاسالمي وسيطر عل*jا Mي باية نشأ*ا أصحاب املذاهب الهدامة
ؤالافكار املستوردة ،وذلك لبعد العنصر ٕالاسالمي املتحرك ع*wا ،وكان الظن السائد أن
العمل النقابي ال يمكن أن ينسجم مع ٕالاسالم ،أو أنه صورة من صور الxقيع للواقع .ولكن
تب>ن خطأ هذا الظن عندما قامت أنظمة ودول من خالل هذا العمل النقابي ،وذاق
ً
املسلمون ـ أحيانا ـ عCى أيدي هذﻩ النقابات الويالت ،والنقابات تشكل بمجموعها قوة
124
اجتماعية جماه>xية ،إن لم تكن للدعوة ف· عل*jا .وإن لم تجد من يأخذها Mي طريق
الهداية فستؤخذ Mي طريق الضالل وٕالاضالل.
أما القول بأن العمل النقابي ال ينسجم مع عقيدة ٕالاسالم وشريعته فهذا قول مردود؛ ألن
املجتمع املسلم عرف مثل هذﻩ التجمعات النقابية ،وما زال لقب شيخ النجارين وشيخ
ً
الحدادين معروفا Mي بعض البالد ٕالاسالمية ،وقد نظم املسلمون أصحاب كل فئة بطريقة
تحدد حقوقهم وواجبا*م .وإذا كانت القوان>ن ؤالانظمة النقابية ال تنسجم مع ٕالاسالم فهذا
ألن املتنفذين Mي النقابات صاغوا أنظم*¥ا وفق مباد*م وأفكارهم .واملسلم مطالب بالعمل
عCى تغي> xكل قانون يتعارض مع قانون ٕالاسالم وشريعته.
ﱠ
وأما القول بأن العمل النقابي صورة من صور الxقيع ،فغ>ُ xم َسلم ألن تكوين املجتمع
املسلم ال يأتي من الفراغ وال يأتي من فوق ،بل يتكون املجتمع من خالل اتجاﻩ أفرادﻩ
وتجمعاته.
ً
وإذا كان اتجاﻩ ٔالافراد والجماعات مخالفا لالتجاﻩ ٕالاسالمي فإن املحصلة مجتمع ال
إسالمي ،وإذا كان اتجاﻩ ٔالافراد والجماعات Mي املسار ٕالاسالمي فاملحصلة مجتمع مسلم .ولو
قبلنا قول دعاة ٕالاصالح الجذري الذين ينتظرون قوة سحرية خارجية تغ> xكل ºßء لعاش
املسلمون Mي مآس فكرية وسلوكية أك xyبكث> xمما يجدونه .وما دامت الحياة ال تتوقف بل
ً ً
]ي سائرة والبد أن يعيش املسلم ف*jا واقعا معينا فإن عليه أن ُيدخل Mي الواقع ما يستطيع
ً
من نظم ٕالاسالم وأحكامه ،فإذا قصر Mي بعض ٔالامور انتظارا للكل فهو آثم ،ويكون قد
أعطى بعض ٔالاحكام املخالفة إذن وجودها وهو قادر عCى إزال*¥ا .وال يقول عاقل بxك نقابة
ما أل*°ا تتعامل بالربا؛ بحجة أن العمل عCى إزالة الربا ترقيع ال تزول بإزالته جميع
املخالفات .وإذا استطاع مسلم أن يكون له نفوذ Mي نقابة فيحارب موائد الخمر أو أبواق
الدعاية لألفكار ٕالالحادية والعلمانية ،ثم تخلف عن هذا فهو غاش هلل تعا"ى ولرسوله
ولجماعة املسلم>ن.
125