شَعث أشعارهم أبدا بعدها ، النعيم ،فلم ت َُغير أبشارهم بعدها أبدا ،ولم ت ُ ْ
كأنما دهنوا بالدهان ،ثم عمدوا إلى الخرى كأنما أمروا بها ،فشربوا منها ،
فأذهبت ما كان في بطونهم من أذى أو قذى ،وتلقتهم الملئكة على أبواب )
ن { .ويلقى كل غلمان دي َخال ِ ِها َخُلو َ
م َفاد ْ ُ م ط ِب ْت ُ ْ م عَل َي ْك ُ ْسل ٌ (1الجنة َ } :
شر ،قد َ
فون به ،فعل ) (2الولدان بالحميم جاء من الغيبة :أب ْ ِ صاحبهم يطي ُ
عد الله لك من الكرامة كذا وكذا ،قد أعد الله لك من الكرامة كذا وكذا. أ َ
وقال :وينطلق غلم من غلمانه إلى أزواجه من الحور العين ،فيقول :هذا
فلن -باسمه في الدنيا -فيقلن :أنت رأيته ؟ فيقول :نعم .فيستخفهن
فة ) (3الباب .قال :فيجيء فإذا هو بنمارق الفرح حتى تخرج إلى َأسك ُ ّ
مصفوفة ،وأكواب موضوعة ،وزرابي مبثوثة .قال :ثم ينظر إلى تأسيس
بنيانه ) ، (4فإذا هو قد أسس على جندل اللؤلؤ ،بين أحمر وأخضر وأصفر
]وأبيض[ ) ، (5ومن كل لون .ثم يرفع طرفه إلى سقفه ،فلول أن الله قدره
م أن يذهب ببصره ،إنه لمثل البرق .ثم ينظر إلى أزواجه من الحور له ،لل ّ
داَنا
ذي هَ َ ّ ّ
مد ُ ل ِلهِ ال ِ ح ْ ْ
العين ،ثم يتكئ على أريكة من أرائكه ،ثم يقول } :ال َ
َ
ه { ]العراف [43 :الية. داَنا الل ّ ُن هَ َ ول أ ْ ما ك ُّنا ل ِن َهْت َدِيَ ل َ ْ ل ِهَ َ
ذا وَ َ
دي ،حدثنا ثم قال :حدثنا ،أبي حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل الن ّهْ ِ
مسلمة ) (6بن جعفر البجلي قال :سمعت أبا معاذ البصري يقول :إن عليا ،
رضي الله عنه ،كان ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال
النبي ) (7صلى الله عليه وسلم " :والذي نفسي ،بيده إنهم إذا خرجوا من
ؤتون -بنوق لها أجنحة ،وعليها رحال الذهب ، سَتقبلون -أو :ي ُ ْ قبورهم ي ُ ْ
شراك نعالهم نور يتلل كل خطوة منها مد البصر ،فينتهون إلى شجرة ينبع
سل ما في بطونهم من دنس ، من أصلها عينان ،فيشربون من إحداهما في ُغْ َ
ويغتسلون من الخرى ،فل تشعث أبشارهم ول أشعارهم بعدها أبدا ،وتجري
عليهم نضرة النعيم ،فينتهون -أو :فيأتون -باب الجنة ،فإذا حلقة من
ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ،فيضربون بالحلقة على الصفيحة )، (8
فيسمع ) (9لها طنين يا علي ،فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل ،فتبعث
دا )- (10 خّر له -قال مسلمة :أراه قال :ساج ً قَّيمها فيفتح له ،فإذا رآه َ
ت بأمرك .فيتبعه ويقفو أثره ، ْ
فيقول :ارفع رأسك ،فإنما أنا َقيمك ،وُك ّل ُ
فتستخف الحوراء العجلة ،فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه ،ثم
تقول :أنت حبي ،وأنا حبك ،وأنا الخالدة التي ل أموت ،وأنا الناعمة التي ل
أبأس ،وأنا الراضية التي ل أسخط ،وأنا المقيمة التي ل أظعن" .فيدخل بيًتا
سه إلى سقفه مائة ألف ذراع ،بناؤه على جندل اللؤلؤ ،طرائق أصفر من أ ّ
وأخضر وأحمر ،ليس فيها ) (11طريقة تشاكل صاحبتها ،في البيت سبعون
شَية ،على كل حشية سبعون زوجة ،على ح ْسريرا ،على كل سرير سبعون َ
حلل ،يقضي جماعها في َ خ ساقها من باطن ال ُ م ّ
كل زوجة سبعون حلة ،يرى ُ
مقدار ليلة من لياليكم هذه .النهار
__________
) (1في أ " :باب".
) (2في أ " :مثل".
) (3في س " :أسفكة".
) (4في أ " :بنائه".
) (5زيادة من ت ،س ،أ.
) (6في ت ،أ " :سلمة".
) (7في ت " :رسول الله".
) (8في س " :الصفحة".
) (9في أ " :فلو سمع".
) (10في ت " :خر له ساجد" وهو خطأ والصواب " :ساجدا".
) (11في ت ،س : :منها".
) (7/124
طرد ،أنهار من ماء غير آسن -قال :صاف ،ل كدر فيه -وأنهار من تحتهم ت َ ّ
من لبن لم يتغير طعمه -قال :لم يخرج من ضروع الماشية -وأنهار من
خمر لذة للشاربين -قال :لم تعصرها الرجال بأقدامهم -وأنهار من عسل
مصفى -قال :لم يخرج من بطون النحل .يستجني الثمار ،فإن شاء قائما ،
تظلل َُها وَذ ُل ّل َ ْ ة عَل َي ْهِ ْ
م ِ وإن شاء قاعدا ،وإن شاء متكئا -ثم تل } وََدان ِي َ ً
طوفَُها ت َذ ِْليل { ]النسان - [14 :فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض -قال : قُ ُ
وربما قال :أخضر .قال - :فترفع أجنحتها ،فيأكل من جنوبها ،أي اللوان
شاء ،ثم يطير فيذهب ) ، (1فيدخل الملك فيقول :سلم عليكم ،تلكم الجنة
أورثتموها بما كنتم تعملون .ولو أن شعرة من شعر ) (2الحوراء وقعت لهل
الرض ،لضاءت الشمس معها سواًدا في نور".
هذا حديث غريب ،وكأنه مرسل ،والله أعلم.
__________
) (1في س " :ثم تطير فتذهب".
) (2في ت " :شعور".
) (7/125
م
ي ب َي ْن َهُ ْ م وَقُ ِ
ض َ مد ِ َرب ّهِ ْ
ح ْ
ن بِ َ
حو َ
سب ّ ُ
ش يُ َ حو ْ ِ ْ حاّفي َ مَلئ ِك َ َ
وَت ََرى ال ْ َ
ل العَْر ِ ن َم ْن ِ ة َ
ن )(75مي َب ال َْعال َ ِ
مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ
ح ْل ال ْ َ حقّ وَِقي َ ِبال ْ َ
مي ب َي ْن َهُ ْض َم وَقُ ِ مد ِ َرب ّهِ ْ ح ْ ن بِ َحو َ سب ّ ُ
ش يُ َ حو ْ ِ ْ حاّفي َ ملئ ِك َ َ } وَت ََرى ال ْ َ
ل العَْر ِ ن َ م ْ ن ِ ة َ
ن ){ (75 مي َ ب ال َْعال َ ِ مد ُ ل ِل ّهِ َر ّح ْ ل ال ْ َ حقّ وَِقي َ ِبال ْ َ
كل في المحل الذي لما ذكر تعالى حكمه في أهل الجنة والنار ،وأنه نزل ُ
يليق به ويصلح له وهو العادل في ذلك الذي ل يجور -أخبر عن ملئكته أنهم
محدقون من حول عرشه المجيد ،يسبحون بحمد ربهم ،ويمجدونه )(1
ويعظمونه ويقدسونه وينزهونه عن النقائص والجور ،وقد فصل القضية ،
م { أي :بين ي ب َي ْن َهُ ْض َ وقضى المر ،وحكم بالعدل ؛ ولهذا قال } :وَقُ ِ
حق ّ { الخلئق } ِبال ْ َ
ن { أي :ونطق الكون أجمعه )- (2 ب ال َْعال َ ِ
مي َ مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ ل ال ْ َ
ح ْ ثم قال } :وَِقي َ
ناطقه وبهيمه -لله رب العالمين ،بالحمد في حكمه وعدله ؛ ولهذا لم يسند
دت له شهِ َ القول إلى قائل بل أطلقه ،فدل على أن جميع المخلوقات َ
بالحمد.
ت
وا ِ م َس َ خلقَ ال ّ َ ذي َ ّ ّ
مد ُ ل ِلهِ ال ِ ح ْ ْ
قال قتادة :افتتح الخلق بالحمد في قوله } :ال َ
ق
ح ّ ْ
م ِبال َ
ي ب َي ْن َهُ ْض َ ُ
ض { ]النعام [1 :واختتم بالحمد في قوله } :وَق ِ َوالْر َ
ن{ مي َ َ ْ
ب الَعال ِ ّ
مد ُ ل ِلهِ َر ّ ح ْ ْ
ل ال َ وَِقي َ
آخر تفسير سورة الزمر ولله الحمد )] (3أول وآخًرا ظاهًرا وباطًنا[ )(4
__________
) (1في أ " :ويحمدونه".
) (2في ت ،س " :جميعه".
) (3في أ " :والله أعلم".
) (4زيادة من س.
) (7/125
) (7/0
ب ب وََقاب ِ ِ
ل الت ّوْ ِ ال ْعَِليم ِ )َ (2
غافِرِ الذ ّن ْ ِ ن الل ّهِ ال ْعَ ِ
زيزِ م َب ِ ل ال ْك َِتا ِ
زي ُ
حم ) (1ت َن ْ ِ
صيُر )(3 إ ِل َي ْهِ ال ْ َ
م ِ ه إ ِّل هُوَل َل إ ِل َ َب ِذي الط ّوْ ِ قا ِديدِ ال ْعِ َ َ
ش ِ
الليث الهمداني قال حدثنا موسى بن مسعود ،حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر
المليكي ،عن زرارة بن مصعب ،عن أبي سلمة ،عن أبي هَُريرة ،رضي
ل الله صلى الله عليه وسلم " :من قرأ آية الله عنه ،قال :قال رسو ُ
صم ذلك اليوم من كل سوء". الكرسي وأول حم المؤمن ،عُ ِ
ثم قال :ل نعلمه ُيروى إل بهذا السناد .ورواه الترمذي من حديث المليكي ،
وقال :تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه ).(1
بسم الله الرحمن الرحيم
ب ب وََقاب ِ ِ
ل الت ّوْ ِ غافِرِ الذ ّن ْ ِ ْ
زيزِ العَِليم ِ )َ (2 ْ ّ
ن اللهِ العَ ِ م َب ِ ل ال ْك َِتا ِ
} حم )َ (1تنزي ُ
صيُر ){ (3م ِ ْ َ
ه ِإل هُوَ إ ِلي ْهِ ال َ َ
ل ل إ ِل َ ّ
ب ِذي الطوْ ِ قا ِديدِ ال ْعِ َ َ
ش ِ
أما الكلم على الحروف المقطعة ،فقد تقدم في أول "سورة البقرة" بما
أغنى عن إعادته هاهنا.
وقد قيل :إن } حم { اسم من أسماء الله عز وجل ،وأنشدوا في ذلك )(2
م... م قَْبل الّتقد ّ ِ حامي َ شاجر ...فََهل تل َ ح َ م والرم ُ مي َ ي ُذ َك ُّرني حا ِ
وقد ورد ) (3في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي ،من حديث الثوري ،
فرة قال :حدثني من سمع رسول ص ْ
عن أبي إسحاق ،عن المهلب بن أبي ُ
الله صلى الله عليه وسلم يقول " :إن ب َّيتم الليلة فقولوا :حم ،ل ينصرون"
وهذا إسناد صحيح ).(4
واختار أبو عبيد أن ُيروى " :فقولوا :حم ،ل ينصروا" أي :إن قلتم ذلك ل
ينصروا ،جعله جزاء لقوله :فقولوا.
زيزِ العَِليم ِ { أي :تنزيل هذا الكتاب - ْ ن الل ّهِ ال ْعَ ِ م َب ِ ل ال ْك َِتا ِ وقوله َ } :تنزي ُ
وهو القرآن -من الله ذي العزة والعلم ،فل يرام جنابه ،ول يخفى عليه الذر
وإن تكاثف حجابه.
ب { أي :يغفر ما سلف من الذنب ،ويقبل ل الت ّوْ ِ َ
ب وَقاب ِ ِ غافِرِ الذ ّن ْ ِ وقوله َ } :
ضع لديه. خ َالتوبة في المستقبل لمن تاب إليه و َ
ب { أي :لمن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا ،وعتا قا ِ ديد ُ ال ْعِ َش ِ وقوله َ } :
عن ) (5أوامر الله ،وبغى ]وقد اجتمع في هذه الية الرجاء والخوف[ ).(6
و ن عَ َ َ عَباِدي أ َّني أ ََنا ال ْغَ ُ
ذاِبي هُ َ م وَأ ّ حي ُفوُر الّر ِ ئ ِ وهذه كقوله تعالى } :ن َب ّ ْ
م { ] الحجر [50 ، 49 :يقرن هذين الوصفين كثيًرا في مواضع ب الِلي ُ ال ْعَ َ
ذا ُ
متعددة من القرآن ؛ ليبقى العبد بين الرجاء والخوف.
ل { قال ابن عباس :يعني :السعة والغنى .وكذا قال وقوله ِ } :ذي الط ّوْ ِ
مجاهد وقتادة.
ل { يعني :الخير الكثير. ّ
وقال يزيد بن الصم ِ } :ذي الطوْ ِ
__________
) (1سنن الترمذي برقم ).(2879
) (2البين في تفسير الطبري ) (24/26وفي صحيح البخاري )" (8/553فتح"
منسوبا إلى شريح بن أوفى العبسي.
) (3في أ " :روى".
) (4سنن أبي داود برقم ) (2597وسنن الترمذي برقم ).(1682
) (5في أ " :على".
) (6زيادة من أ.
) (7/127
) (7/128
ب { ،فقل " :يا قابل التوب ،اقبل توبتي" .وإذا ل الت ّوْ ِ وإذا قلت } :وََقاب ِ ِ
ب { ،فقل " :يا شديد العقاب ،ل تعاقبني" .قال : قا ِ ديد ُ ال ْعِ َ ش ِ قلت َ } :
مّر بكم رجل عليه دا ،فخرجت إلى الباب فقلت َ : فالتفت فلم أر أح ً
دا فكانوا ي َُرون أنه إلياس. مقطعات يمنية ؟ قالوا :ما رأينا أح ً
ثم رواه من طريق أخرى ،عن ثابت ،بنحوه .وليس فيه ذكر إلياس.
م ِفي ال ِْبلد ِ )(4 قل ّب ُهُ ْك تَ َ فُروا َفل ي َغُْرْر َ ن كَ َ ذي َت الل ّهِ ِإل ال ّ ِ ل ِفي آَيا ِ جادِ ُ ما ي ُ َ } َ
ْ ُ ُ َ
ذوهُ خ ُم ل ِي َأ ُ سول ِهِ ْ مةٍ ب َِر ُ ت كل أ ّ ّ م ْ م وَهَ ّ ن ب َعْدِهِ ْ م ْب ِ حَزا ُ م ُنوٍح َوال ْ م قو ْ ُ َ ت قب ْلهُ ْ َ ك َذ ّب َ ْ
َ
ب ) (5وَك َذ َل ِ َ
ك قا ِ ع َن ِ كا َ ف َ م فَك َي ْ َ خذ ْت ُهُ ْ حقّ فَأ َ ضوا ب ِهِ ال ْ َ ح ُ ل ل ِي ُد ْ ِ جاد َُلوا ِبال َْباط ِ ِ وَ َ
َ َ
ب الّنارِ ){ (6 حا ُ ص َ مأ ْ فُروا أن ّهُ ْ ن كَ َذي َ ك عََلى ال ّ ِ ة َرب ّ َ م ُت ك َل ِ َ ق ْ ح ّ َ
يقول تعالى :ما يدفع الحق ويجادل فيه بعد البيان وظهور البرهان } ِإل
كفُروا { أي :الجاحدون ليات الله وحججه وبراهينه َ } ،فل ي َغُْرْر َ ن كَ َ ذي َ ال ّ ِ
كم ِفي الِبلد ِ { أي :في أموالهم ونعيمها وزهرتها ،كما قال } :ل ي َغُّرن ّ َ ْ قلب ُهُ ْ ّ تَ َ
ْ ْ ْ ن كَ َ ّ ّ
مَهاد ُ { ] آل س ال ِ م وَب ِئ ْ َ جهَن ّ ُ م َ مأَواهُ ْ م َ ل ثُ ّمَتاع ٌ قَِلي ٌ فُروا ِفي الِبلِدَ . ذي َ ب ال ِ قل ُ تَ َ
ب
ذا ٍ م إ ِلى عَ َ َ ضطّرهُ ْ َ م نَ ْ م قَِليل ث ُ ّ مت ّعُهُ ْ عمران ، [197 ، 196 :وقال تعالى } :ن ُ َ
ظ { ] لقمان .[24 : غَِلي ٍ
ثم قال تعالى مسلًيا لنبيه ) (1محمد صلى الله عليه وسلم في تكذيب من
كذبه من قومه ،بأن له أسوة من سلف من النبياء ؛ فإنه قد كذبهم )(2
َ
ت قَب ْلهُ ْ
م أممهم وخالفوهم ،وما آمن بهم منهم إل قليل ) ، (3فقال } :ك َذ ّب َ ْ
بحَزا ُ م ُنوٍح { وهو أول رسول ب ََعثه الله ينهى عن عبادة الوثان َ } ،وال ْ قَوْ ُ
ذوه ُ { أي : خ ُ ْ ُ ت كُ ّ
م ل ِي َأ ُسول ِهِ ْ مةٍ ب َِر ُ لأ ّ م ْ م { أي :من كل أمة } ،وَهَ ّ ن ب َعْدِهِ ْ م ْ ِ
ُ
جاد َلوا حرصوا على قتله بكل ممكن ،ومنهم من قتل رسوله ) } ، (4وَ َ
حُلوا بالشبهة ) (5ليردوا الحق الواضح ما َ حقّ { أي َ : ضوا ب ِهِ ال ْ َ ح ُ ل ل ِي ُد ْ ِ ِبال َْباط ِ ِ
الجلي.
وقد قال أبو القاسم الطبراني :حدثنا علي بن عبد العزيز ،حدثنا عارم أبو
حَنش ،عن مر ابن سليمان قال :سمعت أبي يحدث عن َ معْت َ ِ النعمان ،حدثنا ُ
عكرمة ،عن ابن عباس )] (6رضي الله عنه[ ) ، (7عن النبي صلى الله عليه
قا ،فقد برئت منه ذمة الله وسلم قال " :من أعان باطل ليدحض بباطله ح ّ
وذمة رسوله" ).(8
َ
م { أي :أهلكتهم على ما صنعوا من هذه الثام والذنوب خذ ْت ُهُ ْ وقوله } :فَأ َ
ب { أي :فكيف بلغك عذابي لهم ،ونكالي بهم ؟ قا ِ ع َ ن ِ كا َ ف َ العظام } ،فَك َي ْ َ
ما. دا موجًعا مؤل ً قد كان شدي ً
دا.
قال قتادة :كان والله شدي ً
__________
) (1في ت " :لرسوله".
) (2في س ،أ " :كذبتهم".
) (3في ت ،س " :القليل".
) (4في ت ،س ،أ " :رسولهم".
) (5في ت ،أ " :ما جاءوا به من الشبهة".
) (6في ت " :وقد روى الطبراني بإسناده".
) (7زيادة من أ.
) (8المعجم الكبير ) (11/215ورواه الحاكم في المستدرك ) (4/100من
طريق علي بن عبد العزيز به موقوفا وقال " :صحيح السناد" وتعقبه الذهبي
بقوله " :فيه حنش الرحبي وهو ضعيف".
) (7/129
ه
ن بِ ِ مُنو َ م وَي ُؤْ ِ مد ِ َرب ّهِ ْ ح ْ
ن بِ َ حو َ سب ّ ُ
ه يُ َ حوْل َ ُ ن َ م ْ ش وَ َ ن ال ْعَْر َ مُلو َ ح ِن يَ ْ ذي َ ال ّ ِ
فْر ل ِل ّ ِ َ
ن َتاُبواذي َ ما َفاغْ ِ عل ْ ً ة وَ ِ م ًح َ يٍء َر ْ ش ْ ل َ ت كُ ّ سعْ َ مُنوا َرب َّنا وَ ِ نآ َ ذي َ ن ل ِل ّ ِ فُرو َ ست َغْ ِوَي َ ْ
حيم ِ )(7 ج ِ ْ
ب ال َ ذا َ م عَ َ ك وَقِهِ ْ َ
سِبيل َ َوات ّب َُعوا َ
فروا أ َنه َ
ب الّنارِ { حا ُ ص َمأ ْ ُّ ْ ن كَ َ ُ ذي َ ك عََلى ال ّ ِ ة َرب ّ َ ت ك َل ِ َ
م ُ ق ْ ح ّ ك َ وقوله } :وَك َذ َل ِ َ
ة العذاب على الذين كفروا من المم السالفة ،كذلك أي :كما حقت كلم ُ
حقت على المكذبين من هؤلء الذين كذبوك وخالفوك يا محمد بطريق الولى
والحرى ؛ لن من كذّبك ) (1فل وثوق له بتصديق غيرك.
ه
ن بِ ِمُنو َ م وَي ُؤْ ِ مدِ َرب ّهِ ْ ح ْن بِ َ حو َ سب ّ ُ ه يُ َ حوْل َ ُ ن َ م ْ ش وَ َ ن ال ْعَْر َ مُلو َ ح ِ ن يَ ْ ذي َ } ال ّ ِ
ن َتاُبوا ذي َ ّ
فْر ل ِل ِ ما َفاغْ ِ ْ
عل ً ة وَ ِ م ًح َ يٍء َر ْ ش ْ ل َ ت كُ ّ سعْ َ مُنوا َرب َّنا وَ ِ نآ َ ذي َ ّ
ن ل ِل ِ فُرو َ ست َغْ ِوَي َ ْ
حيم ِ ){ (7 ج ِ ب ال َْ ذا َ م عَ َ ك وَقِهِ ْ َ
سِبيل َ َوات ّب َُعوا َ
__________
) (1في س " :كذب بك".
) (7/130
) (7/130
ة { ]الحاقة .[17 : مان ِي َ ٌ مئ ِذ ٍ ث َ َ م ي َوْ َك فَوْقَهُ ْ ش َرب ّ َل عَْر َ م ُ ح ِ
كما قال تعالى } :وَي َ ْ
وهنا سؤال وهو أن يقال :ما الجمع بين المفهوم من هذه الية ،ودللة هذا
الحديث ؟ وبين الحديث الذي رواه أبو داود :
سماك ،عن حدثنا محمد بن الصباح البزار ،حدثنا الوليد بن أبي ثور ،عن ِ
ميرة ) ، (1عن الحنف بن قيس ،عن العباس بن عبد المطلب عبد الله بن عَ ِ
،قال :كنت بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمرت بهم سحابة ،فنظر إليها فقال " :ما تسمون هذه ؟" قالوا :السحاب.
قال " :والمزن ؟" قالوا :والمزن .قال " :والعََنان ؟" قالوا :والعنان -قال
دا -قال " :هل تدرون ب ُعْد َ ما بين السماء أبو داود :ولم أتقن العنان جي ً
والرض ؟" قالوا :ل ندري .قال ُ" :بعد ما بينهما إما واحدة ،أو اثنتان ،أو
ثلث ) (2وسبعون سنة ،ثم السماء فوقها كذلك" حتى عَد ّ سبع سموات "ثم
فوق السماء السابعة بحر ) ، (3بين ) (4أسفله وأعله مثل ما بين سماء إلى
عال ،بين أظلفهن وُركبهن مثل ما بين سماء سماء ،ثم فوق ذلك ثمانية أوْ َ
إلى سماء ،ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعله مثل ما بين سماء
إلى سماء ،ثم الله ،عز وجل ،فوق ذلك" ثم رواه أبو داود والترمذي وابن
ماجه ،من حديث سماك بن حرب ،به ) .(5وقال الترمذي :حسن غريب.
شب :حملة حو ْ َ شْهر بن َ وهذا يقتضي أن حملة العرش ثمانية ،كما قال َ
العرش ثمانية ،أربعة يقولون " :سبحانك اللهم وبحمدك ،لك الحمد على
حلمك بعد علمك" .وأربعة يقولون " :سبحانك اللهم وبحمدك ،لك الحمد
على عفوك بعد قدرتك".
ة
م ً
ح َيٍء َر ْ ش ْل َ ت كُ ّ سعْ َ ولهذا يقولون إذا استغفروا ) (6للذين آمنوا َ } :رب َّنا وَ ِ
سع ذنوبهم وخطاياهم ،وعلمك محيط بجميع ما { أي :إن رحمتك ت َ َ عل ْ ًوَ ِ
ن َتاُبوا َوات ّب َُعوا ذي َ ّ
فْر ل ِل ِ أعمالهم ]وأقوالهم[ ) (7وحركاتهم وسكناتهم َ } ،فاغْ ِ
ك { أي :فاصفح عن المسيئين ) (8إذا تابوا وأنابوا وأقلعوا عما كانوا سِبيل َ َ َ
م
فيه ،واتبعوا ما أمرتهم به ،من فعل الخيرات وترك المنكرات } ،وَقِهِ ْ
حيم ِ { أي :وزحزحهم عن عذاب الجحيم ،وهو العذاب الموجع ج ِ ب ال ْ َ ذا َ عَ َ
الليم ).(9
م َ َ ّ ْ } َرب َّنا وَأ َد ْ ِ
جهِ ْ م وَأْزَوا ِ ن آَبائ ِهِ ْ م ْ ح ِ صل َ ن َ م ْم وَ َن الِتي وَعَد ْت َهُ ْ ت عَد ْ ٍ جّنا ِ
م َخلهُ ْ
م { أي :اجمع بينهم وبينهم ،لتقر بذلك أعينهم بالجتماع في منازل وَذ ُّرّيات ِهِ ْ
ن
ما ٍ م ذ ُّري ّت ُهُ ْ
م ب ِِإي َ مُنوا َوات ّب َعَت ْهُ ْ
نآ َ متجاورة ،كما قال ]تعالى[ )َ } (10وال ّ ِ
ذي َ
َ َ
يٍء { ]الطور (11) [21 :أي ن َ
ش ْ م ْ
م ِمل ِهِ ْ ن عَ َ
م ْ
م ِما أل َت َْناهُ ْ م ذ ُّري ّت َهُ ْ
م وَ َ قَنا ب ِهِ ْ أل ْ َ
ح ْ
:ساوينا بين الكل في المنزلة ،لتقر أعينهم ،وما نقصنا العالي حتى يساوي
الداني ،بل رفعنا الناقص في العمل ) ، (12فساويناه بكثير العمل ،تفضل
منا ومنة.
__________
) (1في ت :عمرة".
) (2في ت ،س " :أو اثنين أو ثلثة".
) (3في ت " :ثم فوق السماء بحرا" وفي س " :ثم فوق السابعة بحر".
) (4في أ " :بحر ما بين".
) (5سنن أبي داود برقم ) (4725 - 4723وسنن الترمذي برقم )(3320
وسنن ابن ماجه برقم ).(193
) (6في ت " :استغفروا للمؤمنين".
) (7زيادة من أ.
) (8في أ " :المسلمين".
) (9في ت " :المؤلم".
) (10زيادة من ت ،س ،أ.
) (11في س " :واتبعتهم ذريتهم".
) (12في ت ،أ " :رفعنا ناقص العمل".
) (7/131
قال سعيد بن جبير :إن المؤمن إذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه ،
وأين هم ؟ فيقال :إنهم لم يبلغوا طبقتك ) (1في العمل فيقول :إني إنما
ن به في الدرجة ،ثم تل سعيد بن جبير هذه الية } : قو َ ح ُعملت لي ولهم .فَُيل َ
َ َ ّ َرب َّنا وَأ َد ْ ِ
م
جهِ ْم وَأْزَوا ِ
ن آَبائ ِهِ ْ م ْ ح ِ صل َ ن َ م ْم وَ َ ن الِتي وَعَد ْت َهُ ْ ت عَد ْ ٍ جّنا ِم َ خل ْهُ ْ
وذ ُريات ِهم إن َ َ
م {. كي ُح ِ زيُز ال ْ َ ت ال ْعَ ِ ك أن ْ َ َ ّ ّ ِ ْ ِّ
ة ،ثمح عباد ِ الله للمؤمنين الملئك ُ خير :أنص ُ ش ّ مطّرف بن عبد الله بن ال ّ قال ُ
ش عباد الله ّ ْ َ
م { وأغ ّ ن الِتي وَعَد ْت َهُ ْ ت عَد ْ ٍ جّنا ِ م َ خلهُ ْ تل هذه الية َ } :رب َّنا وَأد ْ ِ
ن.للمؤمنين الشياطي ُ
م { أي :الذي ل يمانع ول يغالب ،وما شاء كي ح ْ لا ز ْ وقوله } :إن َ َ
َ ِ ُ ت َ ِ ُ
زي ع لا ك أن ْ َ ِّ
كان وما لم يشأ لم يكن ،الحكيم في أقوالك وأفعالك ،من شرعك وقدرك )
(2
ق
ن تَ ِم ْت { أي :فعلها أو َوبالها ممن وقعت منه } ،وَ َ سي َّئا ِ م ال ّ } وَقِهِ ُ
ه { أي :لطفت به ونجيته مت َ ُح ْ قد ْ َر ِ مئ ِذ ٍ { أي :يوم القيامة } ،فَ َ ت ي َوْ َ سي َّئا ِال ّ
م {. ظي ُ ْ
فوُْز العَ ِ ْ
ك هُوَ ال َ من العقوبة } ،وَذ َل ِ َ
ن إ َِلى م إ ِذ ْ ت ُد ْعَوْ َ سك ُ ْ ف َم أ َن ْ ُ قت ِك ُ ْم ْ ن َ م ْ
َ
ت الل ّهِ أك ْب َُر ِ ق ُ ن لَ َ
م ْ فُروا ي َُناد َوْ َ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ } إِ ّ
ْ
ن فاعْت ََرفَنا ب ِذ ُُنوب َِنا َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ
حي َي ْت ََنا اثن َت َي ْ ِ ن وَأ ْ مت َّنا ا َثن َت َي ْ ِ ن ) (10قالوا َرب َّنا أ َ فُرو َ ن فت َك ُ ما ِ الي َ
ن
م وَإ ِ ْ فْرت ُ ْ َ
حد َهُ ك َ ه وَ ْ ّ
ي الل ُ ع َ َ
ه إ ِذا د ُ ِ م ب ِأن ّ ُ ُ َ
ل ) (11ذل ِك ْ سِبي ٍ ن َ م ْ خُروٍج ِ ل إ ِلى َُ فَهَ ْ
لم آَيات ِهِ وَُينز ُ ريك ُ ْ ذي ي ُ ِ ي ال ْك َِبيرِ ) (12هُوَ ال ّ ِ م ل ِل ّهِ ال ْعَل ِ ّ حك ْ ُمُنوا َفال ْ ُ ك ب ِهِ ت ُؤْ ِ شَر ْ يُ ْ
ن لَ ُ
ه صي َ خل ِ ِ م ْ ه ُ عوا الل ّ َ ب )َ (13فاد ْ ُ ن ي ُِني ُ م ْ ما ي َت َذ َك ُّر ِإل َ ماِء رِْزًقا وَ َ س َ ن ال ّ م َ م ِ ل َك ُ ْ
ن ){ (14 كافُِرو َ ن وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ َ دي َ ال ّ
مرات يقول تعالى مخبًرا عن الكفار :أنهم ي َُناَدون يوم القيامة وهم في غَ َ
النيران يتلظون ،وذلك عندما ) (3باشروا من عذاب الله ما ل قَِبل لحد به ،
فمقتوا عند ذلك أنفسهم وأبغضوها غاية البغض ،بسبب ما أسلفوا ) (4من
العمال السيئة ،التي كانت سبب دخولهم إلى النار ،فأخبرتهم الملئكة عند
ذلك إخبارا عاليا ،نادوهم ]به[ ) (5نداء بأن مقت الله لهم في الدنيا حين كان
ُيعرض عليهم اليمان ،فيكفرون ،أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم
اليوم في هذه الحالة.
َ ُ َ ُ ْ َ ّ َ
ن إ ِلى م إ ِذ ْ ت ُد ْعَوْ َ سك ْ ف َ م أن ْ ُ قت ِك ْ م ْ
ن َ م ْ ت اللهِ أكب َُر ِ ق ُ م ْ قال قتادة في قوله } :ل َ
عرض عليهم اليمان ت الله أهل الضللة حين ُ ن { يقول :لمق ُ فُرو َ ن فَت َك ْ ُ ما ِ الي َ
في الدنيا ،فتركوه وأبوا أن يقبلوه ،أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا
عذاب الله يوم القيامة ).(6
مداني ، وهكذا قال الحسن البصري ومجاهد والسدي وذ َّر بن عبد الله ) (7الهَ ْ
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،وابن جرير الطبري ،رحمهم الله.
__________
) (1في ت " :رقبتك".
) (2في أ " :وقدرتك".
) (3في أ " :بعدما".
) (4في ت ،س " :أسلفوه".
) (5زيادة من ت ،أ.
) (6في أ " :عذاب الله في يوم القيامة".
) (7في س " :عبيد الله".
) (7/132
َ َ
ن { قال الثوري ،عن أبي )(1 حي َي ْت ََنا اث ْن َت َي ْ ِ وقوله َ } :قاُلوا َرب َّنا أ َ
مت َّنا اث ْن َت َي ْ ِ
ن وَأ ْ
إسحاق ،عن أبي الحوص ،عن ابن مسعود ]رضي الله عنه[ ) : (2هذه الية
َ فرون بالل ّه وك ُنت َ
ميت ُك ُ ْ
م ثُ ّ
م م يُ ِ حَياك ُ ْ
م ثُ ّ واًتا فَأ ْ
م َ مأ ْ ف ت َك ْ ُ ُ َ ِ ِ َ ْ ُ ْ كقوله تعالى } :ك َي ْ َ
ن { ]البقرة [28 :وكذا قال ابن عباس ،والضحاك ، جُعو َ م إ ِل َي ْهِ ت ُْر َ حِييك ُ ْ
م ثُ ّ يُ ْ
وقتادة ،وأبو مالك .وهذا هو الصواب الذي ل شك فيه ول مرية.
دي ُ :أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا ،ثم أميتوا ثم س ّوقال ال ّ
أحيوا يوم القيامة.
وقال ابن زيد :أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم ،ثم خلقهم في
الرحام ثم أماتهم ]ثم أحياهم[ ) (3يوم القيامة.
وهذان القولن -من السدي وابن زيد -ضعيفان ؛ لنه يلزمهما على ما قال
ثلث إحياءات وإماتات .والصحيح قول ابن مسعود وابن عباس ومن تابعهما.
والمقصود من هذا كله :أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدي
ن
مو َ
جرِ ُم ْالله ،عز وجل ،في عرصات القيامة ،كما قال } :وَل َوْ ت ََرى إ ِذِ ال ْ ُ
َ
حا إ ِّنا صال ِ ً ل َ م ْ جعَْنا ن َعْ َ معَْنا َفاْر ِ س ِ صْرَنا وَ َ م َرب َّنا أب ْ َ عن ْد َ َرب ّهِ ْ م ِ سهِ ْ سو ُرُءو ِ َناك ِ ُ
ن { ]السجدة ، [12 :فل يجابون .ثم إذا رأوا النار وعاينوها ووقفوا موقُِنو َ ُ
عليها ،ونظروا إلى ما فيها من العذاب والّنكال ،سألوا الرجعة أشد مما
فوا عََلى الّناِر سألوا أول مرة ،فل يجابون ،قال الله تعالى } :وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ وُقِ ُ
ما
م َ دا ل َهُ ْ ل بَ َن بَ ْ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ م َ ن ِ كو َ ت َرب َّنا وَن َ ُ ب ِبآَيا ِ قاُلوا َيا ل َي ْت ََنا ن َُرد ّ َول ن ُك َذ ّ َ فَ َ
كاذُِبون { ]النعام : م لَ َ ه وَإ ِن ّهُ ْ ما ن ُُهوا عَن ْ ُ ل وَل َوْ ُرّدوا ل ََعاُدوا ل ِ َ ن قَب ْ ُ م ْ ن ِ فو َ خ ُ كاُنوا ي ُ ْ َ
سيسها ومقامعها وأغللها ،كان ح ِ سها و َ م ّ [28 ، 27فإذا دخلوا النار وذاقوا َ
لم ْ َ َ س ُ
جَنا ن َعْ َ خرِ ْ ن ِفيَها َرب َّنا أ ْ خو َ صطرِ ُ م يَ ْ ؤالهم للرجعة أشد وأعظم } ،وَهُ ْ
َ َ ّ
ذيُر
م الن ّ ِ جاَءك ُ ُ ن ت َذ َك َّر وَ َ م ْ ما ي َت َذ َك ُّر ِفيهِ َ م َ مْرك ُ ْ م ن ُعَ ّ ل أوَل ْ م ُ ذي ك ُّنا ن َعْ َ حا غَي َْر ال ِ صال ِ ً َ
َ ّ
من َْها فَإ ِ ْ
ن جَنا ِ خرِ ْ صيرٍ { ]فاطر َ } ، [37 :رب َّنا أ ْ ن نَ ِ ْ م
ِ ن
َ ميِ ِ لظا للِ ما
َ َ ف قوا ُ ذوُ فَ
ن { ]المؤمنون ، 107 : مو ِ ّ َ
سُئوا ِفيَها َول ت ُكل ُ خ َ لا ْ نَ .قا َ مو َ َ
عُد َْنا فَإ ِّنا ظال ِ ُ
، [108وفي هذه الية الكريمة تلطفوا في السؤال ،وقدموا بين يدي كلمهم
َ َ
ن { أي :قدرتك حي َي ْت ََنا اث ْن َت َي ْ ِ ن وَأ ْ مت َّنا اث ْن َت َي ْ ِ دمة ،وهي قولهم َ } :رب َّنا أ َ مق ّ ُ
عظيمة ،فإنك أحييتنا بعد ما كنا أمواتا ،ثم أمتنا ثم أحييتنا ،فأنت قادر على
ما تشاء ،وقد اعترفنا بذنوبنا ،وإننا كنا ظالمين لنفسنا في الدار الدنيا ،
ل { أي فهل أنت مجيبنا إلى أن تعيدنا إلى الدار سِبي ٍ ن َ م ْ خُروٍج ِ ل إ َِلى ُ } فَهَ ْ
الدنيا ؟ فإنك قادر على ذلك ؛ لنعمل غير الذي كنا نعمل ،فإن عدنا إلى ما
جيُبوا أل سبيل إلى عودكم ومرجعكم إلى الدار الدنيا. ُ
كنا فيه فإنا ظالمون .فأ ِ
حده ج َ ثم علل المنع من ذلك بأن سجاياكم ل تقبل الحق ول تقتضيه بل ت َ ْ
َ
شَر ْ
ك ن يُ ْ م وَإ ِ ْ فْرت ُ ْ حد َه ُ ك َ َ ه وَ ْ ي الل ّ ُ ع َ ه إ َِذا د ُ ِ م ب ِأن ّ ُ وتنفيه ؛ ولهذا قال تعالى } :ذ َل ِك ُ ْ
مُنوا { أي :أنتم هكذا تكونون ،وإن رددتم إلى الدنيا ،كما قال تعالى : ب ِهِ ت ُؤْ ِ
ن { ]النعام .[28 : كاذُِبو َ مل َ َ ه وَإ ِن ّهُ ْ ما ن ُُهوا عَن ْ ُ } وَل َوْ ُرّدوا لَعاُدوا ل ِ َ
َ
ي ال ْك َِبيرِ { أي :هو الحاكم في خلقه ،العادل م ل ِل ّهِ ال ْعَل ِ ّ حك ْ ُ وقوله َ } :فال ْ ُ
الذي ل يجور ،فيهدي من
__________
) (1في أ " :ابن".
) (2زيادة من أ.
) (3زيادة من ت ،س ،أ.
) (7/133
يشاء ،ويضل من يشاء ،ويرحم من يشاء ،ويعذب من يشاء ،ل إله إل هو.
م آَيات ِهِ { أي :يظهر قدرته لخلقه ) (1بما يشاهدونه ريك ُ ْ ذي ي ُ ِ وقوله } :هُوَ ال ّ ِ
في خلقه العلوي والسفلي من اليات العظيمة الدالة على كمال خالقها
ماِء رِْزًقا { ،وهو المطر الذي يخرج س َ
ن ال ّم َ
م ِ ل ل َك ُ ْومبدعها ومنشئها } ،وَُينز ُ
به من الزروع والثمار ما هو مشاهد بالحس ،من اختلف ألوانه وطعومه ،
وروائحه وأشكاله وألوانه ،وهو ماء واحد ،فبالقدرة العظيمة فاوت بين هذه
ما ي َت َذ َك ُّر { أي :يعتبر ويتفكر في هذه الشياء ويستدل بها على الشياء } ،وَ َ
ب { أي :من هو بصير منيب إلى الله ،عز وجل. ن ي ُِني ُ م ْ عظمة خالقها } ِإل َ
ن { أي :فأخلصوا َ ْ َ َ
ن وَلوْ كرِهَ الكافُِرو َدي َ
ه ال ّ َ
نل ُ صي َ خل ِ ِ
م ْ ه ُ عوا الل ّ َ وقوله َ } :فاد ْ ُ
لله وحده العبادة والدعاء ،وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم.
قال ) (2المام أحمد :حدثنا عبد الله بن نمير ،حدثنا هشام -يعني بن عروة
بن الزبير -عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن مدرس المكي قال :كان عبد
الله بن الزبير يقول في دبر كل صلة حين يسلم ) : (3ل إله إل الله ،وحده
ل شريك له ،له الملك وله الحمد ،وهو على كل شيء قدير ،ل حول ول
قوة إل بالله ،ل إله إل الله ،ول نعبد إل إياه ،له النعمة وله الفضل ،وله
الثناء الحسن ،ل إله إل الله ،مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" قال :
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ي ُهَّلل بهن ) (4دبر كل صلة ).(5
ورواه مسلم وأبو داود والنسائي ،من طرق ،عن هشام بن عروة ،وحجاج
بن أبي عثمان ،وموسى بن عقبة ،ثلثتهم عن أبي الزبير ،عن عبد الله بن
الزبير قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر الصلة " :ل
إله إل الله وحده ل شريك له ) (6وذكر تمامه ).(7
وقد ثبت في الصحيح عن ابن الزبير ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يقول عقب الصلوات المكتوبات " :ل إله إل الله ،وحده ل شريك له ،له
الملك وله الحمد ،وهو على كل شيء قدير .ل حول ول قوة إل بالله ،ل إله
إل الله ول نعبد إل إياه ،له النعمة وله الفضل ،وله الثناء الحسن ،ل إله إل
الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" ).(8
صيب بن ناصح ،حدثنا صالح - خ ِ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا الربيع حدثنا ال َ
مّري -عن هشام بن حسان ،عن ابن سيرين عن أبي هريرة ،رضي يعني ال ِ
الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :ادعوا الله
__________
) (1في أ " :بخلقه".
) (2في ت " :روى".
) (3في أ " :عقب الصلوات المكتوبات".
) (4في ت " :بهن في دبر".
) (5المسند ).(4/4
) (6في ت " :ل شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
) (7صحيح مسلم برقم ).(594
) (8صحيح مسلم برقم ) (594وسنن أبي داود برقم ) (1506والنسائي في
السنن الكبرى برقم ).(1262
) (7/134
وأنتم موقنون بالجابة ،واعلموا أن الله ل يستجيب دعاًء من قلب غافل له"
).(1
ن يَ َ َ َ ْ ْ
ه
عَبادِ ِ
ن ِ م ْ شاُء ِ م ْمرِهِ عَلى َ نأ ْ م ْح ِ قي الّرو َ ت ُذو العَْر ِ
ش ي ُل ِ جا ِ } َرِفيعُ الد َّر َ
ن م ل ٌ ءي شَ م ه ن م هّ لال َ
لى َ ع فى َ خ
َ ْ ي ل ن زو ربا م ه م وي (15 ) ق
م ال ّ ِ
تل ل ِي ُن ْذَِر ي َوْ َ
ْ ِ َ ِ ِ ِ ُْ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ُِ َ
قّهارِ ){ (16 حدِ ال ْ َ م ل ِل ّهِ ال ْ َ
وا ِ ك ال ْي َوْ َمل ْ ُ
ال ْ ُ
__________
) (1ورواه الترمذي في السنن برقم ) (3479عن معاوية بن صالح ورواه
الحاكم في المستدرك ) (1/493عن عفان بن مسلم وموسى ابن إسماعيل
ورواه الطبراني في كتاب الدعاء برقم ) (62عن مخلد بن خداش كلهم من
طريق صالح المري به .قال اطبراني في المعجم الوسط " :لم يرو هذا
الحديث عن هشام بن حسان إل صالح المري" ومداره على صالح المري وهو
متروك.
) (7/135
ب )(17
سا ِ ريعُ ال ْ ِ
ح َ س ِ ن الل ّ َ
ه َ م ال ْي َوْ َ
م إِ ّ ت َل ظ ُل ْ َ ما ك َ َ
سب َ ْ س بِ َ
ف ٍ جَزى ك ُ ّ
ل نَ ْ ال ْي َوْ َ
م تُ ْ
ب) سا ِ ح َ ريعُ ال ْ ِ س ِ ه َ ن الل ّ َ م إِ ّ م ال ْي َوْ َ ت ل ظ ُل ْ َ سب َ ْ ما ك َ َ س بِ َف ٍ ل نَ ْجَزى ك ُ ّ م تُ ْ } ال ْي َوْ َ
{ (17
يقول تعالى ]مخبرا[ ) (1عن عظمته وكبريائه ،وارتفاع عرشه العظيم
ن الل ّهِ ِذي م َ العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها ،كما قال تعالى ِ } :
ن أل ْ ََ ح إ ِل َي ْهِ ِفي ي َوْم ٍ َ
ة
سن َ ٍ
ف َ سي َ م ِ خ ْداُره ُ َ ق َ م ْ ن ِ كا َ ة َوالّرو ُ ملئ ِك َ ُ ج ال ْ َ مَعارِِج ت َعُْر ُ ال ْ َ
صب ِْر[ { ] المعارج (2) ، [4 ، 3 :وسيأتي بيان أن هذه مسافة ما بين ]َفا ْ
العرش إلى الرض السابعة ،في قول جماعة من السلف والخلف ،وهو
الرجح إن شاء الله ]تعالى[ ) .(3وقد ذكر غير واحد أن العرش من ياقوتة
حمراء ،اتساع ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة .وارتفاعه عن
الرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة .وقد تقدم في حديث "الوعال" ما
يدل على ارتفاعه عن ) (4السموات السبع بشيء عظيم.
وقوله } :يل ْقي الروح م َ
عَبادِهِ { كقوله تعالى : ن ِ م ْ شاُء ِ ن يَ َ م ْمرِهِ عََلى َ نأ ْ ّ َ ِ ْ ُ ِ
هَ َ َ َ َ َ
ه ل إ ِل َ ن أن ْذُِروا أن ّ ُ عَبادِهِ أ ْ ن ِ م ْ شاُء ِ ن يَ َ م ْ مرِهِ عَلى َ نأ ْ م ْ ة ِبالّروِح ِ َ
ملئ ِك َ ل ال ْ َ } ُينز ُ
ن.مي َ َ
ب الَعال ِ ْ ل َر ّ ه لَتنزي ُ َ ن[ { ]النحل ، (5) [2 :وكقوله } :وَإ ِن ّ ُ قو ِ ِإل أ ََنا ]فات ّ ُ
َ
مِبين[ { ي ُ ن عََرب ِ ّ سا ٍ ن] .ب ِل ِ َ من ْذِِري َ ن ال ْ ُ م َ ن ِ ك ل ِت َ ُ
كو َ ن .عََلى قَل ْب ِ َ مي ُ ح ال ِ ل ب ِهِ الّرو ُ نز َ
ق { قال م الّتل ِ ]الشعراء (7) (6) [ 194 - 192 :؛ ولهذا قال } :ل ِي ُن ْذَِر ي َوْ َ
ق { اسم من أسماء يوم م الّتل ِ علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس } :ي َوْ َ
القيامة ،حذر منه عباده.
جَريج :قال ابن عباس :يلتقي فيه آدم وآخر ولده. وقال ابن ُ
وقال ابن زيد :يلتقي فيه العباد.
وقال قتادة ،والسدي ،وبلل بن سعد ،وسفيان بن عيينة ) : (8يلتقي فيه
أهل السماء وأهل الرض.
وقال قتادة أيضا :يلتقي فيه أهل السماء وأهل الرض ،والخالق والخلق.
مْهران :يلتقي ]فيه[ ) (9الظالم والمظلوم. مْيمون بن ِ وقال َ
__________
) (1زيادة من ت ،س ،أ.
) (2زيادة من ت.
) (3زيادة من ت.
) (4في ت ،س " :من".
) (5في س " :فاعبدوه" وهو خطأ والصواب ما أثبتناه.
) (6في ت " :إنه" وهو خطأ والصواب ما أثبتناه.
) (7زيادة من ت.
) (8في ت " :قتادة وغيره".
) (9زيادة من أ.
) (7/135
وقد يقال :إن يوم القيامة ) (1هو يشمل هذا كله ،ويشمل أن كل عامل
سيلقى ما عمل من خير وشر .كما قاله آخرون.
ن { أي :ظاهرون بادون كلهم ،ل شيء يكنهم ول م َبارُِزو َ م هُ ْ وقوله } :ي َوْ َ
م
من ْهُ ْ ّ
فى عَلى اللهِ ِ َ خ َ ن ل يَ ْ م َبارُِزو َ م هُ ْ يظلهم ول يسترهم .ولهذا قال } :ي َوْ َ
يٌء { أي :الجميع في علمه على السواء. ش ْ َ
قّهارِ { قد تقدم في حديث ابن ْ
حدِ ال َ وا ِ ْ
م ل ِلهِ ال َّ ْ
ملك الي َوْ َ ُ ْ ْ
ن ال ُ م ِ وقوله } :ل ِ َ
عمر :أنه تعالى ) (2يطوي السموات والرض بيده ،ثم يقول :أنا الملك ،أنا
الجبار ،أنا المتكبر ،أين ملوك الرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟.
وفي حديث الصور :أنه تعالى إذا قبض أرواح جميع خلقه ،فلم يبق سواه
وحده ل شريك له ،حينئذ يقول :لمن الملك اليوم ؟ ثلث مرات ،ثم يجيب
قّهارِ { أي :الذي هو وحده قد قََهر كل شيء حدِ ال ْ َ وا ِ نفسه قائل } ل ِل ّهِ ال ْ َ
وغلبه ).(3
وقد قال ) (4ابن أبي حاتم :حدثنا محمد بن غالب الدقاق ،حدثنا عبيد بن
ضرة ،عن ابن عباس ]رضي الله عبيدة ،حدثنا معتمر ،عن أبيه ،حدثنا أبو ن َ ْ
عنهما[ ) (5قال :ينادي مناد بين يدي الساعة :يا أيها الناس ،أتتكم الساعة.
فيسمعها الحياء والموات ،قال :وينزل الله ]عز وجل[ ) (6إلى سماء الدنيا
قّهارِ {. حدِ ال ْ َ وا ِ م ل ِل ّهِ ال ْ َ ك ال ْي َوْ َ مل ْ ُ ن ال ْ ُ م ِ ويقول } :ل ِ َ
ع
ري ُ س ِ ه َ ّ
ن الل َ م إِ ّ ْ
م الي َوْ َ ْ ُ
ت ل ظل َ سب َ ْ َ
ما ك َ س بِ َ ُ
جَزى ك ّ وقوله } :ال ْي َوْ َ
ف ٍ ل نَ ْ م تُ ْ
ب { يخبر تعالى عن عدله في حكمه بين خلقه ،أنه ل يظلم مثقال سا ِ ح َ ال ْ ِ
ذرة من خير ول من شر ،بل يجزي بالحسنة عشر أمثالها ،وبالسيئة واحدة ؛
م { كما ثبت في صحيح مسلم ) ، (7عن أبي ذر ، م ال ْي َوْ َ ولهذا قال } :ل ظ ُل ْ َ
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما يحكي عن ربه عز وجل -أنه
قال " :يا عبادي ،إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فل
تظالموا -إلى أن قال : -يا عبادي ،إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ) (8ثم
أوفيكم إياها ،فمن وجد خيًرا فليحمد الله ،ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل
نفسه" ).(9
ب { أي :يحاسب الخلئق كلهم ،كما سا ِ ح َ ريعُ ال ِْ س ِ ه َ ّ
ن الل َ وقوله } :إ ِ ّ
حد َةٍ { س َوا ِ م ِإل ك َن َ ْ م َول ب َعْث ُك ُ ْ قك ُ ْ ْ
ف ٍ َ
خل ُ ما َ سا واحدة ،كما قال َ } : يحاسب نف ً
صرِ { ْ
مٍح ِبالب َ َ َ
حد َة ٌ ك َل ْ مُرَنا ِإل َوا ِ ما أ ْ ]لقمان ، [28 :وقال ]تعالى[ ) } : (10وَ َ
]القمر .[50 :
ن ّ َ ْ َ ُ ْ
م الزِفَةِ إ ِذِ ال ُ َ
م ْ ن ِ مي َ
ما ِللظال ِ ِ ن َ مي َ جرِ كاظ ِ ِ حَنا ِ دى ال َ بل َ قلو ُ م ي َوْ َ } وَأن ْذِْرهُ ْ
دوُر )َ (19والل ّ ُ
ه ص ُفي ال ّ خ ِ ما ت ُ ْ ن وَ َ ة العْي ُ ِ خائ ِن َ َ م َ طاع ُ ) (18ي َعْل َ ُ فيع ي ُ َ
ش ِ ٍ ميم ٍ َول َ ح ِ َ
ع
مي ُس ِ ه هُوَ ال ّ ن الل َ ّ يٍء إ ِ ّ ش ْ ن بِ َ ضو َ ق ُ ن ُدون ِهِ ل ي َ ْ م ْ ن ِ عو َ ن ي َد ْ ُ ذي َ ّ
حقّ َوال ِ ْ
ضي ِبال َ ق ِ يَ ْ
صيُر ){ (20 ال ْب َ ِ
__________
) (1في ت ،س " :التلق".
) (2في ت " :أن الله".
) (3انظر حديث الصور بتمامه عند تفسير الية 73 :من سورة النعام.
) (4في ت " :وروى ابن أبي حاتم".
) (5زيادة من أ.
) (6زيادة من ت ،أ.
) (7في ت " :البخاري" وهو خطأ.
) (8في ت ،س " :لكم".
) (9صحيح مسلم برقم ).(2577
) (10زيادة من س.
) (7/136
يوم الزفة هو :اسم من أسماء يوم القيامة ،سميت بذلك لقترابها ،كما
ن الل ّهِ َ َ
ة { ]النجم ، 57 : ف ٌش َ
كا ِ ن ُدو ِ م ْ س ل ََها ِ ة .ل َي ْ َ ت الزِفَ ُ قال تعالى } :أزِفَ ِ
مُر { ]القمر ، [1 :وقال } اقْت ََر َ
ب ق َ شقّ ال ْ َ ة َوان ْ َ ساعَ ُ ت ال ّ [58وقال } اقْت ََرب َ ِ
جُلوه ُ { َ َ
ست َعْ ِ مُر الل ّهِ َفل ت َ ْ م { ]النبياء [1 :وقال } أَتى أ ْ ساب ُهُ ْ ح َ س ِ ِللّنا ِ
ذي ذا ال ِّل هَ َفُروا وَِقي َ ن كَ َ ذي ّ لا ه جو و ت َ ئ سي ة َ ف ْ ل ز ه و َ أ ر ما َ ل َ ف } وقال [ 1 : ]النحل
ّ َ ْ ُ ُ ً ِ ْ ُ ُ ُ ِ َ
ن { ]الملك .[27 : عو َ ك ُن ْت ُ ْ
م ب ِهِ ت َد ّ ُ
ن { ]أي ساكتين[ ) ، (1قال قتادة : مي َ كاظ ِ ِ جرِ َ حَنا ِ دى ال ْ َ ب لَ َ قُلو ُ وقوله } :إ ِذِ ال ْ ُ
وقفت القلوب في الحناجر من الخوف ،فل تخرج ول تعود إلى أماكنها .وكذا
قال عكرمة ،والسدي ،وغير واحد.
ح
م الّرو ُ قو ُ م يَ ُن { أي :ساكتين ،ل يتكلم أحد إل بإذنه } ي َوْ َ مي َ كاظ ِ ِ ومعنى } َ
َ َ ّ
واًبا { ]النبأ .[38 : ص َ ل َ ن وََقا َ م ُ ح َ ه الّر ْ نل ُ ن أذِ َ م ْ ن ِإل َ مو َ َ
فا ل ي َت َكل ُ ص ّة َ ملئ ِك َ َُوال ْ َ
ن { أي :باكين. مي َ كاظ ِ ِ جَرْيج )َ } : (2 وقال ابن ُ
فيٍع ي ُطاع ُ { أي :ليس للذين ظلموا َ ش ِ ميم ٍ َول َ ح ِ ن َ م ْ ن ِ مي َ ّ
ما ِللظال ِ ِ وقوله َ } :
أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم ،ول شفيع يشفع فيهم ،بل قد
تقطعت بهم السباب من كل خير.
دوُر { يخبر تعالى عن علمه التام ص ُ في ال ّ خ ِما ت ُ ْ ن وَ َ ة العْي ُ ِ خائ ِن َ َ م َ وقوله } :ي َعْل َ ُ
المحيط بجميع الشياء ،جليلها وحقيرها ،صغيرها وكبيرها ،دقيقها ولطيفها ؛
قوه ُ حق تقواه ، حقّ الحياء ،وي َت ّ ُ ليحذر الناس علمه فيهم ،فيستحيوا من الله َ
ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه ،فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت
أمانة ،ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر.
دوُر { وهو ص ُ في ال ّ خ ِما ت ُ ْ ن وَ َ ة العْي ُ ِ خائ ِن َ َ م َ قال ابن عباس في قوله } :ي َعْل َ ُ
الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم ،وفيهم المرأة الحسناء ،أو تمر به وبهم
ض ،فإذا غفلوا لحظ ، المرأة الحسناء ،فإذا غفلوا لحظ إليها ،فإذا فطنوا غَ ّ
فإذا فطنوا غض ]بصره عنها[ ) (3وقد اطلع الله من قلبه أنه وَد ّ أن لو اطلع
على فرجها .رواه ابن أبي حاتم.
ن { هو الغمز ،وقول الرجل :رأيت ،ولم ير ؛ ة العْي ُ ِ خائ ِن َ َ وقال الضحاك َ } :
أو :لم أر ،وقد رأى.
وقال ابن عباس :يعلم ]الله[ ) (4تعالى من العين في نظرها ،هل تريد
الخيانة أم ل ؟ وكذا قال مجاهد ،وقتادة.
دوُر { يعلم إذا أنت قدرت عليها ص ُ في ال ّ خ ِما ت ُ ْ وقال ابن عباس في قوله } :وَ َ
هل تزني بها أم ل ؟.
دوُر { أي :من الوسوسة.
ص ُ
في ال ّ
خ ِ
ما ت ُ ْوقال السدي } :وَ َ
__________
) (1زيادة من ت.
) (2في ت " :جرير".
) (3زيادة من س ،أ.
) (4زيادة من س.
) (7/137
) (7/138
م أ َْول ِدين َك ُ ْ
ن ي ُب َد ّ َ خا ُ َ
فأ ْ ه إ ِّني أ َ َ
سى وَل ْي َد ْع ُ َرب ّ ُ
مو َل ُ ن ذ َُروِني أ َقْت ُ ْ ل فِْرعَوْ ُ } وََقا َ
ُ ساد َ ) (26وََقا َ ْ ْ َ
ن
م ْ م ِ ت ب َِرّبي وََرب ّك ْ سى إ ِّني عُذ ْ ُ مو َ ل ُ ف َ ض ال َ ن ي ُظهَِر ِفي الْر ِ أ ْ
ب ){ (27 سا ِح َ ن ب ِي َوْم ِ ال ْ ِ مت َك َب ّرٍ ل ي ُؤْ ِ
م ُ ل ُكُ ّ
) (7/138
يقول تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم ) (1في تكذيب من كذبه من
قومه ،ومبشًرا له بأن العاقبة والنصرة له في الدنيا والخرة ،كما جرى
لموسى بن عمران ) ، (2فإن الله تعالى أرسله باليات البينات ،والدلئل )(3
حجة ن { والسلطان هو :ال ُ سل ْ َ
مِبي ٍ ن ُ طا ٍ الواضحات ؛ ولهذا قال ِ } :بآَيات َِنا وَ ُ
والبرهان.
ن { وهو :وزيره ما َ ها َ ن { هو :ملك القبط بالديار المصرية } ،وَ َ } إ َِلى فِْرعَوْ َ
قاُلوا ن { وكان أكثر الناس في زمانه مال وتجارة } فَ َ في مملكته } وََقاُرو َ
ها كذاًبا في أن الله خرًِقا ممو ً م ْ م َ ب { أي :كذبوه وجعلوه ساحًرا ُ ذا ٌ حٌر ك َ ّ سا ِ َ
ن م م هِ ل ب َ ق ن م ن ذي ّ لا تى َ أ ما كَ ِ لَ ذ َ ك } : ( 4 ) ]تعالى[ كقوله وهذه أرسله.
ْ ِ ِ ْ ْ ْ ِ َ ِ َ َ
م َ حر أ َو مجنو َ
ن { ]الذاريات غو َ طا ُ م قَوْ ٌ ل هُ ْ وا ب ِهِ ب َ ْ ص ْ وا َ ن أت َ َ سا ِ ٌ ْ َ ْ ُ ٌ ل ِإل َقاُلوا َ سو ٍ َر ُ
.[53 ، 52
عن ْدَِنا { أي :بالبرهان القاطع الدال على أن الله ن ِ م ْ
حق ّ ِ ْ
م ِبال َ جاَءهُ ْ ما َ } فَل َ ّ
َ
م{ ساَءهُ ْ حُيوا ن ِ َ ست َ ْه َوا ْ معَ ُ مُنوا َ نآ َ ذي َ تعالى أرسله إليهم َ } ،قاُلوا اقْت ُُلوا أب َْناَء ال ّ ِ
وهذا أمر ثان من فرعون بقتل ذكور بني إسرائيل .أما الول :فكان لجل
الحتراز من وجود موسى ،أو لذلل هذا الشعب وتقليل عددهم ،أو لمجموع
المرين .وأما المر الثاني :فللعلة الثانية ،لهانة هذا الشعب ،ولكي
ْ
ن ت َأت ِي ََنا يتشاءموا بموسى ،عليه السلم ؛ ولهذا قالوا ُ } :أوذينا من قَب َ
لأ ْ ِ َ ِ ْ ْ ِ
ل عَسى ربك ُ َ
ضْ ِ ر ال في م ِ فك ُ ْ خل ِ َ ست َ ْ م وَي َ ْ ك عَد ُوّك ُ ْ ن ي ُهْل ِ َ مأ ْ َ ّ ْ َ جئ ْت ََنا َقا َ ما ِن ب َعْد ِ َ م ْوَ ِ
ن { ]العراف .[129 : مُلو َ ف ت َعْ َ فَي َن ْظ َُر ك َي ْ َ
قال قتادة :هذا أمر بعد أمر.
ل { أي :وما مكرهم ضل ٍ ن ِإل ِفي َ ري َ ما ك َي ْد ُ ال ْ َ
كافِ ِ قال الله تعالى } :وَ َ
وقصدهم الذي هو تقليل عدد بني إسرائيل لئل ُينصروا عليهم ،إل ذاهب
وهالك في ضلل.
م من فرعون - ز ع وهذا { ه بر ع د يْ ل و سى مو ْ
ل ت ْ قَ أ ني نذُ ِ
رو َ } وََقا َ
َ ْ ٌ َ َ ْ ُ َ ّ ُ ُ ُ َ ل فِْرعَوْ ُ
لعنه الله -على قتل موسى ،عليه السلم ،أي :قال لقومه :دعوني حتى
ه { أي :ل أبالي منه .وهذا في غاية الجحد أقتل لكم هذا } ،وَل ْي َد ْع ُ َرب ّ ُ
والتجهرم والعناد.
ْ َ َ َ َ
ض
ن ي ُظهَِر ِفي الْر ِ م أوْ أ ْ ل ِدين َك ُ ْ ن ي ُب َد ّ َ فأ ْ خا ُ وقوله -قبحه الله } : -إ ِّني أ َ
ل موسى الناس ويغير ض ّ ساد َ { يعني :موسى ،يخشى فرعون أن ي ُ ِ ال ْ َ
ف َ
مذ َك ًّرا" يعني : رسومهم وعاداتهم .وهذا كما يقال في المثل " :صار فرعون ُ
واعظا ،يشفق على الناس من موسى ،عليه السلم.
وقرأ الكثرون " :أن يبدل دينكم وأن ُيظِهر في الرض الفساد" وقرأ آخرون :
ساد َ { وقرأ بعضهم " :ي َظ َْهر في الرض الفساُد" ض ال ْ َ ْ َ َ
ف َ ن ي ُظهَِر ِفي الْر ِ } أوْ أ ْ
بالضم.
بسا ِ
ح َ ْ
ن ب ِي َوْم ِ ال ِم ُ َ
مت َكب ّرٍ ل ي ُؤْ ِ ن كل ُّ ُ م ْ م ِ ُ
ت ب َِرّبي وََرب ّك ْ وقال موسى } :إ ِّني عُذ ْ ُ
سى { قال موسى : ْ ْ َ َ
مو َ { أي :لما بلغه قول فرعون } :ذُروِني أقت ُل ُ
ت
ُ ُْ ذ ع ني ِّ إ } : قال ولهذا ؛ ت به من شره وشر أمثاله ت بالله وعُذ ْ ُ استجر ُ
مت َك َب ّرٍ { أي :عن الحق ،مجرم ، ل ُ ن كُ ّ م ْ م { أيها المخاطبون ِ } ، ب َِرّبي وََرب ّك ُ ْ
ب{؛ سا ِ ح َ ن ب ِي َوْم ِ ال ْ ِ
م ُ } ل ي ُؤْ ِ
__________
) (1في س " :لنبيه محمد صلوات الله وسلمه عليه".
) (2في أ " :لموسى عليه السلم".
) (3في ت " :والدللت".
) (4زيادة من ت ،س.
) (7/139
َ ه أ َت َ ْ م َ
ي الل ّ ُ
ه ل َرب ّ َقو َ جًل أ ْ
ن يَ ُ ن َر ُ قت ُُلو َ مان َ ُ
م ِإي َ ن ي َك ْت ُ ُ ل فِْرعَوْ َ نآ ِ ن ِ ْ م ٌ مؤ ْ ِ ل ُ ج ٌ ل َر ُ وََقا َ
صب ْك ُ ْ
م صادًِقا ي ُ ِ ك َ ن يَ ُ ه وَإ ِ ْ كاذًِبا فَعَل َي ْهِ ك َذِب ُ ُ ك َ ن يَ ُ م وَإ ِ ْ ن َرب ّك ُ ْ م ْ ت ِ م ِبال ْب َي َّنا ِ جاَءك ُ ْ وَقَد ْ َ
مب )َ (28يا قَوْم ِ ل َك ُ ُ ذا ٌ ف كَ ّ سرِ ٌ م ْ ن هُوَ ُ م ْ دي َ ه َل ي َهْ ِ ن الل ّ َ م إِ ّذي ي َعِد ُك ُ ْ ض ال ّ ِ ب َعْ ُ
ّ ْ َ ْ َ ْ مل ْ
لجاَءَنا َقا َ ن
ِ ِ ْ َ إ ه ل ال س أب ن م نا
ْ ِ َ َ ْ َْ ُ ُ َ ِ ْ َ ِ ر ص ن ي ن م َ ف ض ر ل ا في ن
ِ ِ َ ِ ري ه ظا م و
َ ْ َ ي لا ُ
ك ال ْ ُ
َ ُ
شاد ِ )(29 ل الّر َ سِبي َ م إ ِّل َ ديك ُ ْ ما أهْ ِ ما أَرى وَ َ م إ ِّل َ ما أِريك ُ ْ ن َ فِْرعَوْ ُ
ولهذا جاء في الحديث عن أبي موسى ،رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال " :اللهم ،إنا نعوذ بك من شرورهم ،
وندرأ بك في نحورهم" ).(1
َ َ ُ َ ْ ج ٌ } وََقا َ
يقول َرب ّ َ ن يَ ُ
جل أ ْ ن َر ُ قت ُلو َ ه أت َ ْ مان َ ُ م ِإي َ ن ي َكت ُ ُ ل فِْرعَوْ َ نآ ِ م ْ ن ِ م ٌ مؤ ْ ِ ل ُ ل َر ُ
صادًِقاك َ ن يَ ُ ه وَإ ِ ْكاذًِبا فَعَل َي ْهِ ك َذِب ُ ُ ك َ ن يَ ُ م وَإ ِ ْن َرب ّك ُ ْم ْ ت ِ م ِبال ْب َي َّنا ِ جاَءك ُ ْ ه وَقَد ْ َ الل ّ ُ
ب )َ (28يا قَوْم ِ ذا ٌ ف كَ ّ سرِ ٌ م ْ ن هُوَ ُ م ْ دي َ ه ل ي َهْ ِ ن الل ّ َم إِ ّ ذي ي َعِد ُك ُ ْ ض ال ّ ِ م ب َعْ ُ صب ْك ُ ْ يُ ِ
ْ
جاَءَنا َقا َ
ل ن َس الل ّهِ إ ِ ْ ن ب َأ ِ م ْ صُرَنا ِ ن ي َن ْ ُ م ْ ض فَ َ ن ِفي ال َْر ِ ري َ ظاهِ ِ م َ ك ال ْي َوْ َ مل ْ ُ
م ال ْ ُ ل َك ُ ُ
َ ُ
شاد ِ ){ (29 ل الّر َ سِبي َ م ِإل َ ديك ُ ْ ما أهْ ِ ما أَرى وَ َ م ِإل َ ما أِريك ُ ْ ن َ فِْرعَوْ ُ
المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قْبطًيا من آل فرعون.
قال السدي :كان ابن عم فرعون ،ويقال :إنه الذي نجا مع موسى .واختاره
ابن جرير ) ، (2وََرد ّ قول من ذهب إلى أنه كان إسرائيلّيا ؛ لن فرعون انفعل
لكلمه واستمعه ،وكف عن قتل موسى ،عليه السلم ،ولو كان إسرائيلّيا
لوشك أن يعاجل ) (3بالعقوبة ؛ لنه منهم ).(4
جَريج عن ابن عباس :لم يؤمن من آل فرعون سوى هذا الرجل وقال ابن ُ
قت ُُلو َ ْ
ك{ ن بِ َ
ك ل ِي َ ْ مُرو َ مل ي َأت َ ِ ن ال ْ َسى إ ِ ّ مو َ وامرأة فرعون ،والذي قال َ } :يا ُ
]القصص [20 :رواه ابن أبي حاتم.
ل يكتم إيمانه عن قومه القبط ،فلم يظهر إل هذا اليوم وقد كان هذا الرج ُ
سى { ،فأخذت الرجل غضبة لله عز َ
حين قال فرعون } :ذ َُروِني أقْت ُ ْ
مو َ ل ُ
وجل ،و"أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" ،كما ثبت بذلك الحديث
َ ،ول أعظم من هذه الكلمة عند فرعون وهي قوله } :أ َت َ ْ
قو َ
ل ن يَ ُجل أ ْ ن َر ُ قت ُُلو َ
ه { ]أي :لجل أن يقول ربي الله[ ) ، (5اللهم إل ما رواه البخاري ي الل ّ ُ َرب ّ َ
في صحيحه حيث قال :
حدثنا علي بن عبد الله ،حدثنا الوليد بن مسلم ،حدثنا الوزاعي ،حدثني
يحيى بن أبي كثير ،حدثني محمد بن إبراهيم التيمي ،حدثني ) (6عروة بن
الزبير قال :قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص :أخبرني بأشد شيء مما
صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال :بينا رسول الله
مَعيط ،فأخذ قبة بن أبي ُ صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عُ ْ
قا
وى ثوبه في عنقه ،فخنقه خن ً مْنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ول َ َ ب َ
شديدا ،فأقبل أبو بكر ،رضي الله عنه ،فأخذ بمنكبة ) (7ود ََفع عن النبي
َ صلى الله عليه وسلم ثم قال } :أ َت َ ْ
جاَءك ُ ْ
م ه وَقَد ْ َ ي الل ّ ُ
ل َرب ّ َ قو َ ن يَ ُجل أ ْ ن َر ُ قت ُُلو َ
ن َرب ّك ُ ْ
م {. م ْت ِ ِبال ْب َي َّنا ِ
__________
) (1رواه أحمد في مسنده ).(4/414
) (2تفسير الطبري ).(24/38
) (3في ت " :يقابل".
) (4في ت ،س " :متهم".
) (5زيادة من ت ،س ،أ.
) (6في ت " :في صحيحه بإسناده عن".
) (7في ت ،س " :بمنكبيه".
) (7/140
) (7/141
ثم قال المؤمن محذًرا قومه زوال نعمة الله عنهم ) (1وحلول نقمة الله
ض { أي :قد أنعم الله م َ
ك ال ْي َوْ َ
مل ْ ُ
م ال ْ ُ
بهم َ } :يا قَوْم ِ ل َك ُ ُ
ن ِفي الْر ِ ري َ
ظاهِ ِ
عليكم بهذا الملك والظهور في الرض بالكلمة النافذة والجاه العريض ،
فراعوا هذه النعمة بشكر الله ،وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم ،
ْ
جاءََنا {
ن َس الل ّهِ إ ِ ْ
ن ب َأ ِ
م ْ
صُرَنا ِ
ن ي َن ْ ُ واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله } ،فَ َ
م ْ
أي :ل تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ،ول ترد عنا شيئا من بأس الله
إن أرادنا بسوء.
ن { لقومه ،راّدا على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار ل فِْرعَوْ ُ } َقا َ
َ ُ
ما أَرى { أي :ما م ِإل َ ما أِريك ُ ْ الراشد الذي كان أحق بالملك من فرعون َ } :
أقول لكم وأشير عليكم إل ما أراه لنفسي وقد كذب فرعون ،فإنه كان
ل ما َأنز َ ت َ م َ قد ْ عَل ِ ْل لَ َ يتحقق صدق موسى فيما جاء به ) (2من الرسالة } َقا َ
صائ َِر { ]السراء ، [102 :وقال الله ض بَ َ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ ب ال ّ ؤلِء ِإل َر ّ هَ ُ
وا { ]النمل .[14 : ُ ْ ُ َ
ما وَعُل ّ م ظل ً سهُ ْ ف ُقن َت َْها أن ْ ُست َي ْ َدوا ب َِها َوا ْ ح ُ ج َ تعالى } :وَ َ
َ ُ
ما أَرى { كذب فيه وافترى ،وخان الله ورسوله م ِإل َ ما أِريك ُ ْ فقوله َ } :
َ
شاد ِ { ل الّر َ سِبي َ م ِإل َ ديك ُ ْ ما أهْ ِ ورعيته ،فغشهم وما نصحهم وكذا قوله } :وَ َ
أي :وما أدعوكم إل إلى طريق الحق والصدق والرشد وقد كذب أيضا في
َ
مَرذلك ،وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه ،قال الله تعالى َ } :فات ّب َُعوا أ ْ
ل ض ّ َ َ
شيد ٍ { ]هود ، [97 :وقال تعالى } :وَأ َ ن ب َِر ِ مُر فِْرعَوْ َ ما أ ْ ن وَ َ فِْرعَوْ َ
دى { ]طه ، [79 :وفي الحديث " :ما من إمام يموت ما هَ َ ه وَ َ م ُ ن قَوْ َ فِْرعَوْ ُ
يوم يموت وهو غاش لرعيته ،إل لم َيرح رائحة الجنة ،وإن ريحها ليوجد من
مسيرة خمسمائة عام" ).(3
ْ َ َ
بمثل د َأ ِ َ ْ ب )ِ (30 حَزا ِ مثل ي َوْم ِ ال ْ َ ْ م ِ ُ
ف عَلي ْك ْ خا ُ ن َيا قَوْم ِ إ ِّني أ َ م َ ذي آ َ ل ال ّ ِ } وََقا َ
ما ل ِل ْعَِباد ِ ) (31وََيا ريد ُ ظ ُل ْ ً ه يُ ِما الل ّ ُ م وَ َ ن ب َعْدِهِ ْ م ْ ن ِ ذي َ مود َ َوال ّ ِ عاد ٍ وَث َ ُ قَوْم ِ ُنوٍح وَ َ
ن
م ْ ن الل ّهِ ِ م َم ِ ما ل َك ُ ْن َ ري َ مد ْب ِ ِ ن ُ م ت ُوَّلو َ م الت َّناد ِ ) (32ي َوْ َ م ي َوْ َ ف عَل َي ْك ُ ْ خا ُ قَوْم ِ إ ِّني أ َ َ
هاد ٍ ){ (33 ن َ م ْ ه ِ ما ل َ ُ ه فَ َ ل الل ّ ُ ضل ِ ِن يُ ْ م ْ صم ٍ و َ َ عا ِ َ
__________
) (1في س ،أ " :عليهم".
) (2في س " :جاءه".
) (3رواه البخاري في صحيحه برقم ) (7151 ، 7150ومسلم في صحيحه
برقم ) (142بنحوه من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه.
) (7/142
حّتى جاَءك ُ ْ
م ب ِهِ َ ما َ م ّك ِ ش ّ م ِفي َ ما زِل ْت ُ ْ ت فَ َ ل ِبال ْب َي َّنا ِ ن قَب ْ ُ م ْ ف ِ س ُ م ُيو ُ جاَءك ُ ْقد ْ َوَل َ َ
ف
سرِ ٌ م ْن هُوَ ُ م ْ ه َ ل الل ّ ُ ض ّك يُ ِ سوًل ك َذ َل ِ َ ن ب َعْدِهِ َر ُ م ْه ِ ث الل ّ ُ ن ي َب ْعَ َ م لَ ْك قُل ْت ُ ْإ َِذا هَل َ َ
َ سل ْ َ َ
عن ْد َ
قًتا ِ م ك َب َُر َ
م ْ ن أَتاهُ ْ طا ٍ ت الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُ ن ِفي آَيا ِ جادُِلو َ ن يُ َذي َ ب ) (34ال ّ ِ مْرَتا ٌ ُ
جّبارٍ )(35 ر ب َ
ِ ُ َ ّ ٍ َ ك ت م ب ْ ل َ ق ل ّ ُ ك لىَ ع
ُ َه ّ ل ال ع ب ْ
ِ َ َ ُ ط ي َ
ك لَ ذَ ك نوا م َ آ ن ذي
ِ َ ِ ْ َ ِ َ َ ُ ّ لا د ن ع و ه ّ ل ال
) (7/142
ما ل ِل ْعَِبادِ { أي :إنما أهلكهم الله بذنوبهم ،وتكذيبهم ريد ُ ظ ُل ْ ً ه يُ ِ ما الل ّ ُ } وَ َ
ف
َ ُ خا َ أ ني إ م و َ ق يا و } : قال ثم ، قدره فيهم فأنفذ أمره. ومخالفتهم ، رسله
ْ ِ ِّ ََ
م الت َّناد ِ { يعني :يوم القيامة ،وسمي بذلك قال بعضهم :لما جاء م ي َوْ َ عَل َي ْك ُ ْ
في حديث الصور :إن الرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر ،
وماجت وارتجت ،فنظر الناس إلى ذلك ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضا.
وقال آخرون منهم الضحاك :بل ذلك إذا جيء بجهنم ،ذهب الناس هَِرابا )(1
مل َ ُ
ك ،فتتلقاهم الملئكة فتردهم إلى مقام المحشر ،وهو قوله تعالى َ } :وال ْ َ
َ
مست َط َعْت ُ ْ نا ْ س إِ ِ ن َوالن ْ ِ ج ّ شَر ال ْ ِ معْ َ جائ َِها { ]الحاقة ، [17 :وقوله } َيا َ عََلى أْر َ
ن{ سل ْ َ ف ُ ف ُ ض َفان ْ ُ ن أقْ َ َ ف ُ َ
طا ٍ ن ِإل ب ِ ُ ذو َ ذوا ل ت َن ْ ُ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ طارِ ال ّ م ْ ذوا ِ ن ت َن ْ ُ أ ْ
]الرحمن .[33 :
وقد روي عن ابن عباس ،والحسن ،والضحاك :أنهم قرؤوا " :يوم التناّد"
بتشديد الدال من ند البعير :إذا شرد وذهب.
وقيل :لن الميزان عنده ملك ،وإذا وزن عمل العبد ) (2فرجح نادى بأعلى
صوته :أل قد سعد فلن بن فلن سعادة ل يشقى بعدها أبدا .وإن خف عمله
نادى :أل قد شقي فلن بن فلن.
وقال قتادة :ينادي كل قوم بأعمالهم :ينادي أهل الجنة أهل الجنة ،وأهل
النار أهل النار.
َ
ما وَعَد ََنا جد َْنا َ ن قَد ْ وَ َ وقيل :سمي بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار } :أ ْ
م { ]العراف .[44 :ومناداة قا َقاُلوا ن َعَ ْ ح ّم َ ما وَعَد َ َرب ّك ُ ْ م َ جد ْت ُ ْ ل وَ َ قا فَهَ ْ ح ّ َرب َّنا َ
ُ ّ َ ْ َ َ َ
ه َقالوا م الل ُ ما َرَزقَك ُ ُ م ّ ماِء أوْ ِ ن ال َ م َ ضوا عَلي َْنا ِ ن أِفي ُ أهل النار أهل الجنة } :أ ْ
ن { ]العراف ، [50 :ولمناداة أصحاب ري َ كافِ ِ ما عََلى ال ْ َ مهُ َ حّر َ ه َ ن الل ّ َ إِ ّ
العراف أهل الجنة وأهل النار ،كما هو مذكور في سورة العراف.
واختار البغوي وغيره :أنه سمي بذلك لمجموع ذلك .وهو قول حسن جيد ،
والله أعلم ).(3
كل ل وََزَر .إ َِلى َرب ّكَ ن { أي :ذاهبين هاربين َ } ، ري َ مد ْب ِ ِن ُ ّ
م ت ُوَلو َ وقوله } :ي َوْ َ
ن
م ْ ّ
ن اللهِ ِ م َ م ِ ُ
ما لك َْ قّر { ]القيامة ، [12 ، 11 :ولهذا قال َ } : ست َ َ م ْ مئ ِذ ٍ ال ْ ُ ي َوْ َ
هّ
ل الل ُ ضل ِ ِ ن يُ ْ م ْ صم ٍ { أي :ما لكم مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه } ،وَ َ عا ِ َ
هاد ٍ { أي :من أضله ]الله[ ) (4فل هادي له غيره. ن َ م ْ ه ِ ما ل َُ فَ َ
ت { يعني :أهل مصر ،قد بعث ل ِبال ْب َي َّنا ِ ن قَب ْ ُ م ْ ف ِ س ُ م ُيو ُ جاَءك ُ ْ قد ْ َ وقوله } :وَل َ َ
الله فيهم رسول من قبل موسى ،وهو يوسف ،عليه السلم ،كان عزيز
أهل مصر ،وكان رسول يدعو إلى الله أمته ) (5القبط ،فما أطاعوه تلك
م ِفي ما زِل ْت ُ ْ الساعة ) (6إل لمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ؛ ولهذا قال } :فَ َ
سول { أي : ن ب َعْدِهِ َر ُ م ْ ه ِ ث الل ّ ُ ن ي َب ْعَ َ م لَ ْ ك قُل ْت ُ ْ حّتى إ َِذا هَل َ َ م ب ِهِ َ جاَءك ُ ْ ما َ م ّ ك ِ ش ّ َ
سول { وذلك لكفرهم ن ب َعْدِهِ َر ُ م ْ ه ِ ّ
ث الل ُ ن ي َب ْعَ َ َ
يئستم فقلتم طامعين } :ل ْ
ب { أي :كحالكم هذا. مْرَتا ٌ ف ُ سرِ ٌ م ْ ن هُوَ ُ م ْ ه َ ل الل ّ ُ ض ّ ك يُ ِ وتكذيبهم } ك َذ َل ِ َ
__________
) (1في س ،أ " :هرابا منه".
) (2في ت " :أعمال العبد".
) (3معالم التنزيل للبغوي ).(148 ، 7/147
) (4زيادة من ت ،س.
) (5في أ " :أمة".
) (6في ت ،س ،أ " :تلك الطاعة".
) (7/143
) (7/144
َ
شادِ {. سِبي َ
ل الّر َ م ِإل َ ديك ُ ْ
ما أهْ ِ ل كما كذب فرعون في قوله } :وَ َ
ثم زهدهم في الدنيا التي ]قد[ ) (1آثروها على الخرى ،وصدتهم عن
التصديق برسول الله موسى ]صلى الله عليه وسلم[ ) ، (2فقال َ } :يا قَوْم ِ
مَتاعٌ { أي :قليلة زائلة فانية عن قريب تذهب ]وتزول[ حَياةُ الد ّن َْيا َ ما هَذِهِ ال ْ َ إ ِن ّ َ
قَرارِ { أي :الدار التي ل زوال لها ، ْ
ي َداُر ال َ خَرةَ هِ َن ال ِ ) (3وتضمحل } ،وَإ ِ ّ
ول انتقال منها ول ظعن عنها إلى غيرها ،بل إما نعيم وإما جحيم ،ولهذا قال
حا
صال ِ ً
ل َ م َ
ن عَ ِ م ْمث ْل ََها { أي :واحدة مثلها } وَ َ جَزى ِإل ِ ة َفل ي ُ ْ سي ّئ َ ً
ل َ م َ ن عَ ِم ْ
} َ
ْ ُ َ َ ُ ُ َ َ
ب{ سا ٍ ح َ ة ي ُْرَزُقو َ
ن ِفيَها ب ِغَي ْرِ ِ جن ّ َ
ن ال َ خلو َ ن فَأولئ ِك ي َد ْ ُ م ٌ مؤ ْ ِ ن ذ َكرٍ أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ م ْ ِ
أي :ل يتقدر بجزاء بل يثيبه الله ،ثوابا كثيرا ل انقضاء له ول نفاد.
__________
) (1زيادة من ت ،س ،أ.
) (2زيادة من ت.
) (3زيادة من ت.
) (7/145
فَر عون َِني ِل َك ْ ُ عون َِني إ َِلى الّنارِ ) (41ت َد ْ ُ جاةِ وَت َد ْ ُ م إ َِلى الن ّ َ عوك ُ ْ ما ِلي أ َد ْ ُ وََيا قَوْم ِ َ
فارِ ) (42لَ ْ ْ َ َ َ ْ َ ِبالل ّهِ وَأ ُ ْ
زيزِ الغَ ّ ِ م إ ِلى العَ عوك ُ ْم وَأَنا أد ْ ُ عل ٌ س ِلي ب ِهِ ِ ما لي ْ َ ك ب ِهِ َ شرِ َ
مَرد َّنا إ َِلى َ ه د َعْوَة ٌ ِفي الد ّن َْيا وََل ِفي اْل َ ِ جر َ
ن َ خَرةِ وَأ ّ س لَ ُعون َِني إ ِل َي ْهِ ل َي ْ َ ما ت َد ْ ُ م أن ّ ََ َ َ
ُ َ َ َ ْ َ
م وَأفَوّ ُ
ض ُ
ل لك ْ ما أُقو ُ ن َ ُ
ست َذ ْكُرو َب الّنارِ ) (43فَ َ حا ُ ص َمأ ْ ن هُ ْ سرِِفي َ م ْ ن ال ُ الل ّهِ وَأ ّ
َ
ق
حا َ مك َُروا وَ َ ما َ ت َ سي َّئا ِ ه َ صيٌر ِبال ْعَِباد ِ ) (44فَوََقاهُ الل ّ ُ ه بَ ِ ن الل ّ َ ري إ َِلى الل ّهِ إ ِ ّ م ِأ ْ
م ن عَل َي َْها غُد ُّوا وَعَ ِ سوُء ال ْعَ َ َ
قو ُ م تَ ُشّيا وَي َوْ َ ضو َ ب ) (45الّناُر ي ُعَْر ُ ذا ِ ن ُ ل فِْرعَوْ َ ب ِآ ِ
ب )(46 ذا ِشد ّ ال ْعَ َ ن أَ َ ل فِْرعَوْ َ خُلوا آ َ َ ة أ َد ْ ِ ساعَ ُ ال ّ
عون َِني لك ْ ُ
فَر عون َِني إ َِلى الّنارِ ) (41ت َد ْ ُ جاةِ وَت َد ْ ُ م إ َِلى الن ّ َ عوك ُ ْ ما ِلي أ َد ْ ُ } وََيا قَوْم ِ َ
ْ ْ َ َ َ ْ َ ِبالل ّهِ وَأ ُ ْ
فارِ ) (42ل زيزِ الغَ ّ ِ م إ ِلى العَ عوك ُ ْ م وَأَنا أد ْ ُ عل ٌ س ِلي ب ِهِ ِ ما لي ْ َ ك ب ِهِ َ شرِ َ
مَرد َّنا إ َِلى َ جر َ
ن َ خَرةِ وَأ ّ ه د َعْوَة ٌ ِفي الد ّن َْيا َول ِفي ال ِ س لَ ُعون َِني إ ِل َي ْهِ ل َي ْ َ ما ت َد ْ ُ م أن ّ َ َ َ َ
ُ َ َ َ ْ َ
م وَأفَوّ ُ
ض ُ
ل لك ْ ما أُقو ُ ن َ ُ
ست َذ ْكُرو َ ب الّنارِ ) (43فَ َ حا ُ ص َ مأ ْ ن هُ ْ سرِِفي َ م ْ ن ال ُ الل ّهِ وَأ ّ
َ
ق
حا َ مك َُروا وَ َ ما َ ت َ سي َّئا ِ ه َ صيٌر ِبال ْعَِباد ِ ) (44فَوََقاهُ الل ّ ُ ه بَ ِ ن الل ّ َ ري إ َِلى الل ّهِ إ ِ ّ م ِأ ْ
م
قو ُ م تَ ُ شّيا وَي َوْ َ ن عَل َي َْها غُد ُّوا وَعَ ِ ضو َ ب ) (45الّناُر ي ُعَْر ُ ذا ِ سوُء ال ْعَ َ ن ُ ل فِْرعَوْ َ ِبآ ِ
ب ){ (46 ْ
شد ّ العَ َ َ
نأ َ خلوا آ َ ُ َ
ذا ِ ل فِْرعَوْ َ ة أد ْ ِ ساعَ ُ ال ّ
يقول لهم المؤمن :ما بالي أدعوكم إلى النجاة ،وهي عبادة الله وحده ل
عون َِني لك ْ ُ
فَر عون َِني إ َِلى الّناِر .ت َد ْ ُ شريك له وتصديق رسوله الذي بعثه } وَت َد ْ ُ
َ َ ِبالل ّهِ وَأ ُ ْ
عوك ُْ
م د
َ َ ْ ُ أ نا أ و } دليل بل ( 1 ) جهل م { أي : عل ْ ٌ س ِلي ب ِهِ ِ ما ل َي ْ َ ك ب ِهِ َ شرِ َ
فارِ { أي :هو في عزته وكبريائه يغفر ذنب من تاب إليه } ،ل زيزِ ال ْغَ ّ إ َِلى ال ْ َعَ ِ
عون َِني إ ِل َي ْهِ { يقول :حقا. ما ت َد ْ ُ م أن ّ َ جَر َ َ
م { حقا. ر
َ َ َج ل } : قوله معنى : جرير وابن السدي قال
م { ل كذب. جَر َ وقال الضحاك } :ل َ
م { يقول :بلى ،إن جَر َ وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس } :ل َ
ه د َعْوَة ٌ ِفي الد ّن َْيا َول ِفي س لَ ُالذي تدعونني إليه من الصنام والنداد } ل َي ْ َ
خَرةِ { ال ِ
قال مجاهد :الوثن ليس بشيء.
وقال قتادة :يعني الوثن ل ينفع ول يضر.
وقال السدي :ل يجيب داعيه ،ل في الدنيا ول في الخرة.
هَ وهذا كقوله تعالى } :وم َ
بل ُ جي ُست َ ِن ل يَ ْ م ْن الل ّهِ َ ن ُدو ِ م ْعو ِ ن ي َد ْ ُ
م ْ م ّ ل ِ ض ّنأ َ َ َ ْ
كانوا ل َه َ ُ
داءً
م أعْ َ ُ ْ ُ َ س
ُ نا
ّ ال ر
َ ش
ِ ح
ُ َ
ذا إ
َِ و ن.َ لو ِ ف َ
غا م
ِ ْ هِ ئ عاَ ُ د ن
م عَ ْمةِ وَهُ ْ قَيا َإ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ
مُعوا س َم ل يَ ْ عوهُ ْ ن ت َد ْ ُ ن { ]الحقاف } ، [6 ، 5 :إ ِ ْ ري َ م َ
كافِ ِ كاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْوَ َ
م { ]فاطر .[14 : ُ َ
جاُبوا لك ْ ست َ َما ا ْمُعوا َ س ِ َ
م وَلوْ َ ُ
عاَءك ْ دُ َ
__________
) (1في ت ،أ " :على جهل".
) (7/145
مَرد َّنا إ َِلى الل ّهِ { أي :في الدار الخرة ،فيجازي كل بعمله ؛ َ
ن َوقوله } :وَأ ّ
ب الّنارِ { أي :خالدين فيها بإسرافهم ولهذا قال } :وأ َن ال ْمسرفين هُ َ
حا ُ ص َمأ ْ ْ ُ ْ ِ ِ َ َ ّ
،وهو شركهم بالله.
م { أي :سوف تعلمون صدق ما أمرتكم به ل ل َك ُ ْ ما أ َُقو ُ ن َ ست َذ ْك ُُرو َ } فَ َ
ونهيتكم عنه ،ونصحتكم ووضحت لكم ،وتتذكرونه ،وتندمون حيث ل ينفعكم
ري إ َِلى الل ّهِ { أي :وأتوكل على الله وأستعينه ، َ ُ
م ِ ضأ ْ الندم } ،وَأفَوّ ُ
صيٌر ِبال ْعَِبادِ { أي :هو بصير بهم ،فيهدي ه بَ ِ ن الل ّ َ وأقاطعكم وأباعدكم } ،إ ِ ّ
من يستحق الهداية ،ويضل من يستحق الضلل ،وله الحجة البالغة ،
والحكمة التامة ،والقدر النافذ.
مكُروا { أي :في الدنيا والخرة َ ما َ ت َ سي َّئا ِ
ه َ ّ
وقوله ]تعالى[ ) } : (1فَوََقاهُ الل ُ
،أما في الدنيا فنجاه الله مع موسى ،عليه السلم ،وأما في الخرة فبالجنة
ب { وهو :الغرق في اليم ،ثم النقلة منه ذا ِ سوُء ال ْعَ َ ن ُ ل فِْرعَوْ َ حاقَ ِبآ ِ } وَ َ
إلى الجحيم .فإن أرواحهم تعرض على النار صباحا ومساًء إلى قيام الساعة ،
فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار ؛ ولهذا قال :
ب { أي :أشده ألما ذا ِشد ّ ال ْعَ َن أَ َل فِْرعَوْ َ خُلوا آ َ ة أ َد ْ ِساعَ ُ م ال ّ قو ُ م تَ ُ
} وَي َوْ َ
وأعظمه نكال .وهذه الية أصل كبير في استدلل أهل السنة على عذاب
ن عَل َي َْها غُد ُّوا وَعَ ِ
شّيا {. ضو َ البرزخ في القبور ،وهي قوله } :الّناُر ي ُعَْر ُ
ولكن هاهنا سؤال ،وهو أنه ل شك أن هذه الية مكية ،وقد استدلوا بها على
عذاب القبر في البرزخ ،وقد قال المام أحمد :
حدثنا هاشم -هو ابن القاسم أبو النضر -حدثنا إسحاق بن سعيد ) - (2هو
ابن عمرو بن سعيد بن العاص -حدثنا سعيد -يعني أباه -عن عائشة ؛ أن
يهودية كانت تخدمها فل تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف إل قالت لها
اليهودية :وقاك الله عذاب القبر .قالت :فدخل رسول الله صلى الله عليه
ي فقلت :يا رسول الله ،هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة ؟ قال : وسلم عل ّ
"ل وعم ذلك ؟" قالت :هذه اليهودية ،ل نصنع إليها شيئا من المعروف إل
قالت :وقاك الله عذاب القبر .قال " :كذبت يهود ) .(3وهم على الله أكذب ،
ل عذاب دون يوم القيامة" .ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث ،فخرج
ذات يوم نصف النهار مشتمل بثوبه ،محمرة عيناه ،وهو ينادي بأعلى صوته :
"القبر كقطع الليل المظلمز أيها الناس ،لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا
وضحكتم قليل .أيها الناس ،استعيذوا بالله من عذاب القبر ،فإن عذاب القبر
حق" ).(4
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ،ولم يخرجاه.
وروى أحمد :حدثنا يزيد ،حدثنا سفيان ،عن الزهري ،عن عروة ،عن
عائشة -قال :سألتها امرأة يهودية فأعطتها ،فقالت لها :أعاذك الله من
عذاب القبر .فأنكرت عائشة ذلك ،فلما رأت رسول الله صلى الله عليه
وسلم قالت له ،فقال " :ل" .قالت عائشة :ثم قال لنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعد ذلك " :وإنه أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم".
__________
) (1زيادة من أ.
) (2في أ " :سعد".
) (3في أ " :يهودية".
) (4المسند ).(6/81
) (7/146
) (7/147
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو سعيد ،حدثنا المحاربي ،حدثنا ليث ،عن عبد
الرحمن بن ثروان ،عن هذيل ،عن عبد الله بن مسعود ) ، (1رضي الله عنه
،قال :إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح بهم في الجنة حيث
شاءوا ،وإن أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة
حيث شاءت ،فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش ،وإن أرواح آل فرعون
في أجواف طير سود تغدو على جهنم وتروح عليها ،فذلك عرضها.
وقد رواه الثوري عن أبي قيس عن الهَُزيل ابن شرحبيل ،من كلمه في
أرواح آل فرعون .وكذلك قال السدي.
وفي حديث السراء من رواية أبي هارون العبدي ،عن أبي سعيد الخدري ،
رضي الله عنه ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه " :ثم انطلق
ل رجل منهم بطنه مثل البيت لك ّ بي إلى خلق كثير من خلق الله ،رجا ٌ
الضخم ،مصفدون على سابلة آل فرعون ،وآل فرعون يعرضون على النار
ب { وآل ذا ِ ن أَ َ
شد ّ ال ْعَ َ خُلوا آ َ
ل فِْرعَوْ َ ة أ َد ْ ِ
ساعَ ُ
م ال ّ
قو ُ
م تَ ُ
غدوا وعشيا } .وَي َوْ َ
فرعون كالبل المسومة ) (2يخبطون الحجارة والشجر ول يعقلون" ).(3
خَرم ،حدثنا وقال ابن أبي حاتم :حدثنا علي بن الحسين ،حدثنا زيد بن أ ْ
مد ِْرك الحارثي ،حدثنا عتبة -يعني ابن يقظان -عن قيس بن عامر بن ُ
مسلم ،عن طارق ،عن ) (4شهاب ،عن ابن مسعود ،عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " :ما أحسن محسن من مسلم أو كافر إل أثابه الله" .قال :
قلنا :يا رسول الله ما إثابة الكافر ؟ فقال " :إن كان قد وصل رحما أو
تصدق بصدقة أو عمل حسنة ،أثابه الله المال والولد والصحة وأشباه ذلك".
قلنا :فما إثابته في الخرة ؟ قال " :عذابا دون العذاب" وقرأ } :أ َد ْ ِ
خُلوا آ َ
ل
خَرم ،ثم ب { ورواه البزار في مسنده ،عن زيد بن أ ْ ذا ِ شد ّ ال ْعَ َن أَ َ
فِْرعَوْ َ
قال :ل نعلم له إسناًدا غير هذا ).(5
وقال ابن جرير :حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير ،حدثنا حماد بن محمد
الفزاري البلخي قال :سمعت ) (6الوزاعي وسأله رجل فقال :رحمك الله.
رأينا طيوًرا تخرج من البحر ،تأخذ ناحية الغرب بيضا ،فوجا فوجا ،ل يعلم
عددها إل الله ،عز وجل ،فإذا كان العشي رجع مثلها سودا .قال :وفطنتم
إلى ذلك ؟ قال :نعم .قال :إن تلك ) (7الطير في حواصلها أرواح آل
فرعون ،تعرض على النار غدوا وعشيا ،فترجع إلى وكورها وقد احترقت
شها وصارت سودا ،فينبت عليها من الليل ريش أبيض ،ويتناثر السود ، رَيا ُ
ثم تغدو على النار غدوا وعشيا ،ثم ترجع إلى وكورها .فذلك دأبهم في
شد ّن أَ َ الدنيا ،فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى } :أ َد ْ ِ
خُلوا آ َ
ل فِْرعَوْ َ
ب { قال :وكانواذا ِال ْعَ َ
__________
) (1في ت " :وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن مسعود".
) (2في س " :المنسومة".
) (3انظر تخريج هذا الحديث عند تفسير الية الولى من سورة السراء.
) (4في س " :ابن".
) (5مسند البزار برقم )" (945كشف الستار" ورواه الحاكم في المستدرك
) (2/253من طريق علي بن الحسين به ،وقال " :صحيح السناد ولم
يخرجاه" وتعقبه الذهب .قلت :فيه عتبة بن يقظان وهو واه.
) (6في ت " :وروى ابن جرير بإسناده إلي".
) (7في ت " :ذلك".
) (7/148
م ت َب ًَعا فَهَ ْ
ل ست َك ْب َُروا إ ِّنا ك ُّنا ل َك ُ ْ
نا ْ ذي َفاُء ل ِل ّ ِ
ضعَ َ ل ال ّ قو ُ ن ِفي الّنارِ فَي َ ُ جو َ حا ّ وَإ ِذ ْ ي َت َ َ
هّ ست َك ْب َُروا إ ِّنا ك ُ ّ ّ ن الّنارِ )َ (47قا َ َ
ن الل َ ل ِفيَها إ ِ ّ نا ْ ذي َل ال ِ م َ صيًبا ِن عَّنا ن َ ِ مغُْنو َ م ُ أن ْت ُ ْ
ف
ف ْ خ ّم يُ َ عوا َرب ّك ُ ْ م اد ْ ُ جهَن ّ َ
خَزن َةِ َ ن ِفي الّنارِ ل ِ َ ذي َ ل ال ّ ِ
ن ال ْعَِباد ِ ) (48وََقا َ حك َ َ
م ب َي ْ َ قَد ْ َ
ب )(49 ذا ِ ْ
ن العَ َ م َ ما ِ عَّنا ي َوْ ً
) (7/149
َقاُلوا أ َول َم ت ُ ْ
عاُء
ما د ُ َ ت َقاُلوا ب ََلى َقاُلوا َفاد ْ ُ
عوا وَ َ م ِبال ْب َي َّنا ِ
سل ُك ُ ْ
م ُر ُك ت َأِتيك ُ ْ َ ْ َ
ل )(50 ل
َ ٍَ ض في ن إِ ّ ِ
ل ري َ ال ْ َ
كافِ ِ
} َقاُلوا أ َو ل َم ت ُ ْ
عاُءما د ُ َ
عوا وَ َت َقاُلوا ب ََلى َقاُلوا َفاد ْ ُ م ِبال ْب َي َّنا ِ سل ُك ُ ْ م ُر ُ ك ت َأِتيك ُ ْ َ ْ َ
ل ){ (50 ضل ٍ ن ِإل ِفي َ ري َ كافِ ِ ال ْ َ
يخبر تعالى عن تحاج أهل النار في النار ،وتخاصمهم ،وفرعون وقومه من
ست َك ْب َُروا { وهم :القادة نا ْ ذي َفاُء { وهم :التباع } ل ِل ّ ِ ضعَ َ ل ال ّ قو ُ جملتهم } فَي َ ُ
م ت َب ًَعا { أي :أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في والسادة والكبراء } :إ ِّنا ك ُّنا ل َك ُ ْ
ن الّنارِ { أي : َ الدنيا من الكفر والضلل } ،فَهَ ْ
م َ صيًبا ِ ن عَّنا ن َ ِ مغُْنو َ م ُ ل أن ْت ُ ْ
قسطا تتحملونه عنا.
ل ِفيَها { أي :ل نتحمل عنكم شيئا ،كفى بنا ما ست َك ْب َُروا إ ِّنا ك ُ ّ نا ْ ذي َ ل ال ّ ِ } َقا َ
ن ال ْعَِبادِ { أي : م ب َي ْ َحك َ َ ه قَد ْ َ ن الل ّ َ عندنا ،وما حملنا من العذاب والنكال } .إ ِ ّ
ليقسم ) (1بيننا العذاب بقدر ما يستحقه كل منا ،كما قال تعالى َ } :قا َ
ن { ]العراف .[38 : مو َ ن ل ت َعْل َ ُ ف وَل َك ِ ْ ضعْ ٌ ل ِ ل ِك ُ ّ
ب{ ذا ِ ْ
ن العَ َ م َما ِف عَّنا ي َوْ ً ف ْ خ ّم يُ َ عوا َرب ّك ُ ْ م اد ْ ُ جهَن ّ َ خَزن َةِ َ ن ِفي الّنارِ ل ِ َ ذي َ ّ
ل ال ِ } وََقا َ
لما علموا أن الله ،سبحانه ،ل يستجيب منهم ول يستمع لدعائهم ،بل قد
ن { ]المؤمنون [108 :سألوا الخزنة -وهم مو ِ ؤوا ِفيَها َول ت ُك َل ّ ُ س ُ خ َ قال } :ا ْ
كالبوابين ) (2لهل النار -أن يدعوا لهم الله أن يخفف عن الكافرين ولو يوما
واحدا من العذاب ،فقالت لهم الخزنة رادين عليهم } : :أ َو ل َم ت ُ ْ
ك ت َأِتيك ُ ْ
م َ ْ َ
ت { أي :أوما قامت عليكم الحجج في الدنيا على ألسنة م ِبال ْب َي َّنا ِ سل ُك ُ ْ ُر ُ
عوا { أي :أنتم لنفسكم ،فنحن ل ندعو لكم َ ُ َ
الرسل ؟ } قالوا ب َلى قالوا فاد ْ َُ ُ َ
ول نسمع منكم ول نود خلصكم ،ونحن منكم برآء ،ثم نخبركم أنه سواء
ما
َ َ و } دعوتم أو لم تدعوا ل يستجاب لكم ول يخفف عنكم ؛ ولهذا قالوا ): (3
ل { أي :إل من ذهاب ،ل يتقبل ول يستجاب. ضل ٍ ن ِإل ِفي َ ري َ كافِ ِ عاُء ال ْ َ دُ َ
__________
) (1في ت " :فقسم".
) (2في ت ،أ " :كالسجانين".
) (3في ت " :قال".
) (7/149
م َل شَهاد ُ ) (51ي َوْ َ م اْل َ ْقو ُ م يَ ُ حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ مُنوا ِفي ال ْ َ نآ َ
ذي َ
سل ََنا َوال ّ ِ َ صُر ُر ُ إ ِّنا ل َن َن ْ ُ
دار ) (52ول َ َ َ
سى مو َ قد ْ آت َي َْنا ُ َ سوُء ال ّ ِ م ُ ة وَل َهُ ْ م الل ّعْن َ ُ م وَل َهُ ُ معْذَِرت ُهُ ْن َ مي َ ظال ِ ِ فعُ ال ّ ي َن ْ َ
ْ َ ْ ُ ْ َ
ب )(54 دى وَذِكَرى ِلوِلي اللَبا ِ ْ ب ) (53هُ ً ل الك َِتا َ سَراِئي َ دى وَأوَْرث َْنا ب َِني إ ِ ْ ال ْهُ َ
كارِ ) ي َواْل ِب ْ َ ش ّ ك ِبال ْعَ ِ
مد ِ َرب ّ َ ح ْ ح بِ َ سب ّ ْ ك وَ َفْر ل ِذ َن ْب ِ َ ست َغْ ِ حقّ َوا ْ ن وَعْد َ الل ّهِ َ صب ِْر إ ِ ّ َفا ْ
م إ ِّل َ سل ْ َ َ
دورِهِ ْ ص ُ ن ِفي ُ م إِ ْ ن أَتاهُ ْ طا ٍ ت الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُ ن ِفي آَيا ِ جادُِلو َ ن يُ َذي َ ن ال ّ ِ (55إ ِ ّ
صيُر )(56 بْ
ّ ِ ُ َ ِ ل ا ع مي س ال و ه ه ن إ
ْ َ ِ ِ ِ ِّ ُ ُ َ ه ّ ل بال ْ ذ ع ت س فاَ ما ُ ْ ِ َ ِ ِ ِ
ه غي لبا ب م ه ك ِب ٌْر َ
م
شَهاد ُ ) (51ي َوْ َ م ال ْ قو ُ
م يَ ُحَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ مُنوا ِفي ال ْ َ نآ َ ذي َ سل ََنا َوال ّ ِصُر ُر ُ } إ ِّنا ل َن َن ْ ُ
قد ْ آت َي َْنا دارِ ) (52وَل َ َ سوُء ال ّ م ُ ة وَل َهُ ْم الل ّعْن َ ُم وَل َهُ ُمعْذَِرت ُهُ ْ ن َ مي َ ظال ِ ِفعُ ال ّ ل ي َن ْ َ
ْ ْ ْ سَراِئي َ َ ْ
ب) دى وَذِكَرى لوِلي اللَبا ِ ب ) (53هُ ً ل الك َِتا َ دى وَأوَْرث َْنا ب َِني إ ِ ْ سى الهُ َ مو َ ُ
ي
ش ّ ْ َ
مد ِ َرب ّك ِبالعَ ِ ح ْح بِ َ سب ّ ْ َ
فْر ل ِذ َن ْب ِك وَ َ ست َغْ ِ
حقّ َوا ْ ّ
ن وَعْد َ اللهِ َ صب ِْر إ ِ ّ َ
(54فا ْ
طا َ
ن ِفي م إِ ْ
ن أَتاهُ ْ سل ْ َ ٍت الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُ ن ِفي آَيا ِ جادُِلو َن يُ َ ذي َن ال ّ ِ
كارِ ) (55إ ِ ّ َوالب ْ َ
صيُر ){ (56 ميعُ ال ْب َ ِ
س ِ
ه هُوَ ال ّ ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُم ب َِبال ِِغيهِ َفا ْما هُ ْ م ِإل ك ِب ٌْر َ دورِهِ ْ ص ُُ
صُر َ
قد أورد أبو جعفر بن جرير ،رحمه الله تعالى ،عند قوله تعالى } :إ ِّنا لن َن ْ ُ
حَياةِ الد ّن َْيا { سؤال فقال :قد عُِلم أن بعض مُنوا ِفي ال ْ َ نآ َ سل ََنا َوال ّ ِ
ذي َ ُر ُ
النبياء ،عليهم الصلة والسلم ،قتله قومه بالكلية كيحيى وزكريا )(1
وشعياء ،ومنهم من خرج من بين أظهرهم إما مهاجرا كإبراهيم ) ، (2وإما
إلى السماء كعيسى ) ، (3فأين النصرة في الدنيا ؟ ثم أجاب عن ذلك
بجوابين ).(4
أحدهما :أن يكون الخبر خرج عاما ،والمراد به البعض ،قال :وهذا سائغ
في اللغة.
الثاني :أن يكون المراد بالنصر النتصار لهم ممن آذاهم ،وسواء كان ذلك
ل بقتلة يحيى وزكريا )(5 بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم ،كما فُعِ َ
وشعياء ،سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماءهم ،وقد ذكر أن
النمروذ أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ،وأما الذين راموا صلب المسيح ،عليه
السلم ،من اليهود ،فسلط الله عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم ،وأظهرهم
الله عليهم .ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى ابن مريم إماما عادل وحكما
مقسطا ،فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود ،ويقتل الخنزير ،ويكسر
الصليب ،ويضع الجزية فل يقبل إل السلم .وهذه نصرة عظيمة ،وهذه سنة
الله في خلقه في قديم الدهر وحديثه :أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ،
ويقر أعينهم ممن آذاهم ،ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ،رضي الله
عنه ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :يقول الله تعالى :من
عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب" ) (6وفي الحديث الخر " :إني لثأر
لوليائي كما يثأر الليث الحرب" ) (7؛ ولهذا أهلك تعالى قوم نوح وعاد وثمود
،وأصحاب الرس ،وقوم لوط ،وأهل ) (8مدين ،وأشباههم وأضرابهم ممن
كذب الرسل وخالف الحق .وأنجى الله من بينهم المؤمنين ،فلم يهلك منهم
دا وعذب الكافرين ،فلم يفلت منهم أحدا ).(9 أح ً
قال السدي :لم يبعث الله رسول قط إلى قوم فيقتلونه ،أو قوما من
المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلون ،فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله لهم
من ينصرهم ،فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا .قال :فكانت )
(10النبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا ،وهم منصورون فيها.
__________
) (1في ت ،أ " :كيحيى بن زكريا"
) (2في أ " :كإبراهيم عليه السلم".
) (3في أ " :كعيسى عليه السلم".
) (4تفسير الطبري ).(24/48
) (5في ت "يحيى بن زكريا".
) (6صحيح البخاري برقم ).(6502
) (7لم أجده بهذا اللفظ وقد رواه أبو نعيم في الحلية ) (1/11موقوفا على
ابن عباس " :وأنا الثائر لوليائي يوم القيامة".
) (8في أ " :وأصحاب".
) (9في س " :واحدا".
) (10في ت ،س " :وكانت".
) (7/150
وهكذا نصر الله ]سبحانه[ ) (1نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه
على من خالفه وناوأه ،وكذبه وعاداه ،فجعل كلمته هي العليا ،ودينه هو
الظاهر على سائر الديان .وأمره بالهجرة من بين ظهراني قومه إلى المدينة
النبوية ،وجعل له فيها أنصارا وأعوانا ،ثم منحه أكتاف المشركين يوم بدر ،
فنصره عليهم وخذلهم له ،وقتل صناديدهم ،وأسر سراتهم ،فاستاقهم
مقرنين في الصفاد ،ثم من عليهم بأخذه الفداء منهم ،ثم بعد مدة قريبة
فتح ]عليه[ ) (2مكة ،فقرت عينه ببلده ،وهو البلد المحرم الحرام المشرف
المعظم ،فأنقذه الله به مما كان فيه من الشرك والكفر ،وفتح له اليمن ،
ودانت له جزيرة ) (3العرب بكمالها ،ودخل الناس في دين الله أفواجا .ثم
قبضه الله ،تعالى ،إليه لما له عنده من الكرامة العظيمة ،فأقام الله
أصحابه خلفاء بعده ،فبلغوا عنه دين الله ،ودعوا عباد الله إلى الله .وفتحوا
البلد والّرساتيق والقاليم والمدائن والقرى والقلوب ،حتى انتشرت الدعوة
المحمدية في مشارق الرض ومغاربها .ثم ل يزال هذا الدين قائما منصورا
ن
ذي َ سل ََنا َوال ّ ِ صُر ُر ُ ظاهرا إلى قيام ) (4الساعة ؛ ولهذا قال تعالى } :إ ِّنا ل َن َن ْ ُ
شَهاد ُ { أي :يوم القيامة تكون النصرة م ال ْقو ُ م يَ ُ حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ مُنوا ِفي ال ْ َ آ َ
أعظم وأكبر وأجل.
قال مجاهد :الشهاد :الملئكة.
م
قو ُ م يَ ُ م { بدل من قوله } :وَي َوْ َ معْذَِرت ُهُ ْن َ مي َ فعُ ال ّ
ظال ِ ِ م ل ي َن ْ َ وقوله } :ي َوْ َ
شَهاد ُ {. ال ْ
ع
ف ُ م ل ي َن ْ َ شَهاد ُ ي َوْ َ م ال ْ قو ُ م يَ ُم" بالرفع ،كأنه فسره به } وَي َوْ َ وقرأ آخرون " :ي َوْ ُ
معْذَِرت ُُهم { أي :ل يقبل منهم عذر ول مين { ،وهم المشركون } َ ظال ِ ِ ال ّ
سوُء م ُ ة { أي :البعاد والطرد من الرحمة } ،وَل َهُ ْ م الل ّعْن َ ُ فدية } ،وَل َهُ ُ
دارِ { وهي النار .قاله السدي ،بئس المنزل والمقيل. ال ّ
دارِ { أي :سوء سوُء ال ّ م ُ َ
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس } :وَلهُ ْ
العاقبة.
دى { وهو ما بعثه الله به من الهدى والنور ، ْ
سى الهُ َ مو َ قد ْ آت َي َْنا ُ َ
وقوله } :وَل َ
ْ َ َ
ب { أي :جعلنا لهم العاقبة ،وأورثناهم ) (5بلد سَراِئيل الك َِتا َ } وَأوَْرث َْنا ب َِني إ ِ ْ
فرعون وأمواله وحواصله وأرضه ،بما صبروا على طاعة الله واتباع رسوله
دى موسى ،عليه السلم ،وفي الكتاب الذي أورثوه -وهو التوراة } -هُ ً
ب { وهي :العقول الصحيحة السليمة. وَذِك َْرى لوِلي الل َْبا ِ
ن وَعْد َ الل ّهِ { أي :وعدناك أنا سنعلي صب ِْر { أي :يا محمد } ،إ ِ ّ وقوله َ } :فا ْ
كلمتك ،ونجعل العاقبة لك ولمن اتبعك ،والله ل يخلف الميعاد .وهذا الذي
أخبرناك به حق ل مرية فيه ول شك.
مد ِ ح ْ ح بِ َ سب ّ ْك { هذا تهييج للمة على الستغفار } ،وَ َ فْر ل ِذ َن ْب ِ َ ست َغْ ِوقوله َ } :وا ْ
َ
ي { أي :في أواخر النهار وأوائل الليل َ } ،والب ْكارِ { وهي أوائل ش ّ ك ِبال ْعَ ِ َرب ّ َ
النهار وأواخر الليل.
َ َ ْ ّ ُ
م { أي : ن أَتاهُ ْ سلطا ٍ ت اللهِ ب ِغَي ْرِ ُ ن ِفي آَيا ِ جادِلو َ ن يُ َ ذي َ ن ال ّ ِ وقوله } :إ ِ ّ
يدفعون الحق بالباطل ،ويردون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة بل برهان
م ب َِبال ِِغيهِ { ما هُ ْ م ِإل ك ِب ٌْر َ دورِهِ ْ ص ُ ن ِفي ُ ول حجة من الله } ،إ ِ ْ
__________
) (1زيادة من أ.
) (2زيادة من ت ،وفي أ " :عليهم".
) (3في ت " :جزائر".
) (4في ت " :يوم".
) (5في ت " :وأورثنا بني إسرائيل".
) (7/151
أي :ما في صدورهم إل كبر على اتباع الحق ،واحتقار لمن جاءهم به ،
وليس ما يرومونه من إخمال الحق وإعلء الباطل بحاصل لهم ،بل الحق هو
ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ { أي :من حال المرفوع ،وقولهم وقصدهم هو الموضوع َ } ،فا ْ
صيُر { أو ) (1من شر ) (2مثل هؤلء ميعُ ال ْب َ ِ س ِمثل هؤلء } ،إ ِّنه هُوَ ال ّ
المجادلين في آيات الله بغير سلطان .هذا تفسير ابن جرير.
ن ِفي ُ
جادِلو َ ن يُ َذي َ ّ
ن ال ِ وقال كعب وأبو العالية :نزلت هذه الية في اليهود } :إ ِ ّ
طا َ
م ب َِبال ِِغيهِ { قال أبو ما هُ ْ م ِإل ك ِب ٌْر َ دورِهِ ْ ص ُ ن ِفي ُ م إِ ْ ن أَتاهُ ْ سل ْ َ ٍ ت الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُآَيا ِ
العالية :وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم ،وأنهم يملكون به الرض .فقال
الله لنبيه صلى الله عليه وسلم آمرا له أن يستعيذ من فتنة الدجال ،ولهذا
صيُر {. ميعُ ال ْب َ ِ س ِه هُوَ ال ّ ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُقال َ } :فا ْ
وهذا قول غريب ،وفيه تعسف بعيد ،وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في
كتابه ،والله أعلم.
َ َ َ ْ َ
ن
مو َ س ل ي َعْل ُ ْ
ن أكث ََر الّنا ِ س وَلك ِ ّ ق الّنا ِ خل ِ ن َ م ْ ْ
ض أكب َُر ِ ت َوالْر ِ وا ِ سم َ خل ْقُ ال ّ } لَ َ
ت َول حا ِصال ِ َمُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ صيُر َوال ّ ِ مى َوال ْب َ ِ وي العْ َ ست َ ِ
ما ي َ ْ
) (57وَ َ
ن ){ (58 ّ َ
ما ت َت َذكُرو َ َ
سيُء قِليل َ م ِ ال ْ ُ
__________
) (1في ت " :أي".
) (2في أ " :شك".
) (7/152
ة َل ريب فيها ول َك َ ة َل َت ِي َ ٌ
ن )(59 مُنو َ س َل ي ُؤْ ِن أك ْث ََر الّنا ِ َ ْ َ ِ َ َ ِ ّ ساعَ َ ن ال ّ إِ ّ
ة ل ريب فيها ول َك َ
ن ){ (59 مُنو َ س ل ي ُؤْ ِ ن أك ْث ََر الّنا ِ َ ْ َ ِ َ َ ِ ّ ة لت ِي َ ٌ ساعَ َ ن ال ّ } إِ ّ
يقول تعالى منبها على أنه يعيد الخلئق يوم القيامة ،وأن ذلك سهل عليه ،
يسير لديه -بأنه خلق السموات والرض ،وخلقهما أكبر من خلق الناس بدأة
وإعادة ،فمن قدر على ذلك فهو قادر على ما دونه بطريق الولى والحرى ،
َ َ
ي
م ي َعْ َض وَل َ ْ ت َوالْر َ وا ِ م َ س َ خل َقَ ال ّ ذي َ ه ال ّ ِ ن الل ّ َ م ي ََرْوا أ ّ كما قال تعالى } :أوَل َ ْ
ه عََلى ك ُ ّ َ
ديٌر { ]الحقاف يٍء قَ ِ ش ْ ل َ موَْتى ب ََلى إ ِن ّ ُ ي ال ْ َ حي ِ َ
ن يُ ْ قادِرٍ عََلى أ ْ ن بِ َ
قهِ ّ خل ْ ِبِ َ
س ْ ْ َ ْ َ
ق الّنا ِ خل ِن َ م ْض أكب َُر ِ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ خلقُ ال ّ .(1) [33 :وقال هاهنا } :ل َ
ول َك َ
ن { ؛ فلهذا ل يتدبرون هذه الحجة ول يتأملونها ، مو َ س ل ي َعْل َ ُ ن أك ْث ََر الّنا ِ َ ِ ّ
كما كان كثير من العرب يعترفون بأن الله خلق السموات والرض ،وينكرون
المعاد ،استبعادا وكفرا وعنادا ،وقد اعترفوا بما هو أولى مما أنكروا.
ت َول حا ِ صال ِ َمُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ صيُر َوال ّ ِ
ذي َ مى َوال ْب َ ِ وي العْ َ ست َ ِما ي َ ْ ثم قال } :وَ َ
سيُء { أي كما ل يستوي العمى الذي ل يبصر شيئا ،والبصير الذي يرى م ِ ال ْ ُ
ما انتهى إليه بصره ،بل بينهما فرق عظيم ،كذلك ل يستوي المؤمنون
ن { أي :ما أقل ما يتذكر كثير من ما ت َت َذ َك ُّرو َ
البرار والكفرة الفجار } ،قَِليل َ
الناس.
ب ِفيَها وَل َك ِ ّ
ن ة { ) (2أي لكائنة وواقعة } ل َري ْ َ ة لت ِي َ ٌ
ساعَ َ
ن ال ّ ثم قال } :إ ِ ّ
َ
ن { أي :ل يصدقون بها ،بل يكذبون بوجودها. س ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ أك ْث ََر الّنا ِ
__________
) (1في ت ،أ " :أو ليس الذي خلق السموات والرض بقادر على أن يحيي
الموتى بلى إنه على كل شيء قدير" وهو خطأ والصواب ما أثبتناه حيث إن
ناسخا المخطوطتين ت ،أ قد خلطا بين الية الحادية والثمانين من سورة
يس وبين الية الثالثة والثلثين من سورة الحقاف.
) (2في ت " :آتية وهو خطأ.
) (7/152
َ
خُلو َ
ن سي َد ْ ُ
عَباد َِتي َ
ن ِ ست َك ْب ُِرو َ
ن عَ ْ ن يَ ْ ن ال ّ ِ
ذي َ ب ل َك ُ ْ
م إِ ّ ج ْ
ست َ ِ
عوِني أ ْ
م اد ْ ُل َرب ّك ُ ُوََقا َ
ن )(60 ري َ
خ ِ م َدا ِجهَن ّ َ
َ
قال ابن أبي حاتم :حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ،حدثنا أشهب ،
حدثنا مالك ،عن ) (1شيخ قديم من أهل اليمن -قدم من ثم -قال :سمعت
أن الساعة إذا دنت اشتد البلء على الناس ،واشتد حر الشمس.
َ
عَباد َِتي
ن ِ ن عَ ْ ست َك ْب ُِرو َ
ن يَ ْ
ذي َ ن ال ّ ِم إِ ّب ل َك ُ ْ ج ْست َ ِعوِني أ ْ م اد ْ ُ ل َرب ّك ُ ُ
} وََقا َ
ن ){ (60 ري َخ ِم َدا ِ جهَن ّ َ ن َ خُلو َسي َد ْ َُ
هذا من فضله ،تبارك وتعالى ،وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه ،وتكفل لهم
ن سأله م ْ
ب عباده إليه َ ن أح ّ م ْ
بالجابة ،كما كان سفيان الثوري يقول :يا َ
فأكثر سؤاله ،ويا من أبغض عباده إليه من لم يسأله ،وليس كذلك )(2
غيرك يا رب.
رواه ابن أبي حاتم.
وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
ب... ض ُ ل ي َغْ َ م حين ُيسأ ُ ي آد َ ه ...وَُبن ّ ؤال ُ س َ ت ُ ب إن ترك ْ َ ه ي َْغض ُ الل ُ
وقال قتادة : :قال كعب الحبار :أعطيت هذه المة ثلثا لم ُتعطُهن ) (3أمة
قبلهم إل نبي :كان إذا أرسل الله نبيا قيل له " :أنت شاهد على أمتك" ،
جعلُتكم ) (4شهداء على الناس .وكان يقال له " :ليس عليك في الدين من و َ
حَرٍج { ]الحج : ن َ م ْ
ن ِ ُ َ جعَ َ
دي ِم ِفي ال ّ ل عَلي ْك ْ ما َ حرج" .وقال لهذه المة } :وَ َ
عوِني .[78وكان يقال له " :ادعني ) (5أستجب لك "وقال لهذه المة } :اد ْ ُ
َ
م { رواه ابن أبي حاتم. ب ل َك ُ ْج ْست َ ِ أ ْ
وقال ) (6المام الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في
مسنده :حدثنا أبو إبراهيم الترجماني ،حدثنا صالح المري قال :سمعت
الحسن يحدث عن أنس بن مالك ،رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه
وسلم -فيما يروي عن ربه عز وجل -قال " :أربع خصال ،واحدة منهن لي ،
وواحدة لك ،وواحدة فيما بيني وبينك ،وواحدة فيما بينك وبين عبادي ): (7
ي فما عملت من فأما التي لي فتعبدني ل تشرك بي شيئا ،وأما التي لك عل ّ
خير جزيتك به ،وأما التي بيني وبينك :فمنك الدعاء وعلي الجابة ،وأما التي
بينك وبين عبادي فارض لهم ما ) (8ترضى لنفسك" ).(9
وقال ) (10المام أحمد :حدثنا أبو معاوية ،حدثنا العمش ،عن ذر ،عن
ُيسيع الكندي ،عن النعمان بن بشير ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله
ب َ
ج ْ
ست َ ِ
عوِني أ ْ
صلى الله عليه وسلم " :إن الدعاء هو العبادة" ثم قرأ } :اد ْ ُ
ن {. ري َخ ِ
م َدا ِ
جهَن ّ َ خُلو َ
ن َ سي َد ْ ُ
عَباد َِتي َ
ن ِ ست َك ْب ُِرو َ
ن عَ ْ ن يَ ْ ن ال ّ ِ
ذي َ ل َك ُ ْ
م إِ ّ
__________
) (1في ت " :روى ابن أبي حاتم عن".
) (2في ت ،أ " :وليس أحد كذلك".
) (3في س " :يعطهن".
) (4في ت " :وروى".
) (5في س " :ادعوني".
) (6في ت " :وروى".
) (7في ت " :العباد".
) (8في ت ،أ " :بما".
) (9مسند أبي يعلى ) (5/143ورواه البزار في مسنده برقم )" (19كشف
الستار" من طريق الحجاج بن المنهال عن صالح المري به وقال " :تفرد به
صالح المري" قال الهيثمي في المجمع )" (1/51في إسناده صالح المري
وهو ضعيف وتدليس الحسن أيضا .والمحمل هنا على صالح بن بشير المري
فهو ضعيف جدا وقد تفرد به.
) (10في ت " :وروى".
) (7/153
وهكذا رواه أصحاب السنن :الترمذي ،والنسائي ،وابن ماجه ،وابن أبي
حاتم ،وابن جرير ،كلهم من حديث العمش ،به ) .(1وقال الترمذي :
حسن صحيح.
ورواه أبو داود ،والترمذي ،والنسائي ،وابن جرير أيضا ،من حديث شعبة ،
عن منصور ،عن ذر ،به ) .(2وأخرجه الترمذي أيضا من حديث الثوري ،عن
منصور والعمش ،كلهما عن ذر ،به ).(3
ورواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما ،وقال الحاكم :صحيح السناد ).(4
وقال ) (5المام أحمد :حدثنا وكيع ،حدثني أبو مليح المدني -شيخ من أهل
المدينة -سمعه عن أبي صالح ،وقال مرة :سمعت أبا صالح يحدث عن أبي
هريرة ]رضي الله عنه[ ) (6قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من لم يدع الله ،عز وجل ،غضب عليه".
تفرد به أحمد ) ، (7وهذا إسناد ل بأس به.
صبيح أبو المليح :
وقال ) (8المام أحمد أيضا :حدثنا مروان الفزاري ،حدثنا ُ
سمعت أبا صالح يحدث عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :من ل يسأله يغضب عليه" ).(9
صب َْيح .كذا قيده بالضم عبد الغني بن
قال ابن معين :أبو المليح هذا اسمه ُ :
شَعب الخوز ).(12 خوزي ) ، (11سكن ِ سعيد .وأما أبو صالح هذا فهو ) (10ال ُ
قاله البزار في مسنده .وكذا وقع في روايته أبو المليح الفارسي ،عن أبي
خوزي ،عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صالح ال ُ
"من ل يسأل الله يغضب عليه" ).(13
وقال ) (14الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهُْرمزي :حدثنا
همام ،حدثنا إبراهيم بن الحسن ،حدثنا نائل بن نجيح ،حدثني عائذ بن حبيب
،عن محمد بن سعيد قال :لما مات محمد بن مسلمة النصاري ،وجدنا في
ذؤابة ) (15سيفه كتابا " :بسم الله الرحمن الرحيم ،سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول " :إن لربكم في بقية دهركم نفحات )، (16
فتعرضوا له ،لعل دعوة أن توافق رحمة فيسعد ) (17بها صاحبها سعادة ل
يخسر بعدها أبدا" ).(18
__________
) (1المسند ) (4/271وسنن الترمذي برقم ) (3372والنسائي في السنن
الكبرى برقم ) (11464وسنن ابن ماجه برقم ) (3828وتفسير الطبري )
.(24/51
) (2سنن أبي داود برقم ) (1479وسنن الترمذي برقم ) (2969والنسائي
في السنن الكبرى برقم ) (11446وتفسير الطبري ).(24/51
) (3سنن الترمذي برقم ).(3247
) (4صحيح ابن حبان برقم )" (2396موارد" والمستدرك ).(1/491
) (5في ت " :وروى".
) (6زيادة من ت.
) (7المسند ) (2/477وتفرد به أحمد بهذا اللفظ وإل فقد رواه ابن ماجه في
السنن برقم ) (3827من طريق وكيع بهذا السناد بلفظ " :من لم يسأل الله
يغضب عليه".
) (8في ت " :وروى".
) (9المسند ).(2/442
) (10في ت ،س " :وهو".
) (11في أ " :الجزري".
) (12في أ " :الجزر".
) (13ورواه الترمذي في السنن برقم ) (3373وقال " :أبو المليح اسمه
صبيح ،وسمعت محمدا يقوله وقال له :فارسي".
) (14في ت " :وروى".
) (15في ت " :رواية".
) (16في ت " :في بقية أيام نفحات" وفي س ،أ " :في بقية أيام دهركم
نفحات".
) (17في ت " :يسعد".
) (18ورواه الطبراني في المعجم الكبير ) (19/233من وجه آخر.
) (7/154
ل عََلى ض ٍ ذو فَ ْ ه لَ ُ
ن الل ّ َ صًرا إ ِ ّ مب ْ ِ سك ُُنوا ِفيهِ َوالن َّهاَر ُ ل ل ِت َ ْ م الل ّي ْ َ ل ل َك ُ ُ
جعَ َ ذي َ ه ال ّ ِ
الل ّ ُ
يٍء َل َ
ش ْ ل َ خال ِقُ ك ُ ّ م َ ه َرب ّك ُ ْ م الل ّ ُ ن ) (61ذ َل ِك ُ ُ شك ُُرو َ س َل ي َ ْ ِ ن أك ْث ََر الّنا س وَل َك ِ ّ الّنا ِ
ّ َ ّ َ
ن) دو َ ح ُ ج َت اللهِ ي َ ْ ن كاُنوا ب ِآَيا ِ َ ذي َ ُ َ َ
ن ) (62كذ َل ِك ي ُؤْفَك ال ِ ه إ ِّل هُوَ فَأّنى ت ُؤْفَكو َ
ُ إ ِل َ َ
َ َ
صوََرك ُ ْ
م ن ُ س َ ح َ م فَأ ْ صوَّرك ُ ْ ماَء ب َِناًء وَ َ س َ ض قََراًرا َوال ّ م اْلْر َ ل ل َك ُ ُ جعَ َ ذي َ ه ال ّ ِ (63الل ّ ُ
و
ن ) (64هُ َ مي َ ب ال َْعال َ ِ ه َر ّ ك الل ّ ُ م فَت ََباَر َه َرب ّك ُ ْ م الل ّ ُ ت ذ َل ِك ُ ُ ن الط ّي َّبا ِ م َ م ِ وََرَزقَك ُ ْ
ن )(65 مي َ ب ال َْعال َ ِ مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ ح ْ ن ال ْ َ دي َ
ه ال ّن لَ ُ صي َخل ِ ِ م ْ عوه ُ ُ ه إ ِّل هُوَ َفاد ْ ُ ي َل إ ِل َ َ ح ّ ال ْ َ
عَباد َِتي { أي :عن دعائي وتوحيدي ، ن ِ ن عَ ْ ست َك ْب ُِرو َ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ ِ وقوله } :إ ِ ّ
ن { أي :صاغرين حقيرين ،كما قال ) (1المام ري َ خ ِ م َدا ِ جهَن ّ َ ن َ خُلو َ سي َد ْ ُ } َ
أحمد :
حدثنا يحيى بن سعيد ،عن ابن عجلن ،حدثني عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،
شر المتكبرون يوم ح َ عن جده ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :ي ُ ْ
القيامة أمثال الذ ّّر ،في صور الناس ،يعلوهم كل شيء من الصغار حتى
يدخلوا ) (2سجنا في جهنم -يقال له :بولس -تعلوهم نار النيار ،يسقون
من طينة الخبال :عصارة أهل النار" ).(3
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا علي بن الحسين ،حدثنا أبو بكر بن محمد بن
هيب ) (4بن الورد :حدثني رجل خن َْيس :سمعت أبي يحدث عن وُ َ يزيد بن ُ
قال :كنت أسير ذات يوم في أرض الروم ،فسمعت هاتفا من فوق رأس
جبل وهو يقول :يا رب ،عجبت لمن عرفك كيف يرجو أحدا غيرك! يا رب ،
عجبت لمن عرفك كيف يطلب حوائجه إلى أحد غيرك -قال :ثم ذهبت ،ثم
جاءت الطامة الكبرى -قال :ثم عاد الثانية فقال :يا رب ،عجبت لمن
عرفك كيف يتعرض لشيء من سخطك ُيرضي ) (5غيرك .قال وهيب :وهذه
الطامة الكبرى .قال :فناديته :أجني أنت أم إنسي ؟ قال :بل إنسي ،
أشغل نفسك بما ي َْعنيك عما ل يعنيك.
ل
ض ٍ ذو فَ ْ ه لَ ُ ن الل ّ َ صًرا إ ِ ّ مب ْ ِ سك ُُنوا ِفيهِ َوالن َّهاَر ُ ل ل ِت َ ْ م الل ّي ْ َ ل ل َك ُ ُ جعَ َ ذي َ ه ال ّ ِ } الل ّ ُ
َ
لخال ِقُ ك ُ ّ م َ ه َرب ّك ُ ْ م الل ّ ُ ن ) (61ذ َل ِك ُ ُ شك ُُرو َ س ل يَ ْ ن أك ْ َث ََر الّنا ِ س وَل َك ِ ّ عَلى الّنا ِ
َ
ت الل ّ ِ
ه كاُنوا ِبآَيا ِ ن َ ذي َ ك ال ّ ِ ك ي ُؤْفَ ُ ن ) (62ك َذ َل ِ َ كو َ ه ِإل هُوَ فَأّنى ت ُؤْفَ ُ يٍء ل إ ِل َ َ ش ْ َ
صوَّرك ُ ْ
م ماَء ب َِناًء وَ َ س َ ض قََراًرا َوال ّ م الْر َ َ
ل لك ُ ُ جعَ َ ذي َ ّ
ه ال ِ ّ
ن ) (63الل ُ دو َ ح ُ ج َ يَ ْ
ّ ّ ّ َ
به َر ّ ك الل ُ م فَت ََباَر َ ه َرب ّك ُ ْ م الل ُ ت ذ َل ِك ُ ُ ن الطي َّبا ِ م َ م ِ م وََرَزقَك ُ ْ صوََرك ُ ْ ن ُ س َ ح َ فَأ ْ
ب ّ
مد ُ ل ِلهِ َر ّ ح ْ ْ
ن ال َ دي َ ه ال ّ َ
نل ُ صي َ خل ِ ِ م ْ عوه ُ ُ ه ِإل هُوَ َفاد ْ ُ َ
ي ل إ ِل َ ح ّ ْ
ن ) (64هُوَ ال َ مي َ ال َْعال ِ
َ
ن ){ (65 مي َ ال َْعال َ ِ
يقول تعالى ممتنا على خلقه ،بما جعل لهم من الليل الذي يسكنون فيه
ويستريحون من حركات ترددهم في المعايش بالنهار ،وجعل النهار مبصرا ،
أي :مضيئا ،ليتصرفوا فيه بالسفار ،وقطع القطار ،والتمكن من الصناعات
ذو فَضل عََلى الناس ول َك َ ه لَ ُ
ن { ) (6أي :ل شك ُُرو َ س ل يَ ْ ن أك ْث ََر الّنا ِ ّ ِ َ ِ ّ ْ ٍ ن الل ّ َ } ،إِ ّ
يقومون بشكر نعم ) (7الله عليهم.
ه ِإل هُوَ { أي :الذي فعل يٍء ل إ ِل ََ ْ َ
ش ّ
ل ُ خال ِقُ ك م َ ه َرب ّك ُ ْ م الل ّ ُ ثم قال } :ذ َل ِك ُ ُ
هذه الشياء هو الله الواحد الحد ،خالق الشياء ،الذي ل إله غيره ،ول رب
ن { أي :فكيف تعبدون غيره من الصنام ،التي ل كو َ سواه } ،فَأ َّنى ت ُؤْفَ ُ
تخلق شيئا ،بل هي مخلوقة منحوتة.
__________
) (1في ت " :روى".
) (2في ت " :يدخلون".
) (3المسند ).(2/179
) (4في ت " :وروى ابن أبي حاتم بسنده عن وهيب".
) (5في ت ،س " :يرضى".
) (6في ت " :ولكن أكثرهم" .وهو خطأ.
) (7في أ " :ما أنعم".
) (7/155
ل إني نهيت أ َ َ
ن َرّبي
م ْ ي ال ْب َي َّنا ُ
ت ِ جاَءن ِ َ ن الل ّهِ ل َ ّ
ما َ ن ُدو ِ
م ْ
ن ِ
عو َ
ن ت َد ْ ُذي َ ن أعْب ُد َ ال ّ ِ
قُ ْ ِ ّ ُ ِ ُ ْ
وأ ُمرت أ َ ُ
ن )(66 مي َ ب ال َْعال َ ِ م ل َِر ّسل ِ َ
نأ َْ ِ ْ ُ ْ
ن { أي :كما ضل هؤلء دو َ ح ُ ج َ ت الل ّهِ ي َ ْ كاُنوا ِبآَيا ِ ن َ ذي َ ك ال ّ ِ ك ي ُؤْفَ ُ وقوله } :ك َذ َل ِ َ
بعبادة غير الله ،كذلك أفك الذين من قبلهم ،فعبدوا غيره بل دليل ول برهان
بل بمجرد الجهل والهوى ،وجحدوا حجج الله وآياته.
ض قََراًرا { أي :جعلها مستقرا لكم ، م الْر َ ل ل َك ُ ُ جعَ َ ذي َ ه ال ّ ِ وقوله } :الل ّ ُ
بساطا مهادا تعيشون عليها ،وتتصرفون فيها ،وتمشون في مناكبها ،
ماَء ب َِناًء { أي :سقفا للعالم س َ وأرساها بالجبال لئل تميد بكم َ } ،وال ّ
َ
م { أي :فخلقكم في أحسن الشكال ، صوََرك ُ ْ ن ُ س َ ح َ م فَأ ْ صوَّرك ُ ْ محفوظا } ،وَ َ
ت { أي :من با
َّ ِ يّ ط ال نْ ِ َم م ُ ك َ ق ز ر
ََ َ و } ، تقويم أحسن في الصور ومنحكم أكمل
المآكل والمشارب في الدنيا .فذكر أنه خلق الدار ،والسكان ،والرزاق -
َ
دوا َرب ّك ُ ُ
م س اعْب ُ ُ فهو الخالق الرازق ،كما قال في سورة البقرة َ } :يا أي َّها الّنا ُ
شا ض فَِرا ً م الْر َ ل ل َك ُ ُ جعَ َ ذي َ ن .ال ّ ِ قو َ م ت َت ّ ُ م ل َعَل ّك ُ ْ ن قَب ْل ِك ُ ْ م ْ ن ِ ذي َ م َوال ّ ِ قك ُ ْ خل َ َ ذي َ ال ّ ِ
َ َ َ
م َفل ت رِْزًقا لك ُ ْ مَرا ِ ن الث ّ َ م َ ج ب ِهِ ِ خَر َ ماًء فَأ ْ ماِء َ س َ ن ال ّ م َ ل ِ ماَء ب َِناًء وَأنز َ س ََوال ّ
َ َ َ
ن { ]البقرة (1) [ 20 ، 21 :وقال هاهنا بعد مو َ م ت َعْل ُ داًدا وَأن ْت ُ ْ جعَُلوا ل ِلهِ أن ْ َ
ّ تَ ْ
ن { أي : مي َ َ
ب الَعال ِْ ه َر ّ ّ
ك الل ُ م فَت ََباَر َ ُ
ه َرب ّك ْ م الل ُ ّ ُ
خلق هذه الشياء } :ذ َل ِك ُ
فتعالى وتقدس وتنزه رب العالمين كلهم.
دا ،لم يزل ول ه ِإل هُوَ { أي :هو الحي أزل وأب ً ي ل إ ِل َ َ ح ّ ثم قال } :هُوَ ال ْ َ
ه ِإل هُوَ { أي :ل نظير يزال ،وهو الول والخر ،والظاهر والباطن } ،ل إ ِل َ َ
ن { أي :موحدين له مقرين بأنه دي َ ه ال ّ ن لَ ُ صي َ خل ِ ِ م ْ عوه ُ ُ له ول عديل له َ } ،فاد ْ ُ
ن {. مي َ َ
ب الَعال ِ ْ مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ ح ْ ل إله إل هو } ال ْ َ
قال ابن جرير :كان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال " :ل إله إل الله"
أن يتبعها بالحمد لله رب العالمين ،عمل بهذه الية.
ثم روى عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ،عن أبيه ،عن الحسين بن
واقد ،عن العمش ،عن مجاهد ،عن ابن عباس ) (2قال :من قال " :ل إله
إل الله" فليقل على أثرها " :الحمد لله رب العالمين" فذلك ) (3قوله تعالى :
ن {. مي َ ب ال َْعال َ ِ مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ ح ْ ن ال ْ َ دي َ ه ال ّ ن لَ ُ صي َ خل ِ ِ م ْ عوه ُ ُ } َفاد ْ ُ
وقال أبو أسامة وغيره ،عن إسماعيل بن أبي خالد ،عن سعيد بن جبير
ن { ]غافر ، [14 :فقل " :ل دي َ ه ال ّ ن لَ ُ صي َ خل ِ ِ م ْ ه ُ عوا الل ّ َ قال :إذا قرأت َ } :فاد ْ ُ
إله إل الله" وقل على أثرها " :الحمد لله رب العالمين" ثم قرأ هذه الية :
ن {. مي َ ب ال َْعال َ ِ مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ ح ْ ن ال ْ َ دي َ ه ال ّ ن لَ ُ صي َ خل ِ ِ م ْ عوه ُ ُ } َفاد ْ ُ
ن ْ َ ّ ّ َ َ } قُ ْ
م ْ ت ِ ي الب َي َّنا ُ جاَءن ِ َ ما َ ن اللهِ ل ّ ن ُدو ِ م ْ ن ِ عو َ ن ت َد ْ ُ ذي َ ن أعْب ُد َ ال ِ تأ ْ ل إ ِّني ن ُِهي ُ
ن ){ (66 َ ْ ُ َ ُ
مي َ ب الَعال ِ م ل َِر ّ سل ِ َ نأ ْ تأ ْ مْر ُ َرّبي وَأ ِ
__________
) (1في س " :اتقوا" وهوز خطأ.
) (2في ت " :ثم روى بإسناده عن ابن عباس".
) (3في ت ،س " :وذلك".
) (7/156
فًل ث ُ ّ
م م طِ ْجك ُ ْ خرِ ُم يُ ْ ن عَل َ َ
قةٍ ث ُ ّ م ْم ِفةٍ ث ُ ّ ن ن ُط ْ َ
م ْم ِب ثُ ّ
ن ت َُرا ٍ م ْ م ِ قك ُ ْ خل َ َ
ذي َ هُوَ ال ّ ِ
جًل َ ل ِت َب ْل ُُغوا أ َ ُ
ل وَل ِت َب ْل ُُغوا أ َن قَب ْ ُم ْ ن ي ُت َوَّفى ِ
م ْم َ من ْك ُ ْخا وَ ِ
شُيو ًكوُنوا ُ م ل ِت َ ُ
م ثُ ّ شد ّك ُ ْ
َ
مًرا فَإ ِن ّ َ
ما ت فَإ َِذا قَ َ
ضى أ ْ مي ُ
حِيي وَي ُ ِ ن ) (67هُوَ ال ّ ِ
ذي ي ُ ْ قُلو َ مى وَل َعَل ّك ُ ْ
م ت َعْ ِ س ّم َ ُ
ن )(68 ُ
ن في َكو ُ َ ُ
هك ْ َ ُ
قول ل ُ يَ ُ
فل ث ُ ّ
م م طِ ْ جك ُ ْ خرِ ُم يُ ْقةٍ ث ُ ّن عَل َ َ
م ْ م ِ فةٍ ث ُ ّن ن ُط ْ َ م ْ م ِ ب ثُ ّ
ن ت َُرا ٍم ْم ِ قك ُ ْخل َ َ
ذي َ } هُوَ ال ّ ِ
َ ل ِت َب ْل ُُغوا أ َ ُ
جل ل وَل ِت َب ْل ُُغوا أ َ ن قَب ْ ُم ْ ن ي ُت َوَّفى ِ م ْ م َ من ْك ُ ْ
خا وَ ِ شُيو ً كوُنوا ُ م ل ِت َ ُ م ثُ ّ شد ّك ُ ْ
َ
مًرا فَإ ِن ّ َ
ما ضى أ ْ ت فَإ َِذا قَ َ مي ُ
حِيي وَي ُ ِ ذي ي ُ ْ ن ) (67هُوَ ال ّ ِ قُلو َ م ت َعْ ِمى وَل َعَل ّك ُ ْ س ّم َ ُ
ن ){ (68 ُ
ن فَي َكو ُ ُ
هك ْ َ
لل ُ قو ُ يَ ُ
يقول تعالى :قل يا محمد لهؤلء المشركين :إن الله ينهى أن ي ُعَْبد أحد سواه
من الصنام والنداد
) (7/156
َ َ
ن ك َذ ُّبوا ذي َ ن ) (69ال ّ ِ صَرُفو َ ت الل ّهِ أّنى ي ُ ْ ن ِفي آ ََيا ِ جادُِلو َ ن يُ َ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ أل َ ْ
َ ن ) (70إ ِذِ اْل َغَْل ُ َ
م
ل ِفي أعَْناقِهِ ْ مو َف ي َعْل َ ُسو ْ َ سل ََنا فَ َ سل َْنا ب ِهِ ُر ُ ما أْر َ ب وَب ِ َ ِبال ْك َِتا ِ
م ِقي َ
ل ن ) (72ث ُ ّ جُرو َ س َ م ِفي الّنارِ ي ُ ْ ميم ِ ث ُ ّ ح ِ ْ
ن )ِ (71في ال َ حُبو َ س َ ل يُ ْ س ُ سَل ِ َوال ّ
َ ّ ُ ّ َ
عو م ن َك ُ ْ
ن ن َد ْ ُ لل ْ ضلوا عَّنا ب َ ْ ن اللهِ َقالوا َ ن ُدو ِ م ْ ن )ِ (73 كو َ شرِ ُ م تُ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ ن َ م أي ْ َ ل َهُ ْ
ن ِفي حو َ فَر ُ م تَ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ م بِ َ ن ) (74ذ َل ِك ُ ْ ري َ ِ كافِه ال ْ َل الل ّ ُ ض ّك يُ ِ شي ًْئا ك َذ َل ِ َ ل َ ن قَب ْ ُ م ْ ِ
ن ِفيَها َ ُ ُ ْ َ ْ
دي َ خال ِ ِ م َ جهَن ّ َب َ وا َ خلوا أب ْ َ ن ) (75اد ْ ُ حو َ مَر ُم تَ ْ ما كن ْت ُ ْ حقّ وَب ِ َ ض ب ِغَي ْرِ ال َ الْر ِ
ن )(76 ري َ َ
مت َكب ّ ِ ْ
وى ال ُ مث ْ َس َ فَب ِئ ْ َ
و
والوثان .وقد بين تعالى أنه ل يستحق العبادة أحد سواه ،في قوله } :هُ َ
م ل ِت َب ْل ُُغوافل ث ُ ّ م طِ ْ جك ُ ْ خرِ ُ م يُ ْ قةٍ ث ُ ّ ن عَل َ َ م ْ م ِ فةٍ ث ُ ّ ن ن ُط ْ َ م ْ م ِ ب ثُ ّ ن ت َُرا ٍ م ْ م ِ قك ُ ْ خل َ َ ذي َ ال ّ ِ
خا { أي :هو الذي يقلبكم في هذه الطوار كلها ، شُيو ً كوُنوا ُ م ل ِت َ ُ م ثُ ّ شد ّك ُ ْ أَ ُ
م من ْك ُ ْ وحده ل شريك له ،وعن أمره وتدبيره وتقديره يكون ذلك كله } ،وَ ِ
ل { أي :من قبل أن يوجد ويخرج إلى هذا العالم ،بل ن قَب ْ ُ م ْ ن ي ُت َوَّفى ِ م ْ َ
تسقطه أمه سقطا ،ومنهم من يتوفى صغيرا ،وشابا ،وكهل قبل
َ
لج ٍ شاُء إ َِلى أ َ ما ن َ َ حام ِ َ قّر ِفي الْر َ م وَن ُ ِ ن ل َك ُ ْ الشيخوخة ،كقوله } :ل ِن ُب َي ّ َ
ن { قال ابن جريج ، قلو َ ُ م ت َعْ ِ ُ ّ َ
مى { ]الحج [5 :وقال هاهنا } :وَلعَلك ْ س ّ م َ ُ
تتذكرون البعث.
ت { أي :هو المتفرد بذلك ،ل يقدر على مي ُ حِيي وَي ُ ِ ذي ي ُ ْ ّ
ثم قال } :هُوَ ال ِ
ُ َ ُ َ ُ َ َ َ َ
ن { أي :ل يخالف ن في َكو ُ هك ْ قول ل ُ ما ي َ ُ مًرا فإ ِن ّ َ ضى أ ْ ذلك أحد سواه } ،فإ َِذا ق َ
ول يمانع ،بل ما شاء كان ]ل محالة[ ).(1
ن ك َذ ُّبوا ذي ّ ل ا ( 69 ) ن فو ُ ر ص ي نى } أ َل َم تر إَلى ال ّذين يجادُلون في آيات الل ّه أ َ
ِ َ َ ِ ّ ُ ْ َ َ ِ ِ َ ُ َ ِ َ ِ ْ ََ ِ
ل في أ َ َ َ ْ َ
م ه
َ ِ ِ ْ ق نا ْ ع ِ ُ غل ْ ال ذ
ِِ إ ( 70 ) ن مو
َ ْ َ َْ ُ َ ل ع ي ف و س َ ف نا
ب وَب ِ َ ْ َ َ ِ ِ ُ ُ َ
ل س ر ه ب نا ل س ر أ ما ِبال ْك َِتا ِ
لم ِقي َ ن ) (72ث ُ ّ جُرو َ س َ م ِفي الّنارِ ي ُ ْ ميم ِ ث ُ ّ ح ِ ن )ِ (71في ال ْ َ حُبو َ س َ ل يُ ْ س ُ سل ِ َوال ّ
َ ّ ُ ّ َ
عو
ن ن َد ْ ُ م ن َك ُ ْ لل ْ ضلوا عَّنا ب َ ْ ن اللهِ َقالوا َ ن ُدو ِ م ْ ن )ِ (73 كو َ شرِ ُ م تُ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ ن َ م أي ْ َ ل َهُ ْ
ن ِفي حو َ فَر ُ م تَ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ م بِ َ ن ) (74ذ َل ِك ُ ْ ري َ ِ كافِ ه ال ْ َ ل الل ّ ُ ض ّ ك يُ ِ شي ًْئا ك َذ َل ِ َ ل َ ن قَب ْ ُ م ْ ِ
َ ُ ْ
ن ِفيَها دي َ خال ِ ِ م َ جهَن ّ َ ب َ وا َ خلوا أب ْ َ ن ) (75اد ْ ُ حو َ مَر ُ م تَ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ حقّ وَب ِ َ ض ب ِغَي ْرِ ال َ الْر ِ
ن ){ (76 ري َ َ
مت َكب ّ ِ ْ
وى ال ُ مث ْ َ س َ فَب ِئ ْ َ
يقول تعالى :أل تعجب يا محمد من هؤلء المكذبين بآيات الله ،ويجادلون
ن
ذي َ في الحق والباطل ،كيف ُتصّرف عقولهم عن الهدى إلى الضلل } ،ال ّ ِ
َ
ف
سو ْ َ سل ََنا { أي :من الهدى والبيان } ،فَ َ سل َْنا ب ِهِ ُر ُ ما أْر َ ب وَب ِ َ ك َذ ُّبوا ِبال ْك َِتا ِ
ن { هذا تهديد شديد ،ووعيد أكيد ،من الرب ،جل جلله ،لهؤلء ،كما مو َ ي َعْل َ ُ
ن { ]المرسلت .[15 : مك َذ ِّبي َ مئ ِذ ٍ ل ِل ْ ُ ل ي َوْ َ قال تعالى } :وَي ْ ٌ
سل { أي :متصلة بالغلل ،بأيدي ُ َ ُ وقوله } :إ ِذِ ال ْ
سل ِ م َوال ّ غلل ِفي أعَْناقِهِ ْ
الزبانية يسحبونهم على وجوههم ،تارة إلى الحميم وتارة إلى الجحيم ؛ ولهذا
ه
ن { ،كما قال } :هَذِ ِ جُرو َ س َ م ِفي الّنارِ ي ُ ْ ميم ِ ث ُ ّ ح ِ نِ .في ال ْ َ حُبو َ س َ قال } :ي ُ ْ
ن { ]الرحمن : ميم ٍ آ ٍ ح ِ ن َ ن ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ طوُفو َ ن يَ ُ مو َ جرِ ُ م ْ ب ب َِها ال ْ ُ م ال ِّتي ي ُك َذ ّ ُ جهَن ّ ُ َ
م ه ع ج ر م
ّ ِ ّ َ ْ ِ َ ُ ْ ن إ م ُ ث } : الحميم وشربهم الزقوم أكلهم كره ْ ذ بعد وقال [. 44 ، 43
َ َ
ب
حا ُ ص َما أ ْ ل َ ما ِ ش َ ب ال ّ حا ُ ص َ حيم ِ { ]الصافات [68 :وقال } وَأ ْ ج ِ لَلى ال ْ َ
ريم ٍ { إلى أن قال م .ل َبارِدٍ َول ك َ ِ مو ٍ ح ُن يَ ْ م ْ ل ِ م .وَظ ِ ّ مي ٍ ح ِ موم ٍ وَ َ س ُ لِ .في َ
َ
ما ِ ش َ ال ّ
مال ُِئو َ م .فَ َ ُ مك َذ ُّبو َ ْ ّ م إ ِن ّك ُ ْ
ن ن َزّقو ٍ م ْ جرٍ ِ ش َ ن َ م ْ ن ِ ن .لك ِلو َ ن ال ُ ضالو َ م أي َّها ال ّ } :ثُ ّ
م ُ
ذا نزلهُ ْ م .هَ َ ْ ن ُ م .فَ َ ْ َ ن .فَ َ ُ ْ
ب الِهي ِ شْر َ شارُِبو َ مي ِ ح ِن ال َ م َ ن عَلي ْهِ ِ شارُِبو َ من َْها الب ُطو َ ِ
َ
م.
م الِثي ِ م .طَعا ُ جَرةَ الّزّقو ِ ش َ ن َ ن { ]الواقعة .[56 - 41 :وقال } إ ِ ّ دي ِ م ال ّ ي َوْ َ
م. ْ َ
ذوه ُ َفاعْت ِلوه ُ إ ِلى َُ خ ُ ْ ْ َ ُ ْ كال ْ ُ َ
حي ِ ج ِواِء ال َ س َ
َ
مُ . مي ِ ح ِ ي ال َ ن .كغَل ِ ل ي َغِْلي ِفي الب ُطو ِ
ْ
مهْ ِ
ماذا َ ن هَ َ م .إ ِ ّ ري ُ زيُز ال ْك َ ِ ت ال ْعَ ِ ك أن ْ َ م .ذ ُقْ إ ِن ّ َ مي ِ ح ِ ب ال ْ َ ذا ِ ن عَ َ م ْ سهِ ِ صّبوا فَوْقَ َرأ ِ م ُ ثُ ّ
ن { ]الدخان ، [50 - 43 : مت َُرو َ م ب ِهِ ت َ ْ ك ُن ْت ُ ْ
__________
) (1زيادة من س ،أ.
) (7/157
م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ
ك فَإ ِل َي َْنا ض ال ّ ِ
ذي ن َعِد ُهُ ْ ما ن ُرِي َن ّ َ
ك ب َعْ َ ن وَعْد َ الل ّهِ َ
حقّ فَإ ِ ّ َفا ْ
صب ِْر إ ِ ّ
ن )(77 جُعو َ ي ُْر َ
أي :يقال لهم ذلك على وجه التقريع والتوبيخ ،والتحقير والتصغير ،والتهكم
والستهزاء بهم.
قال ابن أبي حاتم :حدثنا علي بن الحسين ،حدثنا أحمد بن منيع ،حدثنا
منصور بن عمار ،حدثنا بشير ) (1بن طلحة الخزامي ،عن خالد بن د َُرْيك ،
من َْيه -رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال عن يعلى بن ُ
" :ينشئ الله سحابة لهل النار سوداء مظلمة ،ويقال :يا أهل النار ،أي
شيء تطلبون ؟ فيذكرون بها سحاب الدنيا فيقولون :نسأل ب َْرد الشراب ،
فتمطرهم أغلل تزيد في أغللهم ،وسلسل تزيد في سلسلهم ،وجمرا
ب النار عليهم" .هذا حديث غريب ).(2 ي ُل ْهِ ُ
ن الل ّهِ { أي :قيل لهم : َ
ن ُدو ِ م ْ نِ . كو َ شرِ ُ م تُ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ ن َ م أي ْ َ ل ل َهُ ْم ِقي َ وقوله } :ث ُ ّ
ُ
أين الصنام التي كنتم تعبدونها من دون الله ؟ هل ينصرونكم اليوم ؟ } َقالوا
شي ًْئا { أي : ل َ ن قَب ْ ُ م ْ عو ِ ن ن َد ْ ُ م ن َك ُ ْ ل لَ ْ ضّلوا عَّنا { أي :ذهبوا فلم ينفعونا } ،ب َ ْ َ
ّ ُ َ َ ُ َ
مان قالوا َواللهِ َرب َّنا َ م ِإل أ ْ ن فِت ْن َت ُهُ ْ م ت َك ْ مل ْ جحدوا عبادتهم ،كقوله تعالى } :ث ُ ّ
ن {. ري َ َ
ه الكافِ ِ ْ ّ
ضل الل ُ ّ َ َ
ن { ]النعام [23 :؛ ولهذا قال } :كذ َل ِك ي ُ ِ كي َ شرِ ِ م ْك ُّنا ُ
ن{ حو َ مَر ُ م تَ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ حقّ وَب ِ َ ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ ن ِفي الْر ِ حو َ فَر ُ م تَ ْ ما ك ُن ْت ُ ْم بِ َوقوله } :ذ َل ِك ُ ْ
أي :تقول لهم الملئكة :هذا الذي أنتم فيه جزاء على فرحكم في الدنيا بغير
َ
ن ِفيَها فَب ِئ ْ َ
س دي َ خال ِ ِ م َ جهَن ّ َ ب َ وا َخُلوا أب ْ َ الحق ،ومرحكم وأشركم وبطركم } ،اد ْ ُ
ل الذي فيه الهوان والعذاب قي ُ م ِ ل وال َ منز ُ ن { أي :فبئس ال ْ ري َ مت َك َب ّ ِوى ال ْ ُ مث ْ ََ
حججه. ُ و دلئله واتباع ، الله آيات عن استكبر لمن ، الشديد
ك فَإ ِل َي َْنا م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ ذي ن َعِد ُ ْ
ُ ه ض ال ّ ِ ك ب َعْ َ ما ن ُرِي َن ّ َ حقّ فَإ ِ ّ ن وَعْد َ الل ّهِ َ صب ِْر إ ِ ّ} َفا ْ
ن ){ (77 جُعو َ ي ُْر َ
__________
) (1في أ " :بشر".
) (2ورواه الطبراني في الوسط برقم ) (4846وابن عدي في الكامل )
(6/394من طريق أحمد بن منيع عن منصور به ،وقال الطبراني " :ل يروى
إل بهذا السناد تفرد به منصور" .وقال الهيثمي في المجمع )" : (10/390فيه
من فيه ضعف قليل ،وفيه من لم أعرفه".
) (7/158
ول َ َ َ
ص
ص ْ ق ُنَ ْ من لَ ْم ْ
م َ من ْهُ ْ ك وَ ِ صَنا عَل َي ْ َ ص ْ ن قَ َم ْم َ من ْهُ ْ
ك ِ ن قَب ْل ِ َ م ْسًل ِ سل َْنا ُر ُقد ْ أْر َ َ
َ ْ
ن ي َأت ِي بآ َ َ
ي
ض َقُ ِ مُر الل ّهِ
ْ أ َ ءجاَ َ
ذا ِ إَ ف ِ هّ لال ن ْ ذإ
ِ ِِ ِب ّ
ل إ ٍ ةَ ي َ ِ ْ أ لٍ سو ُ ر
َ ِ ل ن
َ َ
كا ما
َ َ و َ
ك ْ يَ لَ ع
ن )(78 مب ْط ُِلو َ ك ال ْ ُ سَر هَُنال ِ َ خ ِحق ّ و َ َِبال ْ َ
} ول َ َ َ
ص
ص ْ ق ُ ن لَ ْ
م نَ ْ م ْ م َ من ْهُ ْ ك وَ ِ صَنا عَل َي ْ َ ص ْ ن قَ َم ْم َ من ْهُ ْ ك ِ ن قَب ْل ِ َ ْ م
سل ِ سل َْنا ُر ُ قد ْ أْر َ َ
ّ كان ل ِرسول أ َن يأ ْت ِي بآية إل بإذ ْن الل ّه فَإَذا جاَء أ َ
ي
َ ض
ِ ُ ق ِ ه لال ر ْ ُم َ ِ ِ ٍ
َ َ ُ ٍ ْ َ َ ِ َ ِ ِِ ِ َ ماَ َ و َ
ك عَل َي ْ
ن ){ (78 مب ْط ُِلو َ ك ال ْ ُسَر هَُنال ِ َ خ ِحق ّ و َ َ ِبال ْ َ
يقول تعالى آمرا رسوله ،صلوات الله وسلمه عليه ،بالصبر على تكذيب من
كذبه من قومه ؛ فإن الله سينجز لك ما وعدك من النصر والظفر على قومك
ض ال ّ ِ
ذي ك ب َعْ َ ما ن ُرِي َن ّ َ ،وجعل العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والخرة } ،فَإ ِ ّ
م { أي :في الدنيا .وكذلك وقع ،فإن الله أقر أعينهم من كبرائهم ن َعِد ُهُ ْ
وعظمائهم ،أبيدوا في يوم بدر .ثم فتح الله عليه مكة وسائر جزيرة العرب
في أيام حياته صلى الله عليه وسلم.
ن { أي :فنذيقهم العذاب الشديد في جُعو َ ك فَإ ِل َي َْنا ي ُْر َ وقوله } :أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ
الخرة.
صَنا عَل َي ْ َ
ك ص َ ق ن م م ه ن م َ
ك ل بَ ق ن م سل
َ ْ ْ َ َ ُ ُ ِ ْ ِْ ر نا ْ ل س ر َ أ د َ ق َ ل و } : له مسليا ثم قال
َ ْ ِ ُْ ْ َ ْ
ك { كما قال في "سورة النساء" سواء ،أي : ص عَل َي ْ َ ص ْ ق ُ م نَ ْ ن لَ ْ م ْ م َ من ْهُ ْ وَ ِ
منهم من أوحينا إليك خبرهم وقصصهم مع قومهم كيف كذبوهم ثم كانت
ك { وهم أكثر ممن ص عَل َي ْ َ ص ْ ق ُ ن لَ ْ
م نَ ْ م ْم َ من ْهُ ْ للرسل العاقبة والنصرة } ،وَ ِ
ذكر
) (7/158
ْ َ
مَنافِعُ م ِفيَها َ ن ) (79وَل َك ُ ْ من َْها ت َأك ُُلو َ من َْها وَ ِ م ل ِت َْرك َُبوا ِ م اْلن َْعا َ ل ل َك ُ ُ جعَ َ ذي َ ه ال ّ ِ الل ّ ُ
ريك ُ ْ
م ن ) (80وَي ُ ِ مُلو َ ح َ ك تُ ْ فل ْ ِ م وَعَل َي َْها وَعََلى ال ْ ُ دورِك ُ ْ ص ُ ة ِفي ُ ج ً حا َ وَل ِت َب ْل ُُغوا عَل َي َْها َ
َ َ َ
ن
كا َ ف َ ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ ِ سيُروا ِفي اْلْر م يَ ِ ن ) (81أفَل َ ْ ت الل ّهِ ت ُن ْك ُِرو َ آ ََيات ِهِ فَأيّ آ ََيا ِ
ما أ َغَْنى ض فَ َ
َْ
شد ّ قُوّة ً وَآَثاًرا ِفي الْر ِ
َ م وَأ َ َ من ْهُ ْ
َ
كاُنوا أك ْث ََر ِ م َ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِ ذي َ ة ال ّ ِ عاقِب َ ُ َ
م
عن ْد َهُ ْ ما ِ حوا ب ِ َ ت فرِ َُ م ِبالب َي َّنا ِ ْ سلهُ ْ ُ م ُر ُ جاَءت ْهُ ْ ما َ َ َ
ن ) (82فل ّ سُبو َ ْ
ما كاُنوا ي َك ِ َ م َ عَن ْهُ ْ
مّنا َ ُ َ ْ َ َ َ ُ َ ْ ْ
سَنا قالوا آ َ ما َرأْوا ب َأ َ ن ) (83فل ّ ست َهْزِئو َ ما كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ م َ حاقَ ب ِهِ ْ ن العِلم ِ وَ َ م َ ِ
ما َرأ َْوا م ل َّ ه ن ما إي م
ْ َ َْ ُ ُ ْ ِ َ ُُ ْ ه ع َ ف ن ي ُ
ك ي م َ لَ ف ( 84 ) ن كي ر
ّ ِ ِ ُ ِ ِ َْ
ش م ه ب نا ُ ك ما ب نا ر َ فَ
ِ ِ َ ْ َ ُ َ ْ َ ِ َك و ه د ح و ه ّ ل بال
ْ َ ْ
ن )(85 ِ ُ َرو ف كا َ لا كَ ل نا ه ر
ِ َ ِ ِ َ ِ َ َُ ِ س خ
َ و ه دبا ع في ْ ِ ت ل خ
َ ة الل ّهِ ال ِّتي ْ
د َ ق سن ّ َسَنا ُ ب َأ َ
بأضعاف أضعاف ،كما تقدم التنبيه على ذلك في سورة النساء ) ، (1ولله
الحمد والمنة.
ن الل ّهِ { أي :ولم يكن لواحد ْ كان ل ِرسو َ
ي ِبآي َةٍ ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ ن ي َأت ِ َ لأ ْ ما َ َ َ ُ ٍ وقوله } :وَ َ
من الرسل أن يأتي قومه بخارق للعادات ،إل أن يأذن الله ) (2له في ذلك ،
مُر الل ّهِ { وهو عذابه َ
جاَء أ ْ فيدل ذلك على صدقه فيما جاءهم به } ،فَإ َِذا َ
حقّ { فينجو المؤمنون ،ويهلك ي ِبال ْ َ ض َ ونكاله المحيط بالمكذبين } قُ ِ
ن{ مب ْط ُِلو َ ك ال ْ ُ سَر هَُنال ِ َ خ ِ الكافرون ؛ ولهذا قال } :وَ َ
ْ
م ِفيَها ن ) (79وَل َك ُ ْ من َْها ت َأك ُُلو َ من َْها وَ ِ م ل ِت َْرك َُبوا ِ م الن َْعا َ ل ل َك ُ ُ جعَ َ ذي َ ه ال ّ ِ } الل ّ ُ
ن )(80 ملو َ ُ ح َك تُ ْ ْ
فل ِ ْ َ
م وَعَلي َْها وَعَلى ال ُ َ دورِك ُ ْ ص ُ ة ِفي ُ ج ً حا َ َ ُ
مَنافِعُ وَل ِت َب ْلُغوا عَلي َْها َ َ
ّ َ ريك ُْ
ن ){ (81 ت اللهِ ت ُن ْك ُِرو َ م آَيات ِهِ فَأيّ آَيا ِ وَي ُِ
يقول تعالى ممتنا على عباده ،بما خلق لهم من النعام ،وهي البل والبقر
ْ
ن { ]يس ، [72 :فالبل تركب وتؤكل من َْها ي َأك ُُلو َ م وَ ِ كوب ُهُ ْ من َْها َر ُ والغنم } فَ ِ
وتحلب ،ويحمل عليها الثقال في السفار والرحال إلى البلد النائية ،
والقطار الشاسعة .والبقر تؤكل ،ويشرب لبنها ،وتحرث عليها الرض.
والغنم تؤكل ،ويشرب لبنها ،والجميع تجز أصوافها وأشعارها وأوبارها ،
ن في أماكن تقدم ذكرها في صل وب َي ّ َ فيتخذ منها الثاث والثياب والمتعة كما فَ ّ
"سورة النعام" ) ، (3و "سورة النحل" ) ، (4وغير ذلك ؛ ولهذا قال هاهنا } :
ْ
دورِك ُ ْ
م ص ُ ة ِفي ُ ج ًحا َ مَنافِعُ وَل ِت َب ْل ُُغوا عَل َي َْها َ م ِفيَها َ ن .وَل َك ُ ْ من َْها ت َأك ُُلو َ من َْها وَ ِ ل ِت َْرك َُبوا ِ
ن {. مُلو َ ح َ ك تُ ْ فل ْ ِ وَعَل َي َْها وَعََلى ال ْ ُ
م آَيات ِهِ { أي :حججه وبراهينه في الفاق وفي أنفسكم ، ريك ُ ْ وقوله } :وَي ُ ِ َ
ن { أي :ل تقدرون على إنكار شيء من آياته ،إل أن ت الل ّهِ ت ُن ْك ُِرو َ } فَأيّ آَيا ِ
تعاندوا وتكابروا.
ّ ُ َ
كاُنوا م َ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِ ذي َ ة ال ِ عاقِب َ ُ ن َ كا َ ف َ ض فَي َن ْظُروا ك َي ْ َ ِ سيُروا ِفي الْر م يَ ِ } أفَل َ ْ
َ م وَأ َ َ َ
ن )(82 سُبو َ كاُنوا ي َك ْ ِ ما َ م َ ما أغَْنى عَن ْهُ ْ ض فَ َ شد ّ قُوّة ً َوآَثاًرا ِفي الْر ِ من ْهُ ْ أك ْث ََر ِ
كاُنوا ما َ م َ حاقَ ب ِهِ ْ ن ال ْعِل ْم ِ وَ َ م َ م ِ عن ْد َهُ ْ ما ِ حوا ب ِ َ ت فَرِ ُ م ِبال ْب َي َّنا ِ سل ُهُ ْ م ُر ُ جاَءت ْهُ ْ ما َ فَل َ ّ
ْ َ
ما ك ُّنا ب ِ ِ
ه فْرَنا ب ِ َ حد َه ُ وَك َ َ مّنا ِبالل ّهِ وَ ْ سَنا َقاُلوا آ َ ما َرأْوا ب َأ َ ن ) (83فَل َ ّ ست َهْزُِئو َ ب ِهِ ي َ ْ
َ ّ ّ ْ َ َ ُ َ
تخل ْ ة اللهِ الِتي قَد ْ َ سن ّ َ سَنا ُ ما َرأْوا ب َأ َ مل ّ مان ُهُ ْ م ِإي َ فعُهُ ْ م ي َك ي َن ْ َ ن ) (84فَل ْ كي َ شرِ ِ م ْ ُ
ن ){ (85 َ
سَر هَُنال ِك الكافُِرو َ ْ َ خ ِ عَبادِهِ وَ َ ِفي ِ
يخبر تعالى عن المم المكذبة بالرسل في قديم الدهر ،وماذا حل بهم من
العذاب الشديد ،مع
__________
) (1راجع تفسير الية 164 :من سورة النساء.
) (2في أ " :إل بإذن الله".
) (3راجع تفسير اليات 144 - 141 :من سورة النعام.
) (4راجع تفسير اليات 8 - 5 :من سورة النحل.
) (7/159
شدة قواهم ،وما أ َّثروه في الرض ،وجمعوه من الموال ،فما أغنى عنهم
ذلك شيئا ،ول رد عنهم ذرة من بأس الله ؛ وذلك لنهم لما جاءتهم الرسل )
(1بالبينات ،والحجج القاطعات ،والبراهين الدامغات ،لم يلتفتوا إليهم ،ول
أقبلوا عليهم ،واستغنوا بما عندهم من العلم في زعمهم عما جاءتهم به
الرسل.
قال مجاهد :قالوا :نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب.
وقال السدي :فرحوا بما عندهم من العلم بجهالتهم ،فأتاهم من بأس الله
ما ل قَِبل لهم به.
ن { أي :يكذبون ُ
ست َهْزِئو َ َ
ما كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ م { أي :أحاط بهم } َ حاقَ ب ِهِ ْ } وَ َ
ويستبعدون وقوعه.
ّ ُ ْ َ
ه د ح و ه
َ ّ ِ ِ َ ْ َ ُ ل بال نا م آ لوا َ
قا } ، بهم العذاب وقوع عاينوا : أي { سَنا ما َرأْوا ب َأ َ } فَل َ ّ
ن { أي :وحدوا الله وكفروا بالطاغوت ،ولكن حيث كي َ شرِ ِ م ْما ك ُّنا ب ِهِ ُ فْرَنا ب ِ َ وَك َ َ
قال العثرات ،ول تنفع المعذرة .وهذا كما قال فرعون حين أدركه الغرق : ل تُ َ
ن{ ْ َ سَراِئي َ ّ َ َ
مي َ سل ِ ِ
م ْن ال ُ م َل وَأَنا ِ ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْمن َ ْ
ذي آ َ ه ِإل ال ِ ه ل إ ِل َ ت أن ّ ُ من ْ ُ }آ َ
ل وَك ُن ْ َ
ت ت قَب ْ ُ صي ْ َ ن وَقَد ْ عَ َ ]يونس ، [90 :قال الله ]تبارك و[ ) (2تعالى } :آل َ
ن { ]يونس [91 :أي :فلم يقبل الله منه ؛ لنه قد استجاب دي َ س ِ ف ِ م ْن ال ْ ُ م َ ِ
حّتى مُنوا َ م َفل ي ُؤْ ِ ُ َ
شد ُد ْ عَلى قُلوب ِهِ ْ لنبيه موسى دعاءه عليه حين قال َ } :وا ْ
م ي َكُ َ
م { ]يونس .[88 :و]هكذا[ ) (3هاهنا قال } :فَل ْ ب الِلي َ ذا َ ي ََرُوا ال ْعَ َ
ْ َ
عَبادِهِ { أي :هذا ت ِفي ِ خل َ ْ ة الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ سن ّ َ
سَنا ُ ما َرأْوا ب َأ َ م لَ ّ مان ُهُ ْ م ِإي َ فعُهُ ْ ي َن ْ َ
ن تاب عند معاينة العذاب :أنه ل يقبل ؛ ولهذا جاء م ْ حكم الله في جميع )َ (4
في الحديث " :إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" ) (5أي :فإذا غرغر
سَر خ ِ وبلغت الروح الحنجرة ،وعاين الملك ،فل توبة حينئذ ؛ ولهذا قال } :وَ َ
ن{ كافُِرو َ ك ال ْ َ هَُنال ِ َ
آخر تفسير "سورة غافر ) ، (6ولله الحمد والمنة.
__________
) (1في أ " :رسلهم".
) (2زيادة من س ،أ.
) (3زيادة من س ،أ.
) (4في أ " :في جميع عباده".
) (5رواه الترمذي في السنن برقم ) (3537وابن ماجه في السنن برقم )
(4253من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
) (6في س " :المؤمن".
) (7/160
) (7/161
) (7/162
حد ّث ْ ُ
ت أن عتبة بن قَرظي قال ُ :
حدثني يزيد بن زياد ،عن محمد بن كعب ال ُ
ربيعة -وكان سيدا -قال يوما وهو جالس في نادي قريش ،ورسول الله
صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده :يا معشر قريش أل أقوم
إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها ،فنعطيه أّيها شاء
ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة ،ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم يزيدون ويكثرون ،فقالوا :بلى يا أبا الوليد ،فقم إليه فكلمه )
.(1فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا
طة في العشيرة ،والمكان في س َ ابن أخي ،إنك منا حيث قد علمت من ال ّ
النسب ،وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ،فرقت به جماعتهم ،وسفهت به
أحلمهم ،وعبت به آلهتهم ودينهم ،وكفرت به من مضى من آبائهم ،فاسمع
مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها .قال :فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :قل يا أبا الوليد ،أسمع" .قال :يا ابن
ت به من ) (2هذا المر مال جمعنا لك من أخي ،إن كنت إنما تريد ُ بما جئ َ
أموالنا حتى تكون من أكثرنا أموال ) .(3وإن كنت تريد به شرفا سودناك
علينا ،حتى ل نقطع أمًرا دونك .وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا .وإن
كان هذا الذي يأتيك َرئ ِّيا تراه ل تستطيع رده عن نفسك ،طلبنا لك الطب ،
وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ،فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى
داَوى منه -أو كما قال له -حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه يُ َ
وسلم يستمع منه قال " :أفرغت يا أبا الوليد ؟" قال :نعم .قال " :فاستمع
ن
م َل ِمني" قال :أفعل .قال } :بسم الله الرحمن الرحيم .حمَ .تنزي ٌ
ذيًرا
شيًرا وَن َ ِن .ب َ ِ قوْم ٍ ي َعْل َ ُ
مو َ ه قُْرآًنا عََرب ِّيا ل ِ َ
ت آَيات ُ ُ صل َ ْ ب فُ ّ
م .ك َِتا ٌ
حي ِ ن الّر ِ م ِ
ح َ
الّر ْ
َ َ
ن { ثم مضى رسول الله صلى الله عليه مُعو َ س َم ل يَ ْم فَهُ ْ ض أك ْث َُرهُ ْ
فَأعَْر َ
وسلم فيها يقرؤها عليه .فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره
معتمدا عليهما يسمع منه ،ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
السجدة منها ،فسجد ثم قال " :قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ،فأنت
وذاك ) (4فقام عتبة إلى أصحابه ،فقال بعضهم لبعض :أقسم -يحلف )(5
بالله -لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به .فلما جلس إليهم
قالوا :ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال :ورائي أني قد سمعت قول والله ما
سمعت مثله قط ،والله ما هو بالسحر ول بالشعر ول بالكهانة .يا معشر
قريش ،أطيعوني واجعلوها لي ،خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه ،
ن لقوله الذي سمعت نبأ ،فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم فوالله ليكون َ ّ
ه ملككم ،وعزه عزكم ،وكنتم أسعد الناس ُ
ملك ُْ ،وإن يظهر على العرب ف ُ
به .قالوا :سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه! قال :هذا رأيي فيه ،فاصنعوا ما
بدا لكم ).(6
وهذا السياق أشبه من الذي قبله ،والله أعلم.
__________
) (1في أ " :وكلمه".
) (2في أ " :في".
) (3في س " :مال".
) (4في أ " :وحالك".
) (5في س " :نحلف".
) (6انظر السيرة النبوية لبن هشام ).(1/293
) (7/163
شر مث ْل ُك ُم يوحى إل َ َ َ
موا إ ِل َي ْهِ قي ُ حد ٌ َفا ْ
ست َ ِ ه َوا ِم إ ِل َ ٌما إ ِل َهُك ُ ْ
ي أن ّ َِ ّ ْ ُ َ ما أَنا ب َ َ ٌ ِ قُ ْ
ل إ ِن ّ َ
م
خَرةِ هُ ْ م ِباْل َ ِ كاةَ وَهُ ْ ن الّز َ ن َل ي ُؤُْتو َ ن ) (6ال ّ ِ
ذي َ كي َ
شرِ ِ م ْل ل ِل ْ ُ فُروهُ وَوَي ْ ٌست َغْ ِ َوا ْ
ن )(8 َ َ َ ُ َ ّ َ
مُنو ٍ م ْ
جٌر غي ُْر َ مأ ْ ت لهُ ْ حا ِ صال ِ َملوا ال ّ مُنوا وَعَ ِنآ َ ذي َ ن ال ِ ن ) (7إ ِ ّكافُِرو َ
شر مث ْل ُك ُم يوحى إل َ َ َ
موا إ ِل َي ْهِ قي ُ ست َ ِ حد ٌ َفا ْ ه َوا ِ م إ ِل َ ٌ ما إ ِل َهُك ُ ْ ي أن ّ َ ِ ّ ْ ُ َ ما أَنا ب َ َ ٌ ِ ل إ ِن ّ َ } قُ ْ
م
خَرةِ هُ ْ م ِبال ِ ن الّزكاةَ وَهُ ْ َ ن ل ي ُؤُْتو َ ذي َ ّ
ن ) (6ال ِ كي َ شرِ ِ م ْ ْ
ل ل ِل ُ فُروهُ وَوَي ْ ٌ ست َغْ ِ َوا ْ
ن ){ (8 َ َ َ ُ ّ َ
مُنو ٍ م ْ جٌر غي ُْر َ مأ ْ ت لهُ ْ حا ِ صال ِ َ ملوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن ال ِ ن ) (7إ ِ ّ كافُِرو َ
شٌر ما أَنا ب َ َ َ يقول تعالى } :قُ ْ
ل { يا محمد لهؤلء المكذبين المشركين } :إ ِن ّ َ
مث ْل ُك ُم يوحى إل َ َ
حد ٌ { ل كما تعبدونه ) (1من الصنام ه َوا ِ م إ ِل َ ٌ ما إ ِل َهُك ُ ْ ي أن ّ َ ِ ّ ْ ُ َ ِ
موا إ ِلي ْهِ { أي : َ قي ُ ست َ ِ َ
والنداد والرباب المتفرقين ،إنما الله إله واحد } ،فا ْ
أخلصوا له العبادة على منوال ما أمركم به على ألسنة الرسل ،
ن { أي :دمار لهم كي َ شرِ ِ م ْ ل ل ِل ْ ُ فُروه ُ { أي :لسالف الذنوب } ،وَوَي ْ ٌ ست َغْ ِ } َوا ْ
وهلك عليهم ،
كاة َ { قال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس :يعني : ن الّز َ ن ل ي ُؤُْتو َ ذي َ } ال ّ ِ
الذين ل يشهدون أن ل إله إل الله .وكذا قال عكرمة.
َ
ها { ]الشمس : سا َ ن دَ ّ م ْ ب َ خا َ ها وَقَد ْ َ كا َ ن َز ّ م ْ ح َ وهذا كقوله تعالى } :قَد ْ أفْل َ َ
صّلى { ]العلى : َ
م َرب ّهِ فَ َ س َ كى وَذ َك ََر ا ْ ن ت ََز ّ م ْ ح َ ، [10 ، 9وكقوله } :قَد ْ أفْل َ َ
َ
كى { ] النازعات [ 18 :والمراد ن ت ََز ّ ك إ َِلى أ ْ ل لَ َ ل هَ ْ ق ْ ، [15 ، 14وقوله } فَ ُ
بالزكاة هاهنا :طهارة النفس من الخلق الرذيلة ،ومن أهم ذلك طهارة
النفس من الشرك .وزكاة المال إنما سميت زكاة لنها تطهره من الحرام ،
وتكون سببا لزيادته وبركته وكثرة نفعه ،وتوفيقا إلى استعماله في الطاعات.
دينون كاة َ { أي :ل ي َ ِ ن الّز َ ن ل ي ُؤُْتو َ ذي َ ن ال ّ ِ كي َ شرِ ِ م ْ ل ل ِل ْ ُ وقال السدي } :وَوَي ْ ٌ
بالزكاة.
وقال معاوية بن قرة :ليس هم من أهل الزكاة.
وقال قتادة :يمنعون زكاة أموالهم.
وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين ،واختاره ابن جرير .وفيه نظر ؛ لن
إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة ،على ما
ذكره غير واحد وهذه الية مكية ،اللهم إل أن يقال :ل يبعد أن يكون أصل
هق ُ ح ّ الزكاة الصدقة كان مأمورا به في ابتداء البعثة ،كقوله تعالى َ } :وآُتوا َ
صادِهِ { ]النعام ، [141 :فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما ب َّين ح َ م َ ي َوْ َ
أمرها بالمدينة ،ويكون هذا جمعا بين القولين ،كما أن أصل الصلة كان
واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة ،فلما كان ليلة
السراء قبل الهجرة بسنة ونصف ،فرض الله على رسوله ]صلى الله عليه
وسلم[ ) (2الصلوات الخمس ،وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد
ذلك ،شيئا فشيئا ،والله أعلم.
َ َ ُ
ن{ مُنو ٍ م ْ جٌر غي ُْر َ َ مأ ْ ت لهُ ْ حا ِ صال ِ َ ملوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ ثم قال بعد ذلك } :إ ِ ّ
دا { َ
ن ِفيهِ أب َ ً ماك ِِثي َ قال مجاهد وغيره :ل مقطوع ول مجبوب ) ، (3كقوله َ } :
ذوذ ٍ { ]هود .[108 : ج ُ طاًء غَي َْر َ
م ْ ]الكهف ، [3 :وكقوله تعالى } عَ َ
وقال السدي :غير ممنون عليهم .وقد رد عليه بعض الئمة هذا التفسير ،
ن فإن المنة لله على أهل الجنة ؛ قال الله تعالى } :بل الل ّه يمن عَل َيك ُ َ
مأ ْ ْ ْ ُ َ ُ ّ َ ِ
ه عَل َي َْنا ن الل ُّ َ ّ م َ ف } : ن { ]الحجرات ، [17 :وقال أهل الجنة ما ِ م ِللي َ داك ُ ْ هَ َ
موم ِ { ]الطور ، [27 :وقال رسول الله صلى الله عليه س ُب ال ّ ذا َ وَوََقاَنا عَ َ
وسلم " :إل أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".
__________
) (1في س " :يعبدونه".
) (2زيادة من س ،أ.
) (3في أ " :غير مقطوع ول محسوب".
) (7/164
) (7/165
ض ضهُ ْ َ
م عَلى ب َعْ ٍ ل ب َعْ ُ ذلك ول يتساءلون ،ثم في النفخة الخرى } وَأ َقْب َ َ
ن{ ساَءُلو َ ي َت َ َ
ديًثا { ،فإن الله يغفر ح ِه َ ّ
ن الل َ مو َ ن { } َول ي َك ْت ُ ُ كي َ شرِ ِ م ْ ما ك ُّنا ُوأما قوله َ } :
لهل الخلص ذنوبهم فقال المشركون :تعالوا نقول " :لم نكن مشركين" ،
فيختم على أفواههم ،فتنطق أيديهم ،فعند ذلك يعرف ) (1أن الله ل يكتم
فُروا { الية ]الحجر .[2 : ن كَ َذي َ حديثا ،وعنده } ي َوَد ّ ال ّ ِ
وخلق الرض في يومين ،ثم خلق السماء ،ثم استوى إلى السماء ،
حُيها :أن أخرج منها الماء حى الرض ،ود َ ْ فسواهن في يومين آخرين ،ثم د َ َ
والمرعى ،وخلق الجبال والجماد والكام وما بينهما في يومين آخرين ،فذلك
خِلقت الرض وما فيها ن { فَ ُ مي ْ ِ ض ِفي ي َوْ َ خل َقَ الْر َ ها { وقوله } َ حا َقوله } :د َ َ
من شيء في أربعة أيام ،وخلقت السماوات في يومين.
ما { ]النساء ، [96 :سمى نفسه بذلك ،وذلك قوله ، حي ً فوًرا َر ِ ه غَ ُ ن الل ّ ُ كا َ} وَ َ
أي :لم يزل كذلك ؛ فإن الله لم يرد شيئا إل أصاب به الذي أراد ،فل يختلفن
عليك القرآن ،فإن كل من عند الله عز وجل.
قال البخاري :حدثنيه يوسف بن عدي ،حدثنا عبيد الله بن عمرو ،عن زيد
سة ) ، (2عن المنهال -هو ابن عمرو -بالحديث ).(3 ُ
بن أبي أن َي ْ َ
ن { يعني :يوم الحد ويوم الثنين. مي ْ ِ
ض ِفي ي َوْ َ خل َقَ الْر َ فقوله َ } :
ك ِفيَها { أي :جعلها مباركة قابلة للخير ن فَوْقَِها وََباَر َ م ْ ي ِ س َل ِفيَها َرَوا ِ جعَ َ } وَ َ
َ
وات ََها { ،وهو :ما يحتاج ) (4أهلها إليه من والبذر والغراس } ،وَقَد َّر ِفيَها أقْ َ
الرزاق والماكن التي تزرع وتغرس ،يعني :يوم الثلثاء والربعاء ،فهما مع
واًء َ َ
س َ
اليومين السابقين أربعة ؛ ولهذا قال تعالى ِ } :في أْرب َعَةِ أّيام ٍ َ
ن { أي :لمن أراد السؤال عن ذلك ليعلمه. سائ ِِلي َِلل ّ
وات ََها { جعل في كل أرض ما ْ َ َ
وقال مجاهد وعكرمة في قوله } :وَقد َّر ِفيَها أق َ
ل يصلح في غيرها ،ومنه :العصب باليمن ،والسابري بسابور والطيالسة
بالّري.
ن { أي سائ ِِلي َواًء ِلل ّس َوقال ابن عباس ،وقتادة ،والسدي في قوله تعالى َ } :
:لمن أراد السؤال عن ذلك.
َ َ َ
ن { أي سائ ِِلي َواًء ِلل ّس َ وقال ابن زيد :معناه } وَقَد َّر ِفيَها أق َ
وات ََها ِفي أْرب َعَةِ أّيام ٍ َ ْ
:على وفق مراد من له حاجة إلى رزق أو حاجة ،فإن الله قدر له ما هو
محتاج إليه.
َ
سأل ْت ُ ُ
موه ُ { ما َل َ ن كُ ّ م ْ وهذا القول يشبه ما ذكروه في قوله تعالى َ } :وآَتاك ُ ْ
م ِ
]إبراهيم ، [34 :والله أعلم.
ن { ،وهو :بخار الماء المتصاعد خا ٌي دُ َماِء وَهِ َ وى إ َِلى ال ّ
س َ ست َ َ وقوله } :ث ُ ّ
ما ْ
منه حين خلقت الرض ،
__________
) (1في أ " :عرفوا".
) (2في أ " :شيبة".
) (3صحيح البخاري )" (8/556فتح".
) (4في س " :ما تحتاج".
) (7/166
ها { أي :استجيبا لمري ،وانفعل لفعلي عا أ َوْ ك َْر ًض ا ِئ ْت َِيا ط َوْ ًل لَها وَِللْر ِ
قا َ َ } فَ َ
طائعتين أو مكرهتين.
قال الثوري ،عن ابن جريج ،عن سليمان بن موسى ،عن مجاهد ،عن ابن
ها { قال : عا أ َوْ ك َْر ً
ض ا ِئ ْت َِيا ط َوْ ً قا َ َ
ل لَها وَِللْر ِ عباس في قوله ]تعالى[ ) } (1فَ َ
قال الله تعالى للسموات :أطلعي شمسي وقمري ونجومي .وقال للرض :
ن{ طائ ِِعي َشققي أنهارك ،وأخرجي ثمارك .فقالتا } :أ َت َي َْنا َ
واختاره ابن جرير -رحمه الله.
ن { أي :بل نستجيب لك مطيعين بما فينا ،مما تريد خلقه طائ ِِعي َ} َقال ََتا أ َت َي َْنا َ
من الملئكة والنس والجن جميعا مطيعين ) (2لك .حكاه ابن جرير عن بعض
أهل العربية قال :وقيل :تنزيل لهن معاملة من يعقل بكلمهما.
وقيل ) (3إن المتكلم من الرض بذلك هو مكان الكعبة ،ومن السماء ما
يسامته منها ،والله أعلم.
وقال الحسن البصري :لو أبيا عليه أمره لعذبهما عذابا يجدان ألمه .رواه ابن
أبي حاتم.
ن { أي :ففرغ من تسويتهن سبع سموات مي ْ ِ
ت ِفي ي َوْ َ وا ٍ م َ س َ سب ْعَ َ ن َ ضاهُ ّ ق َ } فَ َ
في يومين ،أي :آخرين ،وهما يوم الخميس ويوم الجمعة.
ها { أي :ورتب مقررا في كل سماء ما تحتاج مَر َ َ حى ِفي ك ُ ّ َ
ماٍء أ ْ س َ ل َ } وَأوْ َ
ماَء
س َ
إليه من الملئكة ،وما فيها من الشياء التي ل يعلمها إل هو } ،وََزي ّّنا ال ّ
ح { وهن الكواكب المنيرة المشرقة على أهل الرض ، صاِبي َم َ الد ّن َْيا ب ِ َ
فظا { أي :حرسا من الشياطين أن تستمع إلى المل العلى. ً ح ْ} وَ ِ
زيزِ العَِليم ِ { أي :العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره ْ ْ
ديُر العَ ِ ق ِ َ
} ذ َل ِك ت َ ْ
،العليم بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم.
قال ابن جرير :حدثنا هَّناد بن السري ،حدثنا أبو بكر بن عياش ،عن أبي
سعيد ) (4البقال ،عن عكرمة ،عن ابن عباس -قال هناد :قرأت سائر
الحديث -أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق
السماوات والرض ،فقال " :خلق الله الرض يوم الحد ويوم الثنين ،وخلق
الجبال يوم الثلثاء وما فيهن من منافع ،وخلق يوم الربعاء الشجر والماء
َ والمدائن والعمران والخراب ،فهذه أربعة } :قُ ْ َ
ق
خل َذي َ ن ِبال ّ ِفُرو َم ل َت َك ْ ُ
ل أئ ِن ّك ُ ْ
الرض في يومين وتجعُلون ل َ َ
ي
س َل ِفيَها َرَوا ِ جعَ َ ن وَ َ مي َ ب ال َْعال َ ِ ك َر ّداًدا ذ َل ِ َ ه أن ْ ََ ُ َ ْ َ ْ ِ ََ ْ َ ْ َ ِ
َ َ ْ َ َ َ
ن { لمن لي ئ سا لل ً ءوا
ْ ََ ِ ّ ٍ َ َ ِ ّ ِِ َ س م يا أ ة ع ب ر أ في ها
َ ََ ِ توا ق أ ها في رد ق
ِ َ َ َّ ِ َ و ها في ك ن فَوْقِ َ َ َ َ
ر با و ها م ْ
ِ
سأل ،قال " :وخلق يوم الخميس السماء ،وخلق يوم الجمعة النجوم
والشمس والقمر والملئكة إلى ثلث ساعات بقيت منه ،فخلق في أول
ساعة من هذه الثلثة الجال ،حين يموت من مات ،وفي الثانية ألقى الفة
على كل شيء مما ينتفع به الناس ،وفي الثالثة آدم ،وأسكنه الجنة ،وأمر
إبليس بالسجود له ،وأخرجه منها في آخر ساعة" .ثم قالت اليهود :ثم ماذا
يا محمد ؟ قال " :ثم استوى على العرش" .قالوا :قد أصبت لو أتممت!
قالوا :
__________
) (1زيادة من س.
) (2في س " :مطيعون".
) (3في س ،أ " :ويقال".
) (4في س " :سعد".
) (7/167
ق ْ َ فَإ َ
مجاَءت ْهُ ُ مود َ ) (13إ ِذ ْ َ عادٍ وَث َ ُ قةِ َ ع َ صا ِ ل َ مث ْ َ ة ِ ق ًع َصا ِ م َ ل أن ْذ َْرت ُك ُ ْ ضوا فَ ُ ن أعَْر ُ ِ ْ
لشاَء َرب َّنا َل َن َْز َ ه َقاُلوا ل َوْ َ دوا إ ِّل الل َّ ب ع ت ل ّ خل ْفهم أ َ ن م و م ه دي ي ل من بين أ َ ُ س
ُْ ُ َ ِ ْ ِ َ ِ
ْ َْ ِ ْ ِ ْ َ ْ ِ ِ الّر ُ
َ ْ َ ْ ُ
ر
ض ب ِغَي ْ ِ ست َكب َُروا ِفي َالْر ِ
عاد ٌ َفا ْ ْ ما َ ن ) (14فَأ ّ كافُِرو َ م ب ِهِ َ سلت ُ ْ ما أْر ِ ة فَإ ِّنا ب ِ َ مَلئ ِك َ ً َ
م ه ن م د َ
ش أ و ُ ه م ه َ ق َ ل خَ ذي ّ ل ا ه ّ ل ال ن شد منا قُوة ً أ َول َم يروا أ َ َ ال ْحق وَقاُلوا من أ َ
ُ ْ ْ ِ ّ ُ ْ َ ِ َ ّ َ ْ َ ْ َ ّ ّ ِ ّ َ ْ ّ َ َ
كانوا بآ َيات ِنا يجحدون ) (15فَأ َرسل ْنا عَل َيهم ريحا صرصرا في أ َ َ
ٍ م يا ّ ِ َ ْ َ ً ً ِ ْ ِ ْ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ ِ ُ قُوّة ً وَ
م لَ َ َ ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا وَلعَ َ ْ ْ م عَ َ
خَزى وَهُ ْ خَرةِ أ ْ ب ال ِ ذا ُ ي ِفي ال َ خْز ِ ب ال ِ ذا َ قهُ ْ ذي َ ت ل ِن ُ ِ سا ٍ ح َ نَ ِ
َ ْ َ ْ َ
خذ َت ْهُ ْ
م دى فَأ َ مى عَلى الهُ َ حّبوا العَ َ ست َ َ م َفا ْ مود ُ فَهَد َي َْناهُ ْ ما ث َ ُ ن ) (16وَأ ّ صُرو َ ي ُن ْ َ
َ
مُنوا وَكاُنوا َ ّ ْ َ ْ ْ
ة العَ َ
نآ َ ذي َ جي َْنا ال ِ ن ) (17وَن َ ّ سُبو َ ما كاُنوا ي َك ِ ن بِ َ ب الُهو ِ ذا ِ ق ُ ع َ صا ِ َ
ن )(18 قو َ ي َت ّ ُ
قد ْثم استراح .فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ،فنزل } :وَل َ َ
َ
صب ِْربَ.فا ْ ن ل ُُغو ٍ
م ْ
سَنا ِم ّ ما َست ّةِ أّيام ٍ وَ َ
ما ِفي ِ ما ب َي ْن َهُ َض وَ َ ت َوالْر َ وا ِم َس َ قَنا ال ّ خل َ ْ
َ
ن { ]ق .(1) [ 38 : قولو َُ ما ي َ ُ
عَلى َ َ
هذا الحديث فيه غرابة .فأما حديث ابن جريج ،عن إسماعيل بن أمية ،عن
أيوب بن خالد ،عن عبد الله بن رافع ،عن أبي هريرة قال :أخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيدي فقال " :خلق الله التربة يوم السبت ،وخلق فيها
الجبال يوم الحد ،وخلق الشجر يوم الثنين ،وخلق المكروه يوم الثلثاء ،
وخلق النور يوم الربعاء ،وبث فيها الدواب يوم الخميس ،وخلق آدم بعد
العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة ،فيما بين
العصر إلى الليل" فقد رواه مسلم ،والنسائي في كتابيهما ،عن حديث ابن
جريج ،به ) .(2وهو من غرائب الصحيح ،وقد عَّلله البخاري في التاريخ فقال
:رواه بعضهم عن أبي هريرة ]رضي الله عنه[ ) (3عن كعب الحبار ،وهو
الصح.
َ َ
م
جاَءت ْهُ ُمود َ ) (13إ ِذ ْ َعادٍ وَث َ ُقةِ َ ع َ
صا ِل َ مث ْ َ
ة ِ
ق ً
ع َ صا ِم َ ل أن ْذ َْرت ُك ُ ْ ضوا فَ ُ
ق ْ ن أعَْر ُ } فَإ ِ ْ
ه َقاُلوا ل َوْ َ خل ْفه َ ل من بي َ
لشاَء َرب َّنا لنز َ دوا ِإل الل ّ َ م أل ت َعْب ُ ُ ن َ ِ ِ ْ ْ م
م وَ ِ ديهِ ْ ن أي ْ ِ س ُ ِ ْ َْ ِ الّر ُ
ْ َ َ َ َ ْ ُ َ َ
ض ب ِغَي ْرِ ست َكب َُروا ِفي َالْر ِ عاد ٌ فا ْ ما َ ن ) (14فأ ّ
َ
م ب ِهِ كافُِرو َ
َ
سلت ُ ْ ما أْر ِ
َ
ة فإ ِّنا ب ِ َ ملئ ِك ً َ
م
من ْهُ ْ َ
م هُوَ أشد ّ ِ قهُ ْ خل َ َ ذي َ ّ
ه ال ِ ّ
ن الل َ م ي ََرْوا أ ّ َ
مّنا قوّة ً أوَل ْ ُ ن أشد ّ ِ َ م ْ ُ
حقّ وَقالوا َ َ ال َ ْ
كانوا بآيات ِنا يجحدون ) (15فَأ َرسل ْنا عَل َيهم ريحا صرصرا في أ َ َ
م يا
ِْ ْ ِ ً َ ْ َ ً ِ َ ّ ٍ ْ َ َ قُوّ ً َ ُ ِ َ َ َ ْ َ ُ َ و ة
مل خَزى وَهُ ْ خَرةِ أ ْ ب ال ِ ذا ُحَياةِ الد ّن َْيا وَل َعَ َ ي ِفي ال ْ َ خْز ِ ب ال ْ ِ ذا َ م عَ َ قهُ ْ ذي َ ت ل ِن ُ ِ سا ٍ ح َ نَ ِ
َ َ
خذ َت ْهُ ْ
م دى فَأ َ مى عََلى ال ْهُ َ حّبوا ال ْعَ َ ست َ َم َفا ْ مود ُ فَهَد َي َْناهُ ْ ما ث َ ُ ن ) (16وَأ ّ صُرو َ ي ُن ْ َ
كاُنوامُنوا وَ َ نآ َ ذي َ ّ
جي َْنا ال ِ ن ) (17وَن َ ّ سُبو َ كاُنوا ي َك ْ ِ ما َ ن بِ َ ب الُهو ِ ْ ذا ِ ة العَ َْ ق ُ ع َ صا ِ َ
ن ){ (18 قو َ ي َت ّ ُ
يقول تعالى :قل يا محمد لهؤلء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق
:إن أعرضتم عما جئتكم به من عند الله فإني أنذركم حلول نقمة الله بكم ،
ة
ق ِع َ صا ِ ل َ مث ْ َ
ة ِ ق ً ع َصا ِ كما حلت بالمم الماضين من المكذبين بالمرسلين } َ
مود َ { أي :ومن شاكلهما ) (4ممن فعل كفعلهما. عاد ٍ وَث َ ُ َ
ْ َ س ُ
م { ]الحقاف ، [21 :كقوله فهِ ْ خل ِ ن َ م ْ م وَ ِ ديهِ ْ ن أي ْ ِ ن ب َي ْ ِ م ْ ل ِ م الّر ُ جاَءت ْهُ ُ } إ ِذ ْ َ
َ َ َ َ َ ُ
ه
ن ي َد َي ْ ِ ن ب َي ْ ِم ْ ت الن ّذ ُُر ِ خل ِ ف وَقد ْ َ قا ِ ح َ ه ِبال ْ م ُعاد ٍ إ ِذ ْ أن ْذ ََر قوْ َ خا َ تعالى َ } :واذ ْكْر أ َ
فهِ { ]الحقاف [21 :أي :في القرى المجاورة لبلدهم ،بعث الله خل ْ ِ ن َ م ْ وَ ِ
إليهم الرسل
__________
) (1تفسير الطبري ) (24/31ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم 878
والحاكم في المستدرك ) (2/543من طريق هناد به ،وقال الحاكم صحيح
السناد وتعقبه الذهبي فقال :أبو سعيد البقال قال ابن معين :ل يكتب
حديثه".
) (2صحيح مسلم برقم ) (2789والنسائي في السنن الكبرى برقم )
.(11010
) (3زيادة من ت.
) (4في أ " :شاكلهم".
) (7/168
يأمرون بعبادة الله وحده ل شريك له ،ومبشرين ومنذرين ورأوا ما أحل الله
بأعدائه من النقم ،وما ألبس ) (1أولياءه من النعم ،ومع هذا ما آمنوا ول
ة { أي :لو ملئ ِك َ ً ل َ شاَء َرب َّنا لنز َ صدقوا ،بل كذبوا وجحدوا ،وقالوا } :ل َوْ َ
ُ
م ب ِهِ { أي : سل ْت ُ ْما أْر ِ أرسل الله رسل ) (2لكانوا ملئكة من عنده } ،فَإ ِّنا ب ِ َ
ن { أي :ل نتبعكم وأنتم بشر مثلنا. كافُِرو َ أيها البشر } َ
عاد ٌ َفا ْ ْ َ
ق[ { ) (3أي : ح ّ ض ]ب ِغَي ْرِ ال َ ست َ َكبَرُوا ِفي الْر ِ قال الله تعالى } :فَأ ّ
ما َ
مّنا قُوّة ً { أي :منوا بشدة تركيبهم شد ّ ِ نأ َ م ْ ُ
بغوا وعتوا وعصوا } ،وََقالوا َ
ذي ّ ّ َ َ َ
ه ال ِ
ن الل َ
م ي ََرْوا أ ّ وقواهم ،واعتقدوا أنهم يمتنعون به من بأس الله! } أوَل ْ
م قُوّة ً { أي :أفما يتفكرون ) (4فيمن يبارزون بالعداوة ؟ من ْهُ ْ
شد ّ ِ م هُوَ أ َ َقهُ ْخل َ َ
َ
فإنه العظيم الذي خلق الشياء وركب فيها قواها الحاملة لها ،وإن بطشه
َ
ن { ]الذاريات : سُعو َ مو ِ ها ب ِأي ْد ٍ وَإ ِّنا ل َ ُ
ماَء ب َن َي َْنا َ
س َشديد ،كما قال تعالى َ } :وال ّ
، [47فبارزوا الجبار بالعداوة ،وجحدوا بآياته وعصوا رسوله ،فلهذا قال :
َ
صًرا { قال بعضهم :وهي الشديدة الهبوب. صْر َحا َ م ِري ً سل َْنا عَل َي ْهِ ْ
} فَأْر َ
وقيل :الباردة .وقيل :هي التي لها صوت.
والحق أنها متصفة بجميع ذلك ،فإنها كانت ريحا شديدة قوية ؛ لتكون
عقوبتهم من جنس ما اغتروا به من قواهم ،وكانت باردة شديدة البرد جدا ،
عات ِي َةٍ { ]الحاقة ، [ 6 :أي :باردة شديدة ، صرٍ َ صْر َ ريٍح َ كقوله تعالى } :ب ِ ِ
وكانت ذات صوت مزعج ،ومنه سمي النهر المشهور ببلد المشرق "صرصرا
) (5لقوة صوت جريه.
َ وقوله ِ } :في أ َّيام ٍ ن َ ِ
ة أّيام ٍ مان ِي َ َ ل وَث َ َ سب ْعَ ل ََيا ٍت { أي :متتابعات َ } ، سا ٍ ح َ
مّر { ]القمر ، [19 : ست َ ِم ْ س ُ ح ٍ ما { ] الحاقة ، [ 7 :كقوله } ِفي ي َوْم ِ ن َ ْ سو ً ح ُ ُ
أي :ابتدئوا بهذا العذاب في يوم نحس عليهم ،واستمر بهم هذا النحس سبع
ليال وثمانية أيام حتى أبادهم عن آخرهم ،واتصل بهم خزي الدنيا بعذاب
ب حَياةِ الد ّن َْيا وَل َعَ َ
ذا ُ ي ِفي ال ْ َ خْز ِب ال ْ ِ م عَ َ
ذا َ قهُ ْ
ذي َالخرة ؛ ولهذا قال تعالى } :ل ِن ُ ِ
ن { أي :في صُرو َ م ل ي ُن ْ َ خَزى { ]أي[ ) (6أشد خزيا لهم } ،وَهُ ْ خَرةِ أ َ ْ ال ِ
الخرى ) ، (7كما لم ينصروا في الدنيا ،وما كان لهم من الله من واق يقيهم
العذاب ويدرأ عنهم النكال.
َ
م { قال ابن عباس ،وأبو العالية ،وسعيد بن مود ُ فَهَد َي َْناهُ ْ ما ث َ ُ وقوله } :وَأ ّ
جبير ،وقتادة ،والسدي ،وابن زيد :بينا لهم ).(8
وقال الثوري :دعوناهم.
دى { أي :بصرناهم ،وبينا لهم ،ووضحنا لهم مى عََلى الهُ َ
ْ حّبوا ال ْعَ َ ست َ َ} َفا ْ
الحق على لسان نبيهم صالح صلى الله عليه وسلم ) ، (9فخالفوه وكذبوه ،
َ
خذ َت ْهُ ْ
م وعقروا ناقة الله التي جعلها آية وعلمة على صدق نبيهم } ،فَأ َ
ن { أي :بعث الله عليهم صيحة ورجفة وذل وهوانا ب ال ُْهو ِ ذا ِ ة ال ْعَ َ ق ُ ع َ
صا َِ
ن { أي :من التكذيب والجحود. ُ َ بو س
ِ ْ ك َ ي نواُ َ
كا ماِ َ ب } ونكال وعذابا
__________
) (1في س " :ألبس الله".
) (2في ت " :رسول".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4في ت ،س " :أفما يفكرون" ،وفي أ " :فيما يتفكرون".
) (5في ت ،س " :صرصر".
) (6زيادة من أ.
) (7في ت " :الخرة".
) (8في ت " :وسعيد بن جبير وغيرهم".
) (9في ت ،س " :عليه السلم".
) (7/169
ويوم يح َ َ
ها َ
شهِد َ جاُءو َ حّتى إ َِذا َ
ما َ ن )َ (19 عو َ م ُيوَز ُ داُء الل ّهِ إ َِلى الّنارِ فَهُ ْ شُر أعْ َ ََ ْ َ ُ ْ
عَل َيهم سمعهم وأ َ
ن )(20 مُلو َ
َ ْ عَ ي نوا
ُ َ
كا ما ب
ْ ِ َم ُ هُ د ُ
لو ج
ُ و م ُ هر صا ب
ِْ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ َ
ْ ُ
) (7/170
و
يٍء وَهُ َ ش ْ ل َ ذي أ َن ْط َقَ ك ُ ّ ه ال ّ ِ قَنا الل ّ ُ م عَل َي َْنا َقاُلوا أ َن ْط َ َ شهِد ْت ُ ْ م َ م لِ َ جُلودِهِ ْ وََقاُلوا ل ِ ُ
َ م أ َوّ َ
شهَد َ عَل َي ْك ُ ْ
م ن يَ ْ نأ ْ ست َت ُِرو َ م تَ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ ن ) (21وَ َ جُعو َ مّرةٍ وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ ل َ قك ُ ْخل َ َ َ
َ َ ّ َ َ َ ُ َ َ َ
ما
م ّ م ك َِثيًرا ِ ه ل ي َعْل ُ ن الل َ مأ ّ ن ظن َن ْت ُ ْ م وَلك ِ ْ جلود ُك ُ ْ م وَل ُ صاُرك ُ ْ م وَل أب ْ َ معُك ُ ْ س ْ َ
ن م م ت ح ب ص َ أ َ ف م ُ كدا ر َ أ م ُ ك ب ر ب م ت ن نَ ظ ذي ّ لا م ُ ك ن َ ظ م ُ ك لَ ذ و ( 22 ) ن ُ
لو م
َ ِ ْ ُ ْ َ ْ ْ َ ْ ْ ّ ْ َِ ُ ْ َ ِ ُ ّ ْ ِ َ َ ت َعْ َ
ن
م َ م ِ ما هُ ْ ست َعْت ُِبوا فَ َ ن يَ ْ م وَإ ِ ْ وى لهُ ْ َ مث ْ ً صب ُِروا َفالّناُر َ ن يَ ْ ن ) (23فَإ ِ ْ ري َ س ِ خا ِ ال ْ َ
ن )(24 معْت َِبي َ ال ْ ُ
يءٍ ش ْ ل َ ذي أ َن ْط َقَ ك ُ ّ ه ال ّ ِ قَنا الل ّ ُ م عَل َي َْنا َقاُلوا أ َن ْط َ َ شهِد ْت ُ ْ م َ م لِ َ جُلودِهِ ْ } وََقاُلوا ل ِ ُ
َ َ
مشهَد َ عَل َي ْك ُ ْ ن يَ ْ نأ ْ ست َت ُِرو َ م تَ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ ن ) (21وَ َ جُعو َ مّرةٍ وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ ل َ م أوّ َ قك ُ ْ خل َ َ وَهُوَ َ
َ ّ َ َ َ ُ َ
ما م ّ م ك َِثيًرا ِ ه ل ي َعْل ُ ن الل َ مأ ّ ن ظن َن ْت ُ ْ م وَلك ِ ْ جلود ُك ُ ْ م َول ُ صاُرك ُ ْ م َول أب ْ َ معُك ُ ْ س ْ َ
ن م م ت ح ب ص َ أَ ف م ُ ك دا ر َ أ م ُ ك ب ر ب م ت ن نَ ظ ذي ّ ل ا م ُ ك ن َ ظ م ُ ك لَ ذ و ( 22 ) ن لوُ م
َ ِ ْ ُ ْ َ ْ ْ َ ْ ْ ّ ْ َِ ُ ْ َ ِ ُ ّ ْ ِ َ َ ت َعْ َ
نم َ م ِ ما هُ ْ ست َعْت ُِبوا فَ َ ن يَ ْ م وَإ ِ ْ وى لهُ َْ مث ْ ً صب ُِروا َفالّناُر َ ن يَ ْ ن ) (23فَإ ِ ْ ري َ س ِ خا ِ ال ْ َ
ن ){ (24 معْت َِبي َ ال ْ ُ
َ
ن { أي :اذكر عو َ م ُيوَز ُ داُء الل ّهِ إ َِلى الّنارِ فَهُ ْ شُر أعْ َ ح َ م يُ ْ يقول تعالى } :وَي َوْ َ
ن { ،أي :تجمع عو َ لهؤلء المشركين يوم يحشرون إلى النار )ُ } (1يوَز ُ
م
جهَن ّ َ ن إ ِلى َ َ مي َ جرِ ِ م ْ ْ
سوقُ ال ُ الزبانية أولهم على آخرهم ،كما قال تعالى } :وَن َ ُ
وِْرًدا { ]مريم ، [86 :أي :عطاشا.
ممعُهُ ْ س ْ م َ َ
شهِد َ عَلي ْهِ ْ ها { أي :وقفوا عليها َ } ، جاُءو َ ما َ حّتى إ َِذا َ وقوله َ } :
ن { ) (2أي :بأعمالهم مما قدموه ُ َ ُ َ
ملو َ ما كاُنوا ي َعْ َ م بِ َ جلود ُهُ ْ م وَ ُ صاُرهُ ْ وَأب ْ َ
وأخروه ،ل ي ُك َْتم منه حرف.
م عَل َي َْنا { أي :لموا أعضاءهم وجلودهم حين شهِد ْت ُ ْ م َ م لِ َ جُلودِهِ ْ } وََقاُلوا ل ِ ُ
َ َ
ذي أن ْط َ َ
ق ه ال ّ ِ قَنا الل ّ ُ شهدوا عليهم ،فعند ذلك أجابتهم العضاء َ } :قاُلوا أن ْط َ َ
مّرةٍ { أي :فهو ل يخالف ول يمانع ،وإليه ل َ م أ َوّ َ قك ُ ْ خل َ َ يٍء وَهُوَ َ ش ْ ل َ كُ ّ
ترجعون.
قال الحافظ أبو بكر البزار :حدثنا محمد بن عبد الرحيم ،حدثنا علي بن قادم
مك َْتب ،عن الشعبي ) ، (3عن أنس بن مالك ، ،حدثنا شريك ،عن عبيد ال ُ
رضي الله عنه ،قال :ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم
وتبسم ) ، (4فقال " :أل تسألوني عن أي شيء ضحكت ؟" قالوا :يا رسول
الله من أي شيء ضحكت ؟ قال " :عجبت من مجادلة العبد ربه يوم
القيامة ،يقول :أي ربي ،أليس وعدتني أل تظلمني ؟ قال :بلى فيقول :
ي شاهدا إل من نفسي .فيقول الله تبارك وتعالى :أو ليس فإني ل أقبل عل ّ
كفى بي شهيدا ،وبالملئكة الكرام الكاتبين ؟! قال :فيردد هذا الكلم
دا
مرارا" .قال " :فيختم على فيه ،وتتكلم أركانه بما كان يعمل ،فيقول ُ ْ ً
ع ب :
سحقا ،عنكن كنت أجادل". نو ُ لك ُ ّ
ثم رواه ) (5هو وابن أبي حاتم ،من حديث أبي عامر السدي ،عن الثوري ،
مك َْتب ،عن ُفضيل بن عمرو ،عن الشعبي ) (6ثم قال " :ل نعلم عبيد ال ُ عن ُ
رواه عن أنس غير الشعبي" .وقد أخرجه مسلم
__________
) (1في ت ،أ " :جهنم".
) (2في ت " :يكسبون" وهو خطأ.
) (3في ت " :وروى الحافظ أبو بكر البزار بإسناده".
) (4في أ " :أو تبسم".
) (5في ت " :ورواه".
) (6ورواه ابن أبي الدنيا في التوبة برقم ) (18من طريق مهران بن أبي
عمر عن سفيان الثوري بنحوه.
) (7/170
والنسائي جميعا عن أبي بكر بن أبي النضر ،عن أبي النضر ،عن عَُبيد الله
بن عبد الرحمن الشجعي ،عن الثوري به ) .(1ثم قال النسائي " :ل أعلم
أحدا رواه عن الثوري غير الشجعي" .وليس كما قال كما رأيت ،والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا أحمد بن إبراهيم ،حدثنا إسماعيل بن
حميد بن هلل قال :قال أبو ب ُْرَدة :قال أبو عُّلية ،عن يونس ابن عُب َْيد ،عن ُ
موسى :ويدعى الكافر والمنافق للحساب ،فيعرض عليه ربه -عز وجل -
عمله ،فيجحد ويقول :أي رب ،وعزتك لقد كتب على هذا الملك ما لم
أعمل! فيقول له الملك :أما عملت كذا ،في يوم كذا ،في مكان كذا ؟
خِتم على فيقول :ل وعزتك ،أي رب ما عملته] .قال[ ) (2فإذا فعل ذلك ُ
فيه -قال الشعري :فإني لحسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى.
وقال الحافظ أبو يعلى :حدثنا ُزهَْير حدثنا حسن ،عن ابن ل َِهيعة :قال د َّراج
عن أبي الهيثم ) (3عن أبى سعيد الخدري ،عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " :إذا كان يوم القيامة عُّرف الكافر بعمله ،فجحد وخاصم ،فيقال :
هؤلء جيرانك ،يشهدون عليك ؟ فيقول :كذبوا .فيقول :أهلك ]و[ )(4
عشيرتك ؟ فيقول :كذبوا .فيقول :احلفوا فيحلفون ،ثم يصمتهم الله
وتشهد عليهم ألسنتهم ،ويدخلهم النار" ).(5
وقال ابن أبي حاتم :وحدثنا أبي ،حدثنا أحمد بن إبراهيم ،حدثنا عبد الصمد
صبْيح أبي بن عبد الوارث :سمعت أبي :حدثنا علي بن زيد ،عن مسلم بن ُ
ضحى ،عن ابن عباس :أنه قال لبن الزرق :إن يوم القيامة يأتي على ال ّ
الناس منه حين ،ل ينطقون ول يعتذرون ول يتكلمون حتى يؤذن لهم ،ثم
يؤذن لهم فيختصمون ،فيجحد الجاحد بشركه بالله ،فيحلفون له كما
يحلفون لكم ،فيبعث الله عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم ،جلودهم
وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم ،ويختم على أفواههم ،ثم يفتح لهم الفواه
خل َ َ
قك ُ ْ
م يٍء وَهُوَ َ ش ْ ل َذي أ َن ْط َقَ ك ُ ّ ه ال ّ ِ
قَنا الل ّ ُفتخاصم الجوارح ،فتقول } :أ َن ْط َ َ
ن { فتقر اللسنة بعد الجحود. جُعو َ مّرةٍ وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ
ل َ أ َوّ َ
وقال ) (6ابن أبي حاتم :حدثنا عبدة بن سليمان ،حدثنا ابن المبارك ،حدثنا
صفوان بن عمرو ،عن عبد الرحمن بن جبير الحضرمي ،عن رافع أبي
الحسن -وصف رجل جحد -قال :فيشير الله إلى لسانه ،فيربو في فمه )
(7حتى يمله ،فل يستطيع أن ينطق بكلمة ،ثم يقول لرابه ) (8كلها :
تكلمي واشهدي عليه .فيشهد عليه سمعه وبصره وجلده ،وفرجه ويداه
ورجله :صنعنا ،عملنا ،فعلنا.
م ْ
وقد تقدم أحاديث كثيرة ،وآثار عند قوله تعالى في سورة يس } :الي َوْ َ
َ َ َ
ن { ]يس : كاُنوا ي َك ْ ِ
سُبو َ ما َ جل ُهُ ْ
م بِ َ شهَد ُ أْر ُ م وَت َ ْ ديهِ ْ م وَت ُك َل ّ ُ
مَنا أي ْ ِ واهِهِ ْ م عََلى أفْ َ خت ِ ُ
نَ ْ
، [65بما أغنى عن إعادته هاهنا.
__________
) (1صحيح مسلم برقم ) ، (2969والنسائي في السنن الكبرى برقم )
.(11653
) (2زيادة من أ.
) (3في ت " :وقال الحافظ أبو يعلى بإسناده".
) (4زيادة من أ.
) (5مسند أبي يعلى ) ، (5262ودراج عن أبي الهيثم ،ضعيف.
) (6في ت " :وروى".
) (7في ت ،س ،أ " :فيه".
) (8في أ " :لركانه".
) (7/171
وقال ابن أبي حاتم -رحمه الله : -حدثنا أبي ،حدثنا سويد بن سعيد ،حدثنا
خث َْيم ،عن أبي الزبير ) ، (1عن جابر بن سَليم الطائفي ،عن ابن ُ يحيى بن ُ
عبد الله قال :لما رجعت إلى النبي ) (2صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر
قال " :أل تحدثون بأعاجيب ) (3ما رأيتم بأرض الحبشة ؟" فقال فتية منهم :
بلى يا رسول الله ،بينا ) (4نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من عجائز
رهابينهم ،تحمل على رأسها قلة من ماء ،فمرت بفتى منهم فجعل إحدى
يديه بين كتفيها ،ثم دفعها فخرت على ركبتيها ،فانكسرت قلتها .فلما
در ،إذا وضع الله الكرسي ، ارتفعت التفتت إليه فقالت :سوف تعلم يا غُ َ
وجمع الولين والخرين ،وتكلمت اليدي والرجل بما كانوا يكسبون ،فسوف
تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا ؟ قال :يقول رسول الله صلى الله عليه
ت ]و[ ) (5صدقت ،كيف ُيقدس الله قوما ل يؤخذ لضعيفهم صد َقَ ْ وسلم َ " :
من شديدهم ؟".
هذا حديث غريب من هذا الوجه .ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الهوال :
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال :أخبرنا يحيى بن سليم ،به )(6
َ وقوله } :وما ك ُنتم تستت ِرو َ
م َول ُ
صاُرك ْم َول أب ْ َ معُك ُ ْ س ْم َ شهَد َ عَل َي ْك ُ ْ ن يَ ْنأ ْ ُْ ْ َ ْ َ ُ َ َ َ
م { أي :تقول لهم العضاء والجلود حين يلومونها على الشهادة عليهم جُلود ُك ُ ْ ُ
:ما كنتم تتكتمون ) (7منا الذي كنتم تفعلونه بل كنتم تجاهرون الله بالكفر
والمعاصي ،ول تبالون منه في زعمكم ؛ لنكم كنتم ل تعتقدون أنه يعلم
جميع أفعالكم ؛ ولهذا قال } :ول َكن ظ َننت َ
مُلو َ
ن ما ت َعْ َ
م ّ ه ل ي َعْل َ ُ
م ك َِثيًرا ِ ن الل ّ َمأ ّ َُْ ْ َ ِ ْ
م { أي :هذا الظن الفاسد -وهو م أ َْرَداك ُْ م ب َِرب ّك ُ ْ ذي ظ َن َن ْت ُ ْ م ال ّ ِم ظ َن ّك ُ ُ وَذ َل ِك ُ ْ
اعتقادكم أن الله ل يعلم كثيرا مما تعملون -هو الذي أتلفكم وأرداكم عند
َ
ن { أي :في مواقف القيامة خسرتم ري َ س ِخا ِ ن ال ْ َ م َ م ِ
حت ُ ْ ربكم } ،فَأ ْ
صب َ ْ
أنفسكم وأهليكم.
قال المام أحمد -رحمه الله : -حدثنا أبو معاوية ،حدثنا العمش ،عن
عمارة ،عن عبد الرحمن ابن يزيد ) ، (8عن عبد الله قال :كنت مستتًرا
بأستار الكعبة فجاء ثلثة نفر :قرشي ،وختناه ثقفيان -أو ثقفي وختناه
قرشيان -كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم ،فتكلموا بكلم لم أسمعه ،
فقال أحدهم :أترون أن الله يسمع كلمنا هذا ؟ فقال الخر :إنا إذا رفعنا
أصواتنا سمعه ) ، (9وإذا لم نرفعه لم يسمعه ،فقال الخر :إن سمع منه
شيئا سمعه كله .قال :فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ،فأنزل الله
َ عز وجل } :وما ك ُنتم تستت ِرو َ
صاُرك ُ ْ
م َول معُك ُ ْ
م َول أب ْ َ س ْ شهَد َ عَل َي ْك ُ ْ
م َ ن يَ ْ
نأ ْ ُْ ْ َ ْ َ ُ َ َ َ
ن{ ري َس ِخا ِ ْ
ن ال َم َ
م { إلى قوله ِ } : جُلود ُك ُ ْ ُ
وكذا رواه الترمذي عن هناد ،عن أبي معاوية ،بإسناده نحوه ) .(10وأخرجه
أحمد ومسلم والترمذي أيضا ،من حديث سفيان الثوري ،عن العمش ،عن
عمارة بن عمير ،عن وهب بن ُ
__________
) (1في ت " :وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
) (2في أ " :رسول الله".
) (3في ت " :بأعجب".
) (4في ت ،س ،أ " :بينما".
) (5زيادة من أ.
) (6الهوال لبن أبي الدنيا برقم ) (243ورواه ابن ماجه في السنن برقم )
(4010حدثنا سويد بن سعيد فذكره .قال البوصيري في زوائد ابن ماجه :
"هذا إسناد حسن ،سويد مختلف فيه".
) (7في أ " :تكتمون".
) (8في ت " :رواه المام أحمد بإسناده".
) (9في ت " :يسمعه".
) (10المسند ) (1/381وسنن الترمذي برقم ).(3249
) (7/172
ربيعة ،عن عبد الله بن مسعود ،رضي الله عنه ،بنحوه ) .(1ورواه البخاري
ومسلم أيضا ،من حديث السفيانين ،عن منصور ،عن مجاهد ،عن أبي
خبرة ،عن ابن مسعود به ).(2 س ْ
معمر عبد الله بن َ
وقال عبد الرزاق :أخبرنا معمر ،عن بهز بن حكيم ،عن أبيه ،عن جده ،
َ
م َول معُك ُ ْ س ْ م َ شهَد َ عَل َي ْك ُ ْ ن يَ ْ عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله } :أ ْ
َ
ما على أفواهكم بالفدام ، فد ّ ً م َعون ُ م { قال " :إنكم ُتد َ جُلود ُك ُ ْ م َول ُ صاُرك ُ ْ أب ْ َ
فأول شيء يبين ) (3عن أحدكم فخذه وكفه )." (5) (4
َ
م { ثم ُ
م أْرَداك ْ ُ
م ب َِرب ّك ْ ذي ظ َن َن ْت ُ ْ م ال ّ ِ م ظ َن ّك ُ ُ قال معمر :وتل الحسن } :وَذ َل ِك ُ ْ
قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :قال الله أنا مع عبدي عند
ظنه بي ،وأنا معه إذا دعاني" ثم أفتّر الحسن ينظر في هذا فقال :أل إنما
عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم ،فأما المؤمن فأحسن الظن بربه
فأحسن العمل ،وأما الكافر والمنافق فأساءا الظن بالله فأساءا العمل .ثم
قال :قال الله تعالى } :وما ك ُنتم تستت ِرو َ
م َول معُك ُ ْ س ْ م َ شهَد َ عَل َي ْك ُ ْ ن يَ ْ نأ ْ ُْ ْ َ ْ َ ُ َ َ َ
َ ُ َ ُ َ ّ ُ َ ُ َ
محت ُْصب َ ْ
ْ أَ ف م
ْ ك داَ ر
ْ ْ أ م ك ّ ب ر ب
ْ َِ م ُ تْ نَ ن ظ ذي ِ ل ا مُ ك ّ ن ظ م { إلى قوله } :وَذ َ ْ
م ك ِ ل صاُرك ُ ْ أب ْ َ
ن{ ري َس ِ
خا ِ ن ال ْ َ م َِ
وقال المام أحمد :حدثنا النضر بن إسماعيل القاص ) - (6وهو أبو المغيرة -
حدثنا ابن أبي ليلى ،عن أبي الزبير ،عن جابر ) (7قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :ل يموتن أحد منكم إل وهو يحسن بالله الظن ،فإن
ذي م ال ّ ِ م ظ َن ّك ُ ُ قوما قد أرداهم سوء ظنهم بالله ،فقال الله تعالى } :وَذ َل ِك ُ ْ
َ ظ َننتم بربك ُ َ
ن { ).(8 ري َ س ِ خا ِ ن ال ْ َ م َ م ِ حت ُ ْ م فَأ ْ
صب َ ْ م أْرَداك ُ ْ َُْ ْ َِ ّ ْ
ن{ معْت َِبي َ ْ
ن ال ُ م َ م ِ ما هُ ْ َ
ست َعْت ُِبوا ف َ ن يَ ْ م وَإ ِ ْ وى لهُ َْ ْ
مث ً َ
صب ُِروا فالّناُر َ ن يَ ْ وقوله } :فَإ ِ ْ
أي :سواء عليهم أصبروا أم لم يصبروا هم في النار ،ل محيد لهم عنها ،ول
خروج لهم منها .وإن طلبوا أن يستعتبوا ويبدوا أعذارا ) (9فما لهم أعذار ،ول
قال لهم عثرات. تُ َ
ست َعْت ُِبوا { أي :يسألوا الرجعة إلى ي
َِ ْ َ ْن إ و } : قوله ومعنى : جرير ابن قال
الدنيا ،فل جواب لهم -قال :وهذا كقوله تعالى إخبارا عنهم َ } :قاُلوا َرب َّنا
ن
مو َ ن عُد َْنا فَإّنا َ
ظال ِ ُ ِ من َْها فَإ ِ ْ
جَنا ِ ن َرب َّنا أ َ ْ
خرِ ْ ضاّلي َ
ما َ قوَت َُنا وَك ُّنا قَوْ ً ت عَل َي َْنا ِ
ش ْ غَل َب َ ْ
ن { ]المؤمنون .[108 - 106 : مو ِ ّ
سُئوا ِفيَها َول ت ُك َل ُ خ َ لا َْقا َ
__________
) (1المسند ) (1/408وصحيح مسلم برقم ) (2775وسنن الترمذي برقم )
.(3249
) (2صحيح البخاري برقم ) ، (4817وصحيح مسلم برقم ).(2775
) (3في أ " :ينطق".
) (4في أ " :وكتفه".
) (5تفسير عبد الرزاق ) ، (2/151والمصنف ) ، (20115ورواه النسائي في
السنن ) (5/4وابن ماجه في السنن برقم ) (2536من طريق عن بهز بن
حكيم بنحوه.
) (6في أ " :القاضي".
) (7في ت " :وروى المام أحمد عن جابر".
) (8المسند ).(3/390
) (9في ت ،أ " :أعذارهم".
) (7/173
) (7/174
ضلَنا { قال :إبليس وابن آدم الذي رضي الله عنه ،في قوله } :ال ّذ َي َ
نأ َ ْ ِ
قتل أخاه.
وهكذا روى حبة العَُرِني عن علي ،مثل ذلك.
وقال السدي ،عن علي :فإبليس يدعو به كل صاحب شرك ،وابن آدم يدعو
به كل صاحب كبيرة ،فإبليس -لعنه الله -هو الداعي إلى كل شر من شرك
فما دونه ،وابن آدم الول .كما ثبت في الحديث " :ما قتلت نفس ظلما إل
كان على ابن آدم الول كفل من دمها ؛ لنه أول من سن القتل" ).(1
َ
مَنا { أي :أسفل منا في العذاب ليكونا أشد ت أقْ َ
دا ِ ح َ جعَل ْهُ َ
ما ت َ ْ وقوله ) } (2ن َ ْ
ن { أي :في الدرك السفل من فِلي َس َن ال ْ م َ ُ
عذابا منا ؛ ولهذا قالوا } :ل ِي َكوَنا ِ
النار ،كما تقدم في "العراف" من سؤال التباع من الله أن يعذب قادتهم
ن { ]العراف [38 : ن ل ت َعْل َ ُ
مو َ ف وَل َك ِ ْضعْ ٌ ل ِ أضعاف عذابهم ،قال } :ل ِك ُ ّ
أي :إنه تعالى قد أعطى كل منهم ما يستحقه من العذاب والنكال ،بحسب
ل الل ّهِ
سِبي ِ
ن َدوا عَ ْ
ص ّ ن كَ َ
فُروا وَ َ ذي َعمله وإفساده ،كما قال تعالى } :ال ّ ِ
ن { ]النحل .[88 : دو َس ُ
ف ِ ما َ
كاُنوا ي ُ ْ ب بِ َ ذاًبا فَوْقَ ال ْعَ َ
ذا ِ م عَ َ
زِد َْناهُ ْ
__________
) (1الحديث أخرجه الجماعة سوى أبي داود ،وانظر تخريجه عند الية 29 :
من سورة المائدة.
) (2في س " :وقولهم".
) (7/175
خاُفوا وََل ة أ َّل ت َ َ مَلئ ِك َ ُ م ال ْ َ ل عَل َي ْهِ ُ موا ت َت َن َّز ُ قا ُ ست َ َ ما ْ ه ثُ ّ ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ ذي َ ن ال ّ ِ إِ ّ
ْ ُ َ ُ ّ ْ َ
حَياةِ م ِفي ال َ ن أوْل َِياؤُك ْ ح ُ ن ) (30ن َ ْ دو َ م ُتوعَ ُ جن ّةِ الِتي كن ْت ُ ْ شُروا ِبال َ حَزُنوا وَأب ْ ِ تَ ْ
ن )(31 ُ َ ُ َ ما ت َ ْ ُ َ َ ْ
عو َ ما ت َد ّ ُ م ِفيَها َ م وَلك ْ سك ْ ف ُ شت َِهي أن ْ ُ م ِفيَها َ خَرةِ وَلك ْ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ
حيم ٍ )(32 فورٍ َر ِ ن غَ ُ م ْ ن ُُزًل ِ
خاُفوا َول ة َأل ت َ َ ملئ ِك َ ُ م ال ْ َ ل عَل َي ْهِ ُ موا ت ََتنز ُ قا ُ ست َ َ ما ْ ه ثُ ّ ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ ذي َ ن ال ّ ِ } إِ ّ
ْ َ ّ ْ َ
ة
حَيا ِ م ِفي ال َ ن أوْل َِياؤُك ُ ْ ح ُ ن ) (30ن َ ْ دو َ م ُتوعَ ُ جن ّةِ الِتي ك ُن ْت ُ ْ شُروا ِبال َ حَزُنوا وَأب ْ ِ تَ ْ
َ َ َ
ن )(31 عو َ ما ت َد ّ ُ م ِفيَها َ م وَلك ُ ْ سك ُ ْ ف ُ شت َِهي أن ْ ُ ما ت َ ْ م ِفيَها َ خَرةِ وَلك ُ ْ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ
حيم ٍ ){ (32 فورٍ َر ِ ن غَ ُ م ْ نزل ِ
موا { أي :أخلصوا العمل قا ُ ست َ َ ما ْ ه ثُ ّ ّ
ن َقالوا َرب َّنا الل ُ ُ ذي َ ّ
ن ال ِ يقول تعالى } :إ ِ ّ
لله ،وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم.
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي :حدثنا الجراح ،حدثنا سلم ) (1بن قتيبة أبو
شِعيري ،حدثنا سهيل ) (2بن أبي حزم ،حدثنا ثابت ) (3عن أنس بن قتيبة ال ّ
ن
مالك قال :قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الية } :إ ِ ّ
موا { قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم ) ، (4فمن قا ُ ست َ َ
ما ْ ه ثُ ّ ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ ذي َال ّ ِ
قالها حتى ) (5يموت فقد ) (6استقام عليها.
وكذا رواه النسائي في تفسيره ،والبزار وابن جرير ،عن عمرو بن علي
الفلس ،عن سلم ) (7بن قتيبة ،به ) .(8وكذا رواه ابن أبي حاتم ،عن
أبيه ،عن الفلس ،به .ثم قال ابن جرير :
حدثنا ابن بشار ،حدثنا عبد الرحمن ،حدثنا سفيان ،عن أبي إسحاق ،عن
عامر بن سعد )(9
__________
) (1في أ " :مسلم".
) (2في أ " :سهل".
) (3في ت " :قال الحافظ أبو يعلى الموصلي بسنده".
) (4في أ " :ثم كفروا".
) (5في ت " :حين".
) (6في ت ،س " :فهو ممن".
) (7في أ " :مسلم".
) (8مسند أبي يعلى ، (06/213والنسائي في السنن الكبرى برقم )
(11470وتفسير الطبري ).(24/73
) (9في أ " :سعيد".
) (7/175
،عن سعيد ) (1بن نمران ) (2قال :قرأت ) (3عند أبي بكر الصديق هذه
موا { قال :هم الذين لم يشركوا قا ُست َ َ
ما ْ ه ثُ ّ ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ ذي َن ال ّ ِ الية } :إ ِ ّ
بالله شيئا.
ثم روي من حديث السود بن هلل قال :قال أبو بكر ،رضي الله عنه :ما
موا { ؟ قال : قا ُ ست َ َ
ما ْ ه ثُ ّ ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ ذي َ ن ال ّ ِ تقولون في هذه الية } :إ ِ ّ
موا { من ذنب .فقال :لقد حملتموها على غير قا ُ ست َ َ ما ْ ه ثُ ّ فقالوا َ } :رب َّنا الل ّ ُ
موا { فلم يلتفتوا إلى إله غيره. قا ُست َ َ
ما ْ ه ثُ ّ المحمل َ } ،قاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ
وكذا قال مجاهد ،وعكرمة ،والسدي ،وغير واحد ).(4
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو عبد الله الظهراني ) ، (5أخبرنا حفص بن عمر
العدني ،عن الحكم بن أبان ،عن عكرمة قال :سئل ابن عباس ) ، (6رضي
ن َقاُلوا َرب َّنا ن ال ّ ِ
ذي َ الله عنهما :أي آية في كتاب الله أرخص ؟ قال قوله } :إ ِ ّ
موا { على شهادة أن ل إله إل الله. قا ُست َ َ
ما ْ الل ّ ُ
ه ثُ ّ
وقال الزهري :تل عمر هذه الية على المنبر ،ثم قال :استقاموا -والله -
لله بطاعته ،ولم يروغوا روغان الثعالب.
موا { قا
َ ت س
ُ ّ ْ َ ُ ا م ُ ث هّ ل ال نا ب
َ َّر لواُ قاَ } : عباس وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن
على أداء فرائضه .وكذا قال قتادة ،قال :وكان الحسن يقول :اللهم أنت
ربنا ،فارزقنا الستقامة.
موا { أخلصوا له العمل والدين. قا ُ ست َ َ ما ْ وقال أبو العالية } :ث ُ ّ
شْيم ،حدثنا يعلى بن عطاء ،عن عبد الله بن وقال المام أحمد :حدثنا هُ َ
سفيان الثقفي ،عن أبيه ) (7؛ أن رجل قال :يا رسول الله مرني بأمر في
السلم ل أسأل عنه أحدا بعدك .قال " :قل آمنت بالله ،ثم استقم" قلت :
فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه.
ورواه النسائي من حديث شعبة ،عن يعلى بن عطاء ،به ).(8
ثم قال المام أحمد :حدثنا يزيد بن هارون ،أخبرنا إبراهيم بن سعد ،حدثني
ابن شهاب ،عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز الغامدي ،عن سفيان )(9
بن عبد الله الثقفي قال :قلت :يا رسول الله ،حدثني بأمر أعتصم به.
قال " :قل ربي الله ،ثم استقم" قلت :يا رسول الله ما أكثر ما تخاف
علي ؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف لسان نفسه ،ثم
قال " :هذا".
وهكذا ) (10رواه الترمذي وابن ماجه ،من حديث الزهري ،به ) .(11وقال
الترمذي :حسن صحيح.
__________
) (1في ت " :رواه ابن جرير عن سعيد".
) (2في أ " :مهران".
) (3في ت " :قرنت".
) (4في ت " :مجاهد وغيره".
) (5في أ " :الطبراني".
) (6في ت " :وروى ابن أبي الدنيا بسنده عن ابن عباس أنه سئل".
) (7في ت " :وروى المام أحمد بسنده".
) (8المسند ) (4/384والنسائي في السنن الكبرى برقم ).(11489
) (9في ت " :وروى أحمد عن سفيان".
) (10في أ " :هكذا وكذا".
) (11المسند ) ، (3/413وسنن الترمذي برقم ) (2410وسنن ابن ماجه
برقم ).(3972
) (7/176
وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي ،من حديث هشام بن عروة ،عن
أبيه ،عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال :قلت :يا رسول الله ،قل لي في
السلم قول ل أسأل عنه أحدا بعدك .قال " :قل آمنت بالله ،ثم استقم"
وذكر تمام الحديث ).(1
ة { قال مجاهد ،والسدي ،وزيد بن أسلم ، َ
ملئ ِك ُ ْ
م ال َ ل عَل َي ْهِ ُ وقوله } :ت ََتنز ُ
خاُفوا { قال مجاهد ،وعكرمة ،وزيد َ
وابنه :يعني عند الموت قائلين } :أل ت َ َ
حَزُنوا { ]أي[ )(2 بن أسلم :أي مما تقدمون عليه من أمر الخرة َ } ،ول ت َ ْ
على ما خلفتموه من أمر الدنيا ،من ولد وأهل ،ومال أو دين ،فإنا نخلفكم
َ
ن { فيبشرونهم بذهاب الشر دو َ م ُتوعَ ُ جن ّةِ ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ شُروا ِبال ْ َ فيه } ،وَأب ْ ِ
وحصول الخير.
وهذا كما في حديث البراء ) ، (3رضي الله عنه " :إن الملئكة تقول لروح
المؤمن :اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ،
اخرجي إلى روح وريحان ،ورب غير غضبان".
وقيل :إن الملئكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم .حكاه ابن جرير
عن ابن عباس ،والسدي.
عة ،حدثنا عبد السلم بن مطهر ،حدثنا وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو ُزْر َ
جعفر بن سليمان :سمعت ثابتا قرأ سورة "حم السجدة" ) (4حتى بلغ :
ة { فوقف فقال : ملئ ِك َ ُ م ال ْ َ
ل عَل َي ْهِ ُموا ت ََتنز ُ قا ُست َ َ ما ْ ه ثُ ّ ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ ذي َ ن ال ّ ِ} إِ ّ
بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله من قبره ،يتلقاه الملكان اللذان كانا
َ
جن ّةِ ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ
م شُروا ِبال ْ َ معه في الدنيا ،فيقولن له :ل تخف ول تحزن } ،وَأب ْ ِ
ن { ) (5قال :فيؤمن الله خوفه ،ويقر عينه فما عظيمة يخشى دو َُتوعَ ُ
الناس يوم القيامة إل هي للمؤمن قرة عين ،لما هداه الله ،ولما كان يعمل
له في الدنيا.
وقال زيد بن أسلم :يبشرونه عند موته ،وفي قبره ،وحين يبعث .رواه ابن
أبي حاتم.
وهذا القول يجمع القوال كلها ،وهو حسن جدا ،وهو الواقع.
وقوله } :نح َ
خَرةِ { أي :تقول الملئكة حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ م ِفي ال ْ َ ن أوْل َِياؤُك ُ ْ َ ْ ُ
للمؤمنين عند الحتضار :نحن كنا أولياءكم ،أي :قرناءكم في الحياة الدنيا ،
نسددكم ونوفقكم ،ونحفظكم بأمر الله ،وكذلك نكون معكم في الخرة
نؤنس منكم الوحشة في القبور ،وعند النفخة في الصور ،ونؤمنكم يوم
البعث والنشور ،ونجاوز بكم الصراط المستقيم ،ونوصلكم إلى جنات
م { أي :في الجنة من جميع ما سك ُ ْ ف ُ شت َِهي أ َن ْ ُ ما ت َ ْ م ِفيَها َ النعيم } .وَل َك ُ ْ
ما
م ِفيَها َ تختارون ) (6مما تشتهيه النفوس ،وتقر به العيون } ،وَل َك ُ ْ
ن { أي :مهما طلبتم وجدتم ،وحضر بين أيديكم ] ،أي[ ) (7كما اخترتم عو َ ت َد ّ ُ
،
حيم ٍ { أي :ضيافة وعطاء وإنعاما من غفور لذنوبكم ، فورٍ َر ِ َ
نغ ُ م ْ } نزل ِ
رحيم بكم رءوف ،حيث غفر ،وستر ،ورحم ،ولطف.
__________
) (1صحيح مسلم برقم ).(38
) (2زيادة من ت ،س ،أ.
) (3حديث البراء سبق تخريجه عند تفسير الية 40 :من سورة العراف إل
أن هذا اللفظ هو لفظ حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو مخرج في نفس
الموضع.
) (4في ت :وروى ابن أبي حاتم عن ثابت أنه قرأ السجدة".
) (5في ت ،س ،أ " :وأبشر" وهو خطأ.
) (6في ت " :تختارونه".
) (7زيادة من ت.
) (7/177
وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديث "سوق الجنة" عند قوله تعالى } :وَل َك ُ ْ
م
حيم ٍ { ،فقال : ن غَ ُ
فورٍ َر ِ م ْ
ن نزل ِ
عو َ
ما ت َد ّ ُ م وَل َك ُ ْ
م ِفيَها َ سك ُ ْف ُشت َِهي أ َن ْ ُ
ما ت َ ْ
ِفيَها َ
حدثنا أبي ،حدثنا هشام بن عمار ،حدثنا عبد الحميد بن حبيب ) (1بن أبي
العشرين أبي سعيد ،حدثنا الوزاعي ،حدثني حسان بن عطية ،عن سعيد
بن المسيب :أنه لقي أبا هريرة ]رضي الله عنه[ ) (2فقال أبو هريرة :
نسأل ) (3الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة .فقال سعيد :أو فيها
سوق ؟ قال :نعم ،أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة
إذا دخلوا فيها ،نزلوا بفضل أعمالهم ،فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة في
أيام الدنيا فيزورون الله ،عز وجل ،ويبرز لهم عرشه ،ويتبدى لهم في
روضة من رياض الجنة ،وتوضع لهم منابر من نور ،ومنابر من لؤلؤ ،ومنابر
من ياقوت ،ومنابر من زبرجد ،ومنابر من ذهب ،ومنابر من فضة ،ويجلس
]فيه[ ) (4أدناهم وما فيهم دنيء على كثبان المسك والكافور ،ما يرون بأن
أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا.
قال أبو هريرة :قلت :يا رسول الله ،وهل نرى ربنا ]يوم القيامة[ ) (5؟
قال " :نعم هل تتمارون ) (6في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟" قلنا :ل.
قال صلى الله عليه وسلم " :فكذلك ل تتمارون في رؤية ربكم تعالى ،ول
يبقى في ذلك المجلس أحد إل حاضره الله محاضرة ،حتى إنه ليقول للرجل
كره ببعض غدراته منهم :يا فلن بن فلن ،أتذكر يوم عملت كذا وكذا ؟ -يذ ّ
في الدنيا -فيقول :أي رب ،أفلم تغفر لي ؟ فيقول :بلى فبسعة مغفرتي
بلغت منزلتك هذه .قال :فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم ،
فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط" .قال :ثم يقول ربنا -
عز وجل : -قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة ،وخذوا ما اشتهيتم" .قال
فت به الملئكة ،فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله ،ولم ح ّ" :فنأتي سوقا قد َ
تسمع الذان ،ولم يخطر على القلوب .قال :فيحمل لنا ما اشتهينا ،ليس
يباع فيه شيء ول يشترى ،وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا".
قال " :فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة ،فيلقى من هو دونه -وما فيهم
دنيء فيروعه ما يرى عليه من اللباس ،فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل
عليه أحسن منه ؛ وذلك لنه ل ينبغي لحد أن يحزن فيها.
حّبنا ،لقد جئت ثم ننصرف إلى منازلنا ،فيتلقانا أزواجنا فيقلن :مرحبا وأهل ب ِ ِ
وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه .فيقول :إنا جالسنا
اليوم ربنا الجبار -عز وجل -وبحقنا أن ننقلب بمثل ) (7ما انقلبنا به".
وقد رواه الترمذي في "صفة الجنة" من جامعه ،عن محمد بن إسماعيل ،
عن هشام بن عمار ،ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار ،به نحوه ) .(8ثم
قال الترمذي :هذا حديث غريب ،ل نعرفه إل من هذا الوجه.
__________
) (1في أ " :الوليد".
) (2زيادة من ت.
) (3في أ " :أسأل".
) (4زيادة من أ.
) (5زيادة من أ.
) (6في ت ،س ،أ " :تمارون".
) (7في أ " :على".
) (8سنن الترمذي برقم ) (2549وسنن ابن ماجه برقم ).(4336
) (7/178
وم َ
ن) مي َ سل ِ ِم ْ ن ال ْ ُ م َ ل إ ِن ِّني ِ حا وََقا َ صال ِ ً
ل َ م َ عا إ َِلى الل ّهِ وَعَ ِ ن دَ َ م ْ م ّ ن قَوًْل ِ س ُح َ نأ ْ َ َ ْ
ذي ب َي ْن َ َ
ك ن فَإَذا ال ِّ س حة ادفَع بال ِّتي هي أ َ َ ئ ي س ال لَ و ة ن س ح ْ لا وي َ
ِ َ ْ َ ُ ِ ّ ّ ُ ْ ْ ِ َ َ َ ُ َ َ ِ َ ْ َ َ (33
ت س ت ل و
ها إ ِّل ُذو قا َ ما ي ُل َ ّ صب َُروا وَ َ ن َ ذي َ ها إ ِّل ال ّ ِ
قا َ ما ي ُل َ ّ
م ) (34وَ َ مي ٌ ح ِ
ي َ ه وَل ِ ّ داوَة ٌ ك َأن ّ ُه عَ َ وَب َي ْن َ ُ
ع
مي ُس ِه هُوَ ال ّ ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ
ن ن َْزغ ٌ َفا ْ طا ِ شي ْ َ ن ال ّ م َ ما ي َن َْزغَن ّ َ
ك ِ ظيم ٍ ) (35وَإ ِ ّ ظ عَ ِ ح ّ َ
م )(36 ا َ ُ
ليِ ع ْ ل
دي ،عن حميد ،عن أنس قال :قال وقال المام أحمد :حدثنا ابن أبي عَ ِ
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ،
ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" .قلنا ) (1يا رسول الله كلنا نكره
ضر جاءه ح ِ الموت ؟ قال " :ليس ذلك كراهية الموت ،ولكن المؤمن إذا ُ
البشير من الله بما هو صائر إليه ،فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد
ضر )(2 ح ِ لقي الله فأحب الله لقاءه" قال " :وإن الفاجر -أو الكافر -إذا ُ
جاءه بما هو صائر إليه من الشر -أو :ما يلقى من الشر -فكره لقاء الله
فكره الله لقاءه".
وهذا حديث صحيح ) ، (3وقد ورد في الصحيح من غير هذا الوجه ).(4
} وم َ
ن
مي َسل ِ ِم ْ ن ال ْ ُ م َ ل إ ِن ِّني ِ حا وََقا َ صال ِ ً ل َ م َ عا إ َِلى الل ّهِ وَعَ ِ ن دَ َ م ْ م ّ ول ِ ن قَ ْ س ُ ح َ نأ ْ َ َ ْ
َ
ذي ب َي ْن َ َ
ك ن فَإ َِذا ال ّ ِ ُ س
َ حْ أ ي
َ ِ ه تي ِ ّ ل با
ِ ْ ع َ فْ د ا ة
ُ َ ئّ ي س
ّ ال ول َ ة
ُ َ ن سَ ح َ ْ لا وي ِ َ ت س
ْ َ ت ول )َ (33
ها ِإل ُذو َ ّ َ َ َ
قا َ ما ي ُل ّ صب َُروا وَ َ ن َ ذي َ ها ِإل ال ِ قا َ ما ي ُل ّ م ) (34وَ َ مي ٌ ح ِ ي َ ه وَل ِ ّ داوَة ٌ كأن ّ ُ ه عَ َ وَب َي ْن َ ُ
ع
مي ُس ِه هُوَ ال ّ ّ
ست َعِذ ْ ِباللهِ إ ِن ّ ُ ن نزغ َفا ْ ٌ َ
شي ْطا ِ ن ال ّ م َ َ
ما َينزغن ّك َِ ظيم ٍ ) (35وَإ ِ ّ ظ عَ ِ ح ّ َ
م ){ (36 العَِلي ُ ْ
عا إ ِلى اللهِ { أي :دعا عباد الله إليه ّ َ ن دَ َ َ َ
م ْ م ّ ول ِ نق ْ س ُ ح َ نأ ْ م ْ يقول تعالى } :وَ َ
ن { أي :وهو في نفسه مهتد بما مي َ سل ِ ِ م ْ ن ال ُْ م َ حا وَقال إ ِن ِّني ِ َ َ صال ِ ً ل َ م َ } ،وَعَ ِ
مت َعَد ٍ ،وليس هو من الذين يأمرون ُ و لزم ولغيره لنفسه فنفعه يقوله ،
بالمعروف ول يأتونه ،وينهون عن المنكر ويأتونه ،بل يأتمر بالخير ويترك
الشر ،ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى .وهذه عامة في كل من دعا
إلى خير ،وهو في نفسه مهتد ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى
الناس بذلك ،كما قال محمد بن سيرين ،والسدي ،وعبد الرحمن بن زيد بن
أسلم.
وقيل :المراد بها المؤذنون الصلحاء ،كما ثبت في صحيح مسلم " :المؤذنون
أطول الناس أعناقا يوم القيامة" ) (5وفي السنن مرفوعا " :المام ضامن ،
والمؤذن مؤتمن ،فأرشد الله الئمة ،وغفر للمؤذنين" ).(6
وقال ) (7ابن أبي حاتم :حدثنا علي بن الحسين ،حدثنا محمد بن عَُروَبة
الهروي ،حدثنا غسان قاضي هراة وقال أبو زرعة :حدثنا إبراهيم بن طهمان
،عن مطر ،عن الحسن ،عن سعد بن أبي وقاص أنه قال " :سهام المؤذنين
عند الله يوم القيامة كسهام المجاهدين ،وهو بين الذان والقامة كالمتشحط
في سبيل الله في دمه".
قال :وقال ابن مسعود " :لو كنت مؤذنا ما باليت أل أحج ول أعتمر ول
أجاهد".
__________
) (1في أ " :قال".
) (2في أ " :احتضر".
) (3المسند ).(3/107
) (4رواه البخاري في صحيحه برقم ) (6507ومسلم في صحيحه برقم )
(2683من طريق قتادة عن أنس عن عبادة بن الصامت بنحو الحديث
المتقدم.
) (5صحيح مسلم برقم ) (387من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله
عنه.
) (6رواه أحمد في مسنده ) (2/232وأبو داود في السنن برقم )(8/5
والترمذي في السنن برقم ).(207
) (7في ت " :وروى".
) (7/179
قال :وقال عمر بن الخطاب :لو كنت مؤذنا لكمل أمري ،وما باليت أل
أنتصب لقيام الليل ول لصيام النهار ،سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول " :اللهم اغفر للمؤذنين" ثلثا ،قال :فقلت :يا رسول الله ،
تركتنا ،ونحن نجتلد على الذان بالسيوف .قال " :كل يا عمر ،إنه يأتي )(1
على الناس زمان يتركون الذان على ضعفائهم ،وتلك لحوم حرمها الله على
النار ،لحوم المؤذنين" ).(2
َ
عا إ َِلى الل ّ ِ
ه ن دَ َ
م ْم ّ ن قَ ْ
ول ِ س ُح َ
نأ ْم ْ
قال :وقالت عائشة :ولهم هذه الية } :وَ َ
ن { قالت :فهو المؤذن إذا قال " :حي مي َ
سل ِ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م َ حا وََقا َ
ل إ ِن ِّني ِ صال ِ ً
ل َ م َوَعَ ِ
على الصلة" فقد دعا إلى الله.
وهكذا قال ابن عمر ،وعكرمة :إنها نزلت في المؤذنين.
وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي ،رضي الله عنه ،أنه قال في قوله :
حا { قال :يعني صلة ركعتين بين الذان والقامة. صال ِ ًل َ م َ
} وَعَ ِ
ثم أورد البغوي حديث "عبد الله بن المغفل" قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :بين كل أذانين صلة" .ثم قال في الثالثة " :لمن شاء" )(3
وقد أخرجه الجماعة في كتبهم ،من حديث عبد الله بن بريدة ،عنه )(4
وحديث الثوري ،عن زيد العمي ،عن أبي إياس معاوية بن قرة ،عن أنس
بن مالك ،رضي الله عنه ،قال الثوري :ل أراه إل وقد رفعه إلى النبي صلى
الله عليه وسلم " :الدعاء ل يرد بين الذان والقامة".
ورواه أبو داود والترمذي ،والنسائي في "اليوم والليلة" كلهم من حديث
الثوري ،به ) .(5وقال الترمذي :هذا حديث حسن.
ورواه النسائي أيضا من حديث سليمان التيمي ،عن قتادة ،عن أنس ،به )
.(6
والصحيح أن الية عامة في المؤذنين وفي غيرهم ،فأما حال نزول هذه الية
فإنه لم يكن الذان مشروعا بالكلية ؛ لنها مكية ،والذان إنما شرع بالمدينة
بعد الهجرة ،حين أريه عبد الله بن زيد بن عبد ربه النصاري في منامه ،
فقصه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأمره أن يلقيه على بلل
فإنه أندى صوتا ،كما هو مقرر في موضعه ،فالصحيح إًذا أنها عامة ،كما
قال عبد الرزاق ،عن معمر ،عن الحسن البصري :أنه تل هذه الية :
} وم َ
ن
مي َسل ِ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م َ حا وََقا َ
ل إ ِن ِّني ِ صال ِ ً
ل َ عا إ َِلى الل ّهِ وَعَ ِ
م َ ن دَ َ
م ْ
م ّ ن قَ ْ
ول ِ س ُ
ح َ
نأ َْ َ ْ
خي ََرة الله ، { فقال :هذا حبيب الله ،هذا ولي الله ،هذا صفوة الله ،هذا ِ
هذا أحب أهل الرض إلى الله ،أجاب الله في دعوته ،ودعا الناس إلى ما
أجاب الله فيه من دعوته ،وعمل صالحا في إجابته ،وقال :
__________
) (1في ت ،س " :سيأتي".
) (2ورواه السماعيلي في مسنده كما في مسند عمر لبن كثير )(1/144
من طريق إبراهيم بن طهمان عن مطر عن الحسن البصري عن عمر به
والحسن لم يسمع من عمر.
) (3معالم التنزيل للبغوي ).(7/174
) (4صحيح البخاري برقم ) (627وصحيح مسلم برقم ) (838وسنن أبي داود
برقم ) (2283وسنن الترمذي برقم ) (185وسنن النسائي ) (2/28وسنن
ابن ماجه برقم ).(1162
) (5سنن أبي داود برقم ) (521وسنن الترمذي برقم ) (212والنسائي في
السنن الكبرى برقم ).(9896
) (6النسائي في السنن الكبرى برقم ).(9899
) (7/180
) (7/181
ر
م ِق َ س َول ل ِل ْ َ م ِش ْدوا ِلل ّ ج ُس ُ
مُر ل ت َ ْ ق َ س َوال ْ َ م ُ ش ْ ل َوالن َّهاُر َوال ّ ن آَيات ِهِ الل ّي ْ ُ م ْ} وَ ِ
ن
ذي َ ّ ْ
ست َكب َُروا َفال ِ نا ْ ن َ ) (37فَإ ِ ِ دو َم إ ِّياه ُ ت َعْب ُ ُ ُ
ن كن ْت ُ ْ ن إِ ْقهُ ّ َ
خل َ ذي َ ّ ّ
دوا ل ِلهِ ال ِ ج ُس َُوا ْ
ن ){ (38 مو َ سأ ُ م ل يَ ْ ل َوالن َّهارِ وَهُ ْ ّ
ه ِباللي ْ ِ َ
نل ُحو َ سب ّ ُ َ
عن ْد َ َرب ّك ي ُ َ
ِ
) (7/182
) (7/182
) (7/183
م { أي :لعجل لهم العذاب ،بل لهم ي ب َي ْن َهُ ْض َق ِالحساب إلى يوم المعاد } ،ل َ ُ
ب { أي :وما كان ري ٍم ِ
ه ُ
من ْ ُ
ك ِ ش ّ في َ م لَ ِموعد لن يجدوا من دونه موئل } وَإ ِن ّهُ ْ
تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا ،بل كانوا شاكين فيما قالوا ) ، (1غير
محققين لشيء كانوا فيه .هكذا وجهه ابن جرير ،وهو محتمل ،والله أعلم.
ظلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ ){ (46ك بِ َ فسه وم َ
ما َرب ّ َساَء فَعَل َي َْها وَ َ نأ َ حا فَل ِن َ ْ ِ ِ َ َ ْ
صال ِ ً
ل َم َ
ن عَ ِ
م ْ
} َ
__________
) (1في ت ،س " :قالوه".
) (7/185
ن أ ُن َْثى
م ْ
ل ِم ُح ِما ت َ ْمَها وَ َ ما ِ
خرج من ث َمرات م َ
ن أك ْ َ
ما ت َ ْ ُ ُ ِ ْ َ َ ٍ ِ ْ ساعَةِ وَ َ م ال ّ عل ْ ُإ ِل َي ْهِ ي َُرد ّ ِ
َ
كاِئي َقاُلوا آذ َّنا َ َ
شِهيد ٍ ) ن َم ْمّنا ِ ما ِ ك َ شَر َ ن ُم أي ْ َ م ي َُناِديهِ ْمهِ وَي َوْ َضعُ إ ِّل ب ِعِل ْ ِ وََل ت َ َ
ص )(48 حي ٍ م ِ ن َ م ْ م ِما ل َهُ ْ ل وَظ َّنوا َ
ن قَب ْ ُ
م ْن ِ عو َكاُنوا ي َد ْ ُما َ م َل عَن ْهُ ْ ض ّ (47وَ َ
) (7/185
َل ي َ
ط ) (49وَل َئ ِ ْ
ن س قَُنو ٌ شّر فَي َُئو ٌ ه ال ّ س ُ م ّ ن َ خي ْرِ وَإ ِ ْ عاِء ال ْ َ ن دُ َ م ْ ن ِ سا ُ م اْل ِن ْ َ سأ ُ َ ْ
ُ َ َ َ َ
ة
م ً ة َقائ ِ َ ساعَ َ ن ال ّ ما أظ ّ ذا ِلي وَ َ ن هَ َ قول ّ ه لي َ ُ ست ْ ُ م ّ ضّراَء َ ن ب َعْد ِ َ م ْ مّنا ِ ة ِ م ً ح َ أذ َقَْناه ُ َر ْ
مُلوا ما عَ ِ فُروا ب ِ َ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ سَنى فَل َن ُن َب ّئ َ ّ ح ْ عن ْد َه ُ ل َل ْ ُ ن ِلي ِ ت إ َِلى َرّبي إ ِ ّ جعْ ُ ن ُر ِ وَل َئ ِ ْ
َ َ َ
جان ِب ِهِ ض وَن َأى ب ِ َ ن أعَْر َ سا ِ مَنا عََلى اْل ِن ْ َ ظ ) (50وَإ َِذا أن ْعَ ْ ب غَِلي ٍ ذا ٍ ن عَ َ م ْ م ِ قن ّهُ ْ ذي َ وَل َن ُ ِ
َ َ
م عن ْدِ الل ّهِ ث ُ ّ ن ِ م ْ ن ِ كا َ ن َ م إِ ْ ل أَرأي ْت ُ ْ ض ) (51قُ ْ ري ٍ عاٍء عَ ِ ذو د ُ َ شّر فَ ُ ه ال ّ س ُ م ّ وَإ َِذا َ
ق َ َ ْ َ ض ّ َ كَ َ
م آَيات َِنا ِفي الفا ِ ريهِ ْ
َ سن ُ ِ ق ب َِعيد ٍ )َ (52
َ قا ٍ ش َ ن هُوَ ِفي ِ
َ
م ْ م ّ ل ِ نأ َ م ْ م ب ِهِ َ
َ
فْرت ُ ْ
يٍء ش ْ ل َ ه عََلى ك ُ ّ ك أن ّ ُ ف ب َِرب ّ َ م ي َك ْ ِ حقّ أوَل َ ْ ه ال ْ َ م أن ّ ُ ن ل َهُ ْ حّتى ي َت َب َي ّ َ م َ سهِ ْ ف ِ وَِفي أن ْ ُ
حيط )(54 ٌ م ِ ه ب ِكل َ ّ ُ َ َ َ َ َ
يٍء ُ ش ْ م أل إ ِن ّ ُ قاِء َرب ّهِ ْ ن لِ َ م ْ مْري َةٍ ِ م ِفي ِ شِهيد ٌ ) (53أل إ ِن ّهُ ْ
}لي َ
ط ) (49وَل َئ ِ ْ
ن س قَُنو ٌ شّر فَي َُئو ٌ ه ال ّ س ُ م ّ ن َ خي ْرِ وَإ ِ ْ عاِء ال ْ َ ن دُ َ م ْ ن ِ سا ُ م الن ْ َ سأ ُ َ ْ
ُ َ َ َ َ
ةم ً ة َقائ ِ َ ساعَ َ ن ال ّ ما أظ ّ ذا ِلي وَ َ ن هَ َ قول ّ ه لي َ ُ ست ْ ُ م ّ ضّراَء َ ن ب َعْد ِ َ م ْ مّنا ِ ة ِ م ً ح َ أذ َقَْناه ُ َر ْ
مُلوا ما عَ ِ فُروا ب ِ َ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ سَنى فَل َن ُن َب ّئ َ ّ ح ْ عن ْد َه ُ ل َل ْ ُ ن ِلي ِ ت إ َِلى َرّبي إ ِ ّ جعْ ُ ن ُر ِ وَل َئ ِ ْ
َ َ َ
جان ِب ِهِ ض وَن َأى ب ِ َ ن أعَْر َ سا ِ مَنا عََلى الن ْ َ ظ ) (50وَإ َِذا أن ْعَ ْ ب غَِلي ٍ ذا ٍ ن عَ َ م ْ م ِ قن ّهُ ْ ذي َ وَل َن ُ ِ
ض ){ (51 ري ٍ عاٍء عَ ِ ذو د ُ َ شّر فَ ُ ه ال ّ س ُ م ّ وَإ َِذا َ
مل النسان من دعائه رّبه بالخير -وهو :المال ،وصحة ّ يقول تعالى :ل ي َ َ
س ُ َ
الجسم ،وغير ذلك -وإن مسه الشر -وهو البلء أو الفقر } -في َئو ٌ
ط { أي :يقع في ذهنه أنه ل يتهيأ له بعد هذا خير. قَُنو ٌ
َ
ذا ِلي { أي :إذا أصابه ن هَ َ قول َ ّ ه ل َي َ ُ ست ْ ُ م ّ ضّراَء َ ن ب َعْد ِ َ م ْ مّنا ِ ة ِ م ً ح َ ن أذ َقَْناه ُ َر ْ } وَل َئ ِ ْ
خير ورزق بعد ما كان في شدة ليقولن :هذا لي ،إني كنت أستحقه عند ربي
َ
ول خ ّ ة { أي :يكفر بقيام الساعة ،أي :لجل أنه ُ م ً ة َقائ ِ َ ساعَ َ ن ال ّ ما أظ ُ ّ } ،وَ َ
ن َ ْ َ نعمة يفخر ،ويبطر ،ويكفر ،كما قال تعالى َ } :
ن لي َطَغى أ ْ سا َ ن الن ْ َ كل إ ِ ّ
ست َغَْنى { ]العلق .[7 ، 6 : َرآهُ ا ْ
م معاد سَنى { أي :ولئن كان ث َ ّ ح ْ ْ
عن ْد َه ُ لل ُ َ ن ِلي ِ ت إ ِلى َرّبي إ ِ ّ َ جعْ ُ ن ُر ِ } وَل َئ ِ ْ
ن إلي ربي ،كما أحسن إلي في هذه الدار ،يتمنى على الله ،عز فلُيحسن َ ّ
فُروا نك َ َ ذي َ ن ال ِ ّ َ
وجل ،مع إساءته العمل وعدم اليقين .قال تعالى } :فَلن ُن َب ّئ َ ّ
ظ { يتهدد تعالى من كان هذا عمله ب غَِلي ٍ ذا ٍ ن عَ َ م ْ م ِ قن ّهُ ْ ذي َ مُلوا وَل َن ُ ِ ما عَ ِ بِ َ
واعتقاده بالعقاب والنكال.
َ َ َ
جان ِب ِهِ { أي :أعرض عن ض وَن َأى ب ِ َ ن أعَْر َ سا ِ مَنا عََلى الن ْ َ ثم قال } :وَإ َِذا أن ْعَ ْ
الطاعة ،واستكبر عن النقياد لوامر الله ،عز وجل ،كقوله تعالى } :فَت َوَّلى
ب ُِرك ْن ِهِ { ]الذاريات .[39 :
ض { أي :يطيل المسألة ري ٍ عاٍء عَ ِ ذو د ُ َ شّر { أي :الشدة } ،فَ ُ ه ال ّ س ُ م ّ } وَإ َِذا َ
في الشيء الواحد فالكلم العريض :ما طال لفظه وقل معناه ،والوجيز :
عاَنا ضّر د َ َ ن ال ّ سا َ س الن ْ َ م َّ عكسه ،وهو :ما قل ودل .وقد قال تعالى } :وَإ َِذا َ
َ َ َ جن ْب ِهِ أ َوْ َقا ِ
ضّر م ي َد ْعَُنا إ ِلى ُ نل ْ مّر ك َأ ْ ضّرهُ َ ه ُ فَنا عَن ْ ُ ش ْ ما ك َ َ ما ) (1فَل َ ّ دا أوْ َقائ ِ ً ع ً لِ َ
ه { ]يونس .[12 : س ُ م ّ َ
فرتم به م َ } قُ ْ َ َ
ققا ٍ ش َ
ن هُوَ ِفي ِ م ْم ّ
ل ِ ض ّنأ َ م كَ َ ْ ُ ْ ِ ِ َ ْ عن ْدِ الل ّهِ ث ُ ّ ن ِ م ْ ن ِ كا َ ن َ م إِ ْ ل أَرأي ْت ُ ْ
فسهم حتى يتبين ل َه َ َ
ق
ح ّ ه ال ْ َ م أن ّ ُق وَِفي أن ْ ُ ِ ِ ْ َ ّ َ َ َ ّ َ ُ ْ م آَيات َِنا ِفي الَفا ِ ريهِ ْ سن ُ ِ ب َِعيد ٍ )َ (52
َ َ َ َ
قاِء ن لِ َ م ْ مْري َةٍ ِم ِفي ِ يٍء شِهيد ٌ ) (53أل إ ِن ّهُ ْ َ َ ّ
ه عَلى كل ش ُْ َ
ف ب َِرب ّك أن ّ ُ م ي َك ْ ِأوَل َ ْ
ط ){ (54 حي ٌ م ِ ل َ ه ب ِك ُ ّ ربه َ
يٍء ُ ش ْ م أل إ ِن ّ ُ َ ِّ ْ
ن إ م ت ييقول تعالى :قل يا محمد لهؤلء المشركين المكذبين بالقرآن } :أ َرأ َ
َ ُْ ْ ِ ْ
م ب ِهِ { أي :كيف ت َُرون حالكم عند م كَ َ
فْرت ُ ْ عن ْدِ الل ّهِ ث ُ ّ ن ِ م ْ ن} ِ قْرآ ُ ذا ال ْ ُ ن { هَ َ كا َ َ
ق ب َِعيد ٍ { ض ّ َ
قا ٍ ش َ ن هُوَ ِفي ِ م ْم ّ ل ِ نأ َم ْالذي أنزله على رسوله ؟ ولهذا قال َ } :
؟
__________
) (1في ت ،س " :أو قائما أو قاعدا" وهو خطأ.
) (7/186
سَلك بعيد من الهدى. م ْ أي :في كفر وعناد ومشاقة للحق ،و َ
َ
م { أي :سنظهر لهم دللتنا سهِ ْ ف ِ ق وَِفي أن ْ ُ م آَيات َِنا ِفي الَفا ِ ريهِ ْ سن ُ ِ ثم قال َ } :
ججنا على كون القرآن حقا منزل من عند الله ،عز وجل ،على رسوله ح َ و ُ
ق { ،من الفتوحات وظهور ِ فا َ ال في ِ } خارجية بدلئل وسلم عليه الله صلى
السلم على القاليم وسائر الديان.
درقال ) (1مجاهد ،والحسن ،والسدي :ودلئل في أنفسهم ،قالوا :وقعة ب َ ْ
حّلت بهم ،نصر الله فيها محمدا ،وفتح مكة ،ونحو ذلك من الوقائع التي َ
حْزَبه. وصحبه ،وخذل فيها الباطل و ِ
ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما النسان مركب منه وفيه وعليه من
المواد والخلط والهيئات العجيبة ،كما هو مبسوط في علم التشريح الدال
على حكمة الصانع تبارك وتعالى .وكذلك ما هو مجبول عليه من الخلق
المتباينة ،من حسن وقبيح وبين ذلك ،وما هو متصرف فيه تحت القدار التي
حَيله ،وحذره أن يجوزها ،ول يتعداها ،كما أنشده ل يقدر بحوله ،وقوته ،و ِ
ابن أبي الدنيا في كتابه "التفكر والعتبار" ،عن شيخه أبي جعفر القرشي :
معْت َب َُر... ك ُ في َ ك فَ ِ معْت ََبراَ ...فانظ ُْر إلي ْ َ ت ُتريد ُ ُ َوإَذا ن َظ َْر َ
موره عب َُر... لأ ُ ح في ...الدنيا وك ُ ّ صب ُ سي وَي ُ ْ م ِ ت الذي ي ُ ْ أن َ
صك الك ِب َُر... َ خ ِ َ
قل ب ِش ْ ّ م است َ َ ُ
ر ...ث ّ صغَ ٍ ن في ِ ف كا َ ت المصّر ُ أن َ
شُر... شعُْر والب َ َ قُته ...ي َْنعاه منه ال ّ ت الذي ت َن َْعاه خل ْ َ أن َ
حذ َُر... ب ال َ سل َ َ ن يُ ْ سَلب ل ...ي ُْنجيه من أ ْ طى وَت ُ ْ ت الذي ت ُعْ َ أن َ
قد َُر... ماله ال َ حقّ مْنه ب ِ َ هَ ...وأ َ شيَء مْنه ل َ ُ ت الذي ل َ أن ْ َ
َ
ه عَلى ك ُ ّ َ َ َ ْ َ َ
يٍءش ْ ل َ ك أن ّ ُ ف ب َِرب ّ َ م ي َك ْ ِ حقّ أوَل ْ ه ال َ م أن ّ ُ ن لهُ ْ حّتى ي َت َب َي ّ َ وقوله تعالى َ } :
شِهيد ٌ { ؟ أي :كفى بالله ) (2شهيدا على أفعال عباده وأقوالهم ،وهو يشهد َ
َ
ما أنز َ
ل ه يَ ْ ّ َ
شهَد ُ ب ِ َ ن الل ُ دا صادق فيما أخبر به عنه ،كما قال } :لك ِ ِ أن محم ً
ْ ْ إل َي َ َ
ن { ]النساء .[166 : دو َ شهَ ُ ة يَ ْ َ
ملئ ِك ُ مهِ َوال َ ه ب ِعِل ِ ك أنزل َ ُ ِ ْ
م { أي :في شك من قيام َ
قاِء َرب ّهِ ْ ن لِ َ م ْ مْري َةٍ ِ م ِفي ِ وقوله } :أل إ ِن ّهُ ْ
الساعة ؛ ولهذا ل يتفكرون فيه ،ول يعملون له ،ول يحذرون منه ،بل هو
عندهم هَد ٌَر ل يعبئون به وهو واقع ل ريب فيه وكائن ل محالة.
قال ابن أبي الدنيا :حدثنا أحمد بن إبراهيم ،حدثنا خلف بن تميم ،حدثنا عبد
صعد المنبر ، الله بن محمد بن سعيد النصاري :أن عمر بن عبد العزيز َ
فحمد الله وأثنى عليه ،ثم قال :أما بعد ،أيها الناس ،فإني لم أجمعكم لمر
أحدثه فيكم ،ولكن فكرت في هذا المر الذي أنتم إليه صائرون ،فعلمت أن
المصدق بهذا المر أحمق ،والمكذب به هالك ثم نزل.
__________
) (1في ت ،أ " :قاله".
) (2في ت " :به".
) (7/187
ومعنى قوله ،رضي الله عنه " :أن المصدق به أحمق" أي :لنه ل يعمل له
عمل مثله ،ول يحذر منه ول يخاف من هوله ،وهو مع ذلك مصدق به موقن
بوقوعه ،وهو مع ذلك يتمادى في لعبه وغفلته وشهواته وذنوبه ،فهو أحمق
بهذا العتبار ،والحمق في اللغة :ضعيف العقل.
وقوله " :والمكذب به هالك" هذا واضح ،والله أعلم.
ثم قال تعالى -مقررا على أنه على كل شيء قدير ،وبكل شيء محيط ،
يٍء ل َه ب ِك ُ ّ َ
ش ْ وإقامة الساعة لديه يسير سهل عليه تبارك وتعالى } : -أل إ ِن ّ ُ
ط { أي :المخلوقات كلها تحت قهره وفي قبضته ،وتحت طي علمه ، حي ٌ
م ِ
ُ
وهو المتصرف فيها كلها بحكمه ،فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن] .آخر
تفسير سورة فصلت[ ).(1
__________
) (1زيادة من ت ،س ،أ.
) (7/188
م
كي ُ زيُز ال ْ َ
ح ِ ه ال ْعَ ِ ك الل ّ ُ ن قَب ْل ِ َ م ْن ِ ذي َ ك وَإ َِلى ال ّ ِ حي إ ِل َي ْ َ ك ُيو ِ حم ) (1عسق ) (2ك َذ َل ِ َ
ي ال ْعَ ِ َْ
كاد ُم ) (4ت َ َ ظي ُ ض وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ ما ِفي الْر ِ ت وَ َ ماَوا ِ س َ ما ِفي ال ّ ه َ) (3ل َ ُ
نفُرو َ ست َغْ ِ م وَي َ ْ مد ِ َرب ّهِ ْ ح ْ ن بِ َحو َ سب ّ ُ ة يُ َ مَلئ ِك َ ُ ن َوال ْ َ ن فَوْقِهِ ّ م ْ ن ِ فط ّْر َ ت ي َت َ َ وا ُ م َ س َال ّ
ه خ ُ ّ ْ ّ َ َ َ ْ
ن ُدون ِ ِ م ْذوا ِ ن ات ّ َ ذي َ م )َ (5وال ِ حي ُ فوُر الّر ِ ه هُوَ الغَ ُ ن الل َ ض أل إ ِ ّ ن ِفي الْر ِ م ْلِ َ
ل )(6 َ َ َ ٌ ّ َ
كي ٍ م ب ِوَ ِ ت عَلي ْهِ ْ ما أن ْ َ م وَ َ فيظ عَلي ْهِ ْ ح ِه َ أوْل َِياَء الل ُ
) (7/189
ينقلبون" قال :فقاف ؟ فسكت فقام أبو ذر ،ففسر كما قال ابن عباس ،
رضي الله عنهما ،وقال :قاف :قارعة من السماء تغشى الناس ).(1
م { أي : كي ُ
ح ِزيُز ال ْ َ
ه ال ْعَ ِ
ك الل ّ ُن قَب ْل ِ َم ْ ن ِ ك وَإ َِلى ال ّ ِ
ذي َ حي إ ِل َي ْ َ ك ُيو ِ وقوله } :ك َذ َل ِ َ
كما أنزل إليك هذا القرآن ،كذلك أنزل الكتب والصحف على النبياء قبلك.
م { في أقواله وأفعاله. كي ُ
ح ِزيُز { أي :في انتقامه } ،ال ْ َ ه ال ْعَ ِوقوله } :الل ّ ُ
قال :المام مالك -رحمه الله -عن هشام بن عُْرَوة عن أبيه ،عن عائشة :
أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا رسول
الله ،كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أحياًنا
عيت ما قال. ي فيفصم عني قد وَ َ جَرس ،وهو أشده عَل َ ّ صل َةِ ال َصل ْ َيأتيني مثل َ
جل فيكلمني ،فأعي ما يقول" قالت عائشة ) (2فلقد وأحيانا يأتيني الملك ر ُ
رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ،فيفصم عنه ،وإن جبينه
صد عرقا. ليتف ّ
أخرجاه في الصحيحين ،ولفظه للبخاري ).(3
وقد ) (4رواه الطبراني عن عبد الله ابن المام أحمد ،عن أبيه ،عن عامر
بن صالح ،عن هشام بن عروة ،عن أبيه ،عن عائشة ،عن الحارث بن
هشام ؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم :كيف ينزل عليك
ت ما قاله" عي ُ م عني وقد و َ الوحي ؟ فقال " :مثل ) (5صلصلة الجرس فيفص ُ
قال " :وهو أشده علي" قال " :وأحيانا يأتيني الملك فيتمثل لي فيكلمني
فأعي ما يقول" ).(6
وقال :المام ) (7أحمد :حدثنا قتيبة ،حدثنا ابن ل َِهيعة ،عن يزيد بن أبي
حبيب ،عن عمرو بن الوليد ،عن عبد الله بن عمرو ) ، (8رضي الله عنهما ،
قال :سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت :يا رسول الله ،هل
تحس بالوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أسمع صلصل ثم
ي إل ظننت أن نفسي ُتقَبض" تفرد أسكت عند ذلك ،فما من مرة يوحى إل ّ
به أحمد ).(9
وقد ذكرنا كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول
شرح البخاري ،بما أغنى عن إعادته هاهنا ،ولله الحمد والمنة.
ض { أي :الجميع عبيد له ما ِفي الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َ س َ ما ِفي ال ّ ه َ وقوله تعالى } :ل َ ُ
م { كقوله تعالى : ظي ُي ال ْعَ ِ
وملك له ،تحت قهره وتصريفه } ،وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ
ي ال ْك َِبيُر { ] سبأ [ 23 :واليات ل { ] الرعد } [9 :وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ مت ََعا ِ } ال ْك َِبيُر ال ْ ُ
في هذا كثيرة.
ن { قال ابن عباس ،والضحاك ، ه ق و َ ف
ْ َ ِ ْ ْ ِ ِ ّ ن م ن ر ّ ط َ ف ت ي ت
ّ َ َ ُ ََ وا م س ال وقوله } :ت َ َ
كا ُ
د
ملئ ِك َ ُ
ة وقتادة ،والسدي ،وكعب الحبار :أي فرًقا ،من العظمة } َوال ْ َ
مُلو َ
ن ح ِ
ن يَ ْ ذي َ ض { كقوله } :ال ّ ِ ن ِفي الْر ِ م ْ ن لِ َ فُرو َ ست َغْ ِم وَي َ ْ مد ِ َرب ّهِ ْ ح ْ ن بِ َ حو َ سب ّ ُ
يُ َ
مُنوا
نآ َ ذي َ ن ل ِل ّ ِفُرو َ ست َغْ ِ
ن ب ِهِ وَي َ ْ
مُنو َم وَي ُؤْ ِ مد ِ َرب ّهِ ْ ح ْ ن بِ َ حو َ سب ّ ُ
ه يُ َ حوْل َ ُ ن َ م ْ ش وَ َ ال ْعَْر َ
ما { ]غافر .[7 : عل ًْ ة وَ ِ م ً ح َ
يٍء َر ْ ش ْ ل َ ت كُ ّ سعْ َ َرب َّنا وَ ِ
__________
) (1ورواه ابن عساكر في تاريخه كما في الدر المنثور ).(7/336
) (2في ت " :عائشة رضي الله عنها".
) (3الموطأ ) (1/202وصحيح البخاري برقم ) (2وصحيح مسلم برقم )
.(2333
) (4في أ " :ولقد".
) (5في أ " :فقال :في مثل".
) (6المعجم الكبير ).(3/259
) (7في ت " :وروى".
) (8في ت :عمر".
) (9المسند ).(2/222
) (7/190
ُ وك َذ َل ِ َ َ
مِع َل ج ْ م ال ْ َحوْل ََها وَت ُن ْذَِر ي َوْ َن َ م ْ
قَرى وَ َ ك قُْرآ ًَنا عََرب ِّيا ل ِت ُن ْذَِر أ ّ
م ال ْ ُ حي َْنا إ ِل َي ْ َ
ك أوْ َ َ
ة
م ً شاَء الل ّه ل َجعل َهم أ ُ َ وَ لو ( 7 ) رعي
ِ س ال في ق ري َ ف و ة ن ج ْ ل ا في ق ري َ ف ه في ب ي َر
ُ ْ ّ َ َ ُ َ ْ ِ ّ ِ َ ِ ٌ ِ ّ َ ِ ِ ٌ ِ ِ َ ْ
ر
صي ٍي وَل ن َ َِ ن وَل ِ ّ م ْ م ِ َ
ما لهُ ْ ن َ مو َ ّ
مت ِهِ َوالظال ِ ُ ح َشاُء ِفي َر ْ ن يَ َ م ْ ل َخ ُ ن ي ُد ْ ِ َ
حد َة ً وَلك ِ ْ َوا ِ
)(8
.
م { إعلم بذلك وتنويه به. ْ ّ َ
حي ُ فوُر الّر ِ ه هُوَ الغَ ُن الل َ وقوله } :أل إ ِ ّ
فيظٌ ّ َ
ح ِ
ه َ
ن ُدون ِهِ أوْل َِياَء { يعني :المشركين } ،الل ُم ْ خ ُ
ذوا ِ ن ات ّ َ
ذي َوقوله َ } :وال ّ ِ
دا ،وسيجزيهم بها أوفر م { أي :شهيد على أعمالهم ،يحصيها ويعدها ع ّ عَل َي ْهِ ْ
َ
ل { أي :إنما أنت نذير والله على كل شيء كي ٍ م ب ِوَ ِ ت عَل َي ْهِ ْ ما أن ْ َ الجزاء } .وَ َ
وكيل.
مِع ج ْ لا م و ي ر ذ ن ت و ها َ لو ح ن م و رى ُ قْ ل ا م ك قُرآنا عَربيا ل ِتنذر أ ُ َ ي َ لإ نا ي ح وك أَ َ } وَك َ ِ
لَ ذ
َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َُْ َِ َ ْ َ َ َ ِّ ُْ َِ ّ ْ ً ْ َ َْ ِ ْ
ُ
ة
م ً مأ ّ جعَل َهُ ْ ه لَ َشاَء الل ّ ُ سِعيرِ ) (7وَل َوْ َ ريقٌ ِفي ال ّ جن ّةِ وَفَ ِ ريقٌ ِفي ال ْ َ ب ِفيهِ فَ ِ ل َري ْ َ
ر
صي ٍ ي َول ن َ ِ ن وَل ِ ّ م ْ م ِ ما ل َهُ ْ ن َمو َ ظال ِ ُمت ِهِ َوال ّ ح َشاُء ِفي َر ْ ن يَ َ م ْ ل َ خ ُ ن ي ُد ْ ِ حد َة ً وَل َك ِ ْ َوا ِ
){ (8
ك قُْرآًنا عََرب ِّيا { أي : َ
حي َْنا إ ِلي ْ َ َ
يقول تعالى :وكما أوحينا إلى النبياء قبلك } ،أوْ َ
حوْلَها { أي :من َ م ال ْ ُ ُ
ن َ م ْ قَرى { وهي مكة } ،وَ َ واضحا جليا بينا } ،ل ِت ُن ْذَِر أ ّ
سائر البلد شرقا وغربا ،وسميت مكة "أم القرى" ؛ لنها أشرف من سائر
البلد ،لدلة كثيرة مذكورة في مواضعها .ومن أوجز ذلك وأدله ما قال )(1
المام أحمد :
ري ،أخبرنا أبو سلمة بن عبد حدثنا أبو اليمان ،حدثنا شعيب ،عن الّزهْ ِ
دي بن الحمراء الزهري أخبره :أنه سمع رسول الرحمن أن عبد الله بن عَ ِ
حْزوََرة في سوق مكة : - الله صلى الله عليه وسلم يقول ) - (2وهو واقف بال َ
ت ُ
ج ُ خرِ ْ "والله ،إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ،ولول أني أ ْ
منك ما خرجت" ).(3
وهكذا رواية الترمذي ،والنسائي ،وابن ماجه ،من حديث الزهري ،به )(4
وقال الترمذي :حسن صحيح.
مِع { ،وهو يوم القيامة ،يجمع الله الولين والخرين ج ْ م ال ْ َ وقوله } :وَت ُن ْذَِر ي َوْ َ
في صعيد واحد.
ب ِفيهِ { أي :ل شك في وقوعه ،وأنه كائن ل محالة .وقوله : وقوله } :ل َري ْ َ
مِع ج ْ ْ
م ل ِي َوْم ِ ال َ ُ
معُك ْ ج َم يَ ْ سِعيرِ { ،كقوله } :ي َوْ َ ريقٌ ِفي ال ّ جن ّةِ وَفَ ِ ريقٌ ِفي ال ْ َ } فَ ِ
ن { ]التغابن [9 :أي :ي َغَْبن أهل الجنة أهل النار ،وكقوله م الت َّغاب ُ ِ ك ي َوْ ُ ذ َل ِ َ
ل
ج ٍ خُرهُ ِإل ل َ ما ن ُؤَ ّ شُهود ٌ وَ َ م ْ م َ ك ي َوْ ٌ س وَذ َل ِ َ ه الّنا ُ موع ٌ ل َ ُ ج ُ م ْ م َ ك ي َوْ ٌ تعالى } :ذ َل ِ َ
ْ
سِعيد ٌ { ]هود - 103 : ي وَ َ ق ّش ِ م َ من ْهُ ْ س ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ فَ ِ ف ٌ م نَ ْ ت ل ت َك َل ّ ُ م ي َأ ِ دودٍ ي َوْ َ معْ ُ َ
.(5) [105
َ
قال ) (6المام أحمد :حدثنا هاشم بن القاسم ،حدثنا لْيث ،حدثني أبو قبيل
ي )(7 ف ّ ش َ المعافري ،عن ُ
__________
) (1في ت " :ما رواه".
) (2في ت " :قال".
) (3المسند ).(4/305
) (4سنن الترمذي برقم ) (3925والنسائي في السنن الكبرى برقم )(4252
وسنن ابن ماجه برقم ).(3108
) (5قبلها في ت ،م ،أ )" :إن في ذلك لية لمن خاف عذاب الخرة(".
) (6في ت " :روى".
) (7في أ " :شقيق".
) (7/191
الصبحي ،عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما -قال :خرج علينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان ،فقال " :أتدرون ما هذان
الكتابان ؟" قال :قلنا :ل إل أن تخبرنا يا رسول الله قال للذي في يده
اليمينى " :هذا كتاب من رب العالمين ،بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم
وقبائلهم ،ثم أجمل على آخرهم -ل يزاد فيهم ول ينقص منهم أبدا" ثم قال
للذي في يساره " :هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ،ثم
أجمل على آخرهم -ل يزاد فيهم ول ينقص منهم أبدا" فقال أصحاب رسول
رغ منهالله صلى الله عليه وسلم :فلي شيء إًذا نعمل إن كان هذا أمر قد فُ ِ
سد ُّدوا وقاربوا ،فإن صاحب ؟ فقال ) (1رسول الله صلى الله عليه وسلم َ " :
عمل ،وإن صاحب النار يختم ل أي َم َ
الجنة يختم له بعمل الجنة ) ، (2وإن عَ ِ
له بعمل النار ) ، (3وإن عمل أي عمل" ثم قال بيده فقبضها ،ثم قال :
"فرغ ربكم عز وجل من العباد" ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال " :فريق في
الجنة" ،ونبذ باليسرى فقال " :فريق في السعير"
وهكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا ،عن قتيبة عن الليث بن سعد وبكر بن
ي بن ماتع ) (4الصبحي ،عن عبد الله ف ّش َمضر ،كلهما عن أبي قبيل ،عن ُ
بن عمرو ،به ).(5
وقال الترمذي :حسن صحيح غريب.
وساقه البغوي في تفسيره من طريق بشر بن بكر ) ، (6عن سعيد بن
عثمان ،عن أبي الزاهرية ،عن عبد الله بن عمرو ،عن النبي صلى الله عليه
وسلم فذكره بنحوه .وعنده زيادات منها :ثم قال " :فريق في الجنة وفريق
في السعير ،عدل من الله عز وجل" ).(7
ورواه ) (8ابن أبي حاتم عن أبيه ،عن عبد الله بن صالح -كاتب الليث -عن
الليث ،به.
ورواه ابن جرير عن يونس ،عن ابن وهب ،عن عمرو بن الحارث ،عن أبي
قَِبيل ،عن شفي ،عن رجل من الصحابة ،فذكره ).(9
وة بن )(10 حي ْ َ
هب ،عن عمرو بن الحارث و َ ثم روي عن يونس ،عن ابن وَ ْ
شَرْيح ،عن يحيى بن أبي أسيد ؛ أن أبا فراس ) (11حدثه :أنه سمع عبد ُ
الله بن عمرو يقول :إن الله لما خلق آدم نفضه نفض المْزَود ) ، (12وأخرج
منه كل ذريته ،فخرج أمثال الن َّغف ،فقبضهم قبضتين ،ثم قال :شقي
وسعيد ،ثم ألقاهما ،ثم قبضهما فقال :فريق في الجنة ،وفريق في السعير
).(13
وهذا الموقوف أشبه بالصواب ،والله أعلم.
__________
) (1في ت ،م " :قال".
) (2في م " :بعمل أهل الجنة".
) (3في م ،ت ،أ " :بعمل أهل النار"
) (4في أ " :رافع".
) (5المسند ) (2/167وسنن الترمذي برقم ) (2141والنسائي في السنن
الكبرى برقم ).(11473
) (6في م " :بكير".
) (7معالم التنزيل للبغوي ).(7/185
) (8في ت " :روى".
) (9تفسير الطبري ).(25/7
) (10في أ " :عن".
) (11في ت " :عن أبي فراس".
) (12في م " :المرود".
) (13تفسير الطبري ).(25/7
) (7/192
وقال المام أحمد ،رحمه الله :حدثنا عبد الصمد ،حدثنا حماد -يعني ابن
سلمة -أخبرنا الجريري ،عن أبي نضرة ،أن رجل من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم يقال له :أبو عبد الله -دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي
،فقالوا له :ما يبكيك ؟ ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم " :خذ
من شاربك ثم أقره حتى تلقاني" قال :بلى ،ولكن سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول " :إن الله قبض بيمينه قبضة ،وأخرى باليد الخرى ،
قال :هذه لهذه ،وهذه لهذه ول أبالي" فل أدري في أي القبضتين أنا ).(1
وأحاديث القدر في الصحاح والسنن والمسانيد كثيرة جدا ،منها حديث علي ،
وابن مسعود ،وعائشة ،وجماعة جمة.
حد َةً { أي :إما على الهداية أو على ة َوا ِ م ً شاَء الل ّه ل َجعل َه ُ وقوله } :وَل َوْ َ
مأ ّ ُ َ َ ُ ْ
الضللة ،ولكنه تعالى فاوت بينهم ،فهدى من يشاء ) (2إلى الحق ،وأضل
ن
م ْ ل َخ ُ من يشاء عنه ،وله الحكمة والحجة البالغة ؛ ولهذا قال } :وَل َك ِ ْ
ن ي ُد ْ ِ
صيرٍ {
ي َول ن َ ِ ن وَل ِ ّم ْ م ِ ما ل َهُ ْ ن َمو َ ظال ِ ُ مت ِهِ َوال ّ ح َشاُء ِفي َر ْ يَ َ
وقال :ابن جرير :حدثني يونس ،أخبرنا ابن وهب ،أخبرني عمرو بن
الحارث ،عن أبي سويد ،حدثه عن ابن حجيرة :أنه بلغه ) (3أن موسى ،
قك الذين ) (4خلقتهم ،جعلت منهم فريقا خل ُ عليه السلم ،قال : :يا رب َ
في الجنة وفريقا في النار ،لو ما أدخلتهم كلهم الجنة ؟! فقال :يا موسى ،
ارفع ذ َْرعك .فرفع ،قال :قد رفعت .قال :ارفع .فرفع ،فلم يترك شيئا ،
قال :يا رب قد رفعت ،قال :ارفع .قال :قد رفعت ،إل ما ل خير فيه.
قال :كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة ،إل ما ل خير فيه.
َ ْ َ } أ َم ِ ات ّ َ
لموَْتى وَهُوَ عَلى ك ُ ّ حِيي ال َ ي وَهُوَ ي ُ ْ ه هُوَ ال ْوَل ِ ّ ن ُدون ِهِ أوْل َِياَء َفالل ّ ُ م ْ ذوا ِ خ ُ
ه َرّبي م الل ّ ُه إ َِلى الل ّهِ ذ َل ِك ُ ُم ُحك ْ ُ
يٍء فَ ُ ش ْ ن َ م ْ م ِفيهِ ِ خت َل َ ْ
فت ُ ْ ما ا ْديٌر ) (9وَ َ يٍء قَ ِ ش ْ َ
ب ){ (10 ُ َ ْ ّ َ
ت وَإ ِلي ْهِ أِني ُ عَلي ْهِ ت َوَكل ُ
__________
) (1المسند ).(4/1769
) (2في أ " :شاء".
) (3في ت " :وروى ابن جرير بسنده".
) (4في ت " :الذي".
) (7/193
َ فسك ُ َ ل ل َك ُم م َ
جان اْل َن َْعام ِ أْزَوا ًم َ جا وَ ِ
م أْزَوا ًن أن ْ ُ ِ ْ ْ ِ ْ جعَ َض َ َْ
ت َوالْر ِ ماَوا ِ َفاط ُِر ال ّ
س َ
ت
ماَوا ِ
س َقاِليد ُ ال ّ م َ
ه َصيُر ) (11ل َ ُ ميعُ ال ْب َ ِ س ِيٌء وَهُوَ ال ّ ش ْ م ِفيهِ ل َي ْ َ
س كَ ِ
مث ْل ِهِ َ ي َذ َْرؤُك ُ ْ
م )(12 ل َ ه ب ِك ُ ّ ن يَ َ ُ َْ
يٍء عَِلي ٌ
ش ْ قدُِر إ ِن ّ ُ
شاُء وَي َ ْ م ْسط الّرْزقَ ل ِ َ ض ي َب ْ ُ
َوالْر ِ
َ فسك ُ َ ل ل َك ُم م َ
جان الن َْعام ِ أْزَوا ً م َ جا وَ ِ م أْزَوا ً ن أن ْ ُ ِ ْ ْ ِ ْ جعَ َ ض َت َوالْر ِ وا ِ
م َ } َفاط ُِر ال ّ
س َ
توا ِ م َ
س َ قاِليد ُ ال ّ م َ ه َ صيُر ) (11ل َ ُ ميعُ ال ْب َ ِ س ِ
يٌء وَهُوَ ال ّ ش ْ مث ْل ِهِ َس كَ ِ م ِفيهِ ل َي ْ َ ي َذ َْرؤُك ُ ْ
م ){ (12 يٍء عَِلي ٌ ش ْ ل َ ه ب ِك ُ ّ قدُِر إ ِن ّ ُشاُء وَي َ ْ ن يَ َم ْط الّرْزقَ ل ِ َ س ُ ض ي َب ْ ُ
َوالْر ِ
يقول تعالى منكًرا على المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ،ومخبرا
أنه هو الولي الحق الذي ل تنبغي العبادة إل له وحده ،فإنه القادر على إحياء
الموتى وهو على كل شيء قدير.
ه إ ِلى اللهِ { أي :مهما اختلفتم ّ َ م ُ حك ْ ُ يٍء فَ ُ ش ْ ن َ م ْ
م ِفيهِ ِ خت َل َ ْ
فت ُ ْ ما ا ْثم قال } :وَ َ
ه إ ِلى اللهِ { أي :هوّ َ م ُ حك ْ ُ
فيه من المور وهذا عام في جميع الشياء } ،فَ ُ
م
ن ت ََناَزعْت ُ ْالحاكم فيه بكتابه ،وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ،كقوله } :فَإ ِ ْ
ل { ]النساء ..[59 : سو ِ يٍء فَُرّدوه ُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ ش ْ ِفي َ
ُ َ ْ ّ َ ّ ُ
ب{ ت وَإ ِلي ْهِ أِني ُه َرّبي { أي :الحاكم في كل شيء } ،عَلي ْهِ ت َوَكل ُ م الل ُ } ذ َل ِك ُ
أي :أرجع في جميع المور.
) (7/193
مل ل َك ُ ْجعَ َ ض { أي :خالقهما وما بينهما َ } ، ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ وقوله َ } :فاط ِرِ ال ّ
جا { أي :من جنسكم وشكلكم ،منة عليكم وتفضل جعل فسك ُ َ م َ
م أْزَوا ً ن أن ْ ُ ِ ْ ِ ْ
جا { أي :وخلق لكم من النعام وا ز من جنسكم ذكرا وأنثى } ،ومن النعام أ َ
َْ ِ ْ َ ً َ ِ َ
ثمانية أزواج.
م ِفيهِ { أي :يخلقكم فيه ،أي :في ذلك الخلق على هذه وقوله } :ي َذ َْرؤُك ُ ْ
الصفة ل يزال يذرؤكم ) (1فيه ذكورا وإناثا ،خلقا من بعد خلق ،وجيل بعد
جيل ،ونسل بعد نسل ،من الناس والنعام.
م ِفيهِ { أي :في الرحم .وقيل :في وقال البغوي رحمه الله } :ي َذ َْرؤُك ُ ْ
البطن .وقيل :في هذا الوجه من الخلقة.
قال مجاهد :ونسل بعد نسل من الناس والنعام.
وقيل " :في" بمعنى "الباء" ،أي :يذرؤكم به.
يٌء { أي :ليس كخالق الزواج كلها شيء ؛ لنه الفرد ش ْ مث ْل ِهِ َ س كَ ِ } ل َي ْ َ
صيُر { ميعُ ال ْب َ ِ س ِالصمد الذي ل نظير له } ،وَهُوَ ال ّ
ض { تقدم تفسيره في "سورة الزمر" ، ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ قاِليد ُ ال ّ م َ ه َ وقوله } :ل َ ُ
شاُء ن يَ َم ْ ط الّرْزقَ ل ِ َ س ُ وحاصل ذلك أنه المتصرف الحاكم فيهما } ،ي َب ْ ُ
قدُِر { أي :يوسع على من يشاء ،ويضيق على من يشاء ،وله الحكمة وَي َ ْ
م{ يٍء عَِلي ٌ ش ْ ل َ ه ب ِك ُ ّ والعدل التام } ،إ ِن ّ ُ
حي َْنا إ ِل َي ْ َ َ
ه
صي َْنا ب ِ ِما وَ ّ ك وَ َ ذي أوْ َ حا َوال ّ ِ صى ب ِهِ ُنو ً ما وَ ّ ن َ دي ِ ن ال ّ م َم ِ شَرع َ ل َك ُ ْ } َ
فّرُقوا ِفيهِ ك َب َُر عََلى ن َول ت َت َ َ َ َ
دي َموا ال ّ ن أِقي ُ سى أ ْ عي َ سى وَ ِ مو َ م وَ ُ هي َإ ِب َْرا ِ
ب) ن ي ُِني ُ م ْ َ
دي إ ِلي ْهِ َ شاُء وَي َهْ ِ ن يَ َ م ْ َ
جت َِبي إ ِلي ْهِ َ ه يَ ْ ّ
م إ ِلي ْهِ الل ُ َ عوهُ ْ ما ت َد ْ ُ ن َ كي َ
شرِ ِ م ْ ال ْ ُ
ن
م ْ ت ِ ق ْ سب َ َة َ م ٌول ك َل ِ َ م وَل َ ْ م ب َغًْيا ب َي ْن َهُ ْ م ال ْعِل ْ ُ جاَءهُ ُ ما َ ن ب َعْد ِ َ م ْ فّرُقوا ِإل ِ ما ت َ َ (13وَ َ
قضي بينهم وإن ال ّذي ُ َ
في م لَ ِ ن ب َعْدِهِ ْ م ْب ِ ن أورُِثوا ال ْك َِتا َ ِ َ مى ل َ ُ ِ َ َ ْ َ ُ ْ َ ِ ّ س ّ م َ ل ُ ج ٍ ك إ َِلى أ َ َرب ّ َ
ب ){ (14 ري ٍ م ِ ه ُ من ْ ُ
ك ِ ش ّ َ
ذي ّ
حا َوال ِ صى ب ِهِ ُنو ً ما وَ ّ ن َ ُ َ َ
دي ِ ن ال ّ م َم ِ يقول تعالى لهذه المة } :شَرع َ لك ْ
َ
ك { ،فذكر أول الرسل بعد آدم وهو نوح ،عليه السلم وآخرهم حي َْنا إ ِل َي ْ َ أوْ َ
وهو محمد صلى الله عليه وسلم ،ثم ذكر من بين ذلك من أولي العزم
وهم :إبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ،عليهم السلم .وهذه الية
انتظمت ذكر الخمسة كما اشتملت آية "الحزاب" عليهم في قوله } :وَإ ِذ ْ
نسى اب ْ ِ عي َ سى وَ ِ مو َ م وَ ُ هي َ
ن ُنوٍح وَإ ِب َْرا ِ م ْ ك وَ ِمن ْ َ ميَثاقَهُ ْ
م وَ ِ ن ِ ن الن ّب ِّيي َ م َ خذ َْنا ِ أَ َ
م { الية]الحزاب .[7 :والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو :عبادة مْري َ َ َ
ل ِإل سو ر ن م كَ ِ ل ب َ ق ن م نا ْ ل س رَ أ ما و } : قال كما ، له شريك ل وحده الله
ٍ ُ ْ َ ِ ْ ْ ِ َ َ َ َ ْ
َ َ
ن { ]النبياء .[25 :وفي دو ِ ه ِإل أَنا َفاعْب ُ ُ ه ل إ ِل َ َ حي إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ ُنو ِ
__________
) (1في أ " :نوعكم".
) (7/194
ن
م ْ
ه ِ ما أ َن َْز َ
ل الل ّ ُ ت بِ َمن ْ ُ
مرت وَل ت َت ّبعْ أ َهْواَءهُم وقُ ْ َ
لآ َ ْ َ َ ِ ما أ ِ ْ َ َ
ك َفادع ُ واستقم ك َ ُ
ْ َ ْ َِ ْ َ فَل ِذ َل ِ َ
َ َ َ ُ
ة
ج َ
ح ّم َل ُ مال ُك ُ ْ
م أعْ َ مال َُنا وَل َك ُ ْ
م ل ََنا أعْ َ
ه َرب َّنا وََرب ّك ُ ْم الل ّ ُ ل ب َي ْن َك ُ ُت ِلعْدِ َ مْر ُ ب وَأ ِ ك َِتا ٍ
صيُر )(15 معُ ب َي ْن ََنا وَإ ِل َي ْهِ ال ْ َ
م ِ ج َه يَ ْ م الل ّ ُ
ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ
الحديث " :نحن معشر ) (1النبياء أولد علت ديننا واحد" أي :القدر
المشترك بينهم هو عبادة الله وحده ل شريك له ،وإن اختلفت شرائعهم
جا { ]المائدة : من َْها ً ة وَ ِ شْرعَ ً م ِ من ْك ُ ْ جعَل َْنا ِ ل َ ومناهجهم ،كقوله تعالى } :ل ِك ُ ّ
فّرُقوا ِفيهِ { أي :وصى الله ن َول ت َت َ َ [48؛ ولهذا قال هاهنا } :أ َ َ
دي َ موا ال ّ ن أِقي ُ ْ
]سبحانه و[ ) (2تعالى جميع النبياء ،عليهم السلم ،بالئتلف والجماعة ،
ونهاهم عن الفتراق والختلف.
م إ ِل َي ْهِ { أي :شق عليهم وأنكروا ما عوهُ ْ ما ت َد ْ ُ ن َ كي َ شرِ ِ م ْ وقوله } :ك َب َُر عََلى ال ْ ُ
تدعوهم إليه يا محمد من التوحيد.
ب { أي :هو الذي ن ي ُِني ُ م ْ َ
دي إ ِلي ْهِ َ شاُء وَي َهْ ِ ن يَ َ م ْ جت َِبي إ ِل َي ْهِ َ ه يَ ْ ثم قال } :الل ّ ُ
در الهداية لمن يستحقها ،ويكتب الضللة على من آثرها على طريق ُيق ّ
م { أي :إنما ْ
م العِل ُ ْ جاَءهُ ُ ما َ ن ب َعْد ِ َ م ْ فّرُقوا ِإل ِ ما ت َ َ الرشد ؛ ولهذا قال } :وَ َ
كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم ،وقيام الحجة عليهم ،وما حملهم على
ي والعناد ُ والمشاقة. ذلك إل البغ ُ
مى { َ َ َ َ َ
س ّم َ ل ُ ج ٍ ن َرب ّك إ ِلى أ َ م ْ ت ِ ق ْ سب َ َ ة َ م ٌ ول كل ِ َ ثم قال ]الله[ ) (3تعالى } :وَل ْ
أي :لول الكلمة السابقة من الله بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم
المعاد ،لعجل لهم العقوبة في الدنيا سريًعا.
وقوله } :وإن ال ّذي ُ
م { يعني :الجيل المتأخر بعد ن ب َعْدِهِ ْ م ْ ب ِ ن أورُِثوا ال ْك َِتا َ ِ َ َِ ّ
ب { أي :ليسوا على يقين ري
ِ ْ ُ ُ ِ ٍ م ه ن م كّ ش َ في ِ َ ل } للحق ذب ّ المك القرن الول
من أمرهم ،وإنما هم مقلدون لبائهم وأسلفهم ،بل دليل ول ُبرهان ،وهم
في حيرة من أمرهم ،وشك مريب ،وشقاق بعيد.
َ َ ك َفادع ُ واستقم ك َ ُ
ل الل ّ ُ
ه ما أنز َ ت بِ َ من ْ ُ لآ َ م وَقُ ْ واَءهُ ْ ت َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ مْر َ ما أ ِ ْ َ ْ َ ِ ْ َ } فَل ِذ َل ِ َ
ُ َ َ ُ َ َ ّ ُ
مل مالك ُ ْ م أعْ َ مالَنا وَلك ُ ْ م لَنا أعْ َ ه َرب َّنا وََرب ّك ُ ْ م الل ُ ل ب َي ْن َك ُ ُ ت لعْدِ َ مْر ُ ب وَأ ِ ن ك َِتا ٍ م ْ ِ
صيُر ){ (15 م ِ ْ َ
معُ ب َي ْن ََنا وَإ ِلي ْهِ ال َ ج َ ه يَ ْ ّ
م الل ُ ة ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ
ج َ ح ّ
ُ
اشتملت هذه الية الكريمة على عشر كلمات مستقلت ،كل منها منفصلة
عن التي قبلها ] ،لها[ ) (4حكم برأسه -قالوا :ول نظير لها سوى آية
الكرسي ،فإنها أيضا عشرة ) (5فصول كهذه.
ك َفاد ْعُ { أي :فللذي أوحينا إليك من الدين الذي وصينا به قوله ) } (6فَل ِذ َل ِ َ
جميع المرسلين قبلك أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم ،
فادعُ الناس إليه.
ُ
ت { أي :واستقم أنت ومن اتبعك على عبادة مْر َ ما أ ِ م كَ َق ْ ست َ ِوقوله َ } :وا ْ
الله ،كما أمركم الله عز وجل.
م { يعني :المشركين فيما اختلقوه ،وكذبوه َ
واَءهُ ْ وقوله َ } :ول ت َت ّب ِعْ أهْ َ
وافتروه من عبادة الوثان.
ب { أي :صدقت بجميع الكتب ّ َ
ما أنز َ وقوله } :وَقُ ْ
ن ك َِتا ٍ
م ْ
ه ِ
ل الل ُ ت بِ َ من ْ ُلآ َ
المنزلة من السماء على
__________
) (1في ت ،م " :معاشر".
) (2زيادة من ت ،م ،أ.
) (3زيادة من م.
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في ت " :عشر".
) (6في ت " :فقوله".
) (7/195
) (7/196
م
عن ْد َ َرب ّهِ ْة ِ ض ٌح َ م َدا ِ جت ُهُ ْ
ح ّ ه ُ ب لَ ُ جي َ ست ُ ِما ا ْ ن ب َعْد ِ َ ن ِفي الل ّهِ ِ
م ْ جو َ حا ّ ن يُ َذي َ َوال ّ ِ
َ
ق
ح ّ ب ِبال ْ َ ل ال ْك َِتا َ ذي أن َْز َ ه ال ّ ِ
ديد ٌ ) (16الل ّ ُ ش ِب َ ذا ٌ م عَ َ ب وَل َهُ ْ ض ٌ م غَ َ وَعَل َي ْهِ ْ
ن
مُنو َن َل ي ُؤْ ِ ذي َ ل ب َِها ال ّ ِ ج ُست َعْ ِب ) (17ي َ ْ ري ٌ ة قَ ِ ساعَ َل ال ّ ك ل َعَ ّما ي ُد ِْري َ ن وَ َ ميَزا َ َوال ْ ِ
َ َ َ
ن ِفي ماُرو َ ن يُ َ ذي َ ن ال ّ ِ حقّ أَل إ ِ ّ ن أن َّها ال ْ َ مو َ من َْها وَي َعْل َ ُ
ن ِ قو َ م ْ
شفِ ُ مُنوا ُ نآ َ ذي َ ب َِها َوال ّ ِ
ل ب َِعيد ٍ )(18 ضَل ٍ في َ ساعَةِ ل َ ِ ال ّ
م
عن ْد َ َرب ّهِ ْ ة ِ ض ٌح َ م َدا ِ جت ُهُ ْ ح ّ ه ُ ب لَ ُ جي َ ست ُ ِ ما ا ْ ن ب َعْد ِ َ م ْ ن ِفي الل ّهِ ِ جو َ حا ّ ن يُ َ ذي َ } َوال ّ ِ
َ
ق
ح ّ ب ِبال ْ َ ل ال ْك َِتا َ ذي أنز َ ه ال ّ ِ ديد ٌ ) (16الل ّ ُ ش ِ ب َ ذا ٌ م عَ َ ب وَل َهُ ْ ض ٌ م غَ َ وَعَل َي ْهِ ْ
ن
مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َ ل ب َِها ال ّ ِ ج ُ ست َعْ ِ ب ) (17ي َ ْ ري ٌ ة قَ ِ ساعَ َ ل ال ّ ك ل َعَ ّ ما ي ُد ِْري َ ن وَ َ ميَزا َ َوال ْ ِ
َ َ
ن ِفي ماُرو َ ن يُ َ ذي َ ن ال ّ ِ حقّ أل إ ِ ّ ن أن َّها ال ْ َ مو َ من َْها وَي َعْل َ ُ ن ِ قو َ شفِ ُم ْ مُنوا ُ نآ َ ذي َ ب َِها َوال ّ ِ
ل ب َِعيد ٍ ){ (18 ضل ٍ في َ ساعَةِ ل َ ِ ال ّ
ن
ذي َ يقول تعالى -متوعدا الذين يصدون عن سبيل الله من آمن به َ } : -وال ّ ِ
ه { أي :يجادلون المؤمنين ب لَ ُ جي َ ست ُ ِ ما ا ْ ن ب َعْد ِ َ م ْ ن ِفي الل ّهِ ِ جو َ حا ّ يُ َ
المستجيبين لله ولرسوله ،ليصدوهم عما سلكوه من طريق الهدى ،
ب { أي : ض ٌ م غَ َ م { أي :باطلة عند الله } ،وَعَل َي ْهِ ْ عن ْد َ َرب ّهِ ْ ة ِ ض ٌ
ح َ م َدا ِ جت ُهُ ْ ح ّ } ُ
ديد ٌ { أي :يوم القيامة. ش ِ ب َ ذا ٌ م عَ َ َ
منه } ،وَلهُ ْ
قال ابن عباس ،ومجاهد :جادلوا المؤمنين بعد ما استجابوا لله ولرسوله ،
ليصدوهم عن الهدى ،وطمعوا أن تعود الجاهلية.
وقال قتادة :هم اليهود والنصارى ،قالوا لهم :ديننا خير من دينكم ،ونبينا
قبل نبيكم ،ونحن خير منكم ،وأولى بالله منكم .وقد كذبوا في ذلك.
حقّ { يعني :الكتب المنزلة من عنده ب ِبال ْ َ ل ال ْك َِتا َ ذي َأنز َ ه ال ّ ِ ثم قال } :الل ّ ُ
على أنبيائه } والميزان { ،وهو :العدل والنصاف ،قاله مجاهد ،وقتادة.
َ وهذه كقوله تعالى } :ل َ َ َ
م ال ْك َِتا َ
ب معَهُ ُ ت وَأنزل َْنا َ سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ سل َْنا ُر ُ قد ْ أْر َ
ماَء َرفَعََها س َ ط { ]الحديد [25 :وقوله َ } :وال ّ س ِ ق ْ س ِبال ْ ِ م الّنا ُ قو َ ن ل ِي َ ُ ميَزا َ َوال ْ ِ
َ َ
سُروا خ ِ ط َول ت ُ ْ س ِ ق ْ ن ِبال ْ ِ موا ال ْوَْز َ ن .وَأِقي ُ ميَزا ِ وا ِفي ال ْ ِ ن .أل ت َط ْغَ ْ ميَزا َ ضعَ ال ْ ِ وَوَ َ
ن { ]الرحمن .[9 - 7 : ميَزا َ ال ْ ِ
) (7/196
ث
حْر َ ريد ُ َ ن يُ ِ كا َن َ م ْ زيُز )َ (19 قوِيّ ال ْعَ ِ شاُء وَهُوَ ال ْ َ ن يَ َ م ْ ف ب ِعَِبادِهِ ي َْرُزقُ َ طي ٌ ه لَ ِ الل ّ ُ
ه ِفي ما ل َ ُمن َْها وَ َ ث الد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ حْر َ ريد ُ َ ن يُ ِكا َ ن َ م ْ حْرث ِهِ وَ َ ه ِفي َ خَرةِ ن َزِد ْ ل َ ُ اْل َ ِ
ْ َ
ه
ن بِ ِم ي َأذ َ ْ ما ل َ ْ ن َ دي ِن ال ّ م َ م ِ عوا ل َهُ ْ شَر ُ كاُء َ شَر َ م ُ م ل َهُ ْ ب ) (20أ ْ صي ٍ ن نَ ِ م ْ خَرةِ ِ اْل َ ِ
َ
م ) (21ت ََرى ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ ن ل َهُ ْ مي َ ظال ِ ِن ال ّ م وَإ ِ ّ ي ب َي ْن َهُ ْ ض َ ق ِ ل لَ ُص ِ ف ْ ة ال ْ َ م ُه وَل َوَْل ك َل ِ َ الل ّ ُ
ذي َ
تحا ِ صال ِ َمُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ م َوال ّ ِ َ سُبوا وَهُوَ َواقِعٌ ب ِهِ ْ ما ك َ َ م ّ ن ِ قي َ ف ِش ِ م ْ ن ُ مي َ ال ّ
ظال ِ ِ
ل ال ْك َِبيُر )(22 ض ُ ف ْ ك هُوَ ال ْ َ م ذ َل ِ َ عن ْد َ َرب ّهِ ْن ِ شاُءو َ ما ي َ َ م َ ت ل َهُ ْجّنا ِ ت ال ْ َ ضا ِ ِفي َروْ َ
) (7/197
ه ِفي خَرةِ { أي :عمل الخرة } نزد ْ ل َ ُ ث ال ِ حْر َ ريد ُ َ ن يُ ِ كا َ ن َم ْ ثم قال َ } :
حْرث ِهِ { أي :نقويه ونعينه على ما هو بصدده ،ونكثر نماءه ،ونجزيه بالحسنة َ
ثحْر َ ريد ُ َ ن ي ُِ ن َ
كا َ م
َ َ ْ و } الله يشاء ما إلى ، ضعف سبعمائة إلى أمثالها عشر
ب { أي :ومن كان إنما سعيه صي ٍ ن نَ ِم ْ خَرةِ ِ ه ِفي ال ِ ما ل َ ُمن َْها وَ َالد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ
مة ) (1البتة بالكلية ، ليحصل له شيء من الدنيا ،وليس له إلى الخرة ه ّ
حَرمه الله الخرة والدنيا إن شاء أعطاه منها ،وإن لم يشأ لم يحصل ) (2له َ
ل هذه ول هذه ،وفاز هذا الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا
والخرة.
والدليل على هذا أن هذه الية هاهنا مقيدة بالية التي في "سبحان" وهي
مريد ُ ث ُ ّن نُ ِ م ْشاُء ل ِ َ ما ن َ َه ِفيَها َجل َْنا ل َ ُة عَ ّجل َ َ ريد ُ ال َْعا ِن يُ ِ
كا َ ن َ م ْ قوله تعالى َ } :
َ َ
سعْي ََها وَهُوَ سَعى لَها َ خَرةَ وَ َ ن أَراد َ ال ِ م ْ حوًرا وَ َ مد ْ ُ
ما َ مو ً ْ
مذ ُ ها َ صل َ م يَ ْجهَن ّ َ
ه َ جعَل َْنا ل َ ُ َ
ما
ك وَ َ طاِء َرب ّ َ ن عَ َ م ْ ؤلِء ِ ؤلِء وَهَ ُ مد ّ ه َ ُكل ن ُ ِ كوًرا ُ ش ُ م ْ م َ سعْي ُهُ ْ ن َ كا َ ك َ ن فَُأول َئ ِ َ م ٌ مؤ ْ ِ ُ
ْ َ
خَرةُ أكب َُر ض وَلل ِ َ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ َ
م عَلى ب َعْ ٍ ضهُ ْ ضلَنا ب َعْ َ فف ّ حظوًرا ان ْظْر كي ْ َ م ْ ن عَطاُء َرب ّك َ
َ
كا َ
ضيل { ]السراء .[21 - 18 : ف ِ ْ
ت وَأكب َُر ت َ ْ جا ٍ د ََر َ
مغيرة ،عن أبي العالية ،عن أبي بن كعب ]رضي الله ُ عن ، الثوري وقال
عنه[ ) (3قال :قال :رسول الله صلى الله عليه وسلم " :بشر هذه المة
سَناء والرفعة ،والنصر والتمكين في الرض ،فمن عمل منهم عمل بال ّ
الخرة للدنيا ،لم يكن له في الخرة من نصيب" ).(4
ّ ْ َ
ه { أي :هم ن ب ِهِ الل ُ م ي َأذ َ ْ ما ل َ ْ ن َ دي ِ ن ال ّ م َ م ِ عوا ل َهُ ْ شَر ُ كاُء َ شَر َ م ُ م ل َهُ ْ وقوله } :أ ْ
ل يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم ،بل يتبعون ما شرع لهم
شياطينهم من الجن والنس ،من تحريم ما حرموا عليهم ،من البحيرة
والسائبة والوصيلة والحام ،وتحليل الميتة والدم والقمار ،إلى نحو ذلك من
الضللت والجهالة ) (5الباطلة ،التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم ،من
التحليل والتحريم ،والعبادات الباطلة ،والقوال الفاسدة.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :رأيت
صَبه في النار" ) (6لنه أول من سيب جر قُ ْ مَعة ي َ ُ ي بن قَ َ ح ّ عمرو بن ل ُ َ
السوائب .وكان هذا الرجل أحد ملوك خزاعة ،وهو أول من فعل هذه الشياء
مل قريشا على عبادة الصنام ،لعنه الله وقبحه ؛ ولهذا قال ح َ ،وهو الذي َ
م { أي :لعوجلوا بالعقوبة ،لول ما ي ب َي ْن َهُ ْ ض َ ق ِ ل لَ ُ ص ِ ف ْ ة ال ْ َ م ُ ول ك َل ِ َ تعالى } :وَل َ ْ
َ
م { أي : ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ ن ل َهُ ْ مي َ ظال ِ ِ ن ال ّ تقدم من النظار إلى يوم المعاد } ،وَإ ِ ّ
شديد موجع ) (7في جهنم وبئس المصير.
سُبوا { أي :في عرصات ما ك َ َ م ّ ن ِقي َ ف ِش ِ م ْ ن ُ مي َ ظال ِ ِثم قال تعالى } :ت ََرى ال ّ
م { أي :الذي يخافون منه واقع بهم ل محالة ،هذا القيامة } ،وَهُوَ َواقِعٌ ب ِهِ ْ
ملواُ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ّ
حالهم يوم معادهم ،وهم في هذا الخوف والوجل َ } ،وال ِ
م { فأين هذا من عن ْد َ َرب ّهِ ْ ن ِ شاُءو َ ما ي َ َ م َ ت ل َهُ ْ جّنا ِ ت ال ْ َ ضا ِ ت ِفي َروْ َ حا ِصال ِ َ ال ّ
هذا :
__________
) (1في ت " :وهم".
) (2في أ " :يجعل".
) (3زيادة من ت.
) (4رواه البغوي في شرح السنة ) (14/335من طريق الثوري به.
) (5في أ " :الجهالت".
) (6انظر تخريج هذا الحديث عند تفسير الية 103 :من سورة المائدة.
) (7في ت ،أ " :وجيع".
) (7/198
صات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه ، أين من هو في العََر َ
ممن هو في روضات الجنات ،فيما يشاء من مآكل ومشارب وملبس
ومساكن ومناظر ومناكح وملذ ،فيما ل عين رأت ول أذن سمعت ،ول خطر
على قلب بشر.
قال :الحسن بن عرفة :حدثنا عمر بن عبد الرحمن البار ،حدثنا محمد بن
شْرب من أهل الجنة لتظلهمسعد النصاري ) (1عن أبي ط َي َْبة ،قال :إن ال ّ
كم .قال :فما يدعو داع من ) (2القوم بشيء إل مط ُِر ُ
السحابة فتقول :ما أ ْ
أمطرتهم ،حتى إن القائل منهم ليقول :أمطرينا كواعب أترابا.
رواه ابن جرير ،عن الحسن بن عرفة ،به.
ل ال ْك َِبيُر { أي :الفوز العظيم ،والنعمة
ض ُ ك هُوَ ال ْ َ
ف ْ ولهذا قال تعالى } :ذ َل ِ َ
التامة السابغة الشاملة العامة.
__________
) (1في ت " :روى الحسن بن عرفة بسنده".
) (2في أ " :في".
) (7/199
ل َل أ َ َ ذي َ
م عَل َي ْهِ سأل ُك ُ ْ ْ ت قُ ْ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ عَباد َهُ ال ّ ِ َ ه ِ شُر الل ّ ُ ذي ي ُب َ ّ ك ال ّ ِ ذ َل ِ َ
َ
ن الل ّ َ
ه سًنا إ ِ ّ ح ْ ه ِفيَها ُ ة ن َزِد ْ ل َ ُ سن َ ً ح َ ف َ قت َرِ ْ ن يَ ْ م ْ قْرَبى وَ َ موَد ّة َ ِفي ال ْ ُ جًرا إ ِّل ال ْ َ أ ْ
م عََلى َ
خت ِ ْ ه يَ ْ شأ ِ الل ّ ُ ن يَ َ ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َذًِبا فَإ ِ ْ قوُلو َ م يَ ُ كوٌر ) (23أ ْ ش ُ فوٌر َ غَ ُ
دورِ )(24 ص ُ ت ال ّ ذا ِ م بِ َ ه عَِلي ٌ مات ِهِ إ ِن ّ ُ حقّ ب ِك َل ِ َ حقّ ال ْ َ ل وَي ُ ِ ه ال َْباط ِ َ ح الل ّ ُ م ُ ك وَي َ ْ قَل ْب ِ َ
ل ل أَ َ
مسأل ُك ُ ْ ْ ت قُ ْ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ عَباد َهُ ال ّ ِ ه ِ شُر الل ّ ُ ذي ي ُب َ ّ ك ال ّ ِ } ذ َل ِ َ
هّ َ ْ ْ َ
ن الل َ سًنا إ ِ ّ ح ْ ه ِفيَها ُ ة نزد ْ ل ُ سن َ ًح َف َ قت َرِ ْ ن يَ ْ م ْ قْرَبى وَ َ موَد ّة َ ِفي ال ُ جًرا ِإل ال َ عَل َي ْهِ أ ْ
م عََلى َ
خت ِ ْ ه يَ ْ شأ ِ الل ّ ُ ن يَ َ ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َذًِبا فَإ ِ ْ قوُلو َ م يَ ُ كوٌر ) (23أ ْ ش ُ فوٌر َ غَ ُ
دورِ ){ (24 ص ُ ت ال ّ ذا ِ م بِ َ ه عَِلي ٌ مات ِهِ إ ِن ّ ُ َ
حقّ ب ِكل ِ َ ْ
حقّ ال َ ل وَي ُ ِ ه الَباط ِ َ ْ ّ
ح الل ُ م ُ قَل ْب ِك وَي َ ْ
َ
يقول تعالى لما ذكر روضات الجنة ،لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات } :
ت { أي :هذا حاصل حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ عَباد َهُ ال ّ ِ ه ِ شُر الل ّ ُ ذي ي ُب َ ّ ك ال ّ ِ ذ َل ِ َ
لهم كائن ل محالة ،ببشارة الله لهم به.
ْ ْ َ ل ل أَ َ
قْرَبى { أي :قل يا محمد موَد ّة َ ِفي ال ُ جًرا ِإل ال َ م عَل َي ْهِ أ ْ سأل ُك ُ ْ ْ وقوله } :قُ ْ
لهؤلء المشركين من كفار قريش :ل أسألكم على هذا البلغ والنصح لكم ما
ل تعطونيه ،وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالت )
(1ربي ،إن لم تنصروني فل تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة.
قال البخاري :حدثنا محمد بن بشار ،حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،
عن عبد الملك بن ميسرة قال :سمعت طاوسا ) (2عن ابن عباس :أنه
قْرَبى { فقال سعيد بن جبير : موَد ّة َ ِفي ال ْ ُ سئل عن قوله تعالى ِ } :إل ال ْ َ
ت إن النبي صلى الله عليه وسلم لم جل ْ َ قربى آل محمد .فقال ابن عباس :عَ ِ
يكن بطن من قريش إل كان له فيهم قرابة ،فقال :إل أن تصلوا ما بيني
وبينكم من القرابة .انفرد به البخاري ).(3
ورواه المام أحمد ،عن يحيى القطان ،عن شعبة به .وهكذا روى عامر
مْهران وفي ،ويوسف بن ِ الشعبي ،والضحاك ،وعلي بن أبي طلحة ،والعَ ْ
وغير واحد ،عن ابن عباس ،مثله .وبه قال مجاهد ،وعكرمة ،وقتادة ،
والسدي ،وأبو مالك ،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،وغيرهم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ) (4حدثنا هاشم بن يزيد الطبراني
وجعفر القلنسي قال حدثنا
__________
) (1في ت ،م ،أ " :رسالة".
) (2في ت " :روى البخاري بسنده".
) (3صحيح البخاري برقم ) (4818والمسند ).(1/229
) (4في ت " :وروى الطبراني".
) (7/199
صيف ،عن سعيد بن جبير ،عن ابن خ َ آدم بن أبي أياس ،حدثنا شريك ،عن ُ
عباس قال :قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ل أسألكم عليه
أجرا إل أن ت َوَّدوني في نفسي لقرابتي منكم ،وتحفظوا القرابة التي بيني
وبينكم" ).(1
ويد -س َ
عة يعني ابن ُ َ
وروى المام أحمد ،عن حسن بن موسى :حدثنا قَز َ
َ
وابن أبي حاتم -عن أبيه ،عن مسلم بن إبراهيم ،عن قَزعة بن سويد -عن
جيح ،عن مجاهد ،عن ابن عباس ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي ن َ ِ
وادوا الله ، ُ َ ت أن إل ، أجرا والهدى البينات من آتيتكم ما على أسألكم قال " :ل
وأن تقربوا إليه بطاعته" ).(2
وهكذا روى قتادة عن الحسن البصري ،مثله.
قْرَبى { أي :إل ْ
موَد ّة َ ِفي ال ُ ْ
وهذا كأنه تفسير بقول ثان ،كأنه يقول ِ } :إل ال َ
أن تعملوا بالطاعة التي تقربكم عند الله زلفى.
وقول ثالث :وهو ما حكاه البخاري وغيره ،رواية عن سعيد بن جبير ،ما
معناه أنه قال :معنى ذلك أن تودوني في قرابتي ،أي :تحسنوا إليهم
وتبروهم.
وقال السدي ،عن أبي الديلم قال :لما جيء بعلي بن الحسين أسيرا ،
فأقيم على درج دمشق ،قام رجل من أهل الشام فقال :الحمد لله الذي
قتلكم واستأصلكم ،وقطع قرني الفتنة .فقال له علي بن الحسين :أقرأت
القرآن ؟ قال :نعم .قال :أقرأت آل حم ؟ قال :قرأت القرآن ،ولم أقرأ
َ ل ل أَ َ
جًرا ِإل ال ْ َ
موَد ّة َ ِفي م عَل َي ْهِ أ ْ
سأل ُك ُ ْ ْ آل حم .قال :ما قرأت } :قُ ْ
قْرَبى { ؟ قال :وإنكم أنتم ) (3هم ؟ قال :نعم. ال ْ ُ
ي :سألت عمرو بن شعيب عن قوله تعالى } :قُ ْ
ل سِبيع ّ وقال :أبو إسحاق ال ّ
موَد ّة َ ِفي ال ْ ُ َ ل أَ َ
قْرَبى { فقال :قربى النبي صلى الله جًرا ِإل ال ْ َ م عَل َي ْهِ أ ْ سأل ُك ُ ْْ
عليه وسلم .رواهما ابن جرير ).(4
ثم قال ابن جرير :حدثنا أبو ك َُرْيب ،حدثنا مالك بن إسماعيل ،حدثنا عبد
السلم ،حدثني يزيد بن أبي زياد ،عن مقسم ،عن ابن عباس قال :قالت
النصار :فعلنا وفعلنا ،وكأنهم فخروا فقال ابن عباس -أو :العباس ،شك
عبد السلم : -لنا الفضل عليكم .فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأتاهم في مجالسهم فقال " :يا معشر النصار ،ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله
بي ؟" قالوا :بلى ،يا رسول الله .قال :ألم تكونوا ضلل فهداكم الله بي ؟"
قالوا :بلى يا رسول الله قال " :أفل تجيبوني ؟" قالوا :ما نقول يا رسول
الله ؟ قال " :أل تقولون :ألم يخرجك قومك فآويناك ؟ أو لم يكذبوك
فصدقناك ؟ أو لم يخذلوك فنصرناك" ؟ قال :فما زال يقول حتى جثوا على
لل الركب ،وقالوا :أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله .قال :فنزلت } :قُ ْ
موَد ّة َ ِفي ال ْ ُ َ أَ َ
قْرَبى { ).(5 جًرا ِإل ال ْ َم عَل َي ْهِ أ ْ سأل ُك ُ ْْ
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ،عن علي بن الحسين ،عن عبد المؤمن بن علي ،
عن عبد السلم ،عن
__________
) (1المعجم الكبير ).(11/435
) (2المسند ).(1/268
) (3في ت ،أ " :لنتم".
) (4تفسير الطبري ).(25/17
) (5تفسير الطبري ).(25/16
) (7/200
يزيد بن أبي زياد -وهو ضعيف -بإسناده مثله ،أو قريبا منه.
وفي الصحيحين -في قسم غنائم حنين -قريب من هذا السياق ،ولكن ليس
فيه ذكر نزول هذه الية .وذك ُْر نزولها في المدينة فيه نظر ؛ لن السورة
مكية ،وليس يظهر بين هذه الية الكريمة وبين السياق مناسبة ،والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا علي بن الحسين ،حدثنا رجل سماه ،حدثنا
حسين الشقر ،عن قيس ،عن العمش ،عن سعيد بن جبير ) (1عن ابن
َ ل ل أَ َ
جًرا ِإل ال ْ َ
موَد ّة َ ِفي م عَل َي ْهِ أ ْ
سأل ُك ُ ْ
ْ عباس قال :لما نزلت هذه الية } :قُ ْ
قْرَبى { قالوا :يا رسول الله ،من هؤلء الذين أمر الله بمودتهم ؟ قال : ال ْ ُ
"فاطمة وولدها ،عليهم السلم" ).(2
خّرق )، (4 مت َ َ
وهذا إسناد ) (3ضعيف ،فيه مبهم ل يعرف ،عن شيخ شيعي ُ
وهو حسين الشقر ،ول يقبل خبره في هذا المحل .وذكر نزول هذه الية في
المدينة بعيد ؛ فإنها مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أولد بالكلية ،فإنها لم
تتزوج بعلي إل بعد بدر من ) (5السنة الثانية من الهجرة.
حبُر المة ،وترجمان القرآن ،عبد والحق تفسير الية بما فسرها به المام َ
الله بن عباس ،كما رواه عنه البخاري ]رحمه الله[ ) (6ول تنكر الوصاة )(7
بأهل البيت ،والمر بالحسان إليهم ،واحترامهم وإكرامهم ،فإنهم من ذرية
طاهرة ،من أشرف بيت وجد على وجه الرض ،فخًرا وحسًبا ونسًبا ،ول
سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية ،كما كان عليه
سلفهم ،كالعباس وبنيه ،وعلي وأهل بيته وذريته ،رضي الله عنهم أجمعين.
و ]قد ثبت[ ) (8في الصحيح :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في
م " :إني تارك فيكم الثقلين :كتاب الله وعترتي ،وإنهما لم خ ّ
دير ُ
خطبته بغَ ِ
يفترقا حتى يردا علي الحوض" ).(9
وقال المام أحمد :حدثنا يزيد بن هارون ،أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ،
عن يزيد بن أبي زياد ،عن عبد الله بن الحارث ) ، (10عن العباس بن عبد
المطلب قال :قلت :يا رسول الله ،إن قريشا إذا لقي بعضهم بعضا لقوهم
ببشر حسن ،وإذا لقونا لقونا بوجوه ل نعرفها ؟ قال :فغضب النبي صلى
الله عليه وسلم غضبا شديدا ،وقال " :والذي نفسي بيده ،ل يدخل قلب
الرجل اليمان حتى يحبكم لله ولرسوله" ).(11
ثم قال أحمد ) (12حدثنا جرير ،عن يزيد بن أبي زياد ،عن عبد الله بن
الحارث ،عن عبد المطلب بن ربيعة قال :دخل العباس على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال :إنا لنخرج فنرى قريشا ُتحدث ،فإذا رأونا
__________
) (1في ت " :وروى ابن أبي حاتم بسنده".
) (2ورواه الطبراني في المعجم الكبير ) (11/444من طريق حرب الطحان
عن حسين الشقر به.
) (3في أ " :السناد".
) (4في أ " :مخترق".
) (5في أ " :في".
) (6زيادة من ت ،م ،أ.
) (7في ت " :ول ينكر الوصاية".
) (8زيادة من ت ،أ.
) (9صحيح مسلم برقم ) (2408بنحوه من حديث زيد بن الرقم.
) (10في ت " :وروى المام أحمد بإسناده".
) (11المسند ).(1/207
) (12في ت " :ثم روى المام أحمد".
) (7/201
عْرقُ بين عينه ) ، (1ثم سكتوا .فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ود َّر ِ
قال " :والله ل يدخل قلب امرئ ) (2إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي" ).(3
وقال البخاري :حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ،حدثنا خالد ،حدثنا شعبة ،
دث ) (4عن ابن عمر ،عن أبي بكر الصديق ، ت أبي يح ّ
عن واقد قال :سمع ُ
رضي الله عنه ،قال :ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته ).(5
وفي الصحيح :أن الصديق قال لعلي ،رضي الله عنهما :والله لقرابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي ).(7) (6
وقال عمر بن الخطاب للعباس ،رضي الله عنهما :والله لسلمك يوم
ي من إسلم الخطاب لو أسلم ؛ لن إسلمك كان أحب أسلمت كان أحب إل ّ
إلى رسول الله من إسلم الخطاب.
فحال الشيخين ،رضي الله عنهما ،هو الواجب على كل أحد أن يكون
كذلك ؛ ولهذا كانا أفضل المؤمنين بعد النبيين والمرسلين ،رضي الله عنهما ،
وعن سائر الصحابة أجمعين.
حّيانوقال المام أحمد ،رحمه الله :حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ،عن أبي َ
سرة ،وعمر مي ْ َ
سْين بن َ
ح َ التيمي ،حدثني يزيد ابن حيان قال :انطلقت أنا و ُ
) (8بن مسلم إلى زيد ) (9بن أرقم ،فلما جلسنا إليه قال له حصين :لقد
ت يا زيد ) (10خيرا كثيرا ،رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقي َ
وسمعت حديثه وغزوت معه ،وصليت معه .لقد رأيت يا زيد خيرا كثيرا .حدثنا
يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .فقال :يا ابن أخي ،
والله ك َُبرت ) (11سني ،وقدم عهدي ،ونسيت بعض الذي كنت أعي من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فما حدثتكم فاقبلوه ،وما ل فل ت ُك َّلفونيه.
ما خطيًبا فينا ،بماء يدعى ثم قال :قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يو ً
ما -بين مكة والمدينة -فحمد الله وأثنى عليه ،وذكر ووعظ ،ثم قال : خ ّ
ُ
"أما بعد ،أل أيها الناس ،إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ،
وإني تارك فيكم الثقلين ،أولهما :كتاب الله ،فيه الهدى والنور ،فخذوا
بكتاب الله واستمسكوا به" فحث على كتاب الله ورغب فيه ،وقال " :وأهل
بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي" فقال له حصين :
ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال :إن نساءه من أهل
حرم الصدقة بعده قال :ومن هم ؟ قال :هم آل بيته ،ولكن أهل بيته من ُ
علي ،وآل عقيل ،وآل جعفر ،وآل العباس ،قال :أكل هؤلء حرم
الصدقة ؟ قال :نعم.
حّيانوهكذا رواه مسلم ]في فضائل[ ) (12والنسائي من طرق عن يزيد بن َ
به ).(13
__________
) (1في ت ،أ " :عينيه".
) (2في ت ،أ " :امرئ مسلم".
) (3المسند ).(1/207
) (4في ت " :وروى البخاري بإسناده".
) (5صحيح البخاري برقم ).(3713
) (6في أ " :أحب إلي من أن أصل قرابتي".
) (7صحيح البخاري برقم ).(3712
) (8في ت ،أ " :وعمرو".
) (9في أ " :يزيد".
) (10في أ " :يزيد".
) (11في ت ،أ " :والله لقد كبرت".
) (12زيادة من ت ،م ،أ.
) (13المسند ) (4/366وصحيح مسلم برقم ) (2408والنسائي في السنن
الكبرى برقم ).(8175
) (7/202
وقال أبو عيسى الترمذي ) (1حدثنا علي بن المنذر الكوفي ،حدثنا محمد بن
فضيل ،حدثنا العمش ،عن عطية ،عن أبي سعيد -والعمش ،عن حبيب
بن أبي ثابت ،عن زيد بن أرقم -قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ،أحدهما أعظم من
الخر :كتاب الله حبل ممدود من ) (2السماء إلى الرض ،والخر عترتي :
فّرقا حتى يردا علي الحوض ،فانظروا كيف تخلفوني أهل بيتي ،ولن ي َت َ َ
فيهما"
تفرد بروايته الترمذي ) (3ثم قال :هذا حديث حسن غريب.
وقال الترمذي أيضا ) (4حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي ،حدثنا زيد بن
الحسن ،عن جعفر بن محمد ،عن أبيه ،عن جابر بن عبد الله ) (5قال :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة ،وهو على ناقته
القصواء يخطب ،فسمعته يقول " :يا أيها الناس ،إني تركت فيكم ما إن
أخذتم به لن تضلوا :كتاب الله ،وعترتي :أهل بيتي"
تفرد به الترمذي أيضا ) ، (6وقال :حسن غريب .وفي الباب عن أبي ذر ،
وأبي سعيد ،وزيد بن أرقم ،وحذيفة بن أسيد.
مِعين ،ثم قال الترمذي :حدثنا أبو داود سليمان بن الشعث ،حدثنا يحيى بن َ
حدثنا هشام بن يوسف ،عن عبد الله بن سليمان النوفلي ،عن محمد بن
علي بن عبد الله بن عباس ،عن أبيه ،عن جده عبد الله بن عباس )(7
قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أحبوا الله لما يغذوكم ) (8من
نعمه ،وأحبوني ) (9بحب الله ،وأحبوا أهل بيتي بحبي"
ثم قال ) (10حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه ).(11
م ُ
ب عَن ْك ُ ريد ُ الل ّ ُ
ه ل ِي ُذ ْهِ َ ما ي ُ ِ
خر عند قوله تعالى } :إ ِن ّ َ وقد أوردنا أحاديث أ ُ َ
م ت َط ِْهيًرا { ] الحزاب ، (12) [33 :بما أغنى عن ت وَي ُط َهَّرك ُ ْ س أ َهْ َ
ل ال ْب َي ْ ِ ج َالّر ْ
إعادتها هاهنا ،ولله الحمد والمنة.
سِعيد ،حدثنا مفضل بن عبد الله ، وقال الحافظ أبو يعلى :حدثنا سويد بن َ
حَنش قال :سمعت أبا ذر وهو آخذ بحلقة الباب عن أبي إسحاق ،عن َ
يقول :يا أيها الناس ،من عرفني فقد عرفني ،ومن أنكرني فأنا أبو ذر ،
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :إنما مثل أهل بيتي فيكم
مَثل سفينة نوح ،
َ
__________
) (1في ت " :وروى الترمذي".
) (2في ت " :بين".
) (3سنن الترمذي برقم ).(3788
) (4في ت " :وروى الترمذي".
) (5في ت " :عبد الله رضي الله عنه".
) (6سنن الترمذي برقم ).(3786
) (7قي ت " :وروى الترمذي أيضا عن ابن عباس".
) (8في ت " :يغدوكم به".
) (9في ت " :فأحبوني".
) (10في ت " :وقال".
) (11سنن الترمذي برقم ).(3789
) (12انظر تفسير الية 33 :من سورة لحزاب.
) (7/203
ن )(25 فعَُلو َ ما ت َ ْم َ ت وَي َعْل َ ُ سي َّئا ِ ن ال ّ فو عَ ِعَبادِهِ وَي َعْ ُ ن ِ ة عَ ْل الت ّوْب َ َ قب َ ُ
ذي ي َ ْ وَهُوَ ال ّ ِ
ذي َ
ن ل َهُ ْ
م كافُِرو َضل ِهِ َوال ْ َ ن فَ ْ م ْ م ِ زيد ُهُ ْ ت وَي َ ِ حا ِصال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ب ال ّ ِ َ جي ُ ست َ ِ وَي َ ْ
ن ي ُن َّز ُ
ل َ َ ْ َ ّ َ َ ب َ عَ َ
ض وَلك ِ ْ وا ِفي الْر ِ ه الّرْزقَ ل ِعَِبادِهِ لب َغَ ْ سط الل ُ ديد ٌ ) (26وَلوْ ب َ َ ش ِ ذا ٌ
مان ب َعْد ِ َم ْ ث ِ ْ
ل الغَي ْ َ ذي ي ُن َّز ُ ّ
صيٌر ) (27وَهُوَ ال ِ خِبيٌر ب َ ِ ه ب ِعَِبادِهِ َ شاُء إ ِن ّ ُ ما ي َ َ قد َرٍ َ بِ َ
ميد ُ )(28 ح ِ ْ
ي ال َ ْ
ه وَهُوَ الوَل ِ ّ مت َ ُح َشُر َر ْ ُ
قَن َطوا وَي َن ْ ُ
) (7/204
حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب قال ) (1حدثنا عمر بن يونس ،حدثنا
عكرمة بن عمار ،حدثنا إسحاق بن أبي طلحة ،حدثني أنس بن مالك -وهو
عمه ) - (2قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :لله أشد فرحا
بتوبة عبده حين يتوب إليه ،من أحدكم كان راحلته بأرض فلة فانفلتت منه ،
وعليها طعامه وشرابه ،فأيس منها ،فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ،قد
أيس من راحلته ،فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ،فأخذ بخطامها ثم
قال من شدة الفرح :اللهم أنت عبدي وأنا ربك -أخطأ من شدة الفرح" )
.(3
وقد ثبت أيضا في الصحيح من رواية عبد الله بن مسعود نحوه ).(5) (4
قب َ ُ
ل ذي ي َ ْوقال عبد الرزاق ،عن معمر ،عن الزهري في قوله } :وَهُوَ ال ّ ِ
عَبادِهِ { :إن أبا هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه ن ِ
ة عَ ْ
الت ّوْب َ َ
وسلم " :لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته ) (6في المكان
الذي يخاف أن يقتله العطش فيه" ).(7
وقال همام بن الحارث :سئل ابن مسعود عن الرجل يفجر بالمرأة ثم
عَبادِهِ { الية ن ِ ة عَ ْ قب َ ُ
ل الت ّوْب َ َ يتزوجها ؟ قال :ل بأس به ،وقرأ } :وَهُوَ ال ّ ِ
ذي ي َ ْ
رواه ابن جرير ،وابن أبي حاتم من حديث شريك القاضي ،عن إبراهيم بن
مهاجر ،عن إبراهيم النخعي ،عن همام فذكره ).(8
ت { أي :يقبل التوبة في المستقبل ويعفو عن سي َّئا ِ
ن ال ّ فو عَ ِ وقوله } :وَي َعْ ُ
ن { أي :هو عالم بجميع ما فعلتم ُ
فعَلو َما ت َ ْ
م َ َ
السيئات في الماضي } ،وَي َعْل ُ
وصنعتم وقلتم ،ومع هذا يتوب على من تاب إليه.
ت { قال السدي :يعني حا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َب ال ّ ِجي ُ ست َ ِ وقوله } :وَي َ ْ
يستجيب لهم .وكذا قال ابن جرير :معناه يستجيب الدعاء لهم )(9
]لنفسهم[ ) (10ولصحابهم وإخوانهم .وحكاه عن بعض النحاة ،وأنه جعلها
م { ]آل عمران .[195 : م َرب ّهُ ْ ب ل َهُ ْ جا َ ست َ َ كقوله َ } :فا ْ
ثم روى هو وابن أبي حاتم ،من حديث العمش ،عن شقيق بن سلمة ،عن
سلمة بن سبرة قال :خطبنا معاذ بالشام فقال :أنتم المؤمنون ،وأنتم أهل
الجنة .والله إني أرجو أن يدخل الله من تسبون من فارس والروم الجنة ،
دهم عمل -قال :أحسنت رحمك ) وذلك بأن أحدكم إذا عمل له -يعني أح ُ
ُ
ملوامُنوا وَعَ ِ
نآ َ
ذي َ ّ
ب ال ِ
جي ُ
ست َ ِ
(11الله ،أحسنت بارك الله فيك ،ثم قرأ } :وَي َ ْ
ضل ِهِ { ن فَ ْ م ْ م ِ زيد ُهُ ْ ت وَي َ ِ
حا ِ
صال ِ َ
ال ّ
__________
) (1في أ " :قال".
) (2في ت " :عمه رضي الله عنه".
) (3صحيح مسلم برقم ).(2747
) (4في ت " :مثله".
) (5صحيح مسلم برقم ).(2744
) (6في ت " :راحلته".
) (7تفسير عبد الرزاق ) (2/156وقد روى متصل ،فرواه مسلم في صحيحه
برقم ) (2675من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام ابن منبه عن أبي
هريرة به.
) (8تفسير الطبري ).(25/18
) (9في ت ،م " :لهم الدعاء".
) (10زيادة من ت ،م.
) (11في ت ،م ،أ " :يرحمك".
) (7/205
وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه جعل )] (1مثل[ ) (2قوله :
ل { ]الزمر [18 : ن ال ْ َ
قو ْ َ مُعو َ
ست َ ِ
ن يَ ْ ذي َمُنوا { كقوله } :ال ّ ِ نآ َ ذي َب ال ّ ِجي ُ ست َ ِ
} وَي َ ْ
ما
أي :هم الذين يستجيبون للحق ويتبعونه ،كقوله تبارك وتعالى } :إ ِن ّ َ
ه { ]النعام [36 :والمعنى الول م الل ّ ُموَْتى ي َب ْعَث ُهُ ُ ن َوال ْ َ
مُعو َ س َن يَ ْ ذي َب ال ّ ِ جي ُ ست َ ِ
يَ ْ
ضل ِهِ { أي :يستجيب دعاءهم ن فَ ْ م ْ م ِ زيد ُهُ ْأظهر ؛ لقوله ) (3تعالى } :وَي َ ِ
ويزيدهم فوق ذلك ؛ ولهذا قال ابن أبي حاتم :
حدثنا علي بن الحسين ،حدثنا محمد بن المصفى ،حدثنا بقية ،حدثنا
إسماعيل بن عبد الله الكندي ،حدثنا العمش ،عن شقيق عن عبد الله )(4
ن
م ْم ِ زيد ُهُ ْ قال :قال :رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله } :وَي َ ِ
ضل ِهِ { قال " :الشفاعة لمن وجبت له النار ،ممن صنع إليهم معروفا )(5 فَ ْ
في الدنيا" ).(6
ن
ذي َ ّ
ب ال ِ جي ُ ست َ ِ
وقال قتادة عن إبراهيم النخعي اللخمي في قوله تعالى } :وَي َ ْ
ن
م ْ م ِ زيد ُهُ ْ ت { قال :يشفعون في إخوانهم } ،وَي َ ِ حا ِصال ِ َمُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ آ َ
ضل ِهِ { قال :يشفعون في إخوان إخوانهم. فَ ْ
ديد ٌ { لما ذكر المؤمنين وما لهم من ش ِ ب َ ذا ٌم عَ َ ن ل َهُ ْ كافُِرو َ وقوله َ } :وال ْ َ
الثواب الجزيل ،ذكر الكافرين وما لهم عنده يوم القيامة من العذاب الشديد
الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم.
ض { أي :لو أعطاهم وا ِفي الْر ِ ه الّرْزقَ ل ِعَِبادِهِ ل َب َغَ ْ ط الل ّ ُ س َ وقوله } :وَل َوْ ب َ َ
فوق حاجتهم من الرزق ،لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على
بعض ،أشرا وبطرا.
وقال قتادة :كان يقال :خير العيش ما ل يلهيك ول يطغيك .وذكر قتادة
حديث " :إنما أخاف عليكم ما يخرج الله من زهرة الحياة الدنيا" وسؤال
السائل :أيأتي الخير بالشر ؟ الحديث.
صيٌر { أي :ولكن خِبيٌر ب َ ِ ه ب ِعَِبادِهِ َ شاُء إ ِن ّ ُ ما ي َ َقد َرٍ َ ل بِ َ ن ُينز ُ وقوله } :وَل َك ِ ْ
يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلحهم ،وهو أعلم بذلك فيغني من
يستحق الغنى ،ويفقر من يستحق الفقر .كما جاء في الحديث المروي " :إن
من عبادي لمن ) (7ل يصلحه إل الغنى ،ولو أفقرته لفسدت عليه دينه ،وإن
من عبادي لمن ل يصلحه إل الفقر ،ولو أغنيته لفسدت عليه دينه"
طوا { أي :من بعد إياس ما قَن َ ُ ن ب َعْد ِ َ م ْ ث ِ ل ال ْغَي ْ َذي ُينز ُ وقوله } :وَهُوَ ال ّ ِ
الناس من نزول المطر ،ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه ،كقوله
كانوا من قَب َ
ن { ]الروم .[49 : سي َ ن قَب ْل ِهِ ل َ ُ
مب ْل ِ ِ م ْ م ِ ل عَل َي ْهِ ْ ن ُينز َ لأ ْ ِ ْ ْ ِ ن َ ُ
} :وَإ ِ ْ
طر وتلك ق ْ
ه { أي :يعم بها الوجود على أهل ذلك ال ُ مت َ ُ
ح َ شُر َر ْ وقوله } :وَي َن ْ ُ
الناحية.
__________
) (1في ت ،م " :جعله".
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3في ت " :كقوله".
) (4في ت " :روى ابن أبي حاتم بسنده عن عبد الله".
) (5في أ " :المعروف".
) (6ورواه أبي عاصم في السنة برقم ) (846من طريق محمد بن مصفى
عن بقية به ،وفي إسيناده إسماعيل الكندي .قال الذهبي في الميزان )
" : (1/235عن العمش ،وعنه بقية ،بخبر عجيب منكر".
) (7في ت " :من".
) (7/206
م
معِهِ ْ ن َداب ّةٍ وَهُوَ عََلى َ
ج ْ م ْ ما ِث ِفيهِ َ ما ب َ ّ
ض وَ َ ِ ت َواْل َْر ماَوا ِ س َخل ْقُ ال ّ ن آ ََيات ِهِ َ
م ْ وَ ِ
َ َ
ن
فو عَ ْ م وَي َعْ ُديك ُ ْ
ت أي ْ ِسب َ ْ ما ك َ َصيب َةٍ فَب ِ َ
م ِ ن ُ م ْ صاب َك ُ ْ
م ِ ما أ َ ديٌر ) (29وَ َ شاُء قَ ِ إ َِذا ي َ َ
ي وَلَ ّ َ َ ْ َ
ن وَل ِ ّ م ْ ن اللهِ ِ ن ُدو ِ م ْ م ِما لك ُ ْ ض وَ َ ن ِفي الْر ِ زي َ ج ِ معْ ِم بِ ُ ك َِثيرٍ ) (30وَ َ
ما أن ْت ُ ْ
صيرٍ )(31 نَ ِ
قال قتادة :ذكر لنا أن رجل قال لعمر بن الخطاب :يا أمير المؤمنين ُ ،قحط
و
المطر وقنط الناس ؟ فقال عمر ،رضي الله عنه :مطرتم ،ثم قرأ } :وَهُ َ
ه { ).(1
مت َ ُ
ح َ
شُر َر ْ ما قَن َ ُ
طوا وَي َن ْ ُ ن ب َعْد ِ َ
م ْ
ث ِ ل ال ْغَي ْ َ ذي ُينز ُ ال ّ ِ
ميد ُ { أي :هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم ح ِ ْ
ي ال َ ْ
} وَهُوَ الوَل ِ ّ
وأخراهم ،وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله.
م
معِهِ ْ ج ْن َداب ّةٍ وَهُوَ عََلى َ م ْ ما ِ ث ِفيهِ َ ما ب َ ّ ض وَ َ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ خل ْقُ ال ّ ن آَيات ِهِ َ م ْ } وَ ِ
ن ُ َ َ َ ُ َ َ إ َِذا ي َ َ
فو عَ ْ م وَي َعْ ُ ديك ْ ت أي ْ ِ سب َ ْ ما ك َ صيب َةٍ فب ِ َ م ِ ن ُ م ْم ِ صاب َك ْ ما أ َ ديٌر ) (29وَ َ شاُء ق ِ
ّ ُ َ َ
ي َول ن وَل ِ ّ م ْ ن اللهِ ِ ن ُدو ِ م ْ م ِ ما لك ْ ض وَ َ ن ِفي الْر ِ زي َ ج ِ معْ ِ م بِ ُ ما أن ْت ُ ْ ك َِثيرٍ ) (30وَ َ
صيرٍ ){ (31 نَ ِ
ن آَيات ِهِ { :الدالة على عظمته وقدرته العظيمة وسلطانه م ْ يقول تعالى } :وَ ِ
ما { أي :ذرأ فيهما ،أي :في ث ِفيهِ َ ما ب َ ّ ض وَ َ ت َوالْر ِ وا ِ م َ
س َ خل ْقُ ال ّ القاهر } َ
ن َداب ّةٍ { وهذا يشمل الملئكة والجن والنس وسائر م ْ السموات والرض ِ } ،
الحيوانات ،على اختلف أشكالهم وألوانهم ولغاتهم ،وطباعهم وأجناسهم ،
وأنواعهم ،وقد فرقهم في أرجاء أقطار الرض والسموات } ،وهو { مع هذا
ديٌر { أي :يوم القيامة يجمع الولين والخرين شاُء قَ ِ م إ َِذا ي َ َ معِهِ ْ ج ْ كله } عََلى َ
وسائر الخلئق في صعيد واحد ،يسمعهم الداعي ،وينفذهم البصر ،فيحكم
فيهم بحكمه العدل الحق.
ُ َ َ َ
م { أي :مهما أصابكم ديك ْ ت أي ْ ِ سب َ ْ ما ك َ صيب َةٍ فَب ِ َ م ِ ن ُ م ْ م ِ صاب َك ُ ْ ما أ َ وقوله } :وَ َ
ن
فو عَ ْ أيها الناس من المصائب فإنما هو ) (2عن سيئات تقدمت لكم } وَي َعْ ُ
هّ
خذ ُ الل ُ ؤا ِ ك َِثيرٍ { أي :من السيئات ،فل يجازيكم عليها بل يعفو عنها } ،وَل َوْ ي ُ َ
ن َداب ّةٍ { ] فاطر [ 45 :وفي م ْ ها ِ ك عََلى ظ َهْرِ َ ما ت ََر َ سُبوا َ ما ك َ َ س بِ َ الّنا َ
الحديث الصحيح " :والذي نفسي بيده ،ما يصيب المؤمن من نصب ول
حَزن ،إل كفر الله عنه بها من خطاياه ،حتى الشوكة )(3 صب ول هم ول ُ وَ َ
يشاكها" ).(4
علّية ،حدثنا أيوب وقال ابن جرير :حدثنا يعقوب بن إبراهيم ،حدثنا ابن ُ
خي ًْرال ذ َّرةٍ َ قا َ مث ْ َل ِ م ْ ن ي َعْ َ م ْ ة قال :نزلت } :فَ َ قال :قرأت في كتاب أبي ِقلب َ َ
شّرا ي ََره ُ { ]الزلزلة [8 ، 7 :وأبو بكر يأكل ، ل ذ َّرةٍ َ قا َ مث ْ َ ل ِ م ْ ن ي َعْ َم ْ ي ََره ُ وَ َ
فأمسك وقال :يا رسول الله ،إني لراء ما عملت من خير وشر ؟ فقال :
"أرأيت ما رأيت مما تكره ،فهو من مثاقيل ذ َّر الشر ،وتدخر مثاقيل الخير
حتى تعطاه يوم القيامة" قال :قال أبو إدريس :فإني أرى مصداقها في
ن ك َِثيرٍ { ) َ َ
فو عَ ْ م وَي َعْ ُ ديك ُ ْ ت أي ْ ِ سب َ ْ ما ك َ َ صيب َةٍ فَب ِ َ م ِ ن ُ م ْ م ِ صاب َك ُ ْ ما أ َ كتاب الله } :وَ َ
.(5
ة ،عن أنس ) ، (6قال :والول أصح. ثم رواه من وجه آخر ،عن أبي ِقلب َ َ
__________
) (1رواه الطبري في تفسيره ).(25/19
) (2في ت ،أ " :هي".
) (3في ت ،أ " :بالشوكة".
) (4صحيح البخاري برقم ) (5642 ، 5641وصحيح مسلم برقم )(2573
"من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما".
) (5تفسير الطبري ).(25/20
) (6تفسير الطبري ).(25/21
) (7/207
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ،حدثنا
ضر بنخ ْفَزاري ،حدثنا الزهر بن راشد الكاهلي ،عن ال َ
مروان بن معاوية ال َ
واس البجلي ،عن أبي سخيلة ) (1عن علي ،رضي الله عنه قال :أل ق ّ
ال َ
أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل ،وحدثنا به رسول الله صلى الله
َ َ
ن
فو عَ ْ م وَي َعْ ُ ديك ُ ْت أي ْ ِ سب َ ْ ما ك َ َ صيب َةٍ فَب ِ َ م ِ ن ُ م ْ م ِ صاب َك ُ ْما أ َ عليه وسلم ،قال } :وَ َ
ك َِثيرٍ { .وسأفسرها لك يا علي " :ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلء في
الدنيا ،فبما كسبت أيديكم ) (2والله تعالى أحلم من أن ي ُث َّنى عليه العقوبة
في الخرة ،وما عفا الله عنه في الدنيا فالله ) (3تعالى أكرم من أن يعود
بعد عفوه"
خيلة قال : س َوكذا رواه المام أحمد ،عن مروان بن معاوية وعَْبدة ،عن أبي ُ
قال علي ...فذكر نحوه مرفوعا ).(4
ثم روى ابن أبي حاتم ]نحوه[ ) (5من وجه آخر موقوفا فقال :حدثنا أبي ،
حدثنا منصور بن أبي مزاحم ،حدثنا أبو سعيد بن أبي الوضاح ،عن أبي
فة قال :دخلت على علي بن أبي طالب ،رضي الله حي َج َ الحسن ،عن أبي ُ
عنه ،فقال :أل أحدثكم بحديث ينبغي لكل مؤمن أن َيعَيه ) (6؟ قال :
ُ َ َ
م
ديك ْ ت أي ْ ِ سب َ ْما ك َ َ صيب َةٍ فَب ِ َ م ِ ن ُ م ْ م ِ صاب َك ُ ْ
ما أ َ فسألناه فتل ) (7هذه الية } :وَ َ
ن ك َِثيرٍ { قال :ما عاقب الله به في الدنيا فالله أحلم من أن ي ُث َّني فو عَ ْ
وَي َعْ ُ
عليه العقوبة يوم القيامة ،وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم من أن
يعود في عفوه يوم القيامة.
وقال ) (8المام أحمد :حدثنا يعلى بن عبيد ،حدثنا طلحة -يعني ابن يحيى -
عن أبي ب ُْرد َة َ ،عن معاوية -هو ابن أبي سفيان ،رضي الله عنهما ،قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :ما من شيء يصيب
فَر الله عنه به من سيئاته" ).(9 المؤمن في جسده يؤذيه إل ك َ ّ
وقال أحمد أيضا :حدثنا حسين ،عن زائدة ،عن ليث ،عن مجاهد )، (10
عن عائشة قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إذا كثرت ذنوب
ن ليكفرها" ).(11 حَز ِ العبد ،ولم يكن له ما يكفرها ،ابتله الله بال َ
وقال ) (12ابن أبي حاتم :حدثنا عمرو بن عبد الله الودي ،حدثنا أبو
أسامة ،عن إسماعيل بن مسلم ،عن الحسن -هو البصري -قال في
ن ك َِثيرٍ { قال : َ َ
فو عَ ْ م وَي َعْ ُ ديك ُ ْ ت أي ْ ِ ما ك َ َ
سب َ ْ صيب َةٍ فَب ِ َ م ِ ن ُ
م ْ م ِ صاب َك ُ ْ
ما أ َقوله } :وَ َ
لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :والذي نفس محمد بيده ،
دش عود ،ول اختلج عرق ،ول عَْثرة قدم ،إل بذنب وما يعفو الله خ ْما من َ
عنه أكثر" ).(13
م ،عن منصور شي ْ وقال ) (14أيضا :حدثنا أبي ،حدثنا عمر بن علي ،حدثنا هُ َ
،عن الحسن ،عن
__________
) (1في ت " :وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
) (2في أ " :أيديكم ويعفو عن كثير".
) (3في ت " :والله".
) (4المسند ).(1/85
) (5زيادة من أ.
) (6في أ " :يصيبه".
) (7في ت " :قبل".
) (8في ت " :وروى".
) (9المسند ) (4/98قال الهيثمي في المجمع )" : (3/301رجال أحمد رجال
الصحيح".
) (10في ت ،م " :عن مجاهد ،وروى أيضا".
) (11المسند ).(6/157
) (12في ت " :وروى".
) (13ورواه هناد بن السري في الزهد برقم ) (431من طريق إسماعيل بن
مسلم به مرسل.
) (14في ت " :وروى".
) (7/208
عمران بن حصين ،رضي الله عنه ،قال :دخل عليه بعض أصحابه وقد كان
س لك لما نرى فيك .قال :فل ابتلي في جسده ،فقال له بعضهم إنا ل َن َب ْت َئ ِ ُ
تبتئس بما ترى ،فإن ما ترى بذنب ،وما يعفو الله عنه أكثر ،ثم تل هذه الية
ن ك َِثيرٍ { َ َ
فو عَ ْ م وَي َعْ ُديك ُ ْت أي ْ ِ سب َ ْما ك َ َ
صيب َةٍ فَب ِ َ
م ِن ُ م ْ صاب َك ُ ْ
م ِ ما أ َ } :وَ َ
ماني ،حدثنا جرير ]قال (1) [ :وحدثنا أبي :حدثنا يحيى بن عبد الحميد الح ّ
َ
ماصيب َةٍ فَب ِ َم ِ ن ُ م ْ
م ِ صاب َك ُ ْ
ما أ َ عن أبي البلد ) (2قال :قلت للعلء بن بدر } :وَ َ
َ
م { ،وقد ذهب بصري وأنا غلم ؟ قال :فبذنوب والديك. ديك ُ ْ
ت أي ْ ِ كَ َ
سب َ ْ
وحدثنا أبي :حدثنا علي بن محمد الط َّنافسي ،حدثنا وكيع ،عن عبد العزيز
بن أبي راود ،عن الضحاك ) (3قال :ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه )
ُ َ َ
م
ديك ْ ت أي ْ ِ ما ك َ َ
سب َ ْ صيب َةٍ فَب ِ َم ِن ُ م ْ م ِ صاب َك ُ ْ ما أ َ (4إل بذنب ،ثم قرأ الضحاك } :وَ َ
ن ك َِثيرٍ { .ثم يقول الضحاك :وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن. فو عَ ْ وَي َعْ ُ
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في أ " :أبي العل".
) (3في ت " :وروى أيضا عن الضحاك".
) (4في أ " :سيبه".
) (7/209
) (7/209
مُنوا ذي َ
نآ َ قى ل ِل ّ ِ َ خي ٌْر وَأ َب ْ َ عن ْد َ الل ّهِ َ ما ِ حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ مَتاع ُ ال ْ َ
يٍء فَ َ ش ْ ن َ م ْ م ِ
ُ
ما أوِتيت ُ ْفَ َ
ماش وَإ َِذا َ ح َ وا ِ ن ك ََبائ َِر اْل ِث ْم ِ َوال ْ َ
ف َ جت َن ُِبو َن يَ ْ
ذي َ ن )َ (36وال ّ ِ م ي َت َوَك ُّلو َ وَعََلى َرب ّهِ ْ
َ َ
م
مُرهُ ْ صَلة َ وَأ ْ موا ال ّ م وَأَقا ُ جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ ست َ َنا ْ ذي َ ن )َ (37وال ّ ِ فُرو َ م ي َغْ ِ ضُبوا هُ ْ غَ ِ
ْ َ ّ
م
ي هُ ْ م الب َغْ ُ ن إ َِذا أ َ
صاب َهُ ُ ذي َ ن )َ (38وال ِ قو َم ي ُن ْفِ ُ ما َرَزقَْناهُ ْ م ّم وَ ِ شوَرى ب َي ْن َهُ ْ ُ
ن )(39 صُرو َ ي َن ْت َ ِ
وهذا القول هو يتضمن هلكها ،وهو مناسب للول ) ، (1وهو أنه تعالى لو
شاء لسكن الريح فوقفت ،أو لقواه فشردت وأبقت وهلكت .ولكن من
لطفه ) (2ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة ،كما يرسل المطر بقدر الكفاية
،ولو أنزله كثيرا جدا لهدم البنيان ،أو قليل لما أنبت الزرع ) (3والثمار ،حتى
إنه يرسل إلى مثل بلد مصر سيحا من أرض أخرى غيرها ) (4؛ لنهم ل
يحتاجون إلى مطر ،ولو أنزل عليهم لهدم بنيانهم ،وأسقط جدرانهم.
ص { أي :ل محيد حي ٍ م ِ
ن َ م ْ م ِ ما ل َهُ ْ ن ِفي آَيات َِنا َ جادُِلو َ ن يُ َ ذي َ م ال ّ ِ وقوله } :وَي َعْل َ َ
لهم عن بأسنا ونقمتنا ،فإنهم مقهورون بقدرتنا.
ّ َ ّ ُ
نذي َ قى ل ِل ِ خي ٌْر وَأب ْ َ عن ْد َ اللهِ َ ما ِ حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ مَتاعُ ال ْ َ يٍء فَ َ ش ْ ن َ م ْ م ِ ما أوِتيت ُ ْ } فَ َ
ماش وَإ َِذا َ ح َ وا ِ ف َ ْ
ن كَبائ َِر الث ْم ِ َوال َ َ جت َن ُِبو َ ن يَ ْ
ذي َ ّ
ن )َ (36وال ِ ُ ّ
م ي َت َوَكلو َ َ
مُنوا وَعَلى َرب ّهِ ْ آ َ
َ َ ّ
م
مُرهُ ْ صلة َ وَأ ْ موا ال ّ م وَأَقا ُ جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ ست َ َنا ْ ذي َ ن )َ (37وال ِ فُرو َ م ي َغْ ِ ضُبوا هُ ْ غَ ِ
َ
م
ي هُ ْ م ال ْب َغْ ُ ن إ َِذا أ َ
صاب َهُ ُ ذي َ ن )َ (38وال ّ ِ قو َ م ي ُن ْفِ ُما َرَزقَْناهُ ْ م ّ م وَ ِ شوَرى ب َي ْن َهُ ْ ُ
ن ){ (39 صُرو َ ي َن ْت َ ِ
يقول تعالى محقرا بشأن الحياة الدنيا وزينتها ،وما فيها من الزهرة والنعيم
ُ
حَياةِ الد ّن َْيا { أي :مهما مَتاعُ ال ْ َ يٍء فَ َ ش ْ ن َ م ْ م ِ ما أوِتيت ُ ْ الفاني ،بقوله } :فَ َ
حصلتم وجمعتم فل تغتروا به ،فإنما هو متاع الحياة الدنيا ،وهي دار دنيئة
قى { أي :وثواب الله خير من خي ٌْر وَأ َب ْ َعن ْد َ الل ّهِ َ ما ِ فانية زائلة ل محالة } ،وَ َ
الدنيا ،وهو باق سرمدي ،فل تقدموا الفاني على الباقي ؛ ولهذا قال :
مُنوا { أي :للذين صبروا على ترك الملذ في الدنيا } ،وَعََلى َرب ّهِ ْ
م نآ َ ذي َ} ل ِل ّ ِ
ن { أي :ليعينهم على الصبر في أداء الواجبات وترك المحرمات. ي َت َوَك ُّلو َ
ش { وقد قدمنا الكلم على ح َ وا ِ
ف َ ن ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ
جت َن ُِبو َ
ن يَ ْ ثم قال َ } :وال ّ ِ
ذي َ
ن { أي :
فُرو َ
م ي َغْ ِ ما غَ ِ
ضُبوا هُ ْ الثم والفواحش في "سورة العراف" } وَإ َِذا َ
سجيتهم ]وخلقهم وطبعهم[ ) (5تقتضي الصفح والعفو عن الناس ،ليس
سجيتهم النتقام من الناس.
وقد ثبت في الصحيح :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه
قط ،إل أن تنتهك حرمات الله ) (6وفي حديث آخر " :كان يقول لحدنا )(7
عند المعتبة :ما له ؟ تربت جبينه" ).(8
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا ابن أبي عمر ،حدثنا سفيان ،عن
زائدة ،عن منصور ) ، (9عن إبراهيم قال :كان المؤمنون يكرهون أن
يستذلوا ،وكانوا إذا قدروا عفوا.
__________
) (1في ت ،أ " :للقول الول".
) (2في أ " :لطف الله".
) (3في ت ،م " :الزروع".
) (4في أ " :عليها".
) (5زيادة من أ.
) (6رواه البخاري في صحيحه برقم ) (6126من حديث عائشة بلفظ " :وما
انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط ،إل أن تنتهك
حرمة الله ،فينتقم بها الله".
) (7في أ " :للرجل".
) (8رواه البخاري في صحيحه برقم ) (6031من حديث أنس بن مالك رضي
الله عنه.
) (9في ت " :وروى ابن أبي حاتم بسنده".
) (7/210
َ فا وأ َ
ب ح ّ ه َل ي ُ ِ جُرهُ عََلى الل ّهِ إ ِن ّ ُ ح فَأ ْ صل َ َ
ْ ن عَ َ َ م ْ مث ْل َُها فَ َ ة ِ سي ّئ َ ٌ سي ّئ َةٍ َجَزاُء َ وَ َ
ما َ َ َ ُ َ ْ ُ َ ّ
ل ) (41إ ِن ّ َ سِبي ٍن َ م ْ م ِ ما عَلي ْهِ ْ مهِ فأولئ ِك َ صَر ب َعْد َ ظل ِ ن ان ْت َ َ م ِ ن ) (40وَل َ مي َ الظال ِ ِ
م َ َ َ ُ ْ َ ْ ْ ّ َ ُ
حقّ أولئ ِك لهُ ْ ض ب ِغَي ْرِ ال َ ن ِفي الْر ِ س وَي َب ُْغو َ ن الّنا َمو َ ن ي َظل ِ ُ ذي َ سِبيل عَلى ال ِ ال ّ
مورِ )(43 ُ ْ َ َ َ َ َ َ عَ َ
ن عَْزم ِ ال ُ م ْ ن ذل ِك ل ِ فَر إ ِ ّ صب ََر وَغ َ
ن َ م ْ م ) (42وَل َ ب أِلي ٌ ذا ٌ
م { أي :اتبعوا رسله وأطاعوا أمره ، جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ ست َ َ نا ْ وقوله َ } :وال ّ ِ
ذي َ
َ
صلة َ { وهي أعظم العبادات لله عز وجل ، موا ال ّ واجتنبوا زجره } ،وَأَقا ُ
م { أي :ل يبرمون أمرا حتى يتشاوروا ) (1فيه ، م ُ َ
شوَرى ب َي ْن َهُ ْ مُرهُ ْ
} وَأ ْ
ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها ،كما قال تعالى :
ل عََلى الل ّهِ { ]آل عمران [159 :
ت فَت َوَك ّ ْ
م َ مرِ فَإ َِذا عََز ْ م ِفي ال ْ شاوِْرهُ ْ} وَ َ
ولهذا كان عليه ]الصلة[ ) (2السلم ،يشاورهم في الحروب ونحوها ،
ليطيب بذلك قلوبهم .وهكذا لما حضرت عمر بن الخطاب ]رضي الله عنه[ )
(3الوفاة حين طعن ،جعل المر بعده شورى في ستة نفر ،وهم :عثمان ،
وعلي ،وطلحة ،والزبير ،وسعد ،وعبد الرحمن بن عوف ،رضي الله عنهم
أجمعين ،فاجتمع رأي الصحابة كلهم على تقديم عثمان عليهم ،رضي الله
ن { وذلك بالحسان إلى خلق الله ،القرب قو َ م ي ُن ْفِ ُما َرَزقَْناهُ ْ م ّ عنهم } ،وَ ِ
إليهم منهم فالقرب.
َ
ن { أي :فيهم قوة النتصار صُرو َ م ي َن ْت َ ِ ي هُ ْ م ال ْب َغْ ُ صاب َهُ ُ ن إ َِذا أ َ ذي َ وقوله َ } :وال ّ ِ
ممن ظلمهم واعتدى عليهم ،ليسوا بعاجزين ول أذلة ،بل يقدرون على
النتقام ممن بغى عليهم ،وإن كانوا مع هذا إذا قدروا وعفوا ،كما قال
و
م َ ُ َ
ه و ] ه ل َك ُ ْفُر الل ّ ُ م ي َغْ ِم ال ْي َوْ َ
ب عَل َي ْك ُ ُ ري َ َيوسف ،عليه السلم ،لخوته } :ل ت َث ْ ِ
ن[ )] { (4يوسف ، [92 :مع قدرته على مؤاخذتهم ومقابلتهم مي َ ح ِ م الّرا ِ ح ُ أْر َ
على صنيعهم إليه ،وكما عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولئك
النفر الثمانين الذين قصدوه عام الحديبية ،ونزلوا من جبل التنعيم ،فلما قدر
ن عليهم ) (5مع قدرته على النتقام ،وكذلك عفوه عن غَوَْرث بن م ّعليهم َ
الحارث ،الذي أراد الفتك به ]عليه السلم[ ) (6حين اخترط سيفه وهو نائم ،
صْلتا ،فانتهره فوضعه من يده ،وأخذ فاستيقظ ،عليه السلم ،وهو في يده َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف من يده ،ودعا أصحابه ،ثم أعلمهم
بما كان من أمره وأمر هذا الرجل ،وعفا عنه .وكذلك عفا عن لبيد بن
العصم ) ، (7الذي سحره ،عليه السلم ،ومع هذا لم يعرض له ،ول عاتبه ،
مع قدرته عليه .وكذلك عفوه ،عليه السلم ،عن المرأة اليهودية -وهي
زينب أخت ) (8مرحب اليهودي الخيبري الذي قتله محمود بن مسلمة -التي
سمت الذراع يوم خيبر ،فأخبره الذراع بذلك ،فدعاها فاعترفت فقال " :ما
حملك على ذلك" قالت :أردت إن كنت نبيا لم يضرك ،وإن لم تكن نبيا
استرحنا منك ،فأطلقها ،عليه الصلة والسلم ،ولكن لما مات منه بشر بن
البراء قتلها به ،والحاديث والثار في هذا كثيرة جدا ،والحمد لله ).(9
َ ة مث ْل ُها فَمن ع َ َ َ
بح ّ ه ل يُ ِ جُرهُ عََلى الل ّهِ إ ِن ّ ُ ح فَأ ْ صل َ َ
فا وَأ ُْ َ ْ سي ّئ َ ٌ ِ َ سي ّئ َةٍ َ جَزاُء َ } وَ َ
مال ) (41إ ِن ّ َ سِبي ٍ ن َ م ْ م ِ َ
ما عَلي ْهِ ْ ك َ َ
مهِ فَأولئ ِ َ ْ ُ
صَر ب َعْد َ ظل ِ ن ان ْت َ َ م َ
ن ) (40وَل َ مي َ ظال ِ ِال ّ
ِ
ك ل َهُ ْ
م حقّ ُأول َئ ِ َ ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ ن ِفي الْر ِ س وَي َب ُْغو َ ن الّنا َ مو َ ن ي َظ ْل ِ ُ ذي َ ل عََلى ال ّ ِ سِبي ُ ال ّ
مورِ ){ (43 َ ن ذ َل ِ َ صب ََر وَغَ َ َ َ عَ َ
ن عَْزم ِ ال ُ م ْ كل ِ فَر إ ِ ّ ن َ م ْ م ) (42وَل َ ب أِلي ٌ ذا ٌ
دى ن اعْت َ َ مث ْلَها { كقوله تعالى } :فَ َ ُ سي ّئ َ ٌسي ّئ َةٍ َ
م ِ ة ِ جَزاُء َ قوله تعالى } :وَ َ
م { ]البقرة [194 : ُ َ
دى عَلي ْك ْ ما اعْت َ َ ل َ مث ْ ِ دوا عَل َي ْهِ ب ِ ِ م َفاعْت َ ُ عَل َي ْك ُ ْ
__________
) (1في أ " :يشاورون".
) (2زيادة من ت.
) (3زيادة من ت.
) (4زيادة من أ.
) (5في ت ،م ،أ " :عنهم".
) (6زيادة من ت.
) (7في ت " :أعصم".
) (8في ت ،م " :بنت".
) (9في أ " :ولله الحمد والمنة".
) (7/211
النسائي ).(1
وقال البزار :حدثنا يوسف بن موسى ،حدثنا أبو غسان ،حدثنا أبو الحوص
عن أبي حمزة ،عن إبراهيم ،عن السود ) ، (2عن عائشة ،رضي الله
عنها ،قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :من دعا على من
ظلمه فقد انتصر".
ورواه الترمذي من حديث أبي الحوص ،عن أبي حمزة -واسمه ميمون -ثم
قال " :ل نعرفه إل من حديثه ،وقد تكلم فيه من قبل حفظه" ).(3
نن ي َظ ْ ِ ُ َ
مو ل ذي َ ل { أي :إنما الحرج والعنت } عََلى ال ّ ِ سِبي ُ ما ال ّ وقوله } :إ ِن ّ َ
حقّ { أي :يبدؤون الناس بالظلم .كما جاء ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َن ِفي الْر ِ س وَي َب ُْغو َ الّنا َ
في الحديث الصحيح " :المستبان ما قال فعلى البادئ ما لم ي َعَْتد المظلوم".
َ } ُأول َئ ِ َ
م { أي :شديد موجع. ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ ك ل َهُ ْ
قال أبو بكر بن أبي شيبة :حدثنا الحسن بن موسى ،حدثنا سعيد بن زيد -
أخو حماد بن زيد -حدثنا عثمان الشحام ،حدثنا ) (4محمد بن واسع قال :
من ْظ ََرة ،فأخذت فانطلق بي إلى مروان بن قدمت مكة فإذا على الخندق َ
المهلب ،وهو أمير على البصرة ،فقال :حاجتك يا أبا عبد الله .قلت حاجتي
إن استطعت أن تكون كما قال أخو بني عدي .قال :ومن أخو بني عدي ؟
قال :العلء بن زياد ،استعمل صديقا له مرة على عمل ،فكتب إليه :أما
بعد فإن استطعت أل تبيت إل وظهرك خفيف ،وبطنك خميص ،وكفك نقية
من دماء المسلمين وأموالهم ،فإنك إذا فعلت ) (5ذلك لم يكن عليك سبيل ،
ق
ح ّض ب ِغَي ْرِ ال ْ َن ِفي الْر ِ س وَي َب ُْغو َ
ن الّنا َ
مو َ ن ي َظ ْل ِ ُ
ذي َل عََلى ال ّ ِ سِبي ُ ما ال ّ } إ ِن ّ َ
م { فقال ) (6صدق والله ونصح ثم قال :ما حاجتك يا لي َ أ ب ذا َ ع
ُ ْ َ م ه َ ل َ
ك ُأول َئ ِ
ٌ ِ ٌ
أبا عبد الله ؟ قلت :حاجتي أن تلحقني بأهلي .قال :نعم رواه ابن أبي حاتم
).(7
ثم إنه تعالى لما ذم الظلم وأهله وشرع القصاص ،قال نادبا إلى العفو
نفَر { أي :صبر على الذى وستر السيئة } ،إ ِ ّ صب ََر وَغَ َن َ م ْوالصفح } :وَل َ َ
مورِ { ن عَْزم ِ ال ُ م ْ ك لَ ِ ذ َل ِ َ
قال سعيد بن جبير ] :يعني[ ) (8لمن حق المور التي أمر الله بها ،أي :لمن
المور المشكورة والفعال الحميدة ) (9التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا عمران بن موسى الطرسوسي ،
حدثنا عبد الصمد بن يزيد -خادم الفضيل بن عياض -قال :سمعت )(10
الفضيل بن عياض يقول ) (11إذا أتاك رجل
__________
) (1النسائي في السنن الكبرى برقم ) (11476وسنن ابن ماجه برقم )
(1981قال البوصيري في الزوائد )" : (2/115هذا إسناد صحيح على شرط
مسلم".
) (2في ت " :وروى البزار بسنده".
) (3سنن الترمذي برقم ) (3552ورواه ابن أبي شيبة في المصنف )
(10/347وابن عدي في الكامل ) (6/412من طريق أبي الحوص به ،وقال
ابن عدي " :ل أعلم من يرويه عن أبي حمزة غير أبي الحوص".
) (4في ت " :عن".
) (5في أ " :قبلت".
) (6في ت ،أ " :فقال مروان".
) (7المصنف لبن أبي شيبة ).(14/63
) (8زيادة من أ.
) (9في ت " :المحمودة".
) (10في ت " :وعن".
) (11في ت " :قال".
) (7/213
يشكو إليك رجل فقل " :يا أخي ،اعف عنه" .فإن العفو أقرب للتقوى ،فإن
قال :ل يحتمل قلبي العفو ،ولكن أنتصر كما أمرني الله ) (1عز وجل .فقل
له ) (2إن كنت تحسن أن تنتصر وإل فارجع إلى باب العفو ،فإنه باب واسع ،
فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله ،وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل
،وصاحب النتصار يقلب المور ).(3
جلن ، وقال المام أحمد :حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد القطان -عن ابن عَ ْ
حدثنا سعيد بن أبي سعيد (4) ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه أن رجل شتم
أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس ،فجعل النبي صلى الله عليه
وسلم يعجب ويتبسم ،فلما أكثر رد عليه بعض قوله ،فغضب النبي صلى
الله عليه وسلم وقام ،فلحقه أبو بكر فقال :يا رسول الله إنه كان يشتمني
وأنت جالس ،فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت! قال " :إنه كان
معك ملك يرد عنك ،فلما رددت عليه بعض قوله حضر ) (5الشيطان ،فلم
أكن لقعد مع الشيطان" .ثم قال " :يا أبا بكر ،ثلث كلهن حق ،ما من عبد
صَره ،وما فتح رجل باب ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله ،إل أعز الله بها ن َ ْ ُ
عطية يريد بها صلة ،إل زاده الله بها كثرة ،وما فتح رجل باب مسألة يريد
بها كثرة ،إل زاده الله بها قلة"
وكذا رواه أبو داود ،عن عبد العلى بن حماد ،عن سفيان بن عيينة -قال :
جلن ) (6ورواه من طريق ورواه صفوان بن عيسى ،كلهما عن محمد بن عَ ْ
ري ،عن بشير بن المحرر ،عن سعيد بن المسيب قب ُ ِ
م ْالليث ،عن سعيد ال َ
مرسل ).(7
ب سبه للصديق ).(8 وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى ،وهو سب ُ
ْ َ َ ّ
ب ما َرأُوا العَ َ
ذا َ نل ّمي َ
ن ب َعْدِهِ وَت ََرى الظال ِ ِ
م ْي ِ ن وَل ِ ّ
م ْ ما ل َ ُ
ه ِ ل الل ّ ُ
ه فَ َ ضل ِ ِ
ن يُ ْم ْ
} وَ َ
ل ){ (44 سِبي ٍ
ن َ م ْ مَرد ّ ِ َ
ل إ ِلى َ ن هَ ْقوُلو َ يَ ُ
__________
) (1في ت " :ربي".
) (2في ت ،أ " :قال له الفضيل".
) (3بعدها " :رواه ابن أبي حاتم".
) (4في ت " :وروى المام أحمد بسنده".
) (5في ت ،م ،أ " :وقع".
) (6المسند ) (2/436وسنن أبي داود برقم ).(4897 ، 4896
) (7سنن أبي داود برقم ).(4897
) (8في ت ،أ " :وهذا الحديث في غاية الحسن وهو مناسب للصديق" ،وفي
م " :وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى وهو مناسب للصديق".
) (7/214
ي وََقا َ
ل ف ّ خ ِف َ ن ط َْر ٍ م ْ ن ِ ل ي َن ْظ ُُرو َ ن الذ ّ ّم َ ن ِ
شِعي َ خا ِ ن عَل َي َْها َ ضو َ م ي ُعَْر ُ وَت ََراهُ ْ
َ َ َ َ
نمةِ أَل إ ِ ّ م ال ْ ِ
قَيا َ م ي َوْ َ م وَأهِْليهِ ْ سهُ ْف َسُروا أن ْ ُ خ ِ ن َ ذي َن ال ّ ِ ري َ س ِخا ِ ن ال ْ َ مُنوا إ ِ ّنآ َ ذي َ ال ّ ِ
ن َ َ ما َ ن ِفي عَ َ ّ
ن ُدو ِ م ْ
م ِ صُرون َهُ ْن أوْل َِياَء ي َن ْ ُ م ْم ِن لهُ ْ كا َ قيم ٍ ) (45وَ َ م ِ ب ُ ذا ٍ مي َ الظال ِ ِ
ل )(46 سِبي ٍ ن َ م ْ
ه ِ َ
ما ل ُ ه فَ َ ّ
ل الل ُ ضل ِ ِن يُ ْم ْ الل ّهِ وَ َ
ي وََقا َ
ل ف ّ خ ِف َ ن ط َْر ٍ م ْ ن ِ ل ي َن ْظ ُُرو َ ن الذ ّ ّ م َ ن ِ شِعي َخا ِ ن عَل َي َْها َ ضو َ م ي ُعَْر ُ} وَت ََراهُ ْ
َ ْ َ َ ّ ْ
نِ ّ إ أل ة م يا ق ل ا م وي
ْ َ ُ ْ َ ْ ِ ِ ْ َ ْ َ ِ َ َ ِم ه لي ه أ و م ه س ُ ف ن أ روا س خ
ِ َ َ ِ ُ ن ذي ل ا ن ري
َ ِ ِ َ س خا لا ن
م ُ ِ ّ
إ نوا نآ َ ذي َال ّ ِ
َ
ن
ن ُدو ِ م ْ م ِ صُرون َهُ ْ ن أوْل َِياَء ي َن ْ ُ م ْ م ِ ن ل َهُ ْ ما َ
كا َ قيم ٍ ) (45وَ َ م ِب ُ ذا ٍ ن ِفي عَ َ مي َ ال ّ
ظال ِ ِ
ل ){ (46 سِبي ٍ ن َ م ْ ه ِ ما ل َ ُه فَ َل الل ّ ُ ضل ِ ِ
ن يُ ْ م ْالل ّهِ وَ َ
يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة :إنه ما شاء ) (1كان ول راد له ،وما
ضل له ،ومن يضلل )(3 م ِ لم يشأ لم يكن فل موجد له ) (2وأنه من هداه فل ُ
دا { ]الكهف : ش ً مْر ِ ه وَل ِّيا ُ جد َ ل َ ُن تَ ِ ل فَل َ ْ ضل ِ ْن يُ ْم ْ فل هادي له ،كما قال } :وَ َ
[17
ب{ ْ
ما َرأُوا العَ َ َ َ
ذا َ ثم قال مخبرا عن الظالمين ،وهم المشركون بالله } ل ّ
أي :يوم القيامة يتمنون
__________
) (1في ت " :ما شاء الله".
) (2في أ " :فل مؤاخذة له".
) (3في ت ،م " :يضلل الله".
) (7/214
ل { ،كما قال ]تعالى[ ) سِبي ٍ ن َ م ْ مَرد ّ ِ ل إ َِلى َ ن هَ ْ قوُلو َ الرجعة إلى الدنيا } ،ي َ ُ
ت َرب َّنا
ب ِبآَيا ِ قاُلوا َيا ل َي ْت ََنا ن َُرد ّ َول ن ُك َذ ّ َ فوا عََلى الّنارِ فَ َ } (1وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ وُقِ ُ
مال وَل َوْ ُرّدوا ل ََعاُدوا ل ِ َ ن قَب ْ ُ م ْ ن ِ فو َ خ ُكاُنوا ي ُ ْما َ م َ دا ل َهُ ْ
ل بَ َ ن بَ ْمِني َمؤ ْ ِن ال ْ ُ م َ ن ِ كو َوَن َ ُ
ن { ]النعام .[28 ، 27 : كاذُِبو َم لَ َ ه وَإ ِن ّهُ ْ ن ُُهوا عَن ْ ُ
ل{ ن الذ ّ ّ م َ ن ِ شِعي َ خا ِ ن عَلي َْها { أي :على النار } َ َ ضو َ م ي ُعَْر ُ وقوله } :وَت ََراهُ ْ
فن طْر ٍ َ م ْ ن ِ ُ
أي :الذي قد اعتراهم بما أسلفوا من عصيان الله } ،ي َن ْظُرو َ
سارَقة خوفا منها ، م َ ي { قال مجاهد :يعني ذليل ،أي ينظرون إليها ُ ف ّ خ َِ
والذي يحذرون منه واقع بهم ل محالة ،وما هو أعظم مما في نفوسهم ،
أجارنا الله من ذلك.
ن { أي : ري َ س ِ خا ِ ْ
ن ال َ مُنوا { أي :يقولون يوم القيامة } :إ ِ ّ نآ َ ذي َ ل ال ّ ِ } وََقا َ
مةِ { أي :ذهب ْ َ َ ّ
قَيا َم ال ِ م ي َوْ َ م وَأهِْليهِ ْ سهُ ْف َسُروا أن ْ ُ خ ِ ن َ ذي َالخسار ) (2الكبر } ال ِ
بهم إلى ) (3النار فعدموا لذتهم في دار البد ،وخسروا أنفسهم ،وفرق
ن َ
بينهم وبين أصحابهم وأحبابهم وأهاليهم وقراباتهم (4) ،فخسروهم } ،أل إ ِ ّ
قيم ٍ { أي :دائم سرمدي أبدي ،ل خروج لهم منها ول م ِب ُ ذا ٍ ن ِفي عَ َ مي َ ظال ِ ِ ال ّ
محيد لهم عنها.
ن الل ّهِ { أي :ينقذونهم َ
ن ُدو ِ م ْ م ِ صُرون َهُ ْ ن أوْل َِياَء ي َن ْ ُ م ْ م ِ ن ل َهُ ْ كا َ ما َ وقوله } :وَ َ
ل { أي : سِبي ٍ ن َ م ْ ه ِ ما ل َ ُ ه فَ َ ل الل ّ ُ ضل ِ ِ ن يُ ْ م ْ مما هم فيه من العذاب والنكال } ،وَ َ
ليس له خلص.
ْ َ ّ َ ْ َ
جإ ٍمل َ ن َ م ْ م ِ ما لك ُ ْ ن اللهِ َ م َ ه ِ مَرد ّ ل ُ مل َ ي ي َوْ ٌ ن ي َأت ِ َ لأ ْ ن قَب ْ ِ م ْ م ِ جيُبوا ل َِرب ّك ُ ْ ست َ ِ }ا ْ
ً َ ْ َ َ َ
ن فيظا إ ِ ْ ح ِ م َ ك عَلي ْهِ ْ سلَنا َ ما أْر َ ضوا فَ َ ن أعَْر ُ كيرٍ ) (47فَإ ِ ْ ن نَ ِ م ْ م ِ ما لك ُ ْ مئ ِذ ٍ وَ َ ي َوْ َ
َ ْ عَل َي ْ َ
ما ة بِ َ سي ّئ َ ٌ م َ صب ْهُ ْ ن تُ ِ ح ب َِها وَإ ِ ْ ة فَرِ َ م ً ح َ مّنا َر ْ ن ِ سا َ ك ِإل الَبلغ ُ وَإ ِّنا إ َِذا أذ َقَْنا الن ْ َ
ن كَ ُ َ
فوٌر ){ (48 سا َ ن الن ْ َ م فَإ ِ ّ ديهِ ْ ت أي ْ ِ م ْ قَد ّ َ
لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الهوال والمور العظام الهائلة
م ْ ذر منه وأمر بالستعداد له ،فقال } :استجيبوا ل ِربك ُم من قَب َ ح ّ
ي ي َوْ ٌ ن ي َأت ِ َ لأ ْ َ ّ ْ ِ ْ ْ ِ ْ َ ِ ُ َ
ن اللهِ { أي :إذا أمر بكونه فإنه كلمح البصر يكون ،وليس له ّ م َ ه ِ َ
مَرد ّ ل ُ ل َ
دافع ول مانع.
كيرٍ { أي :ليس لكم حصن ن نَ ِ م ْ م ِ ُ
ما لك ْ َ مئ ِذ ٍ وَ َ جإ ٍ ي َوْ َ ْ
مل َ ن َ م ْ م ِ ما لك ُْ َ وقوله َ } :
تتحصنون فيه ،ول مكان يستركم وتتنكرون فيه ،فتغيبون عن بصره ،تبارك
وتعالى ،بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته ،فل ملجأ منه إل إليه ،
َ
قّر { ست َ َ م ْ مئ ِذٍ ال ْ ُ ك ي َوْ َ كل ل وََزَر إ َِلى َرب ّ َ فّرَ . م َن ال ْ َ مئ ِذ ٍ أي ْ َ ن ي َوْ َ سا ُ ل الن ْ َ قو ُ } يَ ُ
]القيامة .[12 - 10 :
ً َ سلَنا َ ْ َ وقوله } :فَإ َ
فيظا { ح ِ م َ ك عَلي ْهِ ْ ما أْر َ ضوا { يعني :المشركين } فَ َ ن أعَْر ُ ِ ْ
هّ
ن الل َ م وَلك ِ ّ َ داهُ ْ ك هُ َ َ
س عَلي ْ َ َ
أي :لست عليهم بمصيطر .وقال تعالى } :لي ْ َ
َ
ك الَبلغ ُ وَعَلي َْنا ْ َ
ما عَلي ْ َ شاُء { ]البقرة ، [272 :وقال تعالى } :فَإ ِن ّ َ ن يَ َ م ْ دي َ ي َهْ ِ
ن عَلي ْك ِإل الَبلغُ { أي :إنما ْ َ َ ب { ]الرعد [40 :وقال هاهنا } :إ ِ ْ سا ُ ح َ ال ْ ِ
كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم.
__________
) (1زيادة من ت.
) (2في أ " :الخاسر".
) (3في ت " :في".
) (4في ت " :وأقربائهم".
) (7/215
َْ
ن
م ْب لِ َ شاُء إ َِناًثا وَي َهَ ُن يَ َم ْ
ب لِ َ
شاُء ي َهَ ُ ما ي َ َ خل ُقُ َ ض يَ ْ
ت ََوالْر ِ ماَوا ِ
س َ
ك ال ّ مل ْ ُ
ل ِل ّهِ ُ
م
ه عَِلي ٌ ما إ ِن ّ ُ
قي ً
شاُء عَ ِ ن يَ َم ْل َ م ذ ُك َْراًنا وَإ َِناًثا وَي َ ْ
جعَ ُ جهُ ْ
كوَر ) (49أوْ ي َُزوّ ُ شاُء الذ ّ ُ يَ َ
ديٌر )(50 قَ ِ
َ
ة فَرِ َ
ح ب َِها { أي :إذا أصابه م ً
ح َ
مّنا َر ْ
ن ِسا َ ثم قال تعالى } :وَإ ِّنا إ َِذا أذ َقَْنا الن ْ َ
م { يعني الناس } سيئة { أي :جدب صب ْهُ ْ
ن تُ ِ
رخاء ونعمة فرح بذلك } ،وَإ ِ ْ
فوٌر { أي :يجحد ما تقدم من النعمة ) ن كَ ُ سا َ
ن الن ْ َ ونقمة وبلء وشدة } ،فَإ ِ ّ
(1ول يعرف إل الساعة الراهنة ،فإن أصابته نعمة أشر وبطر ،وإن أصابته
محنة يئس وقنط ،كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ]للنساء[ ) (2يا
م يا
معشر النساء ،تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقالت امرأة :ول ِ َ
رسول الله ؟ قال " :لنكن ُتكثرن الشكاية ،وتكفرن العشير ،لو أحسنت
إلى إحداهن الدهر ثم تركت يوما قالت :ما رأيت منك خيرا قط" ) (3وهذا
حال أكثر الناس ) (4إل من هداه الله وألهمه رشده ،وكان من الذين آمنوا
وعملوا الصالحات ،فالمؤمن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن
أصابته سراء شكر فكان خيرا له ،وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ،
وليس ذلك لحد إل للمؤمن" ).(5
نم ْ ب لِ َ شاُء إ َِناًثا وَي َهَ ُ ن يَ َ م ْ ب لِ َ شاُء ي َهَ ُ ما ي َ َخل ُقُ َ ض يَ ْ ت َوالْر ِ وا ِ م َ
س َك ال ّ مل ْ ُ } ل ِل ّهِ ُ
َ
مه عَِلي ٌ ما إ ِن ّ ُ قي ًشاُء عَ ِ ن يَ َ م ْ ل َ جعَ ُ م ذ ُك َْراًنا وَإ َِناًثا وَي َ ْ جهُ ْ
كوَر ) (49أوْ ي َُزوّ ُ شاُء الذ ّ ُ يَ َ
ديٌر ){ (50 قَ ِ
يخبر تعالى أنه خالق السموات والرض ومالكهما والمتصرف فيهما ،وأنه ما
شاء كان ،وما لم يشأ لم يكن ،وأنه يعطي من يشاء ،ويمنع من يشاء ،ول
ن
م ْ ب لِ َ مانع لما أعطى ،ول معطي لما منع ،وأنه يخلق ما يشاء ،و } ي َهَ ُ
شاُء إ َِناًثا { أي :يرزقه البنات فقط -قال البغوي :ومنهم لوط ،عليه يَ َ
شاُء الذ ّكوَر { أي :يرزقه البنين فقط .قال البغوي : ُ ن يَ َ م ْب لِ َالسلم } وَي َهَ ُ
م ذ ُك َْراًنا وَإ َِناثاً َ
جهُ ْ كإبراهيم الخليل ،عليه السلم -لم يولد له أنثى } . ،أوْ ي َُزوّ ُ
{ أي :ويعطي من يشاء من الناس الزوجين الذكر والنثى ،أي :من هذا
شاُء ن يَ َ م ْ ل َ جعَ ُوهذا ) .(6قال البغوي :كمحمد ،عليه الصلة والسلم } وَي َ ْ
ما { أي :ل يولد له .قال البغوي :كيحيى وعيسى ،عليهما السلم ، قي ً عَ ِ
فجعل الناس أربعة أقسام ،منهم من يعطيه البنات ،ومنهم من يعطيه البنين
،ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا ،ومنهم من يمنعه هذا وهذا ،
م { أي :بمن يستحق كل ه عَِلي ٌ فيجعله عقيما ل نسل له ول يولد له } ،إ ِن ّ ُ
ديٌر { أي :على من يشاء ،من تفاوت الناس قسم من هذه القسام } ،قَ ِ
في ذلك.
س { ]مريم : َ
ة ِللّنا ِ ه آي َ ًجعَل ُ وهذا المقام شبيه بقوله تعالى عن عيسى } :وَل ِن َ ْ
[21أي :دللة لهم على قدرته ،تعالى وتقدس ،حيث خلق الخلق على
أربعة أقسام ،فآدم ،عليه السلم ،مخلوق من تراب ل من ذكر ول أنثى ،
وحواء عليها السلم ] ،مخلوقة[ ) (7من ذكر بل أنثى ،وسائر الخلق سوى
عيسى ]عليه السلم[ ) (8من ذكر وأنثى ،وعيسى ،عليه السلم ،من أنثى
بل ذكر فتمت الدللة بخلق عيسى ابن مريم ،عليهما السلم ؛ ولهذا قال } :
س { ،فهذا المقام في الباء ،والمقام الول في البناء ، ة ِللّنا ِ ه آي َ ً جعَل َ ُوَل ِن َ ْ
وكل منهما أربعة أقسام ،فسبحان العليم القدير.
__________
) (1في ت ،م " :النعم".
) (2زيادة من ت ،م ،أ.
) (3رواه مسلم في صحيحه برقم ) (79من حديث عبد الله بن عمر رضي
الله عنه ،وبرقم ) (80من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
) (4في ت ،م " :النساء".
) (5رواه مسلم في صحيحه برقم ) (299من حديث صهيب رضي الله عنه.
) (6في ت " :هذا من هذا".
) (7زيادة من ت.
) (8زيادة من ت ،م ،وفي أ " :عيسى ابن مريم عليهما السلم".
) (7/216
سوًل َ َ كان ل ِب َ َ
س َ
ل َر ُ ب أوْ ي ُْر ِ
جا ٍ
ح َ
ن وََراِء ِ
م ْ ه إ ِّل وَ ْ
حًيا أوْ ِ ه الل ّ ُم ُ ن ي ُك َل ّ َ
شرٍ أ ْ ما َ َ َ وَ َ
م )(51 كي ٌح ِ
ي َ ه عَل ِ ّشاُء إ ِن ّ ُ ما ي َ َ
ي ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ فَُيو ِ
ح َ
َ َ كان ل ِب َ َ
سول س َ
ل َر ُ ب أوْ ي ُْر ِ
جا ٍ
ح َ
ن وََراءِ ِ
م ْحًيا أوْ ِ
ه ِإل وَ ْه الل ّ ُ ن ي ُك َل ّ َ
م ُ شرٍ أ ْ ما َ َ َ } وَ َ
م ){ (51 كي ٌ
ح ِي َ ه عَل ِ ّشاُء إ ِن ّ ُما ي َ َ
ي ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ
ح َفَُيو ِ
) (7/217
ك روحا م َ وك َذ َل ِ َ َ
نن وَل َك ِ ْ ما ُ ب وََل ا ْ ِ
لي َ ما ال ْك َِتا ُت ت َد ِْري َ ما ك ُن ْ َ مرَِنا َنأ ْحي َْنا إ ِل َي ْ َ ُ ً ِ ْ ك أوْ َ َ
قيم ٍ ) ست َ ِ م ْط ُ صَرا ٍ َ
دي إ ِلى ِ َ َ
عَبادَِنا وَإ ِن ّك لت َهْ ِن ِ م ْ شاُء ِ ن نَ َم ْدي ب ِهِ َ ْ
جعَلَناه ُ ُنوًرا ن َهْ ِ َ
صيُر ّ َ َ َ َ ْ َ ّ ّ
ض أل إ ِلى اللهِ ت َ ِ ما ِفي الْر ِ ت وَ َ ماَوا ِ س َما ِفي ال ّ ه َذي ل ُ ط اللهِ ال ِ صَرا ِ ِ (52
ُ
موُر )(53 اْل ُ
ك روحا م َ } وك َذ َل ِ َ َ
ن
ما ُ ب َول الي َ ما ال ْك َِتا ُ ت ت َد ِْري َ ما ك ُن ْ َ مرَِنا َ نأ ْ حي َْنا إ ِل َي ْ َ ُ ً ِ ْ ك أوْ َ َ
ط
صَرا ٍ دي إ َِلى ِ ك ل َت َهْ ِ عَبادَِنا وَإ ِن ّ َ ن ِ ْ م
ِ ُ ءشا َ َ ن نْ م
َ ِ ه ِ ب دي ِ ْ ه َ ن را ً نو ُ ُ ه ناَ ْ ل َ عجَ نوَل َك ِ ْ
ض أل إ َِلى َ
ما ِفي الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َ س َ ما ِفي ال ّ ه َ ذي ل َ ُ ط الل ّهِ ال ّ ِ صَرا ِ قيم ٍ )ِ (52 ست َ ِ م ْ ُ
موُر ){ (53 صيُر ال ُ اللهِ ت َ ِ ّ
هذه مقامات ) (1الوحي بالنسبة إلى جناب الله ،عز وجل ،وهو أنه تعالى
تارة يقذف في روع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ل يتمارى فيه أنه من
الله عز وجل ،كما جاء في صحيح ابن حبان ،عن رسول الله صلى الله عليه
دس نفث في ُروعي :أن نفسا لن تموت حتى ق ُ وسلم أنه قال " :إن ُروح ال ُ
تستكمل رزقها وأجلها ،فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" ).(2
ب { كما كلم موسى ،عليه السلم ،فإنه سأل َ
جا ٍ ح َ ن وََراِء ِ م ْ وقوله } :أوْ ِ
الرؤية بعد التكليم ،فحجب عنها.
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله :
"ما كلم الله أحدا إل من وراء حجاب ،وإنه كلم أباك كفاحا" الحديث )، (3
وكان ]أبوه[ ) (4قد قتل يوم أحد ،ولكن هذا في عالم البرزخ ،والية إنما
هي في الدار ) (5الدنيا.
ما ي َ َ سول فَُيو ِ س َ َ
شاُء { كما ينزل جبريل ]عليه ي ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ ح َ ل َر ُ وقوله } :أوْ ي ُْر ِ
ي
ه عَل ِ ّ السلم[ ) (6وغيره من الملئكة على النبياء ،عليهم السلم } ،إ ِن ّ ُ
م { ،فهو علي عليم خبير حكيم. كي ٌ ح َِ
ت ُ َ َ َ َ َ َ َ
ما كن ْ َ مرَِنا { يعني :القرآن َ } ، نأ ْ م ْ حا ِ حي َْنا إ ِلي ْك ُرو ً وقوله ) } (7وَكذل ِك أوْ َ
ن { أي :على التفصيل الذي شرع لك في القرآن ، ب َول الي َ ُ
ما ما ال ْك َِتا ُ ت َد ِْري َ
عَبادَِنا { ،كقوله ن ِ م ْشاُء ِ ن نَ َ م ْ دي ب ِهِ َ جعَل َْناهُ { أي :القرآن } ُنوًرا ن َهْ ِ ن َ } وَل َك ِ ْ
م وَقٌْر وَهُ َ
و ن ِفي آَذان ِهِ ْ مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َ فاٌء َوال ّ ِ ش َ دى وَ ِ مُنوا هُ ً نآ َ ذي َ ل هُوَ ل ِل ّ ِ } :قُ ْ
َ ُ
ن ب َِعيد ٍ { ]فصلت .[44 : كا ٍ م َ ن َ م ْ ن ِ ك ي َُناد َوْ َ مى أولئ ِ َ م عَ ً عَل َي ْهِ ْ
قيم ٍ { ،وهو ست َ ِم ْ ط ُصَرا ٍ دي إ َِلى ِ ك { ]أي[ ) (8يا محمد } ل َت َهْ ِ وقوله } :وَإ ِن ّ َ
ذي[ { ) (10أي : ّ
ط اللهِ ]ال ِ ّ صَرا ِ الخلق ) (9القويم .ثم فسره بقوله ِ } :
ض { أي : ما ِفي الْر ِ ت وَ َ وا ِم َ س َ ما ِفي ال ّ ه َ ذي ل َ ُ شرعه الذي أمر به الله } ،ال ّ ِ
َ
ربهما ومالكهما ،والمتصرف فيهما ،الحاكم الذي ل معقب لحكمه } ،أل إ َِلى
موُر { ،أي :ترجع المور ،فيفصلها ويحكم فيها. صيُر ال ُ الل ّهِ ت َ ِ
آخر تفسير سورة "]حم[ ) (11الشورى" والحمد لله رب العالمين.
__________
) (1في ت " :مقدمات".
) (2ورواه البغوي في شرح السنة ) (14/304من طريق إسماعيل بن أبي
خالد عن زبيد اليامي عمن أخبره عن ابن مسعود به.
) (3رواه الترمذي في السنن برقم ) (3010وقال " :هذا حديث حسن غريب
من هذا الوجه".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في ت " :دار".
) (6زيادة من م.
) (7في ت " :فقوله".
) (8زيادة من م.
) (9في ت ،م ،أ " :الحق".
) (10زيادة من أ.
) (11زيادة من أ.
) (7/217
قُلو َ َ
هن ) (3وَإ ِن ّ ُ م ت َعْ ِ جعَل َْناه ُ قُْرآًنا عََرب ِّيا ل َعَل ّك ُ ْ ن ) (2إ ِّنا َ مِبي ِ ب ال ْ ُ حم )َ (1وال ْك َِتا ِ
َ َ ب ل َد َي َْنا ل َعَل ِ م ال ْك َِتا ُ
ن ك ُن ْت ُ ْ
م حا أ ْ ف ً ص ْ َ م الذ ّك َْر ب عَن ْك ُ ُ ضرِ ُم ) (4أفَن َ ْ كي ٌح ِ ي َ ّ ِ ِفي أ ّ
ي إ ِّل ْ َ قَوما مسرفين ) (5وك َ َ
ن ن َب ِ ّ م ْ م ِ ما ي َأِتيهِ ْ ن ) (6وَ َ ي ِفي اْلوِّلي َ ن ن َب ِ ّ
م ْ سل َْنا ِ م أْر َ َ ْ ْ ً ُ ْ ِ ِ َ
ن )(8 لي ول اْل َ ُ َ ث م ضى م و شاً ْ ط ب م ه ن م د َ
ش ستهزُئون ) (7فَأ َهْل َك ْنا أ َ َ
ّ َ ِ َ َ َ َ ّ ِ ُْ ْ َ َ كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ َ ْ ِ َ
) (7/218
َ َ
زيُز ال ْعَِلي ُ
م )(9 ن ال ْعَ ِ قهُ ّ خل َ َ
ن َقول ُ ّ
ض ل َي َ ُ
ت َواْلْر َ ماَوا ِ
س َال ّ خل َقَ
ن َم ْ
م َ سأل ْت َهُ ْن َوَل َئ ِ ْ
ّ َ ً َ َ
ن )(10 دو َ سب ُل لعَلك ُ ْ
م ت َهْت َ ُ م ِفيَها ُ ل لك ُ ْجعَ َ
دا وَ َ
مهْ ً
َ م اْلْر َ
ض ل ل َك ُ ُجعَ َ ذي َ ال ّ ِ
أوائل ) (1هذه المة لهلكوا ،ولكن الله عاد بعائدته ورحمته ،وكرره عليهم
ودعاهم إليه عشرين سنة ،أو ما شاء الله من ذلك.
وقول قتادة لطيف المعنى جدا ،وحاصله أنه يقول في معناه :أنه تعالى من
لطفه ورحمته بخلقه ل يترك دعاءهم إلى الخير والذكر ) (2الحكيم -وهو
القرآن -وإن كانوا مسرفين معرضين عنه ،بل أمر ) (3به ليهتدي من قَ ّ
در
هدايته ،وتقوم الحجة على من كتب شقاوته.
ثم قال تعالى -مسليا لنبيه في تكذيب من كذبه من قومه ،وآمرا له بالصبر
عليهم } : -وك َ َ
ما
ن { أي :في شيع الولين } ،وَ َ ي ِفي الوِّلي َ ن ن َب ِ ّ م ْ سل َْنا ِ م أْر َ َ ْ
ي ِإل َ ْ
ن { أي :يكذبونه ويسخرون به. ست َهْزُِئو َ كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ ن ن َب ِ َ ّ م ْ
م ِ ي َأِتيهِ ْ
شا { أي :فأهلكنا المكذبين بالرسل ،وقد م ب َط ْ ً من ْهُ ْشد ّ ِ وقوله } :فَأهْل َك َْنا أ َ َ
َ
سيُروا ِفي م يَ ِ كانوا أشد بطشا من هؤلء المكذبين لك يا محمد .كقوله } :أفَل َ ْ
شد ّم وَأ َ َ من ْهُ ْ
َ
كاُنوا أك ْث ََر ِ م َ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِ ذي َ ة ال ّ ِ عاقِب َ ُ ن َ كا َ ف َ ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ الْر ِ
قُوّة ً { ]غافر [82 :واليات في ذلك كثيرة.
ن { قال مجاهد :سنتهم .وقال قتادة :عقوبتهم. ل الوِّلي َ مث َ ُضى َ م َ وقوله } :وَ َ
وقال غيرهما :عبرتهم ،أي :جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن
مَثلفا وَ َ سل َ ًم َ جعَل َْناهُ ْ يصيبهم ما أصابهم ،كقوله في آخر هذه السورة } :فَ َ
عَبادِهِ {ت ِفي ِ خل َ ْ ت الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ سن ّ َ ن { ]الزخرف .[56 :وكقوله ُ } : ري َ خ ِ ِلل ِ
ديل { ]الحزاب .[62 : سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِجد َ ل ِ ُ ن تَ ِ [85وقال } :وَل َ ْ ]غافر :
ْ ْ َ ُ َ َ ْ َ
م )(9 زيُز العَِلي ُ ن العَ ِ قهُ ّ خل َ ن َ قول ّ ض لي َ ُ ت َوالْر َ وا ِ م َ س َ خلقَ ال ّ ن َ م ْ م َ سألت َهُ ْ ن َ } وَل َئ ِ ْ
ن ){ (10 دو َ م ت َهْت َ ُ سُبل ل َعَل ّك ُ ْ م ِفيَها ُ ل ل َك ُ ْ جعَ َ دا وَ َ مهْ ً ض َ م الْر َ ل ل َك ُ ُ جعَ َ ذي َ ال ّ ِ
__________
) (1في ت " :أول".
) (2في ت ،م ،أ " :إلى الخير وإلى الذكر".
) (3في ت ،م " :يأمر".
) (7/219
ن )(11 جو َ خَر ُ ك تُ ْ مي ًْتا ك َذ َل ِ َ شْرَنا ب ِهِ ب َل ْد َة ً َ قد َرٍ فَأ َن ْ َ ماًء ب ِ َ ماِء َ س َن ال ّ م َ ل ِ ذي ن َّز َ َوال ّ ِ
َ خل َقَ اْل َْزَوا َ
ن )(12 ما ت َْرك َُبو َ ك َواْلن َْعام ِ َ فل ْ ِ ن ال ْ ُ م َ م ِ ل ل َك ُ ْ جعَ َ ج ك ُل َّها وَ َ ذي َ َوال ّ ِ
ن
حا َسب ْ َقوُلوا ُ م عَل َي ْهِ وَت َ ُ ست َوَي ْت ُ ْ م إ َِذا ا ْ ة َرب ّك ُ ْ م َ م ت َذ ْك ُُروا ن ِعْ َ ووا عََلى ظ ُُهورِهِ ث ُ ّ ست َ ُ ل ِت َ ْ
ن )(14 قل ُِبو َ من ْ َ َ َ
ن ) (13وَإ ِّنا إ ِلى َرب َّنا ل ُ قرِِني َ م ْه ُ َ
ما كّنا ل ُ ُ ذا وَ َ خَر لَنا هَ َ َ س ّ ذي َ ال ّ ِ
ن )(11 جو َخَر ُ ك تُ ْ مي ًْتا ك َذ َل ِ َ شْرَنا ب ِهِ ب َل ْد َة ً َ قد َرٍ فَأ َن ْ َ ماًء ب ِ َ ماِء َ س َ ن ال ّ م َ ل ِ ذي نز َ } َوال ّ ِ
ن )(12 ما ت َْرك َُبو َ ك َوالن َْعام ِ َ فل ْ ِ ن ال ْ ُ م َ م ِ ل ل َك ُ ْ جعَ َ ج ك ُل َّها وَ َ خل َقَ الْزَوا َ ذي َ َوال ّ ِ
نحا َسب ْ َقولوا ُُ َ
م عَلي ْهِ وَت َ ُ ست َوَي ْت ُ ْ م إ َِذا ا ْ ة َرب ّك ُ ْ م َ م ت َذ ْك ُُروا ن ِعْ َ ُ
ووا عَلى ظُهورِهِ ث ُ ّ َ ست َ ُ ل ِت َ ْ
ن ){ (14 قل ُِبو َ من ْ َ َ َ
ن ) (13وَإ ِّنا إ ِلى َرب َّنا ل ُ قرِِني َ م ْه ُ َ
ما ك ُّنا ل ُ ذا وَ َ خَر لَنا هَ َ َ س ّ ذي َ ال ّ ِ
يقول تعالى :ولئن سألت -يا محمد -هؤلء المشركين بالله العابدين معه
م { أي : زيُز ال ْعَِلي ُ ن ال ْعَ ِ قهُ ّ خل َ َ
ن َ قول ُ ّ ض ل َي َ ُ ت َوالْر َ وا ِ م َ س َ خل َقَ ال ّ ن َ م ْ غيره َ } :
ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله ]تعالى[ ) (1وحده ل شريك له ،وهم مع
هذا يعبدون معه غيره من الصنام والنداد.
شا قراًرا ثابتة ،يسيرون دا { أي :فرا ً مهْ ً ض َ م الْر َ ل ل َك ُ ُ جعَ َ ذي َ ثم قال } :ال ّ ِ
عليها ويقومون وينامون وينصرفون ،مع أنها مخلوقة على تيار الماء ،لكنه
سُبل { أي :طرقا م ِفيَها ُ ل ل َك ُ ْ جعَ َأرساها بالجبال لئل تميد هكذا ول هكذا } ،وَ َ
ن { أي :في سيركم من بلد إلى بلد ، دو َ م ت َهْت َ ُ بين الجبال والودية } ل َعَل ّك ُ ْ
__________
) (1زيادة من أ.
) (7/219
) (7/220
وهكذا رواه أبو داود ،والترمذي ،والنسائي ،من حديث أبي الحوص -زاد
سِبيعي ،عن علي بن ربيعة السدي النسائي :ومنصور -عن أبي إسحاق ال ّ
الوالبي ،به ) .(2) (1وقال الترمذي :حسن صحيح.
سِبيعي :
مهْدِيّ ،عن شعبة :قلت لبي إسحاق ال ّ
وقد قال عبد الرحمن بن َ
ممن سمعت هذا الحديث ؟ قال :من يونس بن خباب .فلقيت يونس بن
خباب فقلت :ممن سمعته ؟ فقال :من رجل سمعه من علي بن ربيعة.
ورواه بعضهم عن يونس بن خباب ،عن شقيق بن عقبة السدي ،عن علي
بن ربيعة الوالبي ،به(3) .
حديث عبد الله بن عباس ،رضي الله عنهما :
قال المام أحمد :حدثنا أبو المغيرة ،حدثنا أبو بكر بن عبد الله ،عن علي
بن أبي طلحة ،عن عبد الله بن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أردفه على دابته ،فلما استوى عليها كّبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلثا ،وحمد ) (4ثلثا ،وهلل الله واحدة .ثم استلقى عليه فضحك ،ثم أقبل
عليه فقال " :ما من امرئ مسلم يركب دابة فيصنع كما صنعت ،إل أقبل
الله ،عز وجل ،عليه ،فضحك إليه كما ضحكت إليك" .تفرد به أحمد(5) .
حديث عبد الله بن عمر ،رضي الله عنهما :
قال المام أحمد :حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة ،عن أبي الزبير ،عن
علي بن عبد الله البارقي ،عن عبد الله بن عمر ،رضي الله عنهما ؛ أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته كبر ثلثا ،ثم قال :
ن { .ثم قل ُِبو َ ن .وَإ ِّنا إ َِلى َرب َّنا ل َ ُ
من ْ َ قرِِني َ
م ْ ما ك ُّنا ل َ ُ
ه ُ خَر ل ََنا هَ َ
ذا وَ َ س ّ ن ال ّ ِ
ذي َ حا َسب ْ َ
} ُ
يقول " :اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ،ومن العمل ما
ترضى .اللهم ،هون علينا السفر واطو لنا البعيد .اللهم ،أنت الصاحب في
السفر ،والخليفة في الهل .اللهم ،اصحبنا في سفرنا ،واخلفنا في أهلنا".
وكان إذا رجع إلى أهله قال " :آيبون تائبون إن شاء الله ،عابدون ،لربنا
حامدون".
وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي ،من حديث ابن جريج ،والترمذي من
حديث حماد بن سلمة ،كلهما عن أبي الزبير ،به(6) .
حديث آخر :
قال المام أحمد :حدثنا محمد بن عبيد ،حدثنا محمد بن إسحاق ،عن محمد
بن إبراهيم ،عن
__________
) (1في ت " :رواه المام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي".
) (2المسند ) (1/97وسنن أبي داود برقم ) (2602وسنن الترمذي برقم )
(3446والنسائي في السنن الكبري برقم ).(8800
) (3تحفة الشراف للمزي ).(7/436
) (4في ت ،أ " :وحمد الله ثلثا".
) (5المسند ) (2/330قال الهيثمي في المجمع )" : (10/131فيه أبو بكر بن
أبي مريم وهو ضعيف".
) (6المسند ) (2/144وصحيح مسلم برقم ) (1342وسنن أبي داود برقم )
(2599والنسائي في السنن الكبرى برقم ) (10382وسنن الترمذي برقم )
.(3447
) (7/221
خل ُقُ ما ي َ ْ م ّ خذ َ ِ ن ) (15أ َم ِ ات ّ َ مِبي ٌ فوٌر ُ ن ل َك َ ُ سا َ ن اْل ِن ْ َ جْزًءا إ ِ ّ عَبادِهِ ُ ن ِ م ْ ه ِ جعَُلوا ل َ ُ وَ َ
ل َ
مث َل ظ ّ ً َ ن ) (16وَإ َِذا ب ُ ّ ْ ُ َ
ن َ م ِ ح َ ب ِللّر ْ ضَر َ ما َ م بِ َحد ُهُ ْ شَر أ َ م ِبالب َِني َ فاك ْ ص َ ت وَأ ْ ب ََنا ٍ
َ
صام ِ غي ُْر ْ ْ ْ ُ ن ي ُن َ ّ َ َ
خ َ حلي َةِ وَهُوَ ِفي ال ِ شأ ِفي ال ِ م ْم ) (17أوَ َ ظي ٌ سوَّدا وَهُوَ ك ِ م ْ ه ُ جهُ ُ وَ ْ
م ْ َ
ن إ َِناًثا أ َ ّ َ َ ْ ُ
قهُ ْ خل َ دوا َ شهِ ُ م ِ ح َ عَباد ُ الّر ْ م ِ ن هُ ْ ذي َ ة ال ِ ملئ ِك َ جعَلوا ال َ ن ) (18وَ َ مِبي ٍ ُ
م َ َ ُ
ن ) (19وَقالوا لوْ َ َ ُ َ ب َ ْ
ما لهُ ْ م َ ما عَب َد َْناهُ ْ ن َ م ُح َ شاَء الّر ْ سألو َ م وَي ُ ْ شَهاد َت ُهُ ْ ست ُكت َ ُ َ
ن )(20 صو َ خُر ُ ّ
م إ ِل ي َ ْ ن هُ ْ علم ٍ إ ِ ْ ْ ن ِ م ْ َ
ب ِذل ِك ِ َ
عمرو بن الحكم بن ثوبان ) ، (1عن أبي لس الخزاعي قال :حملنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة إلى الحج .فقلنا :يا
رسول الله ،ما نرى ) (2أن تحملنا هذه! فقال " :ما من بعير إل في ذروته
شيطان ،فاذكروا اسم الله عليها إذا ركبتموها كما آمركم ) ، (3ثم امتهنوها
لنفسكم ،فإنما يحمل الله عز وجل"(4) .
خَلف. أبو لس اسمه :محمد بن السود بن َ
حديث آخر في معناه :
قال أحمد :حدثنا عَّتاب ،أخبرنا عبد الله)ح( وعلي بن إسحاق ،أخبرنا عبد
الله -يعني ابن المبارك -أخبرنا أسامة بن زيد ،أخبرني محمد بن حمزة ؛
أنه سمع أباه يقول :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :على
ظهر كل بعير شيطان ،فإن ركبتموها فسموا الله ،عز وجل ،ثم ل تقصروا
عن حاجاتكم"(5) .
ُ َ َ
خلقُ ما ي َ ْ م ّ خذ َ ِ ن ) (15أم ِ ات ّ َ مِبي ٌ فوٌر ُ َ
ن لك ُ سا َ ن الن ْ َ جْزًءا إ ِ ّ عَبادِهِ ُ ن ِ م ْ ه ِ جعَُلوا ل َ ُ } وَ َ
ل مَثل ظ َّ َ ن ) (16وَإ َِذا ب ُ ّ ْ ُ َ
ن َ م ِ ح َ ب ِللّر ْ ضَر َ ما َ م بِ َ حد ُهُ ْ شَر أ َ م ِبالب َِني َ فاك ْ ص َ ت وَأ ْ ب ََنا ٍ
َ
صام ِ غي ُْر ْ ْ ْ ُ ن ي ُن َ ّ َ َ
خ َ حلي َةِ وَهُوَ ِفي ال ِ شأ ِفي ال ِ م ْ م ) (17أوَ َ ظي ٌ سوَّدا وَهُوَ ك ِ م ْ ه ُ جهُ ُ وَ ْ
م ْ َ َ ً ّ َ ْ ُ
قهُ ْ خل َ دوا َ ن إ َِناثا أشهِ ُ م ِ ح َ عَباد ُ الّر ْ م ِ ن هُ ْ ذي َ ة ال ِ ملئ ِك َ جعَلوا ال َ ن ) (18و َ مِبي ٍ ُ
م ه َ ل ما م ه نا د ب ع ما ن مح ر ال ء
َ شا َ و َ ل لوا ُ قاَ و ( 19 ) ن لوُ شها َدتهم ويسأ َ َ ب ت ْ ك ت س
ّ ْ َ ُ َ ََ َْ ُ ْ َ ُ ْ ْ َ َ َ َُُ ْ َُ ْ َ ُ َ ُ
ن ){ (20 ك ِ ْ ِ ٍ ِ ْ ُ ْ ِ َ ُ ُ َ
صو ر خْ ي إل م ه ن إ م ْ ل ع ن م ب ِذ َل ِ َ
يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض
النعام لطواغيتهم وبعضها لله ،كما ذكر الله عنهم في سورة "النعام" ،في
َ
ذا ل ِل ّ ِ
ه قاُلوا هَ َ صيًبا فَ َ ث َوالن َْعام ِ ن َ ِ حْر ِ ن ال ْ َ م َ ما ذ ََرأ ِ م ّ جعَُلوا ل ِل ّهِ ِ قوله } :وَ َ
ن ل ِلهِ فَهُ َ
و ّ كا َ ما َ ّ
ل إ ِلى اللهِ وَ َ َ ص ُ م َفل ي َ ِ كائ ِهِ ْ شَر َ ن لِ ُ كا َ ما َ كائ َِنا فَ َ شَر َ ذا ل ِ ُ م وَهَ َ مهِ ْ ب َِزعْ ِ
ن { ]النعام .[136 :وكذلك جعلوا له من مو َ حك ُ ُ ما ي َ ْ ساَء َ م َ شَركائ ِهِ ْ َ ل إ ِلى ُ َ ص ُ يَ ِ
سهما وأردأهما وهو البنات ،كما قال تعالى : قسمي ) (6البنات والبنين أخ ّ
ه الن َْثى .ت ِل ْ َ َ
ضيَزى { ]النجم .[22 ، 21 :وقال ة ِ م ٌ س َ ك إ ًِذا قِ ْ م الذ ّك َُر وَل َ ُ } أل َك ُ ُ
ن{ مِبي ٌ فوٌر ُ ن ل َك َ ُ سا َ ن الن ْ َ جْزًءا إ ِ ّ عَبادِهِ ُ ن ِ م ْ ه ِ جعَُلوا ل َ ُ هاهنا } :وَ َ
ْ ُ َ ُ َ
ن { وهذا إنكار عليهم غاية م ِبالب َِني َ فاك ْ ص َ ت وَأ ْ خلقُ ب ََنا ٍ ما ي َ ْ م ّ خذ َ ِ ثم قال } :أم ِ ات ّ َ
ن َ النكار .ثم ذكر تمام النكار فقال } :وَإ َِذا ب ُ ّ
م ِ ح َ ب ِللّر ْ ضَر َ ما َ م بِ َ حد ُهُ ْ شَر أ َ
م { أي :إذا بشر أحد هؤلء بما جعلوه لله ظي ٌ سوَّدا وَهُوَ ك َ ِ م ْ ه ُ جهُ ُ ل وَ ْ مَثل ظ َ ّ َ
من البنات يأنف من ذلك غاية النفة ،وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به ،
__________
) (1في ت " :رواه المام أحمد بسنده".
) (2في م " :ما ترى".
) (3في ت " :أمرتم".
) (4المسند ) (4/221ورجاله ثقات.
) (5المسند ) (3/494وقال الهيثمي في المجمع )" : (10/131رجاله رجال
الصحيح غير محمد بن حمزة وهو ثقة".
) (6في ت " :من كل قسم".
) (7/222
ويتوارى من القوم من خجله من ذلك ،يقول تعالى :فكيف تأنفون أنتم من
ذلك ،وتنسبونه إلى الله عز وجل ؟.
ثم قال } :أ َومن ين ّ ُ
ن { أي :المرأة مِبي ٍ صام ِ غَي ُْر ُ خ َ حل ْي َةِ وَهُوَ ِفي ال ْ ِ شأ ِفي ال ْ ِ َ َ ْ َُ
ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة ،وإذا خاصمت فل عبارة
ن يكون هكذا ينسب إلى جناب الله عز وجل ) م ْ لها ،بل هي عاجزة عَي ِّية ،أوَ َ
(1؟! فالنثى ناقصة الظاهر والباطن ،في الصورة والمعنى ،فيكمل نقص
ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه ،ليجبر ما فيها من نقص ،كما
قال بعض شعراء العرب :
صرا... سن قَ ّ ح ْ سن إذا ال ُ ح ْ م من ُ م ُ ة ...يت ّ ة من نقيص ٍ حْلي إل زين َ ٌ ما ال َ وَ َ
ج إلى أن يَزّورا... حت َ ْ سنك ،لم ي َ ْ ح ْ ل موّفرا ...ك ُ ما إَذا كان الجما ُ وأ ّ
وأما نقص معناها ،فإنها ضعيفة عاجزة عن النتصار عند النتصار ،ل عبارة
لها ول همة ،كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت " :ما هي بنعم الولد :
نصرها بالبكاء ،وبرها سرقة".
ن إ َِناًثا { أي :اعتقدوا فيهم م ِ ح َعَباد ُ الّر ْ م ِ ن هُ ْ ذي َة ال ّ ِ ملئ ِك َ َ جعَُلوا ال ْ َ وقوله } :وَ َ
م { أي : ْ َ
ذلك ،فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك ،فقال } :أ َ
قهُ ْ
خل َ دوا َ شهِ ُ
م { أي :بذلك ، شَهاد َت ُهُ ْ ب َ ست ُك ْت َ ُ شاهدوه وقد خلقهم الله إناثا َ } ،
} ويسألون { عن ذلك يوم القيامة .وهذا تهديد شديد ،ووعيد أكيد.
م { أي :لو أراد الله لحال بيننا وبين ما عَب َد َْناهُ ْ ن َ م ُ ح َ شاَء الّر ْ } وََقاُلوا ل َوْ َ
عبادة هذه الصنام ،التي هي على صور ) (2الملئكة التي هي بنات الله ،
فإنه عالم بذلك وهو يقررنا عليه ،فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ :
جعُْلهم لله ولدا ،تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا. أحدها َ :
الثاني :دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين ،فجعلوا الملئكة الذين هم
عباد الرحمن إناثا.
الثالث :عبادتهم لهم مع ذلك كله ،بل دليل ول برهان ،ول إذن من الله عز
وجل ،بل بمجرد الراء والهواء ،والتقليد للسلف والكبراء والباء ،والخبط
في الجاهلية الجهلء.
درا ]والحجة إنما تكون بالشرع[ ) الرابع :احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قَ َ
، (3وقد جهلوا في هذا الحتجاج جهل كبيًرا ،فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم
أشد النكار ،فإنه منذ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده ل شريك
قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ
ة
م ٍ لأ ّ له ،وينهى عن عبادة ما سواه ،قال ]تعالى[ ) } ، (4وَل َ َ ْ َ َ َ ِ
َ
نم ْ م َ من ْهُ ْ
ه وَ ِدى الل ّ ُ ن هَ َم ْ م َ من ْهُ ْ ت فَ ِ غو َ طا ُ جت َن ُِبوا ال ّ ه َوا ْ دوا الل ّ َ ن ا ُعْب ُ ُ سول أ ِ َر ُ
ن{ بيّ ذَ ك
َ َ َِ ُ ُ ِ َ مْ لا ة بق عا ن َ
كا ف
ْ َ ي َ ك روا ْ ُُ ظ ن فاَ ض ر ال في ِ روا سي
ِ ُ َ ف ة َ
ّ ُ ل ضل ال َ
ق ْ َ ْ ِ
ه ي ل ع ت ح َّ
َ َ ْ َ ِ
جعَل َْنا أ نا
ِ ْ ُ ُ َِ َ ل س ر ن م ك َ ل بَ ق ن
َ ْ ْ َ َ ِ ْ ِْ م نا ْ ل س ر أ ن م ْ
ل أ س َ ْ وا } : تعالى وقال ، [ 36 : ]النحل
ن { ]الزخرف .[45 : دو َ ة ي ُعْب َ ُ ن آل ِهَ ً م ِ
ح َ ن الّر ْ ن ُدو ِ م ْ ِ
__________
) (1في ت " :الله تعالى" ،وفي م ،أ " :الله العظيم".
) (2في أ " :صورة".
) (3زيادة من أ.
) (4زيادة من أ.
) (7/223
) (7/224
) (7/224
ذي فَط ََرِني ن ) (26إ ِّل ال ّ ِ دو َ ما ت َعْب ُ ُ م ّ مهِ إ ِن ِّني ب ََراٌء ِ م ِل َِبيهِ وَقَوْ ِ هي ُ ل إ ِب َْرا ِ وَإ ِذ ْ َقا َ
ن ) (28ب َ ْ
ل جُعو َ م ي َْر ِ ّ
قب ِهِ لعَلهُ ْ َ ة ِفي عَ ِ ة َباقِي َ ً م ًجعَلَها ك َل ِ َ َ ن ) (27وَ َ فَإ ِن ّ ُ
دي ِ سي َهْ ِ ه َ
ْ َ سو ٌ ْ َ َ
ق
ح ّ
م ال َ جاَءهُ ُ ما َ ن ) (29وَل ّ مِبي ٌ ل ُ حقّ وََر ُ م ال َ جاَءهُ ُ حّتى َ م َ ت هَؤُلِء وَآَباَءهُ ْ مت ّعْ ُ َ
ل جُ ر لى َ َ ع نُ َ آ ر ُ ق ْ لا ذا َ َ ه َ
ل ز
ّ ُ ن ل َ و َ ل لوا ُ َ
قا و ( 30 ) ن
َ رو ِ ف كا َ ِ ه ب نا
ّ إ و رح ْ س
ِ َ
ذا َ ه لوا ُ قا َ
َ ٍ ْ ْ َ ُ ٌ َِ ِ
َ َ ْ
م
مَنا ب َي ْن َهُ ْ س ْ ن قَ َ ح ُ ة َرب ّك ن َ ْ م َ ح َن َر ْ مو َ س ُ ق ِ م يَ ْ ظيم ٍ ) (31أهُ ْ ن عَ ِ قْري َت َي ْ ِ ن ال َ م َ ِ
ْ
م
ضهُ ْ
ُ
خذ َ ب َعْ ُ ت ل ِي َت ّ ِ جا ٍ ض د ََر َ
َ م فَوْقَ ب َعْ ٍ ضهُ ْ حَياةِ الد ّن َْيا وََرفَعَْنا ب َعْ َ م ِفي ال َ شت َهُ ْ مِعي َ َ
ة
م ً سأ ّ ن الّنا ُ ن ي َكو َ ُ َ
ن ) (32وَلوْل أ ْ َ مُعو َ ج َ ما ي َ ْ م ّ خي ٌْر ِ ة َرب ّك َ َ م ُ ح َ خرِّيا وََر ْ س ْ ضا ُ ب َعْ ً
َ
ج عَلي َْها مَعارِ َ ضةٍ وَ َ ن فِ ّ م ْ فا ِ ق ً س ُ م ُ ن ل ِب ُُيوت ِهِ ْ ْ ْ َ
م ِ ح َ فُر ِبالّر ْ ن ي َك ُ م ْ جعَلَنا ل ِ َ حد َة ً ل َ َوا ِ
ن )(33 ي َظ ْهَُرو َ
ذي فَط ََرِني ن )ِ (26إل ال ّ ِ دو َ ما ت َعْب ُ ُ م ّ مهِ إ ِن ِّني ب ََراٌء ِ م لِبيهِ وَقَوْ ِ هي ُ ل إ ِب َْرا ِ } وَإ ِذ ْ َقا َ
ن ) (28ب َ ْ
ل جُعو َ م ي َْر ِ ّ
قب ِهِ لعَلهُ ْ َ ة ِفي عَ ِ ة َباقِي َ ً م ً َ
جعَلَها كل ِ ََ ن ) (27وَ َ فَإ ِن ّ ُ
دي ِ سي َهْ ِ ه َ
حقّ ْ
م ال َ جاَءهُ ُ ما َ َ
ن ) (29وَل ّ مِبي ٌ ل ُ سو ٌ حقّ وََر ُ ْ
م ال َ جاَءهُ ُ حّتى َ م َ ؤلِء َوآَباَءهُ ْ ت هَ ُ مت ّعْ ُ َ
ل
ج ٍ ن عَلى َر ُ َ قْرآ ُ ْ
ذا ال ُ ل هَ َ ول نز َ َ ُ
ن ) (30وََقالوا ل ْ َ
حٌر وَإ ِّنا ب ِهِ كافُِرو َ س ْ ذا ِ َقالوا هَ َ ُ
م َ َ َ ن ال ْ َ
مَنا ب َي ْن َهُ ْ س ْ نق َ ح ُة َرب ّك ن َ ْ م َ ح َ ن َر ْ مو َ س ُ ق ِ م يَ ْ ظيم ٍ ) (31أهُ ْ ن عَ ِ قْري َت َي ْ ِ م َ ِ
م
ضهُ ْ خذ َ ب َعْ ُ ت ل ِي َت ّ ِ جا ٍ ض د ََر َ َ َ ْ مِعي َ
ُ َ م فوْقَ ب َعْ ٍ ضهُ ْحَياةِ الد ّن َْيا وََرفعَْنا ب َعْ َ م ِفي ال َ شت َهُ ْ َ
ة
م ً سأ ّ ن الّنا ُ ُ
ن ي َكو َ ول أ ْ َ
ن ) (32وَل ْ مُعو َ ج َ ما ي َ ْ م ّ خي ٌْر ِ َ
ة َرب ّك َ م ُح َ خرِّيا وََر ْ س ْ ضا ُ ب َعْ ً
ج عَل َي َْها ر عا
ّ ٍ َ َ َ ِ َ م و ة ض َ ف ن
ِ ْ م فاً ُ ق س
ح َ ً َ َ َ ِ َ ْ َ ُ ِ ّ ْ َ ِ ُُِ ِِ ْ ُ
م ه ت يو ب ل ن م ح ر بال ر ُ فْ ك ي ن م ل نا ْ ل ع ج َ ل ة د َوا ِ
ن ){ (33 ي َظ ْهَُرو َ
) (7/225
ول ِبيوت ِه َ
مَتاعُ ك لَ ّ
ما َ ن كُ ّ
ل ذ َل ِ َ خُرًفا وَإ ِ ْ
ن ) (34وَُز ْ سُرًرا عَل َي َْها ي َت ّك ُِئو َ
واًبا وَ ُ
م أب ْ ََ ُُ ِ ْ
ن )(35 ْ عن ْد َ َرب ّ َ َ ْ ال ْ َ
قي َ
مت ّ ِ
ك ل ِل ُ خَرةُ ِحَياةِ الد ّن َْيا َوال ِ
} ول ِبيوت ِه َ
مَتاعُ
ما َك لَ ّ
ل ذ َل ِ َ ن كُ ّ خُرًفا وَإ ِ ْن ) (34وَُز ْ سُرًرا عَل َي َْها ي َت ّك ُِئو َ واًبا وَ ُ م أب ْ َ َ ُُ ِ ْ
ن ){ (35 قي ت م ْ ل ل َ
حَياةِ الد ّن ْ َ َ ِ َ ُ ِ ْ َ َ ّ ِ ُ ّ ِ َ
ك ب ر د نع ة ر خ وال يا ال ْ َ
يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء ،ووالد من بعث
بعده من النبياء ،الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها :أنه تبرأ من
ذينِ .إل ال ّ ِدو َ ما ت َعْب ُ ُم ّ
أبيه وقومه في عبادتهم الوثان ،فقال } :إ ِن ِّني ب ََراٌء ِ
قب ِهِ { أي :هذه الكلمة ،وهي ة ِفي عَ ِ ة َباقِي َ ًم ً جعَل ََها ك َل ِ َ ن .وَ َ دي ِسي َهْ ِ
ه َ فَط ََرِني فَإ ِن ّ ُ
عبادة الله تعالى وحده ل شريك له ،وخلع ما سواه من الوثان ،وهي "ل إله
إل الله" أي :جعلها دائمة في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرية
ن { أي :إليها. جُعو َ م ي َْر ِ إبراهيم ،عليه السلم } ،ل َعَل ّهُ ْ
وقال عكرمة ،ومجاهد ،والضحاك ،وقتادة ،والسدي ،وغيرهم ) (1في
قب ِهِ { يعني :ل إله إل الله ،ل يزال ة ِفي عَ ِ ة َباقِي َ ً م ً جعَل ََها ك َل ِ َقوله تعالى } :وَ َ
في ذريته من يقولها .وُروي نحوه عن ابن عباس.
وقال ابن زيد :كلمة السلم .وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة.
ؤلِء { يعني :المشركين } ،وآباءهم { أي : ت هَ ُ مت ّعْ ُ
ل َ ثم قال تعالى } :ب َ ْ
ن{مِبي ٌ
ل ُ سو ٌ حقّ وََر ُ م ال ْ َ
جاَءهُ ُ حّتى َفتطاول عليهم العمر في ضللهم )َ } ، (2
أي :بين الرسالة والنذارة.
ن { أي :كابروه وعاندوه كافُِرو َحٌر وَإ ِّنا ب ِهِ َ
س ْ
ذا ِ حقّ َقاُلوا هَ َ م ال ْ َ جاَءهُ ُ ما َ} وَل َ ّ
ودفعوا ) (3بالصدور والراح كفرا وحسدا وبغيا } ،وقالوا { ]أي[ )(4
َ
ن عَلى ذا ال ْ ُ
قْرآ ُ ل هَ َول نز َ كالمعترضين على الذي أنزله تعالى وتقدس } :ل َ ْ
ظيم ٍ { أي :هل كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم ن عَ ِ ن ال ْ َ
قْري َت َي ْ ِ م َ
ل ِ ج ٍَر ُ
كبير في أعينهم من القريتين ؟ يعنون مكة والطائف .قاله ابن عباس ،
وعكرمة ،ومحمد بن كعب القرظي ،وقتادة والسدي ،وابن زيد.
__________
) (1في ت " :وغيرهما".
) (2في م " :ضللتهم".
) (3في أ " :ودفعوه".
) (4زيادة من ت ،م.
) (7/225
وقد ذكر غير واحد منهم ) : (1أنهم أرادوا بذلك الوليد بن المغيرة ،وعروة
بن مسعود الثقفي.
وقال مالك عن زيد بن أسلم ،والضحاك ،والسدي :يعنون الوليد بن
المغيرة ،ومسعود بن عمرو الثقفي.
وعن مجاهد :عمير بن عمرو بن مسعود الثقفي .وعنه أيضا :أنهم يعنون
الوليد بن المغيرة ،وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي.
وعن مجاهد :يعنون عتبة بن ربيعة بمكة ،وابن عبد يا ليل بالطائف.
وقال السدي :عنوا ]بذلك[ ) (2الوليد بن المغيرة ،وكنانة بن عمرو بن عمير
الثقفي.
والظاهر :أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان.
ة
م َ َ
ح َ
ن َر ْ
مو َ س ُ
ق ِم يَ ْقال الله تعالى رادا عليهم في هذا العتراض } :أهُ ْ
ك { ؟ أي :ليس المر مردودا إليهم ،بل إلى الله ،عز وجل ،والله أعلم َرب ّ َ
حيث يجعل رسالته ،فإنه ل ينزلها إل على أزكى الخلق قلبا ونفسا ،
وأشرفهم بيتا وأطهرهم أصل.
ثم قال تعالى مبينا أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الموال والرزاق
نح ُ
والعقول والفهوم ،وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة ،فقال } :ن َ ْ
ت{ جا ٍ ض د ََر َم فَوْقَ ب َعْ ٍ ضهُ ْحَياةِ الد ّن َْيا وََرفَعَْنا ب َعْ َ م ِفي ال ْ َ شت َهُ ْ مِعي َ م َ مَنا ب َي ْن َهُ ْ
س ْقَ َ
خرِّيا { قيل :معناه ليسخر ) (3بعضهم بعضا س ْ ضا ُ م ب َعْ ً ضهُ ْ خذ َ ب َعْ ُوقوله } :ل ِي َت ّ ِ
في العمال ،لحتياج هذا إلى هذا ،وهذا إلى هذا ،قاله السدي وغيره.
وقال قتادة والضحاك :ليملك بعضهم بعضا .وهو ) (4راجع إلى الول.
ن { أي :رحمة الله بخلقه خير لهم مُعو َ ج َ ما ي َ ْم ّخي ٌْر ِ
ك َ ت َرب ّ َ م ُ ح َ
ثم قال } :وََر ْ
مما بأيديهم من الموال ومتاع الحياة الدنيا.
ُ َ
حد َة ً { أي :لول أن يعتقد كثير ة َوا ِ م ًسأ ّن الّنا ُ كو َ ن يَ ُ
ول أ ْ ثم قال تعالى } :وَل َ ْ
من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه ،
فيجتمعوا على الكفر لجل المال -هذا معنى قول ابن عباس ،والحسن ،
ن
م ْ
فا ِ
ق ً
س ُ
م ُ ن ل ِب ُُيوت ِهِ ْ
م ِح َ ن ي َك ْ ُ
فُر ِبالّر ْ جعَل َْنا ل ِ َ
م ْ وقتادة ،والسدي ،وغيرهم } -ل َ َ
ن[ { ) (5أي :سللم ودرجا من فضة -قاله ابن ج ]عَل َي َْها ي َظ ْهَُرو َ مَعارِ َ ضةٍ وَ َ فَ ّ
عباس ،ومجاهد ،وقتادة ،والسدي :وابن زيد ،وغيرهم } -عَل َي َْها
ن { ،أي :يصعدون. ي َظ ْهَُرو َ
َ
ن{، سُرًرا عَل َي َْها ي َت ّك ُِئو َواًبا { ) (6أي :أغلقا على أبوابهم } وَ ُ م أب ْ َ} وَل ِب ُُيوت ِهِ ْ
أي :جميع ذلك يكون فضة } ،وزخرفا { ،أي :وذهبا .قاله ابن عباس ،
وقتادة ،والسدي ،وابن زيد(7) .
__________
) (1في م ،أ " :منهم وقتادة".
) (2زيادة من أ.
) (3في أ " :لتسخير".
) (4في ت ،أ " :وهذا".
) (5زيادة من ت.
) (6في ت ) :أبوابا وسررا(.
) (7في ت " :ابن عباس وغيرهم".
) (7/226
) (7/227
م
ن ) (36وَإ ِن ّهُ ْ ري ٌ ه قَ ِ طاًنا فَهُوَ ل َ ُ شي ْ َ ه َ ض لَ ُ قي ّ ْ ن نُ َ م ِ ح َ ن ذِك ْرِ الّر ْ ش عَ ْ ن ي َعْ ُ م ْ وَ َ
َ
ل َيا جاَءَنا َقا َ حّتى إ َِذا َ ن )َ (37 دو َ مهْت َ ُ م ُ ن أن ّهُ ْ سُبو َ ح َ ل وَي َ ْ سِبي ِ ن ال ّ م عَ ِ دون َهُ ْ ص ّ ل َي َ ُ
م إ ِذ ْ م ال ْي َوْ َ فعَك ُ ُ ن ي َن ْ َ ن ) (38وَل َ ْ ري َ ُ ق ِ س ال ْ َ ن فَب ِئ ْ َ شرِقَي ْ ِ م ْ ك ب ُعْد َ ال ْ َ ت ب َي ِْني وَب َي ْن َ َ ل َي ْ َ
ْ َ َ ْ َ
ي
م َ دي العُ ْ م أوْ ت َهْ ِ ص ّ معُ ال ّ س ِ ت تُ ْ ن ) (39أفَأن ْ َ كو َ شت َرِ ُ م ْ ب ُ ذا ِ م ِفي العَ َ م أن ّك ُ ْ مت ُ ْ ظ َل َ ْ
ن ) (41أ َْو مو َ ق ُ من ْت َ ِ م ُ من ْهُ ْ ك فَإ ِّنا ِ ن بِ َ ما ن َذ ْهَب َ ّ ن ) (40فَإ ِ ّ ٍ مِبي ل ُ ضَل ٍ ن ِفي َ كا َ ن َ م ْ وَ َ
َ
ي إ ِلي ْ َ ُ ّ س ْ َ ّ ن ُرِي َن ّ َ
ك ح َ ذي أو ِ ك ِبال ِ م ِ ست َ ْ ن )َ (42فا ْ قت َدُِرو َ م ْ م ُ م فَإ ِّنا عَلي ْهِ ْ ذي وَعَد َْناهُ ْ ك ال ِ
ن )(44 ُ َ َ َ َ ْ َ َ إ ِن ّ َ
سألو َ ف تُ ْ سو ْ َ مك و َ َ قو ْ ِ
ه لذِكٌر لك وَل ِ َ قيم ٍ ) (43وَإ ِن ّ ُ ست َ ِ م ْ ط ُصَرا ٍ ك عَلى ِ
َ َ َ
ن)دو َ ة ي ُعْب َ ُ ن آ َل ِهَ ً م ِ ح َ ن الّر ْ ن ُدو ِ م ْ جعَل َْنا ِ سل َِنا أ َ ن ُر ُ م ْ ك ِ ن قَب ْل ِ َ م ْ سل َْنا ِن أْر َ م ْ ل َ سأ ْ َوا ْ
(45
م
ن ) (36وَإ ِن ّهُ ْ ري ٌ ه قَ ِ طاًنا فَهُوَ ل َ ُ شي ْ َ ه َ ض لَ ُ قي ّ ْ ن نُ َ م ِ ح َ ن ذِك ْرِ الّر ْ ش عَ ْ ن ي َعْ ُ م ْ } وَ َ
َ
ل َيا جاَءَنا َقا َ حّتى إ َِذا َ ن )َ (37 دو َ مهْت َ ُ م ُ ن أن ّهُ ْ سُبو َ ح َ ل وَي َ ْ سِبي ِ ن ال ّ م عَ ِ دون َهُ ْ ص ّ ل َي َ ُ
م إ ِذ ْ م ال ْي َوْ َ فعَك ُ ُ ن ي َن ْ َ ن ) (38وَل َ ْ ري َ ُ ِ س ال ْ َ
ق ن فَب ِئ ْ َ ِ شرِقَي ْ م ْ ك ب ُعْد َ ال ْ َ ت ب َي ِْني وَب َي ْن َ َ ل َي ْ َ
كون ) (39أ َفَأنت تسمع الص َ ظ َل َمت َ
يم َ دي ال ْعُ ْ م أوْ ت َهْ ِ ّ ّ ْ َ ُ ْ ِ ُ شت َرِ ُ َ م ْ ب ُ ذا ِ م ِفي ال ْعَ َ م أن ّك ُ ْ ْ ُ ْ
ك فَإنا منهم منتقمون ) (41أوَ َ َ
ْ ِّ ِ ْ ُ ْ ُ َْ ِ ُ َ ن بِ ما ن َذ ْهَب َ ّ ن ) (40فَإ ِ ّ مِبي ٍ ل ُ ضل ٍ ن ِفي َ ن كا َ م ْ وَ َ
ي إ ِل َي ْكَ ُ ّ ْ َ ّ َ
ح َ ذي أو ِ سك ِبال ِ م ِ ست َ ْ ن )َ (42فا ْ قت َدُِرو َ م ْ م ُ م فَإ ِّنا عَلي ْهِ ْ ذي وَعَد َْناهُ ْ ن ُرِي َن ّك ال ِ
ُ َ َ َ
ن )(44 سألو َ ف تُ ْ سو ْ َ مك و َ َ َ قو ْ ِ َ
ه لذِكٌر لك وَل ِ َ ْ قيم ٍ ) (43وَإ ِن ّ ُ ست َ ِ م ْ ط ُ صَرا ٍ ك عََلى ِ إ ِن ّ َ
َ َ َ
ن) دو َ ة ي ُعْب َ ُ ن آل ِهَ ً م ِ ح َ ن الّر ْ ن ُدو ِ م ْ جعَل َْنا ِ سل َِنا أ َ ن ُر ُ م ْ ك ِ ن قَب ْل ِ َ م ْ سل َْنا ِ ن أْر َ م ْ ل َ سأ ْ َوا ْ
{ (45
رْ
ن ذِك ِ ش { أي :يتعامى ويتغافل ويعرض } ،عَ ْ ن ي َعْ ُ م ْ يقول تعالى } :وَ َ
ن { والعشا في العين :ضعف بصرها .والمراد هاهنا :عشا البصيرة ، م ِ ح َ الّر ْ
ن ب َعْدِ م ْ ل ِ سو َ ق الّر ُ شاقِ ِ ن يُ َ م ْن { كقوله } :وَ َ ري ٌ ه قَ ِ طاًنا فَهُوَ ل َ ُ شي ْ َ ه َ ض لَ ُ قي ّ ْ } نُ َ
مجهَن ّ َ صل ِهِ َ ما ت َوَّلى وَن ُ ْ ن ن ُوَل ّهِ َ مِني َ مؤ ْ ِ ل ال ْ ُ سِبي ِ دى وَي َت ّب ِعْ غَي َْر َ ه ال ْهُ َ ن لَ ُ ما ت َب َي ّ َ َ
هغوا أَزاغَ الل ُّ َ ما َزا ُ صيًرا { ]النساء ، [115 :وكقوله } :فَل َّ م ت َ ء سا
ْ َ ِ وَ َ
ن
ما ب َي ْ َ م َ َ
م قَُرَناَء فََزي ُّنوا لهُ ْ َ
ضَنا لهُ ْ م { ]الصف ، [5 :وكقوله } :وَقَي ّ ْ قُُلوب َهُ ْ
ُ َ
ن ج ّ ن ال ْ ِ م َ م ِ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْت ِ خل َ ْمم ٍ قَد ْ َ ل ِفي أ َ قو ْ ُ م ال ْ َ حقّ عَل َي ْهِ ُ م وَ َ فهُ ْ خل ْ َما َ م وَ َ ديهِ ْ أي ْ ِ
م
ن { ]فصلت [25 :؛ ولهذا قال هاهنا } :وَإ ِن ّهُ ْ ري َ س ِ خا ِ كاُنوا َ م َ س إ ِن ّهُ ْ َوالن ْ ِ
َ
جاَءَنا { أي :هذا حّتى إ َِذا َ نَ . دو َ مهْت َ ُ م ُ ن أن ّهُ ْ سُبو َ ح َل وَي َ ْ سِبي ِ ن ال ّ م عَ ِ دون َهُ ْ ص ّ ل َي َ ُ
الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ،ويهديه إلى صراط
ل َياالجحيم .فإذا وافى الله يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكل به َ } ،قا َ
ن { ]أي :فبئس القرين كنت لي ري ُ ق ِس ال ْ َ
ن فَب ِئ ْ َ شرِقَي ْ ِ م ْ ك ب ُعْد َ ال ْ َت ب َي ِْني وَب َي ْن َ َ ل َي ْ َ
في الدنيا[ ) (1وقرأ بعضهم " :حتى إذا جاءانا" يعني :القرين والمقارن.
جَريري قال :بلغنا أن الكافر إذا قال عبد الرزاق :أخبرنا معمر ،عن سعيد ال ُ
فع بيده شيطان فلم يفارقه ،حتى يصيرهما الله س َ بعث من قبره يوم القيامة َ
ْ ت ب َي ِْني وَب َي ْن َ َ َ
نشرِقَي ْ ِ م ْ ك ب ُعْد َ ال َ تعالى إلى النار ،فذلك حين يقول َ } :يا لي ْ َ
ن { )(2 ري ُ ق ِس ال ْ َفَب ِئ ْ َ
والمراد بالمشرقين هنا ) (3هو ما بين المشرق والمغرب .وإنما استعمل
هاهنا تغليبا ،كما يقال ) (4القمران ،والعمران ،والبوان ] ،والعسران[ ).(5
قاله ابن جرير وغيره.
]ولما كان الشتراك في المصيبة في الدنيا يحصل به تسلية لمن شاركه في
مصيبته ،كما قالت الخنساء تبكي أخاها :
فسي... ت نَ ْ ولي ...عََلى قَْتلهم لقتل ُ ح ْول كثرة ُ الباكين َ ول َ ْ
ُ
سي... س عنه بالتأ ّ سّلي النف َ ل أخي ولكن ...أ َ كون مث َ وما ي َب ْ ُ
قطع الله بذلك بين أهل النار ،فل يحصل لهم بذلك تأسي وتسلية ول
تخفيف[(6) .
م ِفي ال ْعَ َ َ
ن{ كو َ شت َرِ ُ م ْب ُ ذا ِ م أن ّك ُ ْ مت ُ ْم إ ِذ ْ ظ َل َ ْ م ال ْي َوْ َ فعَك ُ ُن ي َن ْ َ ثم قال تعالى } :وَل َ ْ
أي :ل يغني عنكم اجتماعكم في النار واشتراككم في العذاب الليم.
وقوله } :أ َفَأ َنت تسمع الص َ
ن{ مِبي ٍل ُ ضل ٍ ن ِفي َ كا َ ن َ م ْ ي وَ َ م َ دي ال ْعُ ْ م أوْ ت َهْ ِ ّ ّ ْ َ ُ ْ ِ ُ
أي :ليس ذلك إليك ،إنما عليك البلغ ،وليس عليك هداهم ،ولكن الله
يهدي من يشاء ،ويضل من يشاء ،وهو الحكم العدل ) (7في ذلك.
__________
) (1زيادة من ت.
) (2تفسير عبد الرزاق ).(2/161
) (3في ت ،م ،أ " :هاهنا".
) (4في ت ،م " :قيل".
) (5زيادة من أ.
) (6زيادة من ت ،أ.
) (7في ت ،م ،أ " :الحاكم العادل".
) (7/228
) (7/229
ول َ َ َ
ن) ب ال َْعال َ ِ
مي َ سو ُ
ل َر ّ ل إ ِّني َر ُ مل َئ ِهِ فَ َ
قا َ ن وَ َسى ب ِآ ََيات َِنا إ َِلى فِْرعَوْ َ مو َ سل َْنا ُ
قد ْ أْر َ َ
ُ َ َ َ
ن )(47 حكو َ ض َ
من َْها ي َ ْ م ب ِآَيات َِنا إ َِذا هُ ْ
م ِ جاَءهُ ْ
ما َ (46فل ّ
} وس و ف ت َ
ن { أي :عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به سأُلو َ َ َ ْ َ ُ ْ
والستجابة له.
ْ َ َ ْ َ َ
ن
م ِ ح َ
ن الّر ْ
ن ُدو ِم ْ
جعَلَنا ِ سل َِنا أ َ ن ُر ُ م ْ ن قَب ْل ِك ِ م ْ سلَنا ِ ن أْر َ م ْل َ سأ ْ وقوله َ } :وا ْ
ن { ؟ أي :جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة دو َة ي ُعْب َ ُ آل ِهَ ً
قد ْ َ
الله وحده ل شريك له ،ونهوا عن عبادة الصنام والنداد ،كقوله } :وَل َ
جت َن ُِبوا ال ّ َ بعث ْنا في ك ُ ّ ُ
ت { ]النحل .[36 : غو َ طا ُ ه َوا ْ دوا الل ّ َ ن ا ُعْب ُ ُ سول أ ِ مةٍ َر ُ لأ ّ ََ َ ِ
قال مجاهد :في قراءة عبد الله بن مسعود " :واسأل الذين أرسلنا إليهم
قبلك رسلنا" .وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي ،عن ابن مسعود .وهذا
كأنه تفسير ل تلوة ،والله أعلم.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :واسألهم ليلة السراء ،فإن النبياء
معوا له .واختار ابن جرير الول ] ،والله أعلم[ ).(1 ج ِ ُ
ب ر ُ
ل سو ر ني إ َ
ل قاَ َ ف هِ ئَ ل م و ن و َ ع ر ف لى َ إ نا ِ تيا بآ سى مو نا ْ ل س ر َ أ د َ ق َ ل و }
َ ّ َ ُ ّ ِ ِ ْ ْ َ َ َ ِ ِ َ ِ َ ُ َ َ َ ْ ْ َ
ن ){ (47 كو َ ح ُ ض َ من َْها ي َ ْ م ِ ْ ُ ه َ
ذا ِ إ نا
َ ِ ت ياَ بآ
ْ ِ م ُ ه َ ء جا
َ ما
ّ َ لَ ف ( 46 ن) مي َ ال َْعال َ ِ
__________
) (1زيادة من أ.
) (7/230
ن) جُعو َ
م ي َْر ِب ل َعَل ّهُ ْ ذا ِم ِبال ْعَ َ خت َِها وَأ َ َ
خذ َْناهُ ْ ن أُ ْم ْ
َ
ي أك ْب َُر ِ م َ
ن آي َةٍ إ ِّل هِ َم ِ ْ ريهِ ْ ما ن ُ ِ
وَ َ
ما َ َ َ َ َ َ َ ُ َ
ن ) (49فل ّ دو َمهْت َ ُ عن ْد َك إ ِن َّنا ل ُما عَهِد َ ِ حُر اد ْع ُ لَنا َرب ّك ب ِ َ سا ِ (48وَقالوا َيا أي َّها ال ّ
ن )(50 ُ ُ
م ي َن ْكثو َ َ
ب إ ِذا هُ ْ
ذا َ م ال ْعَ َ
فَنا عَن ْهُ ُ كَ َ
ش ْ
) (7/230
َ
ري ج ِصَر وَهَذِهِ اْل َن َْهاُر ت َ ْ م ْ ك ِ مل ْ ُ س ِلي ُ ل َيا قَوْم ِ أل َي ْ َ مهِ َقا َ ن ِفي قَوْ ِ وََناَدى فِْرعَوْ ُ
َ ّ َ َ َ
ن) َ
ن وَل ي َكاد ُ ي ُِبي ُ مِهي ٌ ذي هُوَ َ ذا ال ِ ن هَ َ م ْ خي ٌْر ِ م أَنا َ ن ) (51أ ْ صُرو َ حِتي أفََل ت ُب ْ ِ ن تَ ْم ْ ِ
َ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ َ َ
ن )(53 قت َرِِني َ م ْة ُ ملئ ِك ُ ه ال َ معَ ُ جاَء َ ب أوْ َ ن ذ َهَ ٍ م ْسوَِرة ٌ ِ ي عَلي ْهِ أ ْ
َ ق َ (52فلوْل أل ِ
َ َ َ َ َ َ َ َ
مَنا
ق ْفوَنا ان ْت َ َ س ُما آ َ ن ) (54فل ّ قي َس ِ ما فا ِ م كاُنوا قوْ ً عوه ُ إ ِن ّهُ ْ ه فأطا ُ ف قَوْ َ
م ُ خ ّ ست َ ََفا ْ
َ َ
ن )(56 ري َ خ ِ مث ًَل ل ِْل َ ِفا وَ َ سل َ ً
م َ جعَل َْناهُ ْ ن ) (55فَ َ مِعي َ ج َمأ ْ م فَأغَْرقَْناهُ ْ من ْهُ ْ ِ
مل ْ ُ َ
صَر وَهَذِهِ الن َْهاُر م ْ ك ِ س ِلي ُ ل َيا قَوْم ِ أل َي ْ َ مهِ َقا َ ن ِفي قَوْ ِ } وََناَدى فِْرعَوْ ُ
َ ّ َ َ َ
ن َول ي َكاد ُ مِهي ٌ ذي هُوَ َ ذا ال ِ ن هَ َ م ْ خي ٌْر ِ م أَنا َ ن ) (51أ ْ صُرو َ حِتي أَفل ت ُب ْ ِ ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ تَ ْ
َ ْ َ َ َ ْ ُ َ
ن) قت َرِِني َ م ْ
ة ُ ملئ ِك ُ ه ال َ معَ ُ جاَء َ ب أوْ َ ن ذ َهَ ٍ م ْ سوَِرة ٌ ِ ي عَلي ْهِ أ ْ
َ ق َ ول أل ِ ن ) (52فَل ْ ي ُِبي ُ
فوَنا س ُ ما آ َ َ َ
ن ) (54فل ّ قي َ س ِ َ
ما فا ِ َ
م كاُنوا قوْ ً َ عوه ُ إ ِن ّهُ ْ ه فأطا ُ َ َ م ُ ف قوْ َ َ خ ّ ست َ َ (53فا َْ
ن ).{ (56 َ َ ْ َ َ ْ ْ َ َ
ري َ خ ِ مثل ِلل ِ فا وَ َ سل ً م َ جعَلَناهُ ْ ن ) (55ف َ مِعي َ ج َ مأ ْ م فأغَرقَناهُ ْ من ْهُ ْ مَنا ِ ق ْ ان ْت َ َ
يقول تعالى مخبرا عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده :أنه جمع
َ
س ِلي قومه ،فنادى فيهم متبجحا مفتخرا بملك مصر وتصرفه فيها } :أل َي ْ َ
حِتي { ،قال قتادة قد كانت لهم جنان ن تَ ْم ْ ري ِ ج ِ صَر وَهَذِهِ الن َْهاُر ت َ ْ م ْ ك ِ مل ْ ُ ُ
ن { ؟ أي :أفل ترون ما أنا فيه من العظمة والملك رو ص ب ت فل َ َ أ } ، ماء وأنهار
ُْ ِ ُ َ
شَر ح َ َ َ ف } : تعالى كقوله وهذا ضعفاء. فقراء ( 1 ،يعني :وموسى وأتباعه )
َ ه نَ َ ّ َ َ قا َ َ
خَرةِ َوالولى { ]النازعات : ل ال ِ كا َ خذ َهُ الل ُ م العْلى .فَأ َ ل أَنا َرب ّك ُ ُ فََناَدى .فَ َ
.[25 - 23
ن { قال السدي :يقول :بل أنا ّ ن هَ َ َ َ
مِهي ٌ ذي هُوَ َ ذا ال ِ م ْ خي ٌْر ِ م أَنا َ وقوله } :أ ْ
خير من هذا الذي هو مهين .وهكذا قال بعض نحاة البصرة :إن "أم" هاهنا
بمعنى "بل" .ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها " :أما أنا
خير من هذا الذي هو مهين" .قال ابن جرير :ولو صحت هذه القراءة لكان
م أ ََنا َ
معناها صحيحا واضحا ،ولكنها خلف قراءة المصار ،فإنهم قرؤوا } :أ ْ
ن { ؟ على الستفهام. مِهي ٌ ذي هُوَ َ ذا ال ّ ِ ن هَ َ م ْ خي ٌْر ِ َ
قلت :وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون -عليه اللعنة ) - (2أنه خير من
موسى ،عليه السلم ،وقد كذب في قوله هذا كذبا بينا واضحا ،فعليه لعائن
الله المتتابعة إلى يوم القيامة.
ويعني بقوله } :مهين { كما قال سفيان :حقير .وقال قتادة والسدي :يعني
:ضعيف .وقال ابن جرير :يعني :ل ملك له ول سلطان ول مال.
ن { يعني :ل يكاد يفصح عن كلمه ) ، (3فهو عيي حصر(4) . كاد ُ ي ُِبي ُ } َول ي َ َ
ن { أي :ل يكاد يفهم .وقال قتادة ،والسدي ، كاد ُ ي ُِبي ُ قال السدي َ } :ول ي َ َ
وابن جرير :يعني عيي اللسان .وقال سفيان :يعني في لسانه شيء من
الجمرة حين ) (5وضعها في فيه وهو صغير.
وهذا الذي قاله فرعون -لعنه الله -كذب واختلق ،وإنما حمله على هذا
الكفر والعناد ،وهو ينظر إلى موسى ،عليه السلم ،بعين كافرة شقية ،وقد
كان موسى ) ، (6عليه السلم ،من الجللة والعظمة والبهاء في صورة يبهر
) (7أبصار ذوي ]البصار و[ ) (8اللباب .وقوله } :مهين { كذب ،بل هو
ة وخلقا ودينا .وموسى ]عليه السلم[ ) (9هو الشريف خْلق ً
المهين الحقير ِ
الرئيس الصادق البار
__________
) (1في أ " :ومن معه".
) (2في ت ،م ،أ " :لعنة الله".
) (3في ت " :بكلمه".
) (4في ت ،أ " :حصير".
) (5في ت " :التي".
) (6في ت " :الموسى".
) (7في ت ،م " :تبهر".
) (8زيادة من ت.
) (9زيادة من ت ،م.
) (7/231
ن { افتراء أيضا ،فإنه وإن كان قد أصاب كاد ُ ي ُِبي ُ الراشد ) .(1وقوله َ } :ول ي َ َ
لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة ،فقد سأل الله ،عز
وجل ،أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله ،وقد استجاب الله ) (2له في
سؤْل َ َ ُ
سى { ]طه ، [26 : مو َ ك َيا ُ ت ُ ل قَد ْ أوِتي َ ]ذلك في[ ) (3قوله َ } :قا َ
وبتقدير أن يكون قد بقى شيء لم يسأل إزالته ،كما قاله الحسن البصري ،
وإنما سأل زوال ما يحصل معه البلغ والفهام ،فالشياء الخلقية ) (4التي
ليست من فعل العبد ل يعاب بها ول يذم عليها ،وفرعون وإن كان يفهم وله
عقل فهو يدري هذا ،وإنما أراد الترويج على رعيته ،فإنهم كانوا جهلة
َ ُ
ب { أي :وهي ن ذ َهَ ٍ م ْ ساوَِرة ٌ )ِ (5 ي عَل َي ْهِ أ َ ق َ ول أل ْ ِأغبياء ،وهكذا كقوله } :فَل َ ْ
جاءَ َ
ما يجعل في اليدي من الحلي ،قاله ابن عباس وقتادة وغير واحد } ،أوْ َ
ن { أي :يكتنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه ،نظر ) قت َرِِني َ
م ْ ملئ ِك َ ُ
ة ُ ه ال ْ َمعَ ُ
َ
(6إلى الشكل الظاهر ،ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر
عوه ُ { أي : طا ُه فَأ َ َ م ُف قَوْ َخ ّ ست َ َإليه ،لو كان يعلم ؛ ولهذا قال تعالى َ } :فا ْ
ما م َ
كاُنوا قَوْ ً استخف عقولهم ،فدعاهم إلى الضللة فاستجابوا له } ،إ ِن ّهُ ْ
ن {. قي َ َفا ِ
س ِ
َ َ َ
ن { ،قال مِعي َ ج َ مأ ْ م فَأغَْرقَْناهُ ْ من ْهُ ْ
مَنا ِ ق ْ فوَنا ان ْت َ َ س ُ قال الله تعالى } :فَل ّ
ما آ َ
علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس } :آسفونا { أسخطونا.
وقال الضحاك ،عنه :أغضبونا .وهكذا قال ابن عباس أيضا ،ومجاهد ،
وعكرمة ،وسعيد بن جبير ،ومحمد بن كعب القرظي ،وقتادة ،والسدي ،
وغيرهم ) (7من المفسرين.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو عبيد الله ) (8ابن أخي ابن وهب ،حدثنا
عمي ،حدثنا ابن لهيعة ،عن عقبة بن مسلم التجيبي ) (9عن عقبة بن عامر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إذا رأيت الله عز وجل يعطي
العبد ما شاء ،وهو مقيم على معاصيه ،فإنما ذلك استدراج منه له" ثم تل
م { ).(10 من ْهُ ْمَنا ِ ق ْ فوَنا ان ْت َ َ س ُ } فَل َ ّ
ما آ َ
ماني ،حدثنا قيس بن الربيع ، ح ّوحدثنا أبي ،حدثنا يحيى بن عبد الحميد ال ِ
عن قيس بن مسلم ) ، (11عن طارق بن شهاب قال :كنت عند عبد الله
فذكر عنده موت الفجأة ،فقال :تخفيف على المؤمن ،وحسرة على
م {. من ْهُ ْ
مَنا ِق ْ فوَنا ان ْت َ َس ُما آ َ الكافر .ثم قرأ } :فَل َ ّ
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه :وجدت النقمة مع الغفلة ،يعني
قمنا منهم فَأ َغْرقْناهُ َ
ن {.
مِعي َ
ج َ
مأ ْ َ َ ْ فوَنا ان ْت َ َ ْ َ ِ ْ ُ ْ س ُ ما آ َ قوله } :فَل َ ّ
فا { لمثلسل َ ً
ن { :قال أبو مجلز َ } : ري َ
خ ِ مَثل ِلل ِ فا وَ َ سل َ ًم َ جعَل َْناهُ ْ وقوله } :فَ َ
من عمل بعملهم.
__________
) (1في ت " :الرشيد".
) (2في ت " :استجاب الله دعاءه له".
) (3زيادة من ت ،م.
) (4في ت " :الخلقية" ،وفي م " :الخلقة".
) (5في أ " :أسورة".
) (6في ت ،أ " :نظرا".
) (7في ت " :غير واحد".
) (8في أ " :عبد الله".
) (9في ت " :وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
) (10ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )" (4926مجمع البحرين" ،
والبيهقي في شعب اليمان برقم ) (4540من طريق عبد الله ابن صالح عن
حرملة بن عمران به ،ورواه أحمد في مسنده ) (4/145عن رشدين بن سعد
،والدولبي في الكنى ) (1/111عن حجاج بن سليمان كلهما عن حرملة بن
عمران به ،وقد حسنه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الحياء.
) (11في ت " :وروى أيضا".
) (7/232
) (7/233
فيما يذكر من أمر عيسى وأنه يعبد من دون الله .وعجب ) (1الوليد ومن
ه
من ْ ُ
ك ِ م َمَثل إ َِذا قَوْ ُ
م َمْري َ َ
ن َ ب اب ْ ُضرِ َ ما ُ حضره من حجته وخصومته } :وَل َ ّ
ن { أي :يصدون عن أمرك بذلك من قوله .ثم ذكر عيسى فقال : دو َص ّيَ ِ
ْ َ َ سَراِئي َ ْ َ َ
جعَلَناشاُء ل َ ل .وَلوْ ن َ َ مَثل ل ِب َِني إ ِ ْجعَلَناه ُ َ مَنا عَلي ْهِ وَ َ
ن هُوَ ِإل عَب ْد ٌ أن ْعَ ْ} إِ ْ
ساعَةِ { أي :ما وضعت على م ِلل ّ ْ َ
ه لعِل ٌ ن .وَإ ِن ّ ُ فو َ ُ
خل ُض يَ ْ َ من ْك ُ ْ
ة ِفي الْر ِ ملئ ِك ً
م َ ِ
يديه من اليات من إحياء الموتى وإبراء السقام ،فكفى به دليل على علم
م { ).(2 قي ٌ ست َ ِم ْ ط ُ صَرا ٌ ذا ِ ن هَ َ ن ب َِها َوات ّب ُِعو ِ مت َُر ّالساعة ،يقول َ } :فل ت َ ْ
ن
ب اب ْ ُ ضرِ َما ُ وذكر ابن جرير من رواية الَعوفي ،عن ابن عباس قوله } :وَل َ ّ
ن { قال :يعني قريشا ،لما قيل لهم } :إ ِن ّك ُ ْ
م دو َ ص ّه يَ ِ من ْ ُ ك ِ م َمَثل إ َِذا قَوْ ُ م َ مْري َ َ
َ
ن { ]النبياء [98 :إلى دو ر وا ها َ ل م تنَ أ م ن ه ج ب ص ح ه ّ ل ال ن
ِ َ َ ُ َ َ ّ َ ُْ ْ َ َ ِ ُ َ وَ َ َ ْ ُ ُ َ ِ ْ ُ ِ
دو ن م ن دو ب ع ت ما
آخر اليات ،فقالت له قريش :فما ابن مريم ؟ قال " :ذاك عبد الله
ورسوله" .فقالوا :والله ما يريد هذا إل أن نتخذه ربا ،كما اتخذت النصارى
م
ل هُ ْ دل ب َ ْج َ ك ِإل َ ضَرُبوه ُ ل َ َ ما َ عيسى ابن مريم ربا ،فقال الله تعالى )َ } (3
ن {. مو َ ص ُ
خ ِ م َ قَوْ ٌ
وقال ) (4المام أحمد :حدثنا هاشم بن القاسم ،حدثنا شيبان ،عن عاصم
جود ،عن أبي َرِزين ،عن أبي يحيى -مولى ابن عقيل النصاري - بن أبي الن ّ ُ
قال :قال ابن عباس :لقد علمت آية من القرآن ما سألني عنها رجل قط ،
فما أدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها ،أم لم يفطنوا لها فيسألوا عنها.
قال :ثم طفق يحدثنا ،فلما قام تلومنا أل نكون سألناه عنها .فقلت :أنا لها
إذا راح غدا .فلما راح الغد قلت :يا ابن عباس ،ذكرت أمس أن آية من
القرآن لم يسألك عنها رجل قط ،فل تدري أعلمها الناس ) (5أم لم يفطنوا
لها ؟ فقلت :أخبرني عنها وعن اللتي قرأت قبلها .قال :نعم ،إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش " :يا معشر قريش ،إنه ليس أحد
يعبد من دون الله فيه خير" ،وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن
مريم ،وما تقول في محمد ،فقالوا :يا محمد ،ألست تزعم أن عيسى كان
نبيا وعبدا من عباد الله صالحا ،فإن كنت صادقا كان ) (6آلهتهم كما
ه
من ْ ُ
ك ِم َ مَثل إ َِذا قَوْ ُ م َ مْري َ َ
ن َ ب اب ْ ُ ضرِ َ ما ُ تقولون ؟ قال :فأنزل الله } :وَل َ ّ
ساعَةِ { م ِلل ّ ه ل َعِل ْ ٌصدون ؟ قال :يضحكون } ،وَإ ِن ّ ُ ن { .قلت :ما ي َ ِ دو َ ص ّيَ ِ
قال :هو خروج عيسى ابن مريم قبل القيامة(7) .
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا محمد بن يعقوب الدمشقي ،حدثنا آدم ،حدثنا
جود ،عن أبي أحمد مولى النصار ) ، (8عن شيبان ،عن عاصم بن أبي الن ّ ُ
ابن عباس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يا معشر قريش ،
إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير" .فقالوا له :ألست تزعم أن عيسى
كان نبيا وعبدا من عباد الله صالحا ،فقد كان ُيعبد من دون الله ؟ فأنزل الله
ن {. دو َ ص ّه يَ ِ من ْ ُك ِ م َ مَثل إ َِذا قَوْ ُ م َ مْري َ َن َ ب اب ْ ُ ضرِ َ ما ُ عز وجل } :وَل َ ّ
__________
) (1في أ " :وتعجب".
) (2انظر :السيرة النبوية لبن هشام ).(1/358
) (3في ت ،م " :عز وجل".
) (4في ت " :وروى".
) (5في أ " :أعلمها الناس فلم يسألوا عنها".
) (6في م ،أ " :فإن".
) (7المسند ).(1/318
) (8في أ " :النصاريين".
) (7/234
)(1
ن{
دو َ
ص ّ
ه يَ ِ
من ْ ُ َ
مك ِ َ َ َ
مثل إ ِذا قوْ ُم َ
مْري َ َ
ن َ
ب اب ْ ُ
ضرِ َ
ما ُ َ
وقال مجاهد في قوله } :وَل ّ
:قالت قريش :إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى .ونحو
هذا قال قتادة.
م هُوَ { :قال قتادة :يقولون :آلهتنا خير منه. َ َ ُ
وقوله } :وََقالوا أآل ِهَت َُنا َ
خي ٌْر أ ْ
وقال قتادة :قرأ ابن مسعود " :وقالوا أآلهتنا خير أم هذا" ،يعنون محمدا
صلى الله عليه وسلم.
دل { أي :مراء ،وهم يعلمون أنه ليس بوارد ج َ ك ِإل َ ضَرُبوه ُ ل َ َ ما َ وقوله َ } :
هّ
ن الل ِ ن ُدو ِم ْ
ن ِدو َ
ما ت َعْب ُ ُم وَ َعلى الية ؛ لنها لما ل يعقل ،وهي قوله } :إ ِن ّك ُ ْ
م { ]النبياء .[98 :ثم هي خطاب لقريش ،وهم إنما كانوا جهَن ّ َب َ ص ُح َ
َ
يعبدون الصنام والنداد ،ولم يكونوا يعبدون المسيح حتى يوردوه ،فتعين أن
مقالتهم إنما كانت جدل منهم ،ليسوا يعتقدون صحتها.
وقد قال ) (2المام أحمد ،رحمه الله تعالى :حدثنا ابن نمير ،حدثنا حجاج
بن دينار ،عن أبي غالب ،عن أبي أمامة قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه ،إل أورثوا الجدل" ،ثم تل
ن {. مو َ ص ُخ ِم َ م قَوْ ٌ ل هُ ْدل ب َ ْ
ج َك ِإل َ ضَرُبوه ُ ل َ َ ما َ هذه الية َ } :
وقد رواه الترمذي ،وابن ماجه ،وابن جرير ،من حديث حجاج بن دينار ،به
) .(3ثم قال الترمذي :حسن صحيح ل نعرفه إل من حديثه كذا قال.
وقد روي من وجه آخر عن أبي أمامة بزيادة فقال ابن أبي حاتم :حدثنا حميد
مل ،حدثنا حماد ،أخبرنا ابن مخزوم ،عن بن عياش الرملي ،حدثنا مؤ ّ
القاسم أبي عبد الرحمن الشامي ،عن أبي أمامة -قال حماد :ل أدري رفعه
) (4أم ل ؟ -قال :ما ضلت أمة بعد نبيها إل كان أول ضللها التكذيب
ك َ
ضَرُبوه ُ ل َ ما َ بالقدر ،وما ضلت أمة بعد نبيها إل أعطوا الجدل ،ثم قرأ َ } :
ن { )(5 مو َ ص ُ خ ِ م َ م قَوْ ٌ ل هُ ْ دل ب َ ْ
ج َِإل َ
وقال ابن جرير أيضا :حدثنا أبو كريب ،حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ،عن
عباد بن عباد ،عن جعفر ،عن القاسم ) ، (6عن أبي أمامة قال :إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن ،
فغضب غضبا شديدا حتى كأنما صب على وجهه الخل ،ثم قال " :ل تضربوا
كتاب الله بعضه ببعض ،فإنه ما ضل قوم قط إل أوتوا ) (7الجدل" ،ثم تل }
ن{مو َ ص ُخ ِ م َم قَوْ ٌ ل هُ ْ دل ب َ ْ ج َ ك ِإل َ ضَرُبوه ُ ل َ َما َ َ
__________
) (1ورواه الطبراني في المعجم الكبير ).(12/154
) (2في ت " :روى".
) (3المسند ) (5/256وسنن الترمذي برقم ) (3253وسنن ابن ماجه برقم )
(48وتفسير الطبري ).(25/53
) (4في أ " :أرفعه".
) (5وفي إسناده القاسم بن عبد الرحمن الشامي ،ضعفه ابن حبان ،وقال :
"كان يروى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعضلت".
) (6في أ " :جعفر بن القاسم".
) (7في ت " :أورثوا".
) (7/235
)(1
َ
مَنا عَلي ْهِ { يعني :عيسى ،عليه السلم ،ما هو َ
ن هُوَ ِإل عَب ْد ٌ أن ْعَ ْ
وقوله } :إ ِ ْ
مَثلجعَل َْناه ُ َ إل عبد ]من عباد الله[ ) (2أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة } ،وَ َ
ل { أي :دللة وحجة وبرهانا على قدرتنا على ما نشاء. سَراِئي َ ل ِب َِني إ ِ ْ
ض َ ُ ْ َ َ َ
ة ِفي الْر ِ ملئ ِك ً م { أي :بدلكم )َ } (3 من ْك ْ جعَلَنا ِ وقوله } :وَلوْ ن َشاُء ل َ
ن { ،قال السدي :يخلفونك فيها .وقال ابن عباس ،وقتادة :يخلف فو َ خل ُ ُيَ ْ
بعضهم بعضا ،كما يخلف بعضكم بعضا .وهذا القول يستلزم الول .وقال
مجاهد :يعمرون الرض بدلكم.
ساعَةِ { :تقدم تفسير ابن إسحاق :أن المراد من م ِلل ّ ه ل َعِل ْ ٌ وقوله } :وَإ ِن ّ ُ
ذلك :ما ُبعث به عيسى ،عليه السلم ،من إحياء الموتى وإبراء الكمه
والبرص ،وغير ذلك من السقام .وفي هذا نظر .وأبعد منه ما حكاه قتادة ،
عن الحسن البصري وسعيد بن جبير :أي الضمير في } وإنه { ،عائد على
القرآن ،بل الصحيح أنه عائد على عيسى ]عليه السلم[ ) ، (4فإن السياق
في ذكره ،ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة ،كما قال تبارك وتعالى :
} وإن م َ
موْت ِهِ { أي :قبل موت عيسى ، ن ب ِهِ قَب ْ َ
ل َ من َ ّ ب ِإل ل َي ُؤْ ِ ل ال ْك َِتا ِ ن أهْ ِ َِ ْ ِ ْ
دا { ]النساء : شِهي ً م َ َ
ن عَلي ْهِ ْ ُ
مةِ ي َكو ُ قَيا َ ْ
م ال ِ عليه الصلة والسلم ،ثم } وَي َوْ َ
َ
، [159ويؤيد هذا المعنى القراءة الخرى " :وإنه لعَلم للساعة" أي :أمارة
ساعَةِ { أي :آية م ِلل ّ ه ل َعِل ْ ٌودليل على وقوع الساعة ،قال مجاهد } :وَإ ِن ّ ُ
للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة .وهكذا روي عن أبي هريرة
]رضي الله عنه[ ) ، (5وابن عباس ،وأبي العالية ،وأبي مالك ،وعكرمة ،
والحسنن وقتادة ،والضحاك ،وغيرهم.
وقد تواترت الحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول
عيسى ]ابن مريم[ ) ، (6عليه السلم قبل يوم القيامة إماما عادل وحكما
مقسطا.
ن ب َِها { أي :ل تشكوا ) (7فيها ،إنها واقعة وكائنة ل مت َُر ّ وقوله َ } :فل ت َ ْ
مَ .ول قي ٌست َ ِ م ْ ٌ
صَراط ُ ذا ِ محالة } ،واتبعون { أي :فيما أخبركم به } هَ َ
جاَءما َ َ
ن .وَل ّ مِبي ٌ م عَد ُوّ ُ ُ
ه لك ْ َ ن { أي :عن اتباع الحق } إ ِن ّ ُ طا ُ شي ْ َ م ال ّ صد ّن ّك ُ ُ يَ ُ
ض
م ب َعْ َ ُ
ن لك ْ َ مةِ { أي :بالنبوة } َولب َي ّ َ ْ
حك َ ْ
م ِبال ِ ُ
جئ ْت ُك ْل قَد ْ ِ ت َقا َ ْ
سى ِبالب َي َّنا ِ عي َ ِ
ن ِفيهِ { فو َ خت َل ِ ُ ذي ت َ ْ ّ
ال ِ
قال ابن جرير :يعني من المور الدينية ل الدنيوية ) .(8وهذا الذي قاله حسن
جيد ،ثم رد قول من زعم أن "بعض" هاهنا بمعنى "كل" ،واستشهد بقول
لبيد الشاعر :
__________
) (1تفسير الطبري ).(25/53
) (2زيادة من ت ،م.
) (3في ت " :بدل منكم".
) (4زيادة من ت.
) (5زيادة من ت.
) (6زيادة من ت ،م.
) (7في ت ،م ،أ " :تشكون".
) (8تفسير الطبري ).(25/55
) (7/236
ساعَةِ فََل َْ
م ِلل ّ ه ل َعِل ْ ٌ ن ) (60وَإ ِن ّ ُ فو َ خل ُ ُ
ض يَ ْ ة ِفي الْر ِ مَلئ ِك َ ً م َ من ْك ُ ْجعَل َْنا ِ شاُء ل َ َ وَل َوْ ن َ َ
ه ل َك ُ ْ
م ن إ ِن ّ ُطا ُ شي ْ َ م ال ّ صد ّن ّك ُ ُ م ) (61وََل ي َ ُ قي ٌ ست َ ِ
م ْ
ط ُصَرا ٌ ذا ِ ن هَ َ ن ب َِها َوات ّب ُِعو ِ مت َُر ّ تَ ْ
م ُ َ ُ ْ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ
ن لك ْ مةِ وَِلب َي ّ َ حك َ م ِبال ِ جئت ُك ْ ت قال قد ْ ِ سى ِبالب َي َّنا ِ عي َ جاَء ِ ما َ ن ) (62وَل ّ مِبي ٌ عَد ُوّ ُ
ه هُوَ َرّبي وََرب ّك ُْ
م ن الل َّ إ (63 ) ن عو طي قوا الل ّه وأ َ ُ ت فاَ ه في ن فو ُ ض ِ َ ْ َِ
ل ت خ ت ذي ّ ل ا
ِ ّ َ َ ِ ُ ِ َ ِ ِ ّ ب َعْ َ
ن ل ل ِل ّ ِ م فَوَي ْ ٌ َ
ف اْل ْ خت َل َ َ
م )َ (64فا ْ صَرا ٌ دوه ُ هَ َ َفاعْب ُ ُ
ذي َ ن ب َي ْن ِهِ ْم ْ ب ِ حَزا ُ قي ٌ ست َ ِم ْ ط ُ ذا ِ
َ
ب ي َوْم ٍ أِليم ٍ )(65 ذا ِ ن عَ َ م ْموا ِ ظ َل َ ُ
مها )(3 ما ُ ض النفوس ح َ ضها ) (1أو ي َعَْتلق ) (2ب َعْ َ مكَنة إَذا لم أْر َ ت َّراك أ ْ
وأولوه على أنه أراد جميع النفوس .قال ابن جرير :وإنما أراد نفسه فقط ،
وعبر بالبعض عنها .وهذا الذي قاله محتمل.
ه { أي ] :فيما[ ) (4أمركم به } ،وأطيعون { ،فيما قوا الل ّ َ وقوله َ } :فات ّ ُ
م { أي :أنا قي ٌ
ست َ ِ
م ْط ُصَرا ٌذا ِ دوه ُ هَ َ م َفاعْب ُ ُ ه هُوَ َرّبي وََرب ّك ُ ْ ن الل ّ َ جئتكم به } ،إ ِ ّ
وأنتم عبيد له ،فقراء إليه ،مشتركون في عبادته وحده ل شريك له } ،هَ َ
ذا
م { أي :هذا الذي جئتكم به هو الصراط المستقيم ،وهو قي ٌ ست َ ِ
م ْط ُ صَرا ٌ ِ
عبادة الرب ،عز وجل ،وحده.
م { أي :اختلفت الفرق وصاروا شيعا ن ب َي ْن ِهِ ْ
م ْ ب ِ حَزا ُ ف ال ْ خت َل َ َ وقوله َ } :فا ْ
فيه ،منهم من يقر بأنه عبد الله ورسوله -وهو الحق -ومنهم من يدعي أنه
ولد الله ،ومنهم من يقول :إنه الله -تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا -
ب ي َوْم ٍ أ َِليم ٍ { ذا ِ ن عَ َ م ْ موا ِ ن ظ َل َ ُذي َل ل ِل ّ ِ ولهذا قال } :فَوَي ْ ٌ
ن ){ (60 فو َ ُ
خل ُض يَ ْ َ ُ جعَل َْنا ِ شاُء ل َ َ } وَل َوْ ن َ َ
ة ِفي الْر ِ ملئ ِك ً م َ من ْك ْ
__________
) (1في أ " :أرمنها".
) (2في أ " :يقتلوا".
) (3البيت في تفسير الطبري ) (25/55وديوان لبيد العامري )ص .(313
) (4زيادة من ت ،م ،أ.
) (7/237
) (7/237
) (7/238
) (7/239
) (7/240
ن)سو َ مب ْل ِ ُم ِفيهِ ُ م وَهُ ْ فت ُّر عَن ْهُ ْ ن )َ (74ل ي ُ َ دو َ خال ِ ُم َ جهَن ّ َ ب َ ذا ِ ن ِفي عَ َ مي َ جرِ ِ م ْ ن ال ْ ُ إِ ّ
َ
ض عَلي َْنا ُ ّ َ َ َ َ
ق ِ مال ِك ل ِي َ ْ ن ) (76وََناد َْوا َيا َ
َ
مي َ م الظال ِ ِ ن كاُنوا هُ ُ م وَلك ِ ْ مَناهُ ْما ظل ْ (75وَ َ
ن) هو َ َ
حقّ كارِ ُ ْ
م ل ِل َ ُ َ ْ
ن أكثَرك ْ َ
حقّ وَلك ِ ّ ْ
م ِبال َ ُ ْ
جئَناك ْ قد ْ ِ َ
ن ) (77ل َ ُ
ماك ِثو َ م َ ُ
ك َقال إ ِن ّك َْ َرب ّ َ
َ َ َ َ َ
م
سّرهُ ْ مع ُ ِ س َن أّنا َل ن َ ْ سُبو َ ح َم يَ ْ ن ) (79أ ْ مو َ مب ْرِ ُ مًرا فَإ ِّنا ُ موا أ ْ م أب َْر ُ (78أ ْ
ن )(80 م ي َك ْت ُُبو َ سل َُنا ل َد َي ْهِ ْم ب ََلى وَُر ُ واهُ ْ ج َوَن َ ْ
م ِفيهِ م وَهُ ْ فت ُّر عَن ْهُ ْ ن ) (74ل ي ُ َ دو َ خال ِ ُ م َ جهَن ّ َ ب َ ذا ِ ن ِفي عَ َ مي َ جرِ ِ م ْ ن ال ْ ُ } إِ ّ
مال ِكُ ن ) (76وََناد َْوا َيا َ مي َ ّ
م الظال ِ ِ ن كاُنوا هُ ُ َ م وَلك ِ ْ َ مَناهُ ْ َ
ما ظل ْ َ ن ) (75وَ َ سو َ مب ْل ِ ُ ُ
م ُ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ُ ُ َ َ َ َ
ن أكثَرك ْ حقّ وَلك ِ ّ م ِبال َ جئَناك ْ قد ْ ِ ن ) (77ل َ ماك ِثو َ م َ ض عَلي َْنا َرب ّك قال إ ِن ّك ْ ق ِ ل ِي َ ْ
َ َ َ َ َ
ن أّنا ل سُبو َ ح َ م يَ ْ ن ) (79أ ْ مو َ مب ْرِ ُ َ
مًرا فإ ِّنا ُ موا أ ْ م أب َْر ُ ن ) (78أ ْ هو َ حقّ كارِ َُ ل ِل ْ َ
ن ).{ (80 م ي َك ْت ُُبو َ سل َُنا ل َد َي ْهِ ْ م ب ََلى وَُر ُ واهُ ْ ج َ م وَن َ ْ سّرهُ ْ مع ُ ِ س َ نَ ْ
نلما ذكر ]تعالى[ ) (1حال السعداء ،ثنى بذكر الشقياء ،فقال } :إ ِ ّ
م
م { أي :ساعة واحدة } وَهُ ْ فت ُّر عَن ْهُ ْ ن .ل ي ُ َ دو َ خال ِ ُ م َ جهَن ّ َ ب َ ذا ِ ن ِفي عَ َ مي َ جرِ ِ م ْ ال ْ ُ
مكاُنوا هُ ُ ن َ م وَل َك ِ ْ مَناهُ ْ ما ظ َل َ ْ ن { أي :آيسون من كل خير } ،وَ َ سو َ مب ْل ِ ُ ِفيهِ ُ
ن { أي :بأعمالهم السيئة بعد قيام الحجج عليهم وإرسال الرسل مي َ ظال ِ ِ ال ّ
إليهم ،فكذبوا وعصوا ،فجوزوا بذلك جزاء وفاقا ،وما ربك بظلم للعبيد.
ك { وهو :خازن النار. مال ِ ُ} وََناد َْوا َيا َ
مْنهال ،حدثنا سفيان بن عيينة ،عن عمرو بن قال البخاري :حدثنا حجاج بن ِ
عطاء ) ، (2عن صفوان بن يعلى ،عن أبيه قال :سمعت رسول الله صلى
ك{ ض عَل َي َْنا َرب ّ َ ق ِ ك ل ِي َ ْ مال ِ ُ الله عليه وسلم يقرأ على المنبر } :وََناد َْوا َيا َ
__________
) (1زيادة من أ.
) (2في ت " :روى البخاري بإسناده".
) (7/240
تماَوا ِ س َ ب ال ّ ن َر ّ حا َ سب ْ َ ن )ُ (81 دي َ ل ال َْعاب ِ ِ ن وَل َد ٌ فَأ ََنا أ َوّ ُ م ِ ح َن ِللّر ْ كا َ ن َ ل إِ ْ قُ ْ
حّتى ي َُلُقوا ضوا وَي َل ْعَُبوا َ َواْلْرض َر ّ ْ َ
خو ُ م يَ ُ ن ) (82فَذ َْرهُ ْ فو َ ص ُما ي َ ِ ش عَ ّ ب العَْر ِ ِ
و ه و ه َ ل إ ض رَ ل ْ ا في و ه َ ل إ ِ ء ما س ال في ذي ّ ل ا و ه و ( 83 ) ن دو ع يو ذي ّ لا م
ُ
ْ ِ ِ ٌ َ َ ِ ِ ٌ َ ّ َ ِ ِ َ َُ َ ُ َ ُ ِ مهُ ُ ي َوْ َ
ما َ ْ مل ُْ َ ّ م ) (84وَت ََباَر َ ْ ال ْ َ
ما ب َي ْن َهُ َ ض وَ َ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ك ال ّ ه ُ ذي ل ُ ك ال ِ م العَِلي ُ كي ُ ح ِ
ه
ن ُدون ِ ِ م ْ ن ِ عو َ ن ي َد ْ ُ ذي َ ك ال ّ ِ مل ِ ُ ن ) (85وََل ي َ ْ جُعو َ ساعَةِ وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ م ال ّ عل ْ ُ عن ْد َه ُ ِ وَ ِ
م َ ْ َ َ َ ْ ن َ ّ ال ّ
قهُ ْ خل َ ن َ م ْ م َ سألت َهُ ْ ن َ ن ) (86وَلئ ِ ْ مو َ م ي َعْل ُ حقّ وَهُ ْ شهِد َ ِبال َ مَ ْ
ة إ ِل َ فاعَ َ ش َ
ن )(88 مُنو َ م ل ي ُؤْ ِ َ ن هَؤُلِء قَوْ ٌ َ ب إِ ّ ن ) (87وَِقيل ِهِ َيا َر ّ ُ
ه فَأّنى ي ُؤْفَكو َ ّ
ن الل ُ ُ
قول ّ ل َي َ ُ
ن )(89 مو َ ف ي َعْل َ ُ سو ْ َ م فَ َ سَل ٌ ل َ م وَقُ ْ ح عَن ْهُ ْ ف ْ ص َ َفا ْ
) (1أي :ليقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه ،فإنهم كما قال تعالى } :ل
ذاب َِها { ]فاطر .[36 :وقال : ن عَ َ م ْ
م ِ ف عَن ْهُ ْف ُ خ ّ
موُتوا َول ي ُ َ ضى عَل َي ْهِ ْ
م فَي َ ُ ق َ يُ ْ
ت ِفيَها َول
مو ُ
م ل يَ ُ ْ
صلى الّناَر الك ُب َْرى .ث ُ ّ َ ذي ي َ ْ ّ
قى .ال ِ جن ّب َُها ) (2ال ْ
ش َ } وَي َت َ َ
حَيى { ]العلى ، [13 - 11 :فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك َ } ،قا َ
ل يَ ْ
ن { :قال ابن عباس :مكث ألف سنة ،ثم قال :إنكم ماكثون. ماك ُِثو َ م َ ُ
إ ِن ّك ْ
رواه ابن أبي حاتم.
أي :ل خروج لكم منها ول محيد لكم عنها.
قد ْ َ
ثم ذكر سبب شقوتهم وهو مخالفتهم للحق ومعاندتهم له فقال } :ل َ
جئ ْناك ُم بال ْحق { أي :بيناه لكم ووضحناه وفسرناه } ،ول َك َ
ق
ح ّ م ل ِل ْ َ ن أك ْث ََرك ُ ْ َ ِ ّ ِ َ ْ ِ َ ّ
ن { أي :ولكن كانت سجاياكم ل تقبله ول تقبل عليه ،وإنما تنقاد هو َ كارِ ُ َ
للباطل وتعظمه ،وتصد عن الحق وتأباه ،وتبغض أهله ،فعودوا على
أنفسكم بالملمة ،واندموا حيث ل تنفعكم ) (3الندامة.
َ ثم قال تعالى } :أ َ َ
ن { قال مجاهد :أرادوا كيد شر مو َ مب ْرِ ُ مًرا فَإ ِّنا ُ موا أ ْ م أب َْر ُ ْ
فكدناهم.
مل مك ًْرا وَهُ ْ مك َْرَنا َ مك ًْرا وَ َ مك َُروا َ وهذا الذي قاله مجاهد كما قال تعالى } :وَ َ
ن { ]النمل ، [50 :وذلك لن المشركين كانوا يتحيلون في رد الحق شعُُرو َ يَ ْ
بالباطل بحيل ومكر يسلكونه ،فكادهم الله ،ورد وبال ذلك عليهم ؛ ولهذا
م { أي :سرهم وعلنيتهم ، قال } :أ َم يحسبو َ
واهُ ْ ج َ م وَن َ ْ سّرهُ ْ مع ُ ِ س َ ن أّنا ل ن َ ْ ْ َ ْ َ ُ َ
ن { أي :نحن نعلم ما هم عليه ،والملئكة أيضا ْ
م ي َكت ُُبو َ سل َُنا ل َد َي ْهِ ْ } ب ََلى وَُر ُ
يكتبون أعمالهم ،صغيرها وكبيرها.
ت
وا ِ م َ س َ ب ال ّ ن َر ّ حا َ سب ْ َ ن )ُ (81 دي َ ل الَعاب ِ ِ ْ ن وَل َد ٌ فَأ ََنا أ َوّ ُ م ِ ح َ ن ِللّر ْ كا َ ن َ ل إِ ْ } قُ ْ
ُ
حّتى ُيلقوا ضوا وَي َلعَُبوا َ ْ خو ُ م يَ ُ ن ) (82فذ َْرهُ ْ َ فو َ ص ُ ما ي َ ِ ش عَ ّ ْ
ب العَْر ِ ض َر ّ َوالْر ِ
و
ه وَهُ َ َ
ض إ ِل ٌ َ ّ ّ
ه وَِفي الْر ِ ماِء إ ِل ٌ س َ ذي ِفي ال ّ ن ) (83وَهُوَ ال ِ دو َ ذي ُيوعَ ُ م ال ِ مهُ ُ ي َوْ َ
عن ْد َهُ ما وَ ِ ما ب َي ْن َهُ َ ض وَ َ ُ ْ َ ّ َ ْ ال ْ َ
ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ ملك ال ّ ه ُ ذي ل ُ م ) (84وَت ََباَرك ال ِ م العَِلي ُ كي ُ ح ِ
ة ِإل فاعَ َ ش َ ن ُدون ِهِ ال ّ م ْ ن ِ عو َ ن ي َد ْ ُ ذي َ ك ال ّ ِ مل ِ ُ ن )َ (85ول ي َ ْ جُعو َ ساعَةِ وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ م ال ّ عل ْ ُ ِ
َ
ه فَأّنى ن الل ُّ ُ ل قو ُ ي َ ل م ه َ ق َ ل خ ن م م ه ت ْ ل َ أس ن ئ َ لو ( 86 ) ن مو َ ل ع ي م ه و ق ح ْ ل با د هش َ ن
ّ ُ ْ َ َ َ ِ ْ َ َُ ْ َ ْ ِ َ ِ َ ّ َ ُ ْ َْ ُ َ م ْ َ
لم وَقُ ْ ه
ْ ْ ُْ ْن َ ع ح َ ف ص فا َ ( 88 ) ن نو
ُ ِ ُ َ م ْ ؤ ي ل م
ْ ٌ و َ ق ِ ء ؤل ُ َ ه ن إ ب
َ ِ ِ َ َ ّ ِ ّ ر يا ه ِ ل قي و ( 87 ) ن
َ كو ُ َ ف ْ ؤ يُ
ن ){ (89 مو َ ف ي َعْل َ ُ سو ْ َ م فَ َ سل ٌ َ
ن{ دي ب عا ْ لا ُ
ل و َ أ نا َ أ َ ف د َ ل و ن م ح ر لل ن كا َ ن إ } : محمد يا { ْ
ل ُ ق } : تعالى يقول
ِ َ ِ َ ّ َ ٌ ّ َ ِ َ ْ ِ َ ْ ِ
أي :لو فرض هذا لعبدته
__________
) (1صحيح البخاري برقم ).(4819
) (2في م " :وسيجنبها".
) (3في ت ،م " :ل تنفع".
) (7/241
على ذلك لني عبد من عبيده ،مطيع لجميع ما يأمرني به ،ليس عندي
استكبار ول إباء عن عبادته ،فلو فرض كان هذا ،ولكن هذا ممتنع في حقه
تعالى ،والشرط ل يلزم منه الوقوع ول الجواز أيضا ،كما قال تعالى } :ل َ ْ
و
أ َراد الل ّ َ
حد ُ ه ال ْ َ
وا ِ ه هُوَ الل ّ ُ حان َ ُسب ْ َشاُء ُ ما ي َ َ خل ُقُ َ ما ي َ ْ
م ّفى ِ صط َ َ
دا ل ْخذ َ وَل َ ً
ن ي َت ّ ِ
هأ ُْ َ َ
قّهاُر { ]الزمر .[4 : ال ْ َ
ن { أي :النفين. دي َ ل ال َْعاب ِ ِ]و[ ) (1قال بعض المفسرين في قوله } :فَأ ََنا أ َوّ ُ
ن{ دي َ ومنهم سفيان الثوري ،والبخاري حكاه فقال :ويقال } :أ َوّ ُ
ل ال َْعاب ِ ِ
الجاحدين ،من عبد يعبد.
وذكر ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن يونس بن عبد العلى ،
سْيط ) ، (2عن ب ََعجة بن زيد عن ابن وهب ،حدثني ابن أبي ذئب ،عن أبي قُ َ
الجهني ؛ أن امرأة منهم دخلت على زوجها -وهو رجل منهم أيضا -فولدت
له في ستة أشهر ،فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان ،رضي الله عنه ،
فأمر بها أن ترجم ،فدخل عليه علي بن أبي طالب ،رضي الله عنه ،فقال :
شهًْرا { ]الحقاف ، [15 : ن َ ه َثلُثو َ صال ُ ُ
ه وَفِ َ مل ُ ُ
ح ْ
إن الله يقول في كتابه } :وَ َ
ن { ]لقمان ، [14 :قال :فوالله ما عبد عثمان ، مي ْ ِ عا َ ه ِفي َ صال ُ ُ
وقال } وَفِ َ
رضي الله عنه ،أن بعث إليها :ترد -قال يونس :قال ابن وهب :عبد :
استنكف(3) .
]و[ ) (4قال الشاعر :
ما )(5 ظال ًحاَلة َ خليله ...وي َعْب َد ُ عََليه ل ِ
م َ م َ صرِ ْ شأ ُذو الوُد ّ ي ْ ما ي َ َ
مَتى َ َ
وهذا القول فيه نظر ؛ لنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره :إن كان هذا
فأنا ممتنع منه ؟ هذا فيه نظر ،فليتأمل .اللهم إل أن يقال " :إن" ليست
شرطا ،وإنما هي نافية كما قال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس في
ن وَل َد ٌ { ،يقول :لم يكن للرحمن ولد فأنا أول م ِ ح َن ِللّر ْ كا َ ن َ
ل إِ ْ قوله } :قُ ْ
الشاهدين.
َ َ َ
ن وَلد ٌ فَأَنا أوّ ُ
ل َ وقال قتادة :هي كلمة من كلم العرب } :قُ ْ
م ِ
ح َ ن ِللّر ْ ن كا َ ل إِ ْ
ن { أي :إن ذلك لم يكن فل ينبغي. دي َال َْعاب ِ ِ
َ َ
ن { أي :فأنا أول دي َ ل ال َْعاب ِ ِن وَل َد ٌ فَأَنا أوّ ُم ِ
ح َ
ن ِللّر ْ كا َ ن َ ل إِ ْ وقال أبو صخر } :قُ ْ
من عبده بأن ل ولد له ،وأول من وحده .وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن
أسلم.
ن { أي :أول من عبده ووحده وكذبكم. ْ ُ َ َ َ
دي َوقال مجاهد } :فأَنا أوّل الَعاب ِ ِ
__________
) (1زيادة من ت ،م.
) (2في ت " :ما رواه بإسناده".
) (3تفسير الطبري ).(25/61
) (4زيادة من ت ،م.
) (5البيت في تفسير الطبري ).(25/60
) (7/242
ن { النفين .وهما لغتان ،رجل عابد وعبد ) دي َ ل ال َْعاب ِ ِ وقال البخاري } :فَأ ََنا أ َوّ ُ
.(1
والول أقرب على أنه شرط وجزاء ،ولكن هو ممتنع.
ن{ ْ ُ َ َ َ َ ن َ وقال السدي ]في قوله[ ) } (2قُ ْ
دي َ
ن وَلد ٌ فأَنا أوّل الَعاب ِ ِ م ِ ح َ
ن ِللّر ْكا َ ل إِ ْ
يقول :لو كان له ولد كنت أول من عبده ،بأن له ولدا ،لكن ل ولد له .وهو
اختيار ابن جرير ،ورد ّ قول من زعم أن "إن" نافية.
ن { أي : فو َ ص ُ
ما ي َ ِ ش عَ ّ ت َوالْرض َر ّ ْ
ب العَْر ِ ِ وا ِ م َس َ ب ال ّ ن َر ّ حا َ سب ْ َ ولهذا قال ُ } :
تعالى وتقدس وتنزه خالق الشياء عن أن يكون له ولد ،فإنه فرد أحد صمد ،
ل نظير له ول كفء له ،فل ) (3ولد له.
ْ
ضوا { أي :في جهلهم وضللهم } وَي َلعَُبوا { في خو ُ م يَ ُ وقوله } :فَذ َْرهُ ْ
ن { وهو يوم القيامة ،أي :فسوف دو َ
ذي ُيوعَ ُ ّ
م ال ِ مهُ ُحّتى ُيلُقوا ي َوْ َ دنياهم } َ
يعلمون كيف يكون مصيرهم ،ومآلهم ،وحالهم في ذلك اليوم.
ه { أي :هو إله من في ض إ ِل َ ٌه وَِفي الْر ِ ماِء إ ِل َ ٌ س َذي ِفي ال ّ وقوله } :وَهُوَ ال ّ ِ
السماء ،وإله من في الرض ،يعبده أهلهما ،وكلهم خاضعون له ،أذلء بين
م{م ال ْعَِلي ُ كي ُح ِ يديه } ،وَهُوَ ال ْ َ
سّرك ُ ْ
م م ِ ض ي َعْل َ ُت وَِفي الْر ِ وا ِ م َ
س َ
ه ِفي ال ّ وهذه الية كقوله تعالى } :وَهُوَ الل ّ ُ
ن { ]النعام [3 :أي :هو المدعو الله في سُبو َ ما ت َك ْ ِ م َ م وَي َعْل َ ُ
جهَْرك ُ ْ
وَ َ
السموات والرض.
ما { أي :هو خالقهما ما ب َي ْن َهُ َ
ض وَ َ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َك ال ّ مل ْ ُ ه ُ ذي ل َ ُ ك ال ّ ِ} وَت ََباَر َ
ومالكهما والمتصرف فيهما ،بل مدافعة ول ممانعة ،فسبحانه وتعالى عن
الولد ،وتبارك :أي استقر له السلمة من العيوب والنقائص ؛ لنه الرب
العلي العظيم ،المالك للشياء ،الذي بيده أزمة المور نقضا وإبراما ،
ن { أي : جُعو َ ساعَةِ { أي :ل يجليها لوقتها إل هو } ،وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ م ال ّ عل ْ ُ عن ْد َه ُ ِ
} وَ ِ
فيجازي كل بعمله ،إن خيرا فخير ،وإن شرا فشر.
ن ُدون ِهِ { أي :من الصنام م ْ ن ِعو َ ن ي َد ْ ُذي َ ك ال ّ ِ مل ِ ُ
ثم قال تعالى َ } :ول ي َ ْ
ن َ
شهِد َ م ْة { أي :ل يقدرون على الشفاعة لهم ِ } ،إل َ فاعَ َ ش َ والوثان } ال ّ
ن { هذا استثناء منقطع ،أي :لكن من شهد بالحق على مو َ َ
م ي َعْل ُ حقّ وَهُ ْ ِبال ْ َ
بصيرة وعلم ،فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له.
َ َ
ن { أي :ولئن ُ
ه فَأّنى ي ُؤْفَكو َ ن الل ّ ُقول ُ ّ
م ل َي َ ُ قهُ ْخل َ َ
ن َ م ْم َ سأل ْت َهُ ْ ن َ ثم قال } :وَل َئ ِ ْ
ه{ن الل ّ ُقول ُ ّ
م ل َي َ ُقهُ ْ خل َ َ
ن َم ْ
سألت هؤلء المشركين بالله العابدين معه غيره } َ
أي :هم يعترفون ) (4أنه الخالق للشياء جميعها ،وحده ل شريك له في ذلك
،ومع هذا يعبدون معه غيره ،ممن ل يملك شيئا ول يقدر على شيء ،فهم
في
__________
) (1صحيح البخاري )" (8/568فتح الباري".
) (2زيادة من أ.
) (3في ت " :ول".
) (4في ت " :يعرفون".
) (7/243
ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل ؛ ولهذا قال } :فَأ َّنى
ن{ كو َي ُؤْفَ ُ
ن { أي :وقال :محمد : م ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ ؤلِء قَوْ ٌ ن هَ ُ ب إِ ّ وقوله } :وَِقيل ِهِ )َ (1يا َر ّ
قيله ،أي :شكا إلى ربه شكواه من قومه الذين كذبوه ،فقال :يا رب ،إن
ل َياسو ُ ل الّر ُ هؤلء قوم ل يؤمنون ،كما أخبر تعالى في الية الخرى } :وََقا َ
جوًرا { ]الفرقان [30 :وهذا الذي قلناه مهْ ُ
ن َ قْرآ َذا ال ْ ُذوا هَ َ خ ُمي ات ّ َ ن قَوْ ِ
ب إِ َّر ّ
هو ]معنى[ ) (2قول ابن مسعود ،ومجاهد ،وقتادة ،وعليه فسر ابن جرير )
.(3
قال البخاري :وقرأ عبد الله -يعني ابن مسعود " : -وقال الرسول يا رب") .
(4
ن { ،قال : مُنو َم ل ي ُؤْ ِ ؤلِء قَوْ ٌ ن هَ ُ ب إِ ّ وقال مجاهد في قوله } :وَِقيل ِهِ َيا َر ّ
فأبر الله قول محمد.
وقال قتادة :هو قول نبيكم صلى الله عليه وسلم يشكو قومه إلى ربه عز
وجل.
ب { قراءتين ،إحداهما النصب ، ثم حكى ابن جرير في قوله } :وَِقيل ِهِ َيا َر ّ
م{ واهُ ْ
ج َ
م وَن َ ْسّرهُ ْ
مع ُ ِ س َولها توجيهان :أحدهما أنه معطوف على قوله } :ن َ ْ
]الزخرف [80 :والثاني :أن يقدر فعل ،وقال :قيَله .والثانية :الخفض ،
علم قيله. ساعَةِ { تقديره :و ِ م ال ّ عل ْ ُ
عن ْد َه ُ ِ
وقيل ِهِ ،عطفا على قوله } :وَ ِ
م { أي :ل تجاوبهم سل ٌ ْ ُ
م { أي :المشركين } ،وَقل َ ح عَن ْهُ ْف ْ ص َوقوله َ } :فا ْ
بمثل ما يخاطبونك به من الكلم السيئ ،ولكن تألفهم واصفح عنهم فعل
ن ) ، { (5هذا تهديد منه تعالى لهم ،ولهذا أحل بهم ف ي َعْل َ ُ
مو َ وقول } فَ َ
سو ْ َ
بأسه الذي ل يرد ،وأعلى دينه وكلمته ،وشرع بعد ذلك الجهاد والجلد ،حتى
دخل الناس في دين الله أفواجا ،وانتشر السلم في المشارق والمغارب.
آخر تفسير سورة الزخرف
__________
) (1في ت " :وقيل هو".
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3تفسير الطبري ).(25/62
) (4صحيح البخاري )" (8/568فتح الباري".
) (5في م " :تعلمون".
) (7/244
َ
ن )(3 من ْذِِري َمَباَرك َةٍ إ ِّنا ك ُّنا ُ ن ) (2إ ِّنا أن َْزل َْناه ُ ِفي ل َي ْل َةٍ ُ مِبي ِب ال ْ ُ حم )َ (1وال ْك َِتا ِ
َ فرقُ ك ُ ّ َ
ن
م ْ ة ِ م ً
ح َ ن )َ (5ر ْ سِلي َمْر ِ عن ْدَِنا إ ِّنا ك ُّنا ُ ن ِ م ْمًرا ِ كيم ٍ ) (4أ ْ ح ِمرٍ َ لأ ْ ِفيَها ي ُ ْ َ
م ُ َ ْ ْ َرب ّ َ
ن كن ْت ُ ْ ما إ ِ ْ
ما ب َي ْن َهُ َض وَ َ ت َوال َْر ِ ماَوا ِ س َ ب ال ّ م )َ (6ر ّ ميعُ العَِلي ُ س ِ ه هُوَ ال ّ ك إ ِن ّ ُ
َ
ن )(8 م اْلوِّلي َ ب آَبائ ِك ُ ُ م وََر ّ ت َرب ّك ُ ْ مي ُ حِيي وَي ُ ِه إ ِّل هُوَ ي ُ ْ ن )َ (7ل إ ِل َ َ موقِِني َ ُ
) (7/245
ْ
ن )(10 مِبي ٍ ن ُ خا ٍ ماُء ب ِد ُ َ س َ م ت َأِتي ال ّ ب ي َوْ َق ْ ن )َ (9فاْرت َ ِ ك ي َل ْعَُبو َ ش ّ م ِفي َ ل هُ ْ بَ ْ
ف عَّنا ال ْعَ َ َ
ن )(12 مؤ ْ ِ
مُنو َ ب إ ِّنا ُ ذا َ ش ْ م )َ (11رب َّنا اك ْ ِ ب أِلي ٌ ذا ٌ ذا عَ َ س هَ َ شى الّنا َ ي َغْ َ
َ
ممعَل ّ ٌه وََقاُلوا ُ وا عَن ْ ُ م ت َوَل ّ ْن ) (13ث ُ ّ مِبي ٌ ل ُسو ٌ م َر ُ جاَءهُ ْ م الذ ّك َْرى وَقَد ْ َ أّنى ل َهُ ُ
ة
ش َش ال ْب َط ْ َم ن َب ْط ِ ُ
ن ) (15ي َوْ َ دو َ عائ ِ ُ
م َ ب قَِليًل إ ِن ّك ُ ْ ذا ِ فوا ال ْعَ َ ش ُكا ِن ) (14إ ِّنا َ جُنو ٌ م ْ َ
ن )(16 مو َ ُ ق
ِ َ تْ ن م نا
ِ ُّ إ رى َ ْ بُ ك ْ ل ا
وقد ذكرنا الحاديث ) (1الواردة في ذلك في "سورة البقرة" بما أغنى عن
إعادته.
ومن قال :إنها ليلة النصف من شعبان -كما روي عن عكرمة -فقد أبعد
جَعة فإن نص القرآن أنها في رمضان .والحديث الذي رواه عبد الله بن الن ّ ْ
صالح ،عن الليث ،عن عقيل عن الزهري :أخبرني عثمان بن محمد بن
المغيرة بن الخنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :تقطع الجال
من شعبان إلى شعبان ،حتى إن الرجل لينكح ويولد له ،وقد أخرج اسمه
في الموتى" ) (2فهو حديث مرسل ،ومثله ل يعارض به النصوص.
عا ، ن { أي :معلمين الناس ما ينفعهم ويضرهم شر ً من ْذِِري َوقوله } :إ ِّنا ك ُّنا ُ
لتقوم حجة الله على عباده.
كيم ٍ { أي :في ليلة القدر يفصل من اللوح فرقُ ك ُ ّ َ
ح ِ
مرٍ َ
لأ ْ وقوله ِ } :فيَها ي ُ ْ َ
المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة ،وما يكون فيها من الجال والرزاق ،وما
يكون فيها إلى آخرها .وهكذا روي عن ابن عمر ،وأبي مالك ،ومجاهد ،
والضحاك ،وغير واحد من السلف.
ن م را م وقوله } :حكيم { أي :محكم ل يبدل ول يغير ؛ ولهذا قال } :أ َ
ْ ً ِ ْ
عن ْدَِنا { أي :جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه ) (3فبأمره وإذنه ِ
ن { أي :إلى الناس رسول يتلو عليهم آيات الله لي س ر م
ِّ ّ ُ ْ ِ ِ َ نا ُ ك نا إ } ، وعلمه
و ُ ه ه نإ كَ
َ ْ َ ِ ْ َ ّ ِّ ُ َ ب ر ن م ةً محر } : قال ولهذا ؛ إليه ماسة كانت مبينات ،فإن الحاجة
ما { أي :الذي أنزل هذا ما ب َي ْن َهُ َ
ض وَ َ
ت َوالْر ِوا ِ م َ
س َ ب ال ّ م َر ّ ميعُ ال ْعَِلي ُ
س ِال ّ
ن ك ُن ْت ُ ْ
م القرآن هو رب السموات والرض وخالقهما ومالكهما وما فيهما } ،إ ِ ْ
ن { أي :إن كنتم متحققين. موقِِني َ ُ
ن { وهذه الية م الوِّلي َ ُ
ب آَبائ ِك ُ م وََر ّ ُ
ت َرب ّك ْ مي ُ حِيي وَي ُ ِ ه ِإل هُوَ ي ُ ْ َ
ثم قال } :ل إ ِل َ
مل ْكُ َ ّ ُ َ ّ ُ َ ْ ُ
ه ُ ذي ل ُ ميًعا ال ِ ج ِ م َ سول اللهِ إ ِلي ْك ْ س إ ِّني َر ُ كقوله تعالى } :قل َيا أي َّها الّنا ُ
سول ِهِ [ { )(4 ر و هّ ل بال نوا م فآَ ] ت مي ي و يي ح ِ ه ِإل هُوَ ي ُ ْ ض ل إ ِل َ َ
ِ ُ ِ ِ ََ ُ َُ ِ ُ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ ال ّ
الية ] العراف .[ 158 :
ْ
ن )(10 مِبي ٍ ن ُ خا ٍ ماُء ب ِد ُ َ س َ م ت َأِتي ال ّ ب ي َوْ َ ق ْ ن )َ (9فاْرت َ ِ ك ي َل ْعَُبو َ ش ّ م ِفي َ ل هُ ْ } بَ ْ
ْ َ
ن )(12 مُنو َ مؤ ْ ِ ب إ ِّنا ُ ذا َ ف عَّنا العَ َ ش ْ م )َ (11رب َّنا اك ْ ِ ب أِلي ٌ ذا ٌ ذا عَ َ س هَ َ شى الّنا َ ي َغْ َ
ّ ُ ّ َ َ
م
معَل ٌ ه وََقالوا ُ وا عَن ْ ُ م ت َوَل ْ ن ) (13ث ُ ّ مِبي ٌل ُ سو ٌ م َر ُ جاَءهُ ْ م الذ ّك َْرى وَقَد ْ َ أّنى لهُ ُ
ة
ش َش ال ْب َط ْ َ م ن َب ْط ِ ُ ن ) (15ي َوْ َ دو َ عائ ِ ُ م َ ب قَِليل إ ِن ّك ُ ْ ذا ِفوا ال ْعَ َ ش ُكا ِ ن ) (14إ ِّنا َ جُنو ٌ م ْ َ
ن ){ (16 مو َ ُ ق
ِ َ تْ ن م نا
ِ ُّ إ رى َ ْ بُ ك ْ ل ا
يقول تعالى :بل هؤلء المشركون في شك يلعبون ،أي :قد جاءهم اليقين )
، (5وهم يشكون فيه ،ويمترون ول يصدقون به ،ثم قال متوعدا لهم
ْ
ن {. مِبي ٍ ن ُ خا ٍ ماُء ب ِد ُ َ س َ م ت َأِتي ال ّ ب ي َوْ َ ق ْ ومتهدًدا َ } :فاْرت َ ِ
صب َْيح ) ، (6عن حى مسلم بن ُ ض َ مهَْران العمش ،عن أبي ال ّ قال سليمان بن ِ
مسروق قال :دخلنا
__________
) (1في ت " :ألثار".
) (2رواه الطبراني في تفسيره ) (25/65والبيهقي في شعب اليمان برقم )
(3839من طريق الليث عن عقيل به.
) (3في أ " :يوجبه".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في ت " :المبين".
) (6في ت " :روى البخاري ومسلم في صحيحيهما".
) (7/246
المسجد -يعني مسجد الكوفة -عند أبواب كندة ،فإذا رجل يقص على
ن { تدرون ما ذلك الدخان ؟ ذلك ْ
مِبي ٍ
ن ُ خا ٍماُء ب ِد ُ َ
س َم ت َأِتي ال ّ أصحابه } :ي َوْ َ
دخان يأتي يوم القيامة ،فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ،ويأخذ المؤمنين
منه شبه الزكام .قال :فأتينا ابن مسعود فذكرنا ذلك له ،وكان مضطجًعا
ففزع فقعد ،وقال ) (1إن الله عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم :
َ ل ما أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه م َ
ن { ] ص ، [ 86 :إن من في َ مت َك َل ّ ِ
ن ال ْ ُم َما أَنا ِ جرٍ وَ َ نأ ْ ْ ِ ِ ْ ْ ْ } قُ ْ َ
العلم أن يقول الرجل لما ل يعلم " :الله أعلم" سأحدثكم عن ذلك ،إن
قريشا لما أبطأت عن السلم واستعصت ) (2على رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،دعا عليهم بسنين كسني يوسف ،فأصابهم من الجهد والجوع
حتى أكلوا العظام والميتة ،وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فل يرون إل
الدخان -وفي رواية :فجعل الرجل ينظر إلى السماء ،فيرى ما بينه وبينها
م ت َأ ِْتيب ي َوْ َ ق ْ كهيئة الدخان من الجهد ] -قال[ ) (3قال الله تعالى َ } :فاْرت َ ِ
م { ،فأتى رسول الله صلى َ ذا عَ َ س هَ َ ن ي َغْ َ
ب أِلي ٌ ذا ٌ شى الّنا َ مِبي ٍ ن ُ خا ٍ ماُء ب ِد ُ َ
س َال ّ
الله عليه وسلم فقيل :يا رسول الله استسق الله لمضر ،فإنها قد هلكت.
ب قَِليل إ ِن ّك ُ ْ
م ذا ِفوا ال ْعَ َ ش ُ كا ِقوا فأنزل الله } :إ ِّنا َ س ُفاستسقى لهم فَ ُ
ن { قال :ابن مسعود :فيكشف العذاب عنهم يوم القيامة ،فلما دو َعائ ِ ُ
َ
ة َ ْ
ش الب َطش َ ْ م ن َب ْط ِ ُ أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ،فأنزل الله } :ي َوْ َ
ن { ،قال :يعني يوم بدر. مو َ ق ُ ال ْك ُب َْرى إ ِّنا ُ
من ْت َ ِ
قال ابن مسعود :فقد مضى خمسة :الدخان ،والروم ،والقمر ،والبطشة ،
والّلزام .وهذا الحديث مخرج في الصحيحين (4) .ورواه المام أحمد في
مسنده ،وهو عند الترمذي والنسائي في تفسيرهما ) ، (5وعند ابن جرير
وابن أبي حاتم من طرق متعددة ،عن العمش ،به ) (6وقد وافق ابن
مسعود على تفسير الية بهذا ،وأن الدخان مضى ،جماعة من السلف
كمجاهد ،وأبي العالية ،وإبراهيم النخعي ،والضحاك ،وعطية العوفي ،وهو
اختيار ابن جرير.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا جعفر بن مسافر ،حدثنا يحيى بن
حسان ،حدثنا ابن ل َِهيعة ،حدثنا ) (7عبد الرحمن العرج في قوله } :ي َوْ َ
م
ن { قال :كان يوم فتح مكة. ْ
مِبي ٍن ُ خا ٍ
ماُء ب ِد ُ َ س َ ت َأِتي ال ّ
دا بل منكر. وهذا القول غريب ج ً
وقال آخرون :لم يمض الدخان بعد ،بل هو من أمارات ) (8الساعة ،كما
ريحة ) (9حذيفة بن أسيد الغفاري ،رضي الله عنه ، س ِ
تقدم من حديث أبي َ
قال :أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر
الساعة ،فقال " :ل تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات :طلوع الشمس من
مغربها ،والدخان ،والدابة ،وخروج يأجوج ومأجوج ،وخروج عيسى ابن
مريم ،والدجال ،وثلثة خسوف :خسف بالمشرق ،وخسف بالمغرب ،
وخسف بجزيرة العرب ،ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس
__________
) (1في ت ،م " :فقال".
) (2في أ " :واستصعبت".
) (3زيادة من أ.
) (4صحيح البخاري برقم ) (4820وصحيح مسلم برقم ).(2798
) (5في م " :تفسيريهما".
) (6المسند ) (431 ، 1/380وسنن الترمذي برقم ) (3254والنسائي في
السنن الكبرى برقم ) (11481وتفسير الطبري )(25/66
) (7في ت " :وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن".
) (8في ت " :آيات".
) (9في ت " :أبي سريحة في".
) (7/247
-أو :تحشر الناس : -تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا" تفرد
بإخراجه مسلم في صحيحه ).(1
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبن الصياد " :إني
دخ .فقال له " :اخسأ فلن تعدو قدرك" قال :وخبأ خْبأ" قال :هو ال ّ
خبأت لك َ
ْ
ن
خا ٍ
ماُء ب ِد ُ َ
س َ
م ت َأِتي ال ّ
ب ي َوْ َ له رسول الله صلى الله عليه وسلم َ } :فاْرت َ ِ
ق ْ
ن { ).(2
مِبي ٍ
ُ
وهذا فيه إشعار بأنه من المنتظر المرتقب ،وابن صياد كاشف على طريقة
دخ" يعني : قرطمون العبارة ؛ ولهذا قال " :هو ال ّ الكهان بلسان الجان ،وهم ي ُ َ
الدخان .فعندها عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مادته وأنها
شيطانية ،فقال له " :اخسأ فلن تعدو قدرك".
ثم قال ابن جرير :وحدثني عصام بن َرّواد بن الجراح ،حدثنا أبي ،حدثنا
حَراش سفيان بن سعيد الثوري ،حدثنا منصور بن المعتمر ،عن رِب ِْعي بن ِ
قال :سمعت حذيفة بن اليمان يقول ) : (3قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :إن أول اليات الدجال ،ونزول عيسى ابن مريم ،ونار تخرج من
قعر عدن أبين ،تسوق الناس إلى المحشر ،تقيل معهم إذا قالوا ،والدخان -
قال حذيفة :يا رسول الله ،وما الدخان ؟ فتل رسول الله صلى الله عليه
ْ
س هَ َ
ذا شى الّنا َ ن ي َغْ َ
مِبي ٍ
ن ُ
خا ٍ
ماُء ب ِد ُ َ
س َ
م ت َأِتي ال ّ
ب ي َوْ َ وسلم هذه الية َ } :فاْرت َ ِ
ق ْ
ما وليلة ،أما َ عَ َ
م { -يمل ما بين المشرق والمغرب ،يمكث أربعين يو ً ب أِلي ٌ
ذا ٌ
المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة ) ، (4وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران ،
يخرج من منخريه وأذنيه ودبره" ).(5
قال ابن جرير :لو صح هذا الحديث لكان فاصل وإنما لم أشهد له بالصحة ؛
لن محمد بن خلف العسقلني حدثني أنه سأل روادا عن هذا الحديث :هل
سمعه من سفيان ؟ فقال له :ل قال :فقلت :أقرأته عليه ؟ قال :ل قال :
فقلت له :فقرئ عليه وأنت حاضر فأقر به ؟ فقال :ل فقلت له :فمن أين
جئت به ؟ فقال :جاءني به قوم فعرضوه علي ،وقالوا لي :اسمعه منا.
ي ثم ذهبوا به ،فحدثوا به عني ،أو كما قال ).(6 فقرءوه عل ّ
وقد أجاد ابن جرير في هذا الحديث هاهنا ،فإنه موضوع بهذا السند ،وقد
أكثر ابن جرير من سياقه في أماكن من هذا التفسير ،وفيه منكرات كثيرة
دا ،ول سيما في أول سورة "بني إسرائيل" في ذكر المسجد القصى ، ج ً
والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو زرعة ،حدثنا صفوان ،حدثنا الوليد ،حدثنا
خليل ،عن الحسن ،عن أبي سعيد الخدري ،رضي الله عنه ،أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " :يهيج الدخان بالناس ،فأما المؤمن فيأخذه
كالزكمة ،وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه".
__________
) (1صحيح مسلم برقم ).(2901
) (2صحيح البخاري برقم ) (3055وصحيح مسلم برقم ) (2930من حديث
عبد الله بن عمر ،رضي الله عنهما.
) (3في ت " :وروى ابن أبي حاتم عن حذيفة قال".
) (4في ت ،م " :الزكام".
) (5تفسير الطبري ) (25/68ومن طريقه رواه الثعلبي في تفسيره كما في
تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي ) (1174والبغوي في معالم التنزيل )
.(7/230
) (6تفسير الطبري ).(25/68
) (7/248
ورواه سعيد بن أبي عَُروبة ،عن قتادة ،عن الحسن ،عن أبي سعيد الخدري
موقوًفا .ورواه عوف ،عن الحسن قوله.
ضا :حدثني محمد بن عوف ،حدثنا محمد بن إسماعيل بن وقال ابن جرير أي ً
عة ،عن ُ
شريح بن عبيد ،عن أبي ضم بن ُزر َم َ
ض ْ
عياش ،حدثني أبي ،حدثني َ
مالك الشعري قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن ربكم
أنذركم ثلثا :الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ،ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج
من كل مسمع منه والثانية الدابة والثالثة الدجال".
ورواه الطبراني عن هاشم بن يزيد ،عن محمد بن إسماعيل بن عياش ،به )
(1وهذا
إسناد جيد.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم ،حدثنا
إسرائيل ،عن أبي إسحاق ،عن الحارث ،عن علي ،رضي الله عنه ،قال :
لم تمض آية الدخان بعد ،يأخذ المؤمن كهيئة الزكام ،وتنفخ الكافر حتى
ينفذ.
وروى ابن جرير من حديث الوليد بن جميع ،عن عبد الملك بن المغيرة ،عن
عبد الرحمن بن البيلماني ،عن ابن عمر قال :يخرج الدخان فيأخذ المؤمن
كهيئة الزكام ،ويدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ
،أي :المشوي على الّرضف.
َ
ثم قال ابن جرير :حدثني يعقوب ،حدثنا ابن عُلّية عن ابن جريج ) ، (2عن
عبد الله بن أبي مليكة قال :غدوت على ابن عباس ،رضي الله عنهما ،ذات
يوم فقال :ما نمت الليلة حتى أصبحت .قلت :لم ؟ قال :قالوا طلع
الكوكب ذو الذنب ،فخشيت أن يكون الدخان قد طرق ،فما نمت حتى
أصبحت ) (3وهكذا رواه ابن أبي حاتم ) ، (4عن أبيه ،عن ابن عمر ،عن
سفيان ،عن عبد الله بن أبي يزيد ،عن عبد الله بن أبي مليكة ،عن ابن
عباس فذكره .وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس حبر المة وترجمان القرآن.
وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين أجمعين ،مع الحاديث
المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما ،التي أوردناها مما فيه مقنع ودللة
ظاهرة على أن الدخان من اليات المنتظرة ،مع أنه ظاهر القرآن.
ْ
ن { أي :بين واضح مِبي ٍ
ن ُ
خا ٍماُء ب ِد ُ َ
س َ
م ت َأِتي ال ّ
ب ي َوْ َ قال الله تعالى َ } :فاْرت َ ِ
ق ْ
يراه كل أحد .وعلى ما فسر به ابن مسعود ،رضي الله عنه :إنما هو خيال
س { أيشى الّنا َرأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد .وهكذا قوله } :ي َغْ َ
:يتغشاهم وي َُعمهم ) ، (5ولو كان أمرا خيالّيا يخص أهل مكة المشركين لما
__________
) (1تفسير الطبري ) (25/68والمعجم الكبير ) (3/292وقول الحافظ ابن
كثير هنا " :هذا إسناد جيد" متعقب فإن لهذه النسخة ثلث علل :
الولى :محمد بن إسماعيل بن عياش قال أبو حاتم " :لم يسمع من أبيه
شيئا ،حملوه على أن يحدث فحدث".
الثانية :ضمضم بن زرعة ،ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن معين ومحمد بن
إسماعيل بن عياش قال أبو داود " :لم يكن بذاك".
الثالثة :شريح بن عبيد ،قد كلم في سماعه من أبي مالك الشعري قال أبو
حاتم " :شريح بن عبيد ،عن أبي مالك الشعري مرسل".
) (2في ت " :وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
) (3تفسير الطبري ).(25/68
) (4في ت " :ورواه ابن جرير هكذا" ،وفي أ " :وهكذا رواه ابن جرير".
) (5في أ " :ويغمهم".
) (7/249
س{ شى الّنا َ قيل فيه } :ي َغْ َ
خا ،كقوله تعالى م { أي :يقال لهم ذلك تقريًعا وتوبي ً َ ذا عَ َ وقوله } :هَ َ
ب أِلي ٌ ذا ٌ
ن { ] الطور : ّ َ
م ب َِها ت ُكذُبو َ ُ ّ
عا هَذِهِ الّناُر الِتي كن ْت ُ ْ م دَ ّ جهَن ّ َ ن إ ِلى َنارِ َ َ عو َ م ي ُد َ ّ } :ي َوْ َ
، [14 ، 13أو يقول بعضهم لبعض ذلك.
ن { أي :يقول الكافرون إذا مُنو َ مؤ ْ ِ ب إ ِّنا ُ ذا َ ف عَّنا ال ْعَ َ ش ْ وقوله َ } :رب َّنا اك ْ ِ
عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم ،كقوله } :وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ
نم َ ن ِ كو َ ت َرب َّنا وَن َ ُ ب ِبآَيا ِ قاُلوا َيا ل َي ْت ََنا ن َُرد ّ َول ن ُك َذ ّ َ فوا عََلى الّنارِ فَ َ وُقِ ُ
ْ ْ َ
بذا ُ م العَ َ م ي َأِتيهِ ُ س ي َوْ َ ن { ] النعام .[ 27 :وكذا قوله } :وَأن ْذِرِ الّنا َ مِني َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
ك ونتبع الرس َ َ َ موا َرب َّنا أ َ ّ
ل أوَل َ ْ
م ب د َعْوَت َ َ َ َ ّ ِ ِ ّ ُ ج ْ ب نُ ِ ري ٍ ل قَ ِ ج ٍ خْرَنا إ َِلى أ َ ن ظ َل َ ُ ذي َ ل ال ّ ِ قو ُ فَي َ ُ
ُ َ ن قَب ْ ُ َ تَ ُ
ل { ] إبراهيم ، [ 44 :وهكذا قال ن َزَوا ٍ م ْ م ِ ما لك ْ ل َ م ْ م ِ مت ُ ْ س ْ كوُنوا أقْ َ
َ
ممعَل ّ ٌ ه وََقاُلوا ُ وا عَن ْ ُ م ت َوَل ّ ْ ن ثُ ّ مِبي ٌ ل ُ سو ٌ م َر ُ جاَءهُ ْ م الذ ّك َْرى وَقَد ْ َ هاهنا } :أّنى ل َهُ ُ
ن{ جُنو ٌ م ْ َ
يقول :كيف لهم بالتذكر ،وقد أرسلنا إليهم رسول بين الرسالة والنذارة ،
ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه ،بل كذبوه وقالوا :معلم مجنون .وهذا كقوله
َ
ت م ُ ل َيا ل َي ْت َِني قَد ّ ْ قو ُ ه الذ ّك َْرى ي َ ُ ن وَأّنى ل َ ُ سا ُ مئ ِذ ٍ ي َت َذ َك ُّر الن ْ َ تعالى } :ي َوْ َ
َ
عوا فل َ ْ َ
حَياِتي { ] الفجر ، [24 ، 23 :وقوله ) (1تعالى } :وَلوْ ت ََرى إ ِذ فزِ ُ لِ َ
ن كاَ م ن م ش و نا ت ال م ه َ ل نى كان قَريب وَقاُلوا آمنا به وأ َ َ م ن م ذوا ُ فَوت وأ ُِ
خ
ُ ُ َّ ُ ُ ِ ْ َ ٍ َ ّ ِ ِ َ ّ ِ ْ َ ٍ ِ ٍ َ ْ َ َ
م ه
ََُْ ْ ن ي ب لَ حي و د. عي
َ ِ ْ ِ ِ ْ َ ٍ َِ ٍ َ ِب ن َ
كا م ن م ب ي َ غ ْ ل با ن فو ُ ذ ْ ق ي
ِ ِ ِ ْ ْ ََ ِ و ُ
ل ب َ ق ن م ه ب روا ُ َ ف َ ك َ
د .وَ ْ
د ق ب َِعي ٍ
م َ َ
ب{ ري ٍ م ِ ك ُ ش ّ كاُنوا ِفي َ ل إ ِن ّهُ ْ ن قَب ْ ُ م ْ م ِ عهِ ْ شَيا ِ ل ب ِأ ْ ما فُعِ َ ن كَ َ شت َُهو َ ما ي َ ْ ن َ وَب َي ْ َ
] سبأ .[ 54 - 51 :
ن { ) (2يحتمل معنيين : دو َ عائ ِ ُ م َ ب قَِليل إ ِن ّك ُ ْ ذا ِ فوا العَ َ ْ ش ُ كا ِ وقوله } :إ ِّنا َ
أحدهما :أنه يقوله ) (3تعالى :ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار
م مَناهُ ْ ح ْالدنيا ،لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب ،كقوله } :وَل َوْ َر ِ
ن { ] المؤمنون ، [ 75 : مُهو َ م ي َعْ َ جوا ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ ضّر ل َل َ ّ ن ُ م ْ م ِ ما ب ِهِ ْ فَنا َ ش ْ وَك َ َ
ن { ] النعام .[28 : كاذُِبو َ م لَ َ ه وَإ ِن ّهُ ْ ما ن ُُهوا عَن ْ ُ وكقوله } :وَل َوْ ُرّدوا ل ََعاُدوا ل ِ َ
والثاني :أن يكون المراد :إنا مؤخرو العذاب عنكم قليل بعد انعقاد أسبابه )
(4ووصوله إليكم ،وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلل ،ول
سم ُيون ُ َ يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم ،كقوله تعالى ِ } :إل قَوْ َ
ن{ حي ٍ م إ َِلى ِ مت ّعَْناهُ ْ حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ ي ِفي ال ْ َ خْز ِ ب ال ْ ِ ذا َ م عَ َ فَنا عَن ْهُ ْ ش ْ مُنوا ك َ َ ما آ َ لَ ّ
] يونس ، [ 98 :ولم يكن العذاب باشرهم ،واتصل بهم بل كان قد انعقد
ضا أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم سببه ]ووصوله[ ) (5عليهم ،ول يلزم أي ً
ثم عادوا إليه ،قال الله تعالى إخباًرا عن شعيب أنه قال لقومه حين قالوا :
مل ّت َِنا َقا َ َ
ل ن ِفي ِ ن قَْري َت َِنا أوْ ل َت َُعود ُ ّ م ْ ك ِ معَ َ مُنوا َ نآ َ ذي َ ب َوال ّ ِ شعَي ْ ُ ك َيا ُ جن ّ َ خرِ َ } ل َن ُ ْ
جاَنا اللهّ م ب َعْد َ إ ِذ ْ ن َ ّ ّ
ملت ِك ُ ْ ن عُد َْنا ِفي ِ ّ
ن قَدِ افْت ََري َْنا عَلى اللهِ ك َذًِبا إ ِ ْ َ هي َ كارِ ِ أ َوَل َوْ ك ُّنا َ
من َْها { ] العراف ، [ 89 ، 88 :وشعيب ]عليه السلم[ ) (6لم يكن قط على ِ
ملتهم وطريقتهم.
ن { إلى عذاب الله. دو َ عائ ِ ُ م َ ُ
وقال قتادة } :إ ِن ّك ْ
__________
) (1في ت ،م " :وكقوله".
) (2في ت " :كاشف".
) (3في أ " :يقول".
) (4في ت ،م ،أ " :سببه".
) (5زيادة من ت ،أ.
) (6زيادة من ت ،م ،أ.
) (7/250
ل ك َريم ) (17أ َ َ
عَباد َ الل ّهِ ن أّدوا إ ِل َ ّ
ي ِ ْ سو ٌ ِ ٌ م َر ُ
جاَءهُ ْ
ن وَ َ م قَوْ َ
م فِْرعَوْ َ قد ْ فَت َّنا قَب ْل َهُ ْ
وَل َ َ
َ
ن )(18 مي ٌلأ ِسو ٌ م َر ُ إ ِّني ل َك ُ ْ
) (7/251
) (7/251
ن { قال ابن عباس ،وأبو صالح :هو } وإني عُذ ْت بربي وربك ُ َ
مو ِ ج ُن ت َْر ُ مأ ْ ََ ّ ْ ُ َِ ّ َ ِّ
الرجم باللسان وهو الشتم.
وقال قتادة ] :هو[ ) (1الرجم بالحجارة.
ي بسوء من أي ) (2أعوذ بالله الذي خلقني وخلقكم ]من[ ) (3أن تصلوا إل ّ
قول أو فعل.
ي ،ودعوا المر ن { أي :فل تتعرضوا ) (4إل ّ ُ
مُنوا ِلي َفاعْت َزِلو ِ م ت ُؤْ ِ ن لَ ْ} وَإ ِ ْ
بيني وبينكم مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا .فلما طال مقامه بين أظهرهم ،
وأقام حجج الله عليهم ،كل ذلك وما زادهم ذلك إل كفًرا وعناًدا ،دعا ربه
تك آت َي ْ َ سى َرب َّنا إ ِن ّ َ مو َ ل ُ عليهم دعوة نفذت فيهم ،كما قال تعالى } :وََقا َ
فرعَون ومله زين ً َ
ك َرب َّنا سِبيل ِ َ ن َ ضّلوا عَ ْ حَياةِ الد ّن َْيا َرب َّنا ل ِي ُ ِ وال ِفي ال ْ َ م َ ة وَأ ْ ِ ْ ْ َ َ َ ُ ِ َ
ْ ُ َ َ
م
ب الِلي َ َ
حّتى ي ََرُوا العَذا َ مُنوا َ ْ
م فل ي ُؤ ِ َ ُ
م َواشد ُد ْ عَلى قلوب ِهِ ْ ْ وال ِهِ ْ م َس عََلى أ ْ م ْ اط ْ ِ
ُ
ما { ] يونس .[ 89 ، 88 :وهكذا قال هاهنا : قي َ ست َ ِما َفا ْ ت د َعْوَت ُك ُ َ جيب َ ْ ل قَد ْ أ ِ َقا َ
َ
ن { فعند ذلك أمره الله تعالى أن يخرج مو َ جرِ ُ م ْ م ُ ؤلِء قَوْ ٌ ن هَ ُ هأ ّ عا َرب ّ ُ } فَد َ َ
ببني إسرائيل من بين أظهرهم من غير أمر فرعون ومشاورته واستئذانه ؛
َ
حي َْنا إ ِلى ولهذا قال } :فَأ َسر بعِبادي ل َيل إنك ُم متبعون { كما قال } :ول َ َ َ
قد ْ أوْ َ َ ْ ِّ ْ ُ َّ ُ َ ْ ِ ِ َ ِ
ف د ََر ً ْ َ َ موسى أ َ َ
كا َول خا ُ سا ل ت َ َ حرِ ي َب َ ً قا ِفي الب َ ْ ري ً مط ِ ب لهُ ْ ضرِ ْ سرِ ب ِعَِباِدي َفا ْ نأ ْ ْ ُ َ
شى { ] طه .[77 : خ َ تَ ْ
ن { وذلك أن موسى ، مغَْرُقو َ جن ْد ٌ ُم ُ وا إ ِن ّهُ ْ حَر َرهْ ً ك الب َ ْ ْ وقوله هاهنا َ } :وات ُْر ِ
عليه السلم ،لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر ،أراد موسى أن يضربه
بعصاه حتى يعود كما كان ،ليصير حائل بينهم وبين فرعون ،فل يصل إليهم.
فأمره الله ) (5أن يتركه على حاله ساكًنا ،وبشره بأنهم جند مغرقون فيه )
كا ول يخشى. ، (6وأنه ل يخاف در ً
ه .وقال مجاهد ض ْوا { كهيئته وام ِ حَر َرهْ ً ك ال ْب َ ْ قال ابن عباس َ } :وات ُْر ِ
سا كهيئته ،يقول :ل تأمره يرجع ،اتركه حتى يرجع قا يب ً } رهوا { طري ً
آخرهم .وكذا قال عكرمة ،والربيع بن أنس ،والضحاك ،وقتادة ،وابن زيد
ماك بن حرب ،وغير واحد ).(7 س َ
وكعب الحبار و ِ
ن وَُزُروٍع {
ت { وهي البساتين } وَعُُيو ٍ جّنا ٍ
ن َ م ْ ُ
م ت ََركوا ِ َ
ثم قال تعالى } :ك ْ
ريم ٍ { وهي المساكن الكريمة النيقة قام ٍ ك َِم َ
َ َ و } ، والبار والمراد بها النهار
والماكن الحسنة.
قام ٍ ك َ ِ
ريم ٍ { المنابر. م َوقال مجاهد ،وسعيد بن جبير } :وَ َ
وقال ابن ل َِهيعة ،عن وهب ) (8بن عبد الله المعافري ،عن عبد الله بن
عمرو قال :نيل مصر سيد النهار ،سخر الله له كل نهر بين المشرق
ه له ،فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده ، والمغرب ،وذل ّل َ ُ
فأمدته النهار بمائها ،وفجر الله له الرض عيوًنا ،فإذا انتهى جريه إلى ما
أراد الله ،أوحى الله إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره.
__________
) (1زيادة من ت.
) (2في أ " :إني".
) (3زيادة من ت ،م.
) (4في أ " :تعترضوا".
) (5في ت " :تعالى".
) (6في ت " :أي في البحر" ،وفي أ " :أي فيه".
) (7في ت " :وغيرهما".
) (8في م " :ولهب".
) (7/252
قام ٍ م َ
ن .وَُزُروٍع وَ َ ت وَعُُيو ٍ جّنا ٍ
ن َ م ْ كوا )ِ (1 م ت ََر ُ وقال في قوله تعالى } :ك َ ْ
ن { قال ، :كانت الجنان بحافتي هذا النيل من كاُنوا ِفيَها َفاك ِِهي َ مةٍ َ م .وَن َعْ َ ري ٍ كَ ِ
أوله إلى آخره في الشقين جميًعا ،ما بين أسوان إلى رشيد ،وكان له تسعة
) (2خلج :خليج السكندرية ،وخليج دمياط ،وخليج سردوس ،وخليج منف ،
وخليج الفيوم ،وخليج المنهى ،متصلة ل ينقطع منها شيء عن شيء ،
وزروع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخر ما يبلغه الماء ،وكانت
عا ،لما قدروا ودبروا من قناطرها جميع أرض مصر تروى من ستة عشر ذرا ً
وجسورها وخلجها.
ن { أي :عيشة كانوا يتفكهون فيها فيأكلون ما كاُنوا ِفيَها َفاك ِِهي َ مةٍ َ } وَن َعْ َ
شاؤوا ويلبسون ما أحبوا مع الموال والجاهات والحكم في البلد ،فسلبوا
ذلك جميعه في صبيحة واحدة ،وفارقوا الدنيا وصاروا إلى جهنم وبئس
المصير ،واستولى على البلد المصرية وتلك الحواصل الفرعونية والممالك
ل{ سَراِئي َ ها ب َِني إ ِ ْ ك وَأ َوَْرث َْنا َ القبطية بنو إسرائيل ،كما قال تعالى } :ك َذ َل ِ َ
ن كاُنوا َ ّ ْ َ
] الشعراء [ 59 :وقال في موضع أخر ) } : (3وَأوَْرث َْنا ال َ
ذي َ م ال ِ قو ْ َ
ة َرب ّكَ م ُ َ
ت كل ِ َ م ْ مَغارِب ََها ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها وَت َ ّ ض وَ َ شارِقَ الْر ِ م َ ن َ فو َ ضعَ ُست َ ْ يُ ْ
ه
م ُن وَقَوْ ُ صن َعُ فِْرعَوْ ُ ن يَ ْ َ
ما كا َ مْرَنا َ صب َُروا وَد َ ّ
ما َ ل بِ َ سَراِئي َ َ
سَنى عَلى ب َِني إ ِ ْ ح ْ ال ْ ُ
ها َ
ك وَأوَْرث َْنا َ ن { ] العراف .[ 137 :وقال هاهنا } :ك َذ َل ِ َ كاُنوا ي َعْرِ ُ ما َ
شو َ وَ َ
ن { وهم بنو إسرائيل ،كما تقدم. ري َ خ ِ ما آ َ قَوْ ً
ض { أي :لم تكن لهم أعمال صالحة ماُء َوالْر ُ س َ
م ال ّ ت عَل َي ْهِ ُ ما ب َك َ ْ وقوله } :فَ َ
تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم ،ول لهم في الرض بقاع عبدوا
الله فيها فقدتهم ؛ فلهذا استحقوا أل ينظروا ول يؤخروا لكفرهم وإجرامهم ،
وعتوهم وعنادهم.
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده :حدثنا أحمد بن إسحاق
البصري ،حدثنا مكي بن إبراهيم ،حدثنا موسى بن عبيدة ،حدثني يزيد
الرقاشي ،حدثني أنس بن مالك ) ، (4عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"ما من عبد إل وله في السماء بابان :باب يخرج منه رزقه ،وباب يدخل منه
تما ب َك َ ْ
) (5عمله وكلمه ،فإذا مات فقداه وبكيا عليه" وتل هذه الية } :فَ َ
ض { وُذكر أنهم لم يكونوا عملوا ) (6على الرض عمل ماُء َوالْر ُ
س َ عَل َي ْهِ ُ
م ال ّ
صالحا يبكي عليهم .ولم يصعد لهم إلى السماء من كلمهم ول من عملهم
كلم طيب ،ول عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم ).(7
ورواه ابن أبي حاتم من حديث موسى بن عبيدة وهو الربذي.
وقال ابن جرير :حدثني يحيى بن طلحة ،حدثني عيسى بن يونس ،عن
صفوان بن عمرو ،عن شريح بن عبيد الحضرمي قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ) (8إن السلم بدأ غريًبا وسيعود غريًبا .أل ل غربة على
مؤمن ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إل بكت عليه السماء
والرض" .ثم
__________
) (1في ت ،م " :فأخرجناهم" وهو خطأ ولعل الناسخ أراد الية 75 :من
سورة الشعراء.
) (2في ت ،م " :تسع".
) (3في ت ،م ،أ " :الية".
) (4في ت " :وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي بإسناده عن أنس بن مالك
رضي الله عنه".
) (5في ت ،أ " :فيه".
) (6في ت ،م " :يعملون".
) (7مسند أبي يعلى ) (7/160ورواه الترمذي في السنن برقم ) (3255من
طريق موسى بن عبيدة به مختصر ،وقال الترمذي " :هذا حديث غريب ل
نعرفه مرفوعا إل من هذا الوجه ،وموسى بن عبيدة ويزيد بن أبان الرقاشي
يضعفان في الحديث".
) (8في ت " :وروى ابن جرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال".
) (7/253
) (7/254
ما .وإن حسين بن علي لما قتل بن زكريا لما قتل احمرت السماء وقطرت د ً
احمرت السماء.
وحدثنا علي بن الحسين ،حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو ُ -زَنيج -حدثنا
جرير ،عن يزيد بن أبي زياد قال :لما قتل حسين ) (1بن علي ،رضي الله
عنهما ،احمرت آفاق السماء أربعة أشهر .قال يزيد :واحمرارها بكاؤها.
وهكذا قال السدي الكبير.
وقال عطاء الخراساني :بكاؤها :أن تحمر أطرافها.
ضا في مقتل الحسين أنه ما قلب حجر يومئذ إل وجد تحته دم وذكروا ) (2أي ً
عَِبيط ،وأنه كسفت الشمس ،واحمر الفق ،وسقطت حجارة .وفي كل من
خف الشيعة وكذبهم ،ليعظموا المر -ول شك س ْ ذلك نظر ،والظاهر أنه من ُ
أنه عظيم -ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه ،وقد وقع ما هو أعظم
من ]ذلك[ ) - (3قتل الحسين رضي الله عنه -ولم يقع شيء مما ذكروه ،
فإنه قد قتل أبوه علي بن أبي طالب ،وهو أفضل منه بالجماع ولم يقع )(4
ما ،ولم يكن ]شيء من[ ) (5ذلك ،وعثمان بن عفان قتل محصوًرا مظلو ً
شيء من ذلك .وعمر بن الخطاب ،رضي الله عنه ،قتل في المحراب في
صلة الصبح ،وكأن المسلمين لم تطرقهم مصيبة قبل ذلك ،ولم يكن شيء
من ذلك .وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر في الدنيا
والخرة يوم مات لم يكن شيء مما ذكروه .ويوم مات إبراهيم ابن النبي
صلى الله عليه وسلم خسفت الشمس فقال الناس ] :الشمس[ ) (6خسفت
لموت إبراهيم ،فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلة
الكسوف ،وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر ل ينخسفان لموت أحد ول
لحياته ).(7
ن َ
ه كا َ ن إ ِن ّ ُن فِْرعَوْ َ
م ْن ِ ْ َ ْ َ َ
مِهي ِ
ب ال ُ ن العَذا ِ م َ سَراِئيل ِ جي َْنا ب َِني إ ِ ْ قد ْ ن َ ّ
وقوله } :وَل َ
ن { يمتن عليهم تعالى بذلك ،حيث أنقذهم مما كانوا فيه م ْ ِ ِ َ
في ر س ن ال ْ ُم َ
عال ًِيا ِ
َ
من إهانة فرعون وإذلله لهم ،وتسخيره إياهم في ) (8العمال المهينة
الشاقة.
ن [ { ) (9أي :مستكبًرا سرِِفي َ م ْ ن ال ْ ُ م َ عال ًِيا ] ِ ن َ كا َ ه َ ن إ ِن ّ ُ
ن فِْرعَوْ َ م ْ وقوله ِ } :
شي ًَعا [ ) َ َ جعَ َ
ل أهْلَها ِ ض ]وَ َ عل ِفي الْر ِ ن َ ن فِْرعَوْ َ دا ،كقوله } :إ ِ ّ جباًرا عني ً
] { (10القصص .[ 4 :
ن { ] المؤمنون ] ، [ 46 :وقوله عاِلي َ ما َ ست َك ْب َُروا وَكاُنوا قَوْ ً
َ وقوله َ } :فا ْ
ن { [ ) ] (11العنكبوت ، [ 39 : قي َ ساب ِ ِ ما كاُنوا َ َ ض وَ َ } َفا ْ ْ
ست َكب َُروا ِفي الْر ِ
سرًفا ) (12في أمره ،سخيف الرأي على نفسه. ] فكان فرعون [ ِ
م
خت َْرَناهُ ْن { قال مجاهد } :ا ْ مي َ َ ْ
علم ٍ عَلى الَعال ِ َ ْ م عَلى ِ َ خت َْرَناهُ ْ قد ِ ا ْ وقوله } :وَل َ َ
ن { على من هم بين ظهريه .وقال قتادة :اختيروا مي َعل ْم ٍ عََلى ال َْعال َ ِ عََلى ِ
على أهل زمانهم ذلك .وكان يقال :إن
__________
) (1في ت ،م " :الحسين".
) (2في ت " :وذكر".
) (3زيادة من أ.
) (4في ت ،أ " :يكن".
) (5زيادة من ت ،أ.
) (6زيادة من ت ،وفي أ " :خسفت الشمس".
) (7رواه البخاري في صحيحه برقم ) (1043ومسلم في صحيحه برقم )
.(915
) (8في أ " :من".
) (9زيادة من أ.
) (10زيادة من أ.
)] (11فكان فرعون[ زيادة من ت ،أ.
) (12في ت ،أ " :مسرفا".
) (7/255
ُ
ن )(35 ري َ من ْ َ
ش ِ ن بِ ُ ح ُ موْت َت َُنا اْلوَلى وَ َ
ما ن َ ْ ي إ ِّل َ
ن هِ َن ) (34إ ِ ْ قوُلو َ ن هَؤَُلِء ل َي َ ُ إِ ّ
َ ّ َ َ َ ُ َ ْ
م هل ب ق ن م ن ذي لوا ع ب
ُ ْ َ ٌْ ْ ْ ُ ٍُّ َ ِ َ ِ ْ ِِْ ْت م و ق م أ ري خ م ه أ (36 ) فَأ ُ ِ َ ِ َ ِ ْ ْ ُ ْ َ ِ ِ َ
ن قي د صا م ت ن ك ن إ نا ئ با آب توا
َ
ن )(37 مي َجرِ ِ
م ْ
كاُنوا ُ م َم إ ِن ّهُ ْأهْل َك َْناهُ ْ
ك صط َ َ
في ْت ُ َ سى إ ِّني ا ْ مو َ ل َيا ُ لكل زمان عالما .وهذه ) (1كقوله تعالى َ } :قا َ
س { ] العراف [ 144 :أي :أهل زمانه ،وكقوله لمريم : َ
عَلى الّنا ِ
ن { ] آل عمران [ 42 :أي :في زمانها ؛ ساِء ال َْعال َ ِ
مي َ ك عََلى ن ِ َ فا ِ صط َ َ } َوا ْ
فإن خديجة أفضل منها ،وكذا آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ،أو مساوية
لها في الفضل ،وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.
ت { أي ] :من[ ) (2الحجج والبراهين وخوارق ن الَيا ِ م َ م ِ وقوله َ } :وآت َي َْناهُ ْ
ن { أي :اختبار ظاهر جلي لمن اهتدى به. مِبي ٌما ِفيهِ َبلٌء ُ العادات } َ
ن )(35 ري َش ِ من ْ َ
ن بِ ُح ُ ما ن َ ْ موْت َت َُنا الوَلى وَ َي ِإل َ ن هِ َن ) (34إ ِ ْ قوُلو َ ؤلِء ل َي َ ُ ن هَ ُ} إِ ّ
ّ َ َ ْ
ن قَب ْل ِهِ ْ
م م ْن ِ ذي َم ت ُب ٍّع َوال ِ م قَوْ ُخي ٌْر أ ْ
م َ ن ) (36أهُ ْ صادِِقي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ فَأُتوا ِبآَبائ َِنا إ ِ ْ
َ
ن ){ (37 مي َ جرِ ِم ْ كاُنوا ُ م َ م إ ِن ّهُ ْ أهْل َك َْناهُ ْ
يقول تعالى منكًرا على المشركين في إنكارهم البعث والمعاد ،وأنه ما ثم إل
هذه الحياة الدنيا ،ول حياة بعد الممات ،ول بعث ول نشور .ويحتجون بآبائهم
ْ
ن ك ُن ْت ُ ْ
م قا } فَأُتوا ِبآَبائ َِنا إ ِ ْ الماضين الذين ذهبوا فلم يرجعوا ،فإن كان البعث ح ً
ن { وهذه حجة باطلة وشبهة فاسدة ،فإن المعاد إنما هو يوم القيامة صادِِقي َ َ
ل في هذه الدار ] ،بل[ ) (3بعد انقضائها وذهابها وفراغها يعيد الله العالمين
دا ،ويجعل الظالمين لنار جهنم وقوًدا ،يوم تكون ) (4شهداء على قا جدي ً خل ً
دا. الناس ويكون الرسول عليكم شهي ً
دا ومنذًرا لهم بأسه الذي ل يرد ،كما حل ثم قال تعالى متهدًدا لهم ،ومتوع ً
بأشباههم ) (5ونظرائهم من المشركين والمنكرين للبعث وكقوم تبع -وهم
خّرب بلدهم ،وشردهم في البلد ،وفرقهم شذر سبأ -حيث أهلكهم الله و َ
درة بإنكار المشركين للمعاد. ص ّ
م َ مذر ،كما تقدم ذلك في سورة سبأ ،وهي ُ
وكذلك هاهنا شبههم بأولئك ،وقد كانوا عرًبا من قحطان كما أن هؤلء عرب
من عدنان ،وقد كانت حمير -وهم سبأ -كلما ملك فيهم رجل سموه ت ُب ًّعا ،
كما يقال :كسرى لمن ملك الفرس ،وقيصر لمن ملك الروم ،وفرعون
لمن ملك مصر كافرا ،والنجاشي لمن ملك الحبشة ،وغير ذلك من أعلم
الجناس .ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن وسار في البلد حتى
وصل إلى سمرقند ،واشتد ) (6ملكه وعظم سلطانه وجيشه ،واتسعت
مّر بالمدينة صر الحيرة فاتفق أنه َ م ّ مملكته وبلده ،وكثرت رعاياه وهو الذي َ
النبوية وذلك في أيام الجاهلية ،فأراد قتال أهلها فمانعوه وقاتلوه بالنهار ،
قُرونه بالليل ،فاستحيا منهم وكف عنهم ،واستصحب معه حبرين وجعلوا ي َ ْ
من أحبار يهود كانا قد نصحاه وأخبراه أنه ل سبيل له على هذه البلدة ؛ فإنها
جُر نبي يكون في آخر الزمان ،فرجع عنها وأخذهما معه إلى بلد اليمن ، مَها َ ُ
ضا ،وأخبراه بعظمة ً أي ( 7 ) ذلك[ ]عن فنهياه الكعبة هدم أراد بمكة اجتاز فلما
هذا البيت ،وأنه من بناية إبراهيم الخليل وأنه سيكون له شأن عظيم على
يدي
__________
) (1في م " :وهذا".
) (2زيادة من ت.
) (3زيادة من ت ،أ.
في ت " :تكونوا" وفي م " :تكونون". )(4
في ت " :بأشياعهم". )(5
في أ " :واستمد". )(6
زيادة من أ. )(7
) (7/256
ذلك النبي المبعوث في آخر الزمان ،فعظمها وطاف بها ) ، (1وكساها الملء
والوصائل والحبير .ثم كر راجًعا إلى اليمن ودعا أهلها إلى التهود معه ،وكان
إذ ذاك دين موسى ،عليه السلم ،فيه من يكون على الهداية قبل بعثة
المسيح ،عليه السلم ،فتهود معه عامة أهل اليمن .وقد ذكر القصة بطولها
المام محمد بن إسحاق في كتابه السيرة ) (2وقد ترجمه الحافظ ابن
عساكر في تاريخه ترجمة حافلة ،أورد فيها أشياء كثيرة مما ذكرنا وما لم
فت له من ص ّ
نذكر ) .(3وذكر أنه ملك دمشق ،وأنه كان إذا استعرض الخيل ُ
دمشق إلى اليمن ،ثم ساق من طريق عبد الرزاق ،عن معمر ،عن ابن أبي
ذئب ) ، (4عن المقبري ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " :ما أدري الحدود طهارة لهلها أم ل ؟ ول أدري تبع
لعيًنا ) (5كان أم ل ؟ ول أدري ذو القرنين نبّيا كان أم ملكا ؟" وقال غيره :
"أعزيًرا كان نبّيا أم ل ؟" .وكذا رواه ابن أبي حاتم ،عن محمد بن حماد
الظهراني (6) ،عن عبد الرزاق ).(7
قال الدارقطني :تفرد به عبد الرزاق ) .(8ثم روى ابن عساكر من طريق
محمد بن ك َُرْيب ،عن أبيه ،عن ابن عباس ،رضي الله عنهما ،مرفوعا :
عزيُر ل أدري أنبّيا كان أم ل ؟ ول أدري ألعين ت ُّبع أم ل ؟" ).(9" ُ
ثم أورد ما جاء في النهي عن سبه ولعنته ،كما سيأتي .وكأنه -والله أعلم -
كان كافًرا ثم أسلم وتابع دين الكليم ) (10على يدي من كان من أحبار اليهود
في ذلك الزمان على الحق قبل بعثة المسيح ،عليه السلم ،وحج البيت في
هميين ،وكساه الملء والوصائل من الحرير والحبر ونحر عنده ستة جر ُ
زمن ال ُ
آلف بدنة وعظمه وأكرمه .ثم عاد إلى اليمن .وقد ساق قصته بطولها
الحافظ ابن عساكر ،من طرق متعددة مطولة ) (11مبسوطة ،عن أبي بن
كعب وعبد الله بن سلم ،وعبد الله بن عباس وكعب الحبار .وإليه المرجع
ضا ،وهو أثبت وأكبر وأعلم .وكذا في ذلك كله ،وإلى عبد الله بن سلم أي ً
من َّبه ،ومحمد بن إسحاق في السيرة كما هو مشهور روى قصته وهب بن ُ
فيها .وقد اختلط على الحافظ ابن عساكر في بعض السياقات ترجمة ت ُّبع هذا
بترجمة آخر متأخر عنه بدهر طويل ،فإن ت ُب ًّعا هذا المشار إليه في القرآن
أسلم قومه على يديه ،ثم لما مات ) (12عادوا بعده إلى عبادة الصنام
والنيران ،فعاقبهم الله تعالى كما ذكره في سورة سبأ ،وقد بسطنا قصتهم
هنالك ،ولله الحمد والمنة.
وقال سعيد بن جبير :كسا تبع الكعبة ،وكان سعيد ينهى عن سبه.
__________
) (1في ت " :فمعظم الكعبة فطاف بها".
) (2انظر :السيرة النبوية لبن هشام ).(1/19
) (3تاريخ دمشق )" 3/500القسم المخطوط"(.
) (4في ت ،أ " :ذؤيب".
) (5في ت " :أمينا".
) (6في م " :الطبراني".
) (7ورواه الحاكم في المستدرك ) (1/36من طريق عبد الرزاق به ،ورواه
أبو داود في سننه برقم ) (4674من طريق عبد الرزاق به إل أنه قال :
"عزيز" بدل " :ذو القرنين".
) (8قال الحافظ ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله )" : (2/50وحديث
عبادة بن الصامت " :إن الحدود كفارة لهلها" أصح وأثبت سندا" ثم ساقه
من طريق البخاري بسنده إلى عبادة بن الصامت.
) (9تاريخ دمشق )" 3/501القسم المخطوط"(.
) (10في ت ،م ،أ " :الخليل".
) (11في م " :طويلة".
) (12في ت ،م ،أ " :توفي".
) (7/257
مْلكيكرب )(2 وت ُّبع هذا هو ت ُّبع الوسط ،واسمه أسعد أبو ) (1ك َُرْيب بن َ
اليماني ذكروا أنه ملك على قومه ثلثمائة سنة وستا ) (3وعشرين سنة ،
ولم يكن في حمير أطول مدة منه ،وتوفي قبل مبعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم بنحو من سبعمائة عام .وذكروا أنه لما ذكر له الحبران من يهود
جُر نبي آخر في الزمان ) ، (4اسمه أحمد ،قال مَها َ المدينة أن هذه البلدة ُ
فا عنفي ذلك شعرا واستودعه عند أهل المدينة .وكانوا يتوارثونه ويروونه خل ً
سلف .وكان ممن يحفظه أبو أيوب خالد بن زيد الذي نزل رسول الله صلى
الله عليه وسلم في داره ،وهو :
َ
م...س ْ ن اللهِ َباري الن ّ َم َل ِ سو ٌ مد َ أّنهَ ...ر ُ ت عََلى أ ْ
ح َ شهِد ْ ُ َ
م...ه ...لكْنت َوزيرا له وابن عَ ْ ُ َ مرِ ِ
مري إلى عُ ْ مد ّ ع ُ ْفَلو ُ َ
ل غَ ْ
م... ُ
صد ِْره ك ّ ن َ ت عَ ْهَ ...وفّرج ُ داَء ُف أعْ َسي ِ ت بال ّ جاهَد ْ ُ وَ َ
فر قبر بصنعاء في السلم ،فوجدوا فيه امرأتين ح ِ
وذكر ابن أبي الدنيا أنه ُ
صحيحتين ،وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب " :هذا قبر حبي
ولميس -وروي :حبي وتماضر -ابنتي ت ُّبع ماتتا ،وهما تشهدان أن ل إله إل
الله ول تشركان به شيًئا ،وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما.
ضا. وقد ذكرنا في "سورة سبأ" شعر سبأ في ذلك أي ً
قال قتادة :ذكر لنا أن كعًبا كان يقول في تبع :ن ُِعت ن َْعت الرجل الصالح ،ذم
الله تعالى قومه ولم يذمه ،قال :وكانت عائشة تقول :ل تسبوا ت ُب ًّعا ؛ فإنه
حا.
قد كان رجل صال ً
عة ،حدثنا صفوان ،حدثنا الوليد ،حدثنا وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو ُزْر َ
عة -يعني عمرو بن جابر الحضرمي -قال : عبد الله بن ل َِهيَعة عن أبي ُزْر َ
سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :ل تسبوا ت ُب ًّعا ؛ فإنه قد كان أسلم".
َ
ورواه المام أحمد في مسنده عن حسن بن موسى ،عن ابن لِهيعة ،به )
.(5
وقال الطبراني :حدثنا أحمد بن علي البار ،حدثنا أحمد بن محمد بن أبي
ماك بن حرب ،عن ب َّزة ،حدثنا مؤمل ابن إسماعيل ،حدثنا سفيان ،عن س َ
رمة ،عن ابن عباس ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :ل تسبوا عك ْ ِ ِ
تبعا ؛ فإنه قد أسلم" ).(6
قُبري ،عن أبي
مر ،عن ابن أبي ذئب ،عن الم ْمعْ َ
وقال عبد الرزاق :أخبرنا َ
هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ما
أدري ،ت ُّبع نبّيا كان أم غير نبي" ).(7
__________
) (1في ت " :بن".
) (2في م " :مليكرب".
) (3في ت ،م ،أ " :وستة".
) (4في ت ،م ،أ " :نبي في آخر الزمان".
) (5المسند ) (5/340قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف " :فيه ابن
لهيعة ،وعمرو بن جابر ،وهما ضعيفان".
) (6المعجم الكبير ) (11/296وقال الهيثمي في المجمع )" : 8/769فيه
أحمد بن أبي بزة المكي ،ولم أعرفه ،وبقية رجاله ثقات".
) (7ورواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج الكشاف للزيلعي )(3/270
من طريق عبد الرزاق بهذا اللفظ.
) (7/258
) (7/259
موًْلى َ قاته َ
شي ًْئا ن َ موًْلى عَ ْ م ل ي ُغِْني َ ن ) (40ي َوْ َ مِعي َ ج َ مأ ْ مي َ ُ ُ ْ ل ِ ص ِ ف ْ م ال ْ َ ن ي َوْ َ } إِ ّ
م ){ (42 حي ُ زيُز الّر ِ ْ
ه هُوَ العَ ِ ه إ ِن ّ ُ ّ
م الل ُ ح َ ن َر ِ م ْ ن )ِ (41إل َ صُرو َ م ي ُن ْ َ َول هُ ْ
يقول تعالى مخبًرا عن عدله وتنزيهه نفسه عن اللعب والعبث والباطل ،
فُروا ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ ك ظَ ّ طل ذ َل ِ َ ما َبا ِ ما ب َي ْن َهُ َ ض وَ َ ماَء َوالْر َ س َ قَنا ال ّ خل َ ْ ما َ كقوله } :وَ َ
َ َ َ
م ُ
قَناك ْ خل ْ ما َ م أن ّ َ سب ْت ُ ْح ِ َ
ن الّنارِ { ] ص ، [27 :وقال } أف َ م َ فُروا ِ َ
نك َ ذي َ ل ل ِل ّ ِ فَوَي ْ ٌ
ه ِإل هُوَ َر ّ ْ َ
ش
ب العَْر ِ حقّ ل إ ِل َ َ ك ال ْ َ مل ِ ُ ه ال ْ َ ن فَت ََعاَلى الل ّ ُ جُعو َ م إ ِل َي َْنا ل ت ُْر َ عَب ًَثا وَأن ّك ُ ْ
ريم ِ { ] المؤمنون .[ 116 ، 115 : ال ْك َ ِ
ل { وهو يوم القيامة ،يفصل الله فيه بين الخلئق ، ص ِ ف ْ م ال ْ َ ن ي َوْ َ ثم قال } :إ ِ ّ
فيعذب الكافرين ويثيب المؤمنين.
ن { أي :يجمعهم كلهم أولهم وآخرهم. قاته َ
مِعي َ ج َ مأ ْ مي َ ُ ُ ْ وقوله ِ } :
شي ًْئا { أي :ل ينفع قريب قريًبا ،كقوله : موًْلى َ ن َ موًْلى عَ ْ م ل ي ُغِْني َ } ي َوْ َ
ُ َ
ن { ] المؤمنون : ساَءلو َ مئ ِذ ٍ َول ي َت َ َ م ي َوْ َ ب ب َي ْن َهُ ْ سا َ صورِ َفل أن ْ َ خ ِفي ال ّ ف َ } فَإ َِذا ن ُ ِ
م { ] المعارج 11 ، 10 : سأ ُ َ
صُرون َهُ ْ ما .ي ُب َ ّ مي ً ح ِ م َ مي ٌ ح ِ ل َ ، [ 101وكقوله } َول ي َ ْ
خا له عن حاله وهو يراه عياًنا. [ أي :ل يسأل أ ً
ن { أي :ل ينصر القريب قريبه ،ول يأتيه نصره من صُرو َ م ي ُن ْ َ وقوله َ } :ول هُ ْ
خارج.
ه { أي :ل ينفع يومئذ إل من رحمه الله ،عز وجل م الل ُ ّ ح َ ن َر ِ م ْ ثم قال ِ } :إل َ
م { أي :هو عزيز ذو رحمة واسعة. حي ُ زيُز الّر ِ ْ
ه هُوَ العَ ِ ،لخلقه ) } (1إ ِن ّ ُ
ن )(45 ُ ْ
ل ي َغِْلي ِفي الب ُطو ِ مهْ ِ ْ َ
م الِثيم ِ ) (44كال ُ َ
جَرةَ الّزّقوم ِ ) (43طَعا ُ ش َ ن َ } إِ ّ
ق َ
صّبوا فوْ َ م ُ ُ
حيم ِ ) (47ث ّ ج ِ ْ
واِء ال َ س َ َ
ذوهُ فاعْت ِلوه ُ إ ِلى َ ُ َ خ ُ ميم ِ )ُ (46 ح ِ ْ
ي ال َ ك َ ْغَل ْ ِ
َ
ما ذا َ ن هَ َ م ) (49إ ِ ّ ري ُ زيُز ال ْك َ ِ ت ال ْعَ ِ ك أن ْ َ ميم ِ ) (48ذ ُقْ إ ِن ّ َ ح ِ ب ال ْ َ ذا ِ ن عَ َ م ْ سهِ ِ َرأ ِ
ن ){ (50 ك ُن ْت ُ ْ ِ ِ َ ْ َ ُ َ
رو ت م ت ه ب م
يقول تعالى مخبًرا عما يعذب به ]عباده[ ) (2الكافرين الجاحدين للقائه :
م الِثيم ِ { جَرةَ الّزّقوم ِ ط ََعا ُ ش َ ن َ } إِ ّ
__________
) (1في أ " :إل رحمة الله بخلقه".
) (2زيادة من ت ،أ.
) (7/259
والثيم أي :في قوله وفعله ،وهو الكافر .وذكر غير واحد أنه أبو جهل ،ول
شك في دخوله في هذه الية ،ولكن ليست خاصة به.
قال ابن جرير :حدثنا محمد بن بشار ،حدثنا عبد الرحمن ،حدثنا سفيان عن
العمش ،عن إبراهيم ) (1عن همام بن الحارث ،أن أبا الدرداء كان يقرئ
م الِثيم ِ { فقال :طعام اليتيم فقال أبو الدرداء جَرةَ الّزّقوم ِ ط ََعا ُش َ ن َرجل } إ ِ ّ
قل :إن شجرة الزقوم طعام الفاجر .أي :ليس له طعام غيرها.
قال مجاهد :ولو وقعت منها قطرة في ) (2الرض لفسدت على أهل
الرض معايشهم .وقد تقدم نحوه مرفوعا.
ي ْ
ن .ك َغَل ِ ُ ْ
ل { قالوا :كعكر الزيت } ي َغِْلي ِفي الب ُطو ِ كال ْ ُ
مهْ ِ وقوله َ } :
ميم ِ { أي :من حرارتها ورداءتها. ال ْ َ
ح ِ
ذوهُ َفاعْت ُِلوه ُ { أي ] :خذوا[ ) (3الكافر ،وقد ورد أنه تعالى إذا خ ُوقوله ُ } :
فا منهم. ذوه ُ { ابتدره سبعون أل ً خ ُ قال للزبانية } ُ
} َفاعْت ُِلوهُ { أي :سوقوه سحبا ودفعا في ظهره.
ذوه ُ َفاعْت ُِلوه ُ { أي :خذوه فادفعوه. خ ُ قال مجاهد ُ } :
وقال الفرزدق :
َ
ل )(5) (4 عطّية ت ُعْت َ ُ حّتى ت َُرد ّ إلى َ مَ ... ك أَباهُ ُ حِلي َ م ب َِنا ِ س الك َِرا َُلي َ
حيم ِ { أي :وسطها. ج ِ ْ
واِء ال َ س َ} إ َِلى َ
ْ
م
سهِ ُ ق ُرُءو ِ ن فَوْ ِ م ْب ِ ص ّ ميم ِ { كقوله } ي ُ َ ح ِ ب ال ْ َ ذا ِ ن عَ َ م ْ سهِ ِ صّبوا فَوْقَ َرأ ِ م ُ } ثُ ّ
جلود ُ { ] الحج .[ 20 ، 19 : ُ ْ
م َوال ُ ُ
ما ِفي ب ُطون ِهِ ْ صهَُر ب ِهِ َ م .ي ُ ْمي ُ ال ْ َ
ح ِ
وقد تقدم أن الملك يضربه بمقمعة من حديد ،تفتح ) (6دماغه ،ثم يصب
الحميم على رأسه فينزل في بدنه ،فيسلت ما في بطنه من أمعائه ،حتى
تمرق ) (7من كعبيه -أعاذنا الله تعالى من ذلك.
وقوله } :ذ ُقْ إن َ َ
م { أي :قولوا له ذلك على وجه التهكم ري ُ زيُز ال ْك َ ِ ت ال ْعَ ِ ك أن ْ َ ِّ
والتوبيخ.
وقال الضحاك عن ابن عباس :أي لست بعزيز ول كريم.
وقد قال ) (8الموي في مغازيه :حدثنا أسباط ،حدثنا أبو بكر الهذلي ،عن
عكرمة قال :لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل -لعنه الله -
م أ َوَْلى ل َ َ فقال " :إن الله تعالى أمرني أن أقول لك } :أ َوَلى ل َ َ َ
ك ك فَأوَْلى .ث ُ ّ ْ
فَأ َوَْلى { ] القيامة [ 35 ، 34 :قال :فنزع ثوبه من يده ) (9وقال :ما
تستطيع لي أنت ول صاحبك من شيء .ولقد علمت أني أمنع ) (10أهل
البطحاء ،وأنا العزيز الكريم .قال :فقتله الله تعالى يوم بدر وأذله وعيره
بكلمته ،وأنزل } :ذ ُقْ إن َ َ
م { ).(11 زيُز ال ْك َ ِ
ري ُ ت ال ْعَ ِ ك أن ْ َ ِّ
مجهَن ّ َ َ
ن إ ِلى َنارِ َ عو َ م ي ُد َ ّ ن { ،كقوله } ي َوْ َ مت َُرو َ م ب ِهِ ت َ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ ذا َ ن هَ َ وقوله } :إ ِ ّ
َ َ َ َ ُ ّ
ن{ صُرو َ م ل ت ُب ْ ِ م أن ْت ُ ْ ذا أ ْ حٌر هَ َ س ْ ن أفَ ِ م ب َِها ت ُكذ ُّبو َ عا .هَذِهِ الّناُر الِتي كن ْت ُ ْ دَ ّ
] الطور ، [ 15 - 13 :
__________
) (1في ت " :وروى ابن جرير بإسناده".
) (2في ت " :على".
) (3زيادة من ت.
) (4في أ " :مقتل".
) (5البيت في تفسير الطبري ).(25/80
) (6في أ " :فيفتح".
) (7في أ " :يمزق".
) (8في ت " :روى".
) (9في ت ،أ " :بدنه".
) (10في ت " :أني من أمنع".
) (11ذكره السيوطي في الدر المنثور ) (7/418وهو مرسل.
) (7/260
َ
س
سن ْد ُ ٍ
ن ُ م ْ ن ِ سو َ ن ) (52ي َل ْب َ ُ ت وَعُُيو ٍ جّنا ٍ
ن )ِ (51في َ مي ٍ
قام ٍ أ ِم َ
ن ِفي َ قي َ ن ال ْ ُ
مت ّ ِ إِ ّ
ن ِفيَها ب ِك ُلّ عو َ ن ) (54ي َد ْ ُ عي ٍ حورٍ ِ م بِ ُ
جَناهُ ْ َ َ
ن ) (53كذ َل ِك وََزوّ ْ قاب ِِلي َ
مت َ َ
ق ُ ست َب َْر ٍ وَإ ِ ْ
ب َ
م عَذا َ َ َ ُ ْ ْ ّ ْ ُ ُ َ َ
َفاك ِهَةٍ آ ِ
ة الولى وَوَقاهُ ْ موْت َ َت إ ِل ال َمو ْ َ
ن ِفيَها ال َن ) (55ل ي َذوقو َ مِني َ
سْرَناهُ م ) (57فَإ ِن ّ َ
ما ي َ ّ ظي ُفوُْز ال ْعَ ِ ك هُوَ ال ْ َ ك ذ َل ِ َ
ن َرب ّ َ ضًل ِ
م ْ حيم ِ ) (56فَ ْ ج ِال ْ َ
ن )(59
قُبو َ
مْرت َ ِ
م ُب إ ِن ّهُ ْق ْن )َ (58فاْرت َ ِ ك ل َعَل ّهُ ْ
م ي َت َذ َك ُّرو َ سان ِ َب ِل ِ َ
ن{ مت َُرو َ م ب ِهِ ت َ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ ذا َ ن هَ َ ؛ ولهذا قال هاهنا } :إ ِ ّ
ْ َ
ن
م ْ ن ِ سو َ ن ) (52ي َلب َ ُ ت وَعُُيو ٍ جّنا ٍ ن )ِ (51في َ مي ٍ قام ٍ أ ِ م َن ِفي َ قي َ مت ّ ِن ال ْ ُ } إِ ّ
ن
عو َ ن ) (54ي َد ْ ُ عي ٍ حورٍ ِ م بِ ُ جَناهُ ْ َ
ن ) (53كذ َل ِك وََزوّ ْ َ قاب ِِلي َ مت َ َق ُ ست َب َْر ٍس وَإ ِ ْ سن ْد ُ ٍ ُ
ة الولى وَوََقاهُ ْ
م َ موْت َ َ ْ
ت ِإل ال َ مو ْ َ ْ
ن ِفيَها ال َ ذوُقو َ ن ) (55ل ي َ ُ مِني َ ل َفاك ِهَةٍ آ ِ ُ
ِفيَها ب ِك ّ
سْرَناهُما ي َ ّ َ
م ) (57فإ ِن ّ َ ظي ُ ْ
فوُْز العَ ِ ْ َ
ن َرب ّك ذ َل ِك هُوَ ال َ َ م ْ ضل ِ َ
حيم ِ ) (56ف ْ ج ِ ب ال ْ َ ذا َ عَ َ
ن ){ (59 قُبو َ مْرت َ ِ م ُ ب إ ِن ّهُ ْ ق ْ ن ) (58فاْرت َ ِ َ ّ
م ي َت َذ َكُرو َ ّ َ
سان ِك لعَلهُ ْ َ ب ِل ِ َ
مي س ّ لما ذكر تعالى حال الشقياء عطف بذكر ]حال[ ) (1السعداء -ولهذا ُ
قام ٍ م َ ن { أي :لله في الدنيا } ِفي َ قي َ مت ّ ِن ال ْ ُ القرآن مثاني -فقال } :إ ِ ّ
ن { أي :في الخرة وهو الجنة ،قد أمنوا فيها من الموت والخروج ،ومن َ
مي ٍ أ ِ
كل هم وحزن وجزع ) (2وتعب ونصب ،ومن الشيطان وكيده ،وسائر
الفات والمصائب.
ن { وهذا في مقابلة ما أولئك فيه من شجر ) (3الزقوم ، ت وَعُُيو ٍ جّنا ٍ } ِفي َ
وشرب الحميم.
ق { وهو :رفيع الحرير ، ست َب َْر ٍ س وَإ ِ ْ ْ
سن ْد ُ ٍ ن ُ م ْ ن ِ سو َ وقوله تعالى } :ي َلب َ ُ
ق { وهو ما فيه بريق ولمعان وذلك ست َب َْر ٍ كالقمصان ونحوها ) } (4وَإ ِ ْ
ن { أي :على السرر ل قاب ِِلي َ مت َ َ كالرياش ،وما يلبس على أعالي القماش ُ } ،
يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره.
ن { أي :هذا العطاء مع ما قد منحناهم عي ٍ حورٍ ِ م بِ ُ جَناهُ ْ ك وََزوّ ْ وقوله } :ك َذ َل ِ َ
م َول س قَب ْل َهُ ْ ن إ ِن ْ ٌ مث ْهُ ّ م ي َط ْ ِ من الزوجات الحور العين الحسان اللتي } ل َ ْ
َ
ن { ] الرحمن : جا ُ مْر َ ت َوال ْ َ ن ال َْياُقو ُ ن { ] الرحمن }[ 74 ، 56 :ك َأن ّهُ ّ جا ّ َ
ن { ] الرحمن .[ 60 : سا ُ ح َ ن ِإل ال ْ سا ِ ح َ جَزاُء ال ْ ْ
}[ 58هَل َ
قال ) (5ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا نوح بن حبيب ،حدثنا نصر بن
مزاحم العطار ،حدثنا عمر بن سعد ،عن رجل عن أنس -رفعه نوح -قال :
ب ذلك الماء لعذوبة ريقها ).(6 جي ،لعَذ ُ َ لو أن حوراء ب ََزَقت في بحر ل ُ ّ
ن { أي :مهما طلبوا من أنواع الثمار مِني َ ل َفاك ِهَةٍ آ ِ ن ِفيَها ب ِك ُ ّ عو َ وقوله } :ي َد ْ ُ
أحضر لهم ،وهم آمنون من انقطاعه وامتناعه ،بل يحضر إليهم ) (7كلما
أرادوا.
ة الولى { هذا استثناء يؤكد النفي ، َ موْت َ َ ْ
ت ِإل ال َ موْ َ ْ
ن ِفيَها ال َ ذوُقو َ وقوله } :ل ي َ ُ
دا ،كما ثبت في فإنه استثناء منقطع ومعناه :أنهم ل يذوقون فيها الموت أب ً
الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :يؤتى بالموت في
صورة كبش أملح ،فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح ،ثم يقال :يا أهل الجنة
خلود فل ) (8موت ،ويا أهل النار خلود فل ) (9موت" وقد تقدم الحديث في
سورة مريم ).(10
__________
) (1زيادة من ت.
) (2في م " :وجوع".
) (3في ت ،م " :شرب".
) (4في ت " :وغيرها".
) (5في ت " :وروى".
) (6ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم ) (386من وجه آخر ،فرواه من
طريق محمد بن إسماعيل الحساني ،عن منصور الواسطي ،عن أبي النصر
البار ،عن أنس مرفوعا بنحوه.
) (7في ت ،م ،أ " :لهم".
) (8في أ " :بل".
) (9في أ " :بل".
) (10انظر :تخريج الحديث عند الية 39 :من سورة مريم.
) (7/261
وقال عبد الرزاق :حدثنا سفيان الثوري ،عن أبي إسحاق ،عن أبي مسلم
الغر ،عن أبي سعيد وأبي هريرة ،رضي الله عنهما ،قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :يقال لهل الجنة :إن لكم أن تصحوا فل تسقموا
دا ،وإن لكم أن تنعموا فل ت َْبأسوا
دا ،وإن لكم أن تعيشوا فل تموتوا أب ً أب ً
دا" .رواه مسلم عن إسحاق بن راهويه دا ،وإن لكم أن تشبوا فل تهرموا أب ً أب ً
وعبد بن حميد ،كلهما عن عبد الرزاق به ).(1
هكذا يقول أبو إسحاق وأهل العراق "أبو مسلم الغر" ،وأهل المدينة يقولون
" :أبو عبد الله الغر" ).(2
وقال أبو بكر بن أبي داود السجستاني :حدثنا أحمد بن حفص ،عن أبيه ،
مان ،عن الحجاج -هو ابن حجاج ) - (3عن عبادة )، (4 عن إبراهيم بن ط َهْ َ
عن عبيد الله بن عمرو ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " :من اتقى الله دخل الجنة ،ينعم فيها ول يبأس ،
ويحيا فيها فل يموت ،ل تبلى ثيابه ،ول يفنى شبابه" ).(5
وقال أبو القاسم الطبراني :حدثنا أحمد بن يحيى ،حدثنا عمرو بن محمد
الناقد ،حدثنا سليمان بن عبيد الله الرقي ،حدثنا مصعب بن إبراهيم ،حدثنا
عمران بن الربيع الكوفي ،عن يحيى بن سعيد النصاري ،عن محمد بن
سئل نبي الله صلى الله عليه در ،عن جابر ،رضي الله عنه ،قال ُ : من ْك َ ِ
ال ُ
وسلم :أينام أهل الجنة ؟ فقال " :النوم أخو الموت ،وأهل الجنة ل ينامون"
).(6
مْرَدويه في تفسيره :حدثنا أحمد بن القاسم بن وهكذا رواه أبو بكر بن ُ
صدقة المصري ،حدثنا المقدام بن داود ،حدثنا عبد الله بن المغيرة ،حدثنا
در ،عن جابر بن عبد الله قال :قال سفيان الثوري ،عن محمد بن اْلمنك َ ِ
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :النوم أخو الموت ،وأهل الجنة ل
ينامون" ).(7
وقال أبو بكر البزار في مسنده :حدثنا الفضل بن يعقوب ،حدثنا محمد بن
فريابي ،عن سفيان ،عن محمد بن المنكدر ،عن جابر قال :قيل : يوسف ال ِ
يا رسول الله ،هل ينام أهل الجنة ؟ قال " :ل النوم أخو الموت" ثم قال :
دا أسنده عن ابن المنكدر ،عن جابر إل الثوري ،ول عن الثوري ، "ل نعلم أح ً
إل الفريابي" ) (8هكذا قال ،وقد تقدم خلف ذلك ،والله أعلم.
حيم ِ { أي :مع هذا النعيم العظيم المقيم قد ب ال ْ َ
ج ِ م عَ َ
ذا َ وقوله } :وَوََقاهُ ْ
وقاهم ،وسلمهم ونجاهم وزحزحهم من ) (9العذاب الليم في دركات
الجحيم ،فحصل لهم المطلوب ،ونجاهم من المرهوب ؛
__________
) (1صحيح مسلم برقم ).(2837
) (2والول هو الصواب كما بين ذلك المام المزي في تهذيب الكمال.
) (3في أ " :الحجاج".
) (4في م ،أ " :قتادة".
) (5ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )" (4895مجمع البحرين"
من طريق أحمد بن حفص به.
) (6المعجم الوسط برقم )" (4875مجمع البحرين" وفي إسناده مصعب بن
إبراهيم العبسي ،منكر الحديث.
) (7ورواه أبو نعيم في الحلية ) (7/90من طريق أحمد بن القاسم عن
المقدام بن داود به ،وقال " :غريب من حديث الثوري ،تفرد به عبد الله".
) (8مسند البزار برقم )" (3517كشف الستار" قال الهيثمي في المجمع )
" : (10/415رجال البزار رجال الصحيح".
) (9في ت " :عن".
) (7/262
) (7/263
َْ زيزِ ال ْ َ
ض
ت َوالْر ِماَوا ِ س َن ِفي ال ّ كيم ِ ) (2إ ِ ّح ِ ن الل ّهِ ال ْعَ ِ
م َ
ب ِل ال ْك َِتا ِ
زي ُحم ) (1ت َن ْ ِ
َ ْ َل ََيا ٍ
ن )(4 قوْم ٍ ُيوقُِنو َ
ت لِ َ
ن َداب ّةٍ آَيا ٌ
م ْ
ث ِما ي َب ُ ّ
م وَ َ ُ
قك ْ خل ِن ) (3وَِفي َ مؤ ْ ِ
مِني َ ت ل ِل ْ ُ
َ َ ما أ َن َْز َ
ض ب َعْد َحَيا ب ِهِ اْلْر َ ق فَأ ْ ن رِْز ٍ م ْ ماِء ِ س َ ن ال ّ م َ ه ِ ل الل ّ ُ ل َوالن َّهارِ وَ َ ف الل ّي ْ ِ خت َِل ِ َوا ْ
ها عَل َي ْكَ ُ
ت اللهِ ن َت ْلو َ ّ َ َ ْ ُ َ
ن ) (5ت ِلك آَيا ُ قلو َ قوْم ٍ ي َعْ ِ ت لِ َ ف الّرَياِح آَيا ٌ ري ِ ص ِ موْت َِها وَت َ َ ْ َ
ع َ ّ َ ّ ُ ٌ ْ َ ّ َ ْ
م ُس َك أِثيم ٍ ) (7ي َ ْ ن ) (6وَي ْل ل ِكل أفا ٍ مُنو َ ث ب َعْد َ اللهِ وآَيات ِهِ ي ُؤ ِ دي ٍ ح ِ حقّ فب ِأي َ ِبال َ
ب أ َِليم ٍ )(8 َ
ذا ع ب ه رش ّ ب َ ف ها ع م س ي م َ ل ن آ َيات الل ّه تت َّلى عل َيه ث ُم يصر َمستك ْبرا ك َأ َ
ٍ َ ْ ُ َِ ْ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ ِ ّ ُ ِ ّ ُ ْ َ ًِ ِ ُْ َ ِ
َ َ َ َ ُ َ ً َ َ
م ه ئ را
ِ ْ ََ ِِ ْ و ن م ( 9 ) ن
ٌ ُ ِ ٌ هي م ب ذا َ ع م
ُ ْ ه ل ك ِ ئ ل أو وا ز
َ ُ ُ ً ه ها ذ خ
َ ت
ْ ّ ا ئا ي ش وَإ َِذا ِ َ ِ ْ َ ِ َ
نا تيا آ ن م م لَ ع
َ
ن الل ّهِ أوْل َِياَء وَل َهُ ْ
م ن ُدو ِ م ْ ذوا ِ خ ُ ما ات ّ َ شي ًْئا وََل َ سُبوا َ ما ك َ َ م َ م وََل ي ُغِْني عَن ْهُ ْ جهَن ّ ُ َ
ز ج ر ن م
ِ ب ذا َ َ ع م ه َ ل م ه ب ر تِ يا َ آ ب روا َ فَ ك ن ذي
ِ ّ لوا دى ُ ه ذا َ َ ه ( 10 ) م ظي
ِ َ ع ب َ
ذا َ ع
ْ ِ ْ ٍ ٌ َ ِّ ْ ُ ْ ِ َ ُ َ َ ً ٌ ٌ
َ
م )(11 أِلي ٌ
) (7/264
َ
ضل ِهِ وَل َعَل ّك ُ ْ
م ن فَ ْ م ْ
مرِهِ وَل ِت َب ْت َُغوا ِك ِفيهِ ب ِأ ْفل ْ ُ
جرِيَ ال ْ ُ
حَر ل ِت َ ْم ال ْب َ ْ خَر ل َك ُ ُس ّ
ذي َ ه ال ّ ِالل ّ ُ
َ ْ
ن
ه إِ ّ من ْ ُ
ميًعا ِ
ج ِ
ض َ ما ِفي الْر ِ ت وَ َ ماَوا ِ
س َما ِفي ال ّ م َ خَر ل َك ُ ْ س ّ ن ) (12وَ َ شك ُُرو َ تَ ْ
ن )(13 فك ُّرو َ قوْم ٍ ي َت َ َ ت لِ َ َ َ
ك لَيا ٍ ِفي ذ َل ِ َ
يقول تعالى :هذه آيات الله -يعني القرآن بما فيه من الحجج والبينات -
حقّ { أي :متضمنة الحق من الحق ،فإذا كانوا ل يؤمنون ك ِبال ْ َ ها عَل َي ْ َ } ن َت ُْلو َ
بها ول ينقادون لها ،فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ؟!
ك أ َِثيم ٍ { أي :أفاك في قوله كذاب ،حلف مهين ل أّفا ٍ
ل ل ِك ُ ّ َ ثم قال } :وَي ْ ٌ
ت الل ّ ِ
ه معُ آَيا ِ س َ أثيم في فعله وقيله ) (1كافر بآيات الله ؛ ولهذا قال } :ي َ ْ
صّر { أي :على كفره وجحوده استكباًرا م يُ ِ ت ُت َْلى عَل َي ْهِ { أي :تقرأ عليه } ث ُ ّ
ب أ َِليم ٍ { َ
ذا ٍ شْره ُ ب ِعَ َ معَْها { أي :كأنه ما سمعها } ،فَب َ ّ س َ م يَ ْ ن لَ ْ وعنادا } ك َأ ْ
]أي[ ) (2فأخبره أن له عند الله يوم القيامة عذابا أليما موجعا.
ها هُُزًوا { أي :إذا حفظ شيًئا من القرآن كفر خذ َ َ شي ًْئا ات ّ َ ن آَيات َِنا َ م ْ م ِ } وَإ َِذا عَل ِ َ
ن { أي :في مقابلة ما م عَ َ َ َ َ ُ
مِهي ٌ ب ُ ذا ٌ به واتخذه سخريا وهزوا } ،أولئ ِك لهُ ْ
استهان بالقرآن واستهزأ به ؛ ولهذا روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر قال
:نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو
مخافة أن يناله العدو ).(3
م{ جهَن ّ ُ م َ ن وََرائ ِهِ ْ م ْ ثم فسر العذاب الحاصل له يوم معاده ) (4فقال ِ } :
أي :كل من اتصف بذلك سيصيرون إلى جهنم يوم القيامة َ } ،ول ي ُغِْني
ذواخ ُ ما ات ّ َ شي ًْئا { أي :ل تنفعهم أموالهم ول أولدهم َ } ،ول َ سُبوا َ ما ك َ َ م َ عَن ْهُ ْ
ن الل ّهِ أوْل َِياَء { أي :ول تغني عنهم اللهة التي عبدوها من دون الله َ
ن ُدو ِ م ْ ِ
م{ ِ ٌظي َ ع ب
ٌ َ
ذا َ ع مَ ُ ْ ه َ ل و } ، ً
ئا شي
م ه َ ل
َ ِّ ْ ُ ْ م ه ب ر ت ِ يا
ِ َبآ روا ُ َ ف َ ك ن
َ ذيِ ّ لوا َ } القرآن يعني { دى ً ُ ه ذاَ َ ه } : ثم قال تعالى
م { وهو المؤلم ) (5الموجع. َ عَ َ
جزٍ أِلي ٌ ن رِ ْ م ْ ب ِ ذا ٌ
َ ْ ْ ْ َ ّ ّ
ه ن فَ ْ
ضل ِ ِ م ْ مرِهِ وَل ِت َب ْت َُغوا ِ ك ِفيهِ ب ِأ ْ فل ُ جرِيَ ال ُ حَر ل ِت َ ْ م الب َ ْ خَر لك ُ ُ س ّ ذي َ ه ال ِ } الل ُ
ميًعا ج ِض َ ُ َ ُ م تَ ْ وَل َعَل ّك ُ ْ
ما ِفي الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َ س َما ِفي ال ّ م َ خَر لك ْ س ّ ن ) (12وَ َ شكُرو َ
ن ){ (13 فك ُّرو َ قوْم ٍ ي َت َ َ ت لِ َ ك لَيا ٍ ن ِفي ذ َل ِ َ ه إِ ّ من ْ ُ ِ
__________
) (1في ت ،أ " :وقلبه".
) (2زيادة من ت ،م.
) (3صحيح مسلم برقم ).(1869
) (4في أ " :القيامة".
) (5في أ " :المقلق".
) (7/265
ل ل ِل ّذين آ َمنوا يغْفروا ل ِل ّذين َل يرجو َ
كاُنوا ما َ جزِيَ قَوْ ً
ما ب ِ َ م الل ّهِ ل ِي َ ْ
ن أّيا ََْ ُ َ ِ َ ِ َ َ ُ َ ِ ُ قُ ْ
َ
م إ َِلى َرب ّك ُ ْ
م ساَء فَعَل َي َْها ث ُ ّ نأ َ م ْسهِ وَ َ حا فَل ِن َ ْ
ف ِ صال ِ ً م َ
ل َ ن عَ ِم ْ
ن )َ (14
سُبو َي َك ْ ِ
ن )(15جُعو َت ُْر َ
ل ل ِل ّذين آمنوا يغْفروا ل ِل ّذين ل يرجو َ
كاُنوا ما َ ما ب ِ َ جزِيَ قَوْ ً م الل ّهِ ل ِي َ ْ ن أّيا َ َْ ُ َ ِ َ ِ َ َ ُ َ ِ ُ } قُ ْ
ُ َ َ َ
م
م إ ِلى َرب ّك ْ ساَء فَعَلي َْها ث ُ ّ نأ َ م ْ سهِ وَ َ حا فَل ِن َ ْ
ف ِ صال ِ ً م َ
ل َ ن عَ ِ
م ْ
ن )َ (14
سُبو َي َك ْ ِ
ن ){ (15جُعو َت ُْر َ
ف لك { ، ُ ْ ْ
جرِيَ ال ُ يذكر تعالى نعمه على عبيده فيما سخر لهم من البحر } ل ِت َ ْ
وهي السفن فيه بأمره تعالى ،فإنه هو الذي أمر البحر أن يحملها } وَل ِت َب ْت َُغوا
ن { أي :على شك ُُرو َ م تَ ْ ضل ِهِ { أي :في المتاجر والمكاسب } ،وَل َعَل ّك ُ ْ ن فَ ْم ِْ
حصول المنافع المجلوبة إليكم من القاليم النائية والفاق القاصية.
) (7/265
ض { أي :من ما ِفي الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َ س َ ما ِفي ال ّ م َ خَر ل َك ُ ْ س ّ ثم قال تعالى } :وَ َ
الكواكب والجبال ،والبحار والنهار ،وجميع ما تنتفعون به ،أي :الجميع من
ه { أي :من عنده وحده ل من ْ ُميًعا ِ ج ِ فضله وإحسانه وامتنانه ؛ ولهذا قال َ } :
ّ
ن اللهِ ث ُ ّ
م إ َِذا مةٍ فَ ِ
م َ ن ن ِعْ َ
م ْ م ِ ُ
ما ب ِك ْ شريك له في ذلك ،كما قال تعالى } :وَ َ
ن { ] النحل .[ 53 : مسك ُم الضر فَإل َيه ت َ
جأُرو َ ّ ّ ِ ْ ِ َ ْ َ ّ ُ
م ُ َ
خَر لك ْ س ّوروى ابن جرير من طريق العوفي ،عن ابن عباس في قوله } :وَ َ
ه { كل شيء هو من الله ،وذلك من ْ ُ
ميًعا ِ ج ِ ض َ ما ِفي الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َس َما ِفي ال ّ َ
السم فيه اسم من أسمائه ،فذلك جميعا منه ،ول ينازعه فيه المنازعون ،
واستيقن أنه كذلك.
خلف العسقلني ،حدثنا َ وقال ) (1ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا محمد بن َ
مْنهال بن عمرو ،عن أبي أراكة فْرياني ،عن سفيان ،عن العمش ،عن ال ِ ال ِ
قال :سأل رجل عبد الله بن عمرو قال :مم خلق الخلق ؟ قال :من النور
والنار ،والظلمة والثرى .قال وائت ابن عباس فاسأله .فأتاه فقال له مثل
ذلك ،فقال :ارجع إليه فسله :مم خلق ذلك كله ؟ فرجع إليه فسأله ،فتل
ه { هذا أثر غريب ، من ْ ُ ميًعا ِ ج ِ ض َ ما ِفي الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َ س َ ما ِفي ال ّ م َ خَر ل َك ُ ْ
س ّ
} وَ َ
وفيه نكارة.
ن{ فكُرو َ ّ قوْم ٍ ي َت َ َ ت لِ َ ك لَيا ٍ ن ِفي ذ َل ِ َ } إِ ّ
م اللهِ { أي :يصفحوا ّ َ ّ ّ وقوله } :قُ ْ
ن أّيا َ جو َ ن ل ي َْر ُ ذي َ
فُروا ل ِل ِ مُنوا ي َغْ ِ نآ َ ذي َ ل ل ِل ِ
عنهم ويحملوا ) (2الذى منهم .وهذا كان في ابتداء السلم ،أمروا أن
يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ،ليكون ذلك لتأليف قلوبهم )، (3
ثم لما أصروا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلد والجهاد .هكذا روي عن
ابن عباس ،وقتادة.
م اللهِ { ل يبالون ) (5نعم الله. ّ َ
ن أّيا َ جو َ وقال مجاهد ]في قوله[ ) } (4ل ي َْر ُ
ن { أي :إذا صفحوا ) (6عنهم في سُبو َ كاُنوا ي َك ْ ِ ما َ ما ب ِ َ جزِيَ قَوْ ً وقوله } :ل ِي َ ْ
نَ ْ م } : قال ولهذا ؛ الخرة في السيئة بأعمالهم مجازيهم الله الدنيا ،فإن
َ
ن { أي :تعودون جُعو َ م ت ُْر َم إ َِلى َرب ّك ُ ْ ساَء فَعَل َي َْها ث ُ ّ نأ َ م ْ سهِ وَ َ ف ِ حا فَل ِن َ ْ صال ِ ً ل َ م َ عَ ِ
إليه يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم ]عليه[ ) (7فيجزيكم بأعمالكم خيرها
وشرها.
ت ّ
ن الطي َّبا ِ م َ م ِ م َوالن ّب ُوّة َ وََرَزقَْناهُ ْ حك ْ َ ْ
ب َوال ُ ْ
ل الك َِتا َ سَراِئي َ قد ْ آت َي َْنا ب َِني إ ِ ْ } وَل َ َ
ن
م ْ فوا ِإل ِ خت َل َ ُما ا ْ مرِ فَ َ ن ال ْ م َ ت ِ م ب َي َّنا ٍ ن )َ (16وآت َي َْناهُ ْ مي َ م عََلى ال َْعال َ ِ ضل َْناهُ ْ وَفَ ّ
ه
ما كاُنوا ِفي ِ َ مةِ ِفي َ قَيا َ ْ
م ال ِ م ي َوْ َضي ب َي ْن َهُ ْ ق ِ ك يَ ْ ن َرب ّ َ م إِ ّم ب َغًْيا ب َي ْن َهُ ْ ْ
م العِل ُ ْ جاَءهُ ُ ما َ ب َعْد ِ َ
ّ َ َ َ ْ
ن ذي َ واَء ال ِ مرِ َفات ّب ِعَْها َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ ن ال ْ م َ ريعَةٍ ِ ش ِ جعَلَناك عَلى َ م َ ن ) (17ث ُ ّ فو َ خت َل ِ ُيَ ْ
َ ّ ّ َ َ َ
م أوْل َِياُء ضهُ ْن ب َعْ ُ مي َ ن الظال ِ ِ شي ًْئا وَإ ِ ّ ن اللهِ َ م َ ن ي ُغُْنوا عَن ْك ِ مل ْ ن ) (18إ ِن ّهُ ْ مو َ ل ي َعْل ُ
ن) قوْم ٍ ُيوقُِنو َ ة لِ َ م ٌ ح َ دى وََر ْ س وَهُ ً ن ) (19هَ َ ْ ّ
صائ ُِر ِللّنا ِ ذا ب َ َ قي َ مت ّ ِ ي ال ُ ه وَل ِ ّ ض َوالل ُ ب َعْ ٍ
{ (20
__________
) (1في ت " :وروى".
) (2في أ " :ويحتملوا".
) (3في ت ،م ،أ " :كالتأليف لهم".
) (4زيادة من أ.
) (5في أ " :ينالون".
) (6في أ " :أي اصفحوا".
) (7زيادة من ت ،م ،أ.
) (7/266
يذكر تعالى ما أنعم به على بني إسرائيل من إنزال الكتب عليهم وإرسال
لسَراِئي َ قد ْ آت َي َْنا ب َِني إ ِ ْ الرسل إليهم ،وجعله الملك فيهم ؛ ولهذا قال } :وَل َ َ
ت { أي :من المآكل ن الط ّي َّبا ِ م َ م ِ م َوالن ّب ُوّة َ وََرَزقَْناهُ ْ حك ْ َب َوال ْ ُ ال ْك َِتا َ
ن { أي :في زمانهم. مي َ م عََلى ال َْعال َ ِ ضل َْناهُ ْوالمشارب } ،وَفَ ّ
مرِ { أي :حججا وبراهين وأدلة قاطعات ،فقامت ) ن ال ْ م َ ت ِ م ب َي َّنا ٍ } َوآت َي َْناهُ ْ
(1عليهم الحجج ثم اختلفوا بعد ذلك من بعد قيام الحجة ،وإنما كان ذلك بغيا
ة
م ِقَيا َم ال ْ ِ م ي َوْ َ ضي ب َي ْن َهُ ْق ِ ك { يا محمد } ي َ ْ ن َرب ّ َ منهم على بعضهم بعضا } ،إ ِ ّ
ن { أي :سيفصل بينهم بحكمه العدل .وهذا فيه تحذير فو َ خت َل ِ ُ
كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ ما َ ِفي َ
لهذه المة أن تسلك مسلكهم ،وأن تقصد منهجهم ؛ ولهذا قال } :ث ُّ
م
مرِ َفات ّب ِعَْها { أي :اتبع ما أوحي إليك من ربك ل ن ال ْ م َريعَةٍ ِ ش ِ ك عََلى َ جعَل َْنا َ َ
نل ذي ّ ل ا َ ءوا هَ أ ع ب تت ول } : هاهنا وقال ، المشركين عن وأعرض ، هو إل إله
ِ َ َ َِّ ْ ْ َ
ظال ِمين بعضهم أ َ ن ال ّ ن الل ّهِ َ
ض{ عب ُ ء يا
ِ َ َْ ُ ُ ْ ْ َ َْ ٍِ ل و شي ًْئا وَإ ِ ّ م َ ك ِ ن ي ُغُْنوا عَن ْ َ م لَ ْ ن إ ِن ّهُ ْ
مو َ ي َعْل َ ُ
أي :وماذا تغني ) (2عنهم وليتهم لبعضهم بعضا ،فإنهم ل يزيدونهم إل
ن { ،وهو تعالى يخرجهم من قي َ ي ال ْ ُ
مت ّ ِ ه وَل ِ ّ خسارا ودمارا وهلكا َ } ،والل ّ ُ
الظلمات إلى النور ،والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور
إلى الظلمات.
قوْم ٍ ة لِ َ
م ٌ
ح َدى وََر ْ س { يعني :القرآن } وَهُ ً صائ ُِر ِللّنا ِ َ
ثم قال } :هَذا ب َ َ
ن{ ُيوقُِنو َ
مُلوا َ َ
مُنوا وَعَ ِ نآ َذي َكال ّ ِ
م َ جعَل َهُ ْ ن نَ ْتأ ْ سي َّئا ِ
حوا ال ّ جت ََر ُ نا ْ ب ال ّ ِ
ذي َ س َح ِ م َ }أ ْ
خل َقَ الل ّ ُ
ه ن ) (21وَ َ مو َحك ُ ُ ما ي َ ْساَء َ م َ مات ُهُ ْ م َ م وَ َ حَياهُ ْ م ْواًء َ س َ
ت َ حا ِ صال ِ َال ّ
ن)مو َ َ ْ
م ل ي ُظل ُ ت وَهُ ْسب َ ْما ك َ َ س بِ َ جَزى ك ُ ّ ْ
ف ٍ ل نَ ْ حقّ وَل ِت ُ ْ ض ِبال َ ت َوالْر َ وا ِ م َس َ ال ّ
{ (22
__________
) (1في ت " :فقامت به".
) (2في ت " :وما يغني".
) (7/267
َ َ َ
معِهِ وَقَل ْب ِهِ م عََلى َ
س ْ عل ْم ٍ وَ َ
خت َ َ ه عََلى ِ ه الل ّ ُضل ّ ُ
واه ُ وَأ َ
ه هَ َخذ َ إ ِل َهَ ُ
ن ات ّ َ
ِ م
ت َأفََرأي ْ َ
َ
ن )(23 ن ب َعْدِ الل ّهِ أفََل ت َذ َك ُّرو َ
م ْ
ديهِ ِ ن ي َهْ ِ
م ْشاوَةً فَ َصرِهِ ِغ َ ل عََلى ب َ َجعَ َوَ َ
َ َ َ
معِهِ وَقَل ْب ِهِ س ْم عََلى َ خت َ َ عل ْم ٍ وَ َ ه عََلى ِ ه الل ّ ُ ضل ّ ُواه ُ وَأ َ ه هَ َ خذ َ إ ِل َهَ ُ ن ات ّ َ م ِت َ } أفََرأي ْ َ
َ
ن ){ (23 ن ب َعْدِ الل ّهِ أَفل ت َذ َك ُّرو َ م ْ ديهِ ِ ن ي َهْ ِ م ْ شاوَةً فَ َ صرِهِ ِغ َ ل عََلى ب َ َ جعَ َ وَ َ
وي ست َ ِ
يقول تعالى :ل يستوي المؤمنون والكافرون ،كما قال } :ل ي َ ْ
م ال ْ َ َ َ َ
ن { ] الحشر [20 : فائ ُِزو َ جن ّةِ هُ ُ ب ال ْ َ حا ُ ص َ جن ّةِ أ ْ ب ال ْ َ حا ُ ص َ ب الّنارِ وَأ ْ حا ُ ص َ أ ْ
َ
ت { أي :عملوها وكسبوها سي َّئا ِ حوا ال ّ جت ََر ُ نا ْ ذي َ ب ال ّ ِ س َ ح ِ م َ وقال هاهنا } :أ ْ
َ
م { أي : مات ُهُ ْ
م َم وَ َ
حَياهُ ْ م ْواًء َ س َ ت َ حا ِصال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ كال ّ ِ م َ جعَل َهُ ْن نَ ْ }أ ْ
ن { أي :ساء ما ظنوا بنا مو َ حك ُ ُما ي َ ْ
ساَء َ نساويهم بهم في الدنيا والخرة! } َ
ساوي بين البرار والفجار في الدار الخرة ،وفي هذه الدار. وبعدلنا أن ن ُ َ
كير ) (1بن عثمان ب ،حدثنا ب ُ َ مل بن إها َ مؤ ّ قال الحافظ أبو يعلى :حدثنا ُ
مْرَثد الباجي ) ، (2عن أبي ضين بن عطاء ،عن يزيد بن َ خي ،حدثنا الوَ ِ الت ُّنو ِ
ذر ،رضي الله عنه ،قال :إن الله بنى دينه على أربعة أركان ،فمن صبر
عليهن ولم يعمل بهن لقي الله ]وهو[ ) (3من الفاسقين .قيل :وما هن يا أبا
ذر ؟ قال :يسلم حلل الله لله ،وحرام الله لله ،وأمر الله لله ،ونهي الله
لله ،ل يؤتمن عليهن إل الله.
__________
) (1في أ " :بكر".
) (2في ت " :وروى الحافظ أبو يعلى بإسناده".
) (3زيادة من ت.
) (7/267
) (7/268
أي :ما ثم إل هذه الدار ،يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ول قيامة
وهذا يقوله مشركو ) (1العرب المنكرون للمعاد ،ويقوله الفلسفة اللهيون
منهم ،وهم ينكرون البداءة ) (2والرجعة ،ويقوله الفلسفة الدهرية الدورية
المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ستة وثلثين ألف سنة يعود كل شيء
إلى ما كان عليه .وزعموا أن هذا قد تكرر مرات ل تتناهى ،فكابروا المعقول
ما ي ُهْل ِك َُنا ِإل الد ّهُْر { قال الله تعالى ) (3وكذبوا المنقول ،ولهذا قالوا ) } (4وَ َ
ن { أي :يتوهمون ويتخيلون. م ِإل ي َظ ُّنو َن هُ ْ عل ْم ٍ إ ِ ْ
ن ِ م ْ
ك ِ ما ل َهُ ْ
م ب ِذ َل ِ َ } :وَ َ
فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح ،وأبو داود ،والنسائي ،من رواية
سفيان بن عيينة ،عن الزهري ،عن سعيد بن المسيب ،عن أبي هريرة ،
رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يقول الله
تعالى :يؤذيني ابن آدم ؛ يسب الدهر وأنا الدهر ،بيدي المر ،أقلب ليله
ونهاره" ) (5وفي رواية " :ل تسبوا الدهر ،فإن الله هو الدهر" ).(6
وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جدا فقال :حدثنا أبو ك َُرْيب ،حدثنا سفيان
بن عيينة ،عن الزهري ،عن سعيد بن المسيب ،عن أبي هريرة ،رضي الله
عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :كان أهل الجاهلية يقولون :إنما
يهلكنا الليل والنهار ،وهو الذي يهلكنا ،يميتنا ويحيينا ،فقال الله في كتابه :
ما ي ُهْل ِك َُنا ِإل الد ّهُْر { قال :
حَيا وَ َت وَن َ ْ
مو ُ حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ
ي ِإل َما هِ َ } وََقاُلوا َ
"ويسبون الدهر ،فقال الله عز وجل :يؤذيني ابن آدم ،يسب الدهر وأنا
الدهر ،بيدي المر أقلب الليل والنهار" ).(7
شَرْيح بن النعمان ،عن وكذا رواه ابن أبي حاتم ،عن أحمد بن منصور ،عن ُ
ابن عيينة مثله :ثم روي عن يونس ،عن ابن وهب ،عن الزهري ،عن أبي
سلمة ،عن أبي هريرة :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"قال الله تعالى :يسب ابن آدم الدهر ،وأنا الدهر ،بيدي الليل والنهار".
وأخرجه ) (8صاحبا الصحيح والنسائي ،من حديث يونس بن زيد ،به ).(9
وقال محمد بن إسحاق عن العلء بن عبد الرحمن ،عن أبيه عن أبي هريرة ،
رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :يقول الله :
سب ِّني عبدي ،يقول :وادهراه .وأنا الدهر" ) استقرضت عبدي فلم يعطني ،و َ
.(10
قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الئمة في تفسير قوله ،عليه الصلة
والسلم " :ل تسبوا الدهر ؛ فإن الله هو الدهر" :كانت العرب في جاهليتها
إذا أصابهم شدة أو بلء أو نكبة ،قالوا :يا
__________
) (1في أ " :منكرو".
) (2في أ " :البداوة".
) (3في ت ،أ " :وكابروا العقول".
) (4في ت ،أ " :قال".
) (5صحيح البخاري برقم ) (4826وصحيح مسلم برقم ) (2246وسنن أبي
داود برقم ) (5274والنسائي في السنن الكبرى برقم ).(11687
) (6صحيح مسلم برقم ).(2246
) (7تفسير الطبري ).(25/92
) (8في ت " :أخرجاه" وهو خطأ ،والصواب " :أخرجه" ؛ حتى ل يجتمع
عاملن على معمول واحد.
) (9صحيح البخاري برقم ) (6181وصحيح مسلم برقم ) (2246والنسائي
في السنن الكبرى برقم ).(11686
) (10رواه الطبري في تفسيره ) (25/92من طريق سلمة عن محمد بن
إسحاق به ،وخالفه يزيد بن هارون ،فرواه عن محمد ابن إسحاق ،عن أبي
الزناد ،عن العرج ،عن أبي هريرة ،به وأخرجه الحاكم في المستدرك )
(2/453وقال " :هذا حديث صحيح السناد على شرط مسلم".
) (7/269
خيبة الدهر .فيسندون تلك الفعال إلى الدهر ويسبونه ،وإنما فاعلها هو الله
]عز وجل[ ) (1فكأنهم إنما سبوا ،الله عز وجل ؛ لنه فاعل ذلك في الحقيقة
،فلهذا ُنهي ) (2عن سب الدهر بهذا العتبار ؛ لن الله هو الدهر الذي يعنونه
،ويسندون إليه تلك الفعال.
هذا أحسن ما قيل في تفسيره ،وهو المراد ،والله أعلم .وقد غلط ابن حزم
ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدهم الدهر من السماء الحسنى ،أخذا من
هذا الحديث..
ت { ) (4أي :إذا استدل م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ َ َ
وقوله ) (3تعالى } :وَإ َِذا ت ُت ْلى عَلي ْهِ ْ
عليهم وبين لهم الحق ،وأن الله قادر على إعادة البدان بعد فنائها وتفرقها ،
َ
ن { أي :أحيوهم إن صادِِقي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ ن َقاُلوا ائ ُْتوا ِبآَبائ َِنا إ ِ ْ م ِإل أ ْ جت َهُ ْ ح ّ ن ُ كا َ ما َ } َ
كان ما تقولونه حقا.
م { أي :كما تشاهدون ذلك يخرجكم من ُ
حِييك ْ ه يُ ْ ّ
ل الل ُ ُ
قال الله تعالى } :ق ِ
م ث ُّ
م ميت ُك ُْ ي م ُ ث م ُ ك يا ح فرون بالل ّه وك ُنتم أ َمواتا فَأ َ ْ َ
ْ َ ْ ّ ُ ِ العدم إلى الوجود ً َ ْ ْ ُ ْ َ ِ ِ َ ُ َ َ ْ } ، ُ ك ت ف ي ك
م { ] البقرة [28 :أي :الذي قدر على البداءة قادر على العادة حِييك ُ ْ يُ ْ
ن عَل َي ْهِ { َ ُ
م ي ُِعيد ُه ُ وَهُوَ أهْوَ ُ خل ْقَ ث ُ ّ ذي ي َب ْد َأ ال ْ َ بطريق الولى والحرى } ..وَهُوَ ال ّ ِ
ب ِفيهِ { أي :إنما مةِ ل َري ْ َ قَيا َ م إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ معُك ُ ْ ج َ م يَ ْ ] الروم } ، [ 27ث ُ ّ
ن ك ُن ْت ُ ْ
م يجمعكم ليوم القيامة ل يعيدكم في الدنيا حتى تقولوا } :ائ ُْتوا ِبآَبائ َِنا إ ِ ْ
مِع { ] التغابن } (5) [ 9 :ليّ ي َوْم ٍ ج ْ م ل ِي َوْم ِ ال ْ َ معُك ُ ْ ج َ م يَ ْ ن { } ي َوْ َ صادِِقي َ َ
ل ج ل إل ه ر خ
ّ َ ؤ ن ما و } ، [ 13 ، 12 : المرسلت ] { ل ص َ فْ لا م و يِ ل ت. َ ل ج أُ
ٍ َ ُ ُ ِ ُ َ َ ْ ِ ْ ِ َ ْ ّ
ب مةِ ل َري ْ َ قَيا َ م إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ معُك ُ ْ ج َ م يَ ْ دود ٍ { ] هود [ 104 :وقال هاهنا } :ث ُ ّ معْ ُ َ
ن { أي :فلهذا ينكرون َ َ ْ َ َ
مو َ س ل ي َعْل ُ ِ نا
ّ ال ر
َ ث ك أ ن
ّ ِ ك ل َ و } ، فيه شك ل : أي { ِ ه في ِ
دا وَن ََراهُ ه ب َِعي ً م ي ََروْن َ ُ المعاد ،ويستبعدون قيام الجساد ،قال الله تعالى } :إ ِن ّهُ ْ
ريًبا { ] المعارج [ 7 ، 6 :أي :يرون وقوعه بعيدا ،والمؤمنون يرون ذلك قَ ِ
سهل قريبا.
ن) مب ْط ِلو َُ ْ
سُر ال ُ خ َ مئ ِذ ٍ ي َ ْ ة ي َوْ َ ساعَ ُ م ال ّ قو ُ م تَ ُ ض وَي َوْ َ مل ْك ال ّ ُ } وَل ِل ّهِ ُ
ت َوالْر ُ ِ وا ِ م َس َ
ُ
ما ك ُن ْت ُ ْ
م ن َ جَزوْ َ م تُ ْ عى إ َِلى ك َِتاب َِها ال ْي َوْ َ مةٍ ت ُد ْ َ لأ ّ ة كُ ّ جاث ِي َ ً مةٍ َ لأ ّ (27وَت ََرى ك ُ ّ
ن) مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْ خ َ س ُ ست َن ْ ِ حقّ إ ِّنا ك ُّنا ن َ ْ م ِبال ْ َ ذا ك َِتاب َُنا ي َن ْط ِقُ عَل َي ْك ُ ْ ن ) (28هَ َ مُلو َ ت َعْ َ
{ (29
يخبر تعالى أنه مالك السموات والرض ،الحاكم فيهما ) (6في الدنيا والخرة
سُر خ َ ة { أي :يوم ) (7القيامة } ي َ ْ ساعَ ُ م ال ّ قو ُ م تَ ُ ؛ ولهذا قال } :وَي َوْ َ
ن { وهم الكافرون بالله الجاحدون بما أنزله على رسله من اليات مب ْط ُِلو َ ال ْ ُ
البينات والدلئل الواضحات.
وقال ابن أبي حاتم :قدم سفيان الثوري المدينة ،فسمع المعافري )(8
ما
يتكلم ببعض ما يضحك به الناس .فقال له :يا شيخ ،أما علمت أن لله يو ً
يخسر فيه المبطلون ؟ قال :فما زالت تعرف في المعافري ) (9حتى لحق
بالله ،عز وجل .ذكره ابن أبي حاتم.
__________
) (1زيادة من ت ،م.
) (2في أ " :أنهى".
) (3في ت " :وقال".
) (4في م " :عليه" وهو خطأ.
) (5في ت " :الفصل" وهو خطأ.
) (6في م " :فيما".
) (7في ت ،أ " :تقوم".
) (8في ت ،م ،أ " :العاضري".
) (9في ت ،م ،أ " :العاضري".
) (7/270
) (7/271
ك هُوَ ال ْ َ َ
فوُْز مت ِهِ ذ َل ِ َح َ م ِفي َر ْ م َرب ّهُ ْ خل ُهُ ْ
ت فَي ُد ْ ِ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ما ال ّ ِ } فَأ ّ
َ َ
م وَك ُن ْت ُ ْ
م ست َك ْب َْرت ُ ْ
م َفا ْ ن آَياِتي ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ م ت َك ُ ْفُروا أفَل َ ْ ن كَ َ ما ال ّ ِ
ذي َ ن ) (30وَأ ّ مِبي ُ ال ْ ُ
مام َ ب ِفيَها قُل ْت ُ ْ ة ل َري ْ َ ساعَ ُ حقّ َوال ّ ن وَعْد َ الل ّهِ َ ل إِ ّ ن ) (31وَإ َِذا ِقي َ مي َ جرِ ِ م ْما ُ قَوْ ً
ن ){ (32 قِني َ ست َي ْ ِ
م ْ ن بِ ُح ُ ما ن َ ْ َ
ن ِإل ظّنا وَ َ ُ
ن ن َظ ّ ة إِ ْساعَ ُ ما ال ّ ن َد ِْري َ
) (7/272
ل ال ْي َوْ َ
م ن ) (33وَِقي َ ست َهْزُِئو َ كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ ما َ م َ حاقَ ب ِهِ ْ مُلوا وَ َ ما عَ ِ ت َ سي َّئا ُ م َ دا ل َهُ ْ وَب َ َ
ْ
ن )(34 ري َ ص ِ ن َنا ِ م ْم ِ ما ل َك ُ ْ
م الّناُر وَ َ مأَواك ُ ُ ذا وَ َ م هَ َ مك ُ ْ قاَء ي َوْ ِ م لِ َسيت ُ ْ ما ن َ ِ م كَ َ ساك ُ ْ ن َن ْ َ
َ َ
ن جو َ خَر ُ م َل ي ُ ْ حَياةُ الد ّن َْيا َفال ْي َوْ َ م ال ْ َ ت الل ّهِ هُُزًوا وَغَّرت ْك ُ ُ م آَيا ِ خذ ْت ُ ْ م ات ّ َ م ب ِأن ّك ُ ُ ذ َل ِك ُ ْ
َ ت وََر ّ ْ ن ) (35فَل ِل ّهِ ال ْ َ
ب
ض َر ّ ب الْر ِ ماَوا ِس َب ال ّ مد ُ َر ّ ح ْ ست َعْت َُبو َ م يُ ْ من َْها وََل هُ ْ ِ
م )(37 ْ ْ َ ْ ْ َ َ ْ
كي ُ
ح ِ زيُز ال َ ض وَهُوَ العَ ِ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َه الك ِب ْرَِياُء ِفي ال ّ ن ) (36وَل ُ مي َ الَعال ِ
لن ) (33وَِقي َ ست َهْزُِئو َ كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ ما َ م َ حاقَ ب ِهِ ْ مُلوا وَ َ ما عَ ِ ت َ سي َّئا ُ م َ دا ل َهُ ْ } وَب َ َ
َ ْ
ن
ري َ ص ِن َنا ِ م ْ م ِ ما لك ْ ُ م الّناُر وَ َ ُ
مأَواك ُ ذا وَ َم هَ َ ُ
مك ْ قاَء ي َوْ ِم لِ َ سيت ُ ْ ما ن َ ِ َ
مك َ ُ
ساك ْ م ن َن ْ َ ال ْي َوْ َ
َ
مل حَياةُ الد ّن َْيا َفال ْي َوْ َ م ال ْ َ ت الل ّهِ هُُزًوا وَغَّرت ْك ُ ُ م آَيا ِ خذ ْت ُ ْ م ات ّ َ م ب ِأن ّك ُ ُ ) (34ذ َل ِك ُ ْ
ض
ب الْر ِ ت وََر ّ وا ِ م َ س َ ب ال ّ مد ُ َر ّ ح ْن ) (35فَل ِل ّهِ ال ْ َ ست َعْت َُبو َ م يُ ْ من َْها َول هُ ْ ن ِ جو َ خَر ُ يُ ْ
م) كي ُ ح ِ زيُز ال ْ َ ض وَهُوَ ال ْعَ ِ ت َوالْر ِ ه ال ْك ِب ْرَِياُء ِفي السموا ِ ن ) (36وَل َ ُ مي َ ب ال َْعال َ ِ َر ّ
.{ (37
ّ َ
مُنوا نآ َ ذي َ ما ال ِ يخبر تعالى عن حكمه في خلقه يوم القيامة ،فقال } :فَأ ّ
ت { أي :آمنت قلوبهم وعملت جوارحهم العمال الصالحات حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ وَعَ ِ
مت ِهِ { ،وهي ح َ م ِفي َر ْ م َرب ّهُ ْ خلهُ ْ ُ ) ، (1وهي الخالصة الموافقة للشرع } ،فَي ُد ْ ِ
الجنة ،كما ثبت في الصحيح أن الله قال للجنة " :أنت رحمتي ،أرحم بك
من أشاء" ).(2
ن { أي :البين الواضح. مِبي ُ ْ
فوُْز ال ُ ك هُوَ ال ْ َ } ذ َل ِ َ
َ َ
م { أي : ست َك ْب َْرت ُ ْ م َفا ْ ن آَياِتي ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ م ت َك ُ ْ فُروا أفَل َ ْ ن كَ َ ذي َ ما ال ّ ِ ثم قال } :وَأ ّ
يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا :أما ) (3قرئت عليكم آيات الرحمن فاستكبرتم
ن { أي :في مي َ جرِ ِ م ْ ما ُ م قَوْ ً عن اتباعها ،وأعرضتم عند ) (4سماعها } ،وَك ُن ْت ُ ْ
أفعالكم ،مع ما اشتملت عليه قلوبكم من التكذيب ؟
ب ِفيَها { أي :إذا قال لكم ة ل َري ْ َ ساعَ ُ حقّ َوال ّ ن وَعْد َ الل ّهِ َ ل إِ ّ } وَإ َِذا ِقي َ
ن ِإل ن ن َظ ُ ّ ة { أي :ل نعرفها } ،إ ِ ْ ساعَ ُ ما ال ّ ما ن َد ِْري َ م َ المؤمنون ذلك } ،قُل ْت ُ ْ
ماظ َّنا { أي :إن نتوهم وقوعها إل توهما ،أي مرجوحا ) (5؛ ولهذا قال } :وَ َ
مات َ سي َّئا ُ م َ دا ل َهُ ْ ن { أي :بمتحققين ،قال الله تعالى } :وَب َ َ قِني َ ست َي ْ ِ م ْ ن بِ ُ ح ُ نَ ْ
م { أي :أحاط حاقَ ب ِهِ ْ ملوا { أي :وظهر لهم عقوبة أعمالهم السيئة } ،وَ َ ُ عَ ِ
م ْ
ل الي َوْ َ ن { أي :من العذاب والنكال } ،وَِقي َ ست َهْزُِئو َ كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ ما َ بهم } َ
قاَءم لِ َ سيت ُ ْ ما ن َ ِ َ
م { أي :نعاملكم معاملة الناسي لكم في نار جهنم } ك َ ساك ُ ْ ن َن ْ َ
ما ُ ْ م هَ َ ُ
م الّناُر وَ َ مأَواك ُ ذا { أي :فلم تعملوا له لنكم لم تصدقوا به } ،وَ َ مك ْ ي َوْ ِ
ن{ ري َ ص ِ ن َنا ِ م ْ م ِ ل َك ُ ْ
وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لبعض العبيد يوم القيامة " :ألم
أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟
__________
) (1في ت ،أ " :الصالحة".
) (2صحيح البخاري برقم ) (4850من حديث أبي هريرة ،رضي الله عنه.
) (3في أ " :لما".
) (4في أ " :عن".
) (5في أ " :مرجوعا".
) (7/272
ألم أسخر لك الخيل والبل ،وأذرك ترأس وت َْرَبع ؟ فيقول :بلى ،يا رب.
ي ؟ فيقول :ل .فيقول الله تعالى :فاليوم أنساك ملق ّ فيقول :أفظننت أنك ُ
كما نسيتني" ).(1
ّ ُ َ ُ
ت اللهِ هُُزًوا { أي :إنما جازيناكمم آَيا ِخذ ْت ُ ْ
م ات ّ َ قال الله تعالى } :ذ َل ِك ْ
م ب ِأن ّك ُ
هذا الجزاء لنكم اتخذتم حجج الله عليكم سخريا ،تسخرون وتستهزئون بها ،
حَياةُ الد ّن َْيا { أي :خدعتكم فاطمأننتم إليها ،فأصبحتم من م ال ْ َ
} وَغَّرت ْك ُ ُ
ممن َْها { أي :من النار } َول هُ ْ
ن ِجو َخَر ُ
م ل يُ ْ الخاسرين ؛ ولهذا قال َ } :فال ْي َوْ َ
ن { أي :ل يطلب منهم العتبى ،بل يعذبون بغير حساب ول عتاب ، ست َعْت َُبو َ
يُ ْ
كما تدخل طائفة من المؤمنين الجنة بغير عذاب ول حساب.
ت
ب السموا ِ مد ُ َر ّح ْثم لما ذكر حكمه في المؤمنين والكافرين قال } :فَل ِل ّهِ ال ْ َ
ن {.
مي َب ال َْعال َ ِ
ض { أي :المالك لهما وما فيهما ؛ ولهذا قال َ } :ر ّ ب الْر ِ وََر ّ
ض { قال مجاهد :يعني ت َوالْر ِه ال ْك ِب ْرَِياُء ِفي السموا ِ
ثم قال } :وَل َ ُ
السلطان .أي :هو العظيم الممجد ،الذي كل شيء خاضع لديه فقير إليه.
وقد ورد في الحديث الصحيح " :يقول الله تعالى ) (2العظمة إزاري
دا منهما أسكنته ناري" .ورواه مسلم من والكبرياء ردائي ،فمن نازعني واح ً
حديث العمش ،عن أبي إسحاق ،عن الغر أبي مسلم ،عن أبي هريرة
وأبي سعيد ،رضي الله عنهما ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
بنحوه ).(3
زيُز { أي :الذي ل يغالب ول يمانع } ،الحكيم { في ْ
وقوله } :وَهُوَ العَ ِ
أقواله وأفعاله ،وشرعه وقدره ،تعالى وتقدس ،ل إله إل هو ).(4
آخر تفسير سورة الجاثية ]ولله الحمد والمنة[ )(5
__________
) (1صحيح مسلم برقم ) (2968من حديث أبي هريرة ،رضي الله عنه.
) (2في ت " :أن الله تعالى يقول".
) (3صحيح مسلم برقم ).(2620
) (4في أ " :ل إله غيره ول رب سواه".
) (5زيادة من ت ،م ،أ.
) (7/273
َ
ت َواْلْر َ
ض ماَوا ِ س َ قَنا ال ّ خل َ ْ ما َ كيم ِ )َ (2 ح ِ زيزِ ال ْ َ ن الل ّهِ ال ْعَ ِ م َ ب ِ ل ال ْك َِتا ِ زي ُ حم ) (1ت َن ْ ِ
ن ) (3قُ ْ
ل ُ َ ّ َ ْ ّ
ضو َ معْرِ ُ ما أن ْذُِروا ُ فُروا عَ ّ نك َ ذي َ مى َوال ِ س ّم َ ل ُ
ج ٍ حقّ وَأ َ ما إ ِل ِبال َ ما ب َي ْن َهُ َ وَ َ
ٌ
شْرك ِفي َ َ َ ْ َ ماَذا َ َ ّ َ َ
م ِ م لهُ ْ ضأ ْ ن الْر ِ م َ قوا ِ خل ُ ن اللهِ أُروِني َ ن ُدو ِ م ْ ن ِ عو َ ما ت َد ْ ُ م َ أَرأي ْت ُ ْ
السماوات ائ ْتوِني بكتاب من قَبل هَ َ َ َ
ن )(4 صادِِقي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْعل ْم ٍ إ ِ ْ ن ِ ذا أوْ أَثاَرةٍ ِ
م ْ ِ َِ ٍ ِ ْ ْ ِ ّ َ َ ِ ُ
م ْ َ َ َ ّ ض ّ وم َ
مةِ وَهُ ْ قَيا َه إ ِلى ي َوْم ِ ال ِ بل ُ جي ُ ست َ ِن ل يَ ْ م ْ ن اللهِ َ ن ُدو ِ م ْ عو ِ ن ي َد ْ ُ م ْم ّ ل ِ نأ َ َ َ ْ
ن )(5 ُ
م غافِلو َ َ عائ ِهِ ْ ن دُ َ عَ ْ
تفسير سورة الحقاف
وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
ت وا ِ م َ س َ قَنا ال ّ َ
خل ْ ما َكيم ِ )َ (2 ح ِ ْ
زيزِ ال َ ْ ّ
ن ال َلهِ العَ ِ م َ ب ِ ل ال ْك َِتا ِ } حم )َ (1تنزي ُ
ن ُ َ ّ ْ
ضو َ معْرِ ُ ما أن ْذُِروا ُ فُروا عَ ّ نك َ ذي َمى َوال ِ س ّم َ ل ُ ج ٍ حقّ وَأ َ ما ِإل ِبال َ ما ب َي ْن َهُ َ ض وَ َ َوالْر َ
م َ َ َ ماَذا َ َ ّ َ َ ) (3قُ ْ
م لهُ ْ ضأ ْ ن الْر ِ م َ قوا ِ خل ُ ن اللهِ أُروِني َ ن ُدو ِ م ْ ن ِ عو َ ما ت َد ْ ُ م َ ل أَرأي ْت ُ ْ
َ َ
ن ك ُن ْت ُ ْ
م عل ْم ٍ إ ِ ْ
ن ِ م ْ ذا أوْ أَثاَرةٍ ِ ل هَ َ ن قَب ْ ِ م ْ ب ِ ت ا ِئ ُْتوِني ب ِك َِتا ٍ وا ِ م َ س َ ك ِفي ال ّ شْر ٌ ِ
م و ي لى َ إ ه َ ل ب جي ت س ي ل ن م ه ّ ل ال ن دو ن م عو د ي ن م م ّ
ل ض َ أ ن م و ( 4 ) ن قي د صا
َ ْ ِ َ ْ َ ِ ُ ُ ِ ِ َ ْ ِ ّ ْ َ ْ ُ ِ ْ ُ ِ َ َ ْ َ َ ِ ِ َ
ن ){ (5 َ لوُ ِ ف َ
غا م ه ئ
ْ ُ ِِ ْ عا
َ د ن َ ع ممةِ َ ُ ْ
ه و ال ْ ِ
قَيا َ
) (7/274
م َ داًء وَ َ كانوا ل َه َ
ن )(6
ري َ
كافِ ِ كاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْ م أعْ َ
ُ ْ س َ ُ
شَر الّنا ُ وَإ َِذا ُ
ح ِ
م َ داًء وَ َ كانوا ل َه َ
ن ).{ (6 ري َ كافِ ِ كاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْ م أعْ َ ُ ْ س َ ُ شَر الّنا ُ ح ِ} وَإ َِذا ُ
يخبر تعالى أنه نزل الكتاب على عبده ورسوله محمد ،صلوات الله وسلمه
عليه دائما إلى يوم الدين ،ووصف نفسه بالعزة التي ل ترام ،والحكمة في
ما ِإل ما ب َي ْن َهُ َ
ض وَ َ ت َوالْر َ وا ِ م َ س َ قَنا ال ّ خل َ ْ ما َ القوال والفعال ،ثم قال َ } :
َ
مى { أي :إلى مدة س ّ م َل ُ ج ٌ حقّ { أي :ل على وجه العبث والباطل } ،وَأ َ ِبال ْ َ
معينة مضروبة ل تزيد ول تنقص.
ُ
ن { أي :لهون ) (1عما يراد ضو َ معْرِ ُ ما أن ْذُِروا ُ فُروا عَ ّ ن كَ َ
ذي َ قوله َ } :وال ّ ِ
بهم ،وقد أنزل إليهم كتابا وأرسل إليهم رسول ،وهم معرضون عن ذلك كله
ب ذلك. ،أي :وسيعلمون غ ّ
ما َ َ ثم قال } :قُ ْ
م َ ل { أي :لهؤلء المشركين العابدين مع الله غيره } :أَرأي ْت ُ ْ
ض { أي :أرشدوني إلى َ ماَذا َ َ ّ
الْر ِ َ
ن
م َ قوا ِ خل ُ ن اللهِ أُروِني َ ن ُدو ِ م ْن ِعو َ ت َد ْ ُ
ت { أي وا ِ م َس َشْرك ِفي ال ّ ٌ م ِ َ
م لهُ ْ المكان الذي استقلوا بخلقه من الرض } ،أ ْ
:ول شرك لهم في السموات ول في الرض ،وما يملكون من قطمير ،إن
مْلك والتصّرف كله إل الله ،عز وجل ،فكيف تعبدون معه غيره ، ال ُ
وتشركون به ؟ من أرشدكم إلى هذا ؟ من دعاكم إليه ؟ أهو أمركم به ؟ أم
ن قَب ْ ِ
ل م ْ ب ِ هو شيء اقترحتموه من عند أنفسكم ؟ ولهذا قال } :ا ِئ ُْتوِني ب ِك َِتا ٍ
ذا { أي :هاتوا كتابا من كتب الله المنزلة على النبياء ) ، (2عليهم الصلة هَ َ
عل ْم ٍ { أي :دليل ب َّين َ َ
ن ِم ْ والسلم ،يأمركم بعبادة هذه الصنام } ،أوْ أَثاَرةٍ ِ
ن { أي :ل دليل لكم صادِِقي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْعلى هذا المسلك الذي سلكتموه } إ ِ ْ
نقلًيا ول عقليا على ذلك ؛ ولهذا قرأ آخرون " :أو أث ََرة من علم" أي :أو علم
َ َ
صحيح يأثرونه عن أحد ممن قبلهم ،كما قال مجاهد في قوله } :أوْ أَثاَر ٍ
ة
عل ْم ٍ { أو أحد يأُثر علما. ن ِ م ْ ِ
__________
) (1في ت ،م ،أ " :لهين".
) (2في ت ،م ،أ " :هاتوا كتابا من الكتب المنزلة على أنبيائهم".
) (7/274
ن
مِبي ٌحٌر ُ س ْ ذا ِم هَ َ جاَءهُ ْ ما َ حقّ ل َ ّ فُروا ل ِل ْ َ ن كَ َ ذي َ ل ال ّ ِ ت َقا َ م آ ََيات َُنا ب َي َّنا ٍ
وَإ َِذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ
َ َ
شي ًْئا هُوَ أعْل َ ُ
م ن الل ّهِ َ م َ ن ِلي ِ كو َ مل ِ ُه فََل ت َ ْ ن افْت ََري ْت ُ ُ ل إِ ِ ن افْت ََراه ُ قُ ْ قوُلو َ م يَ ُ ) (7أ ْ
ما ل َم ) (8قُ ْ حي ُفوُر الّر ِ م وَهُوَ ال ْغَ ُ دا ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ شِهي ً فى ب ِهِ َ ن ِفيهِ ك َ َ ضو َ في ُ ما ت ُ ِبِ َ
َ َ
حى إ ِل َ ّ
ي ما ُيو َن أت ّب ِعُ إ ِّل َ م إِ ْ ل ِبي وََل ب ِك ُ ْ فعَ ُ ما ي ُ ْ ما أد ِْري َ ل وَ َ س ِ ن الّر ُ م َ عا ِ ت ب ِد ْ ً ك ُن ْ ُ
َ
ن )(9 مِبي ٌ ذيٌر ُ ما أَنا إ ِّل ن َ ِ وَ َ
) (7/275
قدْر أحد من أهل الرض ،ل أنتم ول غيركم أن يجيرني منه ، العقوبة ،ولم ي َ ْ
دا ِإل َبل ً
غا ْ َ َ َ ّ َ كقوله } :قُ ْ
ح ً ملت َ َ ن ُدون ِهِ ُ م ْ جد َ ِ نأ ِ حد ٌ وَل ْ ن اللهِ أ َ م َ جيَرِني ِ ن يُ ِ
ل إ ِّني ل ْ
َ
ل عَلي َْنا قو ّ َ َ
سالت ِهِ { ]الجن ، [23 ، 22 :وقال تعالى } :وَلوْ ت َ َ ن الل ّهِ وَرِ َ م َ ِ
َ ْ َ َ ْ
حد ٍ نأ َ م ْ م ِ من ْك ُ ْ ما ِ ن .فَ َه الوَِتي َ من ْ ُ قطعَْنا ِ مل َ ن .ث ُ ّ مي ِ ه ِبالي َ ِ خذ َْنا ِ
من ْ ُ ل .ل َ ض الَقاِوي ِ ب َعْ َ
ه َفل ن افْت ََري ْت ُ ُ ل إِ ِ ن { ]الحاقة [47 - 44 :؛ ولهذا قال هاهنا } :قُ ْ زي َج ِ
حا ِ ه َ عَن ْ ُ
َ َ َ ّ ُ
دا ب َي ِْني شِهي ً فى ب ِهِ َ ن ِفيهِ ك َ ضو َ في ُ ما ت ُ ِ شي ًْئا هُوَ أعْل ُ
م بِ َ ن اللهِ َ م َ ن ِلي ِ مل ِكو َ تَ ْ
م { ،هذا تهديد لهم ،ووعيد أكيد ،وترهيب شديد. ُ
وَب َي ْن َك ْ
م { ترغيب لهم إلى التوبة والنابة ،أي :ومع حي ُ فوُر الّر ِ ْ
وقوله } :وَهُوَ الغَ ُ
هذا كله إن رجعتم وتبتم ،تاب عليكم وعفا عنكم ،وغفر ]لكم[ ) (1ورحم.
َ
ن اك ْت َت َب ََها فَهِ َ
ي طيُر الوِّلي َ سا ِ وهذه الية كقوله في سورة الفرقان } :وََقاُلوا أ َ
تمَلى عَل َيه بك ْرة ً وأ َصيل .قُ ْ َ
ه
ض إ ِن ّ ُ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َسّر ِفي ال ّ م ال ّ ذي ي َعْل َ ُ ه ال ّ ِ ل أنزل َ ُ ْ ِ ُ َ َ ِ ُ ْ
ما { ]الفرقان .[6 ، 5 : حي ً فوًرا َر ِ ن غَ ُ كا ََ
ل { أي :لست بأول رسول طرق س ِ ن الّر ُ م َ عا ِ ت ب ِد ْ ً ما ك ُن ْ ُل َ وقوله } :قُ ْ
العالم ،بل قد جاءت الرسل من قبلي ،فما أنا بالمر الذي ل نظير له حتى
تستنكروني وتستبعدوا ) (2بعثتي إليكم ،فإنه قد أرسل الله قبلي جميع
النبياء إلى المم.
ل { ما أنا س ِ ن الّر ُ م َ عا ِ ت ب ِد ْ ً ما ك ُن ْ ُ ل َ قال ابن عباس ،ومجاهد ،وقتادة } :قُ ْ
بأول رسول .ولم يحك ابن جرير ول ابن أبي حاتم غير ذلك.
َ
م { قال علي بن أبي طلحة ،عن ابن ل ِبي َول ب ِك ُ ْ فعَ ُ ما ي ُ ْ ما أد ِْري َ وقوله } :وَ َ
خَر َ ن ذ َن ْب ِ َ ّ َ
فَر ل َ
ما ت َأ ّ ك وَ َ م ْم ِ قد ّ َما ت َ َ ه َ ك الل ُ عباس في هذه الية :نزل بعدها } ل ِي َغْ ِ
{ ]الفتح .[2 :وهكذا قال عكرمة ،والحسن ،وقتادة :إنها منسوخة بقوله :
َ
خَر { ،قالوا :ولما نزلت هذه الية ما ت َأ ّ ك وَ َ ن ذ َن ْب ِ َم ْ
م ِ قد ّ َ ما ت َ َ ه َ ك الل ّ ُ فَر ل َ َ } ل ِي َغْ ِ
قال رجل من المسلمين :هذا قد بين الله ما هو فاعل بك يا رسول الله ،
ت { ]الفتح جّنا ٍ ت َ مَنا ِ مؤ ْ ِن َوال ْ ُ مِني َ مؤ ْ ِل ال ْ ُ خ َ فما هو فاعل بنا ؟ فأنزل الله } :ل ِي ُد ْ ِ
.[5 :
هكذا قال ،والذي هو ثابت في الصحيح أن المؤمنين قالوا :هنيئا لك يا
رسول الله ،فما لنا ؟ فأنزل الله هذه الية.
م { :ما أدري بماذا أومر ، ل ِبي َول ب ِك ُْ فعَ ُ ما ي ُ ْ َ
ما أد ِْري َ وقال الضحاك } :وَ َ
وبماذا أنهى بعد هذا ؟
فعَ ُ
ل ما ي ُ ْ َ
ما أد ِْري َ ي ،عن الحسن البصري في قوله } :وَ َ وقال أبو بكر الهذل ِ ّ
م { قال :أما في الخرة فمعاذ الله ،قد علم أنه في الجنة ،ولكن ِبي َول ب ِك ُ ْ
قال :ل أدري ما يفعل بي ول بكم في الدنيا ،أخرج كما أخرجت النبياء ]من[
) (3قبلي ؟ أم أقتل كما قتلت النبياء من قبلي ؟ ول أدري أيخسف بكم أو
ُترمون بالحجارة ؟
ول عليه ابن جرير ،وأنه ل يجوز غيره ،ول شك أن وهذا القول هو الذي عَ ّ
هذا هو اللئق به ،صلوات الله وسلمه عليه ،فإنه بالنسبة إلى الخرة جازم
أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه ،وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يُئول إليه
أمره وأمر مشركي قريش إلى ماذا :أيؤمنون أم يكفرون ،فيعذبون
__________
) (1زيادة من أ.
) (2في ت ،م ،أ " :وتستبعدون".
) (3زيادة من أ.
) (7/276
ل عََلى سَراِئي َ شهِد َ َ م ب ِهِ وَ َ عن ْدِ الل ّهِ وَك َ َ ن َ قُ ْ َ َ
ن ب َِني إ ِ ْ م ْ شاهِد ٌ ِ فْرت ُ ْ ن ِ م ْ ن ِ كا َ م إِ ْ ل أَرأي ْت ُ ْ
ل ال ّ ِ م ال ّ دي ال ْ َ ه َل ي َهْ ِ َ
ن
ذي َ ن ) (10وََقا َ مي َ ظال ِ ِ قو ْ َ ن الل ّ َ م إِ ّ ست َك ْب َْرت ُ ْن َوا ْ م َ مث ْل ِهِ فَآ َ ِ
ُ َ َ َ َ َ ّ َ
نقولو َ سي َ ُ دوا ب ِهِ فَ َ م ي َهْت َ ُ قوَنا إ ِلي ْهِ وَإ ِذ ْ ل ْ سب َ ُ ما َ خي ًْرا َ ن َ مُنوا لوْ كا َ نآ َ ذي َ فُروا ل ِل ِ ك َ
ق
صد ّ ٌ م َ ب ُ ذا ك َِتا ٌ ة وَهَ َ م ً ح َ ما وََر ْ ما ً
سى إ ِ َ مو َ ب ُ ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ م ْ م ) (11وَ ِ دي ٌ ٌ
ذا إ ِفْك قَ ِ هَ َ
ن َقالوا َرب َّنا ُ ذي َ ّ
ن ال ِ ن ) (12إ ِ ّ سِني َ ح ِ م ْ ْ
شَرى ل ِل ُ موا وَب ُ ْ َ َ
ن ظل ُ ذي َ ّ
ساًنا عََرب ِّيا ل ِي ُن ْذَِر ال ِ لِ َ
ْ َ َ ُ َ َ َ
ة
جن ّ ِ ب ال َ حا ُ ص َ َ
ن ) (13أولئ ِك أ ْ حَزُنو َ م يَ ْ م وَل هُ ْ ف عَلي ْهِ ْ خو ْ ٌ موا فَل َ قا ُ ست َ َ
ما ْ ه ثُ ّالل ّ ُ
ن )(14 مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ ما َ جَزاًء ب ِ َ ن ِفيَها َ دي َ خال ِ ِ َ
فيستأصلون بكفرهم ) (1؟ فأما الحديث الذي رواه المام أحمد :
حدثنا يعقوب ،حدثنا أبي ،عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت ،عن
أم العلء -وهي امرأة من نسائهم -أخبرته -وكانت بايعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم -قالت :طار لهم في السكنى حين اقترعت النصار على
ن بن مظعون .فاشتكى عثمان عندنا َفمّرضناه ،حتى سكنى المهاجرين عثما ُ
إذا توفي أد َْرجناه في أثوابه ،فدخل علينا رسول الله فقلت :رحمة الله
عليك أبا السائب ،شهادتي عليك ،لقد أكرمك الله .فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " :وما يدريك أن الله أكرمه ؟" فقلت :ل أدري بأبي أنت
وأمي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أما هو فقد جاءه )(2
اليقين من ربه ،وإني لرجو له الخير ،والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل
بي!" قالت :فقلت :والله ل أزكي أحدا بعده أبدا .وأحزنني ذلك ،فنمت
فرأيت لعثمان عينا تجري ،فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبرته بذلك ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ذاك ) (3عمله".
فقد انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم ) ، (4وفي لفظ له " :ما أدري وأنا
رسول الله ما يفعل به" ) .(5وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ ،بدليل قولها
" :فأحزنني ذلك" .وفي هذا وأمثاله دللة على أنه ل يقطع لمعين بالجنة إل
الذي ) (6نص الشارع على تعيينهم ،كالعشرة ،وابن سلم ،والُغميصاء ،
وبلل ،وسراقة ،وعبد الله بن عمرو بن حرام والد ) (7جابر ،والقراء
السبعين الذين قتلوا ببئر معونة ،وزيد بن حارثة ،وجعفر ،وابن رواحة ،وما
أشبه هؤلء.
ي من َ َ
ي { أي :إنما أتبع ما ينزله الله عل ّ حى إ ِل ّ ما ُيو َ ن أت ّب ِعُ ِإل َ وقوله } :إ ِ ْ
ذارة ،وأمري ) (8ظاهر لكل ن { أي :بين الن ّ َ َ
مِبي ٌ ذيٌر ُ ما أَنا ِإل ن َ ِ الوحي } ،وَ َ
ذي لب وعقل.
سَراِئي َ
ل شهِد َ َ م ب ِهِ وَ َ َ ّ َ } قُ ْ َ َ
ن ب َِني إ ِ ْ م ْ شاهِد ٌ ِ فْرت ُ ْ عن ْدِ اللهِ وَك َ ن ِ م ْ ن ِ ن كا َ م إِ ْ ل أَرأي ْت ُ ْ
ن ) (10وََقا َ
ل مي َ ظال ِ ِم ال ّ قو ْ َ دي ال ْ َ ه ل ي َهْ ِ ن الل ّ َ م إِ ّ ست َك ْب َْرت ُ ْ ن َوا ْ م َ مث ْل ِهِ َفآ َ عََلى ِ
ه
دوا ب ِ ِ م ي َهْت َ ُ قوَنا إ ِل َي ْهِ وَإ ِذ ْ ل َ ْ سب َ ُ
ما َ خي ًْرا َ ن َ كا َ مُنوا ل َوْ َ نآ َ ذي َ فُروا ل ِل ّ ِ ن كَ َ ذي َ ال ّ ِ
ة وَهَ َ
ذا م ً ح َما وََر ْ ما ً سى إ ِ َ مو َ ب ُ ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ م ْ م ) (11وَ ِ دي ٌ ك قَ ِ ذا إ ِفْ ٌ ن هَ َ قوُلو َ سي َ ُ فَ َ
ن
ن ) (12إ ِ ّ سِني َ ح ِ م ْ شَرى ل ِل ْ ُ موا وَب ُ ْ ن ظ َل َ ُ ذي َ ساًنا عََرب ِّيا ل ِي ُن ْذَِر ال ّ ِ صد ّقٌ ل ِ َ م َ ب ُ ك َِتا ٌ
ُ
ن ) (13أول َئ ِكَ َ ّ ُ
حَزُنو َ م يَ ْ م َول هُ ْ ف عَلي ْهِ ْ خو ْ ٌ موا فل َ َ قا ُست َ َ ما ْ ُ
هث ّ ن قالوا َرب َّنا الل ُ َ ذي َ ال ّ ِ
َ
ن ).{ (14 مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ ما َ جَزاًء ب ِ َ ن ِفيَها َ دي َ خال ِ ِ جن ّةِ َ ب ال ْ َ حا ُ ص َ أ ْ
م َ َ يقول تعالى } :قُ ْ
ل { يا محمد لهؤلء المشركين الكافرين بالقرآن } :أَرأي ْت ُ ْ
م ب ِهِ { أي :ما ظنكم أن الله فْرت ُ ْ عن ْدِ الل ّهِ وَك َ َ ن ِ م ْ ن { هذا القرآن } ِ كا َ ن َ إِ ْ
صانع بكم إن كان هذا الكتاب الذي جئتكم به قد أنزله
__________
) (1في ت ،أ " :كغيرهم".
) (2في أ " :جاءه والله".
) (3في ت " :ذلك".
) (4المسند ) (6/436وصحيح البخاري برقم ).(1243
) (5صحيح البخاري برقم ).(2687
) (6في أ " :الذين".
) (7في ت " :أبو".
) (8في أ " :أرى".
) (7/277
لسَراِئي َ ن ب َِني إ ِ ْ م ْشاهِد ٌ ِ شهِد َ َ فرتم به وكذبتموه } ،وَ َ ي لبلغكموه ،وقد ك َ َ عل ّ
مث ْل ِهِ { أي :وقد شهدت بصدقه وصحته الكتب المتقدمة المنزلة على ِ لى عَ َ
النبياء قبلي ،بشرت به وأخبرت بمثل ما أخبر هذا القرآن به.
ن { أي :هذا الذي شهد بصدقه من بني إسرائيل لمعرفته م َ وقوله َ } :فآ َ
م { أنتم :عن اتباعه. ست َك ْب َْرت ُ ْ بحقيته } َوا ْ
وقال مسروق :فآمن هذا الشاهد بنبيه وكتابه ،وكفرتم أنتم بنبيكم وكتابكم
ن{ مي َ م ال ّ
ظال ِ ِ قو ْ َ دي ال ْ َ ه ل ي َهْ ِ ن الل ّ َ } إِ ّ
وهذا الشاهد اسم جنس يعم عبد الله بن سلم وغير ،ه فإن هذه الية مكية
م َقاُلوا نزلت قبل إسلم عبد الله بن سلم .وهذه كقوله } :وَإ َِذا ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ
ن { ]القصص ، [53 :وقال : مي َ سل ِ ِ
م ْ ن قَب ْل ِهِ ُ م ْ ن َرب َّنا إ ِّنا ك ُّنا ِ م ْحق ّ ِ ه ال ْ َ مّنا ب ِهِ إ ِن ّ ُ آ َ
َ َ ْ ْ ُ ّ
دا
ج ً س ّ ن ُ ن ِللذ َْقا ِ خّرو َ م يَ ِ ن قَب ْل ِهِ إ َِذا ي ُت ْلى عَلي ْهِ ْ م ْ م ِ ن أوُتوا العِل َ ذي َ ن ال ِ } إِ ّ
فُعول { ]السراء .[108 ، 107 : م ْ َ
ن وَعْد ُ َرب َّنا ل َ َ
ن كا َ ن َرب َّنا إ ِ ْ حا َ سب ْ َن ُ قولو َ ُ وَي َ ُ
قال مسروق ،والشعبي :ليس بعبد الله بن سلم ،هذه الية مكية ،وإسلم
عبد الله بن سلم كان بالمدينة .رواه عنهما ابن جرير وابن أبي حاتم ،
واختاره ابن جرير.
ضر ،عن عامر بن سعد ) ، (1عن أبيه قال :ما وقال مالك ،عن أبي الن ّ ْ
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحد يمشي على وجه الرض
شهِد َ " :إنه من أهل الجنة" ،إل لعبد الله بن سلم ،قال :وفيه نزلت } :وَ َ
مث ْل ِهِ { ل عََلى ِ سَراِئي َ ن ب َِني إ ِ ْ م ْ شاهِد ٌ ِ َ
رواه البخاري ومسلم والنسائي ،من حديث مالك ،به ) .(2وكذا قال ابن
عباس ،ومجاهد ،والضحاك ،وقتادة ،وعكرمة ،ويوسف بن عبد الله بن
دي ،والثوري ،ومالك بن أنس ،وابن زيد ؛ س ّ ساف ،وال ّ سلم ،وهلل بن ي َ َ
أنهم كلهم قالوا :إنه عبد الله بن سلم.
َ
قوَنا إ ِلي ْهِ { سب َ ُ ما َ خي ًْرا َ ن َ َ َ
مُنوا لوْ كا َ نآ َ ذي َ فُروا ل ِل ّ ِ ن كَ َ ذي َ ل ال ّ ِ وقوله تعالى } :وََقا َ
أي :قالوا عن المؤمنين بالقرآن :لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلء إليه )
صَهيبا وخبابا وأشباههم وأقرانهم ) (4من .(3يعنون بلل وعمارا و ُ
المستضعفين والعبيد والماء ،وما ذاك إل لنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم
عند الله وجاهة وله بهم عناية .وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا ،وأخطئوا
نم ّ ؤلِء َ قوُلوا أ َهَ ُ ض ل ِي َ ُ
م ب ِب َعْ ٍ ضهُ ْ ك فَت َّنا ب َعْ َ خطأ بينا ،كما قال تعالى } :وَك َذ َل ِ َ
ن ب َي ْن َِنا { ]النعام [53 :أي :يتعجبون :كيف اهتدى هؤلء دوننا ؛ م ْ م ِ ه عَل َي ْهِ ْ الل ّ ُ
قوَنا إ ِل َي ْهِ { وأما أهل السنة ) (5والجماعة سب َ ُ
ما َ خي ًْرا َ ن َ كا َ ولهذا قالوا } :ل َوْ َ
فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة :هو بدعة ؛ لنه لو كان
خيرا لسبقونا إليه ،لنهم
__________
) (1في أ " :سعيد".
) (2صحيح البخاري برقم ) (3812وصحيح مسلم برقم ) (2483والنسائي
في السنن الكبرى برقم ).(8252
) (3في ت " :ما سبقونا إليه هؤلء".
) (4في أ " :وأضرابهم".
) (5في م ،ت ،أ " :يعني المؤمنين ،وأما أهل السنة".
) (7/278
لم يتركوا خصلة من خصال الخير إل وقد بادروا إليها ).(1
ذا إ ِفك { أي : ٌ ْ ن هَ َ قوُلو َ دوا ب ِهِ { أي :بالقرآن } فَ َ
سي َ ُ م ي َهْت َ ُوقوله } :وَإ ِذ ْ ل َ ْ
م { أي :مأثور عن القدمين ،فينتقصون القرآن وأهله ،وهذا هو دي ٌكذب } قَ ِ
مطالكبر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :بطر ) (2الحق ،وغَ ْ
الناس" ).(3
ة وَهَ َ
ذا م ً ح َ ما وََر ْ ما ً سى { وهو التوراة } إ ِ َ مو َ ب ُ ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ م ْ ثم قال } :وَ ِ
ساًنا عََرب ِّيا { صد ّقٌ { أي :لما قبله من الكتب } ل ِ َ م َ ب { يعني :القرآن } ُ ك َِتا ٌ
ن { أي : سِني َ ح ِ م ْ ْ
شَرى ل ِل ُ موا وَب ُ ْ َ َ
ن ظل ُ ذي َ ّ
أي :فصيحا بينا واضحا } ،ل ِي ُن ْذَِر ال ِ
مشتمل على الّنذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين.
موا { تقدم تفسيرها في سورة قا ُست َ َما ْ ه ثُ ّ ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ ذي َن ال ّ ِ وقوله } :إ ِ ّ
"حم ،السجدة"(4) .
ن { على حَزُنو َ م يَ ْ م { أي :فيما يستقبلون َ } ،ول هُ ْ َ
ف عَلي ْهِ ْ خو ْ ٌ وقوله َ } :فل َ
ن { أي : ُ َ ْ َ َ َ ُ
ملو َ ما كاُنوا ي َعْ َ جَزاًء ب ِ َ ن ِفيَها َ دي َ
خال ِ ِ جن ّةِ َ ب ال َ حا ُ ص َ ما خلفوا } ،أولئ ِك أ ْ
سُبوغها ) (5عليهم. العمال سبب لنيل الرحمة لهم و ُ
__________
) (1في ت ،م " :إليه".
) (2في أ " :الكبر بطر".
) (3رواه مسلم في صحيحه برقم ) (91من حديث عبد الله بن مسعود ،
رضي الله عنه.
) (4راجع تفسير هذه الية عند الية 30 :من سورة السجدة.
) (5وشيوعها".
) (7/279
) (7/279
ورواه مسلم وأهل السنن إل ابن ماجه ،من حديث شعبة بإسناده ،نحوه
وأطول منه ).(1
ها { أي :قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعبا ،من ه ك ُْر ً } حمل َت ُ
م ُهأ ّ َ َ ْ ُ
حام وغشيان وثقل وكرب ،إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب وِ َ
ها { أي :بمشقة أيضا من الطلق وشدته ، ُ
ه كْر ً ضعَت ْ ُ والمشقة } ،وَوَ َ
شهًْرا { ن َ َ ثو ُ ثل َ صال ُ ُ
ه ه وَفِ َ مل ُ ُ
ح ْ } وَ َ
صال ُ ُ
ه وقد استدل علي ،رضي الله عنه ،بهذه الية مع التي في لقمان } :وَفِ َ
ن ن َ َ عامين { ]لقمان ، [14 :وقوله } :وال ْوال ِدات يرضع َ
حوْلي ْ ِ ن أْولد َهُ ّ َ َ َ ُ ُْ ِ ْ َ
َ َ ِفي َ َ ْ ِ
ة { ]البقرة ، [233 :على أن أقل مدة ضاعَ َ
م الّر َ ن ي ُت ِ ّ ن أَراد َ أ ْ م ْ ن لِ َ كا ِ َ َ
ملي ْ ِ
الحمل ستة أشهر ،وهو استنباط قوي صحيح .ووافقه عليه عثمان وجماعة
من الصحابة ،رضي الله عنهم.
ة
ج َ سْيط ،عن ب َعْ َ قال محمد بن إسحاق بن يسار ،عن يزيد بن عبد الله بن قُ َ
جهَْينة ،فولدت له ) (2بن عبد الله الجهني قال :تزوج رجل منا امرأة من ُ
لتمام ستة أشهر ،فانطلق زوجها إلى عثمان فذكر ذلك له ،فبعث إليها ،
فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها ،فقالت :ما يبكيك ؟! فوالله ما التبس
بي أحد من خلق الله غيره قط ،فيقضي الله في ما شاء .فلما أتي بها
عثمان أمر برجمها ،فبلغ ذلك عليا فأتاه ،فقال له :ما تصنع ؟ قال :ولدت
تماما لستة أشهر ،وهل يكون ذلك ؟ فقال له ]علي[ ) (3أما تقرأ القرآن ؟
شهًْرا { ن َ ه َثلُثو َ صال ُ ُ مل ُ ُ
ه وَفِ َ ح ْ
قال :بلى .قال :أما سمعت الله يقول } :وَ َ
ن { ) ، (4فلم نجده بقي إل ستة كا ِ َن َ ن[ َ َ وقال ] } :يرضع َ
ملي ْ ِ حوْلي ْ ِ ن أْولد َهُ ّ ُْ ِ ْ َ
أشهر ،قال :فقال عثمان :والله ما فطنت لهذا ،علي بالمرأة فوجدوها قد
ة :فوالله ما الغراب بالغراب ،ول البيضة بالبيضة فُرِغ َ منها ،قال :فقال ب َعْ َ
ج ُ
بأشبه منه بأبيه .فلما رآه أبوه قال :ابني إني والله ل أشك فيه ،قال :وأبله
) (5الله بهذه القرحة قرحة الكلة ،فما زالت تأكله حتى مات ).(6
ن
دي َ ْ
ل الَعاب ِ ِ رواه ابن أبي حاتم ،وقد أوردناه من وجه آخر عند قوله } :فَأ ََنا أ َوّ ُ
{ ]الزخرف .[81 :
مغَْراء ،حدثنا علي بن وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا فَْرَوة بن أبي ال َ
رمة ،عن ابن عباس ) (7قال :إذا عك ْ ِ
سَهر ،عن داود بن أبي هند ،عن ِ م ْ ِ
وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرون شهرا ،وإذا
وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلثة وعشرون شهًرا ،وإذا وضعته
ه َثلثو َ
ن ُ صال ُ ُ
ه وَفِ َ مل ُ ُ
ح ْ لستة أشهر فحولين كاملين ؛ لن الله تعالى يقول } :وَ َ
شهًْرا { َ
َ حّتى إ َِذا ب َل َغَ أ َ ُ
ة { أي : سن َ ً شد ّه ُ { أي :قوى وشب وارتجل } وَب َل َغَ أْرب َِعي َ
ن َ } َ
تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه .ويقال :إنه ل يتغير غالبا عما يكون عليه ابن
الربعين.
__________
) (1مسند الطيالسي برقم ) (208وصحيح مسلم يرقم ) (1748وسنن أبي
داود برقم ) (2740وسنن الترمذي برقم ) (3079والنسائي في السنن
الكبرى برقم ) (11196لكن النسائي لم يرو الشاهد هنا وإنما روى أوله.
) (2في ت ،أ " :معمر".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4زيادة من أ.
) (5في ت ،م ،أ " :وابتله".
) (6ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور للسيوطي
.(07/441
) (7في ت " :عن عكرمة وروى عن ابن عباس".
) (7/280
قال أبو بكر بن عياش ،عن العمش ،عن القاسم بن عبد الرحمن قال :
ت الربعين ،فَ ُ
خذ ْ قلت لمسروق :متى يؤخذ الرجل بذنوبه ؟ قال :إذا ب َل َغْ َ
حذرك.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي :حدثنا عَُبيد الله القواريري ،حدثنا عَْزَرة
بن قيس الزدي -وكان قد بلغ مائة سنة -حدثنا أبو الحسن السلولي )(1
عنه وزادني ) (2قال :قال محمد بن عمرو بن عثمان ،عن عثمان ،عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " :العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف
الله حسابه ،وإذا بلغ ) (3ستين سنة رزقه الله النابة إليه ،وإذا بلغ سبعين
سنة أحّبه أهل السماء ،وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله حسناته ومحا سيئاته ،
فعه الله في وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،وش ّ
أهل بيته ،وكتب في السماء :أسير ) (4الله في أرضه" ).(5
وقد روي هذا من غير هذا الوجه ،وهو في مسند المام أحمد ).(7) (6
وقد قال الحجاج بن عبد الله الحكمي أحد أمراء بني أمية بدمشق :تركت
المعاصي والذنوب أربعين سنة حياء من الناس ،ثم تركتها حياء من الله ،عز
وجل.
وما أحسن قول الشاعر :
ُ
عله ُ قال للباطل :ابطل )(8 ما َ ه ...فل ّ س ُ
ب رأ َ شي ُ عل ال ّ حتى َ صَبا َ صَبا ما َ َ
ي َ ل َ ع ت م ع نَ أ تيِ ّ لا َ
ك ت م عِ ن ر ُ ك ْ
ش َ أ ن َ أ } ألهمني : أي { ني ِ ْ ع ز وَ أ ب ر َ
ل قا َ }
ّ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ ْ ِ ّ َ
ح ِلي َ م َ َ َ َ
صل ِ ْ ضاه ُ { أي :في المستقبل } ،وَأ ْ حا ت َْر َ
صال ِ ًل َ ن أعْ َ وَعَلى َوال ِد َيّ وَأ ْ
ن{ مي َ سل ِ ِم ْ ْ
ن ال ُ م َك وَإ ِّني ِ َ
ت إ ِلي ْ َ ِفي ذ ُّري ِّتي { أي :نسلي وعقبي } ،إ ِّني ت ُب ْ ُ
وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الربعين أن يجدد التوبة والنابة إلى الله ،عز وجل ،
ويعزم عليها.
وقد روى أبو داود في سننه ،عن ابن مسعود ،رضي الله عنه ،أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد " :اللهم ،ألف
بين قلوبنا ،وأصلح ذات بيننا ،واهدنا سُبل ) (9السلم ،ونجنا من الظلمات
إلى النور ،وجّنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ،وبارك لنا في أسماعنا
وأبصارنا وقلوبنا ،وأزواجنا ،وذرياتنا ،وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ،
واجعلنا شاكرين لنعمتك ،مثنين بها قابليها ،وأتممها علينا" ).(10
ل عَنه َ قال الله تعالى ُ } :أول َئ ِ َ
مُلوا وَن ََتجاوَُز عَ ْ
ن ما عَ ِ
ن َس َ
ح َ
مأ ْقب ّ ُ ْ ُ ْن ن َت َ َ
ذي َك ال ّ ِ
م { أي :هؤلء المتصفون بما ذكرنا ،التائبون إلى الله المنيبون إليه ، سي َّئات ِهِ ْ
َ
المستدركون ما فات بالتوبة والستغفار ،هم الذين يتقبل عنهم أحسن ما
عملوا ،ويتجاوز عن سيئاتهم ،فيغفر لهم الكثير من الزلل ،ويتقبل منهم
َ
جن ّةِ { أي :هم في جملة أصحاب ب ال ْ َ حا ِ ص َ
اليسير من العمل ِ } ،في أ ْ
الجنة ،وهذا حكمهم عند الله كما وعد
__________
) (1في م ،أ " :أبو الحسن الكوفي -عمر بن أوس".
) (2في ت " :وروى الحافظ".
) (3في ت ،م " :رزقه".
) (4في ت ،م ،أ " :أمين".
) (5قال الهيثمي في المجمع )" : (10/205رواه أبو يعلى في الكبير وفيه
عزرة بن قيس الزدي ،وهو ضعيف".
) (6في ت " :وهذا الحديث في مسند المام أحمد".
) (7رواه المام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ،المسند )
.(3/218
) (8في ت ،م ،أ " :أبعد".
) (9في ت " :سبيل".
) (10سنن أبي داود برقم ).(969
) (7/281
ن{ دو َ كاُنوا ُيوعَ ُ ذي َ ق ال ّ ِصد ْ ِالله من تاب إليه وأناب ؛ ولهذا قال } :وَعْد َ ال ّ
مر بن سليمان ، معْت َ ِ قال ) (1ابن جرير :حدثني يعقوب بن إبراهيم ،حدثنا ال ُ
ريف ،عن جابر بن زيد ،عن ابن عباس )، (2 عن الحكم بن أبان ،عن الغط ْ ِ
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،عن الروح المين ،عليه ) (3السلم ،
قال " :يؤتى ) (4بحسنات العبد وسيئاته ) ، (5فيقتص ) (6بعضها ببعض ،
دث ت على يزداد فَ ُ
ح ّ فإن بقيت حسنة وسع الله له في الجنة" قال :فدخل ُ
ن ذي ّ ل ا كَ ِ ئَ ل ُ
أو } : قال بمثل هذا الحديث قال :قلت :فإن ذهبت الحسنة ؟
ِ َ
َ ل عَنه َ
جن ّةِ وَعْد َ ب ال ْ َ حا ِ ص َ م ِفي أ ْ سي َّئات ِهِ ْ مُلوا وَن ََتجاوَُز عَ ْ
ن َ ما عَ ِن َ س َ
ح َ مأ ْقب ّ ُ ْ ُ ْ ن َت َ َ
ن { ).(7 دو َ ذي َ
كاُنوا ُيوعَ ُ ق ال ّ ِ
صد ْ ِ
ال ّ
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ،عن أبيه ،عن محمد بن عبد العلى الصنعاني ،
عن المعتمر بن سليمان ،بإسناده مثله -وزاد عن الروح المين .قال :قال
الرب ،جل جلله :يؤتى بحسنات العبد وسيئاته ...فذكره ،وهو حديث غريب
،وإسناد ٌ جيد ل بأس به.
معَْبد ،حدثنا عمرو بن وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا سليمان بن َ
حشية ، عاصم الكلئي ،حدثنا أبو عوانة ،عن أبي بشر ) (8جعفر بن أبي وَ ْ
عن يوسف بن سعد ) ، (9عن محمد بن حاطب قال :ونزل في داري حيث
ت أمير المؤمنين عليا ظهر علي على أهل البصرة ،فقال لي يوما :لقد شهد ُ
،وعنده عمارا وصعصعة والشتر ومحمد بن أبي بكر ،فذكروا عثمان فنالوا
منه ،وكان علي ،رضي الله عنه ،على السرير ،ومعه عود في يده ،فقال
قائل منهم :إن عندكم من يفصل بينكم فسألوه ،فقال علي :كان عثمان
ل عَنه َ من الذين قال الله ُ } :أول َئ ِ َ
نمُلوا وَن ََتجاوَُز عَ ْ
ما عَ ِ
ن َ س َ
ح َمأ ْقب ّ ُ ْ ُ ْ ن ن َت َ َ ك ال ّ ِ
ذي َ
َ
ن { قال :والله دو َ ذي َ
كاُنوا ُيوعَ ُ ق ال ّ ِ
صد ْ ِ جن ّةِ وَعْد َ ال ّ ب ال ْ َ
حا ِ
ص َ سي َّئات ِهِ ْ
م ِفي أ ْ َ
عثمان وأصحاب عثمان -قالها ثلثا -قال يوسف :فقلت لمحمد بن حاطب :
ي ؟ قال :آلله لسمعت هذا من علي ،رضي الله آلله لسمعت هذا من عل ّ
عنه.
__________
) (1في ت " :وروى".
) (2في ت " :ابن عباس رضي الله عنه".
) (3في م " :عليهما".
) (4في ت " :تؤتى".
) (5في أ " :وسيئاته يوم القيامة".
) (6في أ " :فيقبض".
) (7تفسير الطبري ) (26/12ورواه أبو نعيم في الحلية ) (3/91من طريق
معتمر بن سليمان به ،وقال أبو نعيم " :هذا حديث غريب من حديث جابر ،
والغطويف تفرد به عنه الحكم بن أبان العدني".
) (8في أ " :بشير".
) (9في ت " :وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
) (7/282
) (7/283
ذي سّنة هرقل وقيصر .فقال مروان :هذا الذي أنزل الله فيه َ } :وال ّ ِ بكر ُ :
ما { الية ،فبلغ ذلك عائشة فقالت :كذب مروان! والله ُ َ ُ َقا َ
ف لك َوال ِد َي ْهِ أ ّ
ل لِ َ
ما هو به ،ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته ،ولكن رسول الله
ض )(1 ض ٌ ن في صلبه ،فمروان فَ َ صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروا ُ
من لعنة الله ).(2
ن ْ َ َ ُ َ َ
م ْن ِ قُرو ُ ت ال ُ خل ِ ج { أي ] :أن[ ) (3أبعث } وَقد ْ َ
خَر َ
نأ ْدان ِِني أ ْ
وقوله } :أت َعِ َ
نست َِغيَثا ِ ما ي َ ْقَب ِْلي { أن ) (4قد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر } ،وَهُ َ
ن وَعْد َ ن إِ ّ م ْكآ ِ ه { أي :يسألن الله فيه أن يهديه ويقولن لولدهما } :وَي ْل َ َ الل ّ َ
ُ
ن { قال الله ]تعالى[ ) } (5أول َئ ِ َ َ
ك طيُر الوِّلي َ سا ِ ذا ِإل أ َ ما هَ َ ل َ قو ُ حقّ فَي َ ُ الل ّهِ َ
ُ
م
س إ ِن ّهُ ْ ن َوالن ْ ِ ج ّ ن ال ْ ِ م َم ِ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ت ِ خل َ ْمم ٍ قَد ْ َ ل ِفي أ َ قو ْ ُم ال ْ َحقّ عَل َي ْهِ ُ ن َ ذي َ ال ّ ِ
ن { أي :دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين ري َ س ِخا ِ كاُنوا َ َ
الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
ل { دليل على ما ذكرناه من أنه ذي َقا َ وقوله } :أولئك { بعد قوله َ } :وال ّ ِ
جنس يعم كل من كان كذلك.
وقال الحسن وقتادة :هو الكافر الفاجر العاق لوالديه ،المكذب بالبعث.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة سهل بن داود ،من طريق هشام
بن عمار :حدثنا حماد بن عبد الرحمن ،حدثنا خالد بن الزبرقان الحلبي ،عن
سليمان بن حبيب المحاربي ،عن أبي أمامة الباهلي ،عن النبي صلى الله
ت عليهم َ
من ْ عليه وسلم قال " :أربعة لعنهم الله من فوق عرشه ،وأ ّ
الملئكة :مضل المساكين -قال خالد :الذي يهوي بيده إلى المسكين
فيقول :هلم أعطيك ،فإذا جاءه قال :ليس معي شيء -والذي يقول
للمكفوف :اتق الدابة ،وليس بين يديه شيء .والرجل يسأل عن دار القوم
فيدلونه على غيرها ،والذي يضرب الوالدين حتى يستغيثا" ) .(6غريب جدا.
مُلوا { أي :لكل عذاب بحسب عمله ، ما عَ ِ م ّ ت ِ جا ٌ ل د ََر َ وقوله } :وَل ِك ُ ّ
} ول ِيوفّيه َ
ن { أي :ل يظلمهم مثقال ذرة فما دونها. مو َ م ل ي ُظ ْل َ ُ م وَهُ ْ مال َهُ ْ م أعْ َ َ ُ َ َُ ْ
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :درجات النار تذهب سفال ودرجات الجنة
تذهب علوا.
َ َ َ ّ
حَيات ِك ُ ُ
م م ِفي َ م طي َّبات ِك ُ ْ فُروا عَلى الّنارِ أذ ْهَب ْت ُ ْ ن كَ َ ذي َ ض ال ِ م ي ُعَْر ُ وقوله } :وَي َوْ َ
م ب َِها { أي :يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا .وقد تورع ]أمير مت َعْت ُ ْست َ ْالد ّن َْيا َوا ْ
المؤمنين[ ) (7عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه ،عن ) (8كثير من طيبات
المآكل والمشارب ،وتنزه عنها ،ويقول ] :إني[ ) (9أخاف أن أكون كالذين
َ
م
مت َعْت ُ ْست َ ْ
م الد ّن َْيا َوا ْ حَيات ِك ُ ُ م ِفي َ م ط َي َّبات ِك ُ ْقال الله تعالى لهم وقَّرعهم } :أذ ْهَب ْت ُ ْ
ب َِها {
__________
) (1في أ " :بعض".
) (2النسائي في السنن الكبرى برقم ).(11491
) (3زيادة من ت.
) (4في ت ،أ " :أي".
) (5زيادة من ت ،م.
) (6مختصر تاريخ دمشق لبن منظور ) (10/221ورواه الطبراني في
المعجم الكبير ) (4/251من طريق هشام بن عمار به .قال ابن أبي حاتم في
العلل )" : (2/413سألت أبي عن هذا الحديث فقال :هذا حديث منكر" .قال
الهيثمي في المجمع )" : (4/251حماد بن عبد الرحمن العكي عن خالد بن
الزبرقان ،وكلهما ضعيف".
) (7زيادة من ت ،م ،أ.
) (8في أ " :على".
) (9زيادة من ت ،م ،أ.
) (7/284
سنات كانت لهم في الدنيا ،فيقال لهم } : ح َ م َن أقوا ٌ قد َ ّجَلز :ليتف ّ م ْ
وقال أبو ِ
َ
م الد ّن َْيا { ُ
حَيات ِك ُ م ِفي َ م ط َي َّبات ِك ْ
ُ أذ ْهَب ْت ُ ْ
ر
ض ب ِغَي ْ ِ ست َك ْب ُِرو َ
ن ِفي الْر ِ ما ك ُن ْت ُ ْ
م تَ ْ ب ال ُْهو ِ
ن بِ َ ذا َن عَ َ جَزوْ َ م تُ ْ وقوله َ } :فال ْي َوْ َ
ن { فجوزوا من جنس عملهم ،فكما ن َّعموا أنفسهم قو َ س ُف ُ م تَ ْما ك ُن ْت ُ ْحقّ وَب ِ َ ال ْ َ
واستكبروا عن اتباع الحق ،وتعاطوا الفسق والمعاصي ،جازاهم الله بعذاب
الهون ،وهو الهانة والخزي واللم الموجعة ،والحسرات المتتابعة والمنازل
في الدركات المفظعة ،أجارنا الله من ذلك كله.
) (7/285
) (7/285
ج ُ
ل ست َعْ ِ استعجلوا عذاب الله وعقوبته ،استبعاًدا منهم وقوعه ،كقوله } :ي َ ْ
ن ب َِها { ]الشورى .[18 : مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َ ب َِها ال ّ ِ
عن ْد َ الل ّهِ { ) (1أي :الله أعلم بكم إن كنتم مستحقين م ِ ما ال ْعِل ْ ُ ل إ ِن ّ َ } َقا َ
لتعجيل العذاب فيفعل ) (2ذلك بكم ،وأما أنا فمن شأني أني أبلغكم ما
َ
ن { أي :ل تعقلون ول تفهمون. جهَُلو َ ما ت َ ْم قَوْ ً أرسلت به } ،وَل َك ِّني أَراك ُ ْ
قب َ َ ما َرأ َوْه ُ َ
م { أي :لما رأوا العذاب ل أوْدِي َت ِهِ ْ ست َ ْ ِ
م ْ ضا ُ عارِ ً قال الله تعالى } :فَل َ ّ
مستقبلهم ،اعتقدوا أنه عارض ممطر ،ففرحوا واستبشروا به ) ، (3وقد
مجل ْت ُ ْست َعْ َ ما ا ْ ل هُوَ َ كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر ،قال الله تعالى } :ب َ ْ
ْ َ
ن
ما ت َعِد َُنا إ ِ ْ م { أي :هو العذاب الذي قلتم } :فَأت َِنا ب ِ َ ب أِلي ٌ ذا ٌ ح ِفيَها عَ َ ب ِهِ ِري ٌ
ن{ صادِِقي َ ن ال ّ م َ ت ِ ك ُن ْ َ
يٍء { من بلدهم ،مما من شأنه الخراب ش ْ ل َ مُر { أي :تخرب } ك ُ ّ } ت ُد َ ّ
َ ن َ َ
تيٍء أت َ ْ ش ْ م ْ ما ت َذ َُر ِ مرِ َرب َّها { أي :بإذن الله لها في ذلك ،كقوله َ } : } ب ِأ ْ
ميم ِ { ]الذاريات [42 :أي :كالشيء البالي .ولهذا قال : كالّر ِ ه َ جعَل َت ْ ُعَل َي ْهِ ِإل َ
َ
م { أي :قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق ساك ِن ُهُ ْ م َ حوا ل ي َُرى ِإل َ صب َ ُ } فَأ ْ
ن { أي :هذا حكمنا فيمن كذب مي َ جرِ ِ م ال ْ ُ
م ْ قو ْ َزي ال ْ َ ج ِ ك نَ ْ لهم باقية } ،ك َذ َل ِ َ
رسلنا ،وخالف أمرنا.
دا من غرائب الحديث وأفراده ،قال وقد ورد حديث في قصتهم وهو غريب ج ً
المام أحمد :
حَباب ،حدثني أبو المنذر سلم بن سليمان النحوي قال : حدثنا زيد بن ال ُ
جود ،عن أبي وائل ،عن الحارث البكري قال : حدثنا عاصم بن أبي الن ّ ُ
خرجت أشكو العلء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ذة ،فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها ،فقالت لي :يا عبد فمررت بالَرب ْ َ
الله ،إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة ،فهل أنت مبلغي
إليه ؟ قال :فحملتها فأتيت بها المدينة ،فإذا المسجد غاص بأهله ،وإذا راية
سوداء تخفق ،وإذا بلل متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فقلت :ما شأن الناس ؟ قالوا :يريد أن يبعث عمرو بن العاص
وجها .قال :فجلست ،فدخل منزله -أو قال :رحله -فاستأذنت عليه ،فأذن
لي ،فدخلت فسلمت ،فقال " :هل كان بينكم وبين تميم شيء ؟ قلت :نعم
،وكانت لنا الدبرة ) (4عليهم ،ومررت بعجوز من بني تميم منقطع ،بها
فسألتني أن أحملها إليك ،وها هي بالباب :فأذن لها فدخلت ،فقلت :يا
رسول الله ،إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل الدهناء ،
فحميت العجوز واستوفزت ،وقالت :يا رسول الله ،فإلى أين يضطر
فها" ، مَلت َ
حت ْ َ ح َ معَْزى َ مضطرك ؟ قال :قلت :إن مثلي ما قال الول ِ " :
حملت هذه ول أشعر أنها كانت لي خصما ،أعوذ بالله ورسوله أن أكون
كوافد عاد .قال " :هيه ،وما وافد عاد ؟" -وهو أعلم بالحديث منه ،ولكن
دا لهم يقال له َ :قيل ،فمر
يستطعمه ) - (5قلت :إن عاًدا قحطوا فبعثوا واف ً
بمعاوية بن بكر ،فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما
مْهرة فقال :اللهم ، "الجرادتان" -فلما مضى الشهر خرج إلى جبال َ
__________
) (1في م " :وقال" وهو خطأ.
) (2في م ،أ " :فسيفعل".
) (3في م ،ت " :ففرحوا به واستبشروا به".
) (4في ت ،أ " :الدائرة".
) (5في أ " :يستعظمه".
) (7/286
إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه ،ول إلى أسير فأفاديه ،اللهم اسق
عادا ما كنت تسقيه .فمرت به سحابات سود ،فنودي منها " :اختر" ،فأومأ
إلى سحابة منها سوداء ،فنودي منها " :خذها رماًدا رمدًدا ) ، (1ل تبقي من
عاد أحدا" .قال :فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إل كقدر ما يجري في
خاتمي هذا ،حتى هلكوا -قال أبو وائل :وصدق -وكانت المرأة والرجل إذا
دا لهم قالوا " :ل تكن كوافد عاد". بعثوا واف ً
رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ،كما تقدم في سورة "العراف" ).(2
وقال المام أحمد :حدثنا هارون بن معروف ،أخبرنا ابن وهب ،أخبرنا عمرو
:أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار ،عن عائشة ) (3أنها قالت :ما
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمًعا ضاحكا حتى أرى منه
لهواته ،إنما كان يتبسم .قالت :وكان ) (4إذا رأى غيما -أو ريحا -عرف
ذلك في وجهه ،قالت :يا رسول الله ،الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن
يكون فيه المطر ،وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية ؟ فقال " :يا
عائشة ،ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ،قد عذب قوم بالريح ،وقد رأى قوم
العذاب فقالوا :هذا عارض ممطرنا" .وأخرجاه ) (5من حديث ابن وهب ).(6
طريق أخرى :قال أحمد :حدثنا عبد الرحمن ،عن سفيان ،عن المقدام بن
شريح ،عن أبيه ،عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا
رأى ناشئا في أفق من آفاق السماء ،ترك عمله ،وإن كان في صلته ،ثم
يقول " :اللهم ،إني أعوذ بك من شر ما فيه" ) .(7فإن كشفه الله حمد
الله ،وإن أمطرت قال " :اللهم ،صيبا نافعا" ).(8
طريق أخرى :قال مسلم في صحيحه :حدثنا أبو الطاهر ،أخبرنا ابن وهب ،
سمعت ابن جريج يحدث عن عطاء بن أبي رباح ،عن عائشة قالت :كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال " :اللهم ،إني أسألك
خيرها ،وخير ما فيها ،وخير ما أرسلت به ،وأعوذ بك من شرها ،وشر ما
خّيلت السماء تغير لونه ،وخرج فيها ،وشر ما أرسلت به" .قالت :وإذا ت َ َ
ودخل ،وأقبل وأدبر ،فإذا مطرت سري عنه ،فعرفت ذلك عائشة ،
ضا ما َرأ َوْه ُ َ
عارِ ً فسألته ،فقال " :لعله يا عائشة كما قال قوم عاد } :فَل َ ّ
مط ُِرَنا { ).(9 م َقاُلوا هَ َ قب َ َ
م ْ
ض ُ
عارِ ٌ
ذا َ ل أوْدِي َت ِهِ ْ ست َ ْ ِ
م ْ
ُ
وقد ذكرنا قصة هلك عاد ) (10في سورتي "العراف وهود" ) (11بما أغنى
عن إعادته هاهنا ،ولله
__________
) (1في ت " :رمدا".
) (2المسند ) (3/482وانظر تخريج بقية هذا الحديث عند الية 73 :من
سورة العراف.
) (3في ت " :عائشة رضي الله عنها".
) (4في ت ،م " :وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم".
) (5في ت " :أخرجه".
) (6المسند ) (6/66وصحيح البخاري برقم ) (4829 ، 4828وصحيح مسلم
برقم ).(899
) (7في م " :من سوء عاقبته".
) (8المسند ).(6/190
) (9صحيح مسلم برقم ).(899
) (10في ت ،م ،أ " :هلك قوم عاد".
) (11راجع قصة هلك قوم عاد عند تفسير اليات 72 - 65 :من سورة
العراف واليات 60 - 50 :من سورة هود.
) (7/287
الحمد والمنة.
وقال الطبراني :حدثنا عبدان بن أحمد ،حدثنا إسماعيل بن زكريا الكوفي ،
حدثنا أبو مالك ،عن مسلم الملئي ،عن مجاهد وسعيد بن جبير ) ، (1عن
ابن عباس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ما فتح على عاد
من الريح إل مثل موضع الخاتم ،ثم أرسلت عليهم ]فحملتهم[ البدو إلى
الحضر فلما رآها أهل الحضر قالوا :هذا عارض ممطرنا مستقبل أوديتنا.
وكان أهل البوادي فيها ،فألقى أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا.
قال :عتت على خزانها حتى خرجت من خلل البواب ).(3) " (2
َ َ
ما صاًرا وَأفْئ ِد َة ً فَ َ مًعا وَأب ْ َ س ْ م َ جعَل َْنا ل َهُ ْ م ِفيهِ وَ َ مك ّّناك ُ ْ ن َ ما إ ِ ْ م ِفي َ مك ّّناهُ ْ قد ْ َ } وَل َ َ
يٍء إ ِذ ْ َ َ َ َ
ت
ن ِبآَيا ِ دو َ ح ُ ج َ كاُنوا ي َ ْ ش ْ ن َ م ْ م ِ م َول أفْئ ِد َت ُهُ ْ صاُرهُ ْ م َول أب ْ َ معُهُ ْ س ْ م َ أغَْنى عَن ْهُ ْ
ن ال ْ ُ كانوا به يستهزُئون ) (26ول َ َ َ
قَرى م َ م ِ حوْل َك ُ ْ ما َ قد ْ أهْل َك َْنا َ َ ما َ ُ ِ ِ َ ْ َ ْ ِ َ م َ حاقَ ب ِهِ ْ الل ّهِ وَ َ
ن الل ّ ِ
ه ن ُدو ِ م ْ ذوا ِ خ ُ ن ات ّ َ م ال ّ ِ
ذي َ صَرهُ ُ ول ن َ َ ن ) (27فَل َ ْ جُعو َ م ي َْر ِ ت ل َعَل ّهُ ْ صّرفَْنا الَيا ِ وَ َ
ن ).{ (28 رو
ُ َ َُ َت ْ ف ي نوا َ
كا ما و م هُ ك
َُْ ْ َ ِ ِ ُ ْ َ َ ْ ف إ َ
ك لَ ذ و م هن ع لوا ّ ض
َ لْ قُْر َ ً ِ َ ً َ
ب ة هل آ نا با
يقول تعالى :ولقد مكنا المم السالفة في الدنيا من الموال والولد ،
مًعا س ْ م َ جعَل َْنا ل َهُ ْ وأعطيناهم منها ) (4ما لم نعطكم مثله ول قريبا منه } ،وَ َ
َ َ َ َ َ
يٍء إ ِذ ْش ْ ن َ م ْ م ِ م َول أفْئ ِد َت ُهُ ْ صاُرهُ ْ م َول أب ْ َ معُهُ ْ س ْ م َ ما أغَْنى عَن ْهُ ْ صاًرا وَأفْئ ِد َة ً فَ َ وَأب ْ َ
ن { أي :وأحاط بهم ست َهْزُِئو َ كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ ما َ م َ حاقَ ب ِهِ ْ ت الل ّهِ وَ َ ن ِبآَيا ِ دو َ ح ُ ج َ كاُنوا ي َ ْ َ
العذاب والنكال الذي كانوا يكذبون به ويستبعدون وقوعه ،أي :فاحذروا أيها
المخاطبون أن تكونوا مثلهم ،فيصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب في الدنيا
والخرة.
قَرى { يعني :أهل مكة ،قد أهلك ْ
ن ال ُ ُ َ ْ َ َ َ
م َ
م ِ حوْلك ْ ما َ قد ْ أهْلكَنا َ وقوله } :وَل َ
الله المم المكذبة بالرسل مما حولها كعاد ،وكانوا بالحقاف بحضرموت عند
اليمن وثمود ،وكانت منازلهم بينهم وبين الشام ،وكذلك سبأ وهم أهل اليمن
،ومدين وكانت في طريقهم وممرهم إلى غزة ،وكذلك بحيرة قوم لوط ،
كانوا يمرون بها أيضا.
ول َ
ن فَل ْجُعو َ
م ي َْر ِ ّ َ
ت { أي :بيناها ووضحناها } ،لعَلهُ ْ صّرفَْنا الَيا ِ وقوله } :وَ َ
ن اللهِ قُْرَباًنا آل َِهة { أي :فهل نصروهم عند ّ ن ُدو ِ م ْذوا ِ خ ُ
ن ات ّ َ ذي َم ال ّ ِ صَرهُ ُنَ َ
م { أي :بل ذهبوا عنهم أحوج ما كانوا إليهم ضلوا عَن ْهُ ْ ّ ل َ احتياجهم إليهم } ،ب َ ْ
ن { أي :وافتراؤهم في فت َُرو َ َ
ما كاُنوا ي َ ْ م { أي :كذبهم } ،وَ َ ك إ ِفْك ُهُ ْ } ،وَذ َل ِ َ
اتخاذهم إياهم آلهة ،وقد خابوا وخسروا في عبادتهم لها ،واعتمادهم عليها.
__________
) (1في ت " :وروى الطبراني بإسناده".
) (2في ت " :البيوت".
) (3المعجم الكبير ) ، (12/42قال الهيثمي في المجمع )" : (7/113فيه
مسلم الملئي وهو ضعيف".
) (4في ت " :فيها".
) (7/288
َ
صُتوا ضُروهُ َقاُلوا أن ْ ِ ح َ
ما َ ن فَل َ ّ قْرآ َ َ ن ال ْ ُ مُعو َ ست َ ِ ن يَ ْ ج ّ ن ال ْ ِ م َ فًرا ِ ك نَ َ صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ وَإ ِذ ْ َ
ُ ُ َ ّ
معَْنا ك َِتاًبا أن ْزِ َ
ل س ِ مَنا إ ِّنا َ ن )َ (29قالوا َيا قَوْ َ من ْذِِري َ م ُ مهِ ْ وا إ ِلى قَوْ ِ ي وَل ْ ض َ ما قُ ِ فَل َ ّ
قيم ٍ ) ست َ ِ م ْق ُ ري ٍ حقّ وَإ َِلى ط َ ِ دي إ َِلى ال ْ َ ن ي َد َي ْهِ ي َهْ ِ ما ب َي ْ َ صد ًّقا ل ِ َ م َ سى ُ
َ
مو َ ن ب َعْد ِ ُ م ْ ِ
ُ ُ ُ َ َ ّ
ن
م ْ م ِ جْرك ْ م وَي ُ ِ ن ذ ُُنوب ِك ْ م ْ م ِ فْر لك ْ مُنوا ب ِهِ ي َغْ ِ ي اللهِ وَآ ِ ع َ جيُبوا َدا ِ مَنا أ ِ َ (30يا قَوْ َ
هَ َ َ ْ َ ّ َ َ
سل ُ ض وَلي ْ َ جزٍ ِفي الْر ِ معْ ِ س بِ ُ ي اللهِ فَلي ْ َ ع َ ب َدا ِ ج ْ ن ل يُ ِ م ْ ب أِليم ٍ ) (31وَ َ ذا ٍ عَ َ
ن )(32 َ َ َ ُ َ
مِبي ٍ ل ُ ضل ٍ ن ُدون ِهِ أوْل َِياُء أولئ ِك ِفي َ م ْ ِ
َ
صُتوا ضُروهُ َقاُلوا أن ْ ِ ح َ
ما َن فَل َ ّ قْرآ َ ن ال ْ ُ مُعو َ ست َ ِ ن يَ ْ ج ّ ن ال ْ ِ م َ فًرا ِ ك نَ َ صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ } وَإ ِذ ْ َ
ُ ُ َ ّ
لمعَْنا ك َِتاًبا أنز َ س ِ مَنا إ ِّنا َ ن )َ (29قالوا َيا قَوْ َ من ْذِِري َ م ُ مهِ ْ وا إ ِلى قَوْ ِ ي وَل ْ ض َ ما قُ ِ فَل َ ّ
قيم ٍ ) ست َ ِ م ْق ُ ري ٍ حقّ وَإ َِلى ط َ ِ دي إ َِلى ال ْ َ ن ي َد َي ْهِ ي َهْ ِ ما ب َي ْ َ صد ًّقا ل ِ َ م َ سى ُ
َ
مو َ ن ب َعْد ِ ُ م ْ ِ
نم ْ م ِ جْرك ْ ُ م وَي ُ ِ ُ
ن ذ ُُنوب ِك ْ م ْ م ِ ُ
فْر لك ْ َ مُنوا ب ِهِ ي َغْ ِ ي اللهِ َوآ ِ ّ ع َ جيُبوا َدا ِ مَنا أ ِ َ (30يا قَوْ َ
هَ َ َ ّ َ
سل ُ ض وَلي ْ َ جزٍ ِفي الْر ِ معْ ِ س بِ ُ ي اللهِ فَلي ْ َ ع َ ب َدا ِ ج ْ ن ل يُ ِ م ْ ب أِليم ٍ ) (31وَ َ ذا ٍ عَ َ
ن ).{ (32 َ َ ُ َ
مِبي ٍ ل ُ ضل ٍ ن ُدون ِهِ أول َِياُء أولئ ِك ِفي َ م ْ ِ
قال المام أحمد :حدثنا سفيان ،حدثنا عمرو :سمعت عكرمة ،عن الزبير :
ن { قال :بنخلة ،ورسول قْرآ َ ن ال ْ ُ مُعو َ ست َ ِ ن يَ ْ ج ّ ن ال ْ ِ م َ فًرا ِ ك نَ َ صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ } وَإ ِذ ْ َ
دا { ن عَلي ْهِ ل ِب َ ً َ ُ َ
الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء الخرة } ،كاُدوا ي َكوُنو َ
]الجن ، [19 :قال سفيان :اللبد :بعضهم على بعض ،كاللبد بعضه على
بعض ).(1
تفرد به أحمد ،وسيأتي من رواية ابن جرير ،عن عكرمة ،عن ابن عباس :
صيبين. أنهم سبعة من جن ن َ ِ
وقال المام أحمد :حدثنا عفان ،حدثنا أبو عوانة)ح( -وقال ) (2الحافظ أبو
بكر البيهقي في كتابه "دلئل النبوة" :أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن
عبدان ،أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ،حدثنا إسماعيل القاضي ،أخبرنا
مسدد ،حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر ،عن سعيد بن جبير ) ، (3عن ابن
عباس قال :ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ول رآهم ،
انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى
سوق عكاظ ،وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ،وأرسلت عليهم
الشهب ،فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا :ما لكم ؟ فقالوا :حيل بيننا
وبين خبر السماء ،وأرسلت علينا الشهب .قالوا :ما حال بينكم وبين خبر
السماء إل شيء حدث ،فاضربوا مشارق الرض ومغاربها وانظروا ما هذا
الذي حال بينكم وبين خبر السماء .فانطلقوا يضربون مشارق الرض
ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء ،فانصرف أولئك
النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهو
بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ ،وهو يصلي بأصحابه صلة الفجر ،فلما سمعوا
القرآن استمعوا له ،فقالوا :هذا -والله -الذي حال بينكم وبين خبر
السماء ،فهنالك حين رجعوا إلى قومهم ،قالوا :يا قومنا ،إنا سمعنا قرآنا
عجبا ،يهدي إلى الرشد فآمنا به ،ولن نشرك بربنا أحدا ،وأنزل الله على
حي إل َ َ نبيه ) } : (4قُ ْ ُ
ن { ]الجن ، [1 :وإنما ن ال ْ ِ
ج ّ م َ
فٌر ِ
مع َ ن َ َ
ست َ َ
ها ْي أن ّ ُ
ل أو ِ َ ِ ّ
أوحي إليه قول الجن.
دد بنحوه ،وأخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ ،عن س ّ
م َ
رواه البخاري عن ُ
أبي عوانة ،به .ورواه
__________
) (1المسند ).(1/167
) (2في م " :الحافظ الشهير".
) (3في ت " :وروى المام أحمد بإسناده".
) (4في ت ،م ،أ " :نبيه صلى الله عليه وسلم".
) (7/289
) (7/290
فهذا مع الول من رواية ابن عباس يقتضي أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم يشعر بحضورهم في هذه المرة وإنما استمعوا قراءته ،ثم رجعوا
إلى قومهم ثم بعد ذلك وفدوا إليه أرسال قوما بعد قوم ،وفوجا بعد فوج ،
كما سيأتي بذلك الخبار في موضعها والثار ،مما سنوردها ) (1هاهنا إن شاء
الله تعالى وبه الثقة.
فأما ما رواه البخاري ومسلم جميعا ،عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد
السرخسي ،عن أبي أسامة حماد بن أسامة ،عن مسعر بن كدام ،عن معن
بن عبد الرحمن قال :سمعت أبي قال :سألت مسروقا :من آذن النبي
صلى الله عليه وسلم ليلة استمعوا القرآن ؟ فقال :حدثني أبوك -يعني ابن
مسعود ) - (2أنه آذنته بهم شجرة ) - (3فيحتمل أن يكون هذا في المرة
الولى ،ويكون إثباتا مقدما على نفي ابن عباس ،ويحتمل أن يكون هذا في
بعض المرات المتأخرات ،والله أعلم .ويحتمل أن يكون في الولى ولكن لم
يشعر بهم حال استماعهم حتى آذنته بهم الشجرة ،أي :أعلمته باستماعهم ،
والله أعلم.
قال الحافظ البيهقي :وهذا الذي حكاه ابن عباس رضي الله عنهما ) ، (4إنما
هو في أول ما سمعت ) (5الجن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعلمت حاله ،وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم ،ثم بعد ذلك أتاه
داعي الجن فقرأ عليهم القرآن ،ودعاهم إلى الله ،عز وجل ،كما رواه عبد
الله بن مسعود ،رضي الله عنه ).(6
ذكر الرواية عنه بذلك :
قال المام أحمد :حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ،حدثنا داود عن الشعبي -
وابن أبي زائدة ،أخبرنا داود ،عن الشعبي ) - (7عن علقمة قال :قلت لعبد
الله بن مسعود :هل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن
منكم أحد ؟ فقال :ما صحبه منا أحد ،ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة ،فقلنا :
اغتيل ؟ استطير ؟ ما فعل ؟ قال :فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ،فلما كان
في وجه الصبح -أو قال :في السحر -إذا نحن به يجيء من قبل حراء ،
فقلنا :يا رسول الله -فذكروا له الذي كانوا فيه -فقال " :إنه أتاني داعي
الجن ،فأتيتهم فقرأت عليهم" .قال :فانطلق ،فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم -
قال :وقال الشعبي :سألوه الزاد -قال عامر :سألوه بمكة ،وكانوا من جن
الجزيرة ،فقال " :كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان
عليه لحما ،وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم -قال -فل تستنجوا بهما ،
فإنهما زاد إخوانكم من الجن".
وهكذا رواه مسلم في صحيحه ،عن علي بن حجر ،عن إسماعيل بن علية ،
به نحوه ).(8
وقال مسلم أيضا :حدثنا محمد بن المثنى ،حدثنا عبد العلى ،حدثنا داود -
وهو ابن أبي هند -عن عامر قال :سألت علقمة :هل كان ابن مسعود ،
رضي الله عنه ،شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة
__________
) (1في ت " :نوردها".
) (2في ت " :ابن مسعود رضي الله عنه".
) (3صحيح البخاري برقم ) (3859وصحيح مسلم برقم ).(450
) (4في م ،أ " :عنه".
) (5في أ " :ما استمعت".
) (6دلئل النبوة للبيهقي ).(2/227
) (7في ت " :فروى المام أحمد بسنده".
) (8المسند ) ، (1/436وصحيح مسلم برقم ).(450
) (7/291
الجن ؟ قال :فقال علقمة :أنا سألت ابن مسعود ؛ فقلت :هل شهد أحد
منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال :ل ولكنا كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الودية
والشعاب ،فقلنا :استطير ؟ اغتيل ؟ قال :فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ،
فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء ،قال :فقلنا :يا رسول الله ،فقدناك
فطلبناك فلم نجدك ،فبتنا بشر ليلة بات بها قوم .فقال " :أتاني داعي
الجن ،فذهبت معهم ،فقرأت عليهم القرآن" .قال :فانطلق بنا فأرانا آثارهم
وآثار نيرانهم ،وسألوه الزاد فقال " :كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في
أيديكم أوفر ما يكون لحما ،وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم" .قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " :فل تستنجوا بهما ،فإنهما طعام إخوانكم" ).(1
طريق أخرى عن ابن مسعود :قال أبو جعفر بن جرير :حدثني أحمد بن عبد
الرحمن ،حدثني عمي ،حدثني يونس ،عن الزهري ،عن عبيد الله بن عبد
الله ؛ أن بن مسعود قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"بت الليلة أقرأ على الجن ربعا ) (2بالحجون" ).(3
طريق أخرى :فيها أنه كان معه ليلة الجن ،قال ابن جرير رحمه الله :
حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ،حدثنا عمي عبد الله بن وهب ،
أخبرني يونس ،عن ابن شهاب ،عن أبي عثمان بن سنة الخزاعي -وكان
من أهل الشام ) - (4أن عبد الله بن مسعود قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لصحابه وهو بمكة " :من أحب منكم أن يحضر أمر الجن الليلة
فليفعل" .فلم يحضر منهم أحد غيري ،قال :فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة
خط لي برجله خطا ،ثم أمرني أن أجلس فيه ،ثم انطلق حتى قام ،فافتتح
القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه ،حتى ما أسمع صوته ،ثم
طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ،حتى بقي منهم رهط ،ففرغ
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفجر ،فانطلق فتبرز ،ثم أتاني
فقال " :ما فعل الرهط ؟" فقلت :هم أولئك يا رسول الله ،فأعطاهم عظما
وروثا زادا ،ثم نهى أن يستطيب أحد بروث أو عظم.
ورواه ابن جرير عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ،عن أبي زرعة وهب
الله بن راشد ،عن يونس بن يزيد اليلي ،به ).(5
ورواه البيهقي في الدلئل ،من حديث عبد الله بن صالح -كاتب الليث -عن
الليث ،عن يونس به ).(6
وقد روى إسحاق بن راهويه ،عن جرير ،عن قابوس بن أبي ظبيان ،عن
أبيه ،عن ابن مسعود ،فذكر نحو ما تقدم ).(7
__________
) (1صحيح مسلم برقم ).(450
) (2في م " :وقفا" ،وفي أ " :رفعا".
) (3تفسير الطبري ) (26/21ورواه أحمد في المسند ) (1/416من طريق
يونس عن الزهري ،به.
) (4في ت " :روى مسلم وروى ابن جرير بسنده".
) (5تفسير الطبري ).(26/21
) (6دلئل النبوة للبيهقي ) ، (2/330ورواه الحاكم في المستدرك )(2/503
من طريق عبد الله بن صالح به ،قال الذهبي " :هو صحيح عند جماعة".
) (7وفي إسناده قابوس بن أبي ظبيان ،ضعفه أبو حاتم والنسائي وأحمد ،
وقال ابن حبان " :ينفرد عن أبيه بما ل أصل له ،فربما رفع المرسل وأسند
الموقوف".
) (7/292
ورواه الحافظ أبو نعيم ،من طريق موسى بن عبيدة ،عن سعيد بن
الحارث ،عن أبي المعلى ) ، (1عن ابن مسعود فذكر نحوه أيضا ).(2
طريق أخرى :قال أبو نعيم :حدثنا أبو بكر بن مالك ،حدثنا عبد الله بن
أحمد بن حنبل ،حدثني أبي قال :حدثنا عفان وعكرمة قال حدثنا معتمر
قال :قال أبي :حدثني أبو تميمة ،عن عمرو -ولعله قد يكون قال :البكالي
-يحدثه عمرو ،عن عبد الله بن مسعود ،رضي الله عنه ،قال :استتبعني
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فانطلقنا حتى أتينا مكان كذا وكذا ،فخط
لي خطا فقال " :كن بين ظهر هذه ل تخرج منها ؛ فإنك إن خرجت منها
هلكت" فذكر الحديث بطوله وفيه غرابة شديدة ).(3
طريق أخرى :قال ابن جرير :حدثنا ابن عبد العلى ،حدثنا ابن ثور ،عن
معمر ،عن يحيى بن أبي كثير ) ، (4عن عبد الله بن عمرو بن غيلن
الثقفي ؛ أنه قال لبن مسعود :حدثت أنك كنت مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليلة وفد الجن ؟ قال :أجل .قال :فكيف كان ؟ فذكر الحديث
كله ،وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم خط عليه خطا ،وقال " :ل تبرح
جاجة السوداء غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منها" فذكر مثل العَ َ
فذعر ثلث مرات ،حتى إذا كان قريبا من الصبح ،أتاني النبي ) (5صلى الله
عليه وسلم فقال " :أنمت ؟" فقلت :ل والله ،ولقد هممت مرارا أن
أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك ،تقول " :اجلسوا" فقال " :لو
خرجت لم آمن أن يخطفك ) (6بعضهم" .ثم قال " :هل رأيت شيئا ؟"
فقلت :نعم رأيت رجال سوًدا مستشعرين ) (7ثيابا بياضا .قال " :أولئك جن
نصيبين سألوني المتاع -والمتاع :الزاد -فمتعتهم بكل عظم حائل ،أو بعرة
أو روثة" -فقلت :يا رسول الله ،وما يغني ذلك عنهم ؟ فقال " :إنهم ل
يجدون عظما إل وجدوا عليه لحمه يوم أكل ،ول روثا إل وجدوا فيها حبها يوم
أكلت ،فل يستنقين أحد منكم إذا خرج من الخلء بعظم ول بعرة ول روثة" )
.(8
طريق أخرى :قال الحافظ أبو بكر البيهقي :أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي
وأبو نصر بن قتادة قال أخبرنا أبو محمد يحيى بن منصور القاضي ،حدثنا أبو
شْنجي ،حدثنا روح بن صلح ،حدثنا موسى بن عبد الله محمد بن إبراهيم الُبو َ
علي بن رباح ،عن أبيه ،عن عبد الله بن مسعود قال :استتبعني رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال " :إن نفرا من الجن -خمسة عشر بني إخوة
وبني عم -يأتونني الليلة ،فأقرأ عليهم القرآن" ،فانطلقت معه إلى المكان
الذي أراد ،فخط لي خطا وأجلسني فيه ،وقال لي " :ل تخرج من هذا".
فبت فيه حتى أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع السحر في يده
ممة فقال لي " :إذا ذهبت إلى الخلء فل تستنج بشيء ح َعظم حائل وروثة ُ
من هؤلء" .قال :فلما أصبحت قلت :لعلمن علمي حيث كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ،فذهبت فرأيت موضع مبرك ) (9ستين بعيرا )
.(10
طريق أخرى :قال البيهقي :أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ،أخبرنا أبو العباس
الصم ،حدثنا العباس
__________
) (1في أ " :إسماعيل".
) (2ورواه الطبراني في المعجم الكبير ) (10/80من طريق موسى بن
عبيدة الربذي ،به.
) (3لم أجده في دلئل النبوة وهو في المسند للمام أحمد ).(1/399
) (4في ت " :روى ابن جرير بسنده".
) (5في م " :رسول الله".
) (6في أ " :يختطفك".
) (7في ت ،أ " :مستثفرين".
) (8تفسير الطبري ).(26/21
) (9في أ " :منزل".
) (10دلئل النبوة للبيهقي ).(2/231
) (7/293
دوري ،حدثنا عثمان بن عمر ) ، (1عن المستمر بن الريان ،عن بن محمد ال ّ
أبي الجوزاء ،عن عبد الله بن مسعود قال :انطلقت مع رسول الله صلى
طا ،ثم تقدمالله عليه وسلم ليلة الجن ،حتى أتى الحجون ،فخط لي خ ً
إليهم فازدحموا عليه ،فقال سيد لهم يقال له " :وردان" :أنا أرحلهم عنك.
فقال :إني لن يجيرني من الله أحد ).(2
طريق أخرى :قال المام أحمد :حدثنا عبد الرزاق ،حدثنا سفيان ،عن أبي
فزارة العبسي ،حدثنا أبو زيد -مولى عمرو بن حريث -عن ابن مسعود قال
:لما كان ليلة الجن قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " :أمعك ماء ؟"
قلت :ليس معي ماء ،ولكن معي إداوة فيها نبيذ .فقال النبي " :تمرة طيبة
وماء طهور" فتوضأ.
ورواه أبو داود ،والترمذي ،وابن ماجه ،من حديث أبي زيد ،به ).(3
طريق أخرى :قال أحمد :حدثنا يحيى بن إسحاق ،أخبرنا ابن لهيعة ،عن
قيس بن الحجاج ،عن حنش الصنعاني ،عن ابن عباس ،عن عبد الله بن
مسعود ؛ أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ،فقال
رسول الله " :يا عبد الله ،أمعك ماء ؟" قال :معي نبيذ في إداوة ،فقال )
(4اصبب علي" .فتوضأ ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم " :يا عبد الله
شراب وطهور" ).(5
تفرد به أحمد من هذا الوجه ،وقد أورده الدارقطني من طريق آخر ،عن
ابن مسعود ] ،به[ ).(7) (6
طريق أخرى :قال المام أحمد :حدثنا عبد الرزاق ،أخبرني أبي عن ميناء ،
عن عبد الله قال :كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وفد
الجن ،فلما انصرف تنفس ،فقلت :ما شأنك ؟ قال " :نعيت إلي نفسي يا
ابن مسعود".
هكذا رأيته في المسند مختصرا ) ، (8وقد رواه الحافظ أبو نعيم في كتابه
"دلئل النبوة" ،فقال :حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب ،حدثنا إسحاق بن
إبراهيم -وحدثنا أبو بكر بن مالك ،حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ،حدثنا
أبي قال حدثنا عبد الرزاق ،عن أبيه ،عن ميناء ،عن ابن مسعود قال :كنت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن ،فتنفس ،فقلت :ما
لك يا رسول الله ؟ قال " :نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود" .قلت :استخلف.
قال " :من ؟" قلت :أبا بكر .فسكت ) ، (9ثم مضى ساعة فتنفس ،فقلت :
ما شأنك بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال " :نعيت إلي نفسي يا ابن
مسعود" .قلت :استخلف .قال " :من ؟" قلت :عمر ]بن الخطاب[ ).(10
فسكت ،ثم مضى ساعة ،ثم تنفس فقلت :ما شأنك ؟ قال " :نعيت إلي
نفسي" .قلت :فاستخلف .قال صلى الله عليه وسلم " :من ؟" قلت :علي
بن أبي طالب .قال صلى الله عليه وسلم " :أما والذي نفسي بيده ،لئن
أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين.(11) .
__________
) (1في أ " :عن عمر".
) (2دلئل النبوة للبيهقي ).(2/231
) (3المسند ) ، (1/449وسنن أبي داود برقم ) (84وسنن الترمذي برقم )
(88وسنن ابن ماجه برقم ).(384
) (4في م " :قال".
) (5المسند ) (1/398وقد تفرد به ابن لهيعة ،وهو ضعيف.
) (6زيادة من م.
) (7سنن الدارقطني ) (1/77من طريق داود بن أبي هند عن عامر بن
علقمة بن قيس .قال :قلت لعبد الله بن مسعود :أشهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم أحد منكم ليلة أتاه داعي الجن ؟ قال :ل ،قال الدارقطني :
"هذا الصحيح عن ابن مسعود".
) (8المسند ).(1/449
) (9في ت ،م " :أبو بكر .قال :فسكت".
) (10زيادة من م.
) (11المعجم الكبير للطبراني ) (10/82وفيه ميناء بن أبي ميناء ،كذاب.
) (7/294
) (7/295
فهذه الطرق كلها تدل ) (1على أنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الجن
قصدا ،فتل عليهم القرآن ،ودعاهم إلى الله ،عز وجل ،وشرع الله لهم
على لسانه ما هم محتاجون إليه في ذلك الوقت .وقد يحتمل أن أول مرة
سمعوه يقرأ القرآن ]و[ ) (2لم يشعر بهم ،كما قاله ابن عباس ،رضي الله
عنهما ) ، (3ثم بعد ذلك وفدوا إليه كما رواه ابن مسعود .وأما ابن مسعود
فإنه لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حال مخاطبته الجن ودعائه
إياهم ،وإنما كان بعيدا منه ،ولم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم أحد
سواه ،ومع هذا لم يشهد حال المخاطبة ،هذه طريقة البيهقي.
وقد يحتمل أن يكون أول مرة خرج إليهم لم يكن معه ابن مسعود ول غيره ،
كما هو ظاهر سياق الرواية الولى من طريق المام أحمد ،وهي عند مسلم.
ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى ،والله أعلم ،كما روى ابن أبي حاتم في
ي { ،من حديث ابن جريج قال :قال عبد العزيز بن ل ُأو ِ
ح َ تفسير } :قُ ْ
عمر :أما الجن الذين لقوه بنخلة فجن نينوى ،وأما الجن الذين لقوه بمكة
فجن نصيبين ،وتأوله البيهقي على أنه يقول " :فبتنا بشر ليلة بات بها قوم" ،
على غير ابن مسعود ممن لم يعلم بخروجه صلى الله عليه وسلم إلى
الجن ،وهو محتمل على بعد ،والله أعلم.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي :أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله )(4
الديب ،أخبرنا أبو بكر السماعيلي ،أخبرنا الحسن بن سفيان ،حدثني سويد
بن سعيد ،حدثنا عمرو بن يحيى ،عن جده سعيد بن عمرو ،قال ) (5كان
أبو هريرة يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإداوة لوضوئه وحاجته ،
فأدركه يوما فقال " :من هذا ؟" قال :أنا أبو هريرة قال " :ائتني بأحجار
أستنج بها ،ول تأتني بعظم ول روثة" .فأتيته بأحجار في ثوبي ،فوضعتها إلى
جنبه حتى إذا فرغ وقام اتبعته ،فقلت :يا رسول الله ،ما بال العظم
والروثة ) (6؟ قال " :أتاني وفد جن نصيبين ،فسألوني الزاد ،فدعوت الله
لهم أل يمروا بعظم ول بروثة إل وجدوه طعاما" ).(7
أخرجه البخاري في صحيحه ،عن موسى بن إسماعيل ،عن عمرو بن
يحيى ،بإسناده قريبا منه ) (8فهذا يدل مع ما تقدم على أنهم وفدوا عليه بعد
ذلك .وسنذكر ما يدل على تكرار ذلك.
وقد روي عن ابن عباس غير ما ذكر ) (9عنه أول من وجه جيد ،فقال ابن
جرير :
حدثنا أبو كريب ،حدثنا عبد الحميد الحماني ،حدثنا النضر بن عربي ،عن
ن { الية ، ن ال ْ ِ
ج ّ م َ
فًرا ِ صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ
ك نَ َ عكرمة ،عن ابن عباس في قوله } :وَإ ِذ ْ َ
]قال[ ) (10كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم رسل إلى قومهم ).(11
فهذا يدل على أنه قد روى القصتين.
__________
) (1في ت " :فهذه الحاديث التي ذكرناها كلها تدل".
) (2زيادة من ت.
) (3في ت ،أ " :عنه".
) (4في أ " :عبد الوهاب".
) (5في ت " :وقال الحافظ أبو بكر البيهقي بسنده".
) (6في ت " :الروث".
) (7دلئل النبوة للبيهقي ).(2/233
) (8صحيح البخاري برقم ).(3860
) (9في أ " :ما روي".
) (10زيادة من أ.
) (11تفسير الطبري ).(26/22
) (7/296
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا علي بن الحسين ،حدثنا سويد بن عبد العزيز ،
ن
م َفًرا ِ صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ
ك نَ َ حدثنا رجل سماه ،عن ابن جريج ،عن مجاهد } :وَإ ِذ ْ َ
ن { الية ،قال :كانوا سبعة نفر ،ثلثة من أهل حران ،وأربعة من أهل ال ْ ِ
ج ّ
نصيبين ،وكانت أسماؤهم حيى وحسى ومسى ،وشاصر وناصر ،والرد
وإبيان والحقم.
وذكر أبو حمزة الثمالي أن هذا الحي من الجن كان يقال لهم :بنو الشيصبان
،وكانوا أكثر الجن عددا وأشرفهم نسبا ،وهم كانوا عامة جنود إبليس.
وقال سفيان الثوري ،عن عاصم ،عن ذ َّر ،عن ابن مسعود :كانوا تسعة ،
أحدهم زوبعة ،أتوه من أصل نخلة.
وتقدم عنه أنهم كانوا خمسة عشر ،وفي رواية :أنهم كانوا على ستين راحلة
،وتقدم عنه أن اسم سيدهم وردان ،وقيل :كانوا ثلثمائة ،وتقدم عن
عكرمة أنهم كانوا اثنى عشر ألفا ،فلعل هذا الختلف دليل على تكرر
وفادتهم عليه صلوات الله وسلمه عليه ،ومما يدل على ذلك ما قاله )(1
البخاري في صحيحه :
حدثنا يحيى بن سليمان ،حدثني ابن وهب ،حدثني عمر -هو ابن محمد -أن
سالما حدثه ،عن عبد الله بن عمر قال :ما سمعت عمر يقول لشيء قط :
"إني لظنه كذا" إل كان كما يظن ،بينما عمر بن الخطاب جالس إذ مر به
رجل جميل ،فقال :لقد أخطأ ظني -أو :إن هذا على دينه في الجاهلية -أو
لقد كان كاهنهم -علي بالرجل ،فدعى له ) ، (2فقال له ذلك ،فقال :ما
رأيت كاليوم استقبل له رجل مسلم .قال :فإني أعزم عليك إل ما أخبرتني.
جن ِي ُّتك .قال :
قال :كنت كاهنهم في الجاهلية .قال :فما أعجب ما جاءتك به ِ
بينما أنا يوما في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع ،فقالت :
سها... سها من بعد إن ْ َ
كا ِ سَها ...وَيأ َن وإْبل َ
ج ّ
ألم ت َْر ال ِ
َ
حلسها وُلحوَقها بالقلص وَأ ْ
قال عمر :صدق ،بينما أنا نائم عند آلهتهم ،إذ جاء رجل بعجل فذبحه ،
فصرخ به صارخ ،لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول :يا جليح ،أمر
نجيح ،رجل فصيح يقول " :ل إله إل الله" فوثب ) (3القوم ،فقلت :ل أبرح
حتى أعلم ما وراء هذا ؟ ثم نادى يا جليح ،أمر نجيح ،رجل فصيح يقول " :ل
إله إل الله" .فقمت ،فما نشبنا أن قيل :هذا نبي.
هذا سياق البخاري ) ، (4وقد رواه البيهقي من حديث ابن وهب ،بنحوه ،ثم
قال " :وظاهر هذه الرواية يوهم أن عمر بنفسه سمع الصارخ يصرخ من
العجل الذي ذبح ،وكذلك هو صريح ) (5في رواية ضعيفة عن عمر في
إسلمه ،وسائر الروايات تدل على أن هذا الكاهن هو الذي أخبر بذلك عن
__________
) (1في م " :ما رواه".
) (2في ت ،م ،أ " :فدعى فجيء به له".
) (3في م ،أ " :قال :فوثب".
) (4صحيح البخاري برقم ).(3866
) (5في ت ،م ،أ " :صريحا" وهو خطأ.
) (7/297
) (7/298
قال :فلما سمعته تكرر ليلة بعد ليلة ،وقع في قلبي حب السلم من أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ،قال :فانطلقت إلى رحلي
فشددته على راحلتي ،فما حللت ]عليه[ ) (1نسعة ول عقدت أخرى حتى
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فإذا هو بالمدينة -يعني مكة -
والناس عليه كعرف الفرس ،فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"مرحبا بك يا سواد بن قارب ،قد علمنا ما جاء بك" .قال :قلت :يا رسول
الله ،قد قلت شعرا ،فاسمعه مني .قال سواد :فقلت :
ب... تب َ
كاذ ِ ةَ ...ولم ي َ ُ
ك فيما قَد ْ َبلوَ ُ جع ٍ
ل وهَ ْ ي بعد ل ُي َ ٍ
أَتاِني رئ ّ
ث ل ََيال قوله كل لي ْلة ... :أتاك رسول ) (2من لؤيّ بن غال ِ
ب... َ ُ َ َ ّ ُ ُ َ َثل ٍ
ب...
سَباس ِ جَناُء عند ال ّ دعلب ُالوَ ْ ساقي الَزاَر ووسطت ...بي ال ّ ت عن َ مر ُ ش ّفَ َ
كل َ ن عََلى ّ ْ َ
ه ...وَأن ّ َ
ب...غائ ِ مو ٌ مأ ُ ك َ شيء غَْير ُ هل َ ن الل َ شهَد ُ أ َّفأ ْ
ب... ن َ َ َ
ن الطاي ِ ن الكَرمي َ عة ...إلى اللهِ يا اب َ فا َ
ش َ سِلي َمْر َ وأّنك أد َْنى ال ُ
ب... ب الذ َّوائ ِشي ُ جاَء َ
ما َ
ن ِفي َ ن َ
كا َ مْرسل ) (3وإ ْ خيَر ُك يا َ ما َيأِتي َمرَنا ب َ فَ ُ
ب... واد بن َقار ِ س َ ن عن َ واك ِبمغْ ٍ س َ ةِ ... فاع ٍ
ش َ م ل ُذو َ فيعا َيو َ ش ِ ن لي َ وَك ُ ْ
قال :فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ،وقال
لي " :أفلحت يا سواد" :فقال له عمر :هل يأتيك رئيك الن ؟ فقال :منذ
قرأت القرآن لم يأتني ،ونعم العوض كتاب الله من الجن ).(4
ثم أسنده البيهقي من وجهين آخرين ) .(5ومما يدل على وفادتهم إليه ،عليه
السلم ) ، (6بعد ما هاجر إلى المدينة ،الحديث الذي رواه الحافظ أبو نعيم
في كتاب "دلئل النبوة" ]فقال[ ): (7
حدثنا سليمان بن أحمد ،حدثنا محمد بن عبدة المصيصي ،حدثنا أبو ت َوَْبة
الربيع بن نافع ،حدثنا معاوية بن سلم ،عن زيد بن أسلم :أنه سمع أبا
سلم يقول :حدثني من حدثه عمرو بن غيلن الثقفي قال :أتيت عبد الله بن
مسعود فقلت له :حدثت أنك كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة
وفد الجن ؟ قال :أجل قلت :حدثني كيف كان شأنه ؟ فقال :إن أهل
الصفة أخذ كل رجل منهم رجل ) (8يعشيه ،وتركت فلم يأخذني أحد منهم ،
فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " :من هذا ؟" فقلت :أنا ابن
مسعود .فقال " :ما أخذك أحد يعشيك ؟" فقلت :ل .قال " :فانطلق لعلي
أجد لك شيئا" .قال :فانطلقنا حتى أتى حجرة أم سلمة فتركني ) (9ودخل
إلى أهله ،ثم خرجت الجارية فقالت :يا ابن مسعود ،إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لم يجد لك عشاء ،فارجع إلى مضجعك .قال :فرجعت إلى
المسجد ،فجمعت حصباء المسجد فتوسدته ،والتففت بثوبي ،فلم ألبث إل
قليل حتى جاءت الجارية ،فقالت :
__________
) (1زيادة من أ.
) (2في ت ،م " :نبي".
) (3في ت " :من مشى".
) (4دلئل النبوة للبيهقي ).(1/248
) (5دلئل النبوة للبيهقي ).(1/252
) (6في أ " :على السلم".
) (7زيادة من أ.
) (8في ت ،أ " :رجل" وهو خطأ.
) (9في أ " :فتركني قائما".
) (7/299
أجب رسول الله ) .(1فاتبعتها وأنا أرجو العشاء ،حتى إذا بلغت مقامي ،
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عسيب من نخل ،فعرض به
على صدري فقال " :أتنطلق أنت معي ) (2حيث انطلقت ؟" قلت :ما شاء
الله .فأعادها علي ثلث مرات ،كل ذلك أقول :ما شاء الله .فانطلق
وانطلقت معه ،حتى أتينا بقيع الغرقد ،فخط بعصاه خطا ،ثم قال " :اجلس
فيها ،ول تبرج حتى آتيك" .ثم انطلق يمشي وأنا أنظر إليه خلل النخل ،
جاجة السوداء ،ففرقت فقلت : حتى إذا كان من حيث ل أراه ثارت ) (3العَ َ
ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ،فإني أظن أن ) (4هوازن مكروا
برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه ،فأسعى إلى البيوت ،فأستغيث
الناس .فذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني :أن ل أبرح
مكاني الذي أنا فيه ،فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعهم
بعصاه ويقول " :اجلسوا" .فجلسوا حتى كاد ينشق عمود الصبح ،ثم ثاروا
وذهبوا ،فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " :أنمت بعدي ؟"
فقلت :ل ) ، (5ولقد فزعت الفزعة الولى ،حتى رأيت أن آتي البيوت
فأستغيث الناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك ،وكنت أظنها هوازن ،مكروا
برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه .فقال " :لو أنك خرجت من هذه
الحلقة ما آمنهم ) (6عليك أن يختطفك بعضهم ،فهل رأيت من شيء
منهم ؟" فقلت :رأيت رجال سودا مستشعرين ) (7بثياب بيض ،فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " :أولئك وفد جن نصيبين ،أتوني فسألوني الزاد
والمتاع ،فمتعتهم بكل عظم حائل أو روثة أو بعرة" .قلت :وما يغني عنهم
ذلك ؟ قال " :إنهم ل يجدون عظما إل وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم
أكل ،ول روثة إل وجدوا فيها حبها الذي كان فيها يوم أكلت ،فل يستنقي أحد
منكم بعظم ول بعرة ).(9) " (8
دا ) ، (10ولكن فيه رجل مبهم لم يسم ]والله أعلم[ ) وهذا إسناد غريب ج ً
، (11وقد روى الحافظ أبو نعيم من حديث بقية بن الوليد ،حدثني نمير بن
زيد القنبر ) ، (12حدثنا أبي ،حدثنا قحافة بن ربيعة ،حدثني الزبير بن العوام
قال :صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلة الصبح في مسجد
المدينة ،فلما انصرف قال " :أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة ؟" فأسكت
القوم ثلثا ،فمر بي فأخذ بيدي ،فجعلت أمشي معه حتى حبست عنا جبال
المدينة كلها ،وأفضينا إلى أرض براز ،فإذا برجال طوال كأنهم الرماح ،
مستشعرين ) (13بثيابهم من بين أرجلهم ،فلما رأيتهم غشيتني رعدة
شديدة ،ثم ذكر نحو حديث ابن مسعود المتقدم ) ، (14وهذا حديث غريب ،
والله أعلم.
ومما يتعلق بوفود الجن ما رواه الحافظ أبو نعيم :حدثنا أبو محمد بن حيان ،
حدثنا أبو الطيب أحمد بن روح ،حدثنا يعقوب الد ّوَْرقي ،حدثنا الوليد بن بكير
التميمي ،حدثنا حصين بن عمر )(15
__________
) (1في ت " :رسول الله صلى الله عليه وسلم".
) (2في ت ،م " :انطلق معي" ،وفي أ " :انطلق أنت معي".
) (3في ت ،م ،أ " :ثارت مثل العجاجة".
) (4في ت ،م ،أ " :هذه".
) (5في أ " :ل والله".
) (6في ت ،م " :ما أمنت" وفي أ " :ما آمن".
) (7في ت ،أ " :مستثفرين".
) (8في ت " :ول روثة".
) (9لم أجده في دلئل النبوة المطبوعة لبي نعيم.
) (10في تن أ " :وهذا سياق غريب".
) (11زيادة من ت ،أ.
) (12في ت ،أ " :حدثني بهز بن يزيد الليثي".
) (13في ت ،أ " :مستثفرين".
) (14لم أجده في دلئل النبوة المطبوعة لبي نعيم.
) (15في م " :عمير".
) (7/300
مكتب ،عن إبراهيم قال :خرج نفر من أصحاب عبد الله ) ،أخبرني عبيد ال ُ
(1يريدون الحج ،حتى إذا كانوا في بعض الطريق ،إذا هم بحية تنثني )(2
على الطريق أبيض ،ينفخ منه ريح المسك ،فقلت لصحابي :امضوا ،
فلست ببارح حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمر هذه الحية .قال :فما لبثت أن
ماتت ،فعمدت إلى خرقة بيضاء فلففتها فيها ،ثم نحيتها عن الطريق فدفنتها
،وأدركت أصحابي في المتعشى .قال :فوالله إنا لقعود إذ أقبل ) (3أربع
نسوة من قبل المغرب ،فقالت واحدة منهن :أيكم دفن عمًرا ؟ قلنا :ومن
عمرو ،قالت :أيكم دفن الحية ؟ قال :قلت :أنا .قالت :أما والله لقد
دفنت صواما قواما ،يأمر بما أنزل الله ،ولقد آمن بنبيكم ،وسمع صفته من
) (4السماء قبل أن يبعث بأربعمائة عام .قال الرجل فحمدنا ) (5الله ،ثم
قضينا حجتنا ) ، (6ثم مررت بعمر بن الخطاب في المدينة ،فأنبأته بأمر
الحية ،فقال :صدقت ،سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"لقد آمن بي قبل أن أبعث بأربعمائة سنة" ).(7
وهذا حديث غريب جدا ،والله أعلم.
قال أبو نعيم :وقد روى الثوري ،عن أبي إسحاق ،عن الشعبي ،عن رجل
من ثقيف ،بنحوه .وروى عبد الله بن أحمد واّلظهراني ،عن صفوان بن
المعطل -هو الذي نزل ودفن تلك الحية من بين الصحابة -وأنهم قالوا :أما
إنه آخر التسعة موتا الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمعون
القرآن ).(8
وروى أبو نعيم من حديث الليث بن سعد ،عن عبد العزيز بن أبي سلمة
شون ،عن عمه ) ، (9عن معاذ بن عُب َْيد الله ) (10بن معمر قال :كنت ج ُ الما ِ
جالسا عند عثمان بن عفان ،فجاء رجل فقال :يا أمير المؤمنين ،إني كنت
بفلة من الرض ،فذكر أنه رأى ثعبانين ) (11اقتتل ثم قتل أحدهما الخر ،
قال :فذهبت إلى المعترك ،فوجدت حيات كثيرة مقتولة ،وإذ ينفح من
مها واحدة واحدة ،حتى وجدت ذلك من حية بعضها ريح المسك ،فجعلت أش ّ
صفراء رقيقة ،فلففتها في عمامتي ودفنتها .فبينا أنا أمشي إذ ناداني )(12
ت! هذان حيان ) (13من الجن بنو أشعيبان وبنو دي َ مناد :يا عبد الله ،لقد هُ ِ
أقيش التقوا ،فكان من القتلى ما رأيت ،واستشهد الذي دفنته ،وكان من
الذين سمعوا الوحي من رسول الله صلى الله عليه وسلم .قال :فقال
عثمان لذلك الرجل :إن كنت صادقا فقد رأيت عجبا ،وإن كنت كاذبا فعليك
كذبك ).(14
ن { أي :طائفة من الجن ، ج ّ ْ
ن ال ِم َ فًرا ِك نَ َ َ
صَرفَْنا إ ِلي ْ َ فقوله تعالى } :وَإ ِذ ْ َ
َ ُ
صُتوا { ضُروهُ َقالوا أن ْ ِ ح َ ما َ ن فَل َ ّقْرآ َن ال ْ ُ
مُعو َ
ست َ ِ
} يَ ْ
__________
) (1في م " :عبيد الله".
) (2في أ " :تمشي".
) (3في ت ،م " :جاء".
) (4في ت " :في".
) (5في أ " :فحمدت".
) (6في ت ،م ،أ " :حجنا".
) (7دلئل النبوة لبي نعيم )ص .(306
) (8لم أجده في دلئل النبوة المطبوعة لبي نعيم.
) (9في ت " :وروى أبو نعيم بإسناده".
) (10في ت ،م ،أ " :عبد الله".
) (11في ت ،أ ،م " :إعصارين".
) (12في أ " :هذا جان".
) (13في ت ،م " :نادى".
) (14دلئل النبوة لبي نعيم )ص .(305
) (7/301
) (7/302
صلى الله عليه وسلم بقصة نزول جبريل ]عليه السلم[ ) (1عليه أول مرة ،
فقال َ :بخ َبخ ،هذا الناموس الذي كان يأتي موسى ،يا ليتني أكون فيها
عا. جذ َ ًَ
ن ي َد َي ْهِ { أي :من الكتب المنزلة قبله على النبياء .وقولهم : ي
َ َْ َب ما ِ ل ً
قا د ص
ُ َ ّ م }
قيم ٍ { ست َ ِ م ق
ِ ٍ ُ ْ ري َ ط لى َ إ
َِ و } ، والخبار العتقاد في : أي { ق
َ ّ ح ْ لا لى َ } ي َهْ ِ ِ
إ دي
في العمال ،فإن القرآن يشتمل على شيئين ) (2خبر وطلب ) ، (3فخبره
دل { ]النعام : صد ًْقا وَعَ ْ ك ِ ة َرب ّ َ ت ك َل ِ َ
م ُ م ْ صدق ،وطلبه عدل ،كما قال } :وَت َ ّ
ْ ْ َ
حقّ { ]التوبة ، [33 : ن ال َ دى وَِدي ِ ه ِبالهُ َ سول َ ُ ل َر ُس َ ذي أْر َ ، [115وقال } هُوَ ال ّ ِ
فالهدى هو :العلم النافع ،ودين الحق :هو العمل الصالح .وهكذا قالت الجن
قيم ٍ { أي :في ست َ ِم ْ ق ُ ري ٍ حقّ { في العتقادات } ،وَإ َِلى ط َ ِ دي إ َِلى ال ْ َ } :ي َهْ ِ
العمليات.
ّ َ
دا صلوات ي اللهِ { فيه دللة على أنه تعالى أرسل محم ً ع َ جيُبوا َدا ِ مَنا أ ِ } َيا قَوْ َ
الله وسلمه عليه ) (4إلى الثقلين النس والجن حيث دعاهم إلى الله ،وقرأ
عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين ،وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم ،
َ
مُنوا ب ِهِ { ي الل ّهِ َوآ ِ ع َ جيُبوا َدا ِ وهي سورة الرحمن ؛ ولهذا قال ) } (5أ ِ
م { قيل :إن "من" هاهنا زائدة وفيه نظر ؛ ن ذ ُُنوب ِك ُ ْ م ْ م ِ فْر ل َك ُ ْ وقوله } :ي َغْ ِ
ن
م ْم ِ جْرك ُ ْ لن زيادتها في الثبات قليل ،وقيل :إنها على بابها للتبغيض } ،وَي ُ ِ
ب أ َِليم ٍ { أي :ويقيكم من عذابه الليم. ذا ٍ عَ َ
وقد استدل بهذه الية من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين ل يدخلون
الجنة ،وإنما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار يوم القيامة ؛ ولهذا
قالوا هذا في هذا المقام ،وهو مقام تبجح ومبالغة فلو كان لهم جزاء على
اليمان أعلى من هذا لوشك أن يذكروه.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي قال :حدثت عن جرير ،عن ليث ،عن
مجاهد ،عن ابن عباس قال :ل يدخل مؤمنو الجن الجنة ؛ لنهم من ذرية
إبليس ،ول تدخل ذرية إبليس الجنة.
مَنهم كمؤمني النس يدخلون الجنة ،كما هو مذهب جماعة )(6 مؤ ِ والحق أن ُ
م َول َ َ
س قب ْلهُ ْ ن إ ِن ْ ٌمثهُ ّْ ْ
م ي َط ِ َ
من السلف ،وقد استدل بعضهم لهذا بقوله } :ل ْ
ن { ]الرحمن ، [74 :وفي هذا الستدلل نظر ،وأحسن منه قوله تعالى : جا ّ َ
َ ُ َ َ
ن { ]الرحمن ، 46 : ما ت ُكذ َّبا ِ
ن فب ِأيّ آلِء َرب ّك َجن َّتا ِ
م َرب ّهِ َ قا َ
م َ
ف َ خا َ ن َ م ْ } وَل ِ َ
، [47فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة ،وقد
شيء ن هذه الية بالشكر القولي أبلغ من النس ،فقالوا " :ول ب ِ َ ج ّقابلت ال ِ
ن عليهم بجزاء ل من آلئك ربنا نكذب ،فلك الحمد" فلم يكن تعالى ليمت ّ
يحصل لهم ،وأيضا فإنه إذا كان يجازي كافرهم بالنار -وهو مقام عدل َ -فل ْ
ن
ضل -بطريق الولى والحرى .ومما يدل يجازي مؤمنهم بالجنة -وهو مقام فَ ْ
ت ت َ
كان َ ْ حا ِ صال ِ َ ُ
ملوا ال ّمُنوا وَعَ ِ نآ َذي َ ّ
ن ال ِ م قوله تعالى } :إ ِ ّ أيضا على ذلك عمو ُ
س نزل { ]الكهف ، [107 :وما ت ال ْ ِ
فْرد َوْ ِ جّنا ُ
م َ ل َهُ ْ
__________
) (1زيادة من أ.
) (2في ت " :نوعين".
) (3في أ " :خبرا وطلبا".
) (4في ت " :صلى الله عليه وسلم".
) (5في م " :قالوا".
) (6في ت ،أ " :طائفة".
) (7/303
أشبه ذلك من اليات .وقد أفردت هذه المسألة في جزء على حدة ،ولله
الحمد والمنة .وهذه الجنة ل يزال فيها فضل حتى ينشئ الله لها خلقا ،أفل
يسكنها من آمن به وعمل له صالحا ؟ وما ذكروه هاهنا من الجزاء على
اليمان من تكفير الذنوب والجارة من العذاب الليم ،هو يستلزم دخول
الجنة ؛ لنه ليس في الخرة إل الجنة أو النار ،فمن أجير من النار دخل الجنة
ل محالة .ولم يرد معنا نص صريح ول ظاهر عن ) (1الشارع أن مؤمني الجن
ل يدخلون الجنة وإن أجيروا من النار ،ولو صح لقلنا به ،والله أعلم .وهذا
َ
ل م إ َِلى أ َ
ج ٍ خْرك ُ ْ
م وَي ُؤَ ّن ذ ُُنوب ِك ُ ْ
م ْ م ِفْر ل َك ُ ْنوح ،عليه السلم ،يقول لقومه } :ي َغْ ِ
مى { ]نوح (2) ، [4 :ول خلف أن مؤمني قومه في الجنة ،فكذلك س ّ
م َ ُ
مر بن عبد العزيز :أنهم ل يدخلون هؤلء .وقد حكي فيهم أقوال غريبة فعن عُ َ
ة الجنة ،وإنما يكونون في َرَبضها وحولها وفي أرجائها .ومن الناس من ح َ
حُبو َبُ ْ
زعم أنهم في الجنة يراهم بنو آدم ول يرون بني آدم عكس ما كانوا عليه في
الدار الدنيا .ومن الناس من قال :ل يأكلون في الجنة ول يشربون ،وإنما
وضا عن الطعام والشراب ع َيلهمون التسبيح والتحميد والتقديس ِ ،
كالملئكة ،لنهم من جنسهم .وكل هذه القوال فيها نظر ،ول دليل عليها.
ض { أي جزٍ َِفي الْر ِ معْ ِ س بِ ُ ي الل ّهِ فَل َي ْ َ ع َ ب َدا ِ
ج ْن ل يُ ِ
م ْ
ثم قال مخبرا عنه } :وَ َ
ن ُدون ِهِ أول َِياُء { أي :ل م ْ ه ِ َ
سل ُ َ
:بل قدرة الله شاملة له ومحيطة به } ،وَلي ْ َ
م تهديد وترهيب ، ن { وهذا مقا ُ مِبي ٍ ل ُ ضل ٍ ك ِفي َ يجيرهم منه أحد ٌ } ُأول َئ ِ َ
عوا قومهم بالترغيب والترهيب ؛ ولهذا نجع في كثير منهم ،وجاؤوا إلى فَد َ َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودا وفودا ،كما تقدم بيانه.
َ َ
قادٍِر ن بِ َ خل ْ ِ ِ ّ
ه ق ي بِ َ م ي َعْ َ ض وَل َ ْ ت َوالْر َ وا ِ م َ س َ خل َقَ ال ّ ذي َ ه ال ّ ِ ن الل ّ َ م ي ََرْوا أ ّ } أوَل َ ْ
َ
نذي َ ض ال ّ ِ م ي ُعَْر ُ ديٌر ) (33وَي َوْ َ يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ه عََلى ك ُ ّ موَْتى ب ََلى إ ِن ّ ُ ي ال ْ َ حي ِ َ ن يُ ْ عََلى أ ْ
ذوُقوا ال ْعَ َ حقّ َقاُلوا ب ََلى وََرب َّنا َقا َ َ
ماب بِ َ ذا َ ل فَ ُ ذا ِبال ْ َ س هَ َ فُروا عََلى الّنارِ أل َي ْ َ كَ َ
َ ْ ُ ُ
مل لهُ ْ ج ْ ست َعْ ِ ل َول ت َ ْ س ِ ن الّر ُ م َ صب ََر أولو العَْزم ِ ِ ما َ صب ِْر ك َ َ ن )َ (34فا ْ فُرو َ م ت َك ْ ُ ك ُن ْت ُ ْ
َ ْ َ َ
ك ِإل ل ي ُهْل ُ ن ن ََهارٍ َبلغ ٌ فَهَ ْ م ْ ة ِ ساعَ ً م ي َلب َُثوا ِإل َ نل ْ دو َ ما ُيوعَ ُ ن َ م ي ََروْ َ م ي َوْ َ ك َأن ّهُ ْ
ن ).{ (35 قو َ س ُ فا ِ م ال ْ َ قو ْ ُ ال ْ َ
َ
م ي ََرْوا { أي :هؤلء المنكرون للبعث يوم القيامة ، يقول تعالى } :أوَل َ ْ
َ
ت وا ِ م َس َخل َقَ ال ّ ذي َ ه ال ّ ِ ن الل ّ َ المستبعدون لقيام الجساد يوم المعاد } أ ّ
قهن ،بل قال لها " :كوني" ْ
خل ُ ه َ كرث ُ ن { أي :ولم ي َ ْ قهِ ّ خل ْ ِ ي بِ َ م ي َعْ َ ض وَل َ ْ َوالْر َ
فكانت ،بل ممانعة ول مخالفة ،بل طائعة مجيبة خائفة وجلة ،أفليس ذلك
ت
وا ِ م َ س َخل ْقُ ال ّ بقادر على أن يحيي الموتى ؟ كما قال في الية الخرى } :ل َ َ
خل ْق الناس ول َك َ َ
ن { ]غافر ، [57 : مو َ س ل ي َعْل َ ُ ن أك ْث ََر الّنا ِ ن َ ِ ّ ِ َ ِ ّ م ْ ض أك ْب َُر ِ َوالْر ِ
ديٌر {. َ
يٍء ق ِ َ ّ
ه عَلى كل ش ْ ُ َ َ
ولهذا قال } :ب َلى إ ِن ّ ُ
__________
) (1في أ " :من".
) (2في ت ،أ " :ويجركم" وهو خطأ.
) (7/304
) (7/305
) (7/306
دوا ال ْوََثا َ
ق ش ّ م فَ ُ موهُ ْ خن ْت ُ ُ حّتى إ َِذا أ َث ْ َ ب َ ب الّرَقا ِ ضْر َ فُروا فَ َ ن كَ َ ذي َ م ال ّ ِقيت ُ ُ فَإ َِذا ل َ ِ
َ
صَره َلن ْت َ َ شاُء الل ّ ُ ك وَل َوْ ي َ َ ها ذ َل ِ َ ب أوَْزاَر َ حْر ُ ضعَ ال ْ َ حّتى ت َ َ داًء َ ما فِ َ مّنا ب َعْد ُ وَإ ِ ّ ما َ فَإ ِ ّ
ض ّ
ل ن يُ ِ َ
ل اللهِ فَل ْ ّ سِبي ِ ن قُت ِلوا ِفي َ ُ ذي َ ّ
ض َوال ِ ضك ُ ْ ُ َ
َ م ب ِب َعْ ٍ ن ل ِي َب ْلوَ ب َعْ َ م وَلك ِ ْ من ْهُ ِْ
َ
م )َ (6يا أي َّها َ
ة عَّرفََها لهُ ْ جن ّ َ ْ
م ال َ ُ
خلهُ ُ م ) (5وَي ُد ْ ِ َ
ح َبالهُ ْ صل ِ ُ
م وَي ُ ْ ديهِ ْ سي َهْ ِ م )َ (4 َ
مالهُ ْ أعْ َ
َ ذي َ
سافُروا فَت َعْ ً ن كَ َ ذي َم )َ (7وال ّ ِ مك ُ ْ دا َ ت أقْ َ م وَي ُث َب ّ ْ صْرك ُ ْ ه ي َن ْ َُ صُروا الل ّ َ ن ت َن ْ ُ مُنوا إ ِ ْ نآ َ ال ّ ِ َ
َ
ل الل ّه فَأحب َ َ ما أ َن َْز َ ل َهم وأ َض ّ َ
م )(9 مال َهُ ْ ط أعْ َ ْ َ ُ هوا َ م ك َرِ ُ ك ب ِأن ّهُ ْ م ) (8ذ َل ِ َ مال َهُ ْ ل أعْ َ ُ ْ َ َ
دوا ال ْوََثا َ
ق ش ّ م فَ ُ موهُ ْ خن ْت ُ ُ حّتى إ َِذا أ َث ْ َ ب َ ب الّرَقا ِ ضْر َ فُروا فَ َ ن كَ َ ذي َ م ال ّ ِ قيت ُ ُ } فَِإذا ل َ ِ
َ
صَر
ه لن ْت َ َ شاُء الل ّ ُ ك وَل َوْ ي َ َ ها ذ َل ِ َ ب أوَْزاَر َ حْر ُ ضعَ ال ْ َ حّتى ت َ َ داًء َ ما فِ َ مّنا ب َعْد ُ وَإ ِ ّ ما َ فَإ ِ ّ
ض ّ
ل ن يُ ِ ل الل ّهِ فَل َ ْ سِبي ِ ن قُت ُِلوا ِفي َ ذي َ ض َوال ّ ِ م ب ِب َعْ ٍ ضك ُ ْ ن ل ِي َب ْل ُوَ ب َعْ َ م وَل َك ِ ْ من ْهُ ْ ِ
َ َ ْ ُ َ َ َ
م )َ (6يا أي َّها ة عَّرفََها لهُ ْ جن ّ َ م ال َ خلهُ ُ م ) (5وَي ُد ْ ِ ح َبالهُ ْ صل ِ ُ م وَي ُ ْ ديهِ ْ سي َهْ ِ م )َ (4 مالهُ ْ أعْ َ
َ
سافُروا فَت َعْ ً ن كَ َ ذي َ م )َ (7وال ّ ِ مك ُ ْ دا َ ت أقْ َ م وَي ُث َب ّ ْ صْرك ُ ْ ه ي َن ْ َُ صُروا الل ّ َ ن ت َن ْ ُ مُنوا إ ِ ْ نآ َ ذي َ ال ّ ِ
ل الل ّه فَأحب َ َ َ ما َأنز َ ل َهم وأ َض ّ َ
م) مال َهُ ْ ط أعْ َ ْ َ ُ هوا َ م ك َرِ ُ ك ب ِأن ّهُ ْ م ) (8ذ َل ِ َ مال َهُ ْ ل أعْ َ ُ ْ َ َ
.{ (9
يقول تعالى مرشدا للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين } :
ب { أي :إذا واجهتموهم فاحصدوهم ب الّرَقا ِ ضْر َ فُروا فَ َ ن كَ َ ذي َ م ال ّ ِ قيت ُ ُ فَِإذا ل َ ِ
دوا { أي :أهلكتموهم قتل م فَ ُ َ
حّتى إ َِذا أث ْ َ
ش ّ موهُ ْ خن ْت ُ ُ حصدا بالسيوف َ } ،
} فشدوا { ]وثاق[ ) (1السارى الذين تأسرونهم ،ثم أنتم بعد انقضاء
الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم ،إن شئتم مننتم عليهم
فأطلقتم أساراهم مجانا ،وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم
وتشاطرونهم عليه .والظاهر أن هذه الية نزلت بعد وقعة بدر ،فإن الله ،
سبحانه ،عاتب المؤمنين على الستكثار من السارى يومئذ ليأخذوا منهم
كون ل َ َ َ
سَرى هأ ْ ن يَ ُ َ ُ يأ ْ ن ل ِن َب ِ ّ كا َ ما َ الفداء ،والتقلل من القتل يومئذ فقال َ } :
زيٌز ه عَ ِ ّ
خَرةَ َوالل ُ ريد ُ ال ِ ه يُ ِ ّ
ض الد ّن َْيا َوالل ُ ن عََر َ دو َ ري ُ ض تُ ِ حّتى ي ُث ْ ِ
َ ن ِفي الْر ِ خ َ َ
م { ] النفال : ٌ ظي
ِ َ ع بٌ ذاَ َ ع م
ْ ُ تْ ذ خَ أ ما
َ فيِ م ُ ك س
َ َ َ ّ ْ م َ ل ق َ ب س ِ ه ّ ل ال ن
َ م
ِ ب ٌ تا
َ ِ ك ول ٌ ْ َ ل م كيِ ح َ
.[ 68 ، 67
ثم قد ادعى بعض العلماء أن هذه الية -المخيرة بين مفاداة السير والمن
نكي َشرِ ِ م َفاقْت ُُلوا ال ْ ُ
م ْ شهُُر ال ْ ُ
حُر ُ خ ال ْ سل َ َ
عليه -منسوخة بقوله تعالى } :فَإ َِذا ان ْ َ
صد ٍ [ { ) (2الية ] مْر َ ل َم كُ ّ دوا ل َهُ ْم َواقْعُ ُ صُروهُ ْ ح ُ م َوا ْ ذوهُ ْ خ ُ م ]وَ ُ موهُ ْ جد ْت ُ ُ ث وَ َ
حي ْ ُ
َ
التوبة ، [ 5 :رواه العوفي عن ابن عباس .وقاله قتادة ،والضحاك ،والسدي
جَرْيج. ،وابن ُ
وقال الخرون -وهم الكثرون : -ليست بمنسوخة.
خّير بين المن على السير ومفاداته فقط ،ول م َ ثم قال بعضهم :إنما المام ُ
يجوز له قتله.
وقال آخرون منهم :بل له أن يقتله إن شاء ،لحديث قتل النبي صلى الله
مَعيط من أسارى بدر ،وقال عليه وسلم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي ُ
ثمامة بن أثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له " :ما عندك يا
ل ذا د َم ٍ ،وإن تمنن تمنن على شاكر ،وإن كنت قت ُ ْل تَ ْقت َ ْ
ثمامة ؟" فقال :إن ت َ ْ
ط منه ما شئت ).(3 ل ُتع َ س ْ تريد المال فَ َ
وزاد الشافعي ،رحمه الله ،فقال :المام مخير بين قتله أو المن عليه ،أو
حّررة في علم الفروع ،وقد دللنا م َمفاداته أو استرقاقه أيضا .وهذه المسألة ُ
على ذلك في كتابنا "الحكام" ،ولله الحمد والمنة.
ها { قال مجاهد :حتى ينزل عيسى ابن ب أ َوَْزاَر َ حْر ُ ضعَ ال ْ َ حّتى ت َ َ وقوله َ } :
مريم
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2زيادة من أ.
) (3رواه البخاري في صحيحه برقم ) (4372من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه.
) (7/307
]عليه السلم[ (1) .وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم " :ل تزال
طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال" ).(2
وقال المام أحمد :حدثنا الحكم بن نافع ،حدثنا إسماعيل بن عياش ،عن
جَبير بن جَرشي ) ، (3عن ُ إبراهيم بن سليمان ،عن الوليد بن عبد الرحمن ال ُ
ُنفَير ؛ أن سلمة بن ُنفَيل أخبرهم :أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ت الخيل ،وألقيت السلح ،ووضعت الحرب أوزارها ، سي ّب ْ ُ
فقال :إني َ
وقلت " :ل قتال" فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " :الن جاء القتال ،ل
تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس ُيزيغ ) (4الله قلوب أقوام
فيقاتلونهم :ويرزقهم الله ) (5منهم ،حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك .أل
ل معقود في نواصيها الخير إلى يوم قَر دار المؤمنين الشام ،والخي ُ إن عُ ْ
القيامة".
فْيلفير ،عن سلمة بن ن ُ َ جب َْير بن ن ُ َ
وهكذا رواه النسائي من طريقين ،عن ُ
السكوني ،به ).(6
شْيد ،حدثنا الوليد بن مسلم ،عن وقال أبو القاسم البغوي :حدثنا داود بن ُر َ
فير ،
جَرشي ،عن جبير بن ن ُ َ محمد بن مهاجر ،عن الوليد بن عبد الرحمن ال ُ
عن النواس بن سمعان قال :لما فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فَْتح فقالوا :يا رسول الله ،سيبت الخيل ،ووضعت السلح ،ووضعت
الحرب أوزارها ،قالوا :ل قتال ،قال " :كذبوا ،الن ،جاء القتال ،ل يزال
الله ي َُرّفع ) (7قلوب قوم يقاتلونهم ،فيرزقهم منهم ،حتى يأتي أمر الله وهم
قر دار المسلمين بالشام". على ذلك ،وعُ ْ
شْيد ،به ).(8 وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن داود بن ُر َ
فْيل كما تقدم .وهذا يقوي القول بعدم والمحفوظ أنه من رواية سلمة بن ن ُ َ
النسخ ،كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى أل يبقى حرب.
ها { حتى ل يبقى شرك .وهذا كقوله ب أ َوَْزاَر َ حْر ُ ضعَ ال ْ َ حّتى ت َ َ وقال قتادة َ } :
ن ل ِلهِ { ] البقرة .[ 193 : ّ دي ُ ن ال ّ كو َ ة وَي َ ُن فِت ْن َ ٌ كو َ حّتى ل ت َ ُ م َ تعالى } :وََقات ُِلوهُ ْ
ها { أي :أوزار المحاربين ،وهم ب أ َوَْزاَر َ حْر ُ ضعَ ال ْ َ حّتى ت َ َ ثم قال بعضهم َ } :
المشركون ،بأن يتوبوا إلى الله عز وجل .وقيل :أوزار أهلها ) (9بأن يبذلوا
الوسع في طاعة الله ،عز وجل.
م { أي :هذا ولو شاء الله لنتقم من ْهُ ْ
صَر ِ ه لن ْت َ َ شاُء الل ّ ُ ك وَل َوْ ي َ َ وقوله } :ذ َل ِ َ
ض { أي : م ب ِب َعْ ٍ ن ل ِي َب ْل ُوَ ب َعْ َ
ضك ُ ْ كال من عنده } ،وَل َك ِ ْ من الكافرين بعقوبة ون َ َ
ولكن شرع لكم الجهاد وقتال العداء ليختبركم ،ويبلو أخباركم .كما ذكر
حكمته في شرعية الجهاد في سورتي "آل عمران" و "براءة" في قوله :
} أ َم حسبت َ
م وَي َعْل َ َ
م من ْك ُ ْدوا ِ جاهَ ُ ن َ ذي َ ه ال ّ ِ ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ ة وَل َ ّ جن ّ َخُلوا ال ْ َ ن ت َد ْ ُمأ ْ ْ َ ِ ُْ ْ
ن { ] آل عمران .[ 142 : ري َ
صاب ِ ِ
ال ّ
__________
) (1زيادة من ت.
) (2رواه أبو داود في السنن برقم ) (2484من حديث عمران بن حصين
رضي الله عنه.
) (3في ت " :وروى المام أحمد بإسناده".
) (4في أ " :يرفع".
) (5في أ " :قاتلونهم ويرزقه الله".
) (6المسند ) (4/104وسنن النسائي ).(6/214
) (7في أ " :يرفع".
) (8ورواه ابن حبان في صحيحه برقم )" (1617موارد" من طريق أبي يعلى
عن داود بن رشيد به ،ورواه النسائي في السنن ) (6/214من طريق
إبراهيم بن أبي عبلة ،عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي ،عن جبير بن
نفير عن سلمة بن نفيل مرفوعا بنحوه.
) (9في ت ،أ " :وقيل :أوزارها".
) (7/308
) (7/309
ة عَّرفََها م ال ْ َ
جن ّ َ خل ُهُ ُ
م { أي :أمرهم وحالهم } ،وَي ُد ْ ِح َبال َهُ ْ
صل ِ ُ
وقوله } :وَي ُ ْ
م { أي :عرفهم بها وهداهم إليها. ل َهُ ْ
قال مجاهد :يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم ،وحيث قسم الله لهم منها ،
ل يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا ،ل يستدلون عليها أحدا .وروى مالك
عن ابن زيد بن أسلم نحو هذا.
وقال محمد بن كعب :يعرفون بيوتهم إذا دخلوا الجنة ،كما تعرفون بيوتكم
إذا انصرفتم من الجمعة.
كل بحفظ عمله في الدنيا حّيان :بلغنا أن الملك الذي كان وُ ّ وقال مقاتل بن َ
يمشي بين يديه في الجنة ،ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له ،
فيعّرفه كل شيء أعطاه الله في الجنة ،فإذا انتهى إلى أقصى منزله في
الجنة دخل ]إلى[ ) (1منزله وأزواجه ،وانصرف الملك عنه ذكرهن ) (2ابن
أبي حاتم ،رحمه الله.
وقد ورد الحديث الصحيح بذلك أيضا ،رواه البخاري من حديث قتادة ،عن
أبي المتوكل الناجي ،عن أبي سعيد الخدري ]رضي الله عنه[ ) (3؛ أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا
صون مظالم كانت بينهم في الدنيا ،حتى إذا بقنطرة بين الجنة والنار ،يتقا ّ
ذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ،والذي نفسي بيده ،إن أحدهم بمنزله هُ ّ
في الجنة أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا" ).(4
َ
ت َ
م وَي ُثب ّ ْ ُ
صْرك ْ ه ي َن ْ ُصُروا الل ّ َ ن ت َن ْ ُ مُنوا إ ِ ْ نآ َ ذي َ ثم قال تعالى َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
َ
صُره ُ { ] الحج ، [ 40 :فإن ن ي َن ْ ُ م ْ ه َ ن الل ّ ُ صَر ّ م { ،كقوله } :وَل َي َن ْ ُ مك ُ ْ أقْ َ
دا َ
َ
م { ،كما جاء في مك ُ ْدا َت أقْ َ الجزاء من جنس العمل ؛ ولهذا قال } :وَي ُث َب ّ ْ
ن ل يستطيع إبلغها ،ثبت الله قدمه م ْ الحديث " :من ب َّلغ ذا سلطان حاجة َ
على الصراط يوم القيامة".
م { ،عكس تثبيت القدام سا ل َهُ ْ فُروا فَت َعْ ً ن كَ َ ذي َ ثم قال تعالى َ } :وال ّ ِ
للمؤمنين الناصرين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ،وقد ثبت في
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :ت َِعس عبد الدينار ،
طيفة ] -وفي رواية :تعس عبد الخميصة[ ) ق ِ تعس عبد الدرهم ،تعس عبد ال َ
ك فل انتقش" ،أي :فل شفاه الله. شي َ - (5تعس وانتكس ،وإذا ِ
َ وقوله } :وأ َض ّ َ
م َ
م { أي :أحبطها وأبطلها ؛ ولهذا قال } :ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ مال َهُ ْ ل أعْ َ َ َ
َ َ َ َ ّ ما َأنز َ
م{ مالهُ ْ حب َط أعْ َ ه { أي :ل يريدونه ول يحبونه } ،فَأ ْ ل الل ُ هوا َ ك َرِ ُ
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت " :ذكر هذا".
) (3زيادة من ت.
) (4صحيح البخاري برقم ).(6535
) (5زيادة من تن أ.
) (7/310
حت َِها الن َْهاُر ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِت تَ ْ جّنا ٍ ت َ حا ِ صال ِ َ ال ّ مُلوا مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ل ال ّ ِ خ ُ ه ي ُد ْ ِ ن الل ّ َ } إِ ّ
َ َ ْ ُ ْ
م ) (12وَك َأي ّ ْ
ن وى لهُ ْ مث ْ ً م َوالّناُر َ ل الن َْعا ُ ما ت َأك ُ ُ ن كَ َ ن وَي َأك ُلو َ مت ُّعو َ فُروا ي َت َ َ ن كَ َ ذي َ َوال ّ ِ
خرجت َ َ َ ي أَ َ
م )(13 صَر ل َهُ ْ م َفل َنا ِ ك أهْل َك َْناهُ ْ ك ال ِّتي أ ْ َ َ ْ ن قَْري َت ِ َ م ْ شد ّ قُوّة ً ِ ن قَْري َةٍ هِ َ م ْ ِ
{.
َ َ
سيُروا { يعني :المشركين بالله المكذبين لرسوله م يَ ِ يقول تعالى } :أفَل ْ
م{ َ
ه عَلي ْهِ ْ ّ
مَر الل ُ م دَ ّ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِ ذي َ ّ
ة ال ِ عاقِب َ ُ ن َ َ
ف كا َ ض فَي َن ْظ ُُروا كي ْ َ
َ
} ِفي الْر ِ
أي :عاقبهم بتكذيبهم وكفرهم ،أي :ونجى المؤمنين من بين أظهرهم ؛
مَثال َُها { كافري َ
نأ ْ ولهذا قال } :وَل ِل ْ َ َ ِ ِ َ
َ
م{، موَْلى ل َهُ ْ نل َ ري َ كافِ ِ ن ال ْ َ مُنوا وَأ ّ نآ َ ذي َموَْلى ال ّ ِ ه َ ن الل ّ َ ك ب ِأ ّ ثم قال } :ذ َل ِ َ
ولهذا لما قال أبو سفيان صخُر بن حرب رئيس المشركين يوم أحد حين سأل
عن النبي صلى الله عليه وسلم ،وعن أبي بكر وعمر فلم يجب ،وقال :أما
هؤلء فقد هلكوا ،وأجابه عمر بن الخطاب فقال :كذبت يا عدو الله ،بل
ددت لحياء ]كلهم[ ) .(1فقال أبو أبقى الله لك ما يسوؤك ،وإن الذين عَ َ
ة لم آمر بها مث ْل َ ً سجال ،أما إنكم ستجدون ُ سفيان :يوم بيوم بدر ،والحرب ِ
ولم تسؤني ،ثم ذهب يرتجز ويقول :اعل هَُبل ،اعل هبل .فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :أل تجيبوه ؟" قالوا :يا رسول الله ،وما نقول ؟ قال
ل" ثم قال أبو سفيان :لنا العزى ،ول عُّزى لكم. " :قولوا :الله أعلى وأج ّ
فقال " :أل تجيبوه ؟" قالوا :وما نقول يا رسول الله ؟ قال " :قولوا :الله
مولنا ول مولى لكم" ).(2
ت
جّنا ٍ ت َ حا ِ صال ِ َ ملوا ال ّ ُ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ّ
ل ال ِ خ ُ ه ي ُد ْ ِ ّ
ن الل َ ثم قال ]تعالى ) } (3إ ِ ّ
ن ُ ُ ْ َ ّ
ن وَي َأكلو َ مت ُّعو َ فُروا ي َت َ َ نك َ ذي َ حت َِها الن َْهاُر { أي :يوم القيامة } َوال ِ ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ تَ ْ
ُ ْ
م { أي :في دنياهم ،يتمتعون بها ويأكلون منها كأكل النعام ، ل الن َْعا ُ ما ت َأك ُ كَ َ
ضما وقضما وليس لهم همة إل في ذلك .ولهذا ثبت في الصحيح " :المؤمن خ ْ َ
ي واحد ،والكافر يأكل في سبعة أمعاء" ).(4 مع ّ يأكل في ِ
م { أي :يوم جزائهم. ُ ْ ه َ ل وى ْ ث م
َ َ ّ ُ َ ً ر نا وال } ثم قال :
َ
ك ال ِّتي أ ْ َ
ك { يعني : جت ْ َ خَر َ ن قَْري َت ِ َ م ْ شد ّ قُوّة ً ِ يأ َ ن قَْري َةٍ هِ َ م ْ ن ِ وقوله } :وَك َأي ّ ْ
َ
م { ،وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لهل مكة ، صَر ل َهُ ْ م َفل َنا ِ مكة } ،أهْل َك َْناهُ ْ
في تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهو سيد المرسلين )(5
وخاتم النبياء ،فإذا كان الله ،عز وجل ،قد أهلك المم الذين كذبوا الرسل
قبله بسببهم ،وقد كانوا أشد قوة من هؤلء ،فماذا ظن هؤلء أن يفعل الله
بهم في الدنيا والخرى ؟ فإن رفع عن كثير منهم العقوبة في الدنيا لبركة
وجود الرسول نبي الرحمة ،فإن العذاب يوفر على
__________
) (1زيادة من أ.
) (2رواه البخاري في صحيحه برقم ) (4043من حديث البراء رضي الله
عنه.
) (3زيادة من أ.
) (4رواه البخاري في صحيحه برقم ) (5393ومسلم في صحيحه برقم )
(2060من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
) (5في ت " :الرسل".
) (7/311
َ َ
م )(14 واَءهُ ْمل ِهِ َوات ّب َُعوا أهْ َسوُء عَ َ ه ُ ن لَ ُ ن ُزي ّ َ م ْ ن َرب ّهِ ك َ َ م ْ ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ كا َ ن َ م ْ أفَ َ
َ َ
من لَ ْ م ْ َ
ن لب َ ٍ ن وَأن َْهاٌر ِ س ٍ ماٍء غَي ْرِ آ َ ِ ن َ م ْ
ن ِفيَها أن َْهاٌر ِ قو َ مت ّ ُعد َ ال ْ ُ جن ّةِ ال ِّتي وُ ِ ل ال ْ َ مث َ ُ َ
م ِفيَها ه َ لو فى ّ ص م لس ع ن م ر ها نَ أ و ن بي ر شا ّ لل ةّ ذَ ل ر م خ ن م ر ها ن َ أ و ه م ع َ ط ر
َ ُ ْ َ ٍ ُ َ َ ْ ِ ْ
ِِ َ َ َ ٌ ِ ٍ ْ ٍ َ ْ ِ ْ
ُ ُ َ َ ٌ ْ يَ ْ
ّ ي َ غ َ ت
ما
مي ً ح ِ ماًء َ قوا َ س ُ
خال ِد ٌ ِفي الّنارِ وَ ُ ن هُوَ َ م ْ َ
مك َ ن َرب ّهِ ْ م ْ فَرةٌ ِ مغْ ِت وَ َ مَرا ِ ل الث ّ َ ُ
نك ّ م ْ ِ
م )(15 َ ّ فَ َ
مَعاَءهُ ْ ق طع َ أ ْ
ع
م َ س ْ ن ال ّ طيُعو َ ست َ ِ كاُنوا ي َ ْ ما َ ب َ ذا ُ م ال ْعَ َ ف ل َهُ ُ ضاعَ ُ الكافرين به في معادهم } ،ي ُ َ
ن { ] هود .[ 20 : صُرو َ كاُنوا ي ُب ْ ِ ما َ وَ َ
ك { أي :الذين أخرجوك من بين أظهرهم. جت ْ َ َ ّ ن قَْري َت ِ َ
خَر َ ك الِتي أ ْ م ْ وقوله ِ } :
وقال ابن أبي حاتم :ذكر أبي ،عن محمد بن عبد العلى ،عن المعتمر بن
حَنش ) ، (1عن عكرمة ،عن ابن عباس :أن النبي سليمان ،عن أبيه ،عن َ
) (2صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار أراه قال :التفت )(3
ي، ب بلد الله إل ّ إلى مكة -وقال " :أنت أحب بلد الله إلى الله ،وأنت أح ّ
داولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك" ) .(4فأعدى العداء من عَ َ
حول الجاهلية ،فأنزل الله على الله في حرمه ،أو قتل غير قاتله ،أو قتل بذ ُ ُ
َ َ
ن قَْري َت ِكَ م ْ شد ّ قوّة ً ِ ُ يأ َ ن قَْري َةٍ هِ َ م ْ ن ِ على نبيه صلى الله عليه وسلم } :وَك َأي ّ ْ
خرجت َ َ َ
م{ صَر ل َهُ ْ م َفل َنا ِ ك أهْل َك َْناهُ ْ ال ِّتي أ ْ َ َ ْ
َ َ
م )(14 واَءهُ ْ مل ِهِ َوات ّب َُعوا أهْ َ سوُء عَ َ ه ُ ن لَ ُ ن ُزي ّ َ م ْ ن َرب ّهِ ك َ َ م ْ ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ كا َ ن َ م ْ } أفَ َ
َ َ
م ن لَ ْ ن لب َ ٍ
م ْ َ ن وَأن َْهاٌر ِ س ٍ ماٍء غَي ْرِ آ ِ ن َ م ْ ن ِفيَها أن َْهاٌر ِ قو َ مت ّ ُ عد َ ال ْ ُ جن ّةِ ال ِّتي وُ ِ ل ال ْ َ مث َ ُ َ
م ِفيَها ه َ ل و فى ّ ص م ل س ع ن م رها نَ أ و ن بي ر شا ّ لل ة ّ ذ َ ل ر م خ ن م ر ها ن َ أ و ه م عَ ط ر
َ ُ ْ َ ٍ ُ َ َ ِِ َ َ َْ ٌ ِ ْ ٍ ِ ْ ٍ َ ْ ُ ُ َ َْ ٌ ِ ْ يَ َ ّ ْ
ي َ غ ت
ما مي ً ح ِ ماًء َ قوا َ س ُ خال ِد ٌ ِفي الّنارِ وَ ُ ن هُوَ َ م ْ م كَ َ ن َرب ّهِ ْ م ْ فَرةٌ ِ مغْ ِ ت وَ َ مَرا ِ ل الث ّ َ ن كُ ّ م ْ ِ
م ).{ (15 ُ ه َ ء عا م َ أ ع ّ ط َ ق فَ
ْ َ ْ َ
َ ن َ َ
ن َرب ّهِ { أي :على بصيرة ويقين في أمر الله م ْ ن عَلى ب َي ّن َةٍ ِ كا َ م ْ يقول } :أفَ َ
جَبله الله عليه من ودينه ،بما أنزل الله في كتابه من الهدى والعلم ،وبما َ
َ
م { أي :ليس واَءهُ ْ مل ِهِ َوات ّب َُعوا أهْ َ سوُء عَ َ ه ُ ن لَ ُ ن ُزي ّ َ م ْ الفطرة المستقيمة } ،ك َ َ
َ ُ َ َ
مى ن هُوَ أعْ َ م ْ حق ّ ك َ َ ك ال ْ َ ن َرب ّ َ م ْ ك ِ ل إ ِل َي ْ َ ما أنز َ م أن ّ َ ن ي َعْل َ ُ م ْ هذا ،كهذا كقوله } :أفَ َ
َ َ
ة
جن ّ ِ ب ال ْ َ حا ُ ص َ ب الّنارِ وَأ ْ حا ُ ص َ وي أ ْ ست َ ِ { ] الرعد ، [ 19 :وكقوله } :ل ي َ ْ
م ال ْ َ َ
ن { ] الحشر .[ 20 : فائ ُِزو َ جن ّةِ هُ ُ ب ال ْ َ حا ُ ص َ أ ْ
جن ّةِ { ل ال ْ َ مث َ ُ ن { قال عكرمة َ } : قو َ مت ّ ُ عد َ ال ْ ُ جن ّةِ ال ِّتي وُ ِ ل ال ْ َ مث َ ُ ثم قال َ } :
ن { قال ابن عباس ،والحسن ، َ َ
س ٍ ماٍء غي ْرِ آ ِ ن َ م ْ أي :نعتها )ِ } : (5فيَها أن َْهاٌر ِ
وقتادة :يعني غير متغير .وقال قتادة ،والضحاك ،وعطاء الخراساني :غير
سن الماء ،إذا ت َغَّير ريحه. َ
منتن .والعرب تقول :أ ِ
ن { يعني :الصافي الذي س ٍ وفي حديث مرفوع أورده ابن أبي حاتم } :غَي ْرِ آ ِ
در فيه. ل كَ َ
كيع ،عن العمش ،عن وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو سعيد الشج ،حدثنا وَ ِ
جر ف ّ مّرة ) ، (6عن مسروق قال :قال عبد الله :أنهار الجنة ت ُ َ عبد الله بن ُ
من جبل من مسك.
__________
) (1في ت " :وروى ابن أبي حاتم بسنده".
) (2في ت " :أن رسول الله".
) (3في ت ،م " :وداراه".
) (4ورواه الطبري في تفسيره ).(26/31
) (5في ت ،م ،أ " :نعيمها".
) (6في ت " :وروى ابن أبي حاتم بسنده".
) (7/312
َ
ه { أي :بل في غاية البياض والحلوة م ُ م ي َت َغَي ّْر ط َعْ ُ
ن لَ ْ م ْ َ
ن لب َ ٍ } وَأن َْهاٌر ِ
ضُروع الماشية". والدسومة .وفي حديث مرفوع " :لم يخرج من ُ
ن { أي :ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر مرٍ ل َذ ّةٍ ِلل ّ َ
شارِِبي َ خ ْ ن َ م ْ} وَأن َْهاٌر ِ
الدنيا ،بل ]هي[ ) (1حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل } ،ل ِفيَها غَوْ ٌ
ل
ن{ ن عَن َْها َول ُينزُفو َعو َصد ّ ُن { ] الصافات } ، [47 :ل ي ُ َ م عَن َْها ُينزُفو َ َول هُ ْ
ن { ] الصافات ، [46 :وفي حديث شارِِبي َ َ
ضاَء لذ ّةٍ ِلل ّ ] الواقعة } ، [19 :ب َي ْ َ
مرفوع " :لم تعصرها الرجال بأقدامها".
فى { أي :وهو في غاية الصفاء ، ص ّ َ
م َل ُ س ٍن عَ َ م ْ ]وقوله[ ) } (2وَأن َْهاٌر ِ
وحسن اللون والطعم والريح ،وفي حديث مرفوع " :لم يخرج من بطون
النحل".
جريري ،عن حكيم وقال ) (3المام أحمد :حدثنا يزيد بن هارون ،أخبرنا ال ُ
بن معاوية ،عن أبيه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"في الجنة بحر اللبن ،وبحر الماء ،وبحر العسل ،وبحر الخمر ،ثم تشقق
النهار منها بعد".
ورواه الترمذي في "صفة الجنة" ،عن محمد بن َبشار ،عن يزيد بن هارون ،
جريري ،به ) (4وقال :حسن صحيح. عن سعيد بن إياس ال َ
وقال أبو بكر بن مردويه ) (5حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم ،حدثنا عبد الله
بن محمد بن النعمان ،حدثنا مسلم بن إبراهيم ،حدثنا الحارث بن عبيد أبو
قدامة اليادي ،حدثنا أبو عمران الجوني ،عن أبي بكر بن عبد الله بن
قيس ،عن أبيه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :هذه النهار
جوَْبة ،ثم تصدع بعد أنهارا" )(6 ب من جنة عدن في َ خ ُ َتش ُ
وفي الصحيح " :إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ،فإنه أوسط الجنة وأعلى
جر أنهار الجنة ،وفوقه عرش الرحمن" ).(7 ف ّ الجنة ،ومنه ت ُ َ
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني :حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة
الزبيري ،وعبد الله بن الصفر السكري قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي
،حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة ،حدثني عبد الرحمن بن عياش ،عن دلهم
بن السود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي ،عن أبيه ،
عن عمه لقيط بن عامر ،قال دلهم :وحدثنيه أيضا أبو السود ،عن عاصم
بن لقيط أن لقيط
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2زيادة من ت.
) (3في ت " :وروى".
) (4المسند ) (5/5وسنن الترمذي برقم ) (2571ورواه أبو نعيم في الحلية )
(6/204عن طريق الجريري به ،وقال " :غريب عن الجريري تفرد به عن
حكيم".
) (5في ت " :وروى ابن مردويه".
) (6ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم ) (314من طريق معلى بن أسد
عن الحارث بن عبيد به.
) (7سبق تخريج الحديث عند تفسير الية 133 :من سورة آل عمران.
) (7/313
بن عامر خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت :يا رسول
الله ،فعلم نطلع من الجنة ؟ قال " :على أنهار عسل مصفى ،وأنهار من
خمر ) (1ما بها صداع ول ندامة ،وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ،وماء غير
آسن ،وفاكهة ،لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله ،وأزواج مطهرة"
قلت :يا رسول الله ،أو لنا فيها أزواج مصلحات ؟ قال " :الصالحات
للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم ،غير أل توالد" ).(2
وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا :حدثنا يعقوب بن عبيدة )، (3
عن يزيد بن هارون ،أخبرني الجريري ،عن معاوية بن قرة ،عن أبيه )، (4
عن أنس بن مالك قال :لعلكم تظنون أن أنهار الجنة تجري في أخدود في
الرض ،والله إنها لتجري سائحة على وجه الرض ،حافاتها قباب اللؤلؤ ،
وطينها المسك الذ َْفر ).(5
مْرُدويه ،من حديث مهدي بن حكيم ،عن يزيد بن وقد رواه أبو بكر ابن َ
هارون ،به مرفوعا ).(6
ل َفاك ِهَ ٍ
ة ُ
ن ِفيَها ب ِك ّ عو َ ت { ،كقوله } :ي َد ْ ُ مَرا ِ ل الث ّ َ ُ
نك ّ م ْ م ِفيَها ِوقوله } :وَل َهُ ْ
ن{ جا ِل َفاك ِهَةٍ َزوْ َ ن كُ ّ
م ْ ما ِن { ] الدخان .[55 :وقوله ِ } :فيهِ َ مِني َ
آ ِ
] الرحمن .[ 52 :
م { أي :مع ذلك كله. ن َرب ّهِ ْ م ْ فَرةٌ ِ
مغْ ِ وقوله } :وَ َ
خال ِد ٌ ِفي الّنارِ { أي :أهؤلء الذين ذكرنا منزلتهم من ن هُوَ َ م ْوقوله } :ك َ َ
الجنة كمن هو خالد في النار ؟ ليس هؤلء كهؤلء ،أي :ليس من هو في
ما { أي :حارا )(8 مي ً ح ِ ماًء َقوا َس ُالدرجات كمن هو ) (7في الدركات } ،وَ ُ
َ
م { أي :قطع ما في بطونهم من مَعاَءهُ ْقط ّعَ أ ْ شديد الحر ،ل يستطاع } .فَ َ
المعاء والحشاء ،عياذا بالله من ذلك.
__________
) (1في ت ،م ،أ " :كأس".
) (2المعجم الكبير ) (19/211من حديث طويل كأن الحافظ اختصره ،
وصورة السند في المعجم الكبير " :حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة
الزبيري وعبد الله بن الصقر العسكري -وصوابه :السكري -قال :حدثنا
إبراهيم بن المنذر الحزامي ،حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الله بن
خالد بن حزام ،حدثني عبد الرحمن بن عياش النصاري ثم المسعودي عن
دلهم بن السود عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر خرج ...الحديث".
وهناك عطف بالواو يوهم أن هناك إسنادا آخر رواه الطبراني ،وليس عنده
إل من هذا الطريق ،وقد رواه عبد الله بن المام أحمد في زوائد المسند )
(4/13من طريق إبراهيم بن حمزة بن مصعب بن الزبير عن عبد الرحمن
بن المغيرة الحزامي عن عبد الله بن عياش عن دلهم بن السود بن عبد الله
بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر
فذكره.
) (3في م " :عبيد".
) (4في ت " :وروى ابن أبي الدنيا بسنده".
) (5وذكره المنذري في الترغيب والترهيب ) (4/518وقال " :وروى ابن أبي
الدنيا بسنده".
) (6ورواه أبو نعيم في الحلية ) (6/205من طريق محمد بن أحمد الزهري
عن مهدي بن حكيم بن مهدي به مرفوعا.
) (7في م " :هو خالد".
) (8في ت " :صار".
) (7/314
ك َقاُلوا ل ِل ّذي ُ
ماَذا م َ ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ ِ َ عن ْدِ َن ِ م ْجوا ِ خَر ُ حّتى إ َِذا َ ك َ معُ إ ِل َي ْ َ ست َ ِ ن يَ ْ م ْ م َ من ْهُ ْ وَ ِ
ن ّ َ ُ ُ َ ّ َ ّ َ َ ُ َ
َقال آن ِ ً
َ
ذي َ م )َ (16وال ِ
ْ
واَءهُ ْ م َوات ّب َُعوا أهْ َ ه عَلى قلوب ِهِ ْ ن طب َعَ الل ُ ذي َ فا أولئ ِك ال ِ
َ َ
من ت َأت ِي َهُ ْ ةأ ْ ساعَ َ ن إ ِّل ال ّ ل ي َن ْظ ُُرو َ م ) (17فَهَ ْ واهُ ْ ق َ م تَ ْ دى وَآَتاهُ ْ م هُ ً اهْت َد َْوا َزاد َهُ ْ
ه إ ِّل َ َ َ
ه َل إ ِل َ َ م أن ّ ُ م )َ (18فاعْل َ ْ م ذِك َْراهُ ْ جاَءت ْهُ ْ م إ َِذا َ شَراط َُها فَأّنى ل َهُ ْ جاَء أ ْ قد ْ َ ة فَ َ ب َغْت َ ً
م )(19 واك ُ ْ مث ْ َ م وَ َ قل ّب َك ُ ْ
مت َ َ
م ُ ه ي َعْل َ ُت َوالل ّ ُ مَنا ِمؤ ْ ِ ن َوال ْ ُ مِني َ مؤ ْ ِ ك وَل ِل ْ ُ فْر ل ِذ َن ْب ِ َ ست َغْ ِ
ه َوا ْ الل ّ ُ
ك َقاُلوا ل ِل ّذي ُ
ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ
م ِ َ عن ْدِ َ ن ِ م ْ جوا ِ خَر ُ حّتى إ َِذا َ ك َ معُ إ ِل َي ْ َ ست َ ِ ن يَ ْ م ْ م َ من ْهُ ْ } وَ ِ
ن ّ َ ُ ُ َ ّ َ ّ َ َ ُ َ
ماَذا قا َ
ذي َ م )َ (16وال ِ
ْ
واَءهُ ْ م َوات ّب َُعوا أهْ َ ه عَلى قلوب ِهِ ْ ن طب َعَ الل ُ ذي َ فا أولئ ِك ال ِ ل آن ِ ً َ
م َ ُ ْ َ
ن ت َأت ِي َهُ ْ ةأ ْ ساعَ َ ن ِإل ال ّ م ) (17فهَل ي َن ْظُرو َ واهُ ْ ق َ م تَ ْ دى َوآَتاهُ ْ م هُ ً اهْت َد َْوا َزاد َهُ ْ
ه ِإل َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ة فَ َ
ه ل إ ِل َ م أن ّ ُ م ) (18فاعْل ْ م ذِكَراهُ ْ جاَءت ْهُ ْ م إ ِذا َ جاَء أشَراطَها فأّنى لهُ ْ قد ْ َ ب َغْت َ ً
م )(19 واك ُْ مث َْ و م ُ ك ب ّ ل َ ق
َِ ُ ِ ِ َ َ ُ ِ َ ِ َ ُ َْ ُ ُ َ َ ْ َ َت م م َ ل ع ي ه ّ ل وال ت نا م ْ ؤ م ْ ل وا ن ني م ْ ؤ م ْ ل ل و ك َ َ
ه َ ْ َْ ِ ْ ِ ِْ
ب ن ذ ل ر ف غت س وا الل ّ ُ
{.
يقول تعالى مخبرا عن المنافقين في بلدتهم وقلة فهمهم حيث كانوا
يجلسون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستمعون كلمه ول يفهمون
منه شيئا ،فإذا خرجوا من عنده } َقاُلوا ل ِل ّذي ُ
م { من الصحابة } : ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ ِ َ
فا { أي :الساعة ،ل يعقلون ما يقال ) ، (1ول يكترثون له. ل آن ِ ً ماَذا َقا َ َ
م { أي : ُ ه َ ء وا ْ ه َ أ عوا ب ت وا م ه ب لوُ ُ ق لى َ َ ع ه ّ ل ال ع ب َ ط ن ذي ّ لا ك َ ِ ئَ ل أو ُ } : تعالى الله قال
ْ َ ُ َ ّ ِِ ْ َ ُ َ َ َ ِ
فل فهم صحيح ،ول قصد صحيح.
دى { أي :والذين قصدوا الهداية وفقهم م هُ ً ن اهْت َد َْوا َزاد َهُ ْ ذي َ ثم قال َ } :وال ّ ِ
م { أي : واهُ ْ ق َ م تَ ْ الله لها فهداهم إليها ،وثبتهم عليها وزادهم منها َ } ،وآَتاهُ ْ
ألهمهم رشدهم.
ة { أي :وهم غافلون عنها ، ْ َ ُ وقوله } :فَهَ ْ
م ب َغْت َ ً ن ت َأت ِي َهُ ْ ةأ ْ ساعَ َ ن ِإل ال ّ ل ي َن ْظُرو َ
ن
م َ ذيٌر ِ ذا ن َ ِ شَراط َُها { أي :أمارات اقترابها ،كقوله تعالى } :هَ َ جاَء أ َ ْ قد ْ َ } فَ َ
َ
ت ة { ] النجم ، [ 57 ، 56 :وكقوله } :اقْت ََرب َ ِ ت الزِفَ ُ الن ّذ ُرِ الوَلى أزِفَ ِ
مُر الل ّهِ َفل َ َ شقّ ال ْ َ ة َوان ْ َ
مُر { ] القمر [ 1 :وقوله } :أَتى أ ْ ق َ ساعَ ُ ال ّ
فل َ ٍ
ة م ِفي غَ ْ م وَهُ ْ ساب ُهُ ْ ح َ س ِب ِللّنا ِ جُلوه ُ { ] النحل ، [1 :وقوله } :اقْت ََر َ ست َعْ ِ تَ ْ
ن { ] النبياء ، [ 1 :فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضو َ معْرِ ُ ُ
أشراط الساعة ؛ لنه خاتم الرسل الذي أكمل الله به الدين ،وأقام به الحجة
على العالمين .وقد أخبر -صلوات الله وسلمه عليه -بأمارات الساعة
وأشراطها ،وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله ،كما هو مبسوط
في موضعه.
وقال الحسن البصري :بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من أشراط
الساعة .وهو كما قال ؛ ولهذا جاء في أسمائه عليه السلم ،أنه نبي التوبة ،
شر الناس على قدميه ،والعاقب الذي ونبي الملحمة ،والحاشر الذي ُيح َ
ليس بعده نبي.
وقال ) (2البخاري :حدثنا أحمد بن المقدام ،حدثنا فضيل بن سليمان ،حدثنا
أبو حازم ،حدثنا ) (3سهل بن سعد قال :رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال بأصبعيه هكذا ،بالوسطى والتي تليها " :بعثت أنا والساعة
كهاتين" ).(4
ْ َ َ
م { أي :فكيف للكافرين م ذِكَراهُ ْ
جاَءت ْهُ ْ ثم قال تعالى } :فَأّنى لهُ ْ
م إ َِذا َ
بالتذكر ) (5إذا جاءتهم القيامة ،حيث ل ينفعهم ذلك ) ، (6كقوله تعالى :
َ
ه الذ ّك َْرى { ] الفجر ، [ 23 : ن وَأّنى ل َ ُ سا ُ مئ ِذ ٍ ي َت َذ َك ُّر الن ْ َ
} ي َوْ َ
__________
) (1في أ " :ما يقول".
) (2في ت " :وروى".
) (3في ت " :عن".
) (4صحيح البخاري برقم ).(4936
) (5في ت " :التذكير".
) (6في ت " :التذكير".
) (7/315
َ
ن ب َِعيد ٍ { ] سبأ .[ 52 : م َ
كا ٍ ن َم ْ
ش ِم الت َّناوُ ُ مّنا ب ِهِ وَأّنى ل َهُ ُ } وََقاُلوا آ َ
َ
ه { هذا إخبار :بأنه ل إله إل الله ،ول يتأتى ه ِإل الل ّ ُ
ه ل إ ِل َ َ م أن ّ ُ وقوله َ } :فاعْل َ ْ
ك فْر ل ِذ َن ْب ِ َست َغْ ِ) (1كونه آمرا بعلم ذلك ؛ ولهذا عطف عليه بقوله َ } :وا ْ
ت { وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنا ِ مؤ ْ ِ ن َوال ْ ُ مِني َمؤ ْ ِوَل ِل ْ ُ
كان يقول " :اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ،وإسرافي في أمري ،وما أنت
مدي ،وكل ذلك طئي وعَ ْ خ َدي ،و َ أعلم به مني .اللهم اغفر لي هَْزلي وج ّ
عندي" ) .(2وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلة " :اللهم اغفر لي ما
قدمت وما أخرت ،وما أسررت وما أعلنت ،وما أسرفت ،وما أنت أعلم به
مني ،أنت إلهي ل إله إل أنت" ) (3وفي الصحيح أنه قال " :يا أيها الناس ،
توبوا إلى ربكم ،فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين
مرة" )(4
وقال ) (5المام أحمد :حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة عن عاصم
الحول قال :سمعت ) (6عبد الله بن سرجس قال :أتيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأكلت معه من طعامه ،فقلت :غفر الله لك يا رسول الله
فْر ل ِذ َن ْب ِ َ
ك ست َغْ ِفقلت :استغفر لك ) (7؟ فقال " :نعم ،ولكم" ،وقرأ َ } :وا ْ
ت { ،ثم نظرت إلى ن ُْغض كتفه اليمن -أو :كتفه مَنا ِ مؤ ْ ِ ن َوال ْ ُ مِني َمؤ ْ ِوَل ِل ْ ُ
اليسر شعبة الذي شك -فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل.
رواه مسلم ،والترمذي ،والنسائي ) ، (8وابن جرير ،وابن أبي حاتم ،من
طرق ،عن عاصم الحول ،به ).(9
حّرز بن عون ) ، (10حدثنا م َوفي الحديث الخر الذي رواه أبو يعلى :حدثنا ُ
صيَرة ،عن أبي رجاء ،عنعثمان بن مطر ،حدثنا عبد الغفور ،عن أبي ن َ ِ
أبي بكر الصديق ،رضي الله عنه ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال " :عليكم بل إله إل الله والستغفار ،فأكثروا منهما ،فإن إبليس قال :
أهلكت ) (11الناس بالذنوب ،وأهلكوني بـ "ل إله إل الله" ،والستغفار فلما
رأيت ذلك أهلكتهم بالهواء ،فهم يحسبون أنهم مهتدون" ).(12
وفي الثر المروي " :قال إبليس :وعزتك وجللك ل أزال أغويهم ما دامت
أرواحهم في
__________
) (1في أ " :إل هو ول ينافي".
) (2صحيح البخاري برقم ).(6398
) (3صحيح مسلم برقم ).(769
) (4صحيح البخاري برقم ).(6307
) (5في ت " :وروى".
) (6في ت " :عن".
) (7في ت ،م ،أ " :استغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم".
) (8في ت " :والنسائي وابن ماجه".
) (9المسند ) (5/82وصحيح مسلم برقم ) (2346والشمائل للترمذي برقم )
(22والنسائي في السنن الكبرى برقم ).(11496
) (10في م " :محمد بن عوف" وفي هـ " :محمد بن عون" .والتصويب من
مسند أبي يعلى.
) (11في م " :قال :إنما أهلكت".
) (12مسند أبي يعلى ) ، (1/123وقال الهيثمي في المجمع ): (10/207
"فيه عثمان بن مطر وهو ضعيف".
) (7/316
أجسادهم .فقال الله عز وجل :وعزتي وجللي ول أزال أغفر لهم ما
استغفروني" )(1
والحاديث في فضل الستغفار كثيرة جدا.
م { أي :يعلم تصرفكم في نهاركم واك ُ ْ
مث ْ َ قل ّب َك ُ ْ
م وَ َ مت َ َ
م ُه ي َعْل َ ُ
وقوله َ } :والل ّ ُ
م
حت ُ ْجَر ْ
ما َ ل وَي َعْل َ ُ
م َ م ِبالل ّي ْ ِذي ي َت َوَّفاك ُ ْومستقركم في ليلكم ،كقوله } :وَهُوَ ال ّ ِ
ض ِإل عََلى الل ّ ِ
ه ن َداب ّةٍ ِفي الْر ِ م ْ ما ِِبالن َّهارِ { ] النعام ، [ 60 :وكقوله } :وَ َ
ن { ] هود .[ 6 :وهذا مِبي ٍ ب ُ ل ِفي ك َِتا ٍ ست َوْد َعََها ك ُ ّم ْ ها وَ ُ قّر َ ست َ َ
م ْ م ُ رِْزقَُها وَي َعْل َ ُ
القول ذهب إليه ابن جريج ،وهو اختيار ابن جرير .وعن ابن عباس :متقلبكم
في الدنيا ،ومثواكم في الخرة.
وقال السدي :متقلبكم في الدنيا ،ومثواكم في قبوركم.
والول أولى وأظهر ،والله أعلم.
__________
) (1رواه أحمد في مسنده ) (3/29من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه.
) (7/317
ُ ذي َ
ة وَذ ُك َِر ِفيَها حك َ َ
م ٌ م ْ
سوَرة ٌ ُ ت ُ سوَرة ٌ فَإ َِذا أن ْزِل َ ْ ت ُ مُنوا ل َوَْل ن ُّزل َ ْ نآ َ ل ال ّ ِ َ قو ُ وَي َ ُ
َ ْ َ َ ُ ُ ّ َ
ن
م َ ي عَلي ْهِ ِ ش ّ مغْ ِ َ
ن إ ِلي ْك ن َظَر ال َ ض ي َن ْظُرو َ مَر ٌ م َ ُ
ن ِفي قلوب ِهِ ْ ذي َ ت ال ِ قَتال َرأي ْ َ ُ ال ْ ِ
َ َ
صد َُقوا الل ّ َ
ه مُر فَل َوْ َ م اْل ْ ف فَإ َِذا عََز َ معُْرو ٌ ل َ ة وَقَوْ ٌ طاعَ ٌ م )َ (20 ت فَأوَْلى ل َهُ ْ مو ْ ِ ال ْ َ
قط ُّعوا َ ْ َ
ض وَت ُ َ دوا َِفي الْر ِ س ُف ِ ن تُ ْ مأ ْ ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ م إِ ْسي ْت ُ ْ ل عَ َ م ) (21فَهَ ْ خي ًْرا ل َهُ ْ ن َ كا َ لَ َ
َ َ ُ َ
م )(23 صاَرهُ ْ مى أب ْ َ م وَأعْ َ مهُ ْ ص ّه فَأ َ م الل ّ ُ ن ل َعَن َهُ ُ ذي َ ك ال ّ ِ
م ) (22أول َئ ِ َ مك ُ ْ حا َأْر َ
ُ
ة وَذ ُك َِر ِفيَها م ٌ حك َ َ م ْ سوَرة ٌ ُ ت ُ سوَرة ٌ فَإ َِذا أنزل َ ْ ت ُ ول نزل َ ْ مُنوا ل َ ْ نآ َ ذي َ ل ال ّ ِ قو ُ } وَي َ ُ
َ ْ َ َ ُ ُ ّ َ
ن
م َ ي عَلي ْهِ ِ ش ّ مغْ ِ ن إ ِلي ْك ن َظَر ال َ َ ض ي َن ْظُرو َ مَر ٌ م َ ن ِفي قلوب ِهِ ْ ُ ذي َ ت ال ِ ل َرأي ْ َ قَتا ُ ال ْ ِ
َ
صد َُقوا الل ّ َ
ه مُر فَل َوْ َ م ال ْ ف فَإ َِذا عََز َ معُْرو ٌ ل َ ة وَقَوْ ٌ طاعَ ٌ م )َ (20 ت فَأوَْلى ل َهُ ْ مو ْ ِ ال ْ َ
قط ُّعوا َ
ض وَت ُ َ دوا َِفي الْر ِ س ُ ف ِ ن تُ ْ مأ ْ ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ م إِ ْ سي ْت ُ ْ ل عَ َ م ) (21فَهَ ْ خي ًْرا ل َهُ ْ ن َ كا َ لَ َ
َ َ ُ َ
م ).{ (23 صاَرهُ ْ مى أب ْ َ م وَأعْ َ مهُ ْ ص ّ ه فَأ َ م الل ّ ُ ن ل َعَن َهُ ُ ذي َ ك ال ّ ِ م ) (22أول َئ ِ َ مك ُ ْ حا َ أْر َ
يقول تعالى مخبرا عن المؤمنين أنهم تمنوا شرعية الجهاد ،فلما فرضه الله ،
َ
م ت ََر عز وجل ) ، (1وأمر به نكل عنه كثير من الناس ،كقوله تعالى } :أل َ ْ
َ َ
ب عَل َي ْهِ ُ
م ما ك ُت ِ َ كاة َ فَل َ ّ صلة َ َوآُتوا الّز َ موا ال ّ م وَأِقي ُ فوا أي ْدِي َك ُ ْ م كُ ّ ل ل َهُ ْ ن ِقي َ ذي َ إ َِلى ال ّ ِ
ُ َ َ ّ
ة وََقالوا َرب َّنا شي َ ً خ ْ شد ّ َ شي َةِ اللهِ أوْ أ َ خ ْ س كَ َ ن الّنا َ شو ْ َ خ َ م يَ ْ من ْهُ ْ ريقٌ ِ ِ ل إ َِذا فَ قَتا ُ ال ْ ِ
َ ول أ َ ّ
خَرةُ ل َوال ِ مَتاعُ الد ّن َْيا قَِلي ٌ ل َ ب قُ ْ ري ٍ ل قَ ِ ج ٍخْرت ََنا إ َِلى أ َ ل لَ ْ قَتا َ ت عَل َي َْنا ال ْ ِ م ك َت َب ْ َ لِ َ
ن فَِتيل { ]النساء .[77 : مو َ َ ْ
قى َول ت ُظل ُ ن ات ّ َ م ِ خي ٌْر ل ِ َ َ
سوَرةٌ { أي :مشتملة على ت ُ ول نزل َْ َ
مُنوا ل ْ نآ َ ذي َ ل ال ِ ّ قو ُ وقال ها هنا } :وَي َ ُ
َ ْ َ َ ُ ح ْ
ت ل َرأي ْ َ قَتا ُ ة وَذ ُك َِر ِفيَها ال ِ م ٌ حك َ م ْ سوَرة ٌ ُ ت ُ كم القتال ؛ ولهذا قال } :فَإ َِذا أنزل ْ ُ
ت { أي : مو ْ ِ ْ
ن ال َ م َ َ
ي عَلي ْهِ ِ ش ّ مغْ ِ ْ َ
ن إ ِلي ْك ن َظَر ال َ َ َ ض ي َن ْظُرو َ ُ مَر ٌ م َ ُ
ن ِفي قُلوب ِهِ ْ ذي َ ال ِ ّ
َ َ
من فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء العداء .ثم قال مشجعا لهم } :فَأوْلى
ف { أي :وكان الولى بهم أن يسمعوا ويطيعوا ،أي : معُْرو ٌ ل َ ة وَقَوْ ٌ طاعَ ٌ م َ ل َهُ ْ
مُر { أي :جد الحال ،وحضر القتال ، م ال ْ في الحالة الراهنة } ،فَإ َِذا عََز َ
م{ خي ًْرا ل َهُ ْ ن َ كا َ ه { أي :أخلصوا له النية } ،ل َ َ صد َُقوا الل ّ َ } فَل َوْ َ
َ
ن
م { أي :عن الجهاد ونكلتم عنه } ،أ ْ ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ م إِ ْ سي ْت ُ ْ ل عَ َ وقوله } :فَهَ ْ
َ
م{ مك ُ ْ حا َ قط ُّعوا أْر َ ض وَت ُ َ دوا ِفي الْر ِ س ُ ف ِ تُ ْ
__________
) (1في ت " :الله تعالى".
) (7/317
أي :تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلء ،تسفكون الدماء وتقطعون
َ َ َ الرحام ؛ ولهذا قال ُ } :أول َئ ِ َ
م{ صاَرهُ ْ
مى أب ْ َ
م وَأعْ َ
مهُ ْ
ص ّ م الل ّ ُ
ه فَأ َ ن ل َعَن َهُ ُ ك ال ّ ِ
ذي َ
وهذا نهي عن الفساد في الرض عموما ،وعن قطع الرحام خصوصا ،بل
قد أمر ]الله[ ) (1تعالى بالصلح في الرض وصلة الرحام ،وهو الحسان
إلى القارب في المقال والفعال وبذل الموال .وقد وردت الحاديث الصحاح
والحسان بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،من طرق عديدة ،
ووجوه كثيرة.
خَلد ،حدثنا سليمان ،حدثني معاوية بن أبي م ْقال البخاري :حدثنا خالد بن َ
مَزّرد ،عن سعيد بن يسار ) ، (2عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه ُ
وسلم قال " :خلق الله الخلق ،فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو
الرحمن عز وجل ،فقال :مه! فقالت :هذا مقام العائذ بك من القطيعة.
فقال :أل ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت :بلى.
ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ
م م إِ ْ سي ْت ُ ْ
ل عَ َ قال :فذاك ) .(3قال أبو هريرة :اقرؤوا إن شئتم } :فَهَ ْ
َ َ
م { ).(4 مك ُ ْ قط ُّعوا أْر َ
حا َ ض وَت ُ َ
دوا ِفي الْر ِ س ُف ِن تُ ْ
أ ْ
ثم رواه البخاري من طريقين آخرين ،عن معاوية بن أبي مزرد ،به .قال
ن
م إِ ْ سي ْت ُ ْل عَ َ رسول الله صلى الله عليه وسلم " :اقرؤوا إن شئتم } :فَهَ ْ
َ تول ّيت َ
م { ) (5ورواه مسلم من مك ُ ْ قط ُّعوا أْر َ
حا َ ض وَت ُ َ
دوا ِفي الْر ِ س ُ
ف ِ
ن تُ ْ
مأ ْ َ َ ُْ ْ
حديث معاوية بن أبي مزرد ،به ).(6
وقال ) (7المام أحمد :حدثنا إسماعيل أخبرنا عيينة بن عبد الرحمن بن
جوشن ،عن أبيه ،عن أبي بكرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :ما من ذنب أحرى أن يعجل الله عقوبته في الدنيا ،مع ما يدخر
لصاحبه في الخرة ،من البغي وقطيعة الرحم".
َ
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ،من حديث إسماعيل -هو ابن عُلية -به
) .(8وقال الترمذي :هذا حديث صحيح.
وقال ) (9المام أحمد :حدثنا محمد بن بكر ،حدثنا ميمون أبو محمد
المرئي ،حدثنا محمد بن عباد المخزومي ،عن ثوبان ،عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال " :من سره الّنساء في الجل ،والزيادة في الرزق ،
فليصل رحمه" ) .(10تفرد به أحمد ،وله شاهد في الصحيح.
__________
) (1زيادة من ت ،م ،أ.
) (2في ت " :فروى البخاري بسنده".
) (3في أ " :فذلك لك".
) (4صحيح البخاري برقم ).(4830
) (5صحيح البخاري برقم ) (4832 ، 4831لكن زاد أبو الحباب بين معاوية
وسعيد بن يسار.
) (6صحيح مسلم برقم ) (2554من طريق معاوية بن أبي مزرد عن عمه
أبي الحباب عن سعيد بن يسار به.
) (7في ت " :وروى".
) (8المسند ) (5/38وسنن أبي داود برقم ) (4902وسنن الترمذي برقم )
(2511وسنن ابن ماجه برقم ).(4211
) (9في ت " :وروى".
) (10المسند ) (5/279وشاهده حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا
" :من سره أن يبسط عليه رزقه ،أو ينسأ في أثره فليصل رحمه" .رواه
البخاري في صحيحه برقم ) (5986ومسلم في صحيحه برقم )(2557
واللفظ لمسلم.
) (7/318
وقال ) (1أحمد أيضا :حدثنا يزيد بن هارون ،حدثنا حجاج بن أرطاة ،عن
عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن جده قال :جاء رجل إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله إن لي ذوي أرحام ،أصل ويقطعون ،
وأعفو ويظلمون ،وأحسن ويسيئون ،أفأكافئهم ؟ قال " :ل إذن تتركون
جد ْ بالفضل وصلهم ؛ فإنه لن يزال معك ظهير من الله ،عزجميعا ،ولكن ُ
وجل ،ما كنت على ذلك" ).(2
تفرد به من هذا الوجه ،وله شاهد ) (3من وجه آخر.
طر ،عن مجاهد ،عن عبد الله بن وقال المام أحمد :حدثنا ي َعَْلى ،حدثنا فِ ْ
عمرو ) (4قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن الرحم معلقة
بالعرش ،وليس الواصل بالمكافئ ،ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه
وصلها" ،رواه البخاري ).(6) (5
وقال أحمد :حدثنا بهز ،حدثنا حماد بن سلمة ،أخبرنا قتادة ،عن أبي ثمامة
الثقفي ،عن عبد الله بن عمرو قال :قال رسول الله صلى الله عليه
جَنة كحجنة المغزل ،تتكلم بلسان ح ْ
وسلم " :توضع الرحم يوم القيامة لها ُ
ط َُلق ذ َُلق ،فتصل من وصلها وتقطع من قطعها" ).(7
وقال ) (8المام أحمد :حدثنا سفيان ،حدثنا عمرو ،عن أبي قابوس ،عن
عبد الله بن عمرو -يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم -قال " :الراحمون
يرحمهم الرحمن ،ارحموا أهل الرض ) (9يرحمكم أهل السماء ،والرحم
جَنة من الرحمن ،من وصلها وصلته ،ومن قطعها بتته". ُ
ش ْ
وقد رواه أبو داود ) (10والترمذي ،من حديث سفيان بن عيينة ،عن عمرو
بن دينار ،به ) .(11وهذا هو الذي يروي بتسلسل الولية ) ، (12وقال
الترمذي :حسن صحيح.
سَتوائي ،عنوقال المام أحمد :حدثنا يزيد بن هارون ،حدثنا هشام الد ّ ْ
يحيى بن أبي كثير ،عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ ؛ أن أباه حدثه :أنه
دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض ،فقال له عبد الرحمن :وصلتك
م ،إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :قال الله عز وجل :أنا َرح ٌ
الرحمن ،خلقت الرحم وشققت لها من اسمي ،فمن يصلها أصله ،ومن
يقطعها أقطعه فأبته -أو قال :من يبتها أبته".
تفرد به من هذا الوجه ) .(13ورواه أحمد أيضا من حديث الزهري ،عن أبي
سلمة ،عن الرداد -
__________
) (1في ت " :وروى".
) (2المسند ).(2/181
) (3في أ " :شواهد".
) (4في ت " :عن ابن عمر".
) (5في ت " :انفرد به".
) (6المسند ) (2/163وصحيح البخاري برقم ).(5991
) (7المسند ) (2/189قال الهيثمي في المجمع )" : (8/150رجال أحمد
رجال الصحيح غير أبي ثمامة الثقفي ،وثقه ابن حبان".
) (8في ت " :رواه".
) (9في أ " :ارحموا من في الرض".
) (10في ت " :وقد رواه أحمد وأبو داود".
) (11المسند ) (2/160وسنن أبي داود برقم ) (4941وسنن الترمذي برقم
).(1924
) (12وأروي هذا الحديث بالجازة مسلسل بأول ما سمع ،إل أن الولية
تنقطع فيما فوق سفيان ،وعلى هذا فشرط المسلسل غير كتحقق عند
التدقيق.
) (13المسند ).(1/191
) (7/319
دوا عََلى ن اْرت َ ّ ذي َ ن ال ّ ِ فال َُها ) (24إ ِ ّ ب أ َقْ َ م عََلى قُُلو ٍ نأ ْ
قرآ َ َ
ن ال ْ ُ ْ َ أفََل ي َت َد َب ُّرو َ
َ
َ َ
م ) (25ذ َل ِ َ
ك مَلى ل َهُ ْ م وَأ ْ ل ل َهُ ْ سو ّ َن َ شي ْ َ
طا ُ دى ال ّ م ال ْهُ َ ن ل َهُ ُما ت َب َي ّ َن ب َعْد ِ َ م ْم ِ أد َْبارِهِ ْ
َ َ
ه ي َعْل َ ُ
م مرِ َوالل ّ ُ ض اْل ْ ِ م ِفي ب َعْ طيعُك ُ ْسن ُ ِ ه َ ل الل ّ ُ ما ن َّز َ هوا َ ن ك َرِ ُ ذي َم َقاُلوا ل ِل ّ ِ ب ِأن ّهُ ْ
َ مَلئ ِك َ ُ
م )(27 م وَأد َْباَرهُ ْ جوهَهُ ْ ن وُ ُ ضرُِبو َ ة يَ ْ م ال ْ َ ف إ َِذا ت َوَفّت ْهُ ُ م ) (26فَك َي ْ َ سَراَرهُ ْ إِ ْ
َ َ َ َ
م )(28 مال َهُ ْ ط أعْ َ حب َ َ ه فَأ ْ وان َ ُ
ض َهوا رِ ْ ه وَك َرِ ُ ط الل ّ َخ َ س َ ما أ ْ م ات ّب َُعوا َ ك ب ِأن ّهُ ُ ذ َل ِ َ
داد -عن عبد الرحمن بن عوف ،به ) .(1ورواه أبو داود أو أبي الر ّ
والترمذي ،من رواية أبي سلمة ،عن أبيه ) .(2والحاديث في هذا كثيرة.
وقال الطبراني :حدثنا علي بن عبد العزيز ،حدثنا محمد بن عمار
الموصلي ،حدثنا عيسى بن يونس ،عن محمد بن عبد الله بن علثة )، (3
صة ،عن أبي عمر البصري ،عن سلمان ) (4قال : فَرافِ َ عن الحجاج بن ال ُ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :الرواح جنود مجندة ،فما َتعارف
منها ائتلف ، /وما تناكر منها اختلف" ).(5
وبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إذا ظهر القول ،وخزن العمل ،
وائتلفت اللسنة ،وتباغضت القلوب ،وقطع كل ذي رحم رحمه ،فعند ذلك
لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم" ).(6
َ
دوا عَلى ن اْرت َ ّ ذي َ ن ال ِ ّ فال َُها ) (24إ ِ ّ ب أ َقْ َ م عََلى قُُلو ٍ نأ ْ
قرآ َ
ن ال ْ ُ ْ َ } أَفل ي َت َد َب ُّرو َ
َ
َ َ
كم ) (25ذ َل ِ َ مَلى ل َهُ ْ م وَأ ْ ل ل َهُ ْ سو ّ َن َ طا ُشي ْ َ دى ال ّ م ال ْهُ َ ن ل َهُ ُ ما ت َب َي ّ َ ن ب َعْد ِ َ م ْ م ِ أد َْبارِهِ ْ
َ
ه ي َعْل َ ُ
م مرِ َوالل ّ ُ ض ال ْ م ِفي ب َعْ ِ طيعُك ُ ْ سن ُ ِ ه َ ل الل ّ ُ ما نز َ هوا َ ن ك َرِ ُ ذي َ م َقاُلوا ل ِل ّ ِ ب ِأن ّهُ ْ
َ َ ْ َ
م )(27 م وَأد َْباَرهُ ْ جوهَهُ ْ ن وُ ُ ضرُِبو َ ة يَ ْ ملئ ِك ُ م ال َ ف إ َِذا ت َوَفّت ْهُ ُ م ) (26فَكي ْ َ سَراَرهُ ْ إِ ْ
َ َ َ َ َ ّ َ َ َ َ
م ).{ (28 مالهُ ْ حب َط أعْ َ ه فَأ ْ وان َ ُ ض َهوا رِ ْ ه وَكرِ ُ خط الل َ س َ ما أ ْ م ات ّب َُعوا َ ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ُ
يقول تعالى آمًرا بتدبر القرآن وتفهمه ،وناهيا عن العراض عنه ،فقال :
فال َُها { أي :بل على قلوب أقفالها ، ب أ َقْ َ م عََلى قُُلو ٍ نأ ْ
قرآ َ
ن ال ْ ُ ْ َ } أَفل ي َت َد َب ُّرو َ
َ
قة ل يخلص إليها شيء من معانيه. مط ْب َ َ فهي ُ
قال ابن جرير :حدثنا بشر ،قال :حدثنا يزيد قال :حدثنا سعيد قال :حدثنا )
(7حماد بن زيد ،حدثنا هشام بن عروة ،عن أبيه قال :تل رسول الله صلى
فال َُها { ،فقال ب أ َقْ َ م عََلى قُُلو ٍ نأ ْ
قرآ َ
ن ال ْ ُ ْ َ
َ
الله عليه وسلم يوما } :أَفل ي َت َد َب ُّرو َ
شاب من أهل اليمن :بل عليها ) (8أقفالها حتى يكون الله عز وجل يفتحها
أو يفرجها .فما زال الشاب في نفس عمر ،رضي الله عنه ،حتى ولي ،
فاستعان به ).(9
م { أي :فارقوا اليمان َ َ ّ
دوا عَلى أد َْبارِهِ ْ ن اْرت َ ّ ذي َ ن ال ِ ثم قال تعالى } :إ ِ ّ
م { أي : َ
ل لهُ ْ سو ّ َ ن َ َ
شي ْطا ُ دى ال ّ م الهُ َ ْ ن لهُ ُ َ ما ت َب َي ّ َ ن ب َعْد ِ َ م ْ ورجعوا إلى الكفر ِ } ،
م { أي :غرهم َ َ َ
ملى لهُ ْ زين لهم ذلك وحسنه } ،وَأ ْ
__________
) (1المسند ) (1/194وقال الترمذي في السنن " :روى معمر عن الزهري
هذا الحديث عن أبي سلمة عن رداد الليثي عن عبد الرحمن ابن عوف ،قال
محمد -يعني البخاري : -حديث معمر خطأ" والصحيح الرواية التية في
السنن.
) (2سنن أبي داود برقم ) (1624وسنن الترمذي برقم ).(1907
) (3في هـ " :الحجاج بن يونس" والتصويب من المعجم الكبير.
) (4في هـ " :سليمان" والتصويب من المعجم الكبير.
) (5المعجم الكبير ) (6/263وقال الهيثمي في المجمع )" : (7/287فيه
جماعة لم أعرفهم" .وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه أحمد في المسند
).(2/295
المعجم الكبير ) (6/263والكلم عليه كالذي قبله. )(6
في ت ،م " :ابن". )(7
في تن م " :بل على قلوب". )(8
تفسير الطبري ).(26/37 )(9
) (7/320
) (7/321
َ
ه ي َعْل َ ُ
م ل َوالل ّ ُ ن ال ْ َ
قو ْ ِ م ِفي ل َ ْ
ح ِ م وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْماهُ ْسي َ م بِ ِم فَل َعََرفْت َهُ ْ شاُء َلَري َْناك َهُ ْ وَل َوْ ن َ َ
َ
ن وَن َب ْل ُ َ
و ري َ صاب ِ ِ
م َوال ّمن ْك ُ ْ
ن ِ دي َجاهِ ِ م ال ْ ُ
م َ حّتى ن َعْل َ َم َ م ) (30وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ مال َك ُ ْأعْ َ
م )(31 خَباَرك ُ ْ أَ ْ
ل َوالل ّ ُ
ه قو ْ ِ ن ال ْ َ ح ِم ِفي ل َ ْ م وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْ ماهُ ْ سي َ م بِ ِ م فَل َعََرفْت َهُ ْ شاُء لَري َْناك َهُ ْ } وَل َوْ ن َ َ
يعل َ َ
ن وَن َب ْل ُ َ
و ري َ صاب ِ ِ م َوال ّ من ْك ُ ْ
ن ِ دي َ جاهِ ِ م َ م ال ْ ُ حّتى ن َعْل َ َ م َ م ) (30وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ مال َك ُ ْم أع ْ َ َْ ُ
م ).{ (31 خَباَرك ُْأَ ْ
خرج الل ّ َ َ َ
م
ضَغان َهُ ْ هأ ْ ُ ن يُ ْ ِ َ ن لَ ْ ضأ ْ مَر ٌ م َ ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ ذي َ ب ال ّ ِ س َ ح ِ م َ يقول تعالى } :أ ْ
{ أي :اعتقد ) (1المنافقون أن الله ل يكشف أمرهم لعباده المؤمنين ؟ بل
سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ) (2ذوو البصائر ،وقد أنزل تعالى في
ذلك سورة "براءة" ،فبين فيها فضائحهم وما يعتمدونه من الفعال الدالة
على نفاقهم ؛ ولهذا إنما كانت تسمى الفاضحة .والضغان :جمع ضغن ،وهو
ما في النفوس من الحسد والحقد للسلم وأهله والقائمين بنصره.
م { يقول تعالى :ولو نشاء ماهُ ْ سي َ م بِ ِ م فَل َعََرفْت َهُ ْ شاُء لَري َْناك َهُ ْ وقوله } :وَل َوْ ن َ َ
يا محمد لريناك أشخاصهم ،فعرفتهم ) (3عيانا ،ولكن لم يفعل تعالى ذلك
في جميع المنافقين سترا منه على خلقه ،وحمل للمور على ظاهر
ل { أي : ن ال ْ َ
قو ْ ِ م ِفي ل َ ْ
ح ِ السلمة ،ورد السرائر إلى عالمها } ،وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْ
فيما يبدو من كلمهم الدال على مقاصدهم ،يفهم المتكلم من أي الحزبين
هو بمعاني كلمه وفحواه ،وهو المراد من لحن القول ،كما قال أمير
المؤمنين عثمان بن عفان ،رضي الله عنه :ما أسر أحد سريرة إل أبداها
الله على صفحات وجهه ،وفلتات لسانه .وفي الحديث " :ما أسر أحد
سريرة إل كساه الله
__________
) (1في م " :أيعتقد".
) (2في أ " :يفهمه".
) (3في ت " :تعرفهم".
) (7/321
ن ل َهُ ُ
م ما ت َب َي ّ َ ن ب َعْد ِ َ م ْل ِ سو َ شاّقوا الّر ُ ل الل ّهِ وَ َ سِبي ِ ن َ دوا عَ ْ ص ّ فُروا وَ َ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ إِ ّ
َ َ ّ َ َ َ ُ ّ َ
طيُعواِ أ نوا م
ِ َ َ ُآ نذي ل ا ها ي
َ َّ أ يا (32 ) م ه
ْ َ ُ ْ لما ع أ ط بح ي س
ْ َ َ ُ ْ ِو ً
ئا ي شَ ه
َ ل ال روا ض
ْ َ ُ ّ ي ن ل دى ال ْ ُ َ
ه
َ َ
ن
دوا عَ ْ ص ّ فُروا وَ َ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ
م ) (33إ ِ ّ مال َك ُ ْ ل وََل ت ُب ْط ُِلوا أعْ َ سو َ طيُعوا الّر ُ ه وَأ ِ الل ّ َ
عوا إ َِلى م ) (34فََل ت َهُِنوا وَت َد ْ ُ ه ل َهُ ْ فَر الل ّ ُ ن ي َغْ ِ فاٌر فَل َ ْ م كُ ّ ماُتوا وَهُ ْ م َ ل الل ّهِ ث ُ ّ سِبي ِ َ
م )(35 مال َك ُْ عَ أ م ُ ك ر تي ن َ لو م ُ ك عم ه ّ ل وال ن و َ ل عَ ْ
ل ا م َ ْ
َ ْ ِ
ْ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ْ ال ّ ِ َ ْ ُ ُ
ت ن أ و م ل س
جلبابها ،إن خيرا فخير ،وإن شّرا فشر" ) .(1وقد ذكرنا ما يستدل به على
نفاق الرجل ،وتكلمنا على نفاق العمل والعتقاد ) (2في أول "شرح
البخاري" ،بما أغنى عن إعادته ها هنا .وقد ورد في الحديث تعيين جماعة
من المنافقين .قال المام أحمد :
حدثنا وكيع ،حدثنا سفيان ،عن سلمة ،عن عياض بن عياض ،عن أبيه ،عن
أبي مسعود عقبة بن عمرو ،رضي الله عنه ،قال :خطبنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم خطبة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " :إن منكم )(3
منافقين ،فمن سميت فليقم" .ثم قال " :قم يا فلن ،قم يا فلن ،قم يا
فلن" .حتى سمى ستة وثلثين رجل ثم قال " :إن فيكم -أو :منكم )- (4
فاتقوا الله" .قال :فمر عمر برجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه ،فقال :
دا لك ما لك ؟ فحدثه بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال :بع ً
سائر اليوم ).(5
م َ
حّتى ن َعْل َ م { أي :ولنختبرنكم بالوامر والنواهي َ } ، وقوله } :وَل َن َب ْل ُوَن ّك ْ
ُ
َ
ن وَن َب ْل ُوَ أ ْ
م { .وليس في تقدم علم الله تعالى خَباَرك ُ ْ ري َ صاب ِ ِ م َوال ّ من ْك ُ ْ ن ِ دي َ جاهِ ِ م َ ال ْ ُ
بما هو كائن أنه سيكون شك ول ريب ،فالمراد :حتى نعلم وقوعه ؛ ولهذا
يقول ابن عباس في مثل هذا :إل لنعلم ،أي :لنرى.
ن ي بت ما
ِ ْ َْ ِ َ ََّ َ د ع ب ن م َ
ل سو شاّقوا الّر ُ ل الل ّهِ وَ َ سِبي ِ ن َ دوا عَ ْ ص ّ فُروا وَ َ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ } إِ ّ
َ َ
مُنوا نآ َ ذي َ م )َ (32يا أي َّها ال ّ ِ مال َهُ ْط أعْ َ حب ِ ُ سي ُ ْ شي ًْئا وَ َ ه َ ضّروا الل ّ َ ن يَ ُ دى ل َ ْ م ال ْهُ َ ل َهُ ُ
َ َ َ
فُروا ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِم ) (33إ ِ ّ مال َك ُ ْ ل َول ت ُب ْط ُِلوا أعْ َ سو َ طيُعوا الّر ُ ه وَأ ِ طيُعوا الل ّ َ أ ِ
م )َ (34فل ت َهُِنوا ه ل َهُ ْفَر الل ّ ُ ن ي َغْ ِ فاٌر فَل َ ْ م كُ ّ ماُتوا وَهُ ْ م َ ل الل ّهِ ث ُ ّ سِبي ِ ن َ دوا عَ ْ ص ّ وَ َ
َ َ َ ّ َ َ ْ َ
م ).{ (35 مالك ُ ْ م أعْ َ ن ي َت َِرك ُ ْم وَل ْ معَك ُ ْ ه َ ن َوالل ُ م العْلوْ َ سلم ِ وَأن ْت ُ ُ عوا إ ِلى ال ّ وَت َد ْ ُ
يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله ،وخالف الرسول وشاقه ،وارتد
عن اليمان من بعد ما تبين له الهدى :أنه لن يضر الله شيًئا ،وإنما يضر
نفسه ويخسرها يوم معادها ،وسيحبط الله عمله فل يثيبه على سالف ما
تقدم من عمله الذي عقبه بردته مثقال بعوضة من خير ،بل يحبطه ويمحقه
بالكلية ،كما أن الحسنات يذهبن السيئات.
وقد قال المام محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلة :حدثنا أبو قدامة ،
حدثنا وكيع ،حدثنا أبو جعفر الرازي ،عن الربيع بن أنس ،عن أبي العالية
قال (6) :كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يظنون أنه ل يضر
طيُعوا َ
مع "ل إله إل الله" ذنب ،كما ل ينفع مع الشرك عمل ،فنزلت } :أ ِ
َ َ
م { kفخافوا أن يبطل الذنب العمل. مال َك ُ ْ
ل َول ت ُب ْط ُِلوا أعْ َسو َ
طيُعوا الّر ُ الل ّ َ
ه وَأ ِ
__________
) (1سيأتي تخريج هذا الحديث عند تفسير الية 29 :من سورة الفتح.
) (2في أ " :النفاق العملي والعتقادي".
) (3في ت " :فيكم".
) (4في ت " :ومنكم".
) (5المسند ) (5/273قال الهيثمي في المجمع )" : (1/112فيه عياض بن
أبي عياض عن أبيه ولم أر من ترجمهما".
) (6في ت " :روى المام أحمد بإسناده".
) (7/322
ثم روي من طريق عبد الله بن المبارك :أخبرني بكير بن معروف ،عن
مقاتل بن حيان ،عن نافع ،عن ابن عمر قال :كنا معشر أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من الحسنات إل مقبول ،حتى
َ َ َ
م { ،فقلنا :ما هذا مال َك ُ ْ ل َول ت ُب ْط ُِلوا أعْ َ سو َ طيُعوا الّر ُ ه وَأ ِ طيُعوا الل ّ َ نزلت } :أ ِ
الذي يبطل أعمالنا ؟ فقلنا :الكبائر الموجبات والفواحش ،حتى نزلت :
َ
شاُء { ] النساء : ن يَ َ م ْ ن ذ َل ِ َ
ك لِ َ ما ُدو َ فُر َ ك ب ِهِ وَي َغْ ِشَر َ ن يُ ْ فُر أ ْ ه ل ي َغْ ِ ن الل ّ َ } إِ ّ
، [ 48فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك ،فكنا نخاف على من أصاب
الكبائر والفواحش ،ونرجو لمن لم يصيبها ).(1
ثم أمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله التي هي سعادتهم في
الدنيا والخرة ،ونهاهم عن الرتداد الذي هو مبطل للعمال ؛ ولهذا قال :
َ
ن كَ َ
فُروا ذي َ ن ال ّ ِ
م { أي :بالردة ؛ ولهذا قال بعدها } :إ ِ ّ مال َك ُ ْ } َول ت ُب ْط ُِلوا أعْ َ
ن
م { ،كقوله } إ ِ ّ ه ل َهُ ْفَر الل ّ ُ فاٌر فَل َ ْ
ن ي َغْ ِ م كُ ّ ماُتوا وَهُ ْ م َل الل ّهِ ث ُ ّ سِبي ِ ن َ دوا عَ ْ ص ّ وَ َ
َ
شاُء { الية. ن يَ َ م ل كَ ل َ ذ ن
ِ ِ ََْ ِ ُ َ ُ َ ِ ِ َ ْدو ما ر ف غ ي و ه ب ك َ ر ْ
ش ي ن
َْ ِ ُ ْ ُ َ أ ر ف غ ي ل الل ّ َ
ه
ثم قال لعباده المؤمنين َ } :فل ت َهُِنوا { أي :ل تضعفوا عن العداء ،
سل ْم ِ { أي :المهادنة والمسالمة ،ووضع القتال بينكم وبين عوا إ َِلى ال ّ } وَت َد ْ ُ
م ؛ ولهذا قال َ } :فل ت َهُِنوا الكفار في حال قوتكم وكثرة عَد َِدكم وعُد َدِك ُ ْ
َ
ن { أي :في حال علوكم على عدوكم ،فأما م العْل َوْ َ سل ْم ِ وَأن ْت ُ ُ عوا إ َِلى ال ّ وَت َد ْ ُ
إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة ) (2بالنسبة إلى جميع المسلمين ،ورأى
المام في المعاهدة والمهادنة مصلحة ،فله أن يفعل ذلك ،كما فعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين صده كفار قريش عن مكة ،ودعوه إلى
الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين ،فأجابهم إلى ذلك.
م { فيه بشارة عظيمة بالنصر والظفر على العداء ، معَك ُ ْ ه َ وقوله َ } :والل ّ ُ
} ول َن يت ِرك ُ َ
م { أي :ولن يحبطها ويبطلها ويسلبكم إياها ،بل مال َك ُ ْ م أعْ َ َ ْ َ َ ْ
يوفيكم ثوابها ول ينقصكم منها شيئا.
قوا يؤْتك ُم أ ُجورك ُم ول ي َ
سأل ْك ُ ْ
م مُنوا وَت َت ّ ُ ُ ِ ْ ُ َ ْ َ َ ْ ن ت ُؤْ ِب وَل َهْوٌ وَإ ِ ْ حَياةُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌ ما ال ْ َ } إ ِن ّ َ
َ َ ُ ْ َ َ
م
ها أن ْت ُ ْ م )َ (37 ضَغان َك ُ ْ جأ ْ خرِ ْ خلوا وَي ُ ْ م ت َب ْ َفك ُ ْح ِها فَي ُ ْمو َ سألك ُ ُ ن يَ ْ م ) (36إ ِ ْ وال َك ُ ْ م َ أ ْ
لخ ُ ما ي َب ْ َ ل فَإ ِن ّ َ
خ ْن ي َب ْ َ
م ْ ل وَ َخ ُ ن ي َب ْ َ م ْ م َ من ْك ُ ْ ل الل ّهِ فَ ِ سِبي ِقوا ِفي َ ن ل ِت ُن ْفِ ُ ؤلِء ت ُد ْعَوْ َ هَ ُ
ُ ّ ْ َ ْ ّ
مل م ثُ ّ ما غَي َْرك ْ ل قَوْ ً ست َب ْدِ ْوا ي َ ْ ن ت َت َوَل ْ قَراُء وَإ ِ ْ ف َم ال ُ ي وَأن ْت ُ ُ ه الغَن ِ ّ سهِ َوالل ُ ف ِ ن نَ ْ عَ ْ
ُ َ َ يَ ُ
م ).{ (38 مَثالك ْ كوُنوا أ ْ
حَياةُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌ
ب ما ال ْ َ يقول تعالى تحقيًرا لمر الدنيا وتهوينا لشأنها } :إ ِن ّ َ
وَل َهْوٌ { أي :حاصلها ذلك إل ما كان منها لله عز وجل ؛ ولهذا قال } :وَإ ِ ْ
ن
قوا يؤْت ِك ُم أ ُجورك ُم ول يسأ َل ْك ُ َ
م { أي :هو غني عنكم ل وال َك ُ ْ م َ
مأ ْ ْ ْ ُ َ ْ َ َ ْ ُ مُنوا وَت َت ّ ُ ت ُؤْ ِ
يطلب منكم شيئا ،وإنما فرض عليكم الصدقات من الموال مواساة
لخوانكم
__________
) (1تعظيم قدر الصلة للمروزي برقم ).(699 ، 698
) (2في ت " :فئة كثيرة".
) (7/323
) (7/324
َ
م
خَر وَي ُت ِ ّ
ما ت َأ ّ ن ذ َن ْب ِ َ
ك وَ َ م ْ
م ِقد ّ َما ت َ َ ك الل ّ ُ
ه َ فَر ل َ َ مِبيًنا ) (1ل ِي َغْ ِحا ُ حَنا ل َ َ
ك فَت ْ ً إ ِّنا فَت َ ْ
زيًزا )(3 صًرا عَ ِه نَ ْ ك الل ّ ُ
صَر َ ما ) (2وَي َن ْ ُ قي ًست َ ِ
م ْ طا ُ صَرا ً
ك ِ ك وَي َهْدِي َ َه عَل َي ْ َمت َ ُ
ن ِعْ َ
) (7/325
يرد علي ،قال :فقلت لنفسي :ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ،نزرت رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثلث مرات فلم يرد عليك ؟ قال :فركبت راحلتي
فتقدمت مخافة أن يكون نزل في شيء ،قال :فإذا أنا بمناد ينادي :يا
عمر ،أين عمر ؟ قال :فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شيء ،قال :فقال
النبي صلى الله عليه وسلم " :نزلت ) (1علي الليلة ) (2سورة هي أحب إلي
ن
م ْ
م ِ قد ّ َ
ما ت َ َ
ه َ ك الل ّ ُ
فَر ل َ َ
مِبيًنا .ل ِي َغْ ِحا ُ ك فَت ْ ًحَنا ل َ َ من الدنيا وما فيها } :إ ِّنا فَت َ ْ
خَر {. َ ذ َن ْب ِ َ
ما ت َأ ّ ك وَ َ
ورواه البخاري ،والترمذي ،والنسائي من طرق ،عن مالك ،رحمه الله )
، (3وقال علي بن المديني :هذا إسناد مديني ]جيد[ ) (4لم نجده إل عندهم.
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الرزاق ،أخبرنا معمر ،عن قتادة ،عن أنس
بن مالك ،رضي الله عنه ،قال :نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم :
َ
خَر { مرجعه من الحديبية ،قال ما ت َأ ّ ك وَ َن ذ َن ْب ِ َ م ْم ِ قد ّ َما ت َ َه َ ك الل ّ ُ فَر ل َ َ} ل ِي َغْ ِ
النبي صلى الله عليه وسلم " :لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على
الرض" ،ثم قرأها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا :هنيئا مريئا يا
نبي الله ،لقد بين الله ،عز وجل ،ماذا يفعل بك ،فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت
ما {ظي ًت { حتى بلغ } :فَوًْزا عَ ِ جّنا ٍ ت َ مَنا ِمؤ ْ ِ ن َوال ْ ُمِني َ مؤ ْ ِل ال ْ ُخ َ عليه } :ل ِي ُد ْ ِ
]الفتح ، [5 :أخرجاه في الصحيحين من رواية قتادة به ).(5
معُ بن يعقوب ، ج ّ م َوقال ) (6المام أحمد :حدثنا إسحاق بن عيسى ،حدثنا ُ
قال :سمعت أبي يحدث عن عمه عبد الرحمن بن أبي يزيد النصاري عن
عمه مجمع بن جارية النصاري -وكان أحد ) (7القراء الذين قرءوا القرآن -
قال :شهدنا الحديبية فلما انصرفنا عنها إذا الناس ينفرون الباعر ،فقال
الناس بعضهم لبعض :ما للناس ؟ قالوا :أوحي إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،فخرجنا مع الناس نوجف ،فإذا رسول الله صلى الله عليه
وسلم على راحلته عند كراع الغميم ،فاجتمع الناس عليه ،فقرأ عليهم :
مِبيًنا { ،قال :فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى حا ُ حَنا ل َ َ
ك فَت ْ ً } إ ِّنا فَت َ ْ
الله عليه وسلم :أي رسول الله ،وفتح هو ؟ قال " :إي والذي نفس محمد
بيده ،إنه لفتح" .فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل معهم فيها أحد
إل من شهد الحديبية ،فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية
عشر سهما ،وكان الجيش ألفا وخمسمائة فارس ،فأعطى الفارس
سهمين ،وأعطى الراجل سهما.
رواه أبو داود في الجهاد عن محمد بن عيسى ،عن مجمع بن يعقوب ،به )
.(8
وقال ) (9ابن جرير :حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ،حدثنا أبو بحر ،حدثنا
شعبة ،حدثنا جامع بن شداد ،عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ،قال :
سمعت عبد الله بن مسعود يقول ) : (10لما
__________
) (1في م " :نزل".
) (2في ت ،م " :البارحة".
) (3المسند ) (1/31وصحيح البخاري برقم ) (4833وسنن الترمذي برقم )
(3262والنسائي في السنن الكبرى برقم ).(11499
) (4زيادة من م.
) (5المسند ) (3/197وصحيح البخاري برقم ) (4148وصحيح مسلم برقم )
.(1786
) (6في ت " :وروى".
) (7في ت " :أحب".
) (8المسند ) (3/420وسنن أبي داود برقم ).(2736
) (9في ت " :وروى".
) (10في ت " :عن ابن مسعود قال".
) (7/326
) (7/327
م وَل ِل ّهِمان ِهِ ْ معَ ِإي َ ماًنا َ ن ل ِي َْزَداُدوا ِإي َ مِني َمؤ ْ ِ ب ال ْ ُ ة ِفي قُُلو ِ كين َ َ س ِل ال ّ ذي أ َن َْز َ هُوَ ال ّ ِ
َ
نمِني َ مؤ ْ ِل ال ْ ُ
خ َ ما ) (4ل ِي ُد ْ ِ كي ً ح ِ ما َ ه عَِلي ً ن الل ّ ُ ت َواْلْرض وَ َ
كا َ ِ ماَوا ِ س َ جُنود ُ ال ّ ُ
م َ َ َ ْ مؤ ْ ِ ْ
سي ّئات ِهِ ْ م َ فَر عَن ْهُ ْ ن ِفيَها وَي ُك ّ دي َ خال ِ ِ حت َِها الن َْهاُر َ ن تَ ْم ْري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍت َ مَنا ِ َوال ُ
تقا ِ مَنافِ َ ْ
ن َوال ُ قي َ مَنافِ ِ ْ
ب ال ُ ّ
ما ) (5وَي ُعَذ َ ظي ً َ ّ
عن ْد َ اللهِ فوًْزا عَ ِ َ
ن ذل ِك ِ َ كا َ وَ َ
سوْءِ
م َدائ َِرةُ ال ّسوِْء عَل َي ْهِ ْن ال ّن ِبالل ّهِ ظ َ ّ ظاّني َت ال ّ كا ِ شرِ َ م ْ ن َوال ْ ُ كي َ شرِ ِم َْوال ْ ُ
َ
جُنود ُصيًرا ) (6وَل ِل ّهِ ُ م ِ ت َ ساَء ْم وَ َجهَن ّ َم َم وَأعَد ّ ل َهُ ْ م وَل َعَن َهُ ْ ه عَل َي ْهِ ْ
ب الل ّ ُ ض َوَغَ ِ
َ
ما )(7 كي ً ح ِزيًزا َ ه عَ ِ ن الل ّ ُكا َ ت َواْلْرض وَ َ
ِ ماَوا ِس َال ّ
مِبيًنا { أي :بينا ظاهرا ،والمراد به صلح حا ُ ك فَت ْ ً حَنا ل َ َ فقوله } :إ ِّنا فَت َ ْ
الحديبية فإنه حصل بسببه خير جزيل ،وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض )
، (1وتكلم المؤمن مع الكافر ،وانتشر العلم النافع واليمان.
َ
خَر { :هذا من خصائصه - ما ت َأ ّ ك وَ َ ن ذ َن ْب ِ َ م ْ م ِ قد ّ َ ما ت َ َ ه َ ك الل ّ ُ فَر ل َ َ وقوله } :ل ِي َغْ ِ
صلوات الله وسلمه عليه -التي ل يشاركه فيها غيره .وليس صحيح في
ثواب العمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .وهذا فيه تشريف
عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهو -صلوات الله وسلمه عليه -
في جميع أموره على الطاعة والبر والستقامة التي لم ينلها بشر سواه ،ل
من الولين ول من الخرين ،وهو أكمل البشر على الطلق ،وسيدهم في
الدنيا والخرة .ولما كان أطوع خلق الله لله ،وأكثرهم ) (2تعظيما لوامره )
(3ونواهيه .قال حين بركت به الناقة " :حبسها حابس الفيل" ثم قال :
"والذي نفسي بيده ،ل يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله إل
أجبتهم إليها" ) (4فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح ،قال الله له :
َ
م خَر وَي ُت ِ ّ ما ت َأ ّ ك وَ َ ن ذ َن ْب ِ َ م ْ م ِ قد ّ َ ما ت َ َ ه َ ك الل ّ ُ فَر ل َ َ مِبيًنا ل ِي َغْ ِ حا ُ ك فَت ْ ً حَنا ل َ َ } إ ِّنا فَت َ ْ
ما { أي : قي ً ست َ ِ م ْ صَراطا ُ ً ه عَل َي ْك { أي :في الدنيا والخرة } ،وَي َهْدِي َك ِ
َ َ مت َ ُ ن ِعْ َ
بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم.
زيًزا { أي :بسبب خضوعك لمر الله يرفعك الله صًرا عَ ِ ه نَ ْ ك الل ّ ُ صَر َ } وَي َن ْ ُ
وينصرك على أعدائك ،كما جاء في الحديث الصحيح " :وما زاد الله عبدا
بعفو إل عزا ،وما تواضع أحد لله إل رفعه الله" ) .(5وعن عمر بن الخطاب
]رضي الله عنه[ ) (6أنه قال :ما عاقبت -أي في الدنيا والخرة -أحدا
عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
م وَل ِل ّ ِ
ه مان ِهِ ْ معَ ِإي َ ماًنا َ ن ل ِي َْزَداُدوا ِإي َ مِني َ مؤْ ِ ب ال ْ ُ ة ِفي قُُلو ِ كين َ َ س ِ ل ال ّ ذي َأنز َ } هُوَ ال ّ ِ
ن
مِني َ مؤ ْ ِ ل ال ْ ُ خ َ ما ) (4ل ِي ُد ْ ِ كي ً ح ِ ما َ ه عَِلي ً ن الل ّ ُ كا َ ت َوالْرض وَ َ
ِ وا ِ م َ س َ جُنود ُ ال ّ ُ
م هِ ت
ُ ْ َ ّ ِ ْ َ
ئا يس م هْ ن َ ع ر ّ ف َ
َ َُ َ ك ي و ها فيِ ن
َ دي ِ ِ ل خا َ رَ ُ ها ْ نال ها ِ ت
ْ ْ َ ح َ ت ن م
ِ ري ْ ِ ج َ ت ت ٍ ناّ ج
َ ت ِ نا َ م
ِ ْ ؤ م
َ ُ ْ لوا
ت قا ِ مَنافِ َ ن َوال ُْ َ قي
ِ ِ ف نا
َ م
ُ ْ ل ا ب َ ّ ذ َ ع ُ يَ و ( 5 ) ماً ظيِ َ ع زا ً ْ و َ ف ِ ه ّ ل ال َ د ْ نعِ َ
ك ِ ل َ ذ ن
َ كا وَ َ
سوِْء م َدائ َِرةُ ال ّ َ
سوِْء عَلي ْهِ ْ ن ال ّ َ
ن ِباللهِ ظ ّ ّ ت الظاّني َ ّ كا ِ شرِ َ م ْ ْ
ن َوال ُ كي َ شرِ ِ م ْ ْ
َوال ُ
ّ َ َ َ َ ّ
جُنود ُ صيًرا ) (6وَل ِلهِ ُ م ِ ت َ ساَء ْ م وَ َ جهَن ّ َ م َ م وَأعَد ّ لهُ ْ م وَلعَن َهُ ْ ه عَلي ْهِ ْ ب الل ُ ض َ وَغَ ِ
ما ){ (7 كي ً ح ِ زيًزا َ ه عَ ِ ّ
ن الل ُ ض وَكا َ َ
َ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ ال ّ
ة { أي :جعل الطمأنينة .قاله ابن كين َ َ س ِ ل ال ّ ذي أنز َ ّ
يقول تعالى } :هُوَ ال ِ
عباس ،وعنه :الرحمة.
وقال قتادة :الوقار في قلوب المؤمنين .وهم الصحابة يوم الحديبية ،الذين
استجابوا لله ولرسوله وانقادوا لحكم الله ورسوله ،فلما اطمأنت قلوبهم
لذلك ،واستقرت ،زادهم إيماًنا مع إيمانهم.
__________
) (1في م " :بعضا".
) (2في ت ،أ " :وأشدهم"
) (3في ت " :لوامر الله".
) (4رواه البخاري في صحيحه برقم ).(2732 ، 2731
) (5رواه مسلم في صحيحه برقم ) (2588من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه.
) (6زيادة من ت.
) (7/328
َ
مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ
سول ِهِ وَت ُعَّزُروهُ ذيًرا ) (8ل ِت ُؤْ ِ مب َ ّ
شًرا وَن َ ِ دا وَ ُ شاهِ ً ك َ سل َْنا َ
إ ِّنا أْر َ
صيًل )(9 َ
حوه ُ ب ُك َْرةً وَأ ِ وَت ُوَقُّروهُ وَت ُ َ
سب ّ ُ
وقد استدل بها البخاري وغيره من الئمة على تفاضل اليمان في القلوب.
جُنود ُ ثم ذكر تعالى أنه لو شاء لنتصر من الكافرين ،فقال } :وَل ِل ّهِ ُ
ض { أي :ولو أرسل عليهم ملكا واحدا لباد خضراءهم ، ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ ال ّ
ولكنه تعالى شرع لعباده المؤمنين الجهاد والقتال ،لما له في ذلك من
ن
كا َ الحكمة البالغة والحجة القاطعة ،والبراهين الدامغة ؛ ولهذا قال } :وَ َ
ما { كي ً ح ِ ما َ ه عَِلي ً الل ّ ُ
حت َِها الن َْهاُر ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ ت َ مَنا ِ مؤ ْ ِ ْ
ن َوال ُ مِني َ مؤ ْ ِ ْ
ل ال ُ خ َ ثم قال تعالى } :ل ِي ُد ْ ِ
ن ِفيَها { ،قد تقدم حديث أنس :قالوا :هنيئا لك يا رسول الله ،هذا دي َ خال ِ ِ َ
نم ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍت َ مَنا ِ مؤ ْ ِ ْ
ن َوال ُ مِني َ مؤ ْ ِ ْ
ل ال ُ خ َ لك فما لنا ؟ فأنزل الله } :ل ِي ُد ْ ِ
م{ سي َّئات ِهِ ْ م َ فَر عَن ْهُ ْ َ
ن ِفيَها { أي :ماكثين فيها أبدا } .وَي ُك ّ دي َخال ِ ِ حت َِها الن َْهاُر َ تَ ْ
أي :خطاياهم وذنوبهم ،فل يعاقبهم عليها ،بل يعفو ويصفح ويغفر ،ويستر
ح
حزِ َ ن ُز ْ م ْ ما { ،كقوله } فَ َ ظي ً عن ْد َ الل ّهِ فَوًْزا عَ ِ ك ِ ن ذ َل ِ َ كا َ ويرحم ويشكر } ،وَ َ
مَتاعُ ال ْغُُرورِ { ]آل حَياةُ الد ّن َْيا ِإل َ ما ال ْ َ قد ْ َفاَز وَ َ ة فَ َ جن ّ َ ل ال ْ َ خ َ ن الّنارِ وَأ ُد ْ ِ عَ ِ
عمرن .[185 :
ن
ت الظاّني َّ َ
شرِكا ِ م ْ ْ
ن َوال ُ كي َ شرِ ِ م ْ ْ
ت َوال ُ قا ِ مَنافِ َ ْ
ن َوال ُ قي َ مَنافِ ِ ْ
ب ال ُ وقوله } :وَي ُعَذ ّ َ
سوِْء { أي :يتهمون الله في حكمه ،ويظنون بالرسول وأصحابه ن ال ّ ِبالل ّهِ ظ َ ّ
ب الل ّ ُ
ه ض َ سوِْء وَغَ ِ م َدائ َِرةُ ال ّ أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية ؛ ولهذا قال } :عَل َي ْهِ ْ
َ
صيًرا {. م ِ ت َ ساَء ْ م وَ َ جهَن ّ َ م َ م { أي :أبعدهم من رحمته } وَأعَد ّ ل َهُ ْ م وَل َعَن َهُ ْ عَل َي ْهِ ْ
ثم قال مؤكدا لقدرته على النتقام من العداء -أعداء السلم من الكفرة
ما {. كي ً ح ِ زيًزا َ ه عَ ِ ن الل ّ ُ كا َ ت َوالْرض وَ َ
ِ وا ِ م َ س َ جُنود ُ ال ّ والمنافقين } : -وَل ِل ّهِ ُ
ّ سل َْنا َ َ
سول ِهِ وَت ُعَّزُروهُ مُنوا ِباللهِ وََر ُ ذيًرا ) (8ل ِت ُؤْ ِ شًرا وَن َ ِ مب َ ّ دا وَ ُ شاهِ ً ك َ } إ ِّنا أْر َ
َ
صيل ){ (9 حوه ُ ب ُك َْرةً وَأ ِ سب ّ ُ وَت ُوَقُّروهُ وَت ُ َ
) (7/329
َ
ما ي َن ْك ُ ُ
ث ن ن َك َ َ
ث فَإ ِن ّ َ م فَ َ
م ْ ديهِ ْه ي َد ُ الل ّهِ فَوْقَ أي ْ ِ ن الل ّ َ
ما ي َُباي ُِعو َ
ك إ ِن ّ َ ن ي َُباي ُِعون َ َ
ذي َ ن ال ّ ِ إِ ّ
َ ّ َ َ َ
ما )(10 ظي ًجًرا عَ ِ ه فَ َ
سي ُؤِْتيهِ أ ْ ه الل َ عاهَد َ عَلي ْ ُ ما َ ن أوَْفى ب ِ َ م ْسهِ وَ َ ف ِعَلى ن َ ْ
َ
ماث فَإ ِن ّ َ ن ن َك َ َ م فَ َ
م ْ ديهِ ْه ي َد ُ الل ّهِ فَوْقَ أي ْ ِ
ن الل ّ َ
ما ي َُباي ُِعو َ ك إ ِن ّ َن ي َُباي ُِعون َ َ
ذي َ ن ال ّ ِ } إِ ّ
َ ّ َ َ َ ي َن ْك ُ ُ
ما ){ (10 ظي ً جًرا عَ ِ سي ُؤِْتيهِ أ ْ ه فَ َ
ه الل َ
عاهَد َ عَلي ْ ُ ما َن أوَْفى ب ِ َ م ْ سهِ وَ َ ف ِ ث عَلى ن َ ْ
دا ك َ سلَنا َْ َ
شاهِ ً يقول تعالى لنبيه محمد -صلوات الله وسلمه عليه ) } (1إ ِّنا أْر َ
ذيًرا { أي : شًرا { أي :للمؤمنين } ،وَن َ ِ مب َ ّ{ أي :على الخلق } ،وَ ُ
للكافرين .وقد تقدم تفسيرها في سورة "الحزاب" ).(2
سول ِهِ وَت ُعَّزُروه ُ { ،قال ابن عباس وغير واحد :يعظموه ، مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ } ل ِت ُؤْ ِ
حوه ُ { أي سب ّ ُ } وَت ُوَقُّروه ُ { من التوقير وهو الحترام والجلل والعظام } ،وَت ُ َ
َ
صيل { أي :أول النهار وآخره. :يسبحون الله } ،ب ُك َْرة ً وَأ ِ
ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم تشريفا له وتعظيما وتكريما :
قد ْ أ َطاعَ
َ ل فَ َ
سو َ
ن ي ُط ِِع الّر ُ
م ْ
ه { كقوله } َ ن الل ّ َ ما ي َُباي ُِعو َ ن ي َُباي ُِعون َ َ
ك إ ِن ّ َ ن ال ّ ِ
ذي َ } إِ ّ
َ ّ
م { أي :هو حاضر معهم يسمع هدي ي أ ق
ِ ْ َ ْ ِ ِ ْ و َ ف ه ل ال د
َ ُ ي } ، [ 80 : ]النساء { الل ّ َ
ه
أقوالهم ويرى مكانهم ،ويعلم ضمائرهم وظواهرهم ،فهو تعالى هو المبايع
بواسطة رسوله
__________
) (1في ت ،م " :صلى الله عليه وسلم".
) (2عند الية الخامسة والربعين.
) (7/329
مسهُ ْ ف َ ن أ َن ْ ُ مِني َ مؤ ْ ِن ال ْ ُ م َ شت ََرى ِ ها ْ ن الل ّ َصلى الله عليه وسلم كقوله } :إ ِ ّ
َ ُ ُ ّ َ َ
ه
دا عَلي ْ ِ ن وَعْ ً قت َلو َ ن وَي ُ ْ قت ُلو َ َ
ل اللهِ في َ ْ سِبي ِ ن ِفي َ قات ُِلو َ ة يُ َجن ّ َم ال ْ َ ن ل َهُ ُ م ب ِأ ّ وال َهُ ْم َ
وَأ ْ
قرآن وم َ
شُروا ست َب ْ ِن الل ّهِ َفا ْ م َ ن أوَْفى ب ِعَهْدِهِ ِ ل َوال ْ ُ ْ ِ َ َ ْ جي ِ قا ِفي الت ّوَْراةِ َوالن ْ ِ ح ّ َ
م { ]التوبة .[111 : ظي ُ فوُْز العَ ِْ ْ َ
م ب ِهِ وَذ َل ِك هُوَ ال َ ذي َباي َعْت ُ ْ ّ
م ال ِ ُ
ب ِب َي ْعِك ُ
وقد قال ) (1ابن أبي حاتم :حدثنا علي بن الحسين ،حدثنا الفضل بن يحيى
النباري ،حدثنا علي بن بكار ،عن محمد بن عمرو ،عن أبي سلمة ،عن
أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :من سل سيفه في
سبيل الله ،فقد بايع الله" ).(2
وحدثنا أبي ،حدثنا يحيى بن المغيرة ،أخبرنا جرير ،عن عبد الله بن عثمان
بن خثيم ،عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس ،قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الحجر " :والله ليبعثه الله يوم القيامة له عينان ينظر
بهما ،ولسان ينطق ،به ويشهد على من استلمه بالحق ،فمن استلمه فقد
َ
م
ديهِ ْ ه ي َد ُ الل ّهِ فَوْقَ أي ْ ِ ن الل ّ َ ما ي َُباي ُِعو َ ك إ ِن ّ َ ن ي َُباي ُِعون َ َ ذي َن ال ّ ِبايع الله" ،ثم قرأ } :إ ِ ّ
{ ).(3
سهِ { أي :إنما يعود وبال ف ِ َ
ث عَلى ن َ ْ ُ
ما ي َن ْك ُ ث فَإ ِن ّ َ َ
ن ن َك َ م ْ ولهذا قال هاهنا } :فَ َ
َ ّ َ َ َ
سي ُؤِْتي ِ
ه هف َ ه الل َ عاهَد َ عَلي ْ ُ ما َ ن أوْفى ب ِ َ م ْ ذلك على الناكث ،والله غني عنه } ،وَ َ
ما { أي :ثواًبا جزيل .وهذه البيعة هي بيعة الرضوان ،وكانت تحت َ
ظي ً جًرا عَ ِ أ ْ
مر بالحديبية ،وكان الصحابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله س ُشجرة َ
عليه وسلم يومئذ قيل :ألف وثلثمائة .وقيل :أربعمائة .وقيل :وخمسمائة.
والوسط ) (4أصح.
ذكر الحاديث الواردة في ذلك :
قال البخاري :حدثنا قتيبة ،حدثنا سفيان ،عن عمرو ،عن جابر قال :كنا
يوم الحديبية ألفا وأربعمائة.
ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة ،به ) .(5وأخرجاه أيضا من حديث
العمش ،عن سالم بن أبي الجعد ،عن جابر قال :كنا يومئذ ألفا
وأربعمائة ،ووضع يده في ذلك الماء ،فنبع الماء من بين أصابعه ،حتى رووا
كلهم ).(6
وهذا مختصر من سياق آخر حين ذكر قصة عطشهم يوم الحديبية ،وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاهم سهما من كنانته ،فوضعوه في بئر
الحديبية ،فجاشت بالماء ،حتى كفتهم ،فقيل لجابر :كم كنتم يومئذ ؟
قال :كنا ألفا وأربعمائة ،ولو كنا مائة ألف لكفانا ) .(7وفي رواية ]في[ )(8
الصحيحين عن جابر :أنهم كانوا خمس عشرة مائة ).(9
__________
) (1في ت " :وروى".
) (2ورواه ابن مردويه كما في الجامع الصغير ،ورمز له السيوطي بالضعف.
) (3ورواه الترمذي في السنن برقم ) (961من طريق قتيبة عن جرير
بإسناده إلى قوله " :يشهد على من استلمه بالحق" ولم يذكر الية ،وقال
الترمذي " :هذا حديث حسن".
) (4في ت " :والول".
) (5صحيح البخاري برقم ) (4840وصحيح مسلم برقم ).(1856
) (6صحيح البخاري برقم ) (4154وصحيح مسلم برقم ).(1856
) (7رواه البخاري في صحيحه برقم ).(5639
) (8زيادة من م ،أ.
) (9صحيح البخاري برقم ) (4152وصحيح مسلم برقم ).(1856
) (7/330
وروى البخاري من حديث قتادة ،قلت لسعيد بن المسيب :كم كان الذين
شهدوا بيعة الرضوان ؟ قال :خمس عشرة مائة.
قلت :فإن جابر بن عبد الله ،رضي الله عنهما ،قال :كانوا أربع عشرة
مائة .قال رحمه الله :وهم ،هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة ).(1
قال البيهقي :هذه الرواية تدل على أنه كان في القديم يقول :خمس عشرة
مائة ،ثم ذكر الوهم فقال :أربع عشرة مائة ).(2
وروى العوفي عن ابن عباس :أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين.
والمشهور الذي رواه غير واحد عنه :أربع عشرة مائة ،وهذا هو الذي رواه
البيهقي ،عن الحاكم ،عن الصم ،عن العباس الدوري ،عن يحيى بن معين
،عن شبابة بن سوار ،عن شعبة ،عن قتادة ،عن سعيد بن المسيب ،عن
أبيه قال :كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ألفا
وأربعمائة ) .(3وكذلك هو في رواية سلمة بن الكوع ،ومعقل بن يسار ،
والبراء بن عازب .وبه يقول غير واحد من أصحاب المغازي والسير .وقد
أخرج صاحبا الصحيح من حديث شعبة ،عن عمرو بن مرة قال :سمعت عبد
الله بن أبي أوفى يقول :كان أصحاب الشجرة ألفا وأربعمائة ،وكانت أسلم
يومئذ ثمن المهاجرين ).(4
وروى محمد بن إسحاق في السيرة ،عن الزهري ،عن عروة بن الزبير ،
عن المسور بن مخرمة ،ومروان بن الحكم ،أنهما حدثاه قال خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت ،ل يريد قتال وساق
معه الهدي سبعين بدنة ،وكان الناس سبعمائة رجل ،كل بدنة عن عشرة
نفر ،وكان جابر بن عبد الله فيما بلغني عنه يقول :كنا أصحاب الحديبية أربع
عشرة مائة ).(5
كذا قال ابن إسحاق وهو معدود من أوهامه ،فإن المحفوظ في الصحيحين
أنهم كانوا بضع عشرة مائة.
ذكر سبب هذه البيعة العظيمة :
قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة :ثم دعا رسول الله صلى الله
عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء
له ،فقال :يا رسول الله ،إني أخاف قريشا على نفسي ،وليس بمكة من
بني عدي بن كعب من يمنعني ،وقد عرفت قريش عداوتي إياها ،وغلظي )
(6عليها ،ولكني أدلك على رجل أعز بها مني ،عثمان بن عفان ،فبعثه إلى
أبي سفيان وأشراف قريش ،يخبرهم أنه لم يأت لحرب ،وأنه جاء زائرا لهذا
البيت ومعظما لحرمته.
__________
) (1صحيح البخاري برقم ).(4153
) (2دلئل النبوة للبيهقي ).(4/97
) (3دلئل النبوة للبيهقي ).(4/98
) (4صحيح البخاري برقم ) (4155وصحيح مسلم برقم ).(1857
) (5انظر :السيرة النبوية لبن هشام ).(2/308
) (6في ت ،م " :غلظتي".
) (7/331
فخرج عثمان إلى مكة ،فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ،أو
قبل أن يدخلها ،فحمله بين يديه ،ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم
عن رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ ) (1ما أرسله به ،فقالوا لعثمان
حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم :إن شئت أن
تطوف بالبيت فطف .فقال :ما كنت لفعل حتى يطوف به رسول صلى الله
عليه وسلم .واحتبسته قريش عندها ،فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمسلمين أن عثمان قد قتل.
قال ابن إسحاق :فحدثني عبد الله بن أبي بكر :أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل " :ل نبرح حتى نناجز القوم".
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة .فكانت بيعة
الرضوان تحت الشجرة ،فكان الناس يقولون :بايعهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم على الموت .وكان جابر بن عبد الله يقول :إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لم يبايعهم على الموت ،ولكن بايعنا على أل نفر.
فبايع الناس ،ولم يتخلف أحد من المسلمين حضرها إل الجد بن قيس أخو
بني سلمة ،فكان جابر يقول :والله لكأني أنظر إليه لصقا بإبط ناقته ،قد
ضبأ إليها يستتر بها من الناس ،ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
الذي كان من أمر عثمان باطل(2) .
وذكر ابن لهيعة عن السود ) .(3عن عروة بن الزبير قريبا من هذا السياق ،
وزاد في سياقه :أن قريشا بعثوا وعندهم عثمان ]بن عفان[ ) (4سهيل بن
عمرو ،وحويطب بن عبد العزى ،ومكرز بن حفص إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،فبينما هم عندهم إذ وقع كلم بين ) (5بعض المسلمين وبعض
المشركين ،وتراموا بالنبل والحجارة ،وصاح الفريقان كلهما ،وارتهن كل
من الفريقين من عنده من الرسل ،ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه
وسلم :أل إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وأمر بالبيعة ،فاخرجوا على اسم الله فبايعوا ،فسار المسلمون إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة فبايعوه على أل يفروا أبدا ،
فأرعب ذلك المشركين ) ، (6وأرسلوا من كان عندهم من المسلمين ،ودعوا
إلى الموادعة والصلح.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي :أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ،أخبرنا أحمد
بن عبيد الصفار ،حدثنا تمتام ) ، (7حدثنا الحسن بن بشر ) ، (8حدثنا الحكم
بن عبد الملك ،عن قتادة ،عن أنس ) (9بن مالك قال :لما أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان ]رضي الله عنه[ )
(10رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ،فبايع الناس ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :اللهم إن عثمان في حاجة الله
وحاجة رسوله" .فضرب بإحدى يديه على الخرى ،فكانت يد رسول الله
صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لنفسهم ).(11
__________
) (1زيادة من ت ،م.
) (2السيرة النبوية لبن هشام ).(2/315
) (3في ت " :أبي السود".
) (4زيادة من أ.
) (5في م " :من".
) (6في ت " :المشركون" وهو خطأ.
) (7في أ ،م " :هشام".
) (8في أ " :بشير".
) (9في ت " :وروى البيهقي بسنده".
) (10زيادة من ت.
) (11لم أجده في دلئل النبوة ولعله في غيره.
) (7/332
قال ابن هشام ) : (1حدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له ،عن أبي مليكة
) ، (2عن ابن عمر قال :بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان ،
فضرب بإحدى يديه على الخرى.
وقال عبد الملك بن هشام النحوي :فذكر وكيع ،عن إسماعيل بن أبي خالد ،
عن الشعبي :أن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة
الرضوان أبو سنان السدي ).(3
وقال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي :حدثنا سفيان ،حدثنا ابن أبي خالد
،عن الشعبي ،قال :لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى
البيعة ،كان أول من انتهى إليه أبو سنان ]السدي رضي الله عنه[ )، (4
فقال :ابسط يدك أبايعك .فقال النبي صلى الله عليه وسلم " :علم
تبايعني ؟" .فقال أبو سنان :على ما في نفسك .هذا أبو سنان ]بن[ )(5
وهب السدي ]رضي الله عنه[ ).(7) (6
وقال البخاري :حدثنا شجاع بن الوليد ،سمع النضر بن محمد :حدثنا صخر
]بن الربيع[ ) ، (8عن نافع ،قال :إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل
عمر ،وليس كذلك ،ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى الفرس له
عند رجل من النصار أن يأتي به ليقاتل عليه ،ورسول الله صلى الله عليه
وسلم يبايع عند الشجرة ،وعمر ل يدري بذلك ،فبايعه عبد الله ،ثم ذهب
إلى الفرس فجاء به إلى عمر ،وعمر يستلئم للقتال ،فأخبره أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم يبايع تحت الشجرة ،فانطلق ،فذهب معه حتى بايع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر )(9
أسلم قبل عمر.
ثم قال البخاري :وقال هشام بن عمار :حدثنا الوليد بن مسلم ،حدثنا عمر
بن محمد العمري ،أخبرني نافع ،عن ابن عمر ،أن الناس كانوا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قد تفرقوا في ظلل الشجر ،فإذا
الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال -يعني عمر : -يا عبد الله
،انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فوجدهم يبايعون ،فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع.
وقد أسنده البيهقي عن أبي ) (10عمرو الديب ،عن أبي بكر السماعيلي ،
عن الحسن بن سفيان ،عن دحيم :حدثني الوليد بن مسلم فذكره ).(11
وقال الليث ،عن أبي الزبير ،عن جابر ،قال :كنا يوم الحديبية ألفا
وأربعمائة فبايعناه ،وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة ،وقال :
بايعناه على أل نفر ،ولم نبايعه على الموت .رواه مسلم عن قتيبة عنه )
.(12
وروى مسلم عن يحيى بن يحيى ،عن يزيد بن زريع ،عن خالد ،عن الحكم
بن عبد الله بن العرج ،عن معقل بن يسار ،قال :لقد رأيتني يوم الشجرة
والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس ) ، (13وأنا رافع
__________
) (1في أ " :شهاب".
) (2في أ " :عن أبي بكر بن أبي مليكة".
) (3السيرة النبوية ).(2/316
) (4زيادة من أ.
) (5زيادة من م ،أ.
) (6زيادة من م ،أ.
) (7ورواه البيهقي في دلئل النبوة ) (4/137من طريق الحميدي به.
) (8زيادة من ت ،أ.
) (9في أ " :عبد الله بن عمر".
) (10في أ " :ابن".
) (11صحيح البخاري برقم ).(4187
) (12صحيح مسلم برقم ).(1856
) (13في م " :والناس يبايعون النبي".
) (7/333
غصنا من أغصانها عن رأسه ،ونحن أربع عشرة مائة ،قال :ولم نبايعه على
الموت ،ولكن بايعناه على أل نفر ).(1
وقال البخاري :حدثنا المكي بن إبراهيم ،عن يزيد بن أبي عبيد ،عن سلمة
بن الكوع ،قال :بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة.
قال يزيد :قلت :يا أبا مسلم ) ، (2على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ ؟
قال :على الموت ).(3
وقال البخاري أيضا :حدثنا أبو عاصم ،حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة ،
قال :بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ثم تنحيت ،فقال
" :يا سلمة أل تبايع ؟" قلت :بايعت ،قال " :أقبل فبايع" .فدنوت فبايعته.
قلت :علم بايعته يا سلمة ؟ قال :على الموت .وأخرجه مسلم من وجه آخر
عن يزيد بن أبي عبيد ) .(4وكذا روى البخاري عن عباد بن تميم ،أنهم بايعوه
على الموت ).(5
وقال البيهقي :أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ،أخبرنا أبو الفضل بن إبراهم ،
حدثنا أحمد بن سلمة ،حدثنا إسحاق بن إبراهم ،حدثنا أبو عامر العقدي عبد
الملك بن عمرو ،حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي ،عن إياس بن سلمة ،عن
أبيه سلمة ) (6بن الكوع قال :قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ونحن أربع عشرة مائة ،وعليها خمسون شاة ل ترويها ،فقعد رسول
الله صلى الله عليه وسلم على جباها -يعني الركي -فإما دعا وإما بصق فيها
،فجاشت ،فسقينا واستقينا .قال :ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
دعا إلى البيعة في أصل الشجرة .فبايعته أول الناس ،ثم بايع وبايع ،حتى إذا
كان في وسط الناس قال صلى الله عليه وسلم " :بايعني يا سلمة" .قال :
قلت :يا رسول الله ،قد بايعتك في أول الناس .قال " :وأيضا" .قال :ورآني
رسول الله صلى الله عليه وسلم عزل فأعطاني حجفة -أو درقة -ثم بايع
حتى إذا كان في آخر الناس قال صلى الله عليه وسلم " :أل تبايع يا
سلمة ؟" قال :قلت :يا رسول الله ،قد بايعتك ) (7في أول الناس
وأوسطهم .قال " :وأيضا" .فبايعته الثالثة ،فقال " :يا سلمة ،أين حجفتك أو
درقتك التي أعطيتك ؟" .قال :قلت :يا رسول الله ،لقيني عامر عزل
فأعطيتها إياه :فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال " :إنك
كالذي قال الول :اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي" قال :ثم إن
المشركين من أهل مكة راسلونا في الصلح حتى مشى بعضنا في بعض
فاصطلحنا .قال :وكنت خادما لطلحة بن عبيد الله ،رضي الله عنه ،أسقي
فرسه وأحسه ) (8وآكل من طعامه ،وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله
ورسوله .فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة ،واختلط بعضنا ببعض ،أتيت شجرة
فكسحت شوكها ،ثم اضطجعت ) (9في أصلها في ظلها ،فأتاني أربعة من
مشركي أهل مكة ،فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأبغضتهم ،وتحولت إلى شجرة أخرى فعلقوا سلحهم واضطجعوا ،فبينما
هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي :يا للمهاجرين ،قتل ابن زنيم.
فاخترطت سيفي ،فشددت على أولئك الربعة وهم
__________
) (1صحيح مسلم برقم ).(1858
) (2في م " :مسلمة".
) (3صحيح البخاري برقم ).(2960
) (4صحيح مسلم برقم ).(1860
) (5صحيح البخاري برقم ).(2959
) (6في ت " :وقال البيهقي بسنده عن سلمة".
) (7في ت " :بايعت".
) (8في ت ،م " :وأجنبه".
) (9في تن م ،أ " :واضطجعت".
) (7/334
رقود ،فأخذت سلحهم وجعلته ضغثا في يدي ،ثم قلت ) : (1والذي كرم
وجه محمد صلى الله عليه وسلم ،ل يرفع أحد منكم رأسه إل ضربت الذي
فيه عيناه ،قال :ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
،قال :وجاء عمي عامر برجل من العََبلت يقال له " :مكرز" من المشركين
يقوده ،حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين
من المشركين ،فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال :
"دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه" ،فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه
َ وسلم ،وأنزل الله ]عز وجل[ ) } : (2وهُو ال ّذي ك َ ّ َ
م وَأي ْدِي َك ُ ْ
م م عَن ْك ُ ْف أي ْدِي َهُ ْ َ َ ِ
م { الية ]الفتح .[24 : م عَل َي ْهِ ْ ن أ َظ ْ َ
فَرك ُ ْ
َ
ن ب َعْد ِ أ ْ
م ْ مك ّ َ
ة ِ ن َ ْ
م ب ِب َط ِ
عَن ْهُ ْ
وهكذا رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه بسنده نحوه ،أو قريبا
منه ).(3
وثبت في الصحيحين من حديث أبي عوانة ،عن طارق ،عن سعيد بن
المسيب ،قال :كان أبي ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت
الشجرة .قال :فانطلقنا من قابل حاجين ،فخفي علينا مكانها ،فإن كان
تبينت لكم ،فأنتم أعلم ).(4
وقال أبو بكر الحميدي :حدثنا سفيان ،حدثنا أبو الزبير ،حدثنا ) (5جابر ،
قال :لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة ،وجدنا
رجل منا يقال له "الجد بن قيس" مختبئا تحت إبط بعيره".
رواه مسلم من حديث ابن جريج ،عن ابن الزبير ،به ).(6
وقال الحميدي أيضا :حدثنا سفيان ) ، (7عن عمرو ،سمع جابرا ،قال :كنا
يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ،فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنتم
خير أهل الرض اليوم" .قال جابر :لو كنت أبصر ) (8لريتكم موضع
الشجرة .قال سفيان :إنهم اختلفوا في موضعها .أخرجاه من حديث سفيان
).(9
وقال المام أحمد :حدثنا يونس ،حدثنا الليث .عن أبي الزبير ،عن جابر ،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :ل يدخل النار أحد ممن بايع
تحت الشجرة" ).(10
وقال ) (11ابن أبي حاتم :حدثنا محمد بن هارون الفلس المخرمي ،حدثنا
سعد بن عمرو الشعثي ،حدثنا محمد بن ثابت العبدي ،عن خداش بن
عياش ،عن أبي الزبير ،عن جابر ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :يدخل من بايع تحت الشجرة كلهم الجنة إل صاحب الجمل الحمر".
قال :فانطلقنا نبتدره فإذا رجل قد أضل بعيره ،فقلنا :تعال فبايع .فقال :
أصيب بعيري أحب إلي من أن أبايع ).(12
__________
) (1في تن م " :وقلت".
) (2زيادة من ت ،م.
) (3دلئل النبوة للبيهقي ) ، (4/138وصحيح مسلم برقم ).(1807
) (4صحيح البخاري برقم ) (4164وصحيح مسلم برقم ) (1859واللفظ
لمسلم.
) (5في م " :عن".
) (6مسند الحميدي ) (2/537وصحيح مسلم برقم ).(1856
) (7في ت " :وفي الصحيحين من حديث سفيان".
) (8في ت ،م " :انظر".
) (9مسند الحميدي ) (2/514وصحيح البخاري برقم ) (4154وصحيح مسلم
برقم ).(1856
) (10المسند ).(3/350
) (11في ت " :وروى".
) (12وفي إسناده محمد بن ثابت العبدي ،ضعفه ابن معين وشيخه خداش
بن عياش وثقه ابن حبان ،وقال الترمذي " :ل نعرف خداشا هذا من هو".
) (7/335
وقال عبد الله بن أحمد :حدثنا عبيد الله بن معاذ ،حدثنا أبي حدثنا قرة ،عن
أبي الزبير ) ، (1عن جابر ،عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " :من
يصعد الثنية ،ثنية المرار ،فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل" .فكان
أول من صعد خيل بني ) (2الخزرج ،ثم تبادر الناس بعد ،فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :كلكم مغفور له إل صاحب الجمل الحمر" .فقلنا :
تعال يستغفر لك رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ ) .(3فقال :والله لن
أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم .فإذا هو رجل ينشد ضالة )
.(4رواه مسلم عن عبيد الله ،به ).(5
وقال ابن جريج :أخبرني أبو الزبير ،أنه سمع جابرا يقول :أخبرتني أم
مبشر أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة " :ل
يدخل النار -إن شاء الله -من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها أحد".
م ِإل من ْك ُ ْ ن ِ قالت :بلى يا رسول الله .فانتهرها ،فقالت لحفصة } :وَإ ِ ْ
ها { ]مريم ، [71 :فقال النبي صلى الله عليه وسلم " :قد قال الله } : َوارِد ُ َ
جث ِّيا { ]مريم ، [72 :رواه مسلم ) ن ِفيَها ِ مي َ ّ
وا وَن َذ َُر الظال ِ ِ ق ْن ات ّ َ ذي َ ّ
جي ال ِ م ن ُن َ ّ ثُ ّ
.(6
دا
وفيه أيضا عن قتيبة ،عن الليث ،عن أبي الزبير ،عن جابر ؛ أن عب ً
لحاطب بن أبي بلتعة جاء يشكو حاطبا ،فقال :يا رسول الله ،ليدخلن
حاطب النار ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :كذبت ،ل يدخلها ؛
فإنه قد شهد بدرا والحديبية" ).(7
ه ي َد ُ ّ
ن الل َ ما ي َُباي ُِعو َ َ
ن ي َُباي ُِعون َك إ ِن ّ َ ذي َ ّ
ن ال ِ ولهذا قال تعالى في الثناء عليهم } :إ ِ ّ
َ َ َ َ
ه
عاهَد َ عَلي ْ ُ ما َ َ
ن أوْفى ب ِ َ م ْ سهِ وَ َ ف ِ ث عَلى ن َ ْ ما ي َن ْك ُ ُ ث فَإ ِن ّ َ ن ن َك َ َ م ْ م فَ َ ديهِ ْ الل ّهِ فَوْقَ أي ْ ِ
َ
ما { ]الفتح ، [10 :كما قال تعالى في الية الخرى : ظي ً جًرا عَ ِ سي ُؤِْتيهِ أ ْ ه فَ َ الل ّ َ
ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ
م م َ جَرةِ فَعَل ِ َ ش َ ت ال ّ ح َ ك تَ ْ ن إ ِذ ْ ي َُباي ُِعون َ َ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ ه عَ ِ ي الل ّ ُ ض َ قد ْ َر ِ } لَ َ
ريًبا { ]الفتح .[18 : ِ حا قَ م فَت ْ ً
َ
م وَأَثاب َهُ ْ ة عَل َي ْهِ ْ كين َ َ س ِ ل ال ّ فََأنز َ
فْر ل ََنا َ َ
ست َغْ ِ وال َُنا وَأهُْلوَنا َفا ْ م َشغَل َت َْنا أ ْ ب َ ن العَْرا ِ م َ ن ِ فو َ خل ّ ُ م َ ك ال ْ ُ ل لَ َ قو ُ سي َ ُ} َ
ّ َ ُ َ ْ َ
شي ًْئا إ ِ ْ
ن ن اللهِ َ م َ م ِ ك لك ُ ْ مل ِ ُن يَ ْ م ْ ل فَ َ م قُ ْ س ِفي قُلوب ِهِ ْ ما لي ْ َ م َ سن َت ِهِ ْ ن ب ِأل ِ قوُلو َ يَ ُ
َ ُ ّ ل َ َ َ َ
م
ل ظن َن ْت ُ ْ خِبيًرا ) (11ب َ ْ ن َ ملو َ ما ت َعْ َ ه بِ َ ن الل ُ كا َ فًعا ب َ ْ م نَ ْ ضّرا أوْ أَراد َ ب ِك ُ ْ م َ أَراد َ ب ِك ُ ْ
ل وال ْمؤْمنون إَلى أ َهِْليه َ َ
ك ِفي قُُلوب ِك ُ ْ
م ن ذ َل ِ َدا وَُزي ّ َم أب َ ً ِ ْ سو ُ َ ُ ِ ُ َ ِ ب الّر ُ قل ِ َن ي َن ْ َ ن لَ ْ أ ْ
سول ِهِ فَإ ِّنا ن ِبالل ّهِ وََر ُ م ْ ن لَ ْ
م ي ُؤْ ِ م ْ ما ُبوًرا ) (12وَ َ م قَوْ ً سوِْء وَك ُن ْت ُ ْ ن ال ّ م ظَ ّ وَظ َن َن ْت ُ ْ
شاُء ن يَ َم ْ فُر ل ِ َ
ض ي َغْ ِ مل ْ ُ
سِعيًرا ) (13وَل ِل ّهِ ُ أ َعْت َد َْنا ل ِل ْ َ
ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ
ك ال ّ ن َ ري َكافِ ِ
ما ){ (14 حي ًفوًرا َر ِ ه غَ ُن الل ّ ُ شاُء وَ َ
كا َ ن يَ َم ْ ب َ وَي ُعَذ ّ ُ
__________
) (1في ت " :وقال عبد الله بن أحمد بسنده".
) (2في أ " :من".
) (3زيادة من ت.
) (4في أ " :ضالته".
) (5صحيح مسلم برقم ).(2780
) (6صحيح مسلم برقم ).(2496
) (7صحيح مسلم برقم ).(2494
) (7/336
يقول تعالى مخبرا رسوله ) - (1صلوات الله وسلمه عليه ) - (2بما يعتذر به
المخلفون من العراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم )، (3
وتركوا المسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فاعتذروا بشغلهم
بذلك ،وسألوا أن يستغفر لهم الرسول ) (4صلى الله عليه وسلم ،وذلك
قول منهم ل على سبيل العتقاد ،بل على وجه التقية والمصانعة ؛ ولهذا قال
َ
ن الل ّ ِ
ه م َ م ِ ك ل َك ُ ْ مل ِ ُ ن يَ ْ م ْ ل فَ َ م قُ ْ س ِفي قُُلوب ِهِ ْ ما ل َي ْ َ م َ سن َت ِهِ ْ ن ب ِأل ْ ِ قوُلو َ تعالى } :ي َ ُ
َ َ شيًئا إ َ
فًعا { أي :ل يقدر أحد أن يرد ما أراده م نَ ْ ضّرا أوْ أَراد َ ب ِك ُ ْ م َ ن أَراد َ ب ِك ُ ْ َ ْ ِ ْ
فيكم تعالى وتقدس ،وهو العليم بسرائركم وضمائركم ،وإن صانعتمونا
خِبيًرا {. ن َ مُلو َ ما ت َعْ َ ه بِ َ ن الل ّ ُ كا َ ل َ وتابعتمونا ) (5؛ ولهذا قال } :ب َ ْ
َ َ َ ْ ل ظ َننت َ
دا { أي م أب َ ً ن إ ِلى أهِْليهِ ْ مُنو َ مؤ ْ ِ ل َوال ُ سو ُ ب الّر ُ قل ِ َ ن ي َن ْ َ ن لَ ْ مأ ْ َُْ ْ ثم قال } :ب َ ْ
ن َ َ :لم يكن تخلفكم تخلف معذور ول عاص ،بل تخلف نفاق } ،ب َ ْ
مأ ْ ل ظن َن ْت ُ ْ
ل وال ْمؤْمنون إَلى أ َهِْليه َ
دا { أي :اعتقدتم أنهم يقتلون م أب َ ً ِ ْ سو ُ َ ُ ِ ُ َ ِ ب الّر ُ قل ِ َ لَ ْ
ن ي َن ْ َ
م ظَ ّ
ن وتستأصل شأفتهم وتستباد خضراؤهم ،ول يرجع منهم مخبر } ،وَظ َن َن ْت ُ ْ
ما ُبوًرا { أي :هلكى .قاله ابن عباس ،ومجاهد ،وغير واحد. م قَوْ ً سوِْء وَك ُن ْت ُ ْ ال ّ
وقال قتادة :فاسدين .وقيل :هي بلغة عمان.
سول ِهِ { أي :من لم يخلص العمل في ن ِبالل ّهِ وََر ُ م ْ م ي ُؤْ ِ ن لَ ْ م ْ ثم قال } :وَ َ
الظاهر والباطن لله ،فإن الله تعالى سيعذبه في السعير ،وإن أظهر للناس
ما يعتقدون خلف ما هو عليه في نفس المر.
ثم بين تعالى أنه الحاكم المالك المتصرف في أهل السموات والرض :
ما { أي :لمن تاب حي ً فوًرا َر ِ ه غَ ُ ن الل ّ ُ كا َشاُء وَ َ ن يَ َ م ْ ب َ شاُء وَي ُعَذ ّ ُ ن يَ َ م ْ فُر ل ِ َ } ي َغْ ِ
إليه وأناب ،وخضع لديه.
َ ْ
ن
نأ ْ دو َ ري ُ م يُ ِ ها ذ َُروَنا ن َت ّب ِعْك ُ ْ ذو َ خ ُ م ل ِت َأ ُ مَغان ِ َ م إ َِلى َ قت ُ ْ ن إ َِذا ان ْط َل َ ْ فو َ خل ّ ُ م َ ل ال ْ ُ قو ُ سي َ ُ } َ
ن بَ ْ
ل قولو َ ُ ل فَ َ
سي َ ُ ن قَب ْ ُ م ْ ه ِ ّ
ل الل ُ م َقا َ ن ت َت ّب ُِعوَنا ك َذ َل ِك ُ ْ َ
لل ْ م اللهِ قُ ْ ّ كل َ ي ُب َد ُّلوا َ
ن ِإل قَِليل ){ (15 قُهو َ ف َ كاُنوا ل ي َ ْ ل َ دون ََنا ب َ ْ س ُ ح ُ تَ ْ
يقول تعالى مخبًرا عن العراب الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم
في غزوة ) (6الحديبية ،إذ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى
خيبر يفتتحونها :أنهم يسألون أن يخرجوا معهم إلى المغنم ،وقد تخلفوا عن
وقت محاربة العداء ومجالدتهم ومصابرتهم ،فأمر الله رسوله صلى الله
عليه وسلم أل يأذن لهم في ذلك ،معاقبة لهم من جنس ذنبهم .فإن الله
تعالى قد وعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم ل يشركهم فيها غيرهم من
العراب المتخلفين ،فل ) (7يقع غير ذلك شرعا وقدرا ؛ ولهذا قال :
م الل ّهِ { ن ي ُب َد ُّلوا َ } يريدو َ
كل َ نأ ُْ ِ ُ َ
قال مجاهد ،وقتادة ،وجويبر :وهو الوعد الذي وعد به أهل الحديبية.
واختاره ابن جرير ).(8
__________
) (1في ت ،م " :لرسوله".
) (2في ت " :صلى الله عليه وسلم".
) (3في ت ،أ " :والشغل بهم".
) (4في م " :رسول الله".
) (5في ت " :أو نافقتمونا".
) (6في ت ،م ،أ " :عمرة".
) (7في ت " :ول".
) (8تفسير الطبري ).(26/50
) (7/337
ست َأ ْذ َُنو َ
ك م َفا ْ من ْهُ ْ
فةٍ ِ ه إ َِلى َ
طائ ِ َ ك الل ّ ُ جعَ َ ن َر َ وقال ابن زيد :هو قوله } :فَإ ِ ْ
ْ ُ َ َ
م ِبالقُُعودِ
ضيت ُ ْ م َر ِ ُ
ي عَد ُّوا إ ِن ّك ْ معِ َ قات ِلوا َ ن تُ َدا وَل ْ ي أب َ ً معِ َ جوا َ خُر ُ ن تَ ْ ل لَ ْق ْخُروِج فَ ُ ل ِل ْ ُ
ن { ]التوبة .[83 : في َ خال ِ ِمعَ ال ْ َ دوا َ مّرةٍ َفاقْعُ ُ ل َ أ َوّ َ
وهذا الذي قاله ابن زيد فيه نظر ؛ لن هذه الية التي في "براءة" نزلت في
غزوة تبوك ،وهي متأخرة عن غزوة ) (1الحديبية.
م الل ّهِ { يعني :بتثبيطهم المسلمين ن ي ُب َد ُّلوا َ وقال ابن جريج } :يريدو َ
كل َ نأ ْ ُ ِ ُ َ
عن الجهاد.
ن قب ْل { أي :وعد الله أهل الحديبية قبل ُ َ م ْ ه ِ ّ
م قال الل ُ َ َ ُ َ َ
ن ت َت ّب ُِعوَنا كذل ِك ْ ل لَ ْ} قُ ْ
دون ََنا { أي :أن نشرككم س ُ ح ُ ن بَ ْ
ل تَ ْ قوُلو َ سي َ ُسؤالكم ) (2الخروج معهم } ،فَ َ
ن ِإل قَِليل { أي :ليس المر كما زعموا ، قُهو َ ف َ كاُنوا ل ي َ ْ ل َ في المغانم } ،ب َ ْ
ولكن ل فهم لهم ).(3
__________
) (1في ت ،م ،أ " :عمرة".
) (2في ت ،م " :قبل أن يسألوكم".
) (3في ت ،أ " :لنهم عدو لهم".
) (7/338
) (7/338
) (7/339
ل ل َك ُم هَذه وك َ ّ َ ْ
س عَن ْك ُ ْ
م ف ُأي ْدِيَ الّنا ِ ْ ِ ِ َ ج َ ذون ََها فَعَ ّ خ ُ م ك َِثيَرةً ت َأ ُ مَغان ِ َ ه َ م الل ّ ُ وَعَد َك ُ ُ
َ
قدُِروا عَلي َْها م تَ ْ َ ً ُ مؤ ْ ِ ْ َ وَل ِت َ ُ
خَرى ل ْ ما ) (20وَأ ْ قي ًست َ ِ
م ْ صَراطا ُ م ِ ن وَي َهْدِي َك ْ مِني َ ة ل ِل ُ ن آي َ ً كو َ
َ
ن
ذي َ م ال ّ ِديًرا ) (21وَل َوْ َقات َل َك ُ ُ يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ه عََلى ك ُ ّ ن الل ّ ُ كا َ ه ب َِها وَ َ ط الل ّ ُ حا َ قَد ْ أ َ
َ
تخل َ ْ ة الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ سن ّ َ
صيًرا )ُ (22 ن وَل ِّيا وََل ن َ ِ دو َ ج ُ م َل ي َ ِ وا اْلد َْباَر ث ُ ّ فُروا ل َوَل ّ ُ كَ َ
ديًل )(23 سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ جد َ ل ِ ُ ن تَ ِ ل وَل َ ْ ن قَب ْ ُ م ْ ِ
قال البخاري :حدثنا محمود ،حدثنا عبيد الله ،عن إسرائيل ،عن طارق بن
جا فمررت بقوم يصلون ،فقلت ) (1ما هذا عبد الرحمن قال :انطلقت حا ً
المسجد ؟ قالوا :هذه الشجرة ،حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيعة الرضوان ،فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته ،فقال سعيد :حدثني أبي
أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة .قال :
فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها ،فقال سعيد :إن
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم ،فأنتم أعلم
).(2
م { أي :من الصدق والوفاء ،والسمع والطاعة ُ
ما ِفي قُلوب ِهِ ْ م َ وقوله } :فَعَل ِ َ
ريًبا { :وهو حا قَ ِ م فَت ْ ً
َ
م وَأَثاب َهُ ْ َ
ة { :وهي الطمأنينة } ،عَلي ْهِ ْ كين َ َس ِ ل ال ّ } ،فََأنز َ
ما أجرى الله على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم ،وما حصل بذلك
من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة ،ثم فتح سائر البلد
والقاليم عليهم ،وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والخرة ؛
ْ
ما { كي ً ح ِ زيًزا َ ه عَ ِن الل ّ ُكا َ ذون ََها ) (3وَ َ خ ُ م ك َِثيَرة ً ي َأ ُ مَغان ِ َ ولهذا قال } :وَ َ
قال ) (4ابن أبي حاتم :حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ،
حدثنا عبيد الله بن موسى ،أخبرنا موسى ،أخبرنا موسى -يعني ابن عبيدة -
حدثني إياس ) (5بن سلمة ،عن أبيه ،قال :بينما نحن قائلون .إذ نادى
منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم :أيها الناس ،البيعة البيعة ،نزل
روح القدس .قال :فَُثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت
ن
ه عَ ِ ي الل ّ ُ ض َ قد ْ َر ِ شجرة سمرة فبايعناه ،فذلك قول الله تعالى ) } : (6ل َ َ
جَرةِ { ]قال[ ) : (7فبايع لعثمان بإحد يديه ش َ ت ال ّ ح َ ك تَ ْ ن إ ِذ ْ ي َُباي ُِعون َ َ مِني َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
على الخرى ،فقال الناس :هنيئا لبن عفان ،طوف بالبيت ونحن ) (8هاهنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :لو مكث كذا كذا سنة ما طاف
حتى أطوف" ).(9
َ َ ْ
م ُ
س عَن ْك ْ ف أي ْدِيَ الّنا ِ َ
م هَذِهِ وَك ّ ُ
ل لك ْ ج َذون ََها فَعَ ّ خ ُ م كِثيَرة ً ت َأ ُ َ مَغان ِ َ ه َ م الل ّ ُ } وَعَد َك ُ ُ
قدُِروا عَل َي َْها ُ
م تَ ْ خَرى ل َ ْ ما ) (20وَأ ْ قي ً ست َ ِم ْطا ُصَرا ً م ِ ن وَي َهْدِي َك ُ ْ مِني َ مؤ ْ ِ ة ل ِل ْ ُ ن آي َ ً كو َ وَل ِت َ ُ
َ
ن
ذي َم ال ّ ِديًرا ) (21وَل َوْ َقات َل َك ُ ُ يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ه عََلى ك ُ ّ ن الل ّ ُ كا َ ه ب َِها وَ َ ط الل ّ ُ حا َ قَد ْ أ َ
ت خل َ ْة الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ سن ّ َ صيًرا )ُ (22 ن وَل ِّيا َول ن َ ِ دو َ ج ُ م ل يَ ِ وا الد َْباَر ث ُ ّ فُروا ل َوَل ّ ُ كَ َ
ديل ){ (23 سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ جد َ ل ِ ُ ن تَ ِ ل وَل َ ْ ن قَب ْ ُ م ْ ِ
__________
) (1في م " :وقلت".
) (2صحيح البخاري برقم ).(4163
) (3في ت " :تأخذونها".
) (4في ت " :وروى".
) (5في ت " :عن أبان".
) (6في ت ،م " :فذلك قوله تعالى".
) (7زيادم من ت ،م.
) (8في ت ،م " :وذكر".
) (9ورواه الطبراني في المعجم الكبير ) (1/90من طريق عبيد الله بن
موسى به ،قال الهيثمي في المجمع )" : (9/84فيه موسى بن عبيدة وهو
ضعيف".
) (7/340
م ن أ َظ ْ َ
فَرك ُ ْ
َ
ن ب َعْد ِ أ ْ
م ْ مك ّ َ
ة ِ ن َ ْ
م ب ِب َط ِ
م عَن ْهُ ْ
َ
م وَأي ْدِي َك ُ ْم عَن ْك ُ ْ
وهُو ال ّذي ك َ ّ َ
ف أي ْدِي َهُ ْ َ َ ِ
صيًرا )(24 ن بَ ِ ملو َ ُ ما ت َعْ َه بِ َ ّ
ن الل ُ َ عَل َي ْهِ ْ
م وَكا َ
م ن أ َظ ْ َ
فَرك ُ ْ
َ
ن ب َعْد ِ أ ْ
م ْ مك ّ َ
ة ِ ن َ ْ
م ب ِب َط ِ
م عَن ْهُ ْ
َ
م وَأي ْدِي َك ُ ْم عَن ْك ُ ْ
} وهُو ال ّذي ك َ ّ َ
ف أي ْدِي َهُ ْ َ َ ِ
صيًرا ){ (24 ن بَ ِ ملو َُ ما ت َعْ َ ه بِ َ ّ
ن الل ُ
كا َ عَل َي ْهِ ْ
م وَ َ
) (7/340
ْ
ذون ََها { :هي جميع خ ُ م ك َِثيَرةً ت َأ ُ مَغان ِ َ ه َ م الل ّ ُ قال مجاهد في قوله } :وَعَد َك ُ ُ
م هَذِهِ { يعني :فتح خيبر. ل ل َك ُ ْ ج َ المغانم إلى اليوم } ،فَعَ ّ
م هَذِهِ { يعني :صلح الحديبية. ل ل َك ُ ْ ج َ وروى العوفي عن ابن عباس } :فَعَ ّ
} وك َ ّ َ
م { أي :لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه س عَن ْك ُ ْ ف أي ْدِيَ الّنا ِ َ
لكم من المحاربة والقتال .وكذلك كف أيدي الناس ]عنكم[ ) (1الذين
ن{ مِني َ مؤْ ِ ة ل ِل ْ ُن آي َ ًكو َ خلفتموهم وراء أظهركم عن عيالكم وحريمكم } ،وَل ِت َ ُ
أي :يعتبرون بذلك ،فإن الله حافظهم وناصرهم على سائر العداء ،مع قلة
عددهم ،وليعلموا بصنيع الله هذا بهم أنه العليم بعواقب المور ،وأن الخيرة
سى فيما يختاره لعباده المؤمنين وإن كرهوه في الظاهر ،كما قال } :وَعَ َ
َ
م { ]البقرة .[216 : خي ٌْر ل َك ُ ْ شي ًْئا وَهُوَ َ هوا َ ن ت َك َْر ُ أ ْ
ما { أي :بسبب انقيادكم لمره واتباعكم طاعته ، قي ً ست َ ِ م ْ طا ُ صَرا ً م ِ } وَي َهْدِي َك ُ ْ
وموافقتكم رسوله ).(2
َ ّ ّ َ َ َ وقوله } :وَأ ُ ْ
يءٍش ْ ل َ ُ
ه عَلى ك ّ ن الل ُ َ
ه ب َِها وَكا َ حاط الل ُ قدُِروا عَلي َْها قَد ْ أ َ م تَ ْخَرى ل َ ْ
ديًرا { أي :وغنيمة أخرى وفتحا آخر معينا لم تكونوا تقدرون عليها ،قد قَ ِ
سرها الله عليكم ،وأحاط بها لكم ،فإنه تعالى يرزق عباده المتقين له من يَ ّ
حيث ل يحتسبون.
وفي عن َ ْ ع ال فقال ؟ بها المراد ما ، الغنيمة هذه في المفسرون وقد اختلف
م هَذِهِ { ل ل َك ُ ْ ج َ ابن عباس :هي خيبر .وهذا على قوله في قوله تعالى } :فَعَ ّ
إنها صلح الحديبية .وقاله الضحاك ،وابن إسحاق ،وعبد الرحمن بن زيد بن
أسلم.
وقال قتادة :هي مكة .واختاره ابن جرير.
وقال ابن أبي ليلى ،والحسن البصري :هي فارس والروم.
وقال مجاهد :هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة.
وقال أبو داود الطيالسي :حدثنا شعبة ،عن سماك الحنفي ،عن ابن
َ عباس } :وَأ ُ ْ
ه ب َِها { قال :هذه الفتوح التي ط الل ّ ُ حا َ قدُِروا عَل َي َْها قَد ْ أ َ م تَ ْخَرى ل َ ْ
تفتح إلى اليوم ).(3
صيًرا { ن وَل ِّيا َول ن َ ِ دو َ ج ُم ل يَ ِ وا الد َْباَر ث ُ ّ ّ
فُروا لوَل َُ َ
نك َ ذي َ ّ
م ال ِ وقوله } :وَل َوْ َقات َل َك ُ
ُ
يقول تعالى مبشرا لعباده المؤمنين :بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله
رسوله وعباده المؤمنين عليهم ،ولنهزم جيش الكفار ) (4فارا مدبرا ل
يجدون وليا ول نصيرا ؛ لنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه ) (5المؤمنين.
ديل { أي : سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ جد َ ل ِ ُ ن تَ ِ ل وَل َ ْ ن قَب ْ ُ م ْ ت ِ خل َ ْ ة الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ سن ّ َ ثم قال ُ } :
هذه سنة الله وعادته في خلقه ،ما تقابل الكفر واليمان في موطن فيصل
إلى نصر الله اليمان على الكفر ،فرفع الحق ووضع الباطل ،كما فعل
تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين ،مع قلة
ددهم ،وكثرة المشركين وعددهم ).(6 عدد المسلمين وعُ َ
__________
) (1زيادة من ت.
) (2في ت ،م " :لرسوله".
) (3في ت " :إلى يوم القيامة".
) (4في م " :الكفر".
) (5في ت ،أ " :ولعباده".
) (6في ت ،م " :ومددهم".
) (7/341
) (7/342
خرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة ،قال له
حْرب بغير سلح ول ك َُراع ؟ قال : عمر :يا نبي الله ،تدخل على قوم لك َ
فبعث إلى المدينة ،فلم يدع فيها كراعا ول سلحا إل حمله ،فلما دنا من
مكة منعوه أن يدخل ،فسار حتى أتى منى ،فنزل بمنى ،فأتاه عينه أن
عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة ،فقال لخالد بن الوليد :
"يا خالد ،هذا ابن عمك أتاك في الخيل ) ، (1فقال خالد :أنا سيف الله ،
وسيف رسوله -فيومئذ سمي سيف الله -يا رسول الله ،ارم بي أين شئت.
فبعثه على خيل ،فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ،
ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ،ثم عاد في الثالثة فهزمه
َ حتى أدخله حيطان مكة ،فأنزل الله } :وهُو ال ّذي ك َ ّ َ
م وَأي ْدِي َك ُ ْ
م م عَن ْك ُ ْف أي ْدِي َهُ ْ َ َ ِ
َ ن أ َظ ْ َ َ
ما {. ذاًبا أِلي ً م [ { ) (2إلى } :عَ َ م عَل َي ْهِ ْ
فَرك ُ ْ ن ب َعْد ِ أ ْ
م ْ مك ّ َ
ة] ِ ن َ ْ
م ب ِب َط ِ
عَن ْهُ ْ
قال :فكف الله النبي عنهم من بعد أن أظفره ) (3عليهم لبقايا من
المسلمين كانوا بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل ).(4
ورواه ابن أبي حاتم عن ابن أبزى بنحوه .وهذا السياق فيه نظر ؛ فإنه ل
يجوز أن يكون عام الحديبية ؛ لن خالدا لم يكن أسلم ؛ بل قد كان طليعة
المشركين ) (5يومئذ ،كما ثبت في الصحيح .ول يجوز أن يكون في عمرة
القضاء ،لنهم قاضوه على أن يأتي من العام المقبل ) (6فيعتمر ويقيم بمكة
ثلثة أيام ،فلما قدم لم يمانعوه ،ول حاربوه ول قاتلوه .فإن قيل :فيكون
يوم الفتح ؟ فالجواب :ول يجوز أن يكون يوم الفتح ؛ لنه لم يسق عام الفتح
مَرم ،فهذا السياق فيه خلل ،قد هدًيا ،وإنما جاء محاربا مقاتل في جيش عََر ْ َ
وقع فيه شيء فليتأمل ،والله أعلم.
وقال ابن إسحاق :حدثني من ل أتهم ،عن عكرمة مولى ابن عباس :أن
قريشا بعثوا أربعين رجل منهم أو خمسين ،وأمروهم أن يطيفوا بعسكر
ذا ، ذوا أخ ً دا ،فُأخ ُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا من أصحابه أح ً
فُأتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فعفا عنهم وخلى سبيلهم ،وقد
كانوا رموا إلى ) (7عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) (8بالحجارة
م ُ والنبل .قال ابن إسحاق :وفي ذلك أنزل الله } :وهُو ال ّذي ك َ ّ َ
م عَن ْك ْ ف أي ْدِي َهُ ْ َ َ ِ
َ
م { الية ).(9 وَأي ْدِي َك ُ ْ
م عَن ْهُ ْ
وقال قتادة :ذكر لنا أن رجل يقال له " :ابن ُزن َْيم" اطلع على الثنية من
الحديبية ،فرماه المشركون بسهم فقتلوه ،فبعث رسول الله صلى الله
سا من الكفار ،فقال لهم " :هل لكم عليه وسلم خيل فأتوه باثني عشر فار ً
علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة ؟" .قالوا :ل .فأرسلهم ،وأنزل الله في ذلك :
َ } وهُو ال ّذي ك َ ّ َ
م { الية. م عَن ْهُ ْم وَأي ْدِي َك ُ ْم عَن ْك ُ ْ
ف أي ْدِي َهُ ْ َ َ ِ
__________
) (1في أ " :الجبل".
) (2زيادة من ت.
) (3في أ " :أظفركم".
) (4تفسير الطبري ).(26/59
) (5في أ " :للمشركين".
) (6في ت " :قابل".
) (7في أ " :في".
) (8في ت ،م " :عسكر المسلمين".
) (9رواه الطبري في تفسيره ).(26/59
) (7/343
َ
حل ّ ُ
ه م ِ ن ي َب ْل ُغَ َ كوًفا أ ْ معْ ُ حَرام ِ َوال ْهَد ْيَ َ جدِ ال ْ َ س ِ م ْ ن ال ْ َ م عَ ِ دوك ُ ْ ص ّ فُروا وَ َ ن كَ َ ذي َ م ال ّ ِهُ ُ
َ
ممن ْهُ ْ م ِ صيب َك ُ ْ م فَت ُ ِ ن ت َط َُئوهُ ْ مأ ْ موهُ ْ م ت َعْل َ ُ ت لَ ْ مَنا ٌ مؤ ْ ِ ساٌء ُ ن وَن ِ َ مُنو َ مؤ ْ ِ ل ُ جا ٌ وَل َوَْل رِ َ
فُروا ن كَ َ ذي َ ّ َ ُ
شاُء لوْ ت ََزي ّلوا لعَذ ّب َْنا ال ِ َ ن يَ َ م ْ مت ِهِ َ ح َ ه ِفي َر ْ ّ
ل الل ُ خ َ علم ٍ ل ِي ُد ْ ِْ معَّرةٌ ب ِغَي ْرِ ِ َ
ْ ْ ُ ُ َ ّ َ ْ َ َ
جاهِل ِي ّةِ ة ال َ مي ّ َح ِ ة َ مي ّ َح ِ م ال َ ه
ِِ ُ ب لو ق في ِ روا ُ َ ف ك ن
َ ذي
ِ لا ل َ ع ج
َ ذِ إ ( 25 ) ماً ليِ أ باً ذا َ ع م ه
ِ ُ ْ
ْ ن م
َ
وى وَكاُنوا ق َة الت ّ ْ م َ َ
م كل ِ َ مهُ ْ ْ َ
ن وَألَز َ مِني َمؤْ ِ ْ
سول ِهِ وَعَلى ال َُ ه عَلى َر ُ َ كين َت َ ُ س ِ ه َ ّ
ل الل ُ فَأ َن َْز َ
ما )(26 يٍء عَِلي ً ش ْ ل َ ه ب ِك ُ ّ ن الل ّ ُ كا َ حقّ ب َِها وَأ َهْل ََها وَ َ أ َ
َ
ن ي َب ْل ُغَ َ
كوًفا أ ْ معْ ُ حَرام ِ َوال ْهَد ْيَ َ جدِ ال ْ َ س ِ م ْ ن ال ْ َ م عَ ِ دوك ُ ْ ص ّ فُروا وَ َ ن كَ َ ذي َ م ال ّ ِ} هُ ُ
َ
صيب َك ُ ْ
م م فَت ُ ِ ن ت َط َُئوهُ ْ مأ ْ موهُ ْ م ت َعْل َ ُ ت لَ ْ مَنا ٌ مؤ ْ ِساٌء ُ ن وَن ِ َ مُنو َ مؤ ْ ِ ل ُ جا ٌ ول رِ َ ه وَل َ ْ حل ّ ُ م ِ َ
نَ ذي
ِ ّ ل ا ناَ ب
َ ّْ ذ ع َ ل لوا ُ ي
ْ َ ّ ز َ ت و َ ل ُ ء َ
شا ي
َ ْ َن م ِ ه ِ ت م ح
َ ْ َ ر في ِ ه
ُ ّ ل ال َ
ل خ
ِ د
ٍ ُ ْيِ ل م ْ ل ع ِ ر ي َ غ ب
ِ ُ ْ َ َ ّ ِ ْ ِ ٌ ة ر ع م م ه ْ ن م
ْ ُ ن كَ َ ّ َ كَ َ
ة
مي ّ َ ح ِ ة َ مي ّ َ ح ِ م ال َ فُروا ِفي قُلوب ِهِ ُ ذي َ ل ال ِ جعَ َ ما ) (25إ ِذ ْ َ ذاًبا أِلي ً م عَ َ من ْهُ ْ فُروا ِ
ْ َ ْ َ َ ّ َ
ةم َ م ك َل ِ َ مهُ ْ ن وَألَز َ مِني َ مؤْ ِسول ِهِ وَعَلى ال ُ ه عَلى َر ُ كين َت َ ُس ِ ه َ ل الل ُ جاهِل ِي ّةِ فَأنز َ ال ْ َ
ما ){ (26 يٍء عَِلي ً ش ْل َ ه ب ِك ُ ّ ن الل ّ ُ كا َحقّ ب َِها وَأ َهْل ََها وَ َ َ
كاُنوا أ َ وى وَ َ ق َالت ّ ْ
يقول تعالى مخبرا عن الكفار من مشركي العرب من قريش ومن مالهم )
ن ذي َ م ال ّ ِ (1على نصرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم } :هُ ُ
حَرام ِ { ْ
جدِ ال َ س ِ م ْ ن ال ْ َ دوك ُ ْ كَ َ
َ م عَ ِ ص ّ فُروا { أي :هم الكفار دون غيرهم } ،وَ َ
ن ي َب ْل ُ َ
غ كوًفا أ ْ معْ ُ أي :وأنتم أحق به ،وأنتم أهله في نفس المر َ } ،وال ْهَد ْيَ َ
ه { أي :وصدوا الهدي أن يصل ) (2إلى محله ،وهذا من بغيهم وعنادهم حل ّ ُ م ِ َ
،وكان الهديُ سبعين بدنة ،كما سيأتي بيانه.
ت { أي :بين أظهرهم ممن مَنا ٌ مؤ ْ ِ ساٌء ُ ن وَن ِ َ مُنو َ مؤ ْ ِ ل ُ جا ٌ ول رِ َ وقوله } :وَل َ ْ
سّلطناكم يكتم إيمانه ويخفيه منهم خيفة على أنفسهم من قومهم ،لكنا َ
عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم ،ولكن بين أفنائهم من المؤمنين
َ
ن
مأ ْ موهُ ْ م ت َعْل َ ُ والمؤمنات أقوام ل تعرفونهم حالة ) (3القتل ؛ ولهذا قال } :ل َ ْ
ه ِفي ّ
ل الل ُ خ َ عل ْم ٍ ل ِي ُد ْ ِ معَّرةٌ { أي :إثم وغرامة } ب ِغَي ْرِ ِ م َ من ْهُ ْ م ِ صيب َك ُ ْ م فَت ُ ِ ت َط َُئوهُ ْ
شاُء { أي :يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين ، ن يَ َ م ْ مت ِهِ َ ح َ َر ْ
وليرجع كثير منهم إلى السلم.
ثم قال } :ل َوْ ت ََزي ُّلوا { أي :لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم
َ
ما { أي :لسلطناكم عليهم فلقتلتموهم ذاًبا أِلي ًم عَ َمن ْهُ ْفُروا ِ ن كَ َ
ذي َ } ل َعَذ ّب َْنا ال ّ ِ
قتل ذريعا.
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني :حدثنا أبو الّزْنباع -روح بن الفرج -حدثنا
عبد الرحمن بن أبي عباد المكي ،حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ) (4أبو
جر بن خلف :سمعت عبد الله بن عوف ) ح ْسعيد -مولى بني هاشم -حدثنا ُ
(5يقول ) : (6سمعت ) (7جنيد بن سبع يقول ) : (8قاتلت رسول الله صلى
الله عليه وسلم أول النهار كافرا ،وقاتلت معه آخر النهار مسلما ،وفينا
ت { قال :كنا تسعة نفر :سبعة مؤ ْ ِ
مَنا ٌ ساٌء ُن وَن ِ َمُنو َمؤ ْ ِل ُجا ٌول رِ َ نزلت } :وَل َ ْ
رجال وامرأتين ).(9
ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن عباد المكي به ،وقال فيه :عن أبي
جمعة جنيد بن سبيع ،فذكره ) (10والصواب أبو جعفر :حبيب بن سباع.
ورواه ابن أبي حاتم من حديث حجر بن خلف )، (11
__________
) (1في ت ،أ " :ول هم".
) (2في ت " :يبلغ".
) (3في أ " :حال".
) (4في م ،أ " :عبيد الله".
) (5في أ " :عمرو".
) (6في ت " :روى الحافظ الطبراني بسنده".
) (7في ت " :عن".
) (8في ت " :قال".
) (9المعجم الكبير ).(2/290
) (10المعجم الكبير ).(4/24
) (11في أ " :حنيف".
) (7/344
جا ٌ
ل ول رِ َبه .وقال :كنا ثلثة ) (1رجال وتسع نسوة ،وفينا نزلت } :وَل َ ْ
ت {. مَنا ٌ مؤ ْ ِ ساٌء ُ ن وَن ِ َ مُنو َمؤ ْ ُِ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا علي بن الحسين ،حدثنا محمد بن إسماعيل
البخاري ،حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة ،عن أبي حمزة ) ، (2عن عطاء
فُروان كَ َذي َعن سعيد بن جبير ) ، (3عن ابن عباس } :ل َوْ ت ََزي ُّلوا ل َعَذ ّب َْنا ال ّ ِ
ما { يقول :لو تزيل الكفار من المؤمنين ،لعذبهم الله عذابا َ م عَ َ
ذاًبا أِلي ً من ْهُ ْ ِ
أليما بقتلهم إياهم.
جاهِل ِي ّةِ { ،وذلك ْ
ة ال َ مي ّ َح ِ ة َ مي ّ َ
ح ِ ْ
م ال َ ُ
فُروا ِفي قُلوب ِهِ ُ َ
نك َ ذي َ ّ
ل ال ِ جعَ َ وقوله } :إ ِذ ْ َ
حين أبوا أن يكتبوا "بسم الله الرحمن الرحيم" ،وأبوا أن يكتبوا " :هذا ما
سول ِهِ وَعََلىه عََلى َر ُ كين َت َ ُ
س ِ ه َ ل الل ّ ُقاضى عليه محمد رسول الله" } ،فََأنز َ
َ
وى { ،وهي قول " :ل إله إل الله" ،كما قال ق َ
ة الت ّ ْ م ك َل ِ َ
م َ مهُ ْ ن وَأل َْز َ مؤ ْ ِ
مِني َ ال ْ ُ
ابن جرير ،وعبد الله ابن المام أحمد :حدثنا الحسن بن قزعة أبو علي
البصري ،حدثنا سفيان بن حبيب ،حدثنا شعبة ،عن ثوير ) ، (4عن أبيه عن
الطفيل -يعني :ابن أبي بن كعب )] (5رضي الله عنه[ ) - (6عن أبيه ]أنه[ )
َ
وى { ق َ ة الت ّ ْ م َم ك َل ِ َ مهُ ْ (7سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول } :وَأل َْز َ
قال " :ل إله إل الله".
وكذا رواه الترمذي عن الحسن بن قزعة ،وقال :غريب ل نعرفه إل من
عة عنه فلم يعرفه إل من هذا الوجه ).(8 حديثه ،وسألت أبا ُزْر َ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ،حدثنا عبد الله بن
صالح ،حدثني الليث ،حدثني عبد الرحمن بن خالد ،عن ابن شهاب )، (9
عن سعيد بن المسيب ،أن أبا هريرة أخبره ،أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " :أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا :ل إله إل الله ،فمن قال :
ل إله إل الله ،فقد عصم مني ماله ونفسه إل بحقه ،وحسابه على الله" ،
ه ِإل م ل إ ِل َ َ ل ل َهُ ْ م َ
كاُنوا إ َِذا ِقي َ وأنزل الله في كتابه ،وذكر قوما فقال } :إ ِن ّهُ ْ
ْ َ
ة
م َ َ
م كل ِ َ مهُ ْن { ]الصافات ، [35 :وقال الله جل ثناؤه } :وَألَز َ ست َك ْب ُِرو َ الل ّ ُ
ه يَ ْ
حقّ ب َِها وَأهْل ََها { وهي " :ل إله إل الله ،محمد رسول الله" ، َ َ وى وَ َ
كاُنوا أ َ ق َالت ّ ْ
فاستكبروا عنها واستكبر عنها المشركون ) (10يوم الحديبية ،وكاتبهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم على قضية المدة..
وكذا رواه بهذه الزيادات ابن جرير من حديث الزهري ) ، (11والظاهر أنها
مدرجة من كلم الزهري ،والله أعلم.
وى { :الخلص .وقال عطاء بن أبي رباح :هي ل ق َ
ة الت ّ ْ وقال مجاهد } :ك َل ِ َ
م َ
إله إل الله وحده ل شريك ،له له الملك وله الحمد ،وهو على كل شيء
قدير.
__________
) (1في م " :ثلث".
) (2في أ " :عن أبي هريرة".
) (3في ت " :روى ابن أبي حاتم بسنده".
) (4في أ " :ثور".
) (5في ت " :كما روى ابن جرير بسنده عن أبي بن كعب".
) (6زيادة من ت.
) (7زيادة من ت ،م.
) (8تفسير الطبري ) (26/66وزوائد عبد الله على المسند ) (5/138وسنن
الترمذي برقم ).(3265
) (9في ت " :وروى بن أبي حاتم بسنده".
) (10في أ " :قريش".
) (11تفسير الطبري ).(26/66
) (7/345
وقال يونس بن بكير ،عن ابن إسحاق ،عن الزهري ،عن عروة ،عن
َ
وى { قال :ل إله إل الله ،وحده ل شريك له. ق َ
ة الت ّ ْ م ك َل ِ َ
م َ مهُ ْ المسور } :وَأل َْز َ
وقال الثوري ،عن سلمة بن كهيل ،عن عََباية بن رِب ِْعي ،عن علي :
َ
وى { قال :ل إله إل الله ،والله أكبر .وكذا قال ابن ق َة الت ّ ْم َم ك َل ِ َ } وَأل َْز َ
مهُ ْ
عمر ،رضي الله عنهما.
وى { َ ْ َ
ق َ
ة الت ّ ْ
م َ
م كل ِ َمهُ ْ
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس قوله } :وَألَز َ
قال :يقول :شهادة أن ل إله إل الله ،وهي رأس كل تقوى.
َ
وى { قال :ل إله إل الله والجهاد ق َ
ة الت ّ ْ م ك َل ِ َ
م َ مهُ ْ وقال سعيد بن جبير } :وَأل َْز َ
في سبيله.
وقال عطاء الخراساني :هي :ل إله إل الله ،محمد رسول الله.
َ
وى ق َ
ة الت ّ ْ م َ َ
م كل ِ َ مهُ ْمر عن الزهري } :وَأل َْز َ معْ َوقال عبد الله بن المبارك ،عن َ
{ قال :بسم الله الرحمن الرحيم.
َ
وى { قال :ل إله إل الله. ق َ
ة الت ّ ْ م ك َل ِ َ
م َ مهُ ْوقال قتادة } :وَأل َْز َ
حقّ ب َِها وَأ َهْل ََها { :كان المسلمون أحق بها ،وكانوا أهلها. َ
كاُنوا أ َ } وَ َ
ما { أي :هو عليم بمن يستحق الخير من يستحق يٍء عَِلي ً ش ْ ل َ ه ب ِك ُ ّ ّ
ن الل ُ كا َ } وَ َ
الشر.
وقد قال النسائي :حدثنا إبراهيم بن سعيد ،حدثنا شبابة بن سوار ،عن أبي
رزين ،عن عبد الله بن العلء بن زبر ،عن بسر بن عبيد الله ،عن أبي
م ُ
فُروا ِفي قُلوب ِهِ ُ ن كَ َ ل ال ّ ِ
ذي َ جعَ َإدريس ،عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ } :إ ِذ ْ َ
جاهِل ِي ّةِ { ]الفتح ، [26 :ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد ة ال ْ َ
مي ّ َ ح ِة َمي ّ َح ِال ْ َ
الحرام .فبلغ ذلك عمر فأغلظ له ،فقال :إنك لتعلم أني كنت أدخل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمني مما علمه الله .فقال عمر :بل
أنت رجل عندك علم وقرآن ،فاقرأ وعلم مما علمك الله ورسوله ).(1
وهذا ذكر الحاديث الواردة في قصة الحديبية وقصة الصلح :
سار ، َ َ ي بن إسحاق قال المام أحمد :حدثنا يزيد بن هارون ،أخبرنا محمد بن
عن الزهري ،عن عُْرَوة بن الزبير ،عن المسور بن مخرمة ومروان بن
الحكم قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة
البيت ،ل يريد قتال وساق معه الهدي سبعين بدنة ،وكان الناس سبعمائة
رجل ،فكانت كل بدنة عن عشرة ،وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي ) ، (2فقال :يا رسول
الله ،هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجت معها الُعوذ المطافيل ،قد
دا ،وهذا خالد بن لبست جلود النمور ،يعاهدون الله أل تدخلها عليهم عنوة أب ً
الوليد في خيلهم قد قدموه إلى كراع الغميم ،فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :يا ويح قريش! قد أكلتهم الحرب ،ماذا عليهم لو خلوا بيني
وبين سائر
__________
) (1النسائي في السنن الكبرى برقم ).(11505
) (2في ت " :بشر بن كعب الكلبي".
) (7/346
الناس ؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا ،وإن أظهرني الله ]عليهم[ )(1
دخلوا في السلم وهم وافرون ،وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ،فماذا تظن
قريش ؟ فوالله ل أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهرني الله
أو تنفرد هذه السالفة" .ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري
الحمض على طريق تخرجه ) (2على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة.
قال :فسلك بالجيش تلك الطريق ،فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد
خالفوا عن طريقهم ،ركضوا راجعين إلى قريش ،فخرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،حتى إذا سلك ثنية المرار ،بركت ناقته ،فقال الناس :
خلت .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ما خلت ،وما ذلك ) (3لها
بخلق ،ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ،والله ل تدعوني قريش اليوم
إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم ،إل أعطيتهم إياها" ]ثم[ ) (4قال للناس
" :انزلوا" .قالوا :يا رسول الله ،ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس.
ما من كنانته فأعطاه رجل من فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سه ً
أصحابه ،فنزل في قليب من تلك القلب ،فغرزه فيه فجاش بالماء حتى
ضرب الناس عنه بعطن .فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،إذا
ديل بن ورقاء في رجال من خزاعة ،فقال لهم كقوله لبشر بن سفيان ، بُ َ
فرجعوا إلى قريش فقالوا :يا معشر قريش ،إنكم تعجلون على محمد ،وإن
ما لحقه ،فاتهموهم. دا لم يأت لقتال ،إنما جاء زائًرا لهذا البيت معظ ً محم ً
قال محمد بن إسحاق :قال الزهري ] :و[ ) (5كانت خزاعة في عَي َْبة رسول
الله صلى الله عليه وسلم مشركها ومسلمها ،ل يخفون على رسول الله
صلى الله عليه وسلم شيًئا كان بمكة ،فقالوا :وإن كان إنما جاء لذلك
ْ
مكَرز دا علينا عَْنوة ،ول يتحدث بذلك العرب .ثم بعثوا إليه ِ فوالله ل يدخلها أب ً
بن حفص ،أحد بني عامر بن لؤي ،فلما رآه رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " :هذا رجل غادر" .فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ما ك َّلم به أصحابه ،ثم
رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ )(6
؛ فبعثوا إليه الحليس بن علقمة الكناني ،وهو يومئذ سيد الحابيش ،فلما رآه
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :هذا من قوم يتألهون ،فابعثوا
دي" في وجهه ،فبعثوا الهدي ،فلما رأى الهدي يسيل عليه من عُْرض الهَ ْ
الوادي في قلئده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله ،رجع ولم يصل
ما لما رأى ) ، (7فقال :يا معشر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظا ً
صده ،الهدي في قلئده قد أكل أوتاره من طول قريش ،قد رأيت ما ل يحل َ
الحبس عن محله .قالوا :اجلس ،إنما أنت أعرابي ل علم لك .فبعثوا إليه
عروة بن مسعود الثقفي ،فقال :يا معشر قريش ،إن قد رأيت ما يلقى
منكم من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم ،من التعنيف وسوء اللفظ ،وقد
عرفتم أنكم والد وأنا ولد ،وقد سمعت بالذي نابكم ،فجمعت من أطاعني
من قومي ،ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي .قالوا :صدقت ما أنت عندنا
بمتهم .فخرج ) (8حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس بين
يديه ،فقال :يا محمد جمعت أوباش الناس ،ثم جئت بهم لبيضتك لتفضها ،
إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل ،قد لبسوا جلود النمور ،
يعاهدون الله
__________
) (1زيادة من أ.
) (2في أ " :يحرصه".
) (3في ت " :وما ذاك".
) (4زيادة من ت ،م ،أ.
) (5زيادة من ت ،م.
) (6زيادة من ت ،م.
) (7في ت " :فلما رجع إلى أصحابه".
) (8في أ " :ثم خرج".
) (7/347
أل تدخلها عليهم عنوة أبدا ،وايم الله لكأني بهؤلء قد انكشفوا عنك غدا .قال
:وأبو بكر قاعد خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال :امصص بظر
اللت! أنحن ننكشف عنه ؟! قال :من هذا يا محمد ؟ قال " :هذا ابن أبي
قحافة" .قال :أما والله لول يد كانت لك عندي لكافأتك بها ،ولكن هذه بها.
ثم تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ،والمغيرة بن شعبة واقف
على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد ) ، (1قال :فقرع
يده .ثم قال :أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل -
والله -ل تصل إليك .قال :ويحك! ما أفظعك وأغلظك! فتبسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم .قال :من هذا يا محمد ؟ قال صلى الله عليه وسلم :
"هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة" .قال :أغدر ،وهل غسلت سوأتك إل
بالمس ؟! قال فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما كلم به
أصحابه ،وأخبره أنه لم يأت يريد حربا .قال :فقام من عند رسول الله
]صلى الله عليه وسلم[ ) (2وقد رأى ما يصنع به أصحابه ،ل يتوضأ وضوءا إل
ابتدروه ،ول يبصق بصاقا إل ابتدروه ،ول يسقط من شعره شيء إل أخذوه.
فرجع إلى قريش فقال :يا معشر قريش ،إنى جئت كسرى في ملكه ،
ملكا قط مثل محمد في وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما ،والله ما رأيت َ
أصحابه ،ولقد رأيت قوما ل يسلمونه لشيء أبدا ،فروا رأيكم .قال :وقد
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قد بعث خراش بن أمية
الخزاعي إلى مكة ،وحمله على جمل له يقال له " :الثعلب" فلما دخل مكة
عقرت ) (3به قريش ،وأرادوا قتل خراش ،فمنعتهم الحابيش ،حتى أتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فدعا عمر ليبعثه إلى مكة ،فقال :يا
رسول الله ،إنى أخاف قريشا على نفسي ،وليس بها من بني عدي أحد
يمنعني ،وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ،ولكن أدلك على
رجل هو أعز مني :عثمان بن عفان .قال :فدعاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب أحد ،وإنما جاء زائرا
لهذا البيت ،معظما لحرمته .فخرج عثمان حتى أتى مكة ،فلقيه أبان بن
سعيد بن العاص ،فنزل عن دابته وحمله بين يديه وردف خلفه ،وأجاره حتى
بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فانطلق عثمان حتى أتى أبا
سفيان وعظماء قريش ،فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
أرسله به ،فقالوا لعثمان :إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به ،فقال :ما
كنت لفعل حتى يطوف به رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ ) (4قال :
واحتبسته قريش عندها ،قال :وبلغ رسول الله أن عثمان قد قتل.
شا بعثوا سهل بن عمرو ،وقالوا :ائت قال محمد :فحدثني الزهري :أن قري ً
دا فصالحه ول يكون في صلحه إل أن يرجع عنا عامه هذا ،فوالله ل محم ً
دا .فأتاه سهل بن عمرو فلما رآه رسول تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أب ً
الله صلى الله عليه وسلم قال " :قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا
الرجل" .فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلما وأطال الكلم
،وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح ،فلما التأم المر ولم يبق إل الكتاب ،وثب
عمر بن الخطاب فأت أبا بكر فقال :يا أبا بكر ،أو ليس برسول الله ؟ أو
لسنا بالمسلمين ؟ أو ليسوا بالمشركين ؟ قال :بلى .قال :فعلم نعطي
الذلة في ديننا ؟ فقال أبو بكر :يا عمر ،
__________
) (1في ت " :بالحدد".
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3في ت " :عثرت".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (7/348
الزم غرزه حيث كان ،فإني أشهد أنه رسول الله] .ثم[ ) (1قال عمر :وأنا
أشهد .ثم أتى رسول الله فقال :يا رسول الله ،أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا
بالمشركين ؟ قال " :بلى" قال :فعلم نعطي الذلة في ديننا ؟ فقال " :أنا
عبد الله ورسوله ،لن أخالف أمره ولن يضيعني" .ثم قال عمر :ما زلت
أصوم وأصلي وأتصدق وأعتق من ) (2الذي صنعت مخافة كلمي الذي
تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا .قال :ثم دعا رسول الله صلى
الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ]رضي الله عنه[ ) (3فقال :اكتب :
"بسم الله الرحمن الرحيم" .فقال سهل بن عمرو :ول أعرف هذا ،ولكن
اكتب " :باسمك اللهم ،فقال رسول الله " :اكتب باسمك اللهم .هذا ما صلح
) (4عليه محمد رسول الله ،سهل بن عمرو" ،فقال سهل بن عمرو :ولو
شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ،ولكن اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن
عبد الله ،وسهل بن عمرو ،على وضع الحرب عشر سنين ،يأمن فيها
الناس ،ويكف بعضهم عن بعض ،على أنه من أتى رسول الله ) (5من
أصحابه بغير إذن وليه ،رده عليهم ،ومن أتى قريشا ممن مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ) (6لم يردوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة ،وأنه ل
أسلل ول أغلل ،وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب :أنه من أحب أن
يدخل في عقد محمد وعهده ،دخل فيه ،ومن أحب أن يدخل في عقد
قريش وعهدهم دخل فيه ،فتواثبت خزاعة فقالوا :نحن في عقد رسول الله
وعهده ،وتواثبت بنو بكر فقالوا :نحن في عقد قريش وعهدهم ،وأنك ترجع
عنا عامنا هذا فل تدخل علينا مكة ،وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك
فتدخلها بأصحابك ،وأقمت بها ثلًثا معك سلح الراكب ل تدخلها بغير
السيوف في القرب ،فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب ،
إذا جاءه أبو جندل بن سهل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ) (7قال :وقد كان أصحاب رسول الله خرجوا وهم ل
يشكون في الفتح ،لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا ما
رأوا من الصلح والرجوع ،وما تحمل رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ )(8
على نفسه ،دخل الناس من ذلك أمر عظيم ،حتى كادوا أن يهلكوا .فلما
جت )(9 رأى سهل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وقال :يا محمد ،قد ل ّ
القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا .قال " :صدقت" .فقام إليه فأخذ
بتلبيبه .قال :وصرخ أبو جندل بأعلى صوته :يا معشر المسلمين ،أتردونني
إلى أهل الشرك فيفتنوني في ديني ؟ قال :فزاد الناس شرا إلى ما بهم ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يا أبا جندل ،اصبر واحتسب ،فإن
جا ،إنا قد عقدنا بينناجا ومخر ً
الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فر ً
وبين القوم صلحا فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهدا ) ، (10وإنا لن
نغدر بهم" .قال :فوثب إليه عمر بن الخطاب فجعل يمشي مع ]أبي[ )(11
جندل إلى جنبه وهو يقول :اصبر أبا جندل ،فإنما هم المشركون ،وإنما دم
أحدهم دم كلب ،قال :ويدني قائم السيف منه ،قال :يقول :رجوت أن
يأخذ السيف فيضرب به أباه قال :فضن الرجل بأبيه .قال :ونفذت القضية ،
فلما فرغا من الكتاب ،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في
الحرم ،وهو مضطرب في الحل ،قال :فقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال " :يا أيها الناس ،انحروا ) (12واحلقوا" .قال :فما قام أحد .قال
:ثم عاد بمثلها ،فما قام رجل حتى عاد صلى الله عليه وسلم بمثلها ،فما
قام رجل.
فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة فقال " :يا أم
سلمة ما شأن الناس ؟" قالت :يا رسول الله ،قد دخلهم ما رأيت ،فل
ت ُك َّلمن ) (13منهم إنساًنا ،واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق ،فلو
قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك .فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ل
دا حتى أتى هديه فنحره ،ثم جلس فحلق ،قال :فقام الناس يكلم أح ً
ينحرون ويحلقون .قال :حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق
نزلت سورة الفتح.
َ
هكذا ساقه أحمد من هذا الوجه ،وهكذا رواه يونس بن ب ُكْير وزياد البكائي ،
عن ابن إسحاق ،بنحوه ) ، (14وفيه إغراب ،وقد رواه أيضا عن عبد
مر ،عن الزهري ،به نحوه ) (15وخالفه في أشياء وقد رواه معْ َ
الرزاق ،عن َ
البخاري ،رحمه الله ،في صحيحه ،فساقه سياقة ) (16حسنة مطولة
بزيادات جيدة ،فقال في كتاب الشروط ) (17من صحيحه :
مر :أخبرني معْ َ
حدثنا عبد الله بن محمد ،حدثنا عبد الرزاق ،أخبرنا َ
الزهري :أخبرني عُْروة بن الزبير ،عن المسور بن مخرمة ومروان بن
الحكم ،يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه ،قال خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه ،فلما أتى ذا
الحليفة قلد الهدي وأشعره ،وأحرم منها بعمرة وبعث عيًنا له من خزاعة ،
شا قد جمعوا لك وسار حتى إذا كان بغير الشطاط أتاه عينه ،فقال :إن قري ً
عا ،وقد جمعوا لك الحابيش وهم مقاتلوك وصادوك ومانعوك .فقال : جمو ً
ي ،أترون أن نميل عل عيالهم ،وذراري هؤلء الذين "أشيروا أيها الناس عل ّ
يريدون أن صدونا عن البيت ؟" وفي لفظ " :أترون أن نميل على ذراري
هؤلء الذين أعانوهم .فإن يأتونا كان الله قد قطع عُُنقا من المشركين وإل
تركناهم محزونين" ،وفي لفظ " :فإن قعدوا قعدوا موتورين مجهودين
محُروبين وإن نجوا يكن عنقا قطعها الله ،أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا
عنه قاتلناه ؟" .فقال أبو بكر ]رضي الله عنه[ ) : (18يا رسول الله خرجت
دا لهذا البيت ،ل نريد قتل أحد ول حرًبا ،فتوجه له ،فمن صدنا عنه عام ً
قاتلناه .وفي لفظ :فقال أبو بكر ،رضي الله عنه :الله ورسوله علم إنما
جئنا معتمرين ،ولم نجئ لقتال أحد ،ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم " :فروحوا إذن" ،وفي لفظ " :فامضوا
على اسم الله".
حتى إذا كانوا ببعض الطريق ،قال النبي صلى الله عليه وسلم " :إن خالد بن
الوليد في خيل لقريش طليعة ،
__________
) (1زيادة من م ،أ.
) (2في ت " :عن".
) (3زيادة من ت.
) (4في أ " :ما صالح".
) (5في أ " :محمدا".
) (6زيادة من ت.
) (7زيادة من ت.
) (8زيادة من ت ،أ.
) (9في ت ،أ " :تمت".
) (10في ت ،م ،أ " :عهدنا".
) (11زيادة من ت ،م ،أ.
) (12في ت ،أ " :انحروا في الحرم".
) (13في ت ،أ " :فل تكلمن".
) (14المسند ) (4/323والسيرة النبوية لبن هشام ).(2/316
) (15رواه أحمد في مسنده ) (4/328من طريق عبد الرزاق به.
) (16في م " :بسياقات".
) (17في ت ،م " :الشرط".
) (18زيادة من أ.
) (7/349
قَترة الجيش ، فخذوا ذات اليمين" .فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم ب َ
فانطلق يركض نذيًرا لقريش ،وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا
كان بالثنية التي يهبط عليهم منها ،بركت به راحلته .فقال الناس :حل حل
فألحت ،فقالوا :خلت القصواء ،خلت القصواء ،فقال النبي صلى الله
عليه وسلم " :ما خلت القصواء ،وما ذاك لها بخلق ،ولكن حبسها حابس
الفيل" .ثم قال " :والذي نفسي بيده ،ل يسألوني خطة يعظمون فيها
حرمات الله ،إل أعطيتهم إياها" .ثم زجرها فوثبت ،فعدل عنهم حتى نزل
ضا ،فلم يلبث )(1 بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء ،يتبرضه الناس تبر ً
الناس حتى نزحوه ،وشكي ) (2إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ،فوالله ما زال العطش ،فانتزع من كنانته سه ً
يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه ،فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء
الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة ،وكانوا عيبة نصح رسول الله ]صلى
الله عليه وسلم[ ) (3من أهل تهامة ،فقال :إني تركت كعب بن لؤي وعامر
بن لؤي ،نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل ،وهم مقاتلوك
وصادوك عن البيت .فقال النبي صلى الله عليه وسلم " :إنا لم نجئ لقتال
أحد ،ولكن جئنا معتمرين ،وإن قريشا قد نهكتهم الحرب فأضرت بهم ،فإن
شاؤوا ماددنهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس ،فإن أظهر فإن شاءوا أن
يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا ،وإل فقد جموا ،وإن هم أبوا فوالذي
نفسي بيده لقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ،ولينفذن ) (4الله
أمره" قال بديل :سأبلغهم ما تقول ،فانطلق حتى أتى قريشا فقال :إنا قد
جئنا من عند هذا الرجل ،وسمعناه يقول قول فإن شئتم أن نعرضه عليكم
فعلنا ،فقال سفهاؤهم :ل حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء .وقال :ذوو الرأي
منهم :هات ما سمعته يقول :قال :سمعته يقول كذا وكذا ،فحدثهم بما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقام عروة بن مسعود فقال :أي
قوم ،ألستم بالوالد ؟ قالوا :بلى .قال :أولست بالولد ؟ قالوا :بلى .قال :
فهل تتهموني ؟ قالوا :ل .قال :ألستم تعلمون أني أستنفرت أهل عكاظ ،
فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ؟ قالوا :بلى .قال :فإن
هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته .قالوا :ائته .فأتاه
فجعل يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال النبي صلى الله عليه
وسلم له نحوا من قوله لبديل بن ورقاء .فقال عروة عند ذلك :أي محمد ،
أرأيت إن استأصلت أمر قومك ،هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله
قبلك ؟ وإن تك الخرى فإني والله لرى وجوها ،وإني لرى أشوابا ) (5من
ظر الناس خليقا أن يفروا ويدعوك ،فقال أبو بكر ،رضي الله عنه :امصص ب َ ْ
اللت! أنحن نفر وندعه ؟! قال :من ذا ؟ قالوا :أبو بكر .قال :أما والذي
نفسي بيده لول يد كانت لك عندي لم أجزك بها ،لجبتك .قال :وجعل يكلم
النبي صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته ،والمغيرة بن شعبة ،
رضي الله عنه قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف
وعليه المغفر ،فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم
ضرب يده بنعل السيف ،وقال له :أخر يدك من لحية النبي صلى الله عليه
وسلم .فرفع عروة رأسه وقال :من هذا ؟ قال :المغيرة بن شعبة .فقال :
أي غدر ،ألست أسعى في غدرتك ؟! وكان المغيرة بن شعبة صحب قوما
في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ،ثم جاء فأسلم ،فقال النبي صلى الله
عليه وسلم " :أما السلم فأقبل ،وأما المال فلست منه في شي".
ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه ) ، (6قال
:فوالله ما تنخم رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ ) (7نخامة إل وقعت في
كف رجل منهم ،فدلك بها وجهه وجلده ،وإذا أمرهم ابتدروا أمره ،وإذ توضأ
كادوا يقتتلون على وضوئه ،وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ،وما يحدون
النظر إليه ،تعظيما له صلى الله عليه وسلم ،فرجع عروة إلى أصحابه فقال
:أي قوم ،والله لقد وفدت على الملوك ،ووفدت على كسرى وقيصر
والنجاشي ،والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد
دا ،والله إن تنخم نخامة إل وقعت في كف رجل منهم ،فدلك بها وجهه محم ً
وجلده ،وإذا أمرهم ابتدروا أمره ،وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ،وإذا
تكلم خفضوا أصواتهم عنده ،وما ُيحدون النظر إليه تعظيما له ،وإنه قد
شد فاقبلوها .فقال رجل منهم من بني كنانة :دعوني عرض عليكم خطة ر ْ
آته .فقالوا :ائته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،
دن ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " :هذا فلن ،وهو من قوم يعظمون الب ُ ْ
ت له ،واستقبله الناس ي ُل َّبون ،فلما رأى ذلك قال :سبحان فابعثوها له" فب ُعِث َ ْ
الله! ما ينبغي لهؤلء أن يصدوا عن البيت .فلما رجع إلى أصحابه قال :رأيت
دوا عن البيت .فقال ) (8رجل دن قد قُّلدت وأشعرت ،فما أرى أن ي ُ َ
ص ّ الب ُ ْ
مك َْرز بن حفص" ،فقال :دعوني آته .فقالوا :ائته .فلما منهم يقال له ِ " :
أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم " :هذا مكرز ]بن حفص[ )(9
وهو رجل فاجر" ،فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ،فبينما هو يكلمه
إذ جاء سهل بن عمرو.
ة أنه قال :لما جاء سهل بن عمرو م َ ْ
عكرِ َوقال معمر :أخبرني أيوب ،عن ِ
سُهل لكم من أمركم". قال النبي صلى الله عليه وسلم " :قد َ
قال معمر :قال الزهري في حديثه :فجاء سهل بن عمرو فقال :هات أكتب
بيننا وبينك ) (10كتابا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب ،فقال النبي
صلى الله عليه وسلم ]" :اكتب[ ) : (11بسم الله الرحمن الرحيم" ،فقال
سهل ]بن عمرو[ ) : (12أما "الرحمن" فوالله ما أدري ما هو ،ولكن اكتب :
"باسمك اللهم" ،كما كنت تكتب .فقال المسلمون :والله ل نكتبها إل "بسم
الله الرحمن الرحيم" .فقال النبي صلى الله عليه وسلم " :اكتب :باسمك
اللهم" .ثم قال " :هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" .فقال سهل :والله
لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ول قاتلناك ،ولكن اكتب :
"محمد بن عبد الله" ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم " :والله إني لرسول
الله وإن كذبتموني .اكتب محمد بن عبد الله" قال الزهري :وذلك لقوله :
"والله ل يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إل أعطيتهم إياها" .فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم " :على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به".
ة ،ولكن ذلك من العام ضغْط َ ً
فقال سهل :والله ل تتحدث العرب أنا أخذنا ُ
المقبل ،فكتب ،فقال سهل " :وعلى أن ل يأتيك منا رجل وإن كان على
دينك إل رددته إلينا" .فقال المسلمون :سبحان الله! كيف ي َُرد ّ إلى
المشركين وقد جاء مسلما ؟! فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهل
__________
) (1في ت ،م " :يلبثه".
) (2في أ " :شكوا".
) (3زيادة من م.
) (4في ت ،م " :أو لينفذن".
) (5في أ " :أوشابا".
) (6في ت " :بعينه".
) (7زيادة من ت.
) (8في أ " :فقام".
) (9زيادة من أ.
) (10في ت " :بينكم".
) (11زيادة من أ.
) (12زيادة من ت ،م.
) (7/351
) (7/353
قتل والله صاحبي ،وإني لمقتول .فجاء أبو بصير فقال :يا رسول الله ،قد -
والله -أوفى الله ذمتك ،قد رددتني إليهم ثم نجاني الله منهم ،فقال النبي
سعَُر حرب! لو كان له أحد" .فلما سمع م ْ
مه ِ
صلى الله عليه وسلم " :ويل أ ّ
ذلك عرف أنه سيرده إليهم ،فخرج حتى أتى سيف البحر ،قال :وتفلت
منهم أبو جندل بن سهل ،فلحق بأبي بصير ،فجعل ل يخرج من قريش رجل
قد أسلم إل لحق بأبي بصير ،حتى اجتمعت منهم عصابة ،فوالله ما
يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إل اعترضوا لها فقتلوهم ،وأخذوا
أموالهم .فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،تناشده الله
والرحم لما أرسل إليهم " :فمن أتاه منهم فهو آمن" .فأرسل النبي صلى الله
عليه وسلم إليهم ،وأنزل الله عز وجل } :وهُو ال ّذي ك َ ّ َ
مم عَن ْك ُ ْ
ف أي ْدِي َهُ ْ َ َ ِ
َ
جاهِل ِي ّةِ { ،وكانت حميتهم ة ال ْ َ
مي ّ َ
ح ِ
ة { حتى بلغ َ } :مك ّ َ
ن َ ْ
م ب ِب َط ِ وَأي ْدِي َك ُ ْ
م عَن ْهُ ْ
أنهم لم يقروا أنه رسول الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم ،وحالوا
بينهم وبين البيت.
هكذا ساقه البخاري هاهنا ) ، (1وقد أخرجه في التفسير ،وفي عمرة
الحديبية ،وفي الحج ،وغير ذلك من حديث معمر وسفيان بن عيينة ،كلهما
عن الزهري ،به ) (2ووقع في بعض الماكن عن الزهري ،عن عروة ،عن
خَرمة[ ) ، (3عن رجال من أصحاب النبي صلى الله م ْ
ور بن ] َس َ
م ْ
مروان وال ِ
عليه وسلم بذلك ) .(4وهذا أشبه والله أعلم ،ولم يسقه أبسط من هاهنا ،
وبينه وبين سياق ابن إسحاق تباين في مواضع ،وهناك فوائد ينبغي إضافتها
إلى ما هاهنا ،ولذلك سقنا تلك الرواية وهذه ،والله المستعان وعليه التكلن
،ول حول ول قوة إل بالله العزيز الحكيم.
مي ،حدثنا يعلى ، َ
سل ِوقال البخاري في التفسير :حدثنا أحمد بن إسحاق ال ّ
حدثنا عبد العزيز بن سياه ،عن حبيب بن أبي ثابت ،قال :أتيت أبا وائل
أسأله فقال :كنا بصفين فقال رجل :ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله
موا أنفسكم ، حن َْيف :اته ُ
؟ فقال علي بن أبي طالب :نعم .فقال سهل بن ُ
فلقد رأيتنا يوم الحديبية -يعني :الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه
وسلم والمشركين -ولو نرى قتال لقاتلنا ،فجاء عمر فقال :ألسنا على
الحق وهم على الباطل ؟ أليس قتلنا في الجنة وقتلهم في النار ؟ فقال :
"بلى" قال :ففيم نعطي الدنية في ديننا ،ونرجع ولما يحكم الله بيننا ؟ فقال
" :يا ابن الخطاب ،إني رسول الله ،ولن يضيعني الله أبدا" ،فرجع متغيظا ،
فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال :يا أبا بكر ،ألسنا على الحق وهم على
الباطل ،فقال :يا ابن الخطاب ،إنه رسول الله ،ولن يضيعه الله أبدا ،
فنزلت سورة الفتح ).(5
وقد رواه البخاري أيضا في مواضع أخر ومسلم والنسائي من طرق أخر عن
أبي وائل سفيان )(6
__________
) (1صحيح البخاري برقم ).(2732 ، 2731
) (2صحيح البخاري برقم ).(4180
) (3زيادة من م.
) (4رواه البخاري في صحيحه في أول الشروط برقم ).(2711
) (5صحيح البخاري برقم ).(4844
) (6في هـ " :شقيق".
) (7/354
شاَء الل ّ ُ
ه ن َ م إِ ْ حَرا َ جد َ ال ْ َ س ِ م ْ ن ال ْ َ
خل ُ ّ
حقّ ل َت َد ْ ُ ه الّرؤَْيا ِبال ْ َ سول َ ُ ه َر ُصد َقَ الل ّ ُ قد ْ َ لَ َ
ن
م ْ ل ِ موا فَ َ
جعَ َ م ت َعْل َ ُ
ما ل َ ْم َ ن فَعَل ِ َ خاُفو َ ن َل ت َ َ ري َ ِ ص
ق ّ م َ سك ُ ْ
م وَ ُ ن ُرُءو َ قي َ حل ّ ِ
م َن ُ مِني َآَ ِ
َ
حقّ ل ِي ُظ ْهَِرهُن ال ْ َدى وَِدي ِ ه ِبال ْهُ َ سول َ ُل َر ُ س َ ذي أْر َ ريًبا ) (27هُوَ ال ّ ِ حا قَ ِ ك فَت ْ ً ن ذ َل ِ َُدو ِ
دا )(28 شِهي ً ّ
فى ِباللهِ َ َ
ن كلهِ وَك َّ ُ عََلى ال ّ
دي ِ
ابن سلمة ،عن سهل ) (1بن حنيف به ) ، (2وفي بعض ألفاظه " :يا أيها
الناس ،اتهموا الرأي ،فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أقدر على أن أرد على
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددته" وفي رواية :فنزلت سورة
الفتح ،فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فقرأها عليه.
قال المام أحمد :حدثنا عفان ،حدثنا حماد ،عن ثابت ،عن أنس ،أن
قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم ،فيهم سهل بن عمرو ،فقال
النبي صلى الله عليه وسلم لعلي " :اكتب :بسم الله الرحمن الرحيم" ،
فقال سهل :ل ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ،ولكن اكتب ما نعرف :
"باسمك اللهم" .فقال " :اكتب من محمد رسول الله" .قال :لو نعلم )(3
أنك رسول الله لتبعناك ،ولكن اكتب :اسمك واسم أبيك .فقال النبي صلى
الله عليه وسلم " :اكتب :من محمد بن عبد الله" .واشترطوا على النبي
صلى الله عليه وسلم أن ) (4من جاء منكم لم نرده عليكم ،ومن جاءكم منا
رددتموه علينا ،فقال :يا رسول الله أتكتب هذا ؟ قال " :نعم ،إنه من ذهب
منا إليهم فأبعده الله" .رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ،به ).(5
وقال أحمد أيضا :حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ،حدثنا عكرمة بن عمار قال :
حدثني سماك ،عن عبد الله بن عباس قال :لما خرجت الحرورية اعتزلوا ،
فقلت لهم :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح
المشركين ،فقال لعلي " :اكتب يا علي :هذا ما صالح عليه محمد رسول
الله" قالوا :لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ،فقال رسول الله " :امح يا
علي ،اللهم إنك تعلم أني رسولك ،امح يا علي ،واكتب :هذا ما صالح عليه
محمد بن عبد الله" .والله لرسول الله خير من علي ،وقد محا نفسه ،ولم
يكن محوه ذلك يمحاه من النبوة ،أخرجت من هذه ؟ قالوا :نعم.
ورواه أبو داود من حديث عكرمة بن عمار اليمامي ،بنحوه ).(6
وروى المام أحمد ،عن يحيى بن آدم :حدثنا زهير ،عن محمد بن عبد
سم ،عن ابن عباس ،رضي الله ق َ م ْ الرحمن بن أبي ليلى ،عن الحكم ،عن ِ
عنهما ،قال :نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية سبعين
ن إلى أولدها ) ح ّ ت كما ت َ ِ حن ّ ْدت عن البيت َ ص ّبدنة فيها جمل لبي جهل ،فلما ُ
.(7
هّ
شاَء الل ُ ن َ م إِ ْ حَرا َ ْ
جد َ ال َ س ِ م ْ ْ
ن ال َ ُ
خل ّ َ
حقّ لت َد ْ ُ ْ
ه الّرؤَْيا ِبال َ َ
سول ُ ه َر ُ ّ
صد َقَ الل ُ قد ْ َ } لَ َ
نم ْ ل ِ موا فَ َ
جعَ َ م ت َعْل َ ُما ل َ ْ م َ ن فَعَل ِ َ خاُفو َ ن ل تَ َ ري َ ص ِق ّم َ
م وَ ُسك ُ ْ ن ُرُءو َ قي َ حل ّ ِ
م َ ن ُمِني َ آ ِ
ْ ْ ْ َ َ ّ َ
حقّ ل ِي ُظهَِرهُ ن ال َ دى وَِدي ِ ه ِبالهُ َ سول ُ ل َر ُ س َ ذي أْر َ ريًبا ) (27هُوَ ال ِ حا قَ ِ ن ذ َل ِك فَت ْ ً ُدو ِ
دا ).{ (28 شِهي ً ّ
فى ِباللهِ َ َ
ن كلهِ وَك َّ ُ عََلى ال ّ
دي ِ
__________
) (1في م " :سهل".
) (2صحيح البخاري برقم ) (3182 ، 4189 ، 7308 ، 3181وصحيح مسلم
برقم ) (1785والنسائي في السنن الكبرى برقم ).(11504
) (3في م " :علمنا".
) (4في م " :أنه".
) (5المسند ) (3/268وصحيح مسلم برقم ).(1784
) (6المسند ) (1/342وسنن أبي داود برقم ).(4037
) (7المسند ).(1/314
) (7/355
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أ ُرِىَ في المنام أنه دخل مكة
وطاف بالبيت فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة ،فلما ساروا عام الحديبية لم
يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر ) (1هذا العام ،فلما وقع ما وقع من
قضية الصلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل ،وقع في نفوس
بعض الصحابة من ذلك شيء ،حتى سأل عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه ،
في ذلك ،فقال له فيما قال :أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟
قال " :بلى ،أفأخبرتك أنك تأتيه ) (2عامك هذا" قال :ل قال " :فإنك آتيه
ذة ؛ق ّذة بال ُق ّ ذو ال ُ ح ْومطوف به" .وبهذا أجاب الصديق ،رضي الله عنه ،أيضا َ
جد َ
س ِ
م ْن ال ْ َخل ُ ّ
حقّ ل َت َد ْ ُ
ه الّرؤَْيا ِبال ْ َسول َ ُه َر ُ صد َقَ الل ّ ُ قد ْ َولهذا قال تعالى } :ل َ َ
ه { ] :و[ ) (3هذا لتحقيق الخبر وتوكيده ،وليس هذا من شاَء الل ّ ُ ن َم إِ ْ ال ْ َ
حَرا َ
ن { أي :في حال دخولكم. مِني َ الستثناء في شيء ] ،وقوله[ ) } : (4آ ِ
ن { ،حال مقدرة ؛ لنهم في حال ري َص ِق ّ م َ
م وَ ُسك ُ ْن ُرُءو َ قي َ حل ّ ِم َوقوله ُ } :
حرمهم ) (5لم يكونوا محلقين ومقصرين ،وإنما كان هذا في ثاني الحال ،
كان منهم من حلق رأسه ومنهم من قصره ،وثبت في الصحيحين أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " :رحم الله المحلقين" ،قالوا :والمقصرين
يا رسول الله ؟ قال " :رحم الله المحلقين" .قالوا :والمقصرين يا رسول
الله ؟ قال " :رحم الله المحلقين" .قالوا :والمقصرين يا رسول الله ؟ قال :
"والمقصرين" في الثالثة أو الرابعة ).(6
ن { :حال مؤكدة في المعنى ،فأثبت لهم المن حال خاُفو َ وقوله } :ل ت َ َ
الدخول ،ونفى عنهم الخوف حال استقرارهم في البلد ل يخافون من أحد.
وهذا كان في عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع ،فإن النبي صلى الله
عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي القعدة رجع إلى المدينة فأقام بها
ذا الحجة والمحرم ،وخرج في صفر إلى خيبر ففتحها الله عليه بعضها عنوة
وبعضها صلحا ،وهي إقليم عظيم كثير النخل ) (7والزروع ،فاستخدم )(8
من فيها من اليهود عليها على الشطر ،وقسمها بين أهل الحديبية وحدهم ،
ولم يشهدها أحد غيرهم إل الذين قدموا من الحبشة ،جعفر بن أبي طالب
وأصحابه ،وأبو موسى الشعري وأصحابه ،ولم يغب منهم أحد ،قال ابن زيد
شة ،كما هو مقرر في موضعه ثم رجع إلى خَر َ ماك بن َ س َ
:إل أبا دجانة ِ
المدينة ،فلما كان في ذي القعدة ]في[ ) (9سنة سبع خرج إلى مكة معتمرا
هو وأهل الحديبية ،فأحرم من ذي الحليفة ،وساق معه الهدي ،قيل :كان
ستين بدنة ،فلبى وسار أصحابه يلبون .فلما كان قريبا من مر الظهران بعث
محمد بن مسلمة بالخيل والسلح أمامه ،فلما رآه المشركون رعبوا رعبا
شديدا ،وظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم ،وأنه قد نكث
العهد الذي بينه بينهم من وضع القتال عشر سنين ،وذهبوا فأخبروا أهل
مكة ،فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل بمر الظهران حيث
ينظر إلى أنصاب الحرم ،بعث السلح من القسي والنبل والرماح إلى بطن
يأجج ،وسار إلى مكة بالسيف مغمدة في قربها ،كما شارطهم عليه .فلما
مك َْرز
كان في أثناء الطريق بعثت قريش ِ
__________
) (1في أ " :تتعين".
) (2في ت ،م " :آتيه".
) (3زيادة من ت.
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في م ،أ " :دخولهم".
) (6صحيح البخاري برقم ) (1727وصحيح مسلم برقم ) (1301من حديث
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
) (7في أ " :النخيل".
) (8في ت " :واستخدم".
) (9زيادة من ت.
) (7/356
بن حفص فقال :يا محمد ،ما عرفناك تنقض العهد .قال " :وما ذاك ؟" قال
) : (1دخلت :علينا بالسلح والقسي والرماح .فقال " :لم يكن ذلك ،وقد
بعثنا به إلى يأجج" ،فقال :بهذا عرفناك ،بالبر والوفاء .وخرجت رؤوس
الكفار من مكة لئل ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم و ]ل[ )(2
إلى أصحابه غيظا وحنقا ،وأما بقية أهل مكة من الرجال والنساء والولدان
فجلسوا في الطرق وعلى البيوت ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصحابه ،فدخلها عليه الصلة والسلم ،وبين يديه أصحابه يلبون ،
والهدي قد بعثه إلى ذي طوى ،وهو راكب ناقته القصواء التي كان راكبها
يوم الحديبية ،وعبد الله بن رواحة النصاري آخذ بزمام ناقة رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقودها ،وهو يقول :
باسم الذي ل دين إل ديُنه ...باسم الذي محمد ٌ رسوله...
سِبيله ...اليوم نضربكم على ت َْأويله... ن َ خّلوا بني الك ُ ّ
فار عَ ْ َ
قيله...َ ِم عنَ الهام ُ
ل يزي با
ً ضر تنزيله... على ضربناكم كما
هل الخليل عن خليله ...قد أنزل الرحمن في تنزيله... وي ُذ ْ ِ
قْتل في سبيله... سوله ...بأن خير ال َ صحف تتلى على ر ُ في ُ
يا رب إني مؤمن بقيله
فهذا مجموع من روايات متفرقة.
قال يونس بن بكير ،عن محمد بن إسحاق :حدثني عبد الله بن أبي بكر )(3
بن حزم قال :لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة
القضاء ،دخلها وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقته صلى الله عليه وسلم )
، (4وهو يقول :
ه... ُ
سول ُشهيد ٌ أنه َر ُخّلوا بني الكفار عن سبيله ...إني َ
خلوا فكل ) (5الخير في رسوله ...يا رب إني مؤمن بقيله...
نحن قتلناكم على تأويله ...كما قتلناكم على تنزيله...
ضرًبا ُيزيل الهام عن مقيله ...ويذهل الخليل عن خليله...
وقال عبد الرزاق :أخبرنا معمر ،عن الزهري ،عن أنس بن مالك قال :لما
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء ،مشى عبد
الله بن رواحة بين يديه ،وفي رواية وابن رواحة آخذ بغرزه ،وهو يقول :
__________
) (1في ت ،م " :فقال".
) (2زيادة من ت ،م ،أ.
) (3في ت " :محمد".
) (4في ت " :مشى عبد الله بن رواحة بين يديه".
) (5في ت " :وكل".
) (7/357
خلوا بني الكفار عن سبيله ...قد نزل الرحمن في تنزيله...
بأن خير القتل في سبيله ...يا رب إني مؤمن بقيله...
نحن قتلناكم على تأويله ...كما قتلناكم على تنزيله...
ضرًبا يزيل الهام عن مقيله ...ويذهل الخليل عن خليله...
وقال المام أحمد :حدثنا محمد بن الصباح ،حدثنا إسماعيل -يعني :ابن
فْيل ) ، (1عن ابن زكريا -عن عبد الله -يعني :ابن عثمان -عن أبي الط ّ َ
عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مّر الظهران في
عمرته ،بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشا ]تقول[ )(2
جف .فقال أصحابه :لو انتحرنا من ظهرنا ،فأكلنا من :ما يتباعثون من العَ َ
مة.ما َ
ج َ
مَرقه ،أصبحنا غدا حين ندخل على القوم وبنا َ سونا من َح َ
لحمه ،و َ
قال " :ل تفعلوا ،ولكن اجمعوا لي ) (3من أزوادكم" .فجمعوا له وبسطوا
النطاع ،فأكلوا حتى تركوا وحثا كل واحد منهم في جرابه ،ثم أقبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد ،وقعدت قريش نحو الحجر ،
فاضطبع بردائه ،ثم قال " :ل يرى ) (4القوم فيكم غميرة" فاستلم الركن ثم
مل ،حتى إذا تغيب بالركن اليماني مشى إلى الركن السود ،فقالت َر َ
قَز الظباء ،ففعل ذلك ثلثة قُزون ن َ ْ
قريش :ما ترضون بالمشي أما إنكم لتن ُ
سّنة .قال أبو الطفيل :فأخبرني ابن عباس :أن رسول الله أشواط ،فكانت ُ
صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع ).(5
وقال ) (6أحمد أيضا :حدثنا يونس ؛ حدثنا حماد بن زيد ،حدثنا أيوب ،عن
سعيد بن جبير ،عن ابن عباس قال :قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
مى يثرب ،ولقوا منها سوءا ،فقال المشركون ح ّ
وأصحابه مكة ،وقد وهنتهم ُ
:إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب ،ولقوا منها شرا ،وجلس
المشركون من الناحية التي تلي الحجر ،فأطلع الله نبيه صلى الله عليه
وسلم على ما قالوا ،فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ]أصحابه[ )(7
أن يرملوا الشواط الثلثة ؛ ليرى المشركون جلدهم ،قال :فرملوا ثلثة
أشواط ،وأمرهم أن يمشوا بين الركنين حيث ل يراهم المشركون ،ولم
يمنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الشواط كلها إل إبقاء عليهم ،
فقال المشركون :أهؤلء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم ؟ هؤلء أجلد
من كذا وكذا.
أخرجاه في الصحيحين من حديث حماد بن زيد ،به ) (8وفي لفظ :قدم
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة ،أي من ذي القعدة ،
فقال المشركون :إنه يقدم عليكم وفد قد وهنتهم حمى يثرب ،فأمرهم
النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الشواط الثلثة ،ولم يمنعهم أن
يرملوا الشواط كلها إل البقاء عليهم.
__________
) (1في ت " :وروى المام أحمد بسنده".
) (2زيادة من تن أ.
) (3في ت ،أ " :إلي".
) (4في ت " :أل ترى".
) (5المسند ).(1/305
) (6في ت " :وروى".
) (7زيادة من ت.
) (8المسند ) (1/295وصحيح البخاري برقم ) (4256وصحيح مسلم برقم )
.(2266
) (7/358
قال البخاري :وزاد ابن سلمة -يعني حماد بن سلمة -عن أيوب ،عن سعيد
بن جبير ،عن ابن عباس قال :لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم لعامه
الذي استأمن قال " :ارملوا" .ليري المشركون قوتهم ،والمشركون من قبل
قعيقعان.
وحدثنا محمد ،حدثنا سفيان بن عيينة ،عن عمرو بن دينار ،عن عطاء ،عن
ابن عباس قال :إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبالصفا
والمروة ،ليرى المشركون قوته ).(1
ورواه في مواضع أخر ،ومسلم والنسائي ،من طرق ،عن سفيان بن
عيينة ،به ).(2
وقال أيضا :حدثنا علي بن عبد الله ،حدثنا سفيان ،حدثنا إسماعيل بن أبي
خالد ،سمع ابن أبي أوفى يقول :لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم سترناه من غلمان المشركين ومنهم ؛ أن يؤذوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم .انفرد به البخاري دون مسلم ).(3
وقال ) (4البخاري أيضا :حدثنا محمد بن رافع ،حدثنا سريج بن النعمان ،
حدثنا فليح ،وحدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم ،حدثنا أبي حدثنا فليح بن
سليمان ،عن نافع ،عن ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج معتمرا ،فحال كفار قريش بينه وبين البيت ،فنحر هديه وحلق رأسه
بالحديبية ،وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ،ول يحمل سلحا عليهم إل
سيوفا ،ول يقيم بها إل ما أحبوا .فاعتمر من العام المقبل ،فدخلها كما كان
صالحهم ،فلما أن قام بها ثلثا ،أمروه أن يخرج فخرج.
وهو في صحيح مسلم أيضا ).(5
وقال البخاري أيضا :حدثنا عبيد الله بن موسى ،عن إسرائيل ،عن أبي
إسحاق ،عن البراء ،قال :اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة
دعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلثة ،فأبى أهل مكة أن ي َ َ
أيام ،فلما كتبوا الكتاب كتبوا " :هذا ما قاضانا عليه محمد رسول الله" .قالوا
:ل نقر بهذا ،ولو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيًئا ،ولكن أنت محمد بن
عبد الله .قال " :أنا رسول الله ،وأنا محمد بن عبد الله" .ثم قال لعلي بن
أبي طالب " :امح رسول الله" .قال :ل والله ل أمحوك أبدا .فأخذ رسول
الله صلى الله عليه وسلم الكتاب ،وليس يحسن يكتب ،فكتب " :هذا ما
قاضى عليه محمد بن عبد الله :ل يدخل مكة السلح إل السيف في
القراب ،وأل يخرج من أهلها بأحد أراد أن يتبعه ،وأل يمنع من أصحابه أحدا
إن أراد أن يقيم بها" فلما دخلها ومضى الجل ،أتوا عليا فقالوا :قل لصاحبك
:اخرج عنا فقد مضى الجل ،فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة
حمزة تنادي :يا عم ،يا عم .فتناولها علي فأخذ بيدها ،وقال لفاطمة :دونك
ابنة عمك فحملتها ،فاختصم فيها علي وزيد
__________
) (1صحيح البخاري برقم ).42579
) (2صحيح البخاري برقم ) (1649وصحيح مسلم برقم ) (1266والنسائي
في السنن الكبرى برقم ).39739
) (3صحيح البخاري برقم ).(4255
) (4في ت " :روى".
) (5صحيح البخاري برقم ).(4252
) (7/359
ي :أنا أخذتها وهي ابنة عمي ،وقال جعفر :ابنة عمي وجعفر ،فقال عل ّ
وخالتها تحتي ،وقال زيد :ابنة أخي ،فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم
لخالتها ،وقال " :الخالة بمنزلة الم" ،وقال لعلي " :أنت مني وأنا منك"
وقال لجعفر " :أشبهت خلقي وخلقي" وقال لزيد " :أنت أخونا ومولنا" قال
علي :أل تتزوج ابنة حمزة ؟ قال " :إنها ابنة أخي من الرضاعة" انفرد به من
هذا الوجه ).(1
ريًبا { أي :فعلم حا قَ ِ َ
ن ذ َل ِك فَت ْ ً ن ُدو ِم ْ ل ِ جعَ َموا فَ َ َ
م ت َعْل ُ َ
ما ل ْ م َوقوله } :فَعَل ِ َ
الله تعالى من الخيرة والمصلحة في صرفكم عن مكة ودخولكم إليها عامكم
ك { أي :قبل دخولكم الذي ن ذ َل ِ َ
ن ُدو ِ م ْل ِجعَ َذلك ما لم تعلموا أنتم } ،فَ َ
ريًبا { :وهو الصلح حا قَ ِ وعدتم به في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم } ،فَت ْ ً
الذي كان بينكم وبين أعدائكم من المشركين.
ثم قال تعالى ،مبشرا للمؤمنين بنصرة الرسول صلوات الله ]وسلمه[ )(2
َ
ه ِبال ْهُ َ
دى سول َ ُ س َ
ل َر ُ ذي أْر َ عليه على عدوه وعلى سائر أهل الرض } :هُوَ ال ّ ِ
حقّ { أي :بالعلم النافع والعمل الصالح ؛ فإن الشريعة تشتمل على ن ال ْ َ وَِدي ِ
شيئين :علم وعمل ،فالعلم الشرعي صحيح ،والعمل الشرعي مقبول ،
ن ك ُل ّهِ { أي :على أهل دي ِ فإخباراتها حق وإنشاءاتها عدل } ،ل ِي ُظ ْهَِره ُ عََلى ال ّ
جميع الديان من سائر أهل الرض ،من عرب وعجم ومليين ) (3ومشركين ،
دا { أي :أنه رسوله ،وهو ناصره. فى ِبالل ّهِ َ
شِهي ً } وَك َ َ
__________
) (1صحيح البخاري برقم ).(4251
) (2زيادة من ت.
) (3في أ " :مسلمين".
) (7/360
) (7/360
سهر" ) ، (1وقال " :المؤمن مى وال ّ منه عضو تداعى له سائر الجسد بالح ّ
للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه ) (2كل الحديثين في
الصحيح.
واًنا { :وصفهم بكثرة ض ر
ِ َ ِ ْ َو هّ ل ال ن م
ْ ِ َ ضل َ ف ن غو ت بي دا ج س
ََ ُ ْ ُ ً ُ ّ ً ََُْ َ عا ّ ك ر م ه را ت } وقوله :
العمل وكثرة ) (3الصلة ،وهي خير العمال ،ووصفهم بالخلص فيها لله ،
عز وجل ،والحتساب عند الله جزيل الثواب ،وهو الجنة ) (4المشتملة على
فضل الله ،وهو سعة الرزق عليهم ،ورضاه ،تعالى ،عنهم وهو أكبر من
ن الل ّهِ أ َك ْب َُر { ]التوبة .[72 : م َ ن ِ وا ٌ
ض َالول ،كما قال } :وَرِ ْ
َ
جود ِ { :قال علي بن أبي س ُن أث َرِ ال ّ م ْ م ِ جوهِهِ ْ م ِفي وُ ُ ماهُ ْ
سي َ وقوله ِ } :
م { يعني :السمت الحسن. جوهِهِ ْ م ِفي وُ ُ ماهُ ْسي َ طلحة ،عن ابن عباس ِ } :
وقال مجاهد وغير واحد :يعني :الخشوع والتواضع.
ّ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا علي بن محمد الطَنافسي ،حدثنا
م ِفي ماهُ ْ
سي َجْعفي ،عن زائدة ) ، (5عن منصور عن مجاهد ِ } : حسين ال َ
َ
جود ِ { قال :الخشوع قلت :ما كنت أراه إل هذا الثر س ُن أث َرِ ال ّ م ْم ِ جوهِهِ ْ
وُ ُ
في الوجه ،فقال :ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون.
وقال السدي :الصلة تحسن وجوههم.
وقال بعض السلف :من كثرت صلته بالليل حسن وجهه بالنهار.
وقد أسنده ابن ماجه في سننه ،عن إسماعيل بن محمد الط ّْلحي ،عن ثابت
بن موسى ،عن شريك ،عن العمش ،عن أبي سفيان ،عن جابر قال :
ت صلته بالليل حسن قال رسول الله ) (6صلى الله عليه وسلم " :من ك َث َُر ْ
وجهه بالنهار" والصحيح أنه موقوف ).(7
وقال بعضهم :إن للحسنة نورا في القلب ،وضياء في الوجه ،وسعة في
الرزق ،ومحبة في قلوب الناس.
حات ف َص َ
وقال أمير المؤمنين عثمان :ما أسر أحد سريرة إل أبداها الله على َ
وجهه ،وَفلَتات لسانه.
والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه ،فالمؤمن
إذا كانت سريرته صحيحة مع الله أصلح الله ظاهره للناس ،كما روي عن
عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه ،أنه قال :من أصلح سريرته أصلح الله
علنيته.
وقال أبو القاسم الطبراني :حدثنا محمود بن محمد المروزي ،حدثنا حامد
بن آدم المروزي ،
__________
) (1رواه البخاري في صحيحه برقم ) (3011ومسلم فس صحيحه برقم )
(2586من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
) (2رواه البخاري في صحيحه برقم ) (481ومسلم في صحيحه برقم )
(2585من حديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه.
) (3في ت ،م " :وذكر".
) (4في م " :المحبة".
) (5في م " :المحبة".
) (6في ت " :عن النبي".
) (7سنن ابن ماجة برقم ).(1333
) (7/361
حدثنا الفضل بن موسى ،عن محمد بن عبيد الله العَْرَزمي ،عن سلمة بن
جلي قال :قال النبي صلى الله عليه دب بن سفيان الب َ َ جن ْ َك ُهَْيل ) ، (1عن ُ
وسلم " :ما أسر أحد سريرة إل ألبسه الله رداءها ،إن خيرا فخير ،وإن شرا
فشر" ،العرزمي متروك ).(2
وقال ) (3المام أحمد :حدثنا حسن بن ) (4موسى ،حدثنا ابن لهيعة ،حدثنا
دراج ،عن أبي الهيثم ،عن أبي سعيد ،عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،أنه قال " :لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ول كوة
،لخرج عمله للناس كائنا ما ) (5كان" ).(6
وقال ) (7المام أحمد ]أيضا[ ) : (8حدثنا حسن ،حدثنا ُزهَْير ،حدثنا قابوس
بن أبي ظ َب َْيان :أن أباه حدثه عن ابن عباس ،عن النبي صلى الله عليه
وسلم ،قال " :إن الهدي الصالح ،والسمت الصالح ،والقتصاد جزء من
خمسة وعشرين جزءا من النبوة" ورواه أبو داود عن عبد الله بن محمد
النفيلي ،عن زهير ،به ).(9
فالصحابة ]رضي الله عنهم[ ) (10خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم ،فكل من
نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم.
وقال مالك ،رحمه الله :بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين
فتحوا الشام يقولون " :والله لهؤلء خير من الحواريين فيما بلغنا" .وصدقوا
في ذلك ،فإن هذه المة معظمة في الكتب المتقدمة ،وأعظمها وأفضلها
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقد نوه الله بذكرهم في الكتب
م ِفي مث َل ُهُ ْ ك َالمنزلة والخبار المتداولة ) (11؛ ولهذا قال هاهنا } :ذ َل ِ َ
َ
شطأه ُ ]َفآَزَرهُ ْ ج َ ل ك ََزْرٍع أ َ ْ
خَر َ جي ِ
م ِفي الن ْ ِ مث َل ُهُ ْل } :وَ َ م َقا َ الت ّوَْراةِ { ،ث ُ ّ
َ ْ َ َ ست َغْل َ َ
شطأه ُ [ { ) (12أي :فراخه ، ج َ خَر َسوقِهِ { } :أ ْ وى عَلى ُ ظ َفا ْ
ست َ َ َفا ْ
َ
وى عَلى ست َغْلظ { أي :شب وطال َ } ،فا ْ
ست َ َ َ َ } َفآَزَره ُ { أي :شده } َفا ْ
ب الّزّراعَ { أي :فكذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ج ُسوقِهِ ي ُعْ ُِ
فاَر {. ُ
م الك ّ ْ َ
آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطء مع الزرع } ،ل ِي َِغيظ ب ِهِ ُ
ومن هذه الية انتزع المام مالك -رحمه الله ،في رواية عنه -بتكفير
الروافض الذين يبغضون الصحابة ،قال :لنهم يغيظونهم ،ومن غاظ
الصحابة فهو كافر لهذه الية .ووافقه طائفة من العلماء على ذلك .والحاديث
في فضائل الصحابة والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة ) ، (13ويكفيهم
ثناء الله عليهم ،ورضاه عنهم.
__________
) (1في ت " :وروى أبو القاسم الطبراني بإسناده".
) (2المعجم الكبير ) (2/171وحامد بن آدم كذاب.
) (3في ت " :وروى".
) (4في أ " :عن".
) (5في ت " :من".
) (6المسند ).(3/28
) (7في ت " :وروى".
) (8زيادة من ت.
) (9المسند ) (1/296وسنن أبي داود برقم ).(4776
) (10زيادة من ت ،م ،أ.
) (11في م " :المقدسة".
) (12زيادة من م.
) (13في م " :كبيرة".
) (7/362
) (7/363
ذي َ َ
ميعٌس ِه َ ن الل ّ َه إِ ّ قوا الل ّ َ سول ِهِ َوات ّ ُ ي الل ّهِ وََر ُ ِ ن ي َد َموا ب َي ْ َقد ّ ُ مُنوا َل ت ُ َ نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ َ
َ ذي َ َ
جهَُروا ي وََل ت َ ْ ت الن ّب ِ ّ صوْ ِ م فَوْقَ َ وات َك ُ ْص َ مُنوا َل ت َْرفَُعوا أ ْ نآ َ م )َ (1يا أي َّها ال ّ ِ َ عَِلي ٌ
َ َ ُ َ َ َ ْ
ن
ن ) (2إ ِ ّ شعُُرو َ م ل تَ ْ م وَأن ْت ُ ْ ُ
مالك ْ حب َط أعْ َ ن تَ ْ ضأ ْ م ل ِب َعْ ٍ ضك ْ ُ جهْرِ ب َعْ ِ َ
لك َ قو ْ ِه ِبال َ لَ ُ
ُ َ
مه قُُلوب َهُ ْ ن الل ّ ُ ح َ مت َ َنا ْ ذي َك ال ّ ِ ل الل ّهِ أول َئ ِ َ سو ِ عن ْد َ َر ُم ِ وات َهُ ْ ص َنأ ْ ضو َ ن ي َغُ ّ ذي َ ال ّ ِ
َ
م )(3 ظي ٌ
جٌر عَ ِ فَرةٌ وَأ ْ مغْ ِ م َ وى ل َهُ ْ ق َِللت ّ ْ
) (7/364
سول ِهِ { قال :ل تدعوا ي الل ّهِ وََر ُ ن ي َد َ ِ موا ب َي ْ َقد ّ ُ
وقال الحسن البصري } :ل ت ُ َ
قبل المام.
وقال قتادة :ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون :لو أنزل في كذا كذا ،وكذا لو
صنع كذا ،فكره الله ذلك ،وتقدم فيه.
ميعٌ { أي :لقوالكم س ِه َ ّ
ن الل َ ه { أي :فيما أمركم به } ،إ ِ ّ قوا الل ّ َ
} َوات ّ ُ
م { بنياتكم. } عَِلي ٌ
ي { :هذا َ ُ َ َ ّ َ
ت الن ّب ِ ّ
صو ْ ِ
م فوْقَ َ وات َك ْص َ مُنوا ل ت َْرفُعوا أ ْ نآ َ
ذي َ
وقوله َ } :يا أي َّها ال ِ
أدب ثان أدب الله به المؤمنين أل يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله
عليه وسلم ]فوق صوته[ ) .(1وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر
وعمر ،رضي الله عنهما.
وقال البخاري :حدثنا بسرة بن صفوان اللخمي ،حدثنا نافع بن عمر ،عن
كة قال :كاد الخّيران أن يهلكا ،أبو بكر وعمر ،رضي الله مل َي ْ َابن أبي ُ
عنهما ،رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب
بني تميم ،فأشار أحدهما بالقرع بن حابس أخي بني مجاشع ،وأشار الخر
برجل آخر -قال نافع :ل أحفظ اسمه -فقال أبو بكر لعمر :ما أردت إل
خلفي .قال :ما أردت خلفك .فارتفعت أصواتهما في ذلك ،فأنزل الله :
َ َ
جهَُروا ل َ ُ
ه ي َول ت َ ْ
ت الن ّب ِ ّ صوْ ِ م فَوْقَ َ وات َك ُ ْ ص َمُنوا ل ت َْرفَُعوا أ ْ نآ َ ذي َ} َيا أي َّها ال ّ ِ
ع
ض { الية ،قال ابن الزبير :فما كان عمر يسم ُ م ل ِب َعْ ٍ ضك ُ ْجهْرِ ب َعْ ِ ل كَ َ ِبال ْ َ
قو ْ ِ
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الية حتى يستفهمه ،ولم يذكر
ذلك عن أبيه :يعني أبا بكر رضي الله عنه .انفرد به دون مسلم ).(2
جَرْيج ، جاج ،عن ابن ُ ح ّ ثم قال البخاري :حدثنا حسن بن محمد ،حدثنا َ
َ
حدثني ابن أبي مليكة :أن عبد الله بن الزبير أخبره :أنه قدم ركب من بني
مْعبد.تميم على النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال أبو بكر :أمّر القعقاع َ بن َ
وقال عمر :بل أمّر القرع بن حابس ،فقال أبو بكر :ما أردت إلى -أو :إل
ت خلَفك ،فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، -خلفي .فقال عمر :ما أرد ُ
َ
سول ِهِ { ، ي الل ّهِ وََر ُ ن ي َد َ ِموا ب َي ْ َ قد ّ ُ
مُنوا ل ت ُ َ نآ َ ذي َ فنزلت في ذلك َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
َ
م { الية ]الحجرات : ج إ ِل َي ْهِ ْ خُر َ
حّتى ت َ ْ صب َُروا َ م َ حتى انقضت الية } ،وَل َوْ أن ّهُ ْ
.[5
وهكذا رواه هاهنا منفردا به أيضا ).(3
وقال ) (4الحافظ أبو بكر البزار في مسنده :حدثنا الفضل بن سهل ،حدثنا
خارق ،عن طارق بن م َمر ،عن ُ إسحاق بن منصور ،حدثنا حصين بن عُ َ
ن ّ َ
ذي َشهاب ،عن أبى بكر الصديق قال :لما نزلت هذه الية َ } :يا أي َّها ال ِ
َ
ي { ،قلت :يا رسول الله ،والله ل ت الن ّب ِ ّ صو ْ ِ م فَوْقَ َ وات َك ُ ْ مُنوا ل ت َْرفَُعوا أ ْ
ص َ آ َ
سرار ).(5 أكلمك إل كأخي ال ّ
__________
) (1زيادة من ت ،م ،أ.
) (2صحيح البخاري برقم ).(4845
) (3صحيح البخاري برقم ).(4847
) (4في ت " :وروى".
) (5مسند البزار برقم )" (2257كشف الستار" وقال " :ل نعلمه يروى
متصل إل عن أبي بكر ،وحصين حدث بأحاديث لم يتابع عليها ،ومخارق
مشهور ،ومن عداه أجلء".
) (7/365
فا -لكن قد رويناه من حديث عبد حصين بن عمر هذا -وإن كان ضعي ً
الرحمن بن عوف ،وأبي هريرة ]رضي الله عنه[ ) (1بنحو ذلك ،والله أعلم
).(2
وقال البخاري :حدثنا علي بن عبد الله ،حدثنا أزهر بن سعد ،أخبرنا ابن
عون ،أنبأني موسى بن أنس ) ، (3عن أنس بن مالك ،رضي الله عنه ،أن
النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس ،فقال رجل :يا رسول الله
سا رأسه ،فقال له :ما من َك ّ ً ،أنا أعلم لك علمه .فأتاه فوجده في بيته ُ
شأنك ؟ فقال :شر ،كان ي َْرفَعُ صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه
وسلم ،فقد حبط عمله ،فهو من أهل النار .فأتى الرجل النبي صلى الله
عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا ،قال موسى :فرجع إليه المرة الخرة
ببشارة عظيمة فقال " :اذهب إليه فقل له :إنك لست من أهل النار ،ولكنك
من أهل الجنة" تفرد به البخاري من هذا الوجه ).(4
وقال المام أحمد :حدثنا هاشم ،حدثنا ) (5سليمان بن المغيرة ،عن ثابت ،
َ َ
وات َك ُ ْ
م ص َمُنوا ل ت َْرفَُعوا أ ْ نآ َ عن أنس قال :لما نزلت هذه الية َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
َ
ن { ،وكان ثابت بن قيس بن شعُُرو َ م ل تَ ْ ي { إلى } :وَأن ْت ُ ْ ت الن ّب ِ ّ
صو ْ ِفَوْقَ َ
الشماس رفيع الصوت فقال :أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله
صلى الله عليه وسلم حبط عملي ،أنا من أهل النار ،وجلس في أهله
حزينا ،ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فانطلق بعض القوم إليه
فقالوا له :تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ما لك ؟ قال :أنا الذي
أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ،وأجهر له بالقول حبط
عملي ،أنا من أهل النار .فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما
قال ،فقال " :ل بل هو من أهل الجنة" .قال أنس :فكنا نراه يمشي بين
أظهرنا ،ونحن نعلم أنه من أهل الجنة .فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض
النكشاف ،فجاء ثابت بن قيس بن شماس ،وقد تحنط ولبس كفنه ،فقال :
ودون أقرانكم .فقاتلهم حتى ُقتل ).(7) (6 بئسما ُتع ّ
وقال مسلم :حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ،حدثنا الحسن بن موسى ،حدثنا
حماد بن سلمة ،عن ثابت الُبناني ،عن أنس بن مالك قال :لما نزلت هذه
َ َ
ي { إلى آخر ت الن ّب ِ ّ
صوْ ِ م فَوْقَ َ وات َك ُ ْ
ص َمُنوا ل ت َْرفَُعوا أ ْ نآ َذي َالية َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
الية ،جلس ثابت في بيته ،قال :أنا من أهل النار .واحتبس عن النبي صلى
الله عليه وسلم ،فقال ) (8النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ " :يا
أبا عمرو ،ما شأن ثابت ؟ أشتكى ؟" فقال سعد :إنه لجاري ،وما علمت له
بشكوى .قال :فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله ) (9صلى الله عليه
وسلم ،فقال ثابت ُ :أنزَلت هذه الية ،ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأنا من أهل النار .فذكر ذلك سعد
للنبي صلى الله عليه وسلم ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :بل ،
هو من أهل الجنة".
__________
) (1زيادة من أ.
) (2أما حديث أبي هريرة فرواه الحاكم في المستدرك ) (2/462من طريق
محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه ،وقال " :صحيح السناد على شرط
مسلم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
) (3في ت " :وروى البخاري بسنده".
) (4صحيح البخاري برقم ).(4846
) (5في ت " :ابن".
) (6في ت " :حتى قتل رحمه الله".
) (7المسند ).(3/137
) (8في م " :فسأل".
) (9في م " :النبي".
) (7/366
حّيان بن هلل ،عن ثم رواه مسلم عن أحمد بن سعيد ) (1الدارمي ،عن َ
سليمان بن المغيرة ،به ،قال :ولم يذكر سعد بن معاذ .وعن قطن بن
سير عن جعفر بن سليمان ) ، (2عن ثابت ،عن أنس بنحوه .وقال :ليس نُ َ
فيه ذكر سعد بن معاذ.
حدثنا هَُريم ) (3بن عبد العلى السدي ،حدثنا المعتمر بن سليمان ،سمعت
أبي يذكر ،عن ثابت ،عن أنس قال :لما نزلت هذه الية ،واقتص الحديث ،
ل من أهل ولم يذكر سعد بن معاذ ،وزاد :فكنا نراه يمشي بين أظهرنا َرج ٌ
الجنة.(4) .
معَللة لرواية حماد بن سلمة ،فيما تفرد به من ذكر سعد ّ فهذه الطرق الثلث ُ
بن معاذ .والصحيح :أن حال نزول هذه الية لم يكن سعد بن معاذ موجوًدا ؛
لنه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام قلئل سنة خمس ،وهذه الية نزلت
في وفد بني تميم ،والوفود إنما تواتروا في سنة تسع من الهجرة ،والله
أعلم.
حَباب ،حدثنا أبو ثابت بن ُ
وقال ابن جرير :حدثنا أبو كَرْيب ،حدثنا زيد بن ال ُ
ماس ،حدثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن ثابت بن قيس بن ش ّ
َ
وات َك ُ ْ
م قيس بن شماس ،عن أبيه قال :لما نزلت هذه الية } :ل ت َْرفَُعوا أ ْ
ص َ
ل { قال :قعد ثابت بن قيس ) (5في قو ْ ِه ِبال ْ َ جهَُروا ل َ ُ ي َول ت َ ْ ت الن ّب ِ ّصو ْ ِ فَوْقَ َ
الطريق يبكي ،قال :فمر به عاصم بن عدي من بني الَعجلن ،فقال :ما
ي وأنا صيت ، يبكيك يا ثابت ؟ قال :هذه الية ،أتخوف أن تكون نزلت ف ّ
رفيع الصوت .قال :فمضى عاصم بن عدي إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال :وغلبه البكاء ،فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أبي بن سلول
ي الضّبة بمسمار فضربته دي عَل َ ّت بيت فََرسي فش ّ فقال لها :إذا دخل ُ
بمسمار حتى إذا خرج عطفه ،وقال :ل أخرج حتى يتوفاني الله ،عز وجل ،
أو يرضى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم .قال :وأتى عاصم رسو َ
ل
الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره ،فقال " :اذهب فادعه لي" .فجاء
فَرس ،فقال عاصم إلى المكان فلم يجده ،فجاء إلى أهله فوجده في بيت ال َ
له :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك .فقال :اكسر الضبة .قال :
فخرجا فأتيا ) (6النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :ما يبكيك يا ثابت ؟" .فقال :أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه
َ
هجهَُروا ل َ ُي َول ت َ ْ ت الن ّب ِ ّ م فَوْقَ َ
صوْ ِ وات َك ُ ْ
ص َ الية نزلت في } :ل ت َْرفَُعوا أ ْ
ل { .فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أما ترضى أن ت َِعيش ِبال ْ َ
قو ْ ِ
دا ،وتقتل شهيدا ،وتدخل الجنة ؟" .فقال :رضيت ببشرى الله ورسوله حمي ً َ
صلى الله عليه وسلم ،ول أرفع صوتي أبدا على صوت النبي صلى الله عليه
ل الل ّهِ ُأول َئ ِ َ
ك سو ِ عن ْد َ َر ُ
م ِ وات َهُ ْ
ص َ
وسلم .قال :وأنزل الله } :إن ال ّذين يغُضو َ
نأ ْ ِ َ َ ّ َ ِ ّ
وى { )(8) .(7 ق َ ه قُُلوب َهُ ْ
م ِللت ّ ْ ن الل ّ ُ ح َ مت َ َ
نا ْ ذي َ ال ّ ِ
وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين كذلك ،فقد نهى الله عز وجل ،
عن رفع الصوات
__________
) (1في أ " :سعد".
) (2في م " :مسلم".
) (3في م " :هدبة".
) (4صحيح مسلم برقم ).(119
) (5في أ " :ثابت بن قيس بن شماس".
) (6في أ " :حتى أتيا".
) (7في أ :بعدها " :لهم مغفرة وأجر عظيم " بدل "الية".
) (8تفسير الطبري ).(26/75
) (7/367
َ
قُلو َ
ن )(4 م َل ي َعْ ِ
ت أك ْث َُرهُ ْ
جَرا ِ ن وََراءِ ال ْ ُ
ح ُ م ْ ن ي َُناُدون َ َ
ك ِ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر
صوت رجلين في مسجد رسول بن الخطاب ]رضي الله عنه[ ) (1أنه سمع َ
الله ) (2صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما ،فجاء ،فقال :أتدريان
من أين أنتما ؟ قال من أهل الطائف .فقال :لو كنتما أين أنتما ؟ ثم قال ِ :
من أهل المدينة لوجعتكما ضربا ).(3
وقال العلماء :يكره رفع الصوت عند قبره ،كما كان يكره في حياته ؛ لنه
محترم حيا وفي قبره ،صلوات الله وسلمه عليه ) ، (4دائما .ثم نهى عن
الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه ،بل يخاطب بسكينة
ض{، ضك ُ ْ
م ل ِب َعْ ٍ جهْرِ ب َعْ ِ ل كَ َ قو ْ ِ ه ِبال ْ َجهَُروا ل َ ُ ووقار وتعظيم ؛ ولهذا قال َ } :ول ت َ ْ
ضا { ]النور : م ب َعْ ً ضك ُْ عاِء ب َعْ ِ َ
م كد ُ َ ُ
ل ب َي ْن َك ْ سو ِ عاَء الّر ُ جعَُلوا د ُ َ كما قال } :ل ت َ ْ
.[63
ن { أي :إنما نهيناكم عن رفع م ل تَ ْ َ ُ ُ َ َ َ
شعُُرو َ م وَأن ْت ُ ْ مالك ْ حب َط أعْ َ ن تَ ْ وقوله } :أ ْ
الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك ،فيغضب الله لغضبه ،فيحبط الله
عمل من أغضبه وهو ل يدري ،كما جاء في الصحيح " :إن الرجل ليتكلم
بالكلمة من رضوان الله ل ُيلقي لها َبال يكتب له بها الجنة .وإن الرجل ليتكلم
وي بها في النار أبعد ما بين خط الله ل ُيلقي لها بال ي َهْ ِ س َبالكلمة من َ
السموات والرض" ).(5
ث على ذلك ، ح ّثم ندب الله عز وجل ) ، (6إلى خفض الصوت عنده ،و َ
ل غب فيه ،فقال } :إن ال ّذين يغُضو َ وأرشد إليه ،ور ّ
سو ِ عن ْد َ َر ُم ِوات َهُ ْص َ نأ ْ ِ َ َ ّ َ ِ ّ
وى { أي :أخلصها لها وجعلها أهل ق َ م ِللت ّ ْ ه قُُلوب َهُ ْ ن الل ّ ُ ح َ مت َ َ نا ْ ذي َ ك ال ّ ِ الل ّهِ ُأول َئ ِ َ
َ
م {. ظي ٌجٌر عَ ِ فَرةٌ وَأ ْ مغْ ِ م َ ومحل } ل َهُ ْ
وقد قال ) (7المام أحمد في كتاب الزهد :حدثنا عبد الرحمن ،حدثنا سفيان
كتب إلى عمر ) (8يا أمير المؤمنين ،رجل ،عن منصور ،عن مجاهد ،قال ُ :
ل يشتهي المعصية ول يعمل بها ،أفضل ،أم رجل يشتهي المعصية ول يعمل
بها ؟ فكتب عمر ،رضي الله عنه :إن الذين يشتهون المعصية ول يعملون
َ بها } ُأول َئ ِ َ
م { ).(9 ظي ٌ جٌر عَ ِ فَرةٌ وَأ ْ مغْ ِ م َ وى ل َهُ ْ ق َ م ِللت ّ ْ ه قُُلوب َهُ ْ ن الل ّ ُ ح َ مت َ َ نا ْ ذي َ ك ال ّ ِ
َ
ن ){ (4 قُلو َ م ل ي َعْ ِ ت أك ْث َُرهُ ْ جَرا ِ ح ُ ن وََراِء ال ْ ُ م ْ ك ِ ن ي َُناُدون َ َ ذي َ ن ال ّ ِ
} إِ ّ
__________
) (1زيادة من ت.
) (2في ت ،م " :النبي".
) (3رواه البخاري في صحيحه برقم ) (470من طريق السائب بن يزيد
فذكره.
) (4في ت " :صلى الله عليه وسلم".
) (5صحيح البخاري برقم ) (6478من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
) (6في ت " :سبحانه وتعالى".
) (7في ت " :وقد روى".
) (8في ت " :عمر بن الخطاب رضي الله عنه".
) (9ذكره السيوطي في الدر المنثور ) (7/552وعزاه لحمد في الزهد.
) (7/368
َ
م )(5 حي ٌ
فوٌر َر ِ ه غَ ُ م َوالل ّ ُ خي ًْرا ل َهُ ْ ن َ كا َم لَ َ ج إ ِل َي ْهِ ْ
خُر َ حّتى ت َ ْ
صب َُروا َم َ وَل َوْ أن ّهُ ْ
َ
م ){ (5 حي ٌ
فوٌر َر ِ ه غَ ُم َوالل ّ ُ خي ًْرا ل َهُ ْ ن َ كا َم لَ َ ج إ ِل َي ْهِ ْ
خُر َ حّتى ت َ ْ صب َُروا َ م َ} وَل َوْ أن ّهُ ْ
م الذين ينادونه من وراء الحجرات ،وهي بيوت نسائه ،كما ثم إنه تعالى ذ َ ّ
ن{ ُ َ ْ َ
قلو َ م ل ي َعْ ِ يصنع أجلف العراب ،فقال } :أكثُرهُ ْ
ن َ
كا َ ل م ه يَ لإ ج ر خ ت تى ح روا َ َ
َ َ ّ َ ْ ُ َ ِ ِْ ْ ثم أرشد إلى الدب في ذلك فقال } :وَ ْ ّ ُ ْ َ َ ُ
ب ص م ه ن أ و ل
م { أي : خي ًْرا ل َهُ ْ َ
) (7/368
) (7/369
ورواه ابن جرير ،عن الحسن بن عرفة ،عن المعتمر بن سليمان ،به ).(1
َ َ
جَهال َ ٍ
ة صيُبوا قَوْ ً
ما ب ِ َ ن تُ ِسقٌ ب ِن َب َإ ٍ فَت َب َي ُّنوا أ ْ م َفا ِ جاَءك ُ ْ ن َ مُنوا إ ِ ْ نآ َ ذي َ } َيا أي َّها ال ّ ِ
َ
طيعُك ُ ْ
م ل الل ّهِ ل َوْ ي ُ ِسو َ م َر ُ ن ِفيك ُ ْموا أ ّ ن )َ (6واعْل َ ُ مي َ م َنادِ ِ ما فَعَل ْت ُ ْ حوا عََلى َ فَت ُ ْ
صب ِ ُ
ه ِفي قُُلوب ِك ُ ْ
م ن وََزي ّن َ ُما َ م الي َ ب إ ِل َي ْك ُ ُ حب ّ َ
ه َ ن الل ّ َ م وَل َك ِ ّ مرِ ل َعَن ِت ّ ْن ال ْ م َ ِفي ك َِثيرٍ ِ
ن أول َئ ِ َ ُ
ن
م َ ضل ِ ن ) (7فَ ْ دو َ ش ُم الّرا ِ ك هُ ُ صَيا َسوقَ َوال ْعِ ْ ف ُ فَر َوال ْ ُ م ال ْك ُ ْ وَك َّرهَ إ ِل َي ْك ُ ُ
م ).{ (8 كي ٌح ِم َ ه عَِلي ٌ ة َوالل ّ ُ م ًالل ّهِ وَن ِعْ َ
َ
يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق لُيحَتاط له ،لئل يحكم بقوله فيكون -في
نفس المر -كاذًبا أو مخطًئا ،فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه ،وقد
نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين ،ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء
من قبول رواية مجهول الحال لحتمال فسقه في نفس المر ،وقبلها آخرون
لنا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق ،وهذا ليس بمحقق الفسق لنه
مجهول الحال .وقد قررنا ) (2هذه المسألة في كتاب العلم من شرح
البخاري ،ولله الحمد والمنة.
وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي
معيط ،حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني
المصطلق .وقد روي ذلك من طرق ،ومن أحسنها ما رواه المام أحمد في
جويرية ضَرار ،والد ُ مسنده من رواية ملك بني المصطلق ،وهو الحارث بن ِ
) (3بنت الحارث أم المؤمنين ،رضي الله عنها ،قال المام أحمد :
حدثنا محمد بن سابق ،حدثنا عيسى بن دينار ،حدثني أبي أنه سمع الحارث
بن ضرار الخزاعي يقول :قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فدعاني إلى السلم ،فدخلت فيه وأقررت به ،ودعاني إلى الزكاة فأقررت
بها ،وقلت :يا رسول الله ،أرجع إليهم فأدعوهم إلى السلم وأداء الزكاة ،
ي رسول الله رسول لّبان كذا فمن استجاب لي جمعت زكاته ،وُيرسل إل ّ
ت من الزكاة .فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له مع ُوكذا ليأتيك بما ج َ
،وبلغ البان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه ،
خطة من س ْاحتبس عليه الرسول فلم يأته ،فظن الحارث أنه قد حدث فيه ُ
سَروات قومه ،فقال لهم :إن رسول الله صلى الله الله ورسوله ،فدعا ب َ
عليه وسلم كان وَّقت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من
خْلف ،ول أرى حبس الزكاة ،وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ال ُ
رسوله إل من سخطة كانت ،فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث
ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ،فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض
الطريق فََرق -أي :خاف -فرجع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فقال :يا رسول الله ،إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي .فضرب رسول
الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث .وأقبل الحارث بأصحابه حتى
صل عن المدينة لقيهم الحارث ،فقالوا :هذا الحارث ، إذا استقبل البعث وفَ َ
فلما
__________
) (1تفسير الطبري ) (26/77ورواه الطبراني في المعجم الكبير )(5/210
من طريق إسحاق بن راهويه عن معتمر بن سليمان به ،قال الهيثمي في
المجمع )" : (7/108فيه داود الطفاوي وثقه ابن حبان ،وضعفه ابن معين ،
وبقية رجاله ثقات".
) (2في ت " :قررت".
) (3في أ " :ميمونة".
) (7/370
غشيهم قال لهم :إلى من ُبعثتم ؟ قالوا :إليك .قال :ولم ؟ قالوا :إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة ،فزعم أنك
ة ول منعته الزكاة وأردت قتله .قال :ل والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته ب َت ّ ً
أتاني .فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟" .قال :ل والذي بعثك بالحق ما رأيته
ول أتاني ،وما أقبلت إل حين احتبس علي رسول رسول الله ) (1صلى الله
عليه وسلم ،خشيت أن يكون كانت سخطة من الله ورسوله .قال :فنزلت
َ
جاَءك ُ ْ
م َفا ِ
سقٌ ب ِن َب َإ ٍ { إلى قوله : ن َ
مُنوا إ ِ ْ
نآ َ الحجرات َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
} حكيم {
ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان التمار ،عن محمد بن سابق به.
ورواه الطبراني من حديث محمد بن سابق ،به ) ، (2غير أنه سماه الحارث
بن سرار ،والصواب :الحارث بن ضرار ،كما تقدم.
ون ،عن موسى بن وقال ) (3ابن جرير :حدثنا أبو ك َُرْيب ،حدثنا جعفر بن عَ ْ
عبيدة ،عن ثابت مولى أم سلمة ،عن أم سلمة قالت :بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجل في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة )، (4
فسمع بذلك القوم ،فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
قالت :فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله ،قالت :فرجع إلى رسول الله )
(5فقال :إن بني المصطلق قد منعوني ) (6صدقاتهم .فغضب رسول الله
صلى الله عليه وسلم والمسلمون .قالت :فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم ،فصفوا له حين صلى الظهر ،فقالوا :نعوذ بالله
من سخط الله وسخط رسوله ،بعثت إلينا رجل مصدًقا ،فسررنا بذلك ،
وقرت به أعيننا ،ثم إنه رجع من بعض الطريق ،فخشينا أن يكون ذلك غضبا
من الله ومن رسوله ،فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلل فأذن بصلة العصر ،
َ َ
صيُبوان تُ ِ سقٌ ب ِن َب َإ ٍ فَت َب َي ُّنوا أ ْ
م َفا ِجاَءك ُ ْن َ مُنوا إ ِ ْ نآ َ ذي َقالت :ونزلت َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
ن { ).(7 مي َم َنادِ ِ ما فَعَل ْت ُ ْ
حوا عََلى َ جَهال َةٍ فَت ُ ْ
صب ِ ُ ما ب ِ َقَوْ ً
وفي ،عن ابن عباس في هذه الية قال : وروى ابن جرير أيضا من طريق العَ ْ
معَْيط إلى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي ُ
بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات ،وإنهم لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا
ث الوليد أنهم حد ّ َ يتلقون رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأنه لما ُ
خرجوا يتلقونه ،رجع الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا
رسول الله ،إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة .فغضب رسول الله صلى
الله عليه وسلم من ذلك غضبا شديدا ،فبينا هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ
أتاه الوفد فقالوا :يا رسول الله ،إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف
الطريق ،وإنا خشينا أن ما رده كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا ،وإنا نعوذ
بالله من غضبه وغضب رسوله .وإن النبي صلى الله عليه وسلم استغشهم
َ
مُنوا
نآ َ ذي َ م بهم ،فأنزل الله ) (8عذرهم في الكتاب ،فقال َ } :يا أي َّها ال ّ ِ وه ّ
سقٌ ب ِن َب َإ ٍ فَت َب َي ُّنوا { إلى آخر الية ).(9 م َفا ِ جاَءك ُ ْ ن َ إِ ْ
__________
) (1في ت " :احتبس علي يا رسول الله".
) (2المسند ) (4/279والمعجم الكبير ) (3/274قال الهيثمي في المجمع )
" : (7/109رجال أحمد ثقات" ،وهذا متعقب فإن دينار والدعيسي لم يوثقه
إل ابن حبان ،ول يعرف له راويا غير ابنه عيسى.
) (3في ت " :وروى".
) (4في ت " :الوقعة".
) (5في ت ،م ،أ " :رسول الله صلى الله عليه وسلم".
) (6في ت ،م " :منعوا".
) (7تفسير الطبري ) (26/78وفي إسناده موسى بن عبيدة الربذي وهو
ضعيف ،وثابت مولى أم سلمة مجهول.
) (8في م " :الله عز وجل".
) (9تفسير الطبري ).(26/78
) (7/371
وقال مجاهد وقتادة :أرسل رسول الله الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق
دقهم ،فتلقوه بالصدقة ،فرجع فقال :إن بني المصطلق قد جمعت لك لُيص ّ
لتقاتلك -زاد قتادة :وإنهم قد ارتدوا عن السلم -فبعث رسول الله خالد بن
الوليد إليهم ،وأمره أن يتثبت ول يعجل .فانطلق حتى أتاهم ليل فبعث
عيونه ،فلما جاءوا أخبروا خالدا أنهم مستمسكون بالسلم ،وسمعوا أذانهم
وصلتهم ،فلما أصبحوا أتاهم خالد فرأى الذي يعجبه ،فرجع إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ،فأنزل الله هذه الية .قال قتادة :فكان
جَلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :الّتبّين من الله ،والعَ َ
الشيطان".
وكذا ذكر غير واحد من السلف ،منهم :ابن أبي ليلى ،ويزيد بن رومان ،
حّيان ،وغيرهم في هذه الية :أنها نزلت في الوليد والضحاك ،ومقاتل بن َ
بن عقبة ،والله أعلم ).(1
ل الل ّهِ { أي :اعلموا أن بين أظهركم َ
سو َ م َر ُ ن ِفيك ُ ْ موا أ ّ وقوله َ } :واعْل َ ُ
رسول الله فعظموه ووقروه ،وتأدبوا معه ،وانقادوا لمره ،فإنه أعلم ّ
م من رأيكم لنفسكم ،كما بمصالحكم ،وأشفق عليكم منكم ،ورأيه فيكم أت ّ
م { ]الحزاب .[6 : سهِ ْف ِ ن أ َن ْ ُ م ْن ِ مِني َ مؤ ْ ِ ي أوَْلى ِبال ْ ُ
َ
قال تعالى } :الن ّب ِ ّ
ثم ب َّين ]تعالى[ ) (2أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال } :
م { أي :لو أطاعكم في جميع ما تختارونه مرِ ل َعَن ِت ّ ْ ن ال ْ م َ م ِفي ك َِثيرٍ ِ طيعُك ُ ْ ل َوْ ي ُ ِ
َ
م
واَءهُ ْ حقّ أهْ َ حَرجكم ،كما قال تعالى } :وَل َوِ ات ّب َعَ ال ْ َ لدى ذلك إلى عنتكم و َ
ْ ْ َ لَ َ
م
ن ذِكرِهِ ْ م عَ ْ م فَهُ ْ م ب ِذِكرِهِ ْ ل أت َي َْناهُ ْ ن بَ ْ ن ِفيهِ ّ م ْ ض وَ َ ت َوالْر ُ وا ُ م َ س َ ت ال ّ سد َ ِف َ
ن { ]المؤمنون .[71 : ضو َ معْرِ ُ ُ
م { أي :حببه إلى ُ ُ
ه ِفي قلوب ِك ُْ ن وََزي ّن َ ُ ما َ م الي َ ُ َ
ب إ ِلي ْك ُ حب ّ َه َ ّ
ن الل َ َ
وقوله } :وَلك ِ ّ
نفوسكم وحسنه في قلوبكم.
سَعدة ،حدثنا قتادة ،عن َ ْم بن علي حدثنا ، هز قال ) (3المام أحمد :حدثنا َ ْ
ب
أنس قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :السلم علنية ،
واليمان في القلب" قال :ثم يشير بيده إلى صدره ثلث مرات ،ثم يقول :
"التقوى هاهنا ،التقوى هاهنا" ).(4
ن { أي :وبغض إليكم الكفر صَيا َ سوقَ َوال ْعِ ْ ف ُ فَر َوال ْ ُ م ال ْك ُ ْ } وَك َّرهَ إ ِل َي ْك ُ ُ
والفسوق ،وهي :الذنوب
__________
) (1وقد ذهب إلى ذلك كثير من المفسرين ،وهذا القول فيه نظر ؛ فإن
الروايات التي ساقت القصة معلولة ،وأحسنها وهي رواية أحمد عن الحارث
بن ضرار الخزاعي ،وفي إسنادها مجهول ،وقد أنكر القاضي أبو بكر بن
العربي في كتابه "العواصم من القواصم" )ص (102هذه القصة قال " :وقد
اختلف فيه ،فقيل :نزلت في ذلك -أي في شأن الوليد .وقيل :في علي
والوليد في قصة أخرى -وقيل :إن الوليد سيق يوم الفتح في جملة الصبيان
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح روءسهم وبرك عليهم إل هو
فقال :إنه كان على رأسي خلوق ،فامتنع صلى الله عليه وسلم من مسه ،
فمن يكون في مثل هذه السنن يرسل مصدقا ،وبهذا الختلف يسقط
العلماء الحاديث القوية ،وكيف يفسق رجل هذا الكلم ؟ فكيف برجل من
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وللشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه
الله كلم على الوليد بن عقبة في النوار الكاشفة )ص (263أثبت فيه أنه لم
يؤثر له رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جملة ما نفاه هذا
الحديث الذي ذكره ابن العربي.
) (2زيادة من ت.
) (3في ت " :وروى".
) (4المسند ) (3/134قال الهيثمي في المجمع )" : (1/52رجاله رجال
الصحيح ما خل علي بن مسعدة ،وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي
وأبو حاتم وابن معين وضعفه آخرون".
) (7/372
ما عََلى فتان من ال ْمؤْمنين اقْتتُلوا فَأ َ ن َ
داهُ َ
ح َ ت إِ ْن ب َغَ ْ ما فَإ ِ ْ حوا ب َي ْن َهُ َ صل ِ ُْ ََ ُ ِ ِ َ طائ ِ َ َ ِ ِ َ وَإ ِ ْ
َ َ
ما هن
ََُْ َ ي ب حوا ل
ْ ِ ُص أَ ف تْ َ ء َ
فا ن إ
ِ ِ ْ َ ف ه ّ ل ال ِ ر م
ْ أ لى َ ِ إ َ ءفي ت
َ ّ َِتى ح غي ب
ِ َِْت تي ّ ل ا لواُ ِ ت قا
َ َ ف رى َ خاْل ُ ْ
َ َ
حواصل ِ ُخوَة ٌ فَأ ْ ن إِ ْ مُنو َ ما ال ْ ُ
مؤ ْ ِ ن ) (9إ ِن ّ َ طي َس ِ ق ِ م ْب ال ْ ُ ح ّ ه يُ ِن الل ّ َ طوا إ ِ ّ س ُ ل وَأقْ ِ ِبال ْعَد ْ ِ
ن )(10 مو َ ح ُم ت ُْر َ ه ل َعَل ّك ُ ْقوا الل ّ َ م َوات ّ ُ خوَي ْك ُ ْ ن أَ َ ب َي ْ َ
الكبار .والعصيان وهي جميع المعاصي .وهذا تدريج لكمال النعمة.
ن { أي :المتصفون بهذه الصفة هم دو َ ش ُ م الّرا ِ ك هُ ُ وقوله ُ } :أول َئ ِ َ
الراشدون ،الذين قد آتاهم الله رشدهم.
قال ) (1المام أحمد :حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ،حدثنا عبد الواحد
بن أيمن المكي ،عن ابن رفاعة الزرقي ،عن أبيه قال :لما كان يوم أحد )
(2وانكفأ المشركون ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :استووا حتى
أثني على ربي ،عز وجل" فصاروا خلفه صفوًفا ،فقال " :اللهم لك الحمد
كله .اللهم ل قابض لما بسطت ،ول باسط لما قبضت ،ول هادي لمن
مضل لمن هديت .ول معطي لما منعت ،ول مانع لما أعطيت. أضللت ،ول ُ
ول مقرب لما باعدت ،ول مباعد لما قربت .اللهم ابسط علينا من بركاتك
ورحمتك وفضلك ورزقك .اللهم ،إني أسألك النعيم المقيم الذي ل يحول ول
يزول .اللهم إني أسألك النعيم يوم العَي َْلة ،والمن يوم الخوف .اللهم إنى
عائذ بك من شر ما أعطيتنا ،ومن شر ما منعتنا .اللهم حبب إلينا اليمان
وزينه في قلوبنا ،وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ،واجعلنا من
الراشدين .اللهم ،توفنا مسلمين ،وأحينا مسلمين ،وألحقنا بالصالحين ،غير
خزايا ول مفتونين .اللهم ،قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن
سبيلك ،واجعل عليهم رجزك وعذابك .اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب
،إله الحق".
مْرَوان بن معاوية ، ورواه النسائي في اليوم والليلة عن زياد بن أيوب ،عن َ
عن عبد الواحد بن أيمن ،عن عُب َْيد بن ِرفاعة ،عن أبيه ،به ).(3
وفي الحديث المرفوع " :من سرته حسنته ،وساءته سيئته ،فهو مؤمن" )
.(4
ة { أي :هذا العطاء ) (5الذي منحكموه هو م ً ّ
ن اللهِ وَن ِعْ َ م َ ضل ِ ثم قال } :فَ ْ
م { أي :عليم بمن كي ٌ ح ِ م َ ه عَِلي ٌ ّ
فضل منه عليكم ونعمة من لدنه َ } ،والل ُ
يستحق الهداية ممن يستحق الغواية ،حكيم في أقواله وأفعاله ،وشرعه
وقدره.
َ َ ُ ْ َ
ما عَلى داهُ َ ح َت إِ ْ ن ب َغَ ْ ما فَإ ِ ْ حوا ب َي ْن َهُ َصل ِ ُن اقْت َت َلوا فَأ ْ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ُ م َن ِ فَتا ِ ن طائ ِ َ } وَإ ِ ْ
ما َ َ َ َ ّ َ َ ّ ُ َ
حوا ب َي ْن َهُ َ صل ِ ُ
ت فأ ْ ن فاَء ْ مرِ اللهِ فإ ِ ْ فيَء إ ِلى أ ْ حّتى ت َ ِ قات ِلوا الِتي ت َب ِْغي َ خَرى ف َ ال ْ
َ ْ ْ ّ ُ َ
حوا صل ِ ُ َ
خوَة ٌ فأ ْ ن إِ ْ مُنو َمؤ ْ ِ ما ال ُ ن ) (9إ ِن ّ َ طي َ س ِ ق ِ
م ْ ب ال ُ ح ّ ه يُ ِن الل َ سطوا إ ِ ّ ْ
ل وَأق ِ ِبال ْعَد ْ ِ
ن ){ (10 مو َ ح ُ م ت ُْر َ ه ل َعَل ّك ُ ْ قوا الل ّ َ م َوات ّ ُ خوَي ْك ُ ْ ن أَ َ ب َي ْ َ
__________
) (1في ت " :روى".
) (2في أ " :الحديبية".
) (3المسند ) (3/424والنسائي في السنن الكبرى برقم ).(10445
) (4رواه أحمد في مسنده ) (1/18والترمذي في السنن برقم ) (2165من
حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،قال الترمذي " :هذا حديث حسن
صحيح غريب من هذا الوجه".
) (5في ت " :القضاء".
) (7/373
يقول تعالى آمًرا بالصلح بين المسلمين ) (1الباغين بعضهم على بعض :
َ
ما { ،فسماهم مؤمنين مع حوا ب َي ْن َهُ َ ن اقْت َت َُلوا فَأ ْ
صل ِ ُ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ م َ
ن ِفَتا ِ ن َ
طائ ِ َ } وَإ ِ ْ
القتتال .وبهذا استدل البخاري وغيره على أنه ل يخرج من اليمان بالمعصية
وإن عظمت ،ل كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم .وهكذا
ثبت في صحيح البخاري من حديث الحسن ،عن أبي بكرة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم خطب يوما ومعه على المنبر الحسن بن علي ،فجعل
ينظر إليه مرة وإلى الناس أخرى ويقول " :إن ابني هذا سيد ولعل الله أن
يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" ) .(2فكان كما قال ،صلوات
الله وسلمه عليه ،أصلح الله به بين أهل الشام وأهل العراق ،بعد الحروب
الطويلة والواقعات المهولة.
َ
فيَء إ ِلى حّتى ت َ ِ ّ
قات ِلوا الِتي ت َب ِْغي َ ُ خَرى فَ َ ما عَلى ال ْ َ داهُ َ ح َ ت إِ ْن ب َغَ ْوقوله } :فَإ ِ ْ
مرِ الل ّهِ { أي :حتى ترجع إلى أمر الله ) (3وتسمع للحق وتطيعه ،كما ثبت َ
أ ْ
في الصحيح عن أنس :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :انصر
أخاك ظالما أو مظلوما" .قلت :يا رسول الله ،هذا نصرته مظلوما فكيف
أنصره ظالما ؟ قال " :تمنعه من الظلم ،فذاك نصرك إياه" ).(4
وقال المام أحمد :حدثنا عارم ،حدثنا معتمر قال :سمعت أبي يحدث :أن
سا قال :قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ،لو أتيت عبد الله بن أبي ؟ أن ً
فانطلق إليه نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب حماًرا ،وانطلق
المسلمون يمشون ،وهي أرض سبخة ،فلما انطلق إليه النبي صلى الله
عليه وسلم قال " :إليك عني ،فوالله لقد آذاني ريح حمارك" فقال رجل من
النصار :والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك .قال :فغضب لعبد الله
رجال من قومه ،فغضب لكل واحد منهما أصحابه ،قال :فكان بينهم ضرب
ن
م َ ن ِ فَتا ِ ن َ
طائ ِ َ بالجريد واليدي والنعال ،فبلغنا أنه أنزلت فيهم } :وَإ ِ ْ
َ
ما { حوا ب َي ْن َهُ َ صل ِ ُن اقْت َت َُلوا فَأ ْ مِني َمؤ ْ ِال ْ ُ
دد ،ومسلم في "المغازي" عن محمد س ّ
م َورواه البخاري في "الصلح" عن ُ
بن عبد العلى ،كلهما عن المعتمر بن سليمان ،عن أبيه ،به نحوه ).(5
وذكر سعيد بن جبير :أن الوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال ،
فأنزل الله هذه الية ،فأمر بالصلح بينهما.
وقال السدي :كان رجل من النصار يقال له " :عمران" ،كانت له امرأة
تدعى أم زيد ) ، (6وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها
في عُل َّية له ل يدخل عليها أحد من أهلها .وإن المرأة بعثت إلى أهلها ،فجاء
قومها وأنزلوها لينطلقوا بها ،وإن الرجل قد كان خرج ،فاستعان أهل الرجل
،فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها ،فتدافعوا واجتلدوا بالنعال ،
فنزلت فيهم هذه
__________
) (1في أ " :المقتتلين".
) (2صحيح البخاري برقم ).(2704
) (3في ت ،م " :إلى أمر الله ورسوله".
) (4صحيح البخاري برقم ).(2443
) (5المسند ) (3/157وصحيح البخاري برقم ) (2691وصحيح مسلم برقم )
.(1799
) (6في أ " :يزيد".
) (7/374
الية .فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلح بينهم ،وفاءوا
إلى أمر الله.
ّ ُ َ ْ َ
ب
ح ّه يُ ِ
ن الل َ سطوا إ ِ ّ ل وَأقْ ِ ما ِبالعَد ْ ِحوا ب َي ْن َهُ َ ت فَأ ْ
صل ِ ُ ن َفاَء ْ وقوله } :فَإ ِ ْ
ن { أي :اعدلوا بينهم فيما كان أصاب بعضهم لبعض ،بالقسط ، طي َ
س ِق ِ ال ْ ُ
م ْ
ن{ طي َ
س ِ ق ِ م ْ ب ال ْ ُ ح ّ ن الل ّ َ
ه يُ ِ وهو العدل } ،إ ِ ّ
عة ،حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو ُزْر َ
مر ،عن الزهري ،عن سعيد بن المسيب )، (1 معْ َحدثنا عبد العلى ،عن َ
عن عبد الله بن عمرو ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن
المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين يدي الرحمن ،بما أقسطوا في
الدنيا".
ورواه النسائي ) (2عن محمد بن المثنى ،عن عبد العلى ،به ) .(3وهذا
إسناده جيد قوي ،رجاله على شرط الصحيح.
وحدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد ،حدثنا سفيان بن عيينة ،عن عمرو بن
دينار ،عن عمرو بن أوس ،عن عبد الله بن عمرو ،عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " :المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور على
يمين العرش ،الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما وَُلوا".
ورواه مسلم والنسائي ،من حديث سفيان بن عيينة ،به ).(4
خوَة ٌ { أي :الجميع إخوة في الدين ،كما قال ن إِ ْ مُنو َ ما ال ْ ُ
مؤ ْ ِ وقوله } :إ ِن ّ َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول
يسلمه" ) .(5وفي الصحيح " :والله في عون العبد ما كان العبد في عون
أخيه" ) .(6وفي الصحيح أيضا " :إذا دعا المسلم لخيه بظهر الغيب قال
الملك :آمين ،ولك بمثله" ) .(7والحاديث في هذا كثيرة ،وفي الصحيح :
"مثل المؤمنين في َتواّدهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد ،إذا
سَهر" .وفي الصحيح مى وال ّ ح ّاشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بال ُ
أيضا " :المؤمن للمؤمن كالبنيان ،يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه ).(8
وقال أحمد :حدثنا أحمد بن الحجاج ،حدثنا عبد الله ،أخبرنا مصعب بن ثابت
،حدثني أبو حازم قال :سمعت سهل بن سعد الساعدي يحدث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن المؤمن من أهل اليمان بمنزلة الرأس
من الجسد ،يألم المؤمن لهل اليمان ،كما يألم الجسد لما في الرأس" )
.(9تفرد به ول بأس بإسناده.
__________
) (1في ت " :وروى ابن أبي حاتم بسنده".
) (2في ت " :مسلم".
) (3النسائي في السنن الكبرى برقم ).(5917
) (4صحيح مسلم برقم ) (1827وسنن النسائي ).(8/321
) (5رواه البخاري في صحيحه برقم ) (2442ومسلم في صحيحه برقم )
(2580من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
) (6صحيح مسلم برقم ) (2699من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
) (7صحيح مسلم برقم ) (2732من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
) (8صحيح البخاري برقم ) (6011وصحيح مسلم برقم ) (2586من حديث
النعمان بن بشير رضي الله عنه.
) (9المسند ) (5/340وقال الهيثمي في المجمع )" : (8/187رجال أحمد
رجال الصحيح".
) (7/375
) (7/376
ن{
مو َ م ال ّ
ظال ِ ُ أي :من هذا } فَُأول َئ ِ َ
ك هُ ُ
) (7/377
) (7/377
) (7/378
أفسدهم" ).(1
سوا { أي :على بعضكم بعضا .والتجسس غالبا س ُج ّ
]وقوله[ َ } (2) :ول ت َ َ
يطلق في الشر ،ومنه الجاسوس .وأما التحسس فيكون غالبا في الخير ،
ي
السلم[ ) (3أنه قال َ } :يا ب َن ِ ّ كما قال تعالى إخبارا عن يعقوب ]عليه
َ
ّ
ن َروِْح اللهِ { ]يوسف : م ْ
سوا ِ ف وَأ َ ِ
خيهِ َول ت َي ْأ ُ س َن ُيو ُ م ْ
سوا ِ
س ُ اذ ْهَُبوا فَت َ َ
ح ّ
، [87وقد يستعمل كل منهما في الشر ،كما ثبت في الصحيح أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " :ل تجسسوا ،ول تحسسوا ،ول تباغضوا ،
ول تدابروا ،وكونوا عباد الله إخوانا" ).(4
وقال الوزاعي :التجسس :البحث عن الشيء .والتحسس :الستماع إلى
صْرم. حديث القوم وهم له كارهون ،أو يتسمع على أبوابهم .والتدابر :ال ّ
رواه ابن أبي حاتم.
ضا { فيه نهي عن الغيبة ،وقد فسرها الشارع م ب َعْ ًضك ُ ْب ب َعْ ُ وقوله َ } :ول ي َغْت َ ْ
قعْن َِبي ،حدثنا عبد العزيز كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود :حدثنا ال َ
بن محمد ،عن العلء ،عن أبيه ،عن أبي هريرة ) (5قال :قيل :يا رسول
الله ،ما الغيبة ؟ قال " :ذكرك أخاك بما يكره" .قيل :أفرأيت إن كان في
أخي ما أقول ؟ قال " :إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ،وإن لم يكن فيه ما
تقول فقد بهته".
ورواه الترمذي عن قتيبة ،عن الد َّراوَْردي ،به ) .(6وقال :حسن صحيح.
در ،عن شعبة ،عن العلء ) .(7وهكذا قال دار ،عن غُن ْ َ ورواه ابن جرير عن ب ُن ْ َ
ابن عمر ،ومسروق ،وقتادة ،وأبو إسحاق ،ومعاوية بن قُّرة.
دد ،حدثنا يحيى ،عن سفيان ،حدثني علي بن س ّم َ وقال ) (8أبو داود :حدثنا ُ
القمر ،عن أبي حذيفة ،عن عائشة قالت :قلت للنبي صلى الله عليه
وسلم :حسبك من صفية كذا وكذا! -قال غير مسدد :تعني قصيرة -فقال :
ت بماء البحر لمزجته" .قالت :وحكيت له إنسانا ، ج ْ مزِ َ "لقد قلت كلمة لو ُ
فقال صلى الله عليه وسلم " :ما أحب أني حكيت إنساًنا ،وإن لي كذا
وكذا".
كيع ،مهْدِيّ ،ووَ ِ
قطان ،وعبد الرحمن بن َ ّ ورواه الترمذي من حديث يحيى ال َ
ثلثتهم عن سفيان الثوري ،عن علي بن القمر ،عن أبي حذيفة سلمة بن
صهيبة الرحبي ،عن عائشة ،به .وقال :حسن صحيح ).(9
وقال ابن جرير :حدثني ابن أبي الشوارب :حدثنا عبد الواحد بن زياد ،حدثنا
سليمان الشيباني ،حدثنا حسان بن المخارق ) (10؛ أن امرأة دخلت على
عائشة ،فلما قامت لتخرج أشارت عائشة بيدها
__________
) (1سنن أبي داود برقم ).(4889
) (2زيادة من ت.
) (3زيادة من ت.
) (4صحيح البخاري برقم ).(2442
) (5في ت " :أبي هريرة رضي الله عنه".
) (6سنن أبي داود برقم ) (4874وسنن الترمذي برقم ).(1935
) (7تفسير الطبري ).(26/86
) (8في ت " :وروى".
) (9سنن أبي داود برقم ) (4875وسنن الترمذي برقم ).(2503 ، 2502
) (10في ت " :وروى ابن جرير بسنده".
) (7/379
إلى النبي صلى الله عليه وسلم -أي :إنها قصيرة -فقال النبي صلى الله
عليه وسلم " :اغتبتيها" ).(1
والغيبة محرمة بالجماع ،ول يستثنى من ذلك إل ما رجحت مصلحته ،كما
في الجرح والتعديل والنصيحة ،كقوله صلى الله عليه وسلم ) ، (2لما
استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر " :ائذنوا له ،بئس أخو العشيرة" )، (3
وكقوله لفاطمة بنت قيس -وقد خطبها معاوية وأبو الجهم " : -أما معاوية
فصعلوك ) ، (4وأما أبو الجهم فل يضع عصاه عن عاتقه" ) .(5وكذا ما جرى
مجرى ذلك .ثم بقيتها على التحريم الشديد ،وقد ورد فيها الزجر الكيد ) (6؛
بح ّ ولهذا شبهها تعالى بأكل اللحم من النسان الميت ،كما قال تعالى } :أ َي ُ ِ
موه ُ { ؟ أي :كما تكرهون هذا طبعا ، مي ًْتا فَك َرِهْت ُ ُ
خيهِ َم أَ ِ
ح َ ن ي َأ ْك ُ َ
ل لَ ْ
أ َحدك ُ َ
مأ َْ ُ ْ
فاكرهوا ذاك شرعا ؛ فإن عقوبته أشد من هذا وهذا من التنفير عنها والتحذير
منها ،كما قال ،عليه السلم ،في العائد في هبته " :كالكلب يقيء ثم يرجع
في قيئه" ،وقد قال " :ليس لنا مثل السوء" .وثبت في الصحاح )(7
والحسان والمسانيد من غير وجه أنه ،عليه السلم ،قال في خطبة ]حجة[ )
(8الوداع " :إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ،كحرمة يومكم
هذا ،في شهركم هذا ،في بلدكم هذا" ).(9
وقال ) (10أبو داود :حدثنا واصل بن عبد العلى ،حدثنا أسباط بن محمد ،
عن هشام بن سعد ،عن زيد بن أسلم ،عن أبي صالح ،عن أبي هريرة
قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :كل المسلم على المسلم
حرام :ماله وعرضه ودمه ،حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم".
ورواه الترمذي ) (11عن عبيد بن أسباط بن محمد ،عن أبيه ،به ).(12
وقال :حسن غريب.
وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ) ، (13حدثنا السود بن عامر ،حدثنا أبو بكر بن
عياش ،عن العمش ،عن سعيد بن عبد الله ) (14بن جريج ،عن أبي برزة
السلمي قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يا معشر من آمن
بلسانه ولم يدخل اليمان قلبه ،ل تغتابوا المسلمين ،ول تتبعوا عوراتهم ،
فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته".
تفرد به أبو داود ) .(15وقد روي من حديث البراء بن عازب ،فقال الحافظ
أبو يعلى في مسنده :حدثنا إبراهيم بن دينار ،حدثنا مصعب بن سلم ،عن
حمزة بن حبيب الزيات ،عن أبي إسحاق
__________
) (1تفسير الطبري ).(26/87
) (2في ت " :عليه السلم".
) (3رواه البخاري في صحيحه برقم ) (3132من حديث عائشة رضي الله
عنها.
) (4في أ " :فصعلوك ل مال له".
) (5رواه مسلم في صحيحه برقم ).(1480
) (6في ت ،م " :الشديد".
) (7في ت ،م " :الصحيح".
) (8زيادة من ت ،م ،أ.
) (9رواه مسلم في صحيحه برقم ) (1218من حديث جابر رضي الله عنه.
) (10في ت " :وروى".
) (11في ت " :رواه الترمذي وحسنه".
) (12سنن أبي داود برقم ) (4882وسنن الترمذي برقم ).(1927
) (13في ت " :وروى أبو داود".
) (14في أ " :عبيد الله".
) (15سنن أبي داود برقم ).(4880
) (7/380
سِبيعي ) ، (1عن البراء بن عازب ) (2قال :خطبنا رسول الله صلى الله ال ّ
عليه وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتها -أو قال :في خدورها -فقال " :يا
معشر من آمن بلسانه ،ل تغتابوا المسلمين ،ول تتبعوا عوراتهم ،فإنه من
يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته ،ومن يتبع الله عورته يفضحه ) (3في جوف
بيته" ).(4
طريق أخرى عن ابن عمر :قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم السماعيلي :
أخبرنا عبد الله بن ناجية ،حدثنا يحيى بن أكثم ،حدثنا الفضل بن موسى
الشيباني ،عن الحسين بن واقد ،عن أوفى بن د َل َْهم ،عن نافع ،عن ابن
عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :يا معشر من آمن بلسانه
ن إلى قلبه ،ل تغتابوا المسلمين ،ول تتبعوا عوراتهم ؛ فإنه ض اليما ُف ِولم ي ُ ْ
من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ،ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو
في جوف رحله" .قال :ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال :ما أعظمك
م حرمة عند الله منك ).(5 وأعظم حرمتك ،وللمؤمن أعظ ُ
قّية ،عن ابن ثوبان ،عن أبيه ، شَرْيح ،حدثنا ب َ ِ وة بن ُ حي ْ َ
قال أبو داود :وحدثنا َ
عن مكحول ،عن وقاص بن ربيعة ،عن المستورد ؛ أنه حدثه :أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " :من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه
كسى ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله مثلها في ) (6جهنم ) ، (7ومن ُ
في ) (8جهنم .ومن قام برجل مقام سمعةٍ ورياء فإن الله يقوم به مقام
سمعة ورياء يوم القيامة" .تفرد به أبو داود ).(9
وحدثنا ابن مصفى ،حدثنا بقية وأبو المغيرة قال حدثنا صفوان ،حدثني راشد
بن سعد وعبد الرحمن بن جبير ،عن أنس بن مالك قال :قال رسول الله
رج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ، صلى الله عليه وسلم " :لما عُ ِ
يخمشون وجوههم وصدورهم ،قلت :من هؤلء يا جبرائيل ) (10؟ قال :
هؤلء الذين يأكلون لحوم الناس ،ويقعون في أعراضهم".
تفرد به أبو داود ،وهكذا رواه المام أحمد ،عن أبي المغيرة عبد القدوس بن
الحجاج الشامي ،به ).(11
وقال ) (12ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا أحمد بن عبدة ،حدثنا أبو عبد
الصمد بن عبد العزيز ابن عبد الصمد العمي ،حدثنا أبو هارون العَْبديّ ،عن
أبي سعيد الخدري ]رضي الله عنه[ ) (13قال :قلنا يا رسول الله ،حدثنا ما
رأيت ليلة أسريَ بك ؟ ...قال " :ثم انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير ،
ذون منه كل بهم رجال يعمدون إلى عُْرض جَنب أحدهم فَي َ ْ
ح ُ مو َ ّ
رجال ونساء ُ
ي أحدهم ،فيقال له " :كل كما )(14 حذ َْوة من مثل النعل ثم يضعونه في ف ّ ال ُ
أكلت" ،وهو يجد من أكله الموت -يا
__________
) (1في ت " :وروى الحافظ أبو يعلى في مسنده بسنده".
) (2في ت " :البراء بن عازب رضي الله عنه".
) (3في ت " :يفضحه ولو في".
) (4مسند أبي يعلى ) (3/237قال الهيثمي في المجمع )" : (8/93رجاله
ثقات".
) (5ورواه الترمذي في السنن برقم ) (2032من طريق الفضل بن موسى
به ،وقال " :هذا حديث حسن غريب ل نعرفه إل من حديث الحسين بن
واقد".
) (6في ت ،م ،أ " :من".
) (7في ت " :في نار جهنم".
) (8في أ " :من".
) (9سنن أبي داود برقم ).(4881
) (10في ت ،م " :جبريل".
) (11سنن أبي داود برقم ) ، (4878والمسند ).(3/224
) (12في ت " :وروى".
) (13زيادة من ت.
) (14في ت " :ما".
) (7/381
محمد -لو يجد الموت وهو يكره عليه فقلت :يا جبرائيل ) ، (1من هؤلء :
م ُ َ مازون أصحاب النميمة .فيقال ) } : (2أ َي ُ ِ
حد ُك ْ بأ َ ح ّ مازون الل ّ قال :هؤلء اله ّ
موه ُ { وهو يكره على أكل لحمه. َ
مي ًْتا فَكرِهْت ُ ُ م أَ ِ
خيهِ َ ح َل لَ ْن ي َأ ْك ُ َ
أ ْ
َ
هكذا أورد هذا الحديث ،وقد سقناه بطوله في أول تفسير "سورة سبحان"
ولله الحمد ).(3
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده :حدثنا الربيع ،عن يزيد ،عن أنس ؛ أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يصوموا يوما ول يفطرن أحد ٌ
حتى آذن له .فصام الناس ،فلما أمسوا جعل الرجل يجيء إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيقول :ظللت منذ اليوم صائما ،فائذن لي .فأفطر
فيأذن له ،ويجيء الرجل فيقول ذلك ،فيأذن له ،حتى جاء رجل فقال :يا
رسول الله ،إن فتاتين من أهلك ظلتا منذ اليوم صائمتين ،فائذن لهما
فَْليفطرا فأعرض عنه ،ثم أعاد ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ما صامتا ،وكيف صام من ظل يأكل لحوم الناس ؟ اذهب ،فمرهما إن كانتا
ة فأتى ق ً ة عل َصائمتين أن يستقيئا" .ففعلتا ،فقاءت كل واحدة منهما عََلق ً
النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ،فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :لو ماتتا وهما فيهما لكلتهما النار" ).(4
إسناد ضعيف ،ومتن غريب .وقد رواه الحافظ البيهقي من حديث يزيد بن
هارون :حدثنا سليمان التيمي قال :سمعت رجل يحدث في مجلس أبي
دي عن عبيد -مولى رسول الله ) - (5أن امرأتين صامتا على عهد عثمان الن ّهْ ِ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأن رجل أتى رسول الله فقال :يا رسول
الله ،إن هاهنا امرأتين صامتا ،وإنهما كادتا تموتان من العطش -أَراه ُ قال :
بالهاجرة -فأعرض عنه -أو :سكت عنه -فقال :يا نبي الله ،إنهما -والله
قد ماتتا أو كادتا تموتان ) .(6فقال :ادعهما .فجاءتا ،قال :فجيء بقدح -أو
س -فقال لحداهما " :قيئي" فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت عُ ّ
نصف القدح .ثم قال للخرى :قيئي فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما ودما
عبيطا وغيره حتى ملت القدح .فقال :إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما ،
وأفطرتا على ما حرم الله عليهما ،جلست إحداهما إلى الخرى فجعلتا
تأكلن لحوم الناس.
وهكذا قد رواه المام أحمد عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي ،كلهما عن
سليمان بن ط ِْرخان التيمي ،به مثله أو نحوه ) .(7ثم رواه أيضا من حديث
طان ،عن عثمان بن غياث ،حدثني رجل أظنه في ق ّدد ،عن يحيى ال َ س ّ م َُ
حلقة أبي عثمان ،عن سعد -مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم -أنهم
أمروا بصيام ،فجاء رجل في نصف النهار فقال :يا رسول الله ،فلنة وفلنة
قد بلغتا الجهد .فأعرض عنه مرتين أو ثلثا ،ثم قال " :ادعهما" .فجاء بُعس -
ما عبيطا وقيحا ،وقال
ما ود ً دح -فقال لحداهما " :قيئي" ،فقاءت ل َ ْ
ح ً أو :قَ َ
للخرى مثل ذلك ،فقال " :إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما ،وأفطرتا
على ما حرم الله عليهما ،أتت إحداهما للخرى فلم تزال تأكلن لحوم الناس
حتى امتلت أجوافهما
__________
) (1في ت ،م " :جبريل".
) (2في أ " :فقال".
) (3عند الية الولى.
) (4مسند الطيالسي برقم ).(2107
) (5في ت ،م " :رسول الله صلى الله عليه وسلم".
) (6في ت " :أن تموتا".
) (7المسند ) (5/431ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم ) (171من
طريق يزيد بن هارون عن سليمان التيمي به.
) (7/382
قيحا" ).(1
وقال البيهقي :كذا قال "عن سعد" ،والول -وهو عبيد -أصح.
خَلد ،حدثنا أبي أبو
م ْ
وقال الحافظ أبو يعلى :حدثنا عمرو بن الضحاك بن َ
م لبي هريرة أن جَرْيج ،أخبرني أبو الزبير ) (2عن ابن عَ ّعاصم ،حدثنا ابن ُ
ماعًزا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله ،إني
قد زنيت فأعرض عنه -قالها أربعا -فلما كان في الخامسة قال " :زنيت" ؟
قال :نعم .قال " :وتدري ما الزنا ؟" قال :نعم ،أتيت منها حراما ما يأتي
الرجل من امرأته حلل .قال " :ما تريد إلى هذا القول ؟" قال :أريد أن
تطهرني .قال :فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أدخلت ذلك منك
ميل في المكحلة والّرشاء ) (3في البئر ؟" .قال : في ذلك منها كما يغيب ال ِ
نعم ،يا رسول الله .قال :فأمر برجمه فرجم ،فسمع النبي صلى الله عليه
وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه :ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم
م رجم الكلب .ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى تدعه نفسه حتى ُرج َ
مّر بجيفة حمار فقال :أين فلن وفلن ؟ أنزل فكل من جيفة هذا الحمار" قال َ
غفر الله لك يا رسول ،الله وهل ُيؤكل هذا ؟ قال " :فما نلتما من أخيكما )
(4آنفا أشد أكل من ،والذي نفسي بيده ،إنه الن لفي أنهار الجنة ينغمس
فيها" )[ (5إسناده صحيح[ ).(6
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الصمد ،حدثني أبي ،حدثنا واصل -مولى ابن
طة ،عن طلحة بن نافع ،عن جابر بن عبد الله عيينة -حدثني خالد بن عُْرفُ َ
قال :كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح جيفة منتنة ،فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أتدرون ما هذه الريح ؟ هذه ريح الذين
يغتابون المؤمنين ).(8) " (7
حميد في مسنده :حدثنا إبراهيم بن الشعث ، طريق أخرى :قال عبد بن ُ
فضيل بن عياض ،عن سليمان ،عن أبي سفيان -وهو طلحة بن نافع حدثنا ال ُ
-عن جابر قال :كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فهاجت ريح
منتنة ) ، (9فقال النبي صلى الله عليه وسلم " :إن نفًرا من المنافقين
اغتابوا ناسا من المسلمين ،فلذلك بعثت هذه الريح" وربما قال " :فلذلك
هاجت هذه الريح" ).(10
مي ًْتا { :زعم أن َ َ َ ُ ْ َ ُ َ َ
خيهِ َ
مأ ِح َ
ن ي َأكل ل ْ
مأ ْحد ُك ْ
بأ َ ح ّ
وقال السدي في قوله } :أي ُ ِ
سلمان الفارسي كان مع رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في
سفر يخدمهما ويخف لهما ،وينال من طعامهما ،وأن سلمان لما سار الناس
ذات يوم وبقي سلمان نائما ،لم يسر معهم ،فجعل صاحباه يكلمانه )(11
خباء فقال ما يريد سليمان -أو :هذا العبد -شيئا غير فلم يجداه ،فضربا ال ِ
هذا :أن يجيء إلى طعام مقدور ،وخباء مضروب! فلما جاء سلمان أرسله
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب لهما إداما ،فانطلق فأتى
رسول
__________
) (1المسند ).(5/431
) (2في ت " :وروى الحافظ أبو يعلى بمسنده".
) (3في ت ،م ،أ " :والعصا".
) (4في ت " :من عرض أخيكما".
) (5مسند أبي يعلى ) (6/524ورواه البيهقي في السنن الكبرى )(8/227
من طريق عمرو بن الضحاك به ؛ ورواه أبو داود في السنن برقم )(4429
من طريق الضحاك به.
) (6زيادة من ت.
) (7في ت ،أ " :الناس".
) (8المسند ) (3/351قال الهيثمي في المجمع )" : (8/91رجاله ثقات".
) (9في م " :ريح شديدة منتنة".
) (10المنتخب برقم ).(1026
) (11في م " :يكلماه".
) (7/383
دح له ،فقال :يا رسول الله ،بعثني الله ]صلى الله عليه وسلم[ ) (1ومعه قَ َ
مهم إن كان عندك ؟ قال " :ما يصنع أصحابك بالْدم ؟ قد أصحابي ِلتؤدِ َ
ائتدموا" .فرجع سلمان يخبرهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فانطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ل والذي بعثك بالحق
،ما أصبنا طعاما منذ نزلنا .قال " :إنكما قد ائتدمتما بسلمان بقولكما".
مي ًْتا { ،إنه كان نائما ).(2 م أَ ِ
خيهِ َ ح َ ن ي َأ ْك ُ َ
ل لَ ْ
حب أ َحدك ُ َ
مأ ْ
َ
قال :ونزلت } :أي ُ ِ ّ َ ُ ْ
حّبان بنوروى الحافظ الضياء المقدسي في كتابه "المختارة" من طريق َ
هلل ،عن حماد بن سلمة ،عن ثابت ،عن أنس بن مالك قال :كانت العرب
تخدم بعضها بعضا في السفار ،وكان مع أبي بكر وعمر ما رجل يخدمهما ،
فناما فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعاما ،فقال إن هذا لنؤوم ،فأيقظاه ،فقال
له :ائت رسول الله فقل له :إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلم ،
ويستأدمانك.
فقال " :إنهما قد ائتدما" فجاءا فقال يا رسول الله ،بأي شيء ائتدمنا ؟ فقال
" :بلحم أخيكما ،والذي نفسي بيده ،إني لرى لحمه بين ثناياكما" .فقال
مَراه فليستغفر لكما" ).(3 استغفر لنا يا رسول الله فقال ُ " :
وقال ) (4الحافظ أبو يعلى :حدثنا الحكم بن موسى ،حدثنا محمد بن مسلم
،عن محمد بن إسحاق ،عن عمه موسى بن َيسار ،عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :من أكل من لحم أخيه في الدنيا ،
حّيا .قال :فيأكله قُّرب له لحمه في الخرة ،فيقال له :كله َ
مي ًْتا كما أكلته َ
وي َك َْلح ويصيح" .غريب جدا ).(5
ه { أي :فيما أمركم به ونهاكم عنه ،فراقبوه في ذلك قوا الل ّ َ وقوله َ } :وات ّ ُ
م { أي :تواب على من تاب إليه ،رحيم حي ٌ
ب َر ِوا ٌ ن الل ّ َ
ه تَ ّ واخشوا منه } ،إ ِ ّ
بمن رجع إليه ،واعتمد عليه.
قال الجمهور من العلماء :طريق المغتاب للناس في توبته أن ُيقلع ) (6عن
ذلك ،ويعزم على أل يعود .وهل يشترط الندم على ما فات ؟ فيه نزاع ،وأن
يتحلل من الذي اغتابه .وقال آخرون :ل يشترط أن يتحلله فإنه إذا )(7
أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه ،فطريقه إًذا أن
يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها ،وأن يرد عنه الغيبة
بحسبه وطاقته ،فتكون ) (8تلك بتلك ،كما قال ) (9المام أحمد :
حدثنا أحمد بن الحجاج ،أخبرنا عبد الله ،أخبرنا يحيى بن أيوب ،عن عبد
الله بن سليمان ؛ أن إسماعيل بن يحيى المَعاِفريّ أخبره أن سهل بن معاذ
ي أخبره ،عن أبيه ،عن ) (10النبي جهَن ِ ّ بن أنس ال ُ
__________
) (1زيادة من ت.
) (2رواه ابن أبي حاتم في تفسيره كما في الدر المنثور ).(7/570
) (3المختارة برقم ).(1697
) (4في ت " :وروى".
) (5ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )" (4961مجمع البحرين"
من طريق محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق به ،وقال :لم يروه عن
ابن إسحاق إل محمد بن سلمة وقد وقع هنا "محمد بن مسلم" وأظنه
تصحيفا ،لكني ل أستطيع الجزم بذلك قال الهيثمي في المجمع ): (8/92
"فيه ابن إسحاق وهو مدلس ومن لم أعرفه".
) (6في م " :يرجع".
) (7في ت " :لو".
) (8في ت " :لتكون".
) (9في ت " :روى".
) (10في ت " :أن".
) (7/384
ُ َ
ل ل ِت ََعاَرُفوا إ ِ ّ
ن شُعوًبا وَقََبائ ِ َ جعَل َْناك ُ ْ
م ُ ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َم ْم ِقَناك ُ ْخل َ ْ س إ ِّنا َ
َيا أي َّها الّنا ُ
خِبيٌر )(13 م َه عَِلي ٌ ن الل ّ َ
م إِ ّ عن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ
قاك ُ ْ مك ُ ْ
م ِ َ
أك َْر َ
صلى الله عليه وسلم قال " :من حمى مؤمنا من منافق يعيبه ) ، (1بعث الله
إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم .ومن رمى مؤمنا بشيء يريد
شينه ،حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال" .وكذا رواه أبو داود
من حديث عبد الله -وهو ابن المبارك -به بنحوه ).(2
وقال ) (3أبو داود أيضا :حدثنا إسحاق بن الصباح ،حدثنا ابن أبي مريم ،
أخبرنا الليث :حدثني يحيى بن سليم ؛ أنه سمع إسماعيل بن بشير يقول :
سمعت جابر بن عبد الله ،وأبا طلحة بن سهل النصاري يقولن :قال )(4
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ما من امرىء يخذل امرأ مسلما في
موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه ،إل خذله الله في مواطن
يحب فيها نصرته .وما من امرئ ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من
عرضه ،وينتهك فيه من حرمته ) ، (5إل نصره الله في مواطن يحب فيها
نصرته" .تفرد به أبو داود ).(6
ْ ُ خل َ ْ َ
ل ل ِت ََعاَرُفوا شُعوًبا وَقََبائ ِ َ م ُ جعَلَناك ُ ْن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ م ْ م ِ قَناك ُ ْ س إ ِّنا َ } َيا أي َّها الّنا ُ
خِبيٌر ){ (13 م َ ه عَِلي ٌ ن الل ّ َ م إِ ّ قاك ُ ْعن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َم ِ مك ُ ْ
إ َ
ن أك َْر َ
ِ ّ
يقول تعالى مخبًرا للناس أنه خلقهم من نفس واحدة ،وجعل منها زوجها ،
وهما آدم وحواء ،وجعلهم شعوبا ،وهي أعم من القبائل ،وبعد القبائل
مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والفخاذ وغير ذلك.
جم ،وبالقبائل بطون العرب ،كما أن وقيل :المراد بالشعوب بطون العَ َ
السباط بطون بني إسرائيل .وقد لخصت هذا في مقدمة مفردة جمعتها من
كتاب " :النباه" لبي عمر ) (7بن عبد البر ،ومن كتاب "القصد والمم ،في
معرفة أنساب العرب والعجم" .فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية
إلى آدم وحواء سواء ،وإنما يتفاضلون بالمور الدينية ،وهي طاعة الله
ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة
ضا ،منبها على تساويهم في البشرية َ } :يا أ َي َّها واحتقار بعض الناس بع ً
ُ
ل ل ِت ََعاَرُفوا { أي : شُعوًبا وَقََبائ ِ َ م ُ جعَل َْناك ُ ْ
ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ م ْ م ِ قَناك ُ ْخل َ ْ
س إ ِّنا َالّنا ُ
ل يرجع إلى قبيلته. ليحصل التعارف بينهم ،ك ٌ
وقال مجاهد في قوله } :ل ِت ََعاَرُفوا { ،كما يقال :فلن بن فلن من كذا وكذا
،أي :من قبيلة كذا وكذا.
خاليفها ،وكانت عرب م َ مير ينتسبون إلى ُ ح ْ وقال سفيان الثوري :كانت ِ
الحجاز ينتسبون إلى قبائلها.
وقد قال ) (8أبو عيسى الترمذي :حدثنا أحمد بن محمد ،حدثنا عبد الله بن
المبارك ،عن عبد
__________
) (1في أ "بغيبة".
) (2المسند ) (3/441وسنن أبي داود برقم ).(4883
) (3في ت " :وروى".
) (4في ت " :أن".
) (5في أ " :عرضه".
) (6سنن أبي داود برقم ).(4884
) (7في م " :عمرو".
) (8في ت " :وروى".
) (7/385
الملك بن عيسى الثقفي ،عن يزيد -مولى المنبعث -عن أبي هريرة ،عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " :تعلموا من أنسابكم ما تصلون به
أرحامكم ؛ فإن صلة الرحم محبة في الهل ،مثراة في المال ،منسأة في
الثر" .ثم قال :غريب ،ل نعرفه إل من هذا الوجه ).(1
م { أي :إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى عن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ
قاك ُ ْ مك ُ ْ
م ِ وقوله } :إ َ
ن أك َْر َ
ِ ّ
ل بالحساب .وقد وردت الحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم :
قال ) (2البخاري رحمه الله :حدثنا محمد بن سلم ،حدثنا عبدة ،عن عبيد
الله ،عن سعيد بن أبي سعيد ،عن أبي هريرة قال :سئل رسول الله صلى
الله عليه وسلم :أي الناس أكرم ؟ قال " :أكرمهم عند الله أتقاهم" قالوا :
ليس عن هذا نسألك .قال " :فأكرم الناس يوسف نبي الله ،ابن نبي الله ،
ابن خليل الله" .قالوا :ليس عن هذا نسألك .قال " :فعن معادن العرب
تسألوني ؟" قالوا :نعم .قال " :فخياركم في الجاهلية خياركم في السلم
إذا فَ ِ
قُهوا" ).(3
وقد رواه البخاري في غير موضع من طرق عن عبدة بن سليمان ) .(4ورواه
النسائي في التفسير من حديث عبيد الله -وهو ابن عمر العمري -به ).(5
حديث آخر :قال مسلم ) ، (6رحمه الله :حدثنا عمرو الناقد ،حدثنا ك َِثير بن
هشام ،حدثنا جعفر بن برقان ،عن يزيد بن الصم ،عن أبي هريرة ) (7قال
:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن الله ل ينظر إلى صوركم
وأموالكم ،ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
ورواه ابن ماجه عن أحمد بن سنان ،عن ك َِثير بن هشام ،به ).(8
حديث آخر :وقال ) (9المام أحمد :حدثنا وكيع ،عن أبي هلل ،عن بكر ،
عن أبي ذر قال :إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له " :انظر ،فإنك
لست بخير من أحمر ول أسود إل أن تفضله بتقوى ) .(10تفرد به أحمد )
.(11
حديث آخر :وقال ) (12الحافظ أبو القاسم الطبراني :حدثنا أبو عبيدة عبد
جَبلة ،حدثنا الوارث بن إبراهيم العسكري ،حدثنا عبد الرحمن بن عمرو بن َ
صرِيّ ،يحدث خَراش العَ َ
عبيد بن حنين الطائي ،سمعت محمد بن حبيب بن ِ
عن أبيه :أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ): (13
المسلمون إخوة ،ل
__________
) (1سنن الترمذي برقم ).(1979
) (2في ت " :فروى".
) (3صحيح البخاري برقم ).(4689
) (4صحيح البخاري برقم ).(3383 ، 3374
) (5النسائي في السنن الكبرى برقم ).(11250
) (6في ت " :وروى".
) (7في ت " :أبي هريرة رضي الله عنه".
) (8صحيح مسلم برقم ) (2564وسنن ابن ماجه برقم ).(4143
) (9في ت " :وروى".
) (10في ت " :بتقوى الله".
) (11المسند ).(5/158
) (12في ت " :وروى".
) (13في ت " :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال".
) (7/386
فضل لحد على أحد إل بالتقوى" )(1
حديث آخر :قال ) (2أبو بكر البزار في مسنده :حدثنا أحمد بن يحيى
الكوفي ،حدثنا الحسن بن الحسين ،حدثنا قيس -يعني ابن الربيع -عن
دة ) ، (3عن المستظل بن حصين ،عن حذيفة ) (4قال :قال شبيب بن غَْرقَ َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :كلكم بنو آدم .وآدم خلق من تراب ،
جْعلن". ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ،أو ليكونن أهون على الله من ال ِ
ثم قال :ل نعرفه عن حذيفة إل من هذا الوجه ).(5
حديث آخر :قال ) (6ابن أبي حاتم :حدثنا الربيع بن سليمان ،حدثنا أسد بن
موسى ،حدثنا يحيى بن زكريا القطان ،حدثنا موسى بن عبيدة ،عن عبد
الله بن دينار ،عن ابن عمر قال :طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم
صواء يستلم الركان ) (7بمحجن في يده ،فما ق ْ
يوم فتح مكة على ناقته ال َ
خا في المسجد حتى نزل صلى الله عليه وسلم على أيدي الرجال وجد لها منا ً
،فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت .ثم إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم خطبهم على راحلته ،فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ) (8ثم قال
" :يا أيها الناس ،إن الله قد أذهب عنكم عُّبية الجاهلية وتعظمها بآبائها ،
فالناس رجلن :رجل بر تقي كريم على الله ،وفاجر شقي هين على الله.
ُ َ
شُعوًبام ُجعَل َْناك ُ ْن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ م ْم ِ قَناك ُ ْ خل َ ْ
س إ ِّنا َ إن الله يقول َ } :يا أي َّها الّنا ُ
خِبيٌر { ثم قال : م َ ن الل ّ َ
ه عَِلي ٌ م إِ ّقاك ُ ْعن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ
م ِ مك ُ ْ
ل ل ِتعارُفوا إ َ
ن أك َْر َ ِ ّ وَقََبائ ِ َ َ َ َ
"أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم".
خَلد ،عن موسى م ْهكذا ) (9رواه عبد بن حميد ،عن أبي عاصم الضحاك بن َ
بن عبيدة ،به ).(10
حديث آخر :قال ) (11المام أحمد :حدثنا يحيى بن إسحاق ،حدثنا ابن
ل َِهيعة ،عن الحارث بن يزيد ،عن علي بن رباح ،عن عقبة بن عامر ؛ أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن أنسابكم هذه ليست بمسبة على
ف الصاع لم يملؤه ،ليس لحد على أحد فضل إل بدين أحد ،كلكم بنو آدم ط َ ّ
شا". وتقوى ،وكفى بالرجل أن يكون ب َذِّيا بخيل فاح ً
َ
وقد رواه ابن جرير ،عن يونس ،عن ابن وهب ،عن ابن لِهيعة ،به )(12
مل َُئوه ،إن الله ل يسألكم عن ولفظه " :الناس لدم وحواء ،طف الصاع لم ي َ ْ
أحسابكم ول عن أنسابكم يوم القيامة ،إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
__________
) (1المعجم الكبير ) (4/25وقال الهيثمي في المجمع )" : (8/84فيه عبد
الرحمن بن عمرو بن جبلة ،وهو متروك".
) (2في ت " :وروى".
) (3في أ " :عروة".
) (4في ت " :عن حذيفة رضي الله عنه".
) (5مسند البزار برقم ) (3584وقال الهيثمي في المجمع )" : (8/86فيه
الحسن بن الحسين العرني وهو ضعيف".
) (6في ت " :وروى".
) (7في ت " :الركن".
) (8في ت ،أ " :بما هو عليه".
) (9في ت " :وهكذا".
) (10المنتخب لعبد بن حميد برقم ) (793وفيه موسى بن عبيدة الزبدي وهو
ضعيف.
) (11في ت " :وروى".
) (12المسند ) (4/158وتفسير الطبري ) (26/89قال الهيثمي في المجمع )
" : (8/84فيه ابن لهيعة وفيه لين ،وبقية رجاله وثقوا" .قلت :الراوي عنه
في رواية الطبري عبد اله بن وهب ،فهذه متابعة قوية ليحيى بن إسحاق.
) (7/387
) (7/388
يقول تعالى منكرا على العراب الذين أول ما دخلوا في السلم ادعوا
لنفسهم مقام اليمان ،ولم يتمكن اليمان في قلوبهم بعد َ } :قال َ ِ
ت
َ
ن ِفي قُُلوب ِك ُ ْ
م ما ُ ل الي َخ ِ
ما ي َد ْ ُمَنا وَل َ ّ
سل َ ْن ُقوُلوا أ ْ مُنوا وَل َك ِ ْ ل لَ ْ
م ت ُؤْ ِ مّنا قُ ْ بآ َ العَْرا ُ
{ .وقد استفيد من هذه الية الكريمة :أن اليمان أخص من السلم كما هو
مذهب أهل السنة والجماعة ،ويدل عليه حديث جبريل ،عليه السلم ،حين
سأل عن السلم ،ثم عن اليمان ،ثم عن الحسان ،فترقى من العم إلى
الخص ،ثم للخص منه.
مر ،عن الزهري ،عن معْ َقال ) (1المام أحمد :حدثنا عبد الرزاق ،أخبرنا َ
عامر بن سعد بن أبي وقاص ،عن أبيه قال :أعطى رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجال ولم يعط رجل منهم شيًئا ،فقال سعد :يا رسول الله ،
أعطيت فلًنا وفلنا ولم ُتعط فلًنا شيًئا ،وهو مؤمن ؟ فقال النبي صلى الله
عليه وسلم " :أو مسلم" حتى أعادها سعد ثلثا ،والنبي صلى الله عليه
وسلم يقول " :أو مسلم" ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " :إني لعطي
ي منهم فلم أعطيه شيًئا ؛ مخافة أن يكبوا في النار رجال وأدع من هو أحب إل ّ
على وجوههم".
أخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري ،به ).(2
فقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلم والمؤمن ،فدل على أن
اليمان أخص من السلم .وقد قررنا ذلك بأدلته في أول شرح كتاب اليمان
من "صحيح البخاري" ولله الحمد والمنة .ودل ذلك على أن ذاك الرجل كان
قا ؛ لنه تركه من العطاء ووكله إلى ما هو فيه من السلم ، مسلما ليس مناف ً
فدل هذا على ) (3أن هؤلء العراب المذكورين في هذه الية ليسوا
بمنافقين ،وإنما هم مسلمون لم يستحكم اليمان في قلوبهم ،فادعوا
لنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه ،فأدبوا في ذلك .وهذا معنى قول ابن
عباس وإبراهيم النخعي ،وقتادة ،واختاره ابن جرير .وإنما قلنا هذا لن
البخاري ،رحمه الله ،ذهب إلى أن هؤلء كانوا منافقين ُيظهرون اليمان
وليسوا كذلك .وقد روي عن سعيد بن جبير ،ومجاهد ،وابن زيد أنهم قالوا
َ
مَنا { أي :استسلمنا خوف القتل والسباء .قال سل َ ْ
ن ُقوُلوا أ ْ في قوله } :وَل َك ِ ْ
مجاهد :نزلت في بني أسد بن خزيمة .وقال قتادة :نزلت في قوم امتنوا
بإيمانهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والصحيح الول ؛ أنهم قوم ادعوا لنفسهم مقام اليمان ،ولم يحصل لهم بعد
،فأدبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد ،ولو كانوا منافقين لعنفوا
وفضحوا ،كما ذكر المنافقون في سورة براءة .وإنما قيل لهؤلء تأديًبا :
َ
م { أي :لم ن ِفي قُُلوب ِك ُ ْ ما ُ ل الي َ خ ِ ما ي َد ْ ُمَنا وَل َ ّ
سل َ ْ
ن ُقوُلوا أ ْ مُنوا وَل َك ِ ْ ل لَ ْ
م ت ُؤْ ِ } قُ ْ
تصلوا إلى حقيقة اليمان بعد.
َ َ
ً
شي ْئا [ { )(4 م] َ ُ
مال ِك ْ ن أعْ َ م ْ
م ِ ُ
ه ل ي َل ِت ْك ْ
سول ُ
ه وََر ُطيُعوا الل ّ َن تُ ِ ثم قال } :وَإ ِ ْ
ن َ َ
م ْ
م ِ
مل ِهِ ْ
ن عَ َم ْ
م ِ ما ألت َْناهُ ْ أي :ل ينقصكم من أجوركم شيئا ،كقوله } :وَ َ
يٍء { ]الطور .[21 : َ
ش ْ
م { أي :لمن تاب إليه وأناب. حي ٌفوٌر َر ِ ن الل ّ َ
ه غَ ُ وقوله } :إ ِ ّ
__________
) (1في ت " :وروى".
) (2المسند ) (1/176وصحيح البخاري برقم ) (27وصحيح مسلم برقم )
.(150
) (3في ت " :إلى".
) (4زيادة من ت.
) (7/389
مُنوا ِبالل ّهِ نآ َ ذي َمل } ال ّ ِ ن { أي :إنما المؤمنون الك ُ ّ مُنو َ مؤ ْ ِما ال ْ ُ وقوله } :إ ِن ّ َ
م ي َْرَتاُبوا { أي :لم يشكوا ول تزلزلوا ،بل ثبتوا ) (1على حال م لَ ْ سول ِهِ ث ُ ّ وََر ُ
ل بي س في م هس ُ فن َ أ و م ه ل وا مَ أب دوا ه جا و } ، المحض التصديق وهي ، واحدة
َ ِ ِ َ َ َ ُ ِ ْ َ ِِ ْ َ ْ ِ ِ ْ ِ
الل ّهِ { أي :وبذلوا مهجهم ) (2ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه ،
ن { أي :في قولهم إذا قالوا " :إنهم مؤمنون" ،ل صادُِقو َ م ال ّ ك هُ ُ } ُأول َئ ِ َ
كبعض العراب الذين ليس معهم من الدين إل الكلمة الظاهرة.
شدين ،حدثني عمرو وقال ) (3المام أحمد :حدثنا يحيى بن غيلن ،حدثنا رِ ْ
بن الحارث ،عن أبي السمح ،عن أبي الهيثم ،عن أبي سعيد ) (4قال :إن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " :المؤمنون في الدنيا على ثلثة أجزاء :
]الذين[ ) (5آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في
سبيل الله .والذي يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم .ثم الذي إذا أشرف
على طمع تركه لله ،عز وجل" ).(6
وقوله } :قُ ْ َ
م { أي :أتخبرونه ) (7بما في ضمائركم ، دين ِك ُ ْ ه بِ ِن الل ّ َ مو َ ل أت ُعَل ّ ُ
ض { أي :ل يخفى عليه مثقال ما ِفي الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َ س َ ما ِفي ال ّ م َ ه ي َعْل َ ُ } َوالل ّ ُ
ل ذرة في الرض ول في السماء ،ول أصغر من ذلك ول أكبر َ } ،والل ّ ُ
ه ب ِك ُ ّ
م {. يٍء عَِلي ٌ ش َْ
َ َ
موا { ،يعني :العراب ]الذين[ سل َ ُنأ ْ كأ ْ ن عَل َي ْ َ مّنو َ ثم قال ]تعالى[ ) } : (8ي َ ُ
) (9يمنون بإسلمهم ومتابعتهم ونصرتهم على الرسول ،يقول الله رًدا عليهم
م { ،فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ،ولله المنة مك ُ ْ سل َ ي إِ ْ مّنوا عَل َ ّ ل ل تَ ُ } :قُ ْ
َ َ ّ
ن { أي : صادِِقي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ ن إِ ْ
ما ِ م ِللي َ داك ُ ْن هَ َمأ ْ ن عَلي ْك ُ ْ م ّ ه يَ ُ ل الل ُ عليكم فيه } ،ب َ ِ
في دعواكم ذلك ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للنصار يوم حنين :
"يا معشر النصار ،ألم أجدكم ضلل فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين
فألفكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ؟" كلما قال شيًئا قالوا :الله
ن ).(10 َ
م ّ ورسوله أ َ
وقال ) (11الحافظ أبو بكر البزار :حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ،حدثنا
يحيى بن سعيد الموي ،عن محمد بن قيس ،عن أبي عون ،عن سعيد بن
جبير ،عن ابن عباس ]رضي الله عنهما[ ) (12قال :جاءت بنو أسد إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا :يا رسول الله ،أسلمنا وقاتلتك
العرب ،ولم تقاتلك ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن فقههم
ن
مّنو َ
قليل ،وإن الشيطان ينطق ) (13على ألسنتهم" .ونزلت هذه الية } :ي َ ُ
ل ل تمنوا عَل َي إسلمك ُم بل الل ّه يمن عَل َيك ُ َ ك أَ َ
داك ُ ْ
م ن هَ َ
مأ ْْ ْ ُ َ ُ ّ ّ ِ ْ َ ْ َ ِ َ ُ ّ موا قُ ْسل َ ُ نأ ْ عَل َي ْ َ ْ
ن{ صادِِقي َ م َن ك ُن ْت ُ ْن إِ ْ
ما ِ
ِللي َ
__________
) (1في ت " :تثبتوا".
) (2في ت " :مهجتهم".
) (3في ت " :وروى".
) (4في ت " :أبي سعيد رضي الله عنه".
) (5زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (6المسند ) (3/8وفي إسناده بن أبي السمح عن أبي الهيثم وهو ضعيف.
) (7في ت " :أتخبرون".
) (8زيادة من ت.
) (9زيادة من ت ،أ.
) (10رواه البخاري في صحيحه برقم ) (4330من حديث عبد الله بن زيد بن
عاصم رضي الله عنه.
) (11في ت " :وروى".
) (12زيادة من ت.
) (13في أ " :ينطق".
) (7/390
ثم قال :ل نعلمه يروى إل من هذا الوجه ،ول نعلم روى أبو عون محمد بن
عبيد الله ،عن سعيد بن جبير ،غير ) (1هذا الحديث ).(2
ثم كرر الخبار بعلمه بجميع الكائنات ،وبصره بأعمال المخلوقات فقال :
ن{مُلو َ
ما ت َعْ َ
صيٌر ب ِ َ ض َوالل ّ ُ
ه بَ ِ ت َوالْر ِ
وا ِ
م َ
س َ
ب ال ّ ه ي َعْل َ ُ
م غَي ْ َ ن الل ّ َ
} إِ ّ
آخر تفسير الحجرات ،ولله الحمد والمنة
__________
) (1في أ " :سوى".
) (2ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم ) (11519من طريق يحيى بن
سعيد الموي به.
) (7/391
تفسير سورة ق
وهي مكية.
وهذه السورة هي أول الحزب المفصل على الصحيح ،وقيل :من الحجرات.
م( فل أصل له ،ولم يقله أحد منوأما ما يقوله العامة ) : (1إنه من)عَ ّ
العلماء المعتبرين ) (2فيما نعلم .والدليل على أن هذه السورة هي أول
المفصل ما رواه أبو داود في سننه ،باب "تحزيب القرآن" ثم قال :
دد ،حدثنا قُّران بن تمام ) ،ح( وحدثنا عبد الله بن سعيد أبو سعيد
س ّ
م َ
حدثنا ُ
الشج ،حدثنا أبو خالد سليمان بن حبان -وهذا لفظه -عن عبد الله بن عبد
الرحمن بن يعلى ،عن عثمان بن عبد الله بن أوس ،عن جده -قال عبد الله
بن سعيد :حدثنيه أوس بن حذيفة -ثم اتفقا .قال :قدمنا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف ،قال :فنزلت الحلف على المغيرة بن
شعبة ،وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في ُقبة له -قال
دد :وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم س ّ
م َ
من ثقيف ،قال :كان رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ ) (3كل ليلة يأتينا
بعد العشاء يحدثنا -قال أبو سعيد :قائما على رجليه حتى يراوح بين رجليه
من طول القيام -فأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه قريش ،ثم يقول :ل
دد :بمكة -فلما خرجنا إلى مس ّ
سواء ) (4وكنا مستضعفين مستذلين -قال ُ
المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم ،ندال عليهم ويدالون علينا .فلما
كانت ليلة أبطأ ) (5عن الوقت الذي كان يأتينا فيه ،فقلنا :لقد أبطأت عنا )
(6الليلة! قال " :إنه طرأ علي حزبي من القرآن ،فكرهت أن أجيء حتى
أتمه" .قال أوس :سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم :كيف
تحزبون القرآن ؟ فقالوا :ثلث ،وخمس ،وسبع ،وتسع ،وإحدى عشرة ،
وثلث عشرة ،وحزب المفصل وحده.
ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ،عن أبي خالد الحمر ،به .ورواه
المام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي ،عن عبد الله بن عبد الرحمن ،هو
ابن ) (7يعلى الطائفي به ).(8
إذا علم هذا ،فإذا عددت ثمانيا وأربعين سورة ،فالتي بعدهن سورة "ق".
بيانه :ثلث :البقرة ،وآل عمران ،والنساء .وخمس :المائدة ،والنعام ،
والعراف ،والنفال ،وبراءة .وسبع :يونس ،وهود ،ويوسف ،والرعد ،
وإبراهيم ،والحجر ،والنحل .وتسع :سبحان ،والكهف ،ومريم ،وطه ،
والنبياء ،والحج ،والمؤمنون ،والنور ،والفرقان .وإحدى عشرة :الشعراء ،
والنمل ،والقصص ،والعنكبوت ،والروم ،ولقمان ،والم ،السجدة ،
والحزاب ،وسبأ ،وفاطر ،و يس .وثلث عشرة :الصافات ،وص ،والزمر ،
وغافر ،و حم ،السجدة ،وحم عسق ،والزخرف ،والدخان ،والجاثية ،
__________
) (1في م ،أ " :العوام".
) (2في أ " :المفسرين".
) (3زيادة من م ،أ.
) (4في م ،أ " :ل أساء".
) (5في م " :أبطأ علينا".
) (6في أ " :علينا".
) (7في أ " :أبو".
) (8سنن أبي داود برقم ) (1393وسنن ابن ماجه برقم ) ، (1345والمسند
).(4/9
) (7/392
ل ال ْ َ َ ق وال ْ ُ َ
ذان هَ َ
كافُِرو َ قا َم فَ َمن ْهُ ْ
من ْذٌِر ِ
م ُ جاَءهُ ْ ن َ جُبوا أ ْ ل عَ ِ جيد ِ ) (1ب َ ْ م ِن ال ْ َ قْرآ ِ َ
مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا ذ َل ِ َ َ
صق ُ ما ت َن ْ ُمَنا َ جعٌ ب َِعيد ٌ ) (3قَد ْ عَل ِ ْ ك َر ْ ذا ِ ب ) (2أئ ِ َ جي ٌ يٌء عَ ِ ش ْ َ
َ َ َ ْ َ فيظ ) (4ب َ ْ ٌ َ ْ
ر
م ٍ
م ِفي أ ْ م فهُ ْ جاَءهُ ْ ما َ حق ّ ل ّ ل كذ ُّبوا ِبال َ ح ِ
ب َ عن ْد ََنا ك َِتا ٌم وَ ِ من ْهُ ْض ِ
الْر ُ
ريٍج )(5 م ِ َ
والحقاف ،والقتال ،والفتح ،والحجرات .ثم بعد ذلك الحزب المفصل كما
قاله الصحابة ،رضي الله عنهم .فتعين أن أوله سورة "ق" وهو الذي قلناه )
، (1ولله الحمد والمنة.
مرة بن َ ْ ض عن ، مالك حدثنا ، مهدي بن الرحمن عبد حدثنا قال المام أحمد :
سعيد ،عن عَُبيد الله ) (2بن عبد الله ؛ أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد
الليثي :ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد ؟ قال :
بقاف ،واقتربت.
ورواه مسلم وأهل السنن الربعة ،من حديث مالك ،به ) .(3وفي رواية
لمسلم عن فليح ) (4عن ضمرة ،عن عبيد الله ) ، (5عن أبي واقد قال :
سألني عمر ،فذكره ).(6
حديث آخر :وقال أحمد :حدثنا يعقوب ،حدثنا أبي ،عن ابن إسحاق ،
حدثني عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ،عن يحيى بن عبد
الله بن عبد الرحمن بن سعد ) (7بن ُزَرارة ،عن أم هشام بنت حارثة
قالت :لقد كان ت َّنورنا وتنور النبي صلى الله عليه وسلم واحدا سنتين ،أو
جيد ِ { إل على لسان رسول م ِ ن ال ْ َقْرآ ِ سنة وبعض سنة ،وما أخذت } ق َوال ْ ُ
الله صلى الله عليه وسلم ،كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب
الناس.
رواه مسلم ]أيضا[ ) (8من حديث ابن إسحاق ،به ).(9
وقال أبو داود :حدثنا محمد بن بشار ،حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،
عن خبيب ) ، (10عن عبد الله بن محمد بن معن ،عن ابنة الحارث بن
النعمان قالت :ما حفظت "ق" إل من ِفي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،يخطب بها كل جمعة .قالت :وكان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله
دا.
عليه وسلم واح ً
وكذا رواه مسلم والنسائي وابن ماجه ،من حديث شعبة ،به ).(11
والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في
المجامع الكبار ،كالعيد والجمع ،لشتمالها على ابتداء الخلق والبعث
والنشور ،والمعاد والقيام ،والحساب ،والجنة والنار ،والثواب والعقاب ،
والترغيب والترهيب.
ْ َ
ذان هَ َ َ
قال الكافُِرو َ َ َ
مف َ من ْهُ ْ
من ْذٌِر ِ م ُ جاَءهُ ْ ن َ جُبوا أ ْ ْ
جيدِ ) (1ب َل عَ ِ م ِ ن ال ْ َ
قْرآ ِ } ق َوال ْ ُ
مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا ذ َل ِ َ َ
ص
ق ُ ما ت َن ْ ُ مَنا َ جعٌ ب َِعيد ٌ ) (3قَد ْ عَل ِ ْ ك َر ْ ذا ِ ب ) (2أئ ِ َ جي ٌ يٌء عَ ِ ش ْ َ
َ
ر
م ٍ م ِفي أ ْ م فَهُ ْجاَءهُ ْ ما َحق ّ ل َ ّل ك َذ ُّبوا ِبال ْ َ ظ ) (4ب َ ْ في ٌ ح ِب َ عن ْد ََنا ك َِتا ٌ م وَ ِ من ْهُ ْ ض ِ الْر ُ
ريٍج ){ (5 م ِ َ
__________
) (1في أ " :قدمناه".
) (2في م " :عبد الله".
) (3المسند ) (5/217وصحيح مسلم برقم ) ، (891وسنن أبي داود برقم )
(1154وسنن الترمذي برقم ) (534وسنن النسائي ) (3/183وسنن ابن
ماجه برقم ).(1282
) (4في م ،أ " :مالك".
) (5في م " :عبد الله".
) (6صحيح مسلم برقم ).(891
) (7في م ،أ " :أسعد".
) (8زيادة من م.
) (9المسند ) (6/435وصحيح مسلم برقم ).(873
) (10في م ،أ " :حبيب".
) (11سنن أبي داود برقم ) (1100وصحيح مسلم برقم ) (873وسنن
النسائي ) (2/157لكنه ليس من هذا الطريق.
) (7/393
) (7/394
) (7/395
َ
ن فُُروٍج )(6 م ْ ما ل ََها ِها وَ َها وََزي ّّنا َ م ك َي ْ َ
ف ب َن َي َْنا َ ماِء فَوْقَهُ ْ
س َ م ي َن ْظ ُُروا إ َِلى ال ّ أفَل َ ْ
َ ها وَأ َل ْ َ َ
صَرةً
ل َزوٍْج ب َِهيٍج ) (7ت َب ْ ِن كُ ّ م ْي وَأن ْب َت َْنا ِفيَها ِ س َ قي َْنا ِفيَها َرَوا ِ مد َد َْنا َ َواْلْر َ
ض َ
ل عبد منيب ) (8ونزل ْنا من السماِء ماًء مبار ً َ
ت جّنا ٍكا فَأن ْب َت َْنا ب ِهِ َ ُ َ َ َ ّ َ ََّ َ ِ َ وَذِك َْرى ل ِك ُ ّ َ ْ ٍ ُ ِ ٍ
َ
ه
حي َي َْنا ب ِ ِضيد ٌ ) (10رِْزًقا ل ِل ْعَِباد ِ وَأ ْت ل ََها ط َل ْعٌ ن َ ِ
قا ٍ
س َ خ َ
ل َبا ِ صيد ِ )َ (9والن ّ ْ ح ِب ال ْ َح ّ وَ َ
ج )(11 خُرو ُ ْ َ َ َ
مي ًْتا كذل ِك ال ُ ب َل ْد َة ً َ
َ
ن فُُروٍج )(6 م ْ ما ل ََها ِ ها وَ َ ها وََزي ّّنا َ ف ب َن َي َْنا َ م ك َي ْ َ ماِء فَوْقَهُ ْ س َ م ي َن ْظ ُُروا إ َِلى ال ّ } أفَل َ ْ
صَرةً ن كُ ّ َ ها وَأ َل ْ َ
ل َزوٍْج ب َِهيٍج ) (7ت َب ْ ِ ْ م
ي وَأن ْب َت َْنا ِفيَها ِ َ س
قي َْنا ِفيَها َرَوا ِ مد َد َْنا َ ض َ َوالْر َ
َ ً ْ وَذِك َْرى ل ِك ّ
ُ
ت
جّنا ٍ مَباَركا فَأن ْب َت َْنا ب ِهِ َ ماًء ُ ماِء َ س َ ن ال ّ م َ ب )َ (8ونزلَنا ِ مِني ٍ ل عَب ْد ٍ ُ
َ
ه
حي َي َْنا ب ِ ِ ضيد ٌ ) (10رِْزًقا ل ِل ْعَِباد ِ وَأ ْ ت ل ََها ط َل ْعٌ ن َ ِ قا ٍ س َ ل َبا ِ خ َ صيد ِ )َ (9والن ّ ْ ح ِ ب ال ْ َ ح ّ وَ َ
ج ){ (11 خُرو ُ ْ َ
مي ًْتا كذ َل ِك ال ُ َ ب َل ْد َة ً َ
يقول تعالى منبها للعباد على قدرته العظيمة التي أظهر بها ما هو أعظم مما
َ
ها ف ب َن َي َْنا َ م ك َي ْ َ ماِء فَوْقَهُ ْ س َ م ي َن ْظ ُُروا إ َِلى ال ّ تعجبوا مستبعدين لوقوعه } :أفَل َ ْ
ن فُُروٍج { .قال مجاهد :يعني من م ْ ما ل ََها ِ ها { ؟ أي :بالمصابيح } ،وَ َ وََزي ّّنا َ
شقوق .وقال غيره :فتوق .وقال غيره :من صدوع .والمعنى متقارب ،
ن
م ْ ن ِ ما ت ََرى ِفي َ ْ ت ط َِباًقا َ خل َقَ َ كقوله تعالى } :ال ّ ِ
م ِ ح َق الّر ْ خل ِ وا ٍ م َ س َ سب ْعَ َ ذي َ
َ ْ ُ جِع ال ْب َ َ
كب إ ِلي ْ َ قل ِ ْ ن ي َن ْ َ صَر ك َّرت َي ْ ِ جِع الب َ َ م اْر ِ ن فُطوٍر .ث ُ ّ م ْ ل ت ََرى ِ صَر هَ ْ ت َفاْر ِ فاوُ ٍ تَ َ
سيٌر { ] الملك [ 4 ، 3 :أي :كليل ،أي :عن أن يرى ح ِ سًئا وَهُوَ َ خا ِ صُر َ ال ْب َ َ
صا. عيًبا أو نق ً
ي ْ َ
س َ قي َْنا ِفيَها َرَوا ِ ها { أي :وسعناها وفرشناها } ،وَأل َ مد َد َْنا َ ض َ وقوله َ } :والْر َ
قرة على تيار الماء م َ { وهي :الجبال ؛ لئل تميد بأهلها وتضطرب ؛ فإنها ُ
ل َزوٍْج ب َِهيٍج { أي :من ن كُ ّ َ
م ْ المحيط بها من جميع جوانبها } ،وَأن ْب َت َْنا ِفيَها ِ
ن ل َعَل ّك ُ ْ
م جي ْ ِ قَنا َزوْ َ خل َ ْ يٍء َ ش ْ ل َ ن كُ ّ م ْ جميع الزروع والثمار والنبات والنواع } ،وَ ِ
ن { ] الذاريات ، [ 49 :وقوله } :بهيج { أي :حسن نضر. ت َذ َك ُّرو َ
ب { أي :ومشاهدة خلق السموات ]والرض[ مِني ٍ ل عَب ْد ٍ ُ صَرةً وَذِك َْرى ل ِك ُ ّ } ت َب ْ ِ
) (1وما جعل ]الله[ ) (2فيهما من اليات العظيمة تبصرة ودللة وذكرى لكل
جاع إلى الله عز وجل. عبد منيب ،أي :خاضع خائف وجل َر ّ
َ
كا { أي :نافًعا } ،فَأن ْب َت َْنا ب ِ ِ
ه مَباَر ً ماًء ُ ماِء َ س َ ن ال ّ م َ وقوله تعالى َ } :ونزل َْنا ِ
صيد ِ { وهو :الزرع ح ِ ب ال ْ َ ح ّ ت { أي :حدائق من بساتين ونحوها } ،وَ َ جّنا ٍ َ
الذي يراد لحبه وادخاره.
ت { أي :طوال شاهقات .وقال ابن عباس ،ومجاهد ، قا ٍ س َ ل َبا ِ خ َ } َوالن ّ ْ
َ
وعكرمة ،والحسن ،وقتادة ،والسدي ،وغيرهم :الباسقات الطوال } .لَها
حي َي َْنا ب ِهِ ب َل ْد َةً َ
ضيد ٌ { أي :منضود } .رِْزًقا ل ِل ْعَِبادِ { أي :للخلق } ،وَأ ْ ط َل ْعٌ ن َ ِ
مي ًْتا { وهي :الرض التي كانت هامدة ،فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت َ
وأنبتت من كل زوج بهيج ،من أزاهير وغير ذلك ،مما يحار الطرف في )(3
حسنها ،وذلك بعد ما كانت ل نبات بها ،فأصبحت تهتز خضراء ،فهذا مثال
للبعث بعد الموت والهلك ،كذلك يحيي الله الموتى .وهذا المشاهد من
عظيم قدرته بالحس أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث ) (4كقوله تعالى } :
ن َ ْ َ
س { ] غافر ، [ 57 :وقوله : ق الّنا ِ خل ِ م ْ ض أك ْب َُر ِ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ خل ْقُ ال ّ لَ َ
َ َ
قادٍِر ن بِ َ قهِ ّ خل ْ ِ ي بِ َ م ي َعْ َ ض وَل َ ْ ت َوالْر َ وا ِ م َ س َ خل َقَ ال ّ ذي َ ه ال ّ ِ ن الل ّ َ م ي ََرْوا أ ّ } أوَل َ ْ
ه عََلى ك ُ ّ َ
ديٌر { ] الحقاف ، [ 33 : يٍء قَ ِ ش ْ ل َ موَْتى ب ََلى إ ِن ّ ُ ي ال ْ َ حي ِ َ ن يُ ْ عََلى أ ْ
َ ن آَيات ِهِ أ َن ّ َ
ماَء ة ) (5فَإ َِذا أنزل َْنا عَل َي َْها ال ْ َ شعَ ً خا ِ ض َ ك ت ََرى الْر َ م ْ وقال تعالى } :وَ ِ
ه عََلى ك ُ ّ َ
ديٌر { يٍء قَ ِ ش ْ ل َ موَْتى إ ِن ّ ُ حِيي ال ْ َ م ْ ها ل َ ُ حَيا َ ذي أ ْ ن ال ّ ِ ت إِ ّ ت وََرب َ ْ اهْت َّز ْ
] فصلت .[ 39 :
__________
) (1زيادة من م ،أ.
زيادة من أ. )(2
في م " :من". )(3
في م ،أ " :البعث". )(4
في م " :هامدة" وهو خطأ. )(5
) (7/396
َ
ن
وا ُ
خ َ
ن وَإ ِ ْ
عاد ٌ وَفِْرعَوْ ُمود ُ ) (12وَ َ س وَث َ ُ ب الّر ّ حا ُص َم ُنوٍح وَأ ْ م قَوْ ُت قَب ْل َهُ ْك َذ ّب َ ْ
َ ْ َ
عيد ِ )(14 حق ّ و َ ِل فَ َس َ
ب الّر ُل ك َذ ّ َ م ت ُب ٍّع ك ُ ّ ب الي ْك َةِ وَقَوْ ُ حا ُ ص َ
ط ) (13وَأ ْ ُلو ٍ
ديد ٍ )(15 ج ِ
ق َ ن َ ْ َ َ
ق اْلوّ ِ
ل بَ ْ أ َفَعَِييَنا ِبال ْ َ ْ
خل ٍ م ْ س ِم ِفي لب ْ ٍ ل هُ ْ خل ِ
َ
ن
وا ُخ َ ن وَإ ِ ْ عاد ٌ وَفِْرعَوْ ُ مود ُ ) (12وَ َ س وَث َ ُ ب الّر ّ حا ُ ص َ م ُنوٍح وَأ ْ م قَوْ ُ ت قَب ْل َهُ ْ } ك َذ ّب َ ْ
َ
عيد ِ )(14 حق ّ و َ ِ ل فَ َ س َ ب الّر ُ ل ك َذ ّ َ م ت ُب ٍّع ك ُ ّ ب الي ْك َةِ وَقَوْ ُ حا ُ ص َط ) (13وَأ ْ ُلو ٍ
ديد ٍ ){ (15 ج ِق َ ن َ ْ َ ل بَ ْ أ َفَعَِييَنا ِبال ْ َ ْ
خل ٍ م ْ س ِ م ِفي لب ْ ٍ ل هُ ْ ق الوّ ِ خل ِ
يقول تعالى متهددا لكفار قريش بما أحله بأشباههم ونظرائهم وأمثالهم من
المكذبين قبلهم ،من النقمات والعذاب الليم في الدنيا ،كقوم نوح وما
عذبهم الله به من الغرق العام ) (1لجميع أهل الرض ،وأصحاب الرس وقد
ن
وا ُ خ َ ن وَإ ِ ْ عاد ٌ وَفِْرعَوْ ُ موُد .وَ َ تقدمت قصتهم في سورة "الفرقان" ) } (2وَث َ ُ
ط { ،وهم أمته الذين بعث إليهم من أهل سدوم ومعاملتها من الغور ، ُلو ٍ
وكيف خسف الله بهم الرض ،وأحال أرضهم بحيرة منتنة خبيثة ؛ بكفرهم
وطغيانهم ومخالفتهم الحق.
َ
م ت ُب ٍّع { وهو ب الي ْك َةِ { وهم قوم شعيب عليه السلم } ،وَقوْ ُ
َ حا ُ ص َ } وَأ ْ
اليماني .وقد ذكرنا من شأنه في سورة الدخان ما أغنى عن إعادته هاهنا ولله
الحمد.
ل { أي :كل من هذه المم وهؤلء القرون كذب رسوله ) س َ
ّ ُ ر ال بَ ّ ذ َ ك } كُ ّ
ل
ت قَوْ ُ
م ، (3ومن كذب رسول ) (4فكأنما كذب جميع الرسل ،كقوله } :ك َذ ّب َ ْ
ن { ] الشعراء ، [ 105 :وإنما جاءهم رسول واحد ،فهم في سِلي َ مْر َ ُنوٍح ال ْ ُ
عيد ِ { أي :فحق حق ّ و َ ِ نفس المر لو جاءهم جميع الرسل كذبوهم } ،فَ َ
عليهم ما أوعدهم الله ،على التكذيب من العذاب والنكال فليحذر
المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذب أولئك.
ل { أي :أفأعجزنا ) (5ابتداء الخلق حتى هم ق الوّ ِ وقوله } :أ َفَعَِييَنا ِبال ْ َ ْ
خل ِ
ديد ٍ { والمعنى :أن ج ِق َ ن َ ْ َ في شك من العادة } ،ب َ ْ
خل ٍ م ْ س ِ م ِفي لب ْ ٍ ل هُ ْ
ذي ّ
ابتداء الخلق لم يعجزنا والعادة أسهل منه ،كما قال تعالى } :وَهُوَ ال ِ
ن عَل َي ْهِ { ] الروم ، [ 27 :وقال الله تعالى : َ ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ
م ي ُِعيد ُه ُ وَهُوَ أهْوَ ُ خل ْقَ ث ُ ّ
حِييَها ل يُ ْ م قُ ْ مي ٌي َر ِ م وَهِ َ ظا َحِيي ال ْعِ َ ن يُ ْ م ْ ل َ ه َقا َ ق ُ خل ْ َ ي َ س َ مَثل وَن َ ِ ب ل ََنا َ ضَر َ } وَ َ
ْ َ َ َ
م { ] يس ، [79 - 78 :وقد تقدم ق عَِلي ٌ خل ٍ ّ ُ
مّرةٍ وَهُوَ ب ِكل َ َ
ها أوّل َ شأ َ ذي أن ْ َ ال ّ ِ
في الصحيح " :يقول الله تعالى :يؤذيني ابن آدم ،يقول :لن يعيدني كما
بدأني ،وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته" ).(6
__________
) (1في م " :العظيم".
) (2تقدم ذلك في سورة الفرقان عند الية رقم ).(38
) (3في أ " :رسولهم".
) (4في م " :برسول".
) (5في م " :فأعجزنا".
) (6صحيح البخاري برقم ) (4974من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
) (7/397
فسه ونح َ
لحب ْ ِ
ن َ م ْ ب إ ِل َي ْهِ ِ ن أقَْر ُ س ب ِهِ ن َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ سو ِ ُ ما ت ُوَ ْ م َ ن وَن َعْل َ ُ سا َ قَنا اْل ِن ْ َخل َ ْقد ْ َ وَل َ َ
ما ي َل ْفِ ُ
ظ ل قَِعيد ٌ )َ (17 ما ِش َ ن ال ّ ن ال ْي َ ِ مت َل َ ّ قى ال ْ ُ ال ْوَِريد ِ ) (16إ ِذ ْ ي َت َل َ ّ
ن وَعَ ِ مي ِ ن عَ ِ قَيا ِ
تما ك ُن ْ َ ك َ حقّ ذ َل ِ َ ْ
ت ِبال َ موْ ِ ْ
سك َْرةُ ال َ ت َ جاَء ْ ب عَِتيد ٌ ) (18وَ َ ل إ ِّل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ ن قَوْ ٍ م ْ ِ
معََها س َ ت كُ ّ ْ صورِ ذ َل ِ َ ف َ
ف ٍ ل نَ ْ جاَء ْ عيد ِ ) (20وَ َ م الوَ ِ ك ي َوْ ُ خ ِفي ال ّ حيد ُ ) (19وَن ُ ِ ه تَ ِمن ْ ُ ِ
كصُر َ ك فَب َ َ َ
ك ِغطاَء َ فَنا عَن ْ َ ش ْ َ
ذا فَك َ ن هَ َ م ْفلةٍ ِ َ ت ِفي غَ ْ ُ
قد ْ ك ن ْ َ َ
شِهيد ٌ ) (21ل َ سائ ِقٌ وَ َ َ
ديد ٌ )(22 ح ِ م َ ال ْي َوْ َ
فسه ونح َ
ل حب ْ ِن َ م ْ ب إ ِل َي ْهِ ِ
ن أقَْر ُ س ب ِهِ ن َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ سوِ ُ ما ت ُوَ ْ
م َ ن وَن َعْل َ ُ سا َ قَنا الن ْ َ خل َ ْقد ْ َ } وَل َ َ
ف ُ
ظ ما ي َل ْ ِل قَِعيد ٌ )َ (17 ما ِش َ ن ال ّ ن ال ْي َ ِ مت َل َ ّ
قى ال ْ ُ ال ْوَِريد ِ ) (16إ ِذ ْ ي َت َل َ ّ
ن وَعَ ِ مي ِ ن عَ ِ قَيا ِ
تما ك ُن ْ َ ك َ حقّ ذ َل ِ َ ْ
ت ِبال َ موْ ِ ْ
سك َْرةُ ال َ ت َ جاَء ْ ب عَِتيد ٌ ) (18وَ َ ل ِإل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ ن قَوْ ٍ م ْ ِ
معََها س َ ت كُ ّ ْ صورِ ذ َل ِ َ ف َ
ف ٍ ل نَ ْ جاَء ْ عيد ِ ) (20وَ َ م الوَ ِ ك ي َوْ ُ خ ِفي ال ّ حيد ُ ) (19وَن ُ ِ ه تَ ِ من ْ ُ ِ
كصُر َ ك فَب َ َ َ
ك ِغطاَء َ فَنا عَن ْ َ ش ْ ذا فَك َ َن هَ َ م ْفلةٍ ِ َ ت ِفي غَ ْ قد ْ ك ُن ْ َ َ
شِهيد ٌ ) (21ل َ سائ ِقٌ وَ َ َ
ديد ٌ ){ (22 ح ِم َ ال ْي َوْ َ
) (7/397
يخبر تعالى عن قدرته على النسان بأنه خالقه ،وعمله محيط بجميع أموره ،
حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر .وقد
ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :إن الله )
(1تجاوز لمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل" ).(2
ل ال ْوَِريدِ { يعني :ملئكته وقوله } :ونح َ
ب
ُ أقر تعالى حب ْ ِ ن َ م ْب إ ِل َي ْهِ ِ ن أقَْر ُ ََ ْ ُ
إلى النسان من حبل وريده ) (3إليه .ومن تأوله على العلم فإنما فر لئل
يلزم حلول أو اتحاد ،وهما منفيان بالجماع ،تعالى الله وتقدس ،ولكن
اللفظ ل يقتضيه فإنه لم يقل :وأنا أقرب إليه من حبل الوريد ،وإنما قال } :
ونحن أ َقْرب إل َيه من حبل ال ْوريد { كما قال في المحتضر } :ونح َ
بن أقَْر ُ ََ ْ ُ َ ِ ِ َ ُ ِ ْ ِ ِ ْ َ ْ ِ ََ ْ ُ
ن { ] الواقعة ، [ 85 :يعني ملئكته .وكما قال صُرو َ ن ل ت ُب ْ ِ م وَلك ِ َْ من ْك ُ ْ إ ِل َي ْهِ ِ
ن { ] الحجر ، [ 9 : ظو َحافِ ُ
ه لَ َ ن نزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ ح ُ ]تعالى[ ) } : (4إ ِّنا ن َ ْ
فالملئكة نزلت بالذكر -وهو القرآن -بإذن الله ،عز وجل .وكذلك )(5
الملئكة أقرب إلى النسان من حبل وريده إليه بإقدار ) (6الله لهم على ذلك
مة في النسان كما أن للشيطان لمة وكذلك " :الشيطان يجري ،فالملك ل َ ّ
من ابن آدم مجرى الدم" ،كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ؛ ولهذا قال
ن { يعني :الملكين اللذين يكتبان عمل النسان. قَيا ِ مت َل َ ّ قى ال ْ ُ هاهنا } :إ ِذ ْ ي َت َل َ ّ
ل قَِعيد ٌ { أي :مترصد ).(7 ما ِ ش َ ن ال ّ ن وَعَ ِ مي ِ ن ال ْي َ ِ } عَ ِ
ه
َْ ِي د َ ل إل
ِ } (8 ) بكلمة يتكلم ما : أي { ل و
ِ ْ ْ ٍَ ق ن م } آدم ابن : أي { ظُ ف ْ
ما َ ِ
لي } َ
ب عَِتيد ٌ { أي :إل ولها من يراقبها معتد ) (9لذلك يكتبها ،ل يترك كلمة َرِقي ٌ
مان َ مو َ ن ي َعْل َ ُ ما َ
كات ِِبي َ ن ك َِرا ً
ظي َ
حافِ ِ م لَ َ ن عَل َي ْك ُ ْ ول حركة ،كما قال تعالى } :وَإ ِ ّ
ن { ] النفطار .[ 12 - 10 : فعَُلو َ تَ ْ
وقد اختلف العلماء :هل يكتب الملك كل شيء من الكلم ؟ وهو قول
الحسن وقتادة ،أو إنما يكتب ما فيه ثواب وعقاب كما هو قول ابن عباس ،
ل ِإل ل َد َي ْ ِ
ه ن قَوْ ٍ
م ْ ف ُ
ظ ِ ما ي َل ْ ِ
على قولين ،وظاهر الية الول ،لعموم قوله َ } :
ب عَِتيد ٌ {
َرِقي ٌ
وقد قال المام أحمد :حدثنا أبو معاوية ،حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة
الليثي ،عن أبيه ،عن جده علقمة ،عن بلل بن الحارث المزني قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان
الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ،يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه
) .(10وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت ،
يكتب الله عليه بها ) (11سخطه إلى يوم يلقاه" .قال :فكان علقمة يقول :
كم من كلم قد منعنيه حديث بلل بن الحارث.
ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ،من حديث محمد بن عمرو به ).(12
وقال الترمذي :حسن
__________
) (1في أ " :إن الله تعالى".
) (2صحيح البخاري برقم ) (5269وصحيح مسلم برقم ).(127
) (3في أ " :الوريد".
) (4زيادة من م ،أ.
) (5في أ " :ولذلك".
) (6في م " :باقتدار".
) (7في م " :مرصد".
) (8في م " :بكلم".
) (9في م " :معد".
) (10في أ " :القيامة".
) (11في م " :له بها عليه".
) (12المسند ) (3/469وسنن الترمذي برقم ) (2319والنسائي في السنن
الكبرى ،كما في تحفة الشراف ) (2/103وسنن ابن ماجه برقم ).(3969
) (7/398
) (7/399
قالت :فرفع رأسه فقال :يا بنية ،ليس كذلك ولكن كما قال تعالى :
حيد ُ {.
ه تَ ِ
من ْ ُ ما ك ُن ْ َ
ت ِ حقّ ذ َل ِ َ
ك َ ت ِبال ْ َ مو ْ ِ سك َْرةُ ال ْ َ ت َ جاَء ْ } وَ َ
وحدثنا ) (1خلف بن هشام ؛ حدثنا أبو شهاب ]الخياط[ ) ، (2عن إسماعيل
بن أبي خالد ،عن البهي قال :لما أن ثقل أبو بكر ) ، (3رضي الله عنه ،
جاءت عائشة ،رضي الله عنها ،فتمثلت بهذا البيت :
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ...إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر )(4
ت سك َْرةُ ال ْ َ
مو ْ ِ ت َ
جاَء ْ
فكشف عن وجهه وقال :ليس كذلك ،ولكن قولي } :وَ َ
حيد ُ { وقد أوردت لهذا الثر طرقا ]كثيرة[ ) (5في ه تَ ِ من ْ ُ
ت ِ ما ك ُن ْ َ
ك َحقّ ذ َل ِ َِبال ْ َ
سيرة الصديق عند ذكر وفاته ،رضي الله عنه.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم :لما تغشاه الموت
جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول " :سبحان الله! إن للموت لسكرات".
حيد ُ { قولن : ه تَ ِمن ْ ُ
ت ِ ما ك ُن ْ َ ك َ وفي قوله } :ذ َل ِ َ
أحدهما :أن "ما" هاهنا موصولة ،أي :الذي كنت منه تحيد -بمعنى :تبتعد
وتنأى وتفر -قد حل بك ونزل بساحتك.
والقول الثاني :أن "ما" نافية بمعنى :ذلك ما كنت تقدر على الفرار منه ول
الحيد عنه.
وقد قال الطبراني في المعجم الكبير :حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي ،
ذلي ،عن يونس بن حدثنا حفص بن عمر الحدي ،حدثنا معاذ بن محمد الهُ َ
مرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه س ُ
عبيد ،عن الحسن ،عن َ
وسلم " :مثل الذي يفر من الموت مثل الثعلب ،تطلبه الرض بد َْين ،فجاء
يسعى حتى إذا أعيى وأسهر دخل جحره ،فقالت له الرض :يا ثعلب ،ديني.
فخرج وله حصاص ،فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه ومات" ).(6
ومضمون هذا المثل :كما ل انفكاك له ول محيد عن الرض كذلك النسان ل
محيد له عن الموت.
عيد ِ { .قد تقدم الكلم على حديث ْ
م الوَ ِ َ
صورِ ذ َل ِك ي َوْ ُ
خ ِفي ال ّف َ
وقوله } :وَن ُ ِ
النفخ في الصور والفزع والصعق والبعث ) ، (7وذلك يوم القيامة .وفي
الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :كيف أنعم وصاحب
القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ،وانتظر أن يؤذن له" .قالوا :يا رسول
الله كيف نقول ؟ قال " :قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل" .فقال القوم :
حسبنا الله ونعم الوكيل.
__________
) (1في أ " :وحديث".
) (2زيادة من م ،أ.
) (3في م " :أبا بكر".
) (4البيت لحاتم الطائي وهو في ديوانه ص ) (50أ .هـ مستفادا من طبعة
الشعب.
) (5زيادة من م ،أ.
) (6المعجم الكبير ) (7/222وقال الهيثمي في المجمع )" : (2/320فيه معاذ
بن محمد الهذلي ،قال العقيلي :ل يتابع على رفع حديثه".
) (7في م " :للفزع وللصعق وللبعث".
) (7/400
شِهيد ٌ { أي :ملك يسوقه إلى المحشر ، سائ ِقٌ وَ َ معََها َ س َف ٍ ل نَ ْت كُ ّ جاَء ْ } وَ َ
وملك يشهد عليه بأعماله .هذا هو الظاهر من الية الكريمة .وهو اختيار ابن
جرير ،ثم روي من حديث إسماعيل بن أبى خالد عن يحيى بن رافع -مولى
لثقيف -قال :سمعت عثمان بن عفان يخطب ) ، (1فقرأ هذه الية :
شِهيد ٌ { ،فقال :سائق يسوقها إلى الله ، سائ ِقٌ وَ َ معََها َ س َف ٍ ل نَ ْت كُ ّ جاَء ْ } وَ َ
وشاهد يشهد عليها بما عملت .وكذا قال مجاهد ،وقتادة ،وابن زيد.
مط َّرف ،عن أبي جعفر -مولى أشجع -عن أبي هريرة :السائق : وقال ُ
الملك والشهيد :العمل .وكذا قال الضحاك والسدي.
وفي عن ابن عباس :السائق من الملئكة ،والشهيد :النسان وقال العَ ْ
حم أيضا. مزا ِ نفسه ،يشهد على نفسه .وبه قال الضحاك بن ُ
ت ُ
قد ْ ك ن ْ َ َ
وحكى ابن جرير ثلثة أقوال في المراد بهذا الخطاب في قوله } :ل َ
ديد ٌ {
ح ِ ك ال ْي َوْ َ
م َ صُر َ
ك فَب َ َ ك ِغ َ
طاَء َ فَنا عَن ْ َ ذا فَك َ َ
ش ْ ن هَ َ فل َةٍ ِ
م ْ ِفي غَ ْ
أحدها :أن المراد بذلك الكافر .رواه علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس.
وبه يقول الضحاك بن مزاحم وصالح بن كيسان.
والثاني :أن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر ؛ لن الخرة بالنسبة إلى
الدنيا كاليقظة والدنيا كالمنام .وهذا اختيار ابن جرير ،ونقله عن حسين بن
عبد الله بن عبيد الله بن عباس.
والثالث :أن المخاطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .وبه يقول زيد بن
أسلم ،وابنه .والمعنى على قولهما :لقد كنت في غفلة من هذا الشأن )(2
قبل أن يوحى إليك ،فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك ،فبصرك اليوم حديد.
والظاهر من السياق خلف هذا ،بل الخطاب مع النسان من حيث هو ،
ذا { يعني :من هذا اليوم ، ن هَ َ م ْفل َةٍ ِ ت ِفي غَ ْ والمراد بقوله } :ل َ َ
قد ْ ك ُن ْ َ
ديد ٌ { أي :قوي ؛ لن كل واحد يوم ح ِم َ ك ال ْي َوْ َصُر َك فَب َ َ طاَء َ ك ِغ َ فَنا عَن ْ َ
ش ْ } فَك َ َ
القيامة يكون مستبصرا ،حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على
م َ َ
صْر ي َوْ َم وَأب ْ ِ معْ ب ِهِ ْ س ِالستقامة ،لكن ل ينفعهم ذلك .قال الله تعالى } :أ ْ
ْ
سون َناك ِ ُ مو َ جرِ ُ م ْي َأُتون ََنا { ] مريم ، [ 38 :وقال تعالى } :وَل َوْ ت ََرى إ ِذِ ال ْ ُ
َ
ن{ موقُِنو َ حا إ ِّنا ُ صال ِ ًل َ م ْجعَْنا ن َعْ َمعَْنا َفاْر ِ س ِ صْرَنا وَ َم َرب َّنا أب ْ َ عن ْد َ َرب ّهِ ْ
م ِسهِ ُْرُءو ِ
] السجدة .[12 :
__________
) (1في م " :خطب".
) (2في أ " :القرآن".
) (7/401
َ
مّناٍع
فارٍ عَِنيد ٍ )َ (24 ل كَ ّ م كُ ّ جهَن ّ َ
قَيا ِفي َ ما ل َد َيّ عَِتيد ٌ ) (23أل ْ ِ ذا َ ه هَ َ
رين ُ ُ ل قَ ِ وََقا َ
ْ ْ َ َ َ ّ ّ
ب قَياهُ ِفي العَ َ
ذا ِ خَر فَأل ِ معَ اللهِ إ ِلًها آ َ ل َ جعَ َ
ذي َ ب ) (25ال ِ ري ٍ م ِ
معْت َدٍ ُ خي ْرِ ُ ل ِل ْ َ
ل َل َ
ل ب َِعيد ٍ )َ (27قا َ ضَل ٍن ِفي َ كا َن َ ه وَل َك ِ ْ
ما أط ْغَي ْت ُ ُ ه َرب َّنا َرين ُ ُل قَ ِ ديد ِ )َ (26قا َ ش ِ ال ّ
ل ل َدي وما أناَ ْ ْ ُ َ َ
قو ْ ُ َ ّ َ َ َ ل ال َ ما ي ُب َد ّ ُ عيد ِ )َ (28 م ِبالوَ ِ ت إ ِلي ْك ْم ُ موا لد َيّ وَقَد ْ قَد ّ ْ ص ُ
خت َ ِ تَ ْ
ْ
ب ِظلم ٍ ل ِلعَِبيد ِ )(29 ّ َ
َ
مّناٍعفارٍ عَِنيد ٍ )َ (24 ل كَ ّ م كُ ّ جهَن ّ َ قَيا ِفي َ ما ل َد َيّ عَِتيد ٌ ) (23أل ْ ِ ذا َ ه هَ َ ل قَ ِ
رين ُ ُ } وََقا َ
ْ ْ َ َ ّ ّ
ب قَياهُ ِفي العَ َ
ذا ِ خَر فَأل ِ معَ اللهِ إ ِلًها آ َ ل َ جعَ َ
ذي َ ب ) (25ال ِ ري ٍ ِ م
معْت َدٍ ُ خي ْرِ ُ ل ِل ْ َ
َ
لل ل ب َِعيد ٍ )َ (27قا َ ضل ٍ ن ِفي َ كا َن َ ه وَل َك ِ ْ ما أط ْغَي ْت ُ ُ ه َرب َّنا َ رين ُ ُل قَ ِ ديد ِ )َ (26قا َ ال ّ
ش ِ
ل ل َدي وما أناَ ْ ْ ُ َ َ
قو ْ ُ َ ّ َ َ َ ل ال َ ما ي ُب َد ّ ُعيد ِ )َ (28 م ِبالوَ ِ ت إ ِلي ْك ْ م ُ موا لد َيّ وَقَد ْ قَد ّ ْ ص ُخت َ ِ تَ ْ
ْ
ب ِظلم ٍ ل ِلعَِبيد ِ ){ (29 َ
يقول تعالى مخبًرا عن الملك الموكل بعمل ابن آدم :أنه يشهد عليه يوم
ما ل َد َيّ عَِتيد ٌ { أي :معتد ) (2محضر ) ذا َ القيامة بما فعل ) (1ويقول } :هَ َ
(3بل زيادة ول نقصان.
وقال مجاهد :هذا كلم الملك السائق يقول :هذا ابن آدم الذي وكلتني به ،
قد أحضرته.
وقد اختار ابن جرير أن يعم السائق والشهيد ،وله اتجاه وقوة.
َ
فعند ذلك يحكم الله ،سبحانه تعالى ،في الخليقة بالعدل فيقول } :أل ْ ِ
قَيا
فارٍ عَِنيد ٍ { ل كَ ّ م كُ ّ جهَن ّ َِفي َ
وقد اختلف النحاة في قوله } :ألقيا { فقال بعضهم :هي لغة لبعض العرب
يخاطبون المفرد بالتثنية ،كما روي عن الحجاج أنه كان يقول :يا حرسي ،
اضربا عنقه ،ومما أنشد ابن جرير على هذه اللغة قول الشاعر :
فإن تزجراني -يا ابن عفان -أنزجر ...وإن تتركاني أحم عرضا ممنعا )(4
وقيل :بل هي نون التأكيد ،سهلت إلى اللف .وهذا بعيد ؛ لن هذا إنما يكون
في الوقف ،والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد ،فالسائق أحضره
إلى عرصة الحساب ،فلما أدى الشهيد عليه ،أمرهما الله تعالى بإلقائه في
نار جهنم وبئس المصير.
َ
فارٍ عَِنيد ٍ { أي :كثير الكفر والتكذيب بالحق ،ل كَ ّ م كُ ّ جهَن ّ َ
قَيا ِفي َ } أل ْ ِ
خي ْرِ { مّناٍع ل ِل ْ َ
} عنيد { :معاند للحق ،معارض له بالباطل مع علمه بذلكَ } .
أي :ل يؤدي ما عليه من الحقوق ،ول بر فيه ول صلة ول صدقة } ،معتد {
أي :فيما ينفقه ويصرفه ،يتجاوز فيه الحد.
وقال قتادة :معتد في منطقه وسيرته وأمره.
} مريب { أي :شاك في أمره ،مريب لمن نظر في أمره.
ْ َ
خَر { أي :أشرك بالله فعبد معه غيره } ،فَأل ِ
قَياهُ معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ ل َ جعَ َذي َ } ال ّ ِ
قا من النار يبرز للخلئق ديدِ { .وقد تقدم في الحديث :أن عن ً ش ِ ب ال ّ ذا ِِفي ال ْعَ َ
فينادي بصوت يسمع الخلئق :إني وكلت بثلثة ،بكل جبار ،ومن جعل مع
الله إلها آخر ،وبالمصورين ثم تلوى ) (5عليهم.
قال المام أحمد :حدثنا معاوية -هو ابن هشام -حدثنا شيبان ،عن ِفراس
عن عطية ) ، (6عن أبي سعيد الخدري عن نبي الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال " :يخرج عنق من النار يتكلم ،يقول :وكلت اليوم بثلثة :
__________
) (1في أ " :بما عمل".
) (2في م ،أ " :معد".
) (3في أ " :محص".
) (4تفسير الطبري ).(26/103
) (5في م ،أ " :تنطوي".
) (6في م " :حدثنا شيبان هو ابن هشام عن فراس عن عطية".
) (7/402
ة
جن ّ ُت ال ْ َ ف ِ زيد ٍ ) (30وَأ ُْزل ِ َ مَ ِ
ن َ م ْ ل ِ ل هَ ْ
قو ُت وَت َ ُ مت ََل ْ ِ لا ْ م هَ ِ جهَن ّ َل لِ َ قو ُ م نَ ُ ي َوْ َ
ي ش خ
َ ْ َ ِ َ ن م (32 ) ظ في ح
ّ ٍ َ ِ ٍب وا أ ّ
ل ُ ك ل ن دو ع
َ ُ َ ُ َ ِتو ما َ
ذا َ ه ( 31 ) م ِّ َ َْ َِ ٍ
د عي ب ر يَ غ ن قي ت ل ِل ْ ُ
خُلود ِ )(34 م ال ْ ُك ي َوْ ُ سَلم ٍ ذ َل ِ َ خُلو َ
ها ب ِ َ ب ) (33اد ْ ُ مِني ٍ ب ُ قل ْ ٍجاَء ب ِ َب وَ َ ن ِبال ْغَي ْ ِ م َ ح َالّر ْ
زيد ٌ )(35 م ِن ِفيَها وَل َد َي َْنا َ شاُءو َ ما ي َ َ م َ ل َهُ ْ
بكل جبار ،ومن جعل مع الله إلها آخر ،ومن قتل نفسا بغير نفس ).(1
فتنطوي عليهم ،فتقذفهم في غمرات جهنم" ).(2
ه { :قال ابن عباس ،ومجاهد ،وقتادة ،وغيرهم :هو الشيطان
َ ل قَ ِ
رين ُ ُ } َقا َ
ه { أي :يقول عن النسان الذي قد وافى ما أط ْغَي ْت ُ ُ الذي وكل به َ } :رب َّنا َ
َ
ه { أي :ما ما أط ْغَي ْت ُ ُالقيامة كافًرا ،يتبرأ منه شيطانه ،فيقول َ } :رب َّنا َ
ل ب َِعيد ٍ { أي :بل كان هو في نفسه ضال قابل ضل ٍ ن ِفي َ كا َ ن َ أضللته } ،وَل َك ِ ْ
دا للحق .كما أخبر تعالى في الية الخرى في قوله } :وََقا َ
ل للباطل معان ً
َ َ ْ ّ
ما
م وَ َ فت ُك ُ ْ
خل ْم فَأ ْ حقّ وَوَعَد ْت ُك ُ ْ م وَعْد َ ال َ ه وَعَد َك ُ ْن الل َ مُر إ ِ ّي ال ْ ض َ ما قُ ِ ن لَ ّ شي ْ َ
طا ُ ال ّ
ُ ُ َ َ ْ َ
موا موِني وَلو ُ م ِلي َفل ت َلو ُ جب ْت ُ ْست َ َ ن د َعَوْت ُك ُ ْ
م َفا ْ ن ِإل أ ْ سلطا ٍ ن ُ م ْ م ِن ِلي عَلي ْك ُ ْ َ
كا َ
ن
م ْموِني ِ شَرك ْت ُ ُ ما أ َ ْ ت بِ َ فْر ُ ي إ ِّني ك َ َ خ ّ صرِ ِ م ْ م بِ ُ
َ
ما أن ْت ُ ْ م وَ َ خك ُ ْ صرِ ِ م ْ ما أَنا ب ِ ُ
َ
م َ سك ُ ْ ف َ أ َن ْ ُ
َ
م { ] إبراهيم .[ 22 : ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ ن ل َهُ ْ مي َ ظال ِ ِ ن ال ّ ل إِ ّ قَب ْ ُ
موا ل َد َيّ { يقول ) (3الرب عز وجل للنسي وقرينه ص ُ خت َ ِ ل ل تَ ْ وقوله َ } :قا َ
من الجن ،وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق فيقول النسي :يا رب ،هذا
َ
ه وَل َك ِ ْ
ن ما أط ْغَي ْت ُ ُ أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني .ويقول الشيطان َ } :رب َّنا َ
ل ب َِعيد ٍ { أي :عن منهج الحق .فيقول الرب عز وجل لهما } :ل ضل ٍ ن ِفي َ كا َ َ
عيدِ { أي :قد أعذرت ْ
م ِبالوَ ِ َ
ت إ ِلي ْك ُ ْ م ُ موا لد َيّ { أي :عندي } ،وَقَد ْ قَد ّ ْ َ ص ُ خت َ ِ تَ ْ
إليكم على ألسنة الرسل ،وأنزلت الكتب ،وقامت عليكم الحجج والبينات
والبراهين.
ل ل َدي { قال مجاهد :يعني قد قضيت ما أنا قاض } ،وما أناَ ْ
َ َ َ قو ْ ُ َ ّ ل ال َ ما ي ُب َد ّ ُ } َ
دا إل ظلم ٍ ل ِلعَِبيد ِ { أي :لست أعذب أحدا بذنب أحد ،ولكن ل أعذب أح ً ْ بِ َ
بذنبه ،بعد قيام الحجة عليه.
ة
جن ّ ُ ْ ُ ل هَ ْ قو ُ قو ُ
ت ال َ ف ِ زيد ٍ ) (30وَأْزل ِ َ م ِن َ م ْ ل ِ ت وَت َ ُ مَتل ِ لا ْ م هَ ِ جهَن ّ َ ل لِ َ م نَ ُ } ي َوْ َ
َ
ي
ش َ خ ِ ن َ م ْ ظ )َ (32 في ٍ ح ِ ب َ ل أّوا ٍ ُ
ن ل ِك ّ دو َ ما ُتوعَ ُ ذا َ ن غي َْر ب َِعيد ٍ ) (31هَ َ َ قي َ مت ّ ِ ل ِل ْ ُ
خُلود ِ )(34 م ال ْ ُ ك ي َوْ ُ سلم ٍ ذ َل ِ َ ها ب ِ َخُلو َ ب ) (33اد ْ ُ مِني ٍ ب ُ قل ْ ٍ جاَء ب ِ َ ب وَ َ ن ِبال ْغَي ْ ِ م َ ح َ الّر ْ
زيد ٌ ){ (35 م ِ َ
ن ِفيَها وَلد َي َْنا َ ما ي َشاُءو َ َ م َ ل َهُ ْ
يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة :هل امتلت ؟ وذلك أنه وعدها أن
سيملؤها من الجنة والناس أجمعين ،فهو سبحانه يأمر بمن ) (4يأمر به
زيد ٍ { أي :هل بقي شيء تزيدوني ؟ م ِ ن َ م ْ ل ِ إليها ،ويلقى وهي تقول } :هَ ْ
هذا هو الظاهر من سياق الية ،وعليه تدل الحاديث :
قال البخاري عند تفسير هذه الية :حدثنا عبد الله بن أبي السود ،حدثنا
مارة حدثنا شعبة ،عن قتادة ،عن أنس بن مالك ،عن النبي حَرمي بن عُ َ َ
قى في النار ،وتقول :هل من مزيد ،حتى صلى الله عليه وسلم قال ُ" :يل َ
يضع قدمه فيها ،فتقول قط قط" ).(5
__________
) (1في م " :حق".
) (2المسند ).(3/40
) (3في م " :يقوله".
) (4في م " :من".
) (5صحيح البخاري برقم ).(4848
) (7/403
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الوهاب ،عن سعيد ،عن قتادة ،عن أنس قال
:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ل تزال جهنم يلقى فيها وتقول :
هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه ،فينزوي بعضها إلى بعض ،
مك ول يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله وتقول :قط قط ،وعزتك وك ََر ِ
لها خلقا آخر فيسكنهم في فضول ) (1الجنة" ).(2
ثم رواه مسلم من حديث قتادة ،بنحوه ) .(3ورواه أبان العطار وسليمان
التيمي ،عن قتادة ،بنحوه ).(4
حديث آخر :قال ) (5البخاري :حدثنا محمد بن موسى القطان ،حدثنا أبو
وف ،عن محمد عن أبي سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهدي ،حدثنا عَ ْ
هريرة -رفعه ،وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان " : -يقال لجهنم :هل
امتلت ،وتقول :هل من مزيد ،فيضع الرب ،عز وجل ،قدمه عليها )، (6
فتقول :قط قط" ).(7
رواه أيوب وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين ،به ).(8
طريق أخرى :قال ) (9البخاري :وحدثنا عبد الله بن محمد ،حدثنا عبد
الرزاق ،أخبرنا معمر عن همام ) (10عن أبي هريرة قال :قال النبي صلى
الله عليه وسلم " :تحاجت الجنة والنار ،فقالت النار :أوثرت بالمتكبرين
والمتجبرين .وقالت الجنة :ما لي ل يدخلني إل ضعفاء الناس وسقطهم .قال
الله ،عز وجل ،للجنة :أنت رحمتي ،أرحم بك من أشاء من عبادي .وقال
للنار :إنما أنت عذابي ،أعذب بك من أشاء من عبادي ،ولكل واحدة منكما
ملؤها ،فأما النار فل تمتلئ حتى يضع رجله ،فتقول :قط قط ،فهنالك
تمتلئ ويزوي ) (11بعضها إلى بعض ول يظلم الله من خلقه أحدا ،وأما
الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا آخر" ).(12
حديث آخر :قال ) (13مسلم في صحيحه :حدثنا عثمان بن أبي شيبة ،
حدثنا جرير ،عن العمش ،عن أبي صالح ،عن أبي سعيد قال :قال رسول
ي
الله صلى الله عليه وسلم " :احتجت الجنة والنار ،فقالت النار :ف ّ
ي ضعفاء الناس ومساكينهم .فقضى الجبارون والمتكبرون .وقالت الجنة :ف ّ
بينهما ،فقال للجنة :إنما أنت رحمتي ،أرحم بك من أشاء من عبادي .وقال
للنار :إنما أنت عذابي ،أعذب بك من
__________
) (1في أ " :فضل".
) (2المسند ).(3/234
) (3صحيح مسلم برقم ).(4848
) (4أخرجه الطبري في تفسيره ).(26/106
) (5في م " :وقال".
) (6في م " :عليها قدمه".
) (7صحيح البخاري برقم ).(4849
) (8رواه احمد في مسنده ) (2/507من طريق هشام بن حسان به .ورواه
الطبري في تفسيره ) (26/107من طريق أيوب وهشام بن حسان به.
) (9في م " :وقال".
) (10في م " :همام بن منبه".
) (11في أ " :ينزوي".
) (12صحيح البخاري برقم ).(4850
) (13في م " :وقال".
) (7/404
أشاء من عبادي ،ولكل واحدة منكما ملؤها" انفرد به مسلم دون البخاري )
(1من هذا الوجه .والله ،سبحانه وتعالى ،أعلم.
وقد رواه المام أحمد من طريق أخرى ،عن أبي سعيد بأبسط من هذا
السياق فقال :
حدثنا حسن وروح قال حدثنا حماد بن سلمة ،عن عطاء بن السائب ،عن
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ،عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال " :افتخرت الجنة والنار ،فقالت النار :يا رب ،يدخلني
الجبابرة والمتكبرون والملوك والشراف .وقالت الجنة :أي رب ،يدخلني
الضعفاء والفقراء والمساكين .فيقول الله ،عز وجل ،للنار :أنت عذابي ،
أصيب بك من أشاء .وقال للجنة :أنت رحمتي ،وسعت كل شيء ،ولكل
واحدة منكما ملؤها ،فيلقى في النار أهلها فتقول :هل من مزيد ؟ قال :
ويلقى فيها وتقول :هل من مزيد ؟ ويلقى فيها وتقول :هل من مزيد ؟ حتى
يأتيها ) (2عز وجل ،فيضع قدمه عليها ،فتزوي وتقول :قدني ،قدني .وأما
الجنة فيبقى فيها ما شاء الله أن يبقى ،فينشئ الله لها خلقا ما يشاء" ).(3
مك َْرم ،حديث آخر :وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده :حدثنا عقبة بن ُ
عدي بن ثابت ،عن زِّر بن حدثنا يونس ،حدثنا عبد الغفار بن القاسم ،عن ُ
حب َْيش ،عن أبي بن كعب ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ُ
"يعرفني الله ،عز وجل ،نفسه يوم القيامة ،فأسجد سجدة يرضى بها
عني ،ثم أمدحه مدحة يرضى بها عني ،ثم يؤذن لي في الكلم ،ثم تمر
أمتي على الصراط -مضروب بين ظهراني جهنم -فيمرون أسرع من
الطرف والسهم ،وأسرع من أجود الخيل ،حتى يخرج الرجل منها يحبو ،
وهي العمال .وجهنم تسأل المزيد ،حتى يضع فيها قدمه ،فينزوي بعضها
إلى بعض وتقول :قط قط! وأنا على الحوض" .قيل :وما الحوض يا رسول
الله ؟ قال " :والذي نفسي بيده ،إن شرابه أبيض من اللبن ،وأحلى من
العسل ،وأبرد من الثلج ،وأطيب ريحا من المسك .وآنيته أكثر من عدد
النجوم ،ل يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا ،ول يصرف فيروى أبدا" ) .(4وهذا
القول هو اختيار ابن جرير.
ماني )(5 وقد قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو سعيد الشج ،حدثنا أبو يحيى الح ّ
ل
م هَ ِجهَن ّ َ قو ُ
ل لِ َ م نَ ُ
عن نضر الخزاز ،عن عكرمة ،عن ابن عباس } ،ي َوْ َ
زيد ٍ { قال :ما امتلت ،قال :تقول :وهل في من م ِ
ن َم ْ ل هَ ْ
ل ِ قو ُت وَت َ ُ
مَتل ِ
ا ْ
مكان يزاد في.
زيد ٍ { :وهل في م ِ
ن َ م ْل ِ ل هَ ْ
قو ُ
وكذا روى الحكم بن أبان عن عكرمة } :وَت َ ُ
مدخل واحد ،قد
__________
) (1صحيح مسلم برقم ).(2847
) (2في م " :يأتيها ربها".
) (3المسند ).(3/13
) (4ورواه ابن أبي عاصم في السنة برقم ) (790من طريق عقبة بن مكرم
به.
وقال اللباني " :إسناده موضوع آفته عبد الغفار بن القاسم ،وهو أبو مريم
النصاري كان يضع الحديث كما قال ابن المديني وأبو داود".
) (5في م " :الحمان".
) (7/405
امتلت.
دا
]و[ ) (1قال الوليد بن مسلم ،عن يزيد بن أبي مريم أنه سمع مجاه ً
ي[ ) (2من يقول :ل يزال يقذف فيها حتى تقول :قد امتلت فتقول :هل ]ف ّ
مزيد ؟ وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا.
ت { ،إنما هو بعد ما يضع عليها قدمه
مَتل ِ
لا ْ
فعند هؤلء أن قوله تعالى } :هَ ِ
،فتنزوي وتقول حينئذ :هل بقي في ]من[ ) (3مزيد ؟ يسع شيئا.
قال العوفي ،عن ابن عباس :وذلك حين ل يبقى فيها موضع ]يسع[ )(4
إبرة .فالله ) (5أعلم.
ن غَي َْر ب َِعيد ٍ { :قال قتادة ،وأبو مالك ،ت ال ْ َ ّ ُ ِ ُ ّ ِ َ
قي ت م ْ ل ل ة ن ج ف ِ وقوله } :وَأ ُْزل ِ َ
ت { أدنيت وقربت من المتقين } ،غَي َْر ب َِعيدٍ { وذلك يوم ف ِ والسدي } :أ ُْزل ِ َ
القيامة ،وليس ببعيد ؛ لنه واقع ل محالة ،وكل ما هو آت آت.
ذا ما توعَدون ل ِك ُ ّ َ
ب { ) (6أي :رجاع تائب مقلع } ،حفيظ { أي : ل أّوا ٍ ُ َ } هَ َ َ ُ
يحفظ العهد فل ينقضه و]ل[ ) (7ينكثه.
سا ]فيقوم[ )(8 وقال عبيد بن عمير :الواب :الحفيظ الذي ل يجلس مجل ً
حتى يستغفر الله ،عز وجل.
ب { أي :من خاف الله في سره حيث ل يراه أحد ن ِبال ْغَي ْ ِ م َ ح َ ي الّر ْ ش َ خ ِ ن َ م ْ} َ
إل الله .كقوله ]عليه السلم[ ) (9ورجل ذكر الله خاليا ،ففاضت عيناه".
ب { أي :ولقي الله يوم القيامة بقلب سليم منيب إليه مِني ٍ ب ُ قل ْ ٍجاَء ب ِ َ } وَ َ
خاضع لديه.
سلم ٍ { ،قال قتادة :سلموا من عذاب الله ، ها { أي :الجنة } ب ِ َ خُلو َ } اد ْ ُ
وسلم عليهم ملئكة الله.
دا ،ول ً أب يموتون فل الجنة في يخلدون : أي { خ ُ ِ
د لو م ال ْ ُ ك ي َوْ ُ وقوله } :ذ َل ِ َ
دا ،ول يبغون عنها حول. يظعنون أب ً
ن ِفيَها { أي :مهما اختاروا وجدوا من أي أصناف شاُءو َ ما ي َ َ م َ وقوله } :ل َهُ ْ
الملذ طلبوا أحضر لهم.
قّية ،
عة ،حدثنا عمرو بن عثمان ،حدثنا ب َ ِ قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو ُزْر َ
مّرة قال :من مْعدان ،عن كثير بن ُ حير ) (10بن سعد ،عن خالد بن َ عن ب َ ِ
المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول :ماذا تريدون فأمطره لكم ؟ فل
يدعون بشيء إل أمطرتهم .قال كثير :لئن أشهدني الله ذلك لقولن :
أمطرينا جواري مزينات.
__________
) (1زيادة من م.
) (2زيادة من م.
) (3زيادة من م.
) (4زيادة من م ،أ.
) (5في م " :والله".
) (6في أ ) :أواب حفيظ(.
) (7زيادة من م.
) (8زيادة من م ،أ.
) (9زيادة من م ،أ.
) (10في م " :يحيى".
) (7/406
وفي الحديث عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :
"إنك لتشتهي الطير في الجنة ،فيخر بين يديك مشويا" ).(1
وقال المام أحمد :حدثنا علي بن عبد الله ،حدثنا معاذ بن هشام ،حدثني
أبي عن عامر الحول ،عن أبي الصديق ) ، (2عن أبي سعيد الخدري ؛ أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة ،
سّنه في ساعة واحدة". كان حمله ووضعه و ِ
ورواه الترمذي وابن ماجه ،عن ب ُْندار ،عن معاذ بن هشام ،به ) (3وقال
الترمذي :حسن غريب ،وزاد "كما يشتهي".
َ
سَنى وَزَِياد َة ٌ { سُنوا ال ْ ُ
ح ْ ح َ
نأ ْذي َزيد ٌ { كقوله تعالى } :ل ِل ّ ِ م ِوقوله } :وَل َد َي َْنا َ
صَهيب بن سنان الرومي : ] يونس .[26 :وقد تقدم في صحيح مسلم عن ُ
أنها النظر إلى وجه الله الكريم .وقد روى البزار وابن أبي حاتم ،من حديث
شريك القاضي ،عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ،عن أنس بن مالك في
زيد ٌ { قال :يظهر لهم الرب ،عز وجل ،في كل قوله عز وجل } :وَل َد َي َْنا َ
م ِ
جمعة ).(4
عا فقال في مسنده :أخبرنا وقد رواه المام أبو عبد الله الشافعي مرفو ً
إبراهيم بن محمد ،حدثني موسى بن عبيدة ،حدثني أبو الزهر معاوية بن
إسحاق بن طلحة ،عن عبد الله بن عبيد بن عمير ) (5أنه سمع أنس بن
مالك يقول :أتى جبرائيل بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى رسول الله ،فقال النبي
ت بها أنت ضل َ) (6صلى الله عليه وسلم " :ما هذه ؟" فقال :هذه الجمعة ،فُ ّ
وأمتك ،فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ،ولكم فيها خير ،ولكم فيها
ساعة ل يوافقها مؤمن ) (7يدعو الله بخير إل استجيب له ،وهو عندنا يوم
المزيد .قال النبي صلى الله عليه وسلم " :يا جبريل ،وما يوم المزيد ؟" قال
:إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب المسك ،فإذا كان يوم
الجمعة أنزل الله ما شاء ) (8من ملئكته ،وحوله منابر من نور ،عليها
مقاعد النبيين ،وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب ،مكللة بالياقوت والزبرجد
،عليها الشهداء والصديقون ) (9فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب ،
فيقول الله عز وجل :أنا ربكم ،قد صدقتكم وعدي ،فسلوني أعطكم.
فيقولون :ربنا ،نسألك رضوانك ،فيقول :قد رضيت عنكم ،ولكم علي ما
تمنيتم ،ولدي مزيد .فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من
الخير ،وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش ،وفيه خلق آدم ،وفيه
تقوم الساعة".
__________
) (1رواه الحسن بن عرفة في جزئه برقم ) (22والبزار في مسنده برقم )
" (3532كشف الستار" وابن عدي في الكامل ) (6/689من طريق خلف بن
خليفة عن حميد العرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود مرفوعا به.
وفيه حميد العرج ،قال البخاري :منكر الحديث وقال ابن حبان :أحاديثه
شبه الموضوعة.
) (2في م " :عن أبي بكر الصديق".
) (3المسند ) (3/9وسنن الترمذي برقم ) (2563وسنن ابن ماجة برقم )
.(4338
) (4في أ " :جهة".
) (5في م " :عن عبيد الله بن عمير" وفي الصل " :عبد الله عمير"
والتصويب من الم للشافعي.
) (6في م " :رسول الله".
) (7في أ " :ل يوافقها عبد مؤمن".
) (8في م " :ناسا".
) (9في أ " :الصالحون".
) (7/407
) (7/408
ن
م ْ
ل ِ قُبوا ِفي ال ْب َِلد ِ هَ ْ شا فَن َ ّم ب َط ْ ً من ْهُ ْ شد ّ ِ م أَ َ ن هُ ْ ن قَْر ٍ م ْم ِ م أهْل َك َْنا قَب ْل َهُ ْ
وك َ َ
َ ْ
معَ وَهُوَ َ ْ كان ل َه قَل ْب أ َو أ َ َ ْ َ َ َ
شِهيد ٌ ّ ْس ال قى َ ل ْ ٌ ُ َ ن
َ ْ م ِ ل رى َ كِ ذ ل ك ِ ل ذ فيِ ن ّ ِ إ ( 36 ) ص
حي ٍ م َِ
ن م نا س م ما و م يا َ أ ة ت س في ما ه ن ي ب ما و ض رَ ْ
ل وا ت وا ما س ال نا ْ ق َ ل خ
َ د َ قَ ل و ( 37 )
ْ ِ َ ّ ٍ َ َ َ ّ ِ ّ ِ ِ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ِ َ َ ّ َ ْ َ
س ل طلوِع ال ّ ُ ُ َ
مد ِ َرب ّك قَب ْ َ ُ َ ب )َ (38فا ْ ل ُُغو ٍ
م ِ ش ْ ح ْ ح بِ َ
َ
سب ّ ْ ن وَ َ قولو َ ما ي َ ُ صب ِْر عَلى َ
جود ِ )(40 س ُ ه وَأد َْباَر ال ّ ح ُ سب ّ ْل فَ َ ن الل ّي ْ ِ م َ ب ) (39وَ ِ ل ال ْغُُرو ِ وَقَب ْ َ
ن
م ْ ل ِ قُبوا ِفي ال ِْبلد ِ هَ ْ شا فَن َ ّ م ب َط ْ ً من ْهُ ْ شد ّ ِ م أَ َ ن هُ ْ ن قَْر ٍ م ْ م ِ م أهْل َك َْنا قَب ْل َهُ ْ
} وك َ َ
َ ْ
د هي ش َ و ه و ع م س ال قى َ ْ ل كان ل َه قَل ْب أ َو أ َ َ ن م ل رى ْ ك ذَ ل كَ لَ ذ في ن إ ( 36 ) ص
ِ ٌ ُ
ّ ْ َ َ َ
َ
ٌ ْ َ ُ َ ْ ِ َ ِ ِ ِ ِ ّ حي ٍ م ِ
َ
ن
ْ م
ِ نا َ س م ما
ٍ َ َ َ ّو مياّ أ ِ ة ّ ت س
ِ في ِ ما
ُ َ هَ نْ ي َ ب ما و ض
َ ْ َ َ َ ر وال ت ِ وا
ّ َ َم س ال ناَ ْ ق َ ل خ
َ ْ د َ ق َ لَ و ( 37 )
س ُ ُ
ل طلوِع ال ّ ك قَب ْ َ مد ِ َرب ّ َ ُ َ ب )َ (38فا ْ ل ُُغو ٍ
م ِ ش ْ ح ْ ح بِ َ
َ
سب ّ ْ ن وَ َ قولو َ ما ي َ ُ صب ِْر عَلى َ
جود ِ ){ (40 س ُ ه وَأد َْباَر ال ّ ح ُسب ّ ْل فَ َ ن الل ّي ْ ِ م َ ب ) (39وَ ِ ل ال ْغُُرو ِ وَقَب ْ َ
َ
م
من ْهُ ْ
شد ّ ِ مأ َ ن قَْر ٍ
ن هُ ْ م ْ يقول تعالى :وكم أهلكنا قبل هؤلء المنكرين )ِ } : (1
شا { أي :كانوا أكثر منهم وأشد قوة ،وأثاروا الرض وعمروها أكثر مما ب َط ْ ً
قُبوا ِفي ال ِْبلد ِ { قال ابن عباس :أثروا فيها. عمروها ؛ ولهذا قال هاهنا } :فَن َ ّ
قُبوا ِفي ال ِْبلدِ { :ضربوا في الرض .وقال قتادة : وقال مجاهد } :فَن َ ّ
فساروا في البلد ،أي ساروا فيها يبتغون الرزاق والمتاجر والمكاسب أكثر
مما طفتم أنتم فيها ويقال لمن طوف في البلد :نقب فيها .قال امرؤ القيس
:
ب )(2 يا
َ ِ بال نيمة
َِ غال من ت
ُ رضي تى... ح
َ ّ الفاق في ت ب
َ ْ ُّ قن لقد
__________
) (1في م ،أ " :المكذبين".
) (2البيت في تفسير الطبري ).(26/110
) (7/408
ص { أي :هل من مفر كان لهم من قضاء الله وقدره حي ٍ م ِ ن َ م ْ ل ِ وقوله } :هَ ْ
؟ وهل نفعهم ما جمعوه ورد عنهم عذاب الله إذ جاءهم لما كذبوا الرسل ؟
ضا ل مفر لكم ول محيد ول مناص ول محيص. فأنتم أي ً
ب ُ
ب { أي :ل ّ ه قل ٌ ْ َ َ
نل ُ َ
ن كا َ م ْ ن ِفي ذ َل ِك لذِكَرى { أي :لعبرة } ل ِ َ ْ َ َ وقوله } :إ ِ ّ
شِهيد ٌ { أي :استمع معَ وَهُوَ َ ْ َ َ
س ْ قى ال ّ ي َِعي به .وقال مجاهد :عقل } أوْ أل َ
الكلم فوعاه ،وتعقله بقلبه وتفهمه بلبه.
و ه
َ ُ َ و } ، بغيره نفسه يحدث ل : معَ { يعني س ْ قى ال ّ وقال مجاهد } :أ َوْ أ َل ْ َ
شِهيد ٌ { وقال :شاهد بالقلب ).(1 َ
وقال الضحاك :العرب تقول :ألقى فلن سمعه :إذا استمع بأذنيه وهو
شاهد يقول غير غائب .وهكذا قال الثوري وغير واحد.
سَنا َ خل َ ْ وقوله } :وَل َ َ
م ّ ما َ ست ّةِ أّيام ٍ وَ َ ما ِفي ِ ما ب َي ْن َهُ َ ض وَ َ ت َوالْر َ وا ِ م َ س َ قَنا ال ّ قد ْ َ
ب { :فيه تقرير المعاد ؛ لن من قدر على خلق السموات والرض ن ل ُُغو ٍ م ْ ِ
ولم يعي بخلقهن ،قادر على أن يحيي الموتى بطريق الولى والحرى.
وقال قتادة :قالت اليهود -عليهم لعائن الله : -خلق الله السموات والرض
في ستة أيام ،ثم استراح في اليوم السابع ،وهو يوم السبت ،وهم يسمونه
ن
م ْ سَنا ِ م ّ ما َ يوم الراحة ،فأنزل الله تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه } :وَ َ
ب { أي :من إعياء ول نصب ول تعب ،كما قال في الية الخرى : ل ُُغو ٍ
َ َ
قادٍِر ن بِ َ قهِ ّ خل ْ ِ ي بِ َ م ي َعْ َ ض وَل َ ْ ت َوالْر َ وا ِ م َس َ خل َقَ ال ّ ذي َ ه ال ّ ِ ن الل ّ َ م ي ََرْوا أ ّ } أوَل َ ْ
ه عََلى ك ُ ّ َ
ديٌر { ] الحقاف ، [ 33 : يٍء قَ ِ ش ْ ل َ موَْتى ب ََلى إ ِن ّ ُ ي ال ْ َ حي ِ َ ن يُ ْ عََلى أ ْ
ن َ ْ َ
س { ] غافر [ 57 : ق الّنا ِ خل ِ م ْ ض أك ْب َُر ِ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ خل ْقُ ال ّ وكما قال } :ل َ َ
ها { ] النازعات .[ 27 : ماُء ب ََنا َ َ خل ْ ً م أَ َ ََ
س َ قا أم ِ ال ّ شد ّ َ وقال } أأن ْت ُ ْ
ن { يعني :المكذبين ،اصبر عليهم واهجرهم قوُلو َ ما ي َ ُ صب ِْر عََلى َ وقوله َ } :فا ْ
ب { ،وكانت ل ال ْغُُرو ِ س وَقَب ْ َ م ِ ش ْ ل ط ُُلوِع ال ّ ك قَب ْ َ مد ِ َرب ّ َ ح ْ ح بِ َ سب ّ ْ هجًرا جميل } وَ َ
الصلة المفروضة قبل السراء ثنتين قبل طلوع الشمس في وقت الفجر ،
وقبل الغروب في وقت العصر ،وقيام الليل كان واجًبا على النبي صلى الله
عليه وسلم وعلى أمته حول ثم نسخ في حق المة وجوبه .ثم بعد ذلك نسخ
الله ذلك كله ليلة السراء بخمس صلوات ،ولكن منهن ) (2صلة الصبح
والعصر ،فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.
وقد قال المام أحمد :حدثنا وكيع ،حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ،عن قيس
بن أبي حازم ) ، (3عن جرير بن عبد الله قال :كنا جلوسا عند النبي صلى
الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال " :أما إنكم ستعرضون على
ربكم فترونه كما ترون هذا القمر ،ل تضامون فيه ،فإن استطعتم أل تغلبوا
ح
سب ّ ْعلى صلة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ،فافعلوا" ثم قرأ } :وَ َ
ل ال ْغُُرو ِ
ب{ س وَقَب ْ َ
م ِ ل ط ُُلوِع ال ّ
ش ْ مد ِ َرب ّ َ
ك قَب ْ َ ح ْ
بِ َ
__________
) (1في م " :القلب".
) (2في أ " :بينهن".
) (3في أ " :حاتم".
) (7/409
ورواه البخاري ومسلم وبقية الجماعة ،من حديث إسماعيل ،به ).(1
جد ْل فَت َهَ ّن الل ّي ْ ِ
م َ
ه { أي :فصل له ،كقوله } :وَ ِ ح ُ ل فَ َ
سب ّ ْ ن الل ّي ْ ِم َوقوله } :وَ ِ
َ َ َ ة لَ َ
ب ِهِ َنافِل َ ً
موًدا { ] السراء .[ 79 : ح ُ
م ْ
ما َ قا ً
م َن ي َب ْعَث َك َرب ّك َسى أ ْ ك عَ َ
جيح ،عن مجاهد ،عن ابن عباس :هو َ
جودِ { قال ابن أبي ن َ ِ س ُ } وَأد َْباَر ال ّ
التسبيح بعد الصلة.
ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال :جاء فقراء
َ
المهاجرين فقالوا :يا رسول الله ،ذهب أهل الدثور بالدرجات ) (2العُلى
والنعيم المقيم .فقال " :وما ذاك ؟" قالوا :يصلون كما نصلي ،ويصومون
كما نصوم ،ويتصدقون ول نتصدق ،ويعتقون ول نعتق! قال " :أفل أعلمكم
شيًئا إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ،ول يكون أحد أفضل منكم إل من فعل
مثل ما فعلتم ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلة ثلًثا وثلثين" .قال
:فقالوا :يا رسول الله ،سمع إخواننا أهل الموال ) (3بما فعلنا ،ففعلوا
مثله .قال " :ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" ).(4
جودِ { هما الركعتان بعد َ
س ُ
والقول الثاني :أن المراد بقوله } :وَأد َْباَر ال ّ
المغرب ،روي ذلك عن عمر وعلي ،وابنه الحسن وابن عباس ،وأبي هريرة
خِعي والحسن ، ،وأبي أمامة ،وبه يقول مجاهد ،وعكرمة ،والشعبي ،والن ّ َ
وقتادة وغيرهم.
قال المام أحمد :حدثنا وكيع وعبد الرحمن ،عن سفيان ،عن أبي إسحاق ،
مَرة ،عن علي قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ض ْ
عن عاصم بن َ
يصلي على أثر كل صلة مكتوبة ركعتين ) (5إل الفجر والعصر .وقال عبد
الرحمن :دبر كل صلة.
ورواه أبو داود والنسائي ،من حديث سفيان الثوري ،به ) .(6زاد النسائي :
ومطرف ،عن أبي إسحاق ،به ).(7
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ،حدثنا ابن فضيل ،
عن رشدين بن كريب ،عن أبيه ،عن ابن عباس قال :بت ليلة عند رسول
صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين خفيفتين ،اللتين قبل الفجر .ثم خرج
إلى الصلة فقال " :يا ابن عباس ،ركعتين قبل صلة الفجر إدبار النجوم ،
وركعتين بعد المغرب إدبار السجود".
ورواه الترمذي عن أبي هشام الرفاعي ،عن محمد بن فضيل ،به ) .(8وقال
:غريب ل نعرفه إل
__________
) (1المسند ) (4/365وصحيح البخاري برقم ) (4851وصحيح مسلم برقم )
(633وسنن أبي داود برقم ) (3729وسنن الترمذي برقم )(2551
والنسائي في السنن الكبرى برقم ) (11330وسنن ابن ماجه برقم ).(117
) (2في أ " :بالجور".
) (3في أ " :اليمان".
) (4صحيح البخاري برقم ) (6329وصحيح مسلم برقم ).(595
) (5في م " :ركعتين مكتوبة".
) (6المسند ) (1/124وسنن أبي داود برقم ) (1275والنسائي في السنن
الكبرى برقم ).(341
) (7النسائي في السنن الكبرى برقم ).(346
) (8سنن الترمذي برقم ).(3275
) (7/410
ق
ح ّ ة ِبال ْ َح َصي ْ َ ن ال ّ مُعو َ س َ م يَ ْ ب ) (41ي َوْ َ ري ٍ ن قَ ِ م َ
كا ٍ ن َ م ْ مَنادِ ِ م ي َُنادِ ال ْ ُ معْ ي َوْ َ ست َ ِ
َوا ْ
ققُ ش ّم تَ َ صيُر ) (43ي َوْ َ م ِ ْ َ
ت وَإ ِلي َْنا ال َمي ُحِيي وَن ُ ِ ن نُ ْ ح ُ خُروِج ) (42إ ِّنا ن َ ْ ْ
م ال ُ ك ي َوْ ُ ذ َل ِ َ
َ َ
ما
ن وَ َ قوُلو َ ما ي َ ُ
م بِ َن أعْل َ ُ ح ُسيٌر ) (44ن َ ْ شٌر عَل َي َْنا ي َ ِ ح ْ ك َ عا ذ َل ِ َسَرا ً م ِ ض عَن ْهُ ْ اْلْر ُ
جّبار فَذ َك ّر بال ْ ُ َ َ
عيد ِ )(45 ف وَ ِ
خا ُ ن يَ َم ْ ن َ قْرآ ِ ْ ِ م بِ َ ٍ ت عَل َي ْهِ ْ أن ْ َ
) (7/411
سيٌر { أي :تلك إعادة سهلة علينا ،يسيرة لدينا ، شٌر عَل َي َْنا ي َ ِ ح ْ ك َ وقوله } :ذ َل ِ َ
َ
صرِ { ] القمر ، [ 50 :وقال مٍح ِبال ْب َ َ حد َة ٌ ك َل َ ْ مُرَنا ِإل َوا ِ ما أ ْ كما قال تعالى } :وَ َ
صيٌر { ميعٌ ب َ ِس ِ ه َ ن الل ّ َ حد َةٍ إ ِ ّ س َوا ِ ف ٍ م ِإل ك َن َ ْ م َول ب َعْث ُك ُ ْ قك ُ ْ خل ْ ُ ما َ تعالى َ } :
] لقمان .[ 28 :
ن { أي :نحن علمنا محيط بما يقول لك ُ َ َ
قولو َ ما ي َ ُ م بِ َ ن أعْل ُ ح ُ وقوله } :ن َ ْ
م َ
قد ْ ن َعْل ُ َ
المشركون من التكذيب فل يهيدنك ذلك ،كقوله ]تعالى[ ) } : (1وَل َ
نَ .واعْب ُد ْ دي َج ِ سا ِ
ن ال ّ م َ ن ِ ك وَك ُ ْ مد ِ َرب ّ َ ح ْ ح بِ َ سب ّ ْن فَ َ قوُلو َ ما ي َ ُ ك بِ َ صد ُْر َ ضيقُ ْ َ ك يَ ِ أ َن ّ َ
ن { ] الحجر .[ 99 - 97 : قي ُ ك ال ْي َ ِ حّتى ي َأت ِي َ َ ك َ َرب ّ َ
َ
جّبارٍ { أي :ولست بالذي تجبر هؤلء على م بِ َ ت عَل َي ْهِ ْ ما أن ْ َ وقوله } :وَ َ
الهدى ،وليس ذلك ما كلفت به.
جّبارٍ { أي :ل تتجبر َ َ
م بِ َ ت عَلي ْهِ ْ ما أن ْ َ وقال مجاهد ،وقتادة ،والضحاك } :وَ َ
عليهم.
والقول الول أولى ،ولو أراد ما قالوه لقال :ول تكن جباًرا عليهم ،وإنما
َ
جّبارٍ { بمعنى :وما أنت بمجبرهم على اليمان إنما م بِ َ ت عَل َي ْهِ ْ ما أن ْ َ قال } :وَ َ
أنت مبلغ.
قال الفراء :سمعت العرب تقول :جبر فلن فلنا على كذا ) ، (2بمعنى
أجبره ).(3
عيدِ { أي :بلغ أنت رسالة ربك ، ف وَ ِ خا ُ ن يَ َ م ْ ن َ قْرآ ِ ْ
ثم قال تعالى } :فَذ َك ّْر ِبال ُ
فإنما ) (4يتذكر من يخاف الله ووعيده ويرجو وعده ،كقوله ]تعالى[ )} : (5
ب { ] الرعد ، [ 40 :وقوله } :فَذ َك ّْر إ ِن ّ َ
ما سا ُ ح َ ك ال َْبلغ ُ وَعَل َي َْنا ال ْ ِ ما عَل َي ْ َ فَإ ِن ّ َ
َ
س عَلي ْ َ َ َ َ ّ َ
ك سي ْط ِرٍ { ] الغاشية } ، [22 ، 21 :لي ْ َ م َ م بِ ُ ت عَلي ْهِ ْ س َ مذ َكٌر ل ْ ت ُ أن ْ َ
ن
م ْ دي َ ك ل ت َهْ ِ شاُء { ] البقرة } ، [ 272 :إ ِن ّ َ ن يَ َ م ْ دي َ ه ي َهْ ِ ن الل ّ َ م وَل َك ِ ّ داهُ ْ هُ َ
شاُء { ] القصص ، [ 56 :ولهذا قال هاهنا : ن يَ َ ّ َ َ
م ْ دي َ ه ي َهْ ِ ن الل َ ت وَلك ِ ّ حب َب ْ َ أ ْ
جّبارٍ فَذ َك ّْر ِبال ْ ُ َ
عيد ِ { كان قتادة يقول : ف وَ ِ خا ُ ن يَ َ م ْ ن َ قْرآ ِ م بِ َ ت عَل َي ْهِ ْ ما أن ْ َ } وَ َ
اللهم ،اجعلنا ممن يخاف وعيدك ،ويرجو موعودك ،يا بار ،يا رحيم.
آخر تفسير سورة)ق( ،والحمد لله وحده ،وحسبنا الله ونعم الوكيل
__________
زيادة من م. )(1
في م " :جبر فلن على فلن كذا". )(2
انظر تفسير الطبري ).(26/115 )(3
في م " :فأما". )(4
زيادة من م. )(5
) (7/412
ت
ما ِ
س َ
ق ّ سًرا )َ (3فال ْ ُ
م َ ت يُ ْ
جارَِيا ِت وِقًْرا )َ (2فال ْ َ مَل ِحا ِت ذ َْرًوا )َ (1فال ْ َ َوال ّ
ذارَِيا ِ
واقِعٌ )(6 َ َ َ
نل َ دي َ ن ال ّ
صادِقٌ ) (5وَإ ِ ّنل َ دو َما ُتوعَ ُ
مًرا ) (4إ ِن ّ َ أ ْ
) (7/413
ك) ن أ ُفِ َ م ْ ه َ ك عَن ْ ُ ف ) (8ي ُؤْفَ ُ خت َل ِ ٍم ْل ُ في قَوْ ٍ م لَ ِ ك ) (7إ ِن ّك ُ ْ ت ال ْ ُ
حب ُ ِ ماِء َذا ِ س َ } َوال ّ
َ ُ َ ّ ْ
م
ن ي َوْ ُن أّيا َ سألو َ ن ) (11ي َ ْ هو َ سا ُ مَرةٍ َ م ِفي غَ ْ ن هُ ْ ذي َ ن ) (10ال ِ صو َ خّرا ُ ل ال َ (9قُت ِ َ
ه
م بِ ِ ُ
ذي كن ْت ُ ْ ّ
ذا ال ِ م هَ َ ُ
ن )ُ (13ذوُقوا فِت ْن َت َك ْ فت َُنو َ م عَلى الّنارِ ي ُ ْ َ م هُ ْن ) (12ي َوْ َ دي ِ ال ّ
ن ){ (14 جلو َ ُ ست َعْ ِ تَ ْ
ماك ،عن خالد بن عَْرعََرة أنه سمع عليا س َ قال شعبة ) (1بن الحجاج ،عن ِ
فْيل ،سمع علًيا .وثبت ّ
ضا ،عن القاسم بن أبي بّزة ،عن أبي الط َ وشعبة أي ً
ضا من غير وجه ،عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :أنه صعد منبر أي ً
الكوفة فقال :ل تسألوني عن آية في كتاب الله ،ول عن سنة عن رسول
الله ،إل أنبأتكم بذلك .فقام إليه ابن الكواء فقال :يا أمير المؤمنين ،ما
ت ذ َْرًوا { ؟ قال :الريح ]قال[ ): (2 ذارَِيا ِ معنى قوله تعالى َ } :وال ّ
سًرا { ؟ ت يُ ْ جارَِيا ِ ت وِقًْرا { ؟ قال :السحاب] .قال[ )َ } : (3فال ْ َ مل ِ حا ِ } َفال ْ َ
َ
مًرا { ؟ قال :الملئكة ).(5 تأ ْ ما ِس َ
ق ّ م َ قال :السفن] .قال[ )َ } : (4فال ْ ُ
وقد روي في ذلك حديث مرفوع ،فقال الحافظ أبو بكر البزار :حدثنا
إبراهيم بن هانئ ،حدثنا سعيد بن سلم العطار ،حدثنا أبو بكر بن أبي
صِبيغ التميمي سب َْرة ،عن يحيى بن سعيد ،عن سعيد بن المسيب قال :جاء َ َ
تذارَِيا ِ إلى عمر بن الخطاب فقال :يا أمير المؤمنين ،أخبرني عن } ال ّ
ذ َْرًوا { ؟ فقال :هي الرياح ،ولول أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه
َ
مًرا { قال :هي تأ ْ ما ِ س َق ّم َ وسلم يقوله ما قلته .قال :فأخبرني عن } ال ْ ُ
الملئكة ،ولول أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته.
سًرا { قال :هي السفن ،ولول أني سمعت ت يُ ْ
جارَِيا ِقال :فأخبرني عن } ال ْ َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته .ثم أمر به فضرب مائة ،
وجعل في بيت ،فلما برأ )] (6دعا به و[ ) (7ضربه مائة أخرى ،وحمله على
قََتب ،وكتب إلى أبي موسى الشعري :امنع الناس من مجالسته .فلم يزل
كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف باليمان الغليظة ما يجد في نفسه مما كان
يجد شيئا .فكتب في ذلك إلى عمر ،فكتب عمر :ما إخاله إل صدق ،فخل
بينه وبين مجالسة الناس.
__________
) (1في أ " :سعيد".
) (2زيادة من م.
) (3زيادة من م.
) (4زيادة من م.
) (5رواه الطبري في تفسيره ) (26/115عن محمد بن المثنى عن محمد بن
جعفر عن شعبة به.
) (6في م " :برد".
) (7زيادة من م ،أ.
) (7/413
قال أبو بكر البزار :فأبو بكر بن أبي سبرة لين ،وسعيد بن سلم ليس من
أصحاب الحديث ).(1
قلت :فهذا الحديث ضعيف رفعه ،وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر ،
صِبيغ بن عسل مشهورة مع عمر ) ، (2وإنما ضربه لنه ظهر له فإن قصة َ
من أمره فيما يسأل تعنتا وعنادا ،والله أعلم.
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر هذه القصة في ترجمة صبيغ مطولة ) .(3وهكذا
فسرها ابن عباس ،وابن عمر ،ومجاهد ،وسعيد بن جبير ،والحسن ،
وقتادة ،والسدي ،وغير واحد .ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم غير ذلك.
وقد قيل :إن المراد بالذاريات :الريح كما تقدم وبالحاملت وقًرا :السحاب
كما تقدم ؛ لنها تحمل الماء ،كما قال زيد بن عمرو بن نفيل :
ذبا ُزلل )(4ل عَ ْم ُح ِن تَ ْ ت ...ل َ ُ
ه المْز ُ م ْ سل َ َنأ ْ م ْ فسي ل َ ت نَ ْ سل َ ْ
م ُ َوأ ْ
فأما الجاريات يسًرا ،فالمشهور عن الجمهور -كما تقدم : -أنها السفن ،
تجري ميسرة في الماء جريا سهل .وقال بعضهم :هي النجوم تجري يسرا )
(5في أفلكها ،ليكون ذلك ترقيا من الدنى إلى العلى ،إلى ما هو أعلى
منه ،فالرياح فوقها السحاب ،والنجوم فوق ذلك ،والمقسمات أمرا
الملئكة فوق ذلك ،تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية .وهذا قسم من الله
صادِقٌ { أي :لخبر ن لَ َ
دو َما ُتوعَ ُعز جل على وقوع المعاد ؛ ولهذا قال } :إ ِن ّ َ
ن { ،وهو :الحساب } لواقع { أي :لكائن ل محالة. دي َ ن ال ّ
صدق } ،وَإ ِ ّ
ك { قال ابن عباس :ذات البهاء والجمال حب ُ ِ ْ
ت ال ُ ماِء َذا ِ س َثم قال َ } :وال ّ
جب َْير ،وأبو مالك
والحسن والستواء .وكذا قال مجاهد ،وعكرمة ،وسعيد بن ُ
) ، (6وأبو صالح ،والسدي ،وقتادة ،وعطية العوفي ،والربيع بن أنس ،
وغيرهم.
من َْهال بن عمرو ،وغيرهما :مثل تجعد الماء والرمل وقال الضحاك ،وال ِ
والزرع إذا ضربته الريح ،فينسج بعضه بعضا طرائق ]طرائق[ ) ، (7فذلك
الحبك.
َ
قال ابن جرير :حدثني يعقوب بن إبراهيم ،حدثنا ابن عُلّية ،حدثنا أيوب ،
عن أبي قلبة ،عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ،عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قال " :إن من ورائكم الكذاب
حُبك" يعني بالحبك :الجعودة ).(8 حُبك ُالمضل ،وإن رأسه من ورائه ُ
ك{: حب ُ ِت ال ْ ُ
ك { :الشدة .وقال خصيف َ } :ذا ِ ت ال ْ ُ
حب ُ ِ وعن أبي صالح َ } :ذا ِ
ذات الصفافة.
__________
) (1مسند البزار برقم )" (2259كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )
" : (7/112فيه أبو بكر بن أبي سبرة ،وهو متروك".
) (2في م " :مع التميمي عمر".
) (3تاريخ دمشق )" (8/230القسم المخطوط".
) (4البيت في سيرة ابن هشام ).(1/231
) (5في أ " :سيرا".
) (6في م " :وابن مالك".
) (7زيادة من م ،أ.
) (8تفسير الطبري ) (26/118ورواه أحمد في مسنده ) (5/410من طريق
إسماعيل بن علية به.
) (7/414
ك { :حبكت بالنجوم. حب ُ ِت ال ْ ُ وقال الحسن بن أبي الحسن البصري َ } :ذا ِ
مْعدان بن أبي طلحة ،عن عمرو جْعد ،عن َ وقال قتادة :عن سالم بن أبي ال َ
ك { :يعني :السماء حب ُ ِ ْ
ت ال ُ ماِء َذا ِ س َالبكالي ،عن عبد الله بن عمرو َ } :وال ّ
السابعة.
وكأنه -والله أعلم -أراد بذلك السماء التي فيها الكواكب الثابتة ،وهي عند
كثير من علماء الهيئة في الفلك الثامن الذي فوق السابع ،والله أعلم .وكل
هذه القوال ترجع إلى شيء واحد ،وهو الحسن والبهاء ،كما قال ابن عباس
رضي الله عنهما ) ، (1فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة ،شديدة البناء
،متسعة الرجاء ،أنيقة البهاء ،مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات ،موشحة
بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات.
ف { أي :إنكم أيها المشركون المكذبون خت َل ِ ٍ
م ْل ُ في قَوْ ٍ م لَ ِوقوله } :إ ِن ّك ُ ْ
للرسل لفي قول مختلف مضطرب ،ل يلتئم ول يجتمع.
وقال قتادة :إنكم لفي قول مختلف ] ،يعني[ ) (2ما بين مصدق بالقرآن
ومكذب به.
ك { أي :إنما يروج على من هو ضال في نفسه ؛ لنه ُ
ن أفِ َ } ي ُؤْفَ ُ
م ْ ه َ ك عَن ْ ُ
مر ،قول باطل إنما ينقاد له ويضل بسببه ويؤفك عنه من هو مأفوك ضال غَ ْ
م عَل َي ْهِ ب ِ َ َ
ن
م ْن ِإل َفات ِِني َ ما أن ْت ُ ْ ن َ دو َ ما ت َعْب ُ ُم وَ َل فهم له ،كما قال تعالى } :فَإ ِن ّك ُ ْ
حيم ِ { ] الصافات .[ 163 - 161 : ج ِ ل ال ْ َصا ِهُوَ َ
َ ُ ُ
ن أفِك { :يضل عنه من ضل. م ْ ه َقال ابن عباس ،والسدي } :ي ُؤْفَك عَن ْ ُ
ك { يؤفن عنه من أفن .وقال الحسن ن أ ُفِ َ م ْ ه َك عَن ْ ُ وقال مجاهد } :ي ُؤْفَ ُ
البصري :يصرف عن هذا القرآن من كذب به.
ن { قال مجاهد :الكذابون .قال :وهي مثل التي صو َ خّرا ُ ل ال ْ َ وقوله } :قُت ِ َ
فَره ُ { ] عبس ، [ 17 :والخراصون الذين ما أ َك ْ َ
ن َ سا ُل الن ْ َفي عبس } :قُت ِ َ
يقولون ل نبعث ول يوقنون.
ن { أي :لعنصو َخّرا ُ ْ َ ُ
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس } :قت ِل ال َ
المرتابون.
وهكذا كان معاذ ،رضي الله عنه ،يقول في خطبه :هلك المرتابون .وقال
قتادة :الخراصون أهل الغرة والظنون.
ن { :قال ابن عباس وغير واحد :في هو َ سا ُ مَرةٍ َ م ِفي غَ ْ ن هُ ْ ذي َ وقوله } :ال ّ ِ
الكفر والشك غافلون لهون.
ن { :وإنما يقولون هذا تكذيبا وعنادا وشكا } يسأ َُلو َ
دي ِم ال ّ
ن ي َوْ ُ ن أّيا َ َ َ ْ
ن {. فت َُنو َ َ
م عَلى الّنارِ ي ُ ْم هُ ْواستبعادا .قال الله تعالى } :ي َوْ َ
قال ابن عباس ،ومجاهد ،والحسن ،وغير واحد } :يفتنون { :يعذبون ]قال
مجاهد[ ) : (3كما
__________
) (1في م ،أ " :عنه".
) (2زيادة من أ.
) (3زيادة من م ،أ.
) (7/415
َ ن ) (15آ َ ِ
ل ذ َل ِ َ
ك كاُنوا قَب ْ َ م َ م إ ِن ّهُ ْ م َرب ّهُ ْما آَتاهُ ْ ن َ ذي َ خ ِ ت وَعُُيو ٍ جّنا ٍ ن ِفي َ قي َ ن ال ْ ُ
مت ّ ِ إِ ّ
م َ ْ ّ ً
كاُنوا قَِليل ِ ن )َ (16
حارِ هُ ْ س َ ن ) (17وَِبال ْ جُعو َ ما ي َهْ َ ل َ ن اللي ْ ِ م َ سِني َ ح ِ م ْ ُ
ت يا َ آ ض رَ ل ْ ا في و ( 19 ) م رو ح م ْ لوا ل ئ سا لل ق ح م ه لوا م َ أ في و (18 ) ن رو ف غ ت س
ٌ َ ْ ِ ِ َ ْ
ّ ِ َ َ ُ ِ ِ ِ ّ َ ِ
ْ َ ِ ْ ِ َ َ ُ ِ ْ َ يَ ْ
َ َ َ
ما
م وَ َ ُ
ماِء رِْزقُك ْ س َ ن ) (21وَِفي ال ّ صُرو َ م أفَل ت ُب ْ ِ سك ُْ ف ِ ن ) (20وَِفي أن ْ ُ موقِِني َ ل ِل ْ ُ
َ َْ
ن )(23 قو َ م ت َن ْط ِ ُ ما أن ّك ُ ْ ل َمث ْ َ
حق ّ ِ ه لَ َ ض إ ِن ّ ُ ماِء َوالْر ِ س َب ال ّ ن ) (22فَوََر ّ دو َ ُتوعَ ُ
) (7/416
تمضي عليهم ليلة إل يأخذون منها ولو شيئا .وقال قتادة ،عن مطرف بن عبد
ل ليلة تأتي عليهم ل يصلون فيها لله ،عز وجل ،إما من أولها وإما الله :ق ّ
ل ما يرقدون ليلة حتى ) (1الصباح ل يتهجدون. من أوسطها .وقال مجاهد :ق ّ
وكذا قال قتادة .وقال أنس بن مالك ،وأبو العالية :كانوا يصلون بين المغرب
والعشاء .وقال أبو جعفر الباقر ،كانوا ل ينامون حتى يصلوا العتمة.
والقول الثاني :أن "ما" مصدرية ،تقديره :كانوا قليل من الليل هجوعهم
ما
ل َن الل ّي ْ ِم َ ونومهم .واختاره ابن جرير .وقال الحسن البصري َ } :
كاُنوا قَِليل ِ
ن { :كابدوا قيام الليل ،فل ينامون من الليل إل أقله ،ونشطوا فمدوا جُعو َ ي َهْ َ
إلى السحر ،حتى كان الستغفار بسحر .وقال قتادة :قال الحنف بن قيس :
ن { :كانوا ل ينامون إل قليل ثم يقول : جُعو َ
ما ي َهْ َ ن الل ّي ْ ِ
ل َ كاُنوا قَِليل ِ
م َ } َ
لست من أهل هذه الية .وقال الحسن البصري :كان الحنف بن قيس يقول
:عرضت عملي على عمل أهل الجنة ،فإذا قوم قد باينونا بوًنا بعيدا ،إذا
قوم ل نبلغ أعمالهم ،كانوا قليل من الليل ما يهجعون .وعرضت عملي على
عمل أهل النار فإذا قوم ل خير فيهم يكذبون ) (2بكتاب الله وبرسل الله ،
ما خلطوا عمل يكذبون بالبعث بعد الموت ،فوجدت من خيرنا منزلة قو ً
صالحا وآخر سيئا.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :قال رجل من بني تميم لبي :يا أبا
ما
ل َ ن الل ّي ْ ِم َ أسامة ،صفة ل أجدها فينا ،ذكر الله قوما فقال َ } :
كاُنوا قَِليل ِ
ن { ،ونحن والله قليل من الليل ما نقوم .فقال له أبي :طوبى لمن جُعو َ ي َهْ َ
رقد إذا نعس ،واتقى الله إذا استيقظ.
وقال عبد الله بن سلم :لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ،
انجفل الناس إليه ،فكنت فيمن انجفل .فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه
جل كذاب ،فكان أول ما سمعته يقول " :يا أيها الناس ،أطعموا ليس بوجه َر ُ
صّلوا بالليل والناس نيام ، َ و ، السلم وأفشوا ، الرحام لواص ُ
الطعام ،و ِ
تدخلوا الجنة بسلم" ).(3
وقال المام أحمد :حدثنا حسن بن موسى ،حدثنا ابن ل َِهيعة ،حدثني حيي
حُبلى ،عن عبد الله بن عمرو ؛ أن بن عبد الله ،عن أبي عبد الرحمن ال ُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من
باطنها ،وباطنها من ظاهرها" .فقال أبو موسى الشعري :لمن هي يا رسول
الله ؟ قال " :لمن ألن الكلم ،وأطعم الطعام ،وبات لله قائما ،والناس
نيام" ).(4
ن { :كان )(5جُعو َ
ما ي َهْ َ
ل َ ّ
ن اللي ْ ِم َ َ
مر في قوله } :كاُنوا قَِليل ِ معْ َ
وقال َ
الزهري والحسن يقولن :
__________
) (1في م " :إلى".
) (2في م " :فيكذبون".
) (3رواه أحمد في المسند ) (5/451والترمذي في السنن برقم )(2485
وابن ماجه في السنن برقم ).(1334
) (4المسند ) (2/173وقال الهيثمي في المجمع " : (05/16فيه ابن لهيعة
وحديثه حسن ،وبقية رجاله ثقات" ولعل تحسين الحافظ الهيثمي لحديث ابن
لهيعة لنه قد توبع :تابعه عبد الله بن وهب -روايته عن ابن لهيعة صحيحة -
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم )" (103الجزء المفقود".
) (5في م " :قال".
) (7/417
) (7/418
وقال أبو ِقلَبة :جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل ،فقال رجل من
الصحابة :هذا المحروم.
وقال ابن عباس أيضا ،وسعيد بن المسّيب ،وإبراهيم النخعي ،ونافع -مولى
ابن عمر -وعطاء بن أبي رباح } المحروم { :المحارف.
حُروم { :الذي ل يسأل الناس شيئا ،قال وقال قتادة ،والزهري } :ال ْ َ
م ْ
الزهري وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ليس المسكين
واف الذي ترده اللقمة واللقمتان ،والتمرة والتمرتان ،ولكن المسكين بالط ّ
الذي ل يجد غنى يغنيه ،ول ُيفطن له فيتصدق عليه".
وهذا الحديث قد أسنده الشيخان في صحيحيهما من وجه آخر ).(1
سم المغنم ،فيرضخ له.وقال سعيد بن جبير :هو الذي يجيء وقد قُ ّ
وقال محمد بن إسحاق :حدثني بعض أصحابنا قال :كنا مع عمر بن عبد
العزيز في طريق مكة فجاء كلب فانتزع عمر كتف شاة فرمى بها إليه ،
وقال :يقولون :إنه المحروم.
وقال الشعبي :أعياني أن أعلم ما المحروم.
واختار ابن جرير أن المحروم ] :هو[ ) (2الذي ل مال له بأي سبب كان ،قد
ذهب ماله ،سواء كان ل يقدر على الكسب ،أو قد هلك ماله أو نحوه )(3
بآفة أو نحوها.
وقال الثوري ،عن قيس بن مسلم ،عن الحسن بن محمد ؛ أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا ،فجاء قوم لم يشهدوا الغنيمة
َ
حُروم ِ { ).(4 ل َوال ْ َ
م ْ سائ ِ ِ
حقّ ِلل ّ م َ وال ِهِ ْم َ فنزلت هذه الية } :وَِفي أ ْ
وهذا يقتضي أن هذه مدنية ،وليس كذلك ،بل هي مكية شاملة لما بعدها.
ن { أي :فيها من اليات الدالة على موقِِني َ ت ل ِل ْ ُ ض آَيا ٌوقوله } :وَِفي الْر ِ
عظمة خالقها وقدرته الباهرة ،مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات
،والمهاد والجبال ،والقفار والنهار والبحار ،واختلف ألسنة الناس
وألوانهم ،وما جبلوا عليه من الرادات والقوى ،وما بينهم من التفاوت في
العقول والفهوم والحركات ،والسعادة والشقاوة ،وما في تركيبهم من
الحكم في وضع كل عضو من أعضائهم ) (5في المحل الذي هو محتاج إليه
فسك ُ َ َ
ن { :قال قتادة :من تفكر في صُرو َ م أَفل ت ُب ْ ِ فيه ؛ ولهذا قال } :وَِفي أن ْ ُ ِ ْ
خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة.
ن { يعني :دو َما ُتوعَ ُ
م { يعني :المطر } ،وَ َ ماِء رِْزقُك ُ ْ س َ
ثم قال } :وَِفي ال ّ
الجنة .قاله ابن عباس ،
__________
) (1صحيح البخاري برقم ) (4539وصحيح مسلم برقم ) (1039من طريق
شريك بن عبد الله عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا.
) (2زيادة من م.
) (3في م " :أو ثمرة".
) (4رواه الطبري في تفسيره ).(26/125
) (5في م ،أ " :أجسادهم".
) (7/419
سَل ً
ما قاُلوا َ خُلوا عَل َي ْهِ فَ َ ن ) (24إ ِذ ْ د َ َ مي َ م ال ْ ُ
مك َْر ِ هي َف إ ِب َْرا ِ ضي ْ ِ ث َ دي ُ ح ِ ك َ ل أ ََتا َهَ ْ
َ َ َ َ
ه
قّرب َ ُن ) (26فَ َ مي ٍ س ِل َ ج ٍجاَء ب ِعِ ْ ن ) (25فََراغ َ إ ِلى أهْل ِهِ فَ َ من ْكُرو َ م ُ م قَوْ ٌ سل ٌ ل َ َقا َ
َ َ ُ َ ُ ْ َ َ
شُروه ُ ب ِغُلم ٍف وَب َ ّ خ ْ ة َقالوا ل ت َ َ ف ً
خي َم ِ من ْهُ ْ س ِ ج َ ن ) (27فَأوْ َ ُ
ل أل ت َأكلو َ م َقا َ إ ِل َي ْهِ ْ
َ َ
م )(29 قي ٌجوٌز عَ ِ ت عَ ُ جهََها وََقال َ ْ ت وَ ْ صك ّ ْ صّرةٍ فَ َ ه ِفي َ مَرأت ُ ُ تا ْ عَِليم ٍ ) (28فَأقْب َل َ ِ
م )(30 م ال ْعَِلي ُ كي ُ
ح ِ ه هُوَ ال ْ َ ك إ ِن ّ ُل َرب ّ ِ ك َقا َ َقاُلوا ك َذ َل ِ ِ
) (7/420
َ
ل
ج ٍجاَء ب ِعِ ْ وقوله } :فََراغ َ إ َِلى أهْل ِهِ { أي :انسل خفية في سرعة } ،فَ َ
ل سمين { أي :من خيار ماله .وفي الية الخرى } :فَما ل َب َ َ
ج ٍجاَء ب ِعِ ْ ن َ ثأ ْ َ ِ َ ِ ٍ
م { أي :أدناه َ
ه إ ِلي ْهِ ْقّرب َ ُ َ
حِنيذ ٍ { ] هود [ 69 :أي :مشوي على الّرضف } ،ف َ َ
ن { :تلطف في العبارة وعرض حسن. لو ُ ُ ك ل َأل تأ ْ َ َ
قا } ، منهم
َ َ
وهذه الية انتظمت آداب الضيافة ؛ فإنه جاء بطعامه ) (1من حيث ل
يشعرون بسرعة ،ولم يمتن عليهم أول فقال " :نأتيكم بطعام ؟" بل جاء به
بسرعة ) (2وخفاء ،وأتى بأفضل ما وجد من ماله ،وهو عجل فتي سمين
مشوي ،فقربه إليهم ،لم يضعه ،وقال :اقتربوا ،بل وضعه بين أيديهم ،
َ ْ
ن{ ولم يأمرهم أمرا يشق على سامعه بصيغة الجزم ،بل قال } :أل ت َأك ُُلو َ
على سبيل العرض والتلطف ،كما يقول القائل اليوم :إن رأيت أن تتفضل
وتحسن وتتصدق ،فافعل ).(3
َ
ة { :هذا محال على ما تقدم في القصة في ف ًخي َ
م ِ
من ْهُ ْ س ِ ج َ وقوله } :فَأوْ َ
َ َ
ل إ ِل َي ْهِ ن َك َِرهُ ْ
م ص ُ
م ل تَ ِ السورة الخرى ،وهو ) (4قوله } :فَل َ ّ
ما َرأى أي ْدِي َهُ ْ
َ ُ َ
ةم ٌه َقائ ِ َمَرأت ُ ُ ط َوا ْ سل َْنا إ َِلى قَوْم ِ ُلو ٍ ف إ ِّنا أْر ِ ة َقاُلوا ل ت َ َ
خ ْ ف ً خي َ
م ِ من ْهُ ْس ِج َ وَأوْ َ
ت { ] هود [ 71 ، 70 :أي :استبشرت بهلكهم ؛ لتمردهم وعتوهم حك َ ْض ِفَ َ
على الله ،فعند ذلك بشرتها الملئكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب.
ب َقاُلوا ذا ل َ َ َ ََ
جي ٌ يٌء عَ ِ
ش ْ ن هَ َ خا إ ِ ّشي ْ ًذا ب َعِْلي َ جوٌز وَهَ َ ت َيا وَي ْل ََتى أأل ِد ُ وَأَنا عَ ُ } َقال َ ْ
َ َ َ
جيد ٌ { ]م ِميد ٌ َح ِ
ه َت إ ِن ّ ُل ال ْب َي ْ ِم أهْ َ ه عَل َي ْك ُ ْ ة الل ّهِ وَب ََر َ
كات ُ ُ م ُح َ مرِ الل ّهِ َر ْ نأ ْ م ْ ن ِ جِبي َأت َعْ َ
شُروهُ ب ُِغلم ٍ عَِليم ٍ { ،فالبشارة له هود [ 73 ، 72؛ ولهذا قال هاهنا } :وَب َ ّ
هي بشارة لها ؛ لن الولد منهما ،فكل منهما بشر به.
صّرةٍ { أي :في صرخة عظيمة ) (5ورنة ، وقوله } :فَأ َقْبل َت ا َ
ه ِفي َ مَرأت ُ ُ َ ِ ْ
قاله ابن عباس ،ومجاهد ،وعكرمة ،وأبو صالح ،والضحاك ،وزيد بن أسلم
جهََها { ) (6أي : ت وَ ْ صك ّ ْوالثوري والسدي وهي قولها َ } :يا وَي ْل ََتا { } فَ َ
ضربت بيدها على جبينها ،قاله مجاهد وابن ) (7سابط.
وقال ابن عباس :لطمت ،أي تعجبا كما تتعجب ) (8النساء من المر الغريب
ت م { أي :كيف ألد وأنا عجوز ]عقيم[ ) ، (9وقد كن ُ قي ٌ جوٌز عَ ِ ت عَ ُ } ،وََقال َ ْ
في حال الصبا عقيما ل أحبل ؟.
م { ) (10أي :عليم بما م العَِلي ُْ كي ُح ِ ْ
ه هُوَ ال َ ك إ ِن ّ ُ ل َرب ّ ِ ك َقا َ } َقاُلوا ك َذ َل ِ َ
تستحقون من الكرامة ،حكيم في أقواله وأفعاله.
__________
) (1في م " :بطعام".
) (2في أ " :في سرعة".
) (3وقد توسع المام ابن القيم رحمه الله في كتابه "جلء الفهام" )ص 181
(184 -في الكلم على آداب الضيافة في هذه اليات.
) (4في م " :وهي".
) (5في م ،أ " :وعيطة".
) (6في م " :وصكت".
) (7في م " :وأبو".
) (8في م " :يتعجب".
) (9زيادة من أ.
) (10في م " :العليم الحكيم" وهو خطأ.
) (7/421
) (7/421
م الّروْعُ هي َ ن إ ِب َْرا ِ ب عَ ْ ما ذ َهَ َ قال الله مخبرا عن إبراهيم ،عليه السلم } :فَل َ ّ
َ
مهي ُ ب َيا إ ِب َْرا ِ مِني ٌ م أّواه ٌ ُ حِلي ٌ م لَ َ هي َ ن إ ِب َْرا ِ ط إِ ّ جادِل َُنا ِفي قَوْم ِ ُلو ٍ شَرى ي ُ َ ه ال ْب ُ ْ جاَءت ْ ُ وَ َ
َ َ َ َ
مْرُدود ٍ { ] هود : ب غي ُْر َ ذا ٌ م عَ َ م آِتيهِ ْ مُر َرب ّك وَإ ِن ّهُ ْ جاَء أ ْ ه قَد ْ َ ذا إ ِن ّ ُ ن هَ َ ض عَ ْ أعْرِ ْ
.[ 76 - 74
ن { أي :ما شأنكم وفيم ُ ْ َ ُ ْ َ َ َ
سلو َ مْر َ م أي َّها ال ُ خطب ُك ْ ما َ وقال هاهنا } :قال ف َ
جئتم ؟.
ن { يعنون قوم لوط. مي ر ج م م و َ ق لى َ إ نا ْ ل س ر } َقاُلوا إنا أ ُ
ْ ٍ ُ ْ ِ ِ َ ِّ ْ ِ َ ِ
عن ْد َ َرب ّ َ
ك ِ } معلمة : أي { ة
ح َ َ ً ِ ْ ِ ٍ ُ َ ّ َ ً
م و س م ن طي ن م ة ر جا م ِ ل عَل َي ْهِ ْ س َ } ل ِن ُْر ِ
ن { أي :مكتتبة عنده بأسمائهم ،كل حجر عليه اسم صاحبه ،فقال سرِِفي َ م ْ ل ِل ْ ُ
َ
هجي َن ّ ُ ن ِفيَها ل َن ُن َ ّ م ْ م بِ َ ن أعْل َ ُ ح ُ طا َقاُلوا ن َ ْ ن ِفيَها ُلو ً ل إِ ّ في سورة العنكبوت َ } :قا َ
وأ َهْل َه إل ا َ
ن { ] العنكبوت .[32 :وقال هاهنا : ري َ ن ال َْغاب ِ ِ م َ ت ِ كان َ ْ ه َ مَرأت َ ُ ْ َ َُ ِ
ن { ،وهم لوط وأهل بيته إل امرأته. َ ني
ِ م
ِ ْ ؤ مُ ْ ل ا ن
َ مِ ها َ في ِ ن َ كا َ نَ ْ م نا
َ ج
ْ ر خ َ } فَأ ْ
ن { احتج بهذه ]الية[ ) (1من ذهب مي َ سل ِ ِ م ْ ْ
ن ال ُ م َ ت ِ جد َْنا ِفيَها غَي َْر ب َي ْ ٍ ما وَ َ } فَ َ
إلى رأي المعتزلة ،ممن ل يفرق بين مسمى اليمان والسلم ؛ لنه أطلق
عليهم المؤمنين والمسلمين .وهذا الستدلل ضعيف ؛ لن هؤلء كانوا قوما
مؤمنين ،وعندنا أن كل مؤمن مسلم ل ينعكس ،فاتفق السمان هاهنا
لخصوصية الحال ،ول يلزم ذلك في كل حال.
م { أي :جعلناها عبرة ، ب الِلي َ ذا َ ن ال ْعَ َ خاُفو َ ن يَ َ ذي َ ة ل ِل ّ ِ وقوله } :وَت ََرك َْنا ِفيَها آي َ ً
لما أنزلنا بهم من العذاب والنكال وحجارة السجيل ،وجعلنا ) (2محلتهم
ب ذا َ ن ال ْعَ َ خاُفو َ ن يَ َ ذي َ بحيرة منتنة خبيثة ،ففي ذلك عبرة للمؤمنين } ،ل ِل ّ ِ
م{ الِلي َ
َ
ن ) (38فَت َوَّلى ب ُِرك ْن ِ ِ
ه مِبي ٍ ن ُ طا ٍ سل ْ َ ن بِ ُ سل َْناه ُ إ َِلى فِْرعَوْ َ سى إ ِذ ْ أْر َ مو َ } وَِفي ُ
َ َ
م) مِلي ٌ م وَهُوَ ُ م ِفي ال ْي َ ّ جُنود َه ُ فَن َب َذ َْناهُ ْ خذ َْناه ُ وَ ُ ن ) (39فَأ َ جُنو ٌ م ْ حٌر أوْ َ سا ِ ل َ وََقا َ
َ َ ن َ ْ َ ْ َ
ه
ت عَلي ْ ِ يٍء أت َ ْ ش ْ م ْ ما ت َذ َُر ِ م )َ (41 قي َ ح العَ ِ م الّري َ سلَنا عَلي ْهِ ُ عاد ٍ إ ِذ ْ أْر َ (40وَِفي َ
وا ن ) (43فَعَت َ ْ َ مود َ إ ِذ ْ ِقي َ ميم ِ ) (42وَِفي ث َ ُ ه َ جعَل َت ْ ُ
حي ٍ حّتى ِ مت ُّعوا َ م تَ َ ل لهُ ْ
َ
كالّر ِ
َ
ِإل َ
َ ن ) (44فَ َ ُ خذ َت ْهُ ُ م فَأ َ
ن قَِيام ٍ م ْ عوا ِ ست َطا ُ ما ا ْ م ي َن ْظُرو َ ة وَهُ ْ ق ُ ع َ صا ِ م ال ّ مرِ َرب ّهِ ْ نأ ْ عَ ْ
ن ){ (46 قي َ س ِ ما َفا ِ م كاُنوا قَوْ ً َ ل إ ِن ّهُ ْ ن قَب ْ ُ م ْ م ُنوٍح ِ ن ) (45وَقَوْ َ ري َ ص ِ من ْت َ ِ ما كاُنوا ُ َ وَ َ
َ ْ َ ْ َ
ن سلطا ٍ ن بِ ُ سلَناه ُ إ ِلى فِْرعَوْ َ سى { ]آية[ ) } (3إ ِذ ْ أْر َ مو َ يقول تعالى } :وَِفي ُ
ْ
ن { أي :بدليل باهر وحجة قاطعة } ،فَت َوَلى ب ُِركن ِهِ { أي :فأعرض ّ
مِبي ٍ ُ
فرعون عما جاءه ) (4به موسى من الحق المبين ،استكبارا
__________
) (1زيادة من م.
) (2في م ،أ " :وجعل".
) (3زيادة من م.
) (4في م " :جاء".
) (7/422
وعنادا.
دو الله على قومه .وقال وقال مجاهد :تعزز بأصحابه .وقال قتادة :غلب ع ُ
َ
ن ِلي ابن زيد } :فَت َوَّلى ب ُِرك ْن ِهِ { أي :بجموعه التي معه ،ثم قرأ } :لوْ أ ّ
َ
َ َ
ديد ٍ { ] هود .[ 80 : ش ِ ن َ م قُوّة ً أوْ آِوي إ ِلى ُرك ْ ٍ ب ِك ُ ْ
ل الل ّهِ { ] الحج : سِبي ِ ن َ ل عَ ْ ض ّ عط ْ ِ
فهِ ل ِي ُ ِ ي ِ والمعنى الول قوي كقوله َ } :ثان ِ َ
ن { أي :ل يخلو َ [ 9أي :معرض عن الحق مستكبر } ،وََقا َ
جُنو ٌم ْحٌر أوْ َ سا ِ ل َ
أمرك فيما جئتني به من أن تكون ساحرا ،أو مجنونا.
َ
م { أي :ألقيناهم في اليم ،وهو جُنود َه ُ فَن َب َذ َْناهُ ْ خذ َْناه ُ وَ ُ قال الله تعالى } :فَأ َ
م { أي :وهو ملوم كافر جاحد فاجر معاند. مِلي ٌ
البحر } ،وَهُوَ ُ
ْ َ ْ َ
م { أي :المفسدة التي ل قي َ ح العَ ِ م الّري َ سلَنا عَلي ْهِ ُ عاد ٍ إ ِذ ْ أْر َ ثم قال } :وَِفي َ
تنتج شيئا .قاله الضحاك ،وقتادة ،وغيرهما.
ت عَل َي ْهِ { أي :مما تفسده الريح } ِإل َ ن َ
يٍء أت َ ْ ش ْ م ْ ما ت َذ َُر ِ ولهذا قال َ } :
ميم ِ { أي :كالشيء الهالك البالي. كالّر ِ ه َ جعَل َت ْ ُ َ
وقد قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو عبيد الله بن أخي ابن وهب ،حدثنا عمي
عبد الله بن وهب ،حدثني عبد الله -يعني :ابن عياش ) - (1القتباني ،
صد َِفي ،عن حدثني عبد الله بن سليمان ،عن دراج ،عن عيسى بن هلل ال ّ
عبد الله بن عمرو قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :الريح
مسخرة من الثانية -يعني من الرض الثانية -فلما أراد الله أن يهلك عاًدا
ب ،أرسل أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا ،قال :أي َر َ
عليهم ]من[ ) (2الريح قدر منخر الثور ؟ قال له الجبار :ل إًذا تكفأ الرض
ومن عليها ،ولكن أرسل ]عليهم[ ) (3بقدر خاتم .فهي التي يقول ) (4الله
َ
ميم ِ { كالّر ِ ه َ جعَل َت ْ ُ ت عَل َي ْهِ ِإل َ يٍء أت َ ْ ش ْ ن َ م ْ ما ت َذ َُر ِ في كتابه َ } :
هذا الحديث رفعه منكر ) ، (5والقرب أن يكون موقوفا على عبد الله بن
عمرو ،من زاملتيه اللتين ) (6أصابهما يوم اليرموك ،والله أعلم.
ْ َ
م{ قي َ ح العَ ِ سل َْنا عَل َي ْهِ ُ
م الّري َ قال سعيد بن المسيب وغيره في قوله } :إ ِذ ْ أْر َ
قالوا :هي الجنوب .وقد ثبت في الصحيح من رواية شعبة ،عن الحكم ،عن
مجاهد ،عن ابن عباس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
صبا ،وأهلكت عاد بالدبور" ).(7 "نصرت بال ّ
ن { قال ابن جرير :يعني إلى وقت َ َ
مود َ إ ِذ ْ ِقيل لهُ ْ } وَِفي ث َ ُ
حي ٍ حّتى ِ مت ُّعوا َ م تَ َ
فناء آجالكم.
__________
) (1في م " :ابن عباس".
) (2زيادة من م.
) (3زيادة من م.
) (4في م ،أ " :قال".
) (5رواه الحاكم في المستدرك ) (4/594وابن منده في كتاب التوحيد )
(1/186من طريق عبد الله بن وهب بأطول منه.
وقال ابن منده :إسناده متصل مشهور ورواته مصريين .وصححه الحاكم
وتعقبه الذهبي بقوله " :بل منكر ،فيه عبد الله بن عياس ضعفه أبو داود ،
وعند مسلم أنه ثقة ،ودراج وهو كثير المناكير".
) (6في م " :اللذين".
) (7صححه مسلم برقم ).(900
) (7/423
َ َ
ن)دو َ ماهِ ُ م ال ْ َ ها فَن ِعْ َ ض فََر ْ
شَنا َ ن )َ (47واْلْر َ سُعو َ مو ِ ها ب ِأي ْد ٍ وَإ ِّنا ل َ ُماَء ب َن َي َْنا َ س ََوال ّ
فّروا إ َِلى الل ّهِ إ ِّني ن ) (49ف َِ رو ّ كَ ذ ت مُ ك ّ ل
ْ َ َ َ ْ َ ْ ِ َ ْ َ ُ َ عَ ل ن ي ج و ز نا ْ قَ ل خ ٍ ء ي شَ ّ
ل ُ ك ن
ْ ِ َ (48
م و
َ
ن)
مِبي ٌ
ذيٌر ُ ه نَ ِ من ْ ُ
م ِ خَر إ ِّني ل َك ُ ْ
معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ جعَُلوا َ ن ) (50وََل ت َ ْ مِبي ٌ ذيٌر ُ ه نَ ِ من ْ ُم ِ ل َك ُ ْ
(51
.
ْ َ ْ َ َ َ
دى مى عَلى الهُ َ حّبوا العَ َ ست َ َم فا ْ مود ُ فهَد َي َْناهُ ْ ما ث َ ُ والظاهر أن هذه كقوله } :وَأ ّ
َ
ن { ] فصلت .[ 17 : ب ال ُْهو ِ ذا ِ ة ال ْعَ َ ق ُ ع َ صا ِ م َ خذ َت ْهُ ْ فَأ َ
حين فَعتوا عَ َ
ر
م ِ نأ ْ ْ حّتى ِ ٍ َ َ ْ مت ُّعوا َ م تَ َ ل ل َهُ ْ مود َ إ ِذ ْ ِقي َ وهكذا قال هاهنا } :وَِفي ث َ ُ
َ
ن { ،وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلثة م ي َن ْظ ُُرو َ ة وَهُ ْ ق ُ ع َصا ِ م ال ّ خذ َت ْهُ ُ م فَأ َ َرب ّهِ ْ
ن قَِيام ٍ { م ْ عوا ِ طا ُ ست َ َ ما ا ْ أيام وجاءهم في صبيحة اليوم الرابع ب ُك َْرة النهار } فَ َ
ن { أي :ول يقدرون على أن ري َ ص ِ من ْت َ ِ كاُنوا ُ ما َ ب ول نهوض } ،وَ َ أي :من هََر ٍ
ينتصروا مما هم فيه.
مل { أي :وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلء } إ ِن ّهُ ْ ن قَب ْ ُ م ْ م ُنوٍح ِ وقوله } :وَقَوْ َ
ن { وكل هذه القصص قد تقدمت مبسوطة في أماكن قي َ س ِ ما َفا ِ كاُنوا قَوْ ً َ
كثيرة ،من سور متعددة.
ْ َ َ
ن دو َ ماهِ ُ م ال َ ها فَن ِعْ َ شَنا َ ض فََر ْ ن )َ (47والْر َ سُعو َ مو ِ ها ب ِأي ْد ٍ وَإ ِّنا ل ُ ماَء ب َن َي َْنا َ س َ } َوال ّ
ّ
فّروا إ ِلى اللهِ إ ِّني َ ن ) (49فَ ِ ّ
م ت َذ َكُرو َ ُ
ن لعَلك ّْ َ َ ل َ نك ّ ُ
جي ْ ِ قَنا َزوْ َ خل ْ يٍء َ ش ْ م ْ ) (48وَ ِ
ن) مِبي ٌ ذيٌر ُ ه نَ ِ من ْ ُ م ِ ُ َ
خَر إ ِّني لك ْ َ
معَ اللهِ إ ِلًها آ َّ جعَلوا َ ُ ن )َ (50ول ت َ ْ مِبي ٌ ذيٌر ُ ه نَ ِ من ْ ُ م ِ ل َك ُ ْ
{ (51
ها { ماَء ب َن َي َْنا َ س َ يقول تعالى منبها على خلق العالم العلوي والسفلي َ } :وال ّ
أي :جعلناها سقفا ]محفوظا[ ) (1رفيعا } بأيد { أي :بقوة .قاله ابن
ن { ،أي : سُعو َ مو ِ عباس ،ومجاهد ،وقتادة ،والثوري ،وغير واحد } ،وَإ ِّنا ل َ ُ
قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير عمد ،حتى استقلت كما هي.
ن{ دو َ ماهِ ُ م ال ْ َ شا للمخلوقات } ،فَن ِعْ َ ها { أي :جعلناها فرا ً شَنا َ ض فََر ْ } َوالْر َ
أي :وجعلناها مهدا لهلها.
ن { أي :جميع المخلوقات أزواج :سماء وأرض جي ْ ِ قَنا َزوْ َ خل َ ْ يٍء َ ش ْ ل َ ن كُ ّ م ْ } وَ ِ
،وليل ونهار ،وشمس وقمر ،وبر وبحر ،وضياء وظلم ،وإيمان وكفر ،
وموت وحياة ،وشقاء وسعادة ،وجنة ونار ،حتى الحيوانات ]جن وإنس ،
ن { أي :لتعلموا أن م ت َذ َك ُّرو َذكور وإناث[ ) (2والنباتات ،ولهذا قال } :ل َعَل ّك ُ ْ
الخالق واحد ٌ ل شريك له.
فّروا إ َِلى الل ّهِ { أي :الجئوا إليه ،واعتمدوا في أموركم عليه } ،إ ِّني لك ْ
م ُ َ } فَ ِ
ن {. مِبي ٌ ذيٌر ُ ه نَ ِ من ْ ُ ِ
م ُ َ
خَر { أي ] :و[ ) (3ل تشركوا به شيئا } ،إ ِّني لك ْ َ
معَ اللهِ إ ِلًها آ َ ّ جعَلوا َ ُ } َول ت َ ْ
ن {. مِبي ٌ ذيٌر ُ ه نَ ِ من ْ ُ ِ
__________
) (1زيادة من م.
) (2زيادة من أ.
) (3زيادة من م.
) (7/424
ك ما أ َتى ال ّذين من قَبل ِهم من رسول إّل َقاُلوا سا ِ َ
ن )(52 جُنو ٌ م ْ
حٌر أوْ َ َ ِ َ ِ ْ ْ ِ ْ ِ ْ َ ُ ٍ ِ ك َذ َل ِ َ َ َ
مُلوم ٍ ) (54وَذ َك ّْر َ طا ُ م َ َ
ت بِ َ ما أن ْ َ م فَ َ ل عَن ْهُ ْ ن ) (53فَت َوَ ّ غو َ م قَوْ ٌ ل هُ ْ وا ب ِهِ ب َ ْ ص ْوا َ أت َ َ
ن )(56 س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ
دو ِ ن َواْل ِن ْ َ ج ّ ت ال ْ ِ ق ُ خل َ ْما َ ن ) (55وَ َ مِني َ مؤ ْ ِ فعُ ال ْ ُ ن الذ ّك َْرى ت َن ْ َ فَإ ِ ّ
َ ُ ُ
ه هُوَ الّرّزاقُ ُذو ن الل ّ َن ) (57إ ِ ّ مو ِ ن ي ُط ْعِ ُ ما أِريد ُ أ ْ ق وَ َ ن رِْز ٍ م ْ م ِ من ْهُ ْما أِريد ُ ِ َ
م فََل ه ب حا ص َ أ ب نو َ ذ َ
ل ْ ث م با نو َ ذ موا َ ل َ ظ ن ذي ّ ل ل ن إ َ ف (58 ) ن ْ ْ
ْ َ ِِ ْ ُ ِ ُ ً ِ ُ ِ ّ ِ ِ َ ا ّ ِ َ ِ ُ
تي م لا ة و ُ ق ل
ن )(60 دو َ ذي ُيوعَ ُ م ال ّ ِ مهِ ُ ن ي َوْ ِ م ْ فُروا ِ ن كَ َذي َ ل ل ِل ّ ِ ن ) (59فَوَي ْ ٌ جُلو ِ ست َعْ ِ يَ ْ
ك ما أ َتى ال ّذين من قَبل ِهم من رسول إل َقاُلوا سا ِ َ
ن )(52 جُنو ٌم ْ حٌر أوْ َ َ ِ َ ِ ْ ْ ِ ْ ِ ْ َ ُ ٍ ِ } ك َذ َل ِ َ َ َ
مُلوم ٍ ) (54وَذ َك ّْر َ طا ُ م َ َ
ت بِ َ ما أن ْ َ م فَ َ ل عَن ْهُ ْ ن ) (53فَت َوَ ّ غو َ م قَوْ ٌ ل هُ ْ وا ب ِهِ ب َ ْ ص ْوا َ أت َ َ
ن )(56 دو ِ
س ِإل ل ِي َعْب ُ ُ ن َوالن ْ َ ج ّ ت ال ْ ِ ق ُ خل َ ْما َ ن ) (55وَ َ مِني َ مؤ ْ ِ فعُ ال ْ ُ ن الذ ّك َْرى ت َن ْ َ فَإ ِ ّ
َ ُ ُ
ه هُوَ الّرّزاقُ ُذو ن الل ّ َ ن ) (57إ ِ ّ مو ِ ن ي ُط ْعِ ُ ما أِريد ُ أ ْ ق وَ َ ن رِْز ٍ م ْ م ِ من ْهُ ْما أِريد ُ ِ َ
م َفل ه ب حا ص َ أ ب نو َ ذ َ
ل ْ ث م با نو َ ذ موا َ ل َ ظ ن ذي ّ ل ل ن إ َ ف (58 ) ن ْ ْ
ْ َ ِِ ْ ُ ِ ُ ً ِ ُ ِ ّ ِ ِ َ ا ّ ِ َ ِ ُ
تي م لا ة و ُ ق ل
ن ){ (60 دو َ ذي ُيوعَ ُ م ال ّ ِ مهِ ُ ن ي َوْ ِ م ْ فُروا ِ ن كَ َذي َ ل ل ِل ّ ِ ن ) (59فَوَي ْ ٌ جُلو ِ ست َعْ ِ يَ ْ
) (7/424
يقول تعالى مسليا نبيه صلى الله عليه وسلم :وكما قال لك هؤلء
َ
ن
م ْ ن ِ ذي َ ما أَتى ال ّ ِ ك َالمشركون ،قال المكذبون الولون لرسلهم } :ك َذ َل ِ َ
ن { !. قَبل ِهم من رسول إل َقاُلوا سا ِ َ
جُنو ٌ م ْحٌر أوْ َ َ ْ ِ ْ ِ ْ َ ُ ٍ ِ
ضهم بعضا بهذه المقالة ؟ " } َ
وا ب ِهِ { أي :أوصى بع ُ ص ْوا َ قال الله تعالى } :أت َ َ
ن { أي :لكن هم قوم طغاة ،تشابهت قلوبهم ،فقال غو َ طا ُ م َ م قَوْ ٌ ل هُ ْ بَ ْ
متأخرهم كما قال متقدمهم.
ت َ َ قال الله تعالى } :فَت َوَ ّ
ما أن ْ َ م { أي :فأعرض عنهم يا محمد } ،ف َ ل عَن ْهُ ْ
مُلوم ٍ { يعني :فما نلومك على ذلك. بِ َ
ن { أي :إنما تنتفع ) (1بها القلوب ني م ْ ؤ
َْ ُ ُ ِ ِ َ م ْ ل ا ع َ ف ن ت رى َ ْ ك ّ ذ ال ن َ
} َ ْ ِ ّ
إ ف ر ّ كَ ذو
المؤمنة.
ن { أي :إنما خلقتهم لمرهم دو ِ
س ِإل ل ِي َعْب ُ ُ ن َوالن ْ َ ج ّ ت ال ْ ِ ق ُ خل َ ْ ما َ ثم قال } :وَ َ
بعبادتي ،ل لحتياجي إليهم.
ن { أي :إل ليقروا دو ِ وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس ِ } :إل ل ِي َعْب ُ ُ
بعبادتي طوعا أو كرها ) (2وهذا اختيار ابن جرير.
ن { أي :إل دو ِ جَرْيج :إل ليعرفون .وقال الربيع بن أنس ِ } :إل ل ِي َعْب ُ ُ وقال ابن ُ
م ْ َ َ
سألت َهُ ْ ن َ للعبادة .وقال السدي :من العبادة ما ينفع ومنها ما ل ينفع } ،وَلئ ِ ْ
ه { ] لقمان [ 25 :هذا منهم عبادة ، ن الل ّ ُ قول ُ ّض ل َي َ ُ ت َوالْر َ وا ِ م َ س َ خل َقَ ال ّ ن َ م ْ َ
وليس ينفعهم مع الشرك .وقال الضحاك :المراد بذلك المؤمنون.
َ ُ ُ
ه هُوَ الّرّزاقُ ُذو ن الل ّ َ ن .إ ِ ّ مو ِ ن ي ُط ْعِ ُما أِريد ُ أ ْ ق وَ َ ن رِْز ٍ م ْ م ِ من ْهُ ْ ما أِريد ُ ِ وقوله َ } :
ن { قال ) (3المام أحمد : مِتي ُ قوّةِ ال ْ َ ال ْ ُ
حدثنا يحيى بن آدم وأبو سعيد قال حدثنا إسرائيل ،عن أبي إسحاق ،عن عبد
الرحمن بن يزيد ) ، (4عن عبد الله بن مسعود قال :أقرأني رسول الله )(5
صلى الله عليه وسلم " :إني لنا الرزاق ذو القوة المتين".
ورواه أبو داود ،والترمذي ،والنسائي ،من حديث إسرائيل ،وقال الترمذي :
حسن صحيح ).(6
ومعنى الية :أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده ل شريك له ،فمن أطاعه
جازاه أتم الجزاء ،ومن عصاه عذبه أشد العذاب ،وأخبر أنه غير محتاج إليهم
،بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ،فهو خالقهم ورازقهم.
قال المام أحمد :حدثنا محمد بن عبد الله ،حدثنا عمران -يعني ابن زائدة
شيط -عن أبيه ،عن أبي خالد -هو الوالبي -عن أبي هريرة قال :قال بن ن َ ِ
رسول الله صلى الله عليه وسلم :قال الله " :يا ابن
__________
) (1في م ،أ " :فإنما ينتفع".
) (2في م " :وكرها".
) (3في م " :وقال".
) (4في أ " :زيد".
) (5في م " :النبي".
) (6المسند ) (1/394وسنن أبي داود برقم ) (3989وسنن الترمذي برقم )
(2940والنسائي في السنن الكبرى برقم ).(11527
) (7/425
فّرغ لعبادتي أمل صدرك ِغًنى ،وأسد ّ فقرك ،وإل تفعل ملت صدرك آدم ،ت َ َ
شغل ولم أسد فقرك".
ورواه الترمذي وابن ماجه ،من حديث عمران بن زائدة ،وقال الترمذي :
حسن غريب ).(1
وقد روى المام أحمد عن وكيع وأبي معاوية ،عن العمش ،عن سلم أبي
حّبة وسواء ابني خالد يقولن :أتينا رسول الله صلى الله حِبيل ،سمعت َ شر ْ ُ
عليه وسلم وهو يعمل عمل أو يبني بناء -وقال أبو معاوية :يصلح شيئا -
فأعناه عليه ،فلما فرغ دعا لنا وقال " :ل تيأسا من الرزق ما تهززت
رءوسكما ،فإن النسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشرة ،ثم يعطيه الله
ويرزقه" ) .(2و ]قد ورد[ ) (3في بعض الكتب اللهية " :يقول الله تعالى :
ابن آدم ،خلقتك لعبادتي فل تلعب ،وتكفلت برزقك فل تتعب فاطلبني
تجدني ؛ فإن وجدتني وجدت كل شيء ،وإن ُفتك فاتك كل شيء ،وأنا أحب
إليك من كل شيء".
ب َ ْ
مثل ذ َُنو ِ موا ذ َُنوًبا { أي :نصيبا من العذاب ِ } ، َ َ
ن ظل ُ ذي َن ل ِل ّ ِوقوله } :فَإ ِ ّ
َ
ن { أي :فل يستعجلون ذلك ،فإنه واقع ]بهم[ ) (4ل جُلو ِ ست َعْ ِ م َفل ي َ ْ حاب ِهِ ْص َأ ْ
محالة.
ن { يعني :يوم القيامة.دو َ م ال ّ ِ
ذي ُيوعَ ُ مهِ ُ
ن ي َوْ ِ م ْ فُروا ِ ن كَ َ ذي َ ل ل ِل ّ ِ } فَوَي ْ ٌ
آخر تفسير سورة الذاريات
__________
) (1المسند ) (2/358وسنن الترمذي برقم ) (2466وسنن ابن ماجه برقم )
.(4107
) (2المسند ).(3/469
) (3زيادة من م ،أ.
) (4زيادة من أ.
) (7/426
مورِ )(4 ت ال ْ َ
معْ ُ شورٍ )َ (3وال ْب َي ْ ِ من ْ ُطورٍ )ِ (2في َرقّ َ س ُ م ْ ب َ طورِ ) (1وَك َِتا ٍ َوال ّ
ما ل َ ُ
ه واقِعٌ )َ (7 ك لَ َب َرب ّ َ ذا َن عَ َجورِ ) (6إ ِ ّ س ُ
م ْ حرِ ال ْ َمْرُفوِع )َ (5وال ْب َ ْ ف ال ْ َ ق ِ س ْ َوال ّ
سي ًْرا ) (10فَوَي ْلٌ جَبال َ ُ ْ
سيُر ال ِ موًْرا ) (9وَت َ ِ ماُء َ س َموُر ال ّ م تَ ُن َدافٍِع ) (8ي َوْ َ م ْ ِ
ن إ َِلى َناِر عو د ي
َ ْ َ ُ َ ّ َم و ي (12 ) ن بو ع ْ لي
َ ْ ٍ َ َ ُ َ ض و خ في م ه
ِ َ ُ ْ ِ ن ذي ّ ل ا ( 11 ) ن ّ َ ْ
يَ ْ َ ِ ٍ ِ ُ ِ َ
بي ذ ك م ل ل ذ ئ م و
ن )(14 م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َعا ) (13هَذِهِ الّناُر ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ م دَ ّ جهَن ّ َ
َ
) (7/427
) (7/427
يطوف أهل الرض بكعبتهم كذلك ذاك البيت ،هو كعبة أهل السماء السابعة ؛
ولهذا وجد إبراهيم الخليل ،عليه السلم ،مسندا ظهره إلى البيت المعمور ؛
لنه باني الكعبة الرضية ،والجزاء من جنس العمل ،وهو بحيال الكعبة ،
وفي كل سماء بيت يتعبد فيه أهلها ،ويصلون إليه ،والذي في السماء الدنيا
يقال له :بيت العزة .والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا هشام بن عمار ،حدثنا الوليد بن
مسلم ،حدثنا روح بن جناح ،عن الزهري ،عن سعيد بن المسيب ،عن أبي
هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :في السماء السابعة بيت
يقال له " :المعمور" ؛ بحيال الكعبة ،وفي السماء الرابعة نهر يقال له :
"الحيوان" يدخله جبريل كل يوم ،فينغمس فيه انغماسة ،ثم يخرج فينتفض
انتفاضة يخر عنه سبعون ألف قطرة ،يخلق الله من كل قطرة ملكا يؤمرون
أن يأتوا البيت المعمور ،فيصلوا ) (1فيه فيفعلون ،ثم يخرجون فل يعودون
إليه أبدا ،ويولي عليهم أحدهم ،يؤمر أن يقف بهم من السماء موقفا
يسبحون الله فيه إلى أن تقوم الساعة".
هذا حديث غريب جدا ،تفرد به روح بن جناح هذا ،وهو القرشي الموي
مولهم أبو سعد الدمشقي ،وقد أنكر هذا الحديث عليه جماعة من الحفاظ
منهم :الجوزجاني ،والعقيلي ،والحاكم أبو عبد الله النيسابوري ،وغيرهم.
قال الحاكم :ل أصل له من حديث أبي هريرة ،ول سعيد ،ول الزهري )(2
سريّ ،حدثنا أبو الحوص ،عن سماك بن وقال ابن جرير :حدثنا هَّناد بن ال ّ
حرب ،عن خالد بن ) (3عرعرة ؛ أن رجل قال لعلي :ما البيت المعمور ؟
ضراح" وهو بحيال الكعبة من فوقها ، قال :بيت في السماء يقال له " :ال ّ
حرمته في السماء كحرمة البيت في الرض ،يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا
من الملئكة ،ل ) (4يعودون فيه أبدا )(5
ماك وعندهما أن ابن الكواء هو س َ
وكذا رواه شعبة وسفيان الثوري ،عن ِ
السائل عن ذلك ،ثم رواه ابن جرير عن أبي ك َُريب ،عن ط َْلق بن غنام ،عن
زائدة ،عن عاصم ،عن علي بن ربيعة قال :سأل ابن الكواء عليا عن البيت
ضراح" ،يدخله كل يوم المعمور ،قال :مسجد في السماء يقال له " :ال ّ
سبعون ألفا من الملئكة ،ثم ل يعودون فيه أبدا .ورواه من حديث أبي
فْيل ،عن علي بمثله. الط ّ َ
وفي عن ابن عباس :هو بيت حذاء العرش ،تعمره الملئكة ،يصلي وقال العَ ْ
فيه كل يوم سبعون
__________
) (1في م " :فيصلون".
) (2ورواه ابن عدي في الكامل ) (3/144من طريق هشام بن عمار به ،
وقال " :سمعت ابن حماد يقول :قال السعدي :روح بن جناح ذكر
عنالزهري حديثا معضل في البيت المعمور" ثم ساقه بإسناده وتعقبه بقوله :
"ول يعرف هذا الحديث إل بروح بن جناح عن الزهري".
) (3في م " :عن".
) (4في م " :ثم ل".
) (5تفسير الطبري )(27/10
) (7/428
ألفا من الملئكة ثم ل يعودون إليه ،وكذا قال عكرمة ،ومجاهد ،والربيع بن
أنس ،والسدي ،وغير واحد من السلف.
وقال قتادة :ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما
لصحابه " :هل تدرون ما البيت المعمور ؟" قالوا :الله ورسوله أعلم .قال :
"فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة ،لو خر لخر عليها ،يصلي فيه كل يوم
سبعون ألف ملك ،إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم".
حن ) ، (1من وزعم الضحاك أنه يعمره طائفة من الملئكة يقال لهم :ال ِ
قبيلة إبليس ) ، (2فالله أعلم.
مْرُفوِع { :قال سفيان الثوري ،وشعبة ،وأبو ف ال ْ َ ق ِ س ْ وقوله َ } :وال ّ
ُ
مْرفوِع ْ
ف ال َ ق ِ س ْماك ،عن خالد بن عَْرعََرة ،عن علي َ } :وال ّ س َ الحوص ،عن ِ
مَ ُ ْهو ظا ً فو ُ ح
َ ْم فا
ً ْ ق س
َ َ ءما س
ّ َ ال نا ْ ل ع
َ َ َ َج و } تل ثم : سفيان قال ، السماء { يعني :
ن { ] النبياء .[ 32 :وكذا قال مجاهد ،وقتادة ،والسدي ، ضو َ معْرِ ُ ن آَيات َِها ُ عَ ْ
جَرْيج ،وابن زيد ،واختاره ابن جرير. وابن ُ
وقال الربيع بن أنس :هو العرش يعني :أنه سقف لجميع المخلوقات ،وله
اتجاه ،وهو ُيراد مع غيره كما قاله الجمهور.
جورِ { :قال الربيع بن أنس :هو الماء الذي تحت س ُ م ْ حرِ ال ْ َ وقوله َ } :وال ْب َ ْ
العرش ،الذي ينزل ]الله[ ) (3منه المطر الذي يحيى به الجساد في قبورها
يوم معادها .وقال الجمهور :هو هذا البحر .واختلف في معنى قوله :
} المسجور { ،فقال بعضهم :المراد أنه يوقد يوم القيامة نارا كقوله :
ت { ] التكوير [ 6 :أي :أضرمت فتصير ) (4نارا تتأجج ، جَر ْ س ّ حاُر ُ } وَإ َِذا ال ْب ِ َ
محيطة بأهل الموقف .رواه سعيد بن المسيب’ عن علي بن أبي طالب ،
وُروي عن ابن عباس .وبه يقول سعيد بن جبير ،ومجاهد ،وعبد الله بن عبيد
عمير ) (5وغيرهم. بن ُ
وقال العلء بن بدر :إنما سمي البحر المسجور لنه ل ُيشرب منه ماء ،ول
يسقى به زرع ،وكذلك البحار يوم القيامة .كذا رواه عنه ابن أبي حاتم.
جورِ { يعني :المرسل .وقال قتادة : س ُم ْحرِ ال ْ َجبير َ } :وال ْب َ ْ وعن سعيد بن ُ
جورِ { ) (6المملوء .واختاره ابن جرير ووجهه بأنه ليس س ُ م ْ ر[ ال ْ َ ح ِ } ]َوال ْب َ ْ
موقدا اليوم فهو مملوء.
وقيل :المراد به الفارغ ،قال الصمعي عن أبي عمرو بن العلء ،عن ذي
جورِ { قال :الفارغ ؛ س ُم ْ حرِ ال ْ َالرمة ،عن ابن عباس في قوله َ } :وال ْب َ ْ
خرجت أمة تستسقي فرجعت فقالت " :إن الحوض مسجور" ،تعني :فارغا.
رواه ابن مردويه في مسانيد الشعراء.
__________
) (1في م ،أ " :الجن".
) (2تفسير الطبري ).(27/11
) (3زيادة من م ،أ.
) (4في م " :فصيرت".
) (5في م " :وعبيد الله بن عمير".
) (6زيادة من م.
) (7/429
) (7/430
َ
ب م عَ َ
ذا َ م َرب ّهُ ْم وَوََقاهُ ْ م َرب ّهُ ْ
ما آَتاهُ ْ ن بِ َت وَن َِعيم ٍ )َ (17فاك ِِهي َ جّنا ٍن ِفي َ قي َ ن ال ْ ُ
مت ّ ِ إِ ّ
سُرٍر
ن عَلى ُ َ مت ّك ِِئي َ
ن )ُ (19 ملو َ ُ م ت َعْ َ ُ
ما كن ْت ُ ْ ً
شَرُبوا هَِنيئا ب ِ َ ُ ُ
حيم ِ ) (18كلوا َوا ْ ج ِال ْ َ
ن )(20 عي ٍ
حورٍ ِ م بِ ُ
جَناهُ ْ فوفَةٍ وََزوّ ْ ص ُم ْ َ
بعض .وهذا اختيار ابن جرير أنه التحرك ) (1في استدارة .قال :وأنشد أبو
عبيدة معمر بن المثنى بيت العشى :
ث ول عجل )(2 موُر السحابة ل َري ْ ٌ جارتهاَ ... ت َ شي ََتها من بي ِ كأن م ْ
سي ًْرا { أي :تذهب فتصير هباء منبثا ،وتنسف نسفا. ل َ جَبا ُ ْ
سيُر ال ِ } وَت َ ِ
ن { أي :ويل لهم ذلك اليوم من عذاب الله ونكاله مكذ ِّبي َ َ ْ
مئ ِذ ٍ ل ِل ُ } فَوَي ْل ي َوْ َ ٌ
بهم ،وعقابه لهم.
ن { أي :هم في الدنيا يخوضون في الباطل ، ْ
م ِفي َ ْ ٍ َ َ ُ َ
بو ع ل ي ض و خ ن هُ ْ ذي َ } ال ّ ِ
ويتخذون دينهم هزوا ولعبا.
عا { :وقال م دَ ّ ن { أي :يدفعون ويساقون } ،إ َِلى َنارِ َ
جهَن ّ َ عو َ م ي ُد َ ّ } ي َوْ َ
مجاهد ،والشعبي ،ومحمد بن كعب ،والضحاك ،والسدي ،والثوري :
يدفعون فيها دفعا.
ن { أي :تقول لهم الزبانية ذلك تقريعا م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ } هَذِهِ الّناُر ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ
وتوبيخا.
َ َ َ َ
ها { أي :ادخلوها دخول من تغمره صلوْ َ نا ْ صُرو َ م ل ت ُب ْ ِ م أن ْت ُ ْ ذا أ ْ حٌر هَ َ س ْ } أفَ ِ
َ
م { أي :سواء صبرتم واٌء عَل َي ْك ُ ْ س َ صب ُِروا َ صب ُِروا أوْ ل ت َ ْ من جميع جهاته } َفا ْ
على عذابها ونكالها أم لم تصبروا ،ل محيد لكم عنها ول خلص لكم منها )
ن { أي :ول يظلم الله أحدا ،بل يجازي كل مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْ ن َ جَزوْ َ ما ت ُ ْ } ، (3إ ِن ّ َ
بعمله.
م
م َرب ّهُ ْ َ
م وَوَقاهُ ْ م َرب ّهُ ْ ما آَتاهُ ْ ن بِ َ َ
ت وَن َِعيم ٍ ) (17فاك ِِهي َ جّنا ٍ ن ِفي َ قي َ مت ّ ِ ن ال ُ ْ } إِ ّ
ن عََلى ئي ك
ُ ّ ِِ َت م (19 ) نَ لوُ م ع ت
ُْ ْ َْ َ م ت نُ ك ماِ َ ب ً
ئا ني
َ ِ ه بوا ر
َ ُ ْ
ش وا
َ لوا ُ ُ ك ( 18 ) م
َ ِ ِ حي ج ْ ل ا بذا َ عَ َ
ن ){ (20 عي ٍ حورٍ ِ م بِ ُ جَناهُ ْ فوفَةٍ وََزوّ ْ ص ُ م ْ سُررٍ َ ُ
ت وَن َِعيم ٍ { ،وذلك نا
َ ّ ٍ ج في ن
ُ ّ ِ َ ِ قي ت م ْ ل ا ن
ِ ّ إ } : فقال السعداء حال عن تعالى يخبر
بضد ما أولئك فيه من العذاب والنكال.
م { أي :يتفكهون بما آتاهم الله من النعيم ،من م َرب ّهُ ْ ما آَتاهُ ْ ن بِ َ } َفاك ِِهي َ
أصناف الملذ ،من مآكل ومشارب وملبس ومساكن ومراكب وغير ذلك } ،
حيم ِ { أي :وقد نجاهم من عذاب النار ،وتلك نعمة ج ِب ال ْ َ
ذا َ م عَ َ م َرب ّهُ ْوَوََقاهُ ْ
مستقلة بذاتها على حدتها مع ما أضيف إليها من دخول الجنة ،التي فيها من
السرور ما ل عين رأت ،ول أذن سمعت ،ول خطر على قلب بشر.
ن { ،كقوله } :ك ُُلوا َوا ْ
شَرُبوا مُلو َ ما ك ُن ْت ُ ْ
م ت َعْ َ شَرُبوا هَِنيًئا ب ِ َ وقوله } :ك ُُلوا َوا ْ
م ِفي الّيام ِ ال ْ َ سل َ ْ َ
خال ِي َةِ { ] الحاقة .[ 24 :أي هذا بذاك ،تفضل فت ُ ْ ما أ ْهَِنيًئا ب ِ َ
منه وإحسانا.
فوفَةٍ { قال الثوري ،عن حصين ،عن ص ُ
م ْ سُررٍ َ ن عَلى ُ َ مت ّك ِِئي َ وقوله ُ } :
مجاهد ،عن ابن عباس :السرر في الحجال.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا أبو اليمان ،حدثنا صفوان بن عمرو ؛
أنه سمع الهيثم بن
__________
) (1في م ،أ " :المتحرك".
) (2البيت في تفسير الطبري ).(27/13
) (3في أ " :فيها".
) (7/431
مالك الطائي يقول :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن الرجل
ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحول عنه ول يمله ،يأتيه ما اشتهت
نفسه ولذت عينه".
وحدثنا أبي ،حدثنا هُد َْبة بن خالد ،عن سليمان بن المغيرة ،عن ثابت قال :
بلغنا أن الرجل ليتكئ في الجنة سبعين سنة ،عنده من أزواجه وخدمه وما
أعطاه الله من الكرامة والنعيم ،فإذا حانت منه نظرة فإذا أزواج له لم يكن
رآهن قبل ذلك ،فيقلن :قد آن لك أن تجعل لنا منك نصيبا.
سُرٍر َ
ومعنى } مصفوفة { أي :وجوه بعضهم إلى بعض ،كقوله } :عَلى ُ
ن { أي :وجعلناهم عي ٍ حورٍ ِ م بِ ُ جَناهُ ْ ن { ] الصافات } .[ 44 :وََزوّ ْ قاب ِِلي َ مت َ َ ُ
قرينات صالحات ،وزوجات حسانا من الحور العين.
وقال مجاهد } :وزوجناهم { :أنكحناهم بحور عين ،وقد تقدم وصفهن في
غير موضع بما أغنى عن إعادته.
َ َ ْ َ
ن
م ْ م ِ ما ألت َْناهُ ْ م وَ َ م ذ ُّري ّت َهُ ْ قَنا ب ِهِ ْ ح ْن أل َ ما ٍ م ب ِِإي َ م ذ ُّري ّت ُهُ ْ مُنوا َوات ّب َعَت ْهُ ْ نآ َ ذي َ } َوال ّ ِ
َ
حم ٍ فاك ِهَةٍ وَل َ ْ م بِ َ مد َد َْناهُ ْ ن ) (21وَأ ْ هي ٌ ب َر ِ س َ ما ك َ َ ئ بِ َ مرِ ٍ لا ْ يٍء ك ُ ّ ش ْ ن َ م ْ م ِ مل ِهِ ْ عَ َ
م ) (23وَي َ ُ ْ ْ
ف
طو ُ سا ل ل َغْوٌ ِفيَها َول ت َأِثي ٌ ن ِفيَها ك َأ ً عو َ ن ) (22ي َت ََناَز ُ شت َُهو َ ما ي َ ْ م ّ ِ
ض ع ب لى َ ع م ه ض ع ب َ
ل ب ْ ق َ أ و ( 24 ) ن نو ْ ك م ٌ ؤ ُ ل ْ ؤ ُ ل م ه نَ أَ ك م ه َ ل ن ما ْ ل غ م ه ي َ ل ع
َْ ٍ َ َ َ َْ ُ ُ ْ َ ُ ٌ ُّ ْ ِْ ْ ِ َ ٌ ُ ْ َ
ه عَل َي َْنا ن الل ُّ ل في أ َ ُ
م
َ ّ َ ف ( 26 ) ن قي ف
َ ُ ِ ِ َ ْ
ش م نا ِ ل ْ ه ُ
ِّ ّ ْ ِ ب َ ق نا ُ ك نا إ لوا َ
قا ن )(25 ساَءُلو َ ي َت َ َ
م ){ (28 حي ُ ْ
ه هُوَ الب َّر الّر ِ عوه ُ إ ِن ّ ُ ل ن َد ْ ُ ن قَب ْ ُ م ْ موم ِ ) (27إ ِّنا ك ُّنا ِ س ُ ب ال ّ ذا َ وَوََقاَنا عَ َ
يخبر تعالى عن فضله وكرمه ،وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه :أن المؤمنين
إذا اتبعتهم ذرياتهم في اليمان ُيلحقهم بآبائهم في المنزلة وإن لم يبلغوا
عملهم ،لتقر أعين الباء بالبناء عندهم في منازلهم ،فيجمع بينهم على
أحسن الوجوه ،بأن يرفع الناقص العمل ،بكامل العمل ،ول ينقص ذلك من
َ
م ذ ُّري ّت َهُ ْ
م قَنا ب ِهِ ْ عمله ومنزلته ،للتساوي بينه وبين ذاك ؛ ولهذا قال } :أل ْ َ
ح ْ
َ
يٍء {ش ْ ن َم ْم ِ
مل ِهِ ْ
ن عَ َ م ْ ما أل َت َْناهُ ْ
م ِ وَ َ
مّرة ،عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس قال : قال الثوري ،عن عمرو بن ُ
إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته ،وإن كانوا دونه في العمل ،لتقر بهم
عينه ثم قرأ } :وال ّذين آمنوا واتبعتهم ذ ُريتهم بإيما َ
ما
م وَ َ م ذ ُّري ّت َهُ ْقَنا ب ِهِ ْح ْن أل ْ َ
َ ِ َ َ ُ َ ََّ ُْ ْ ّ ُُّ ْ ِِ َ ٍ
َ
يٍء {ش ْن َ م ْ
م ِ مل ِهِ ْن عَ َم ْ
م ِ أل َت َْناهُ ْ
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث سفيان الثوري ،به .وكذا رواه ابن
مّرة به ) .(1ورواه البزار ،عن سهل بن جرير من حديث شعبة عن عمرو بن ُ
بحر ) ، (2عن الحسن بن حماد الوراق ،عن قيس بن الربيع ،عن عمرو بن
مّرة ،عن سعيد ،عن ابن عباس مرفوعا ،فذكره ،ثم قال :وقد رواه ُ
__________
) (1تفسير الطبري ).(27/15
) (2في أ " :يحيى".
) (7/432
الثوري ،عن عمرو بن مرة ،عن سعيد عن ابن عباس موقوفا ).(1
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد ) (2البيروتي ،أخبرني
محمد بن شعيب ) (3أخبرني شيبان ،أخبرني ليث ،عن حبيب بن أبي ثابت
السدي ،عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس في قول الله ،عز وجل :
} وال ّذين آمنوا واتبعتهم ذ ُريتهم بإيما َ
م { قال :هم ذرية م ذ ُّري ّت َهُ ْ
قَنا ب ِهِ ْ
ح ْن أل ْ ََ ِ َ َ ُ َ ََّ ُْ ْ ّ ُُّ ْ ِِ َ ٍ
المؤمن ،يموتون على اليمان :فإن كانت منازل آبائهم ،أرفع من منازلهم
ألحقوا بآبائهم ،ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوا شيئا.
ري ،حدثنا محمد ست َ ِوقال الحافظ الطبراني :حدثنا الحسين بن إسحاق الت ّ ْ
بن عبد الرحمن بن غَْزوان ،حدثنا شريك ،عن سالم الفطس ،عن سعيد
بن جبير ،عن ابن عباس -أظنه عن النبي صلى الله عليه وسلم -قال " :إذا
دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده ،فيقال :إنهم لم يبلغوا
درجتك .فيقول :يا رب ،قد عملت لي ولهم .فيؤمر بإلحاقهم به ،وقرأ ابن
ن { الية ).(4 ما ٍم ب ِِإي َم ذ ُّري ّت ُهُ ْ
مُنوا َوات ّب َعَت ْهُ ْ
نآ َ عباس } َوال ّ ِ
ذي َ
وفي ،عن ابن عباس في هذه الية :يقول :والذين أدرك ذريتهم وقال العَ ْ
اليمان فعملوا بطاعتي ،ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة ،وأولدهم الصغار تلحق
بهم.
وهذا راجع إلى التفسير الول ،فإن ذاك مفسر أصرح من هذا .وهكذا يقول
الشعبي ،وسعيد بن جبير ،وإبراهيم ،وقتادة ،وأبو صالح ،والربيع بن أنس ،
والضحاك ،وابن زيد .وهو اختيار ابن جرير .وقد قال عبد الله بن المام أحمد
:
ضْيل ،عن محمد بن عثمان ،عن حدثنا عثمان بن أبي شيبة ،حدثنا حمد بن فُ َ
ت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم ،عن زاذان ،عن علي قال :سأل ْ
ولدين ماتا لها في الجاهلية ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :هما
في النار" .فلما رأى الكراهة في وجهها قال " :لو رأيت مكانهما لبغضتهما".
قالت :يا رسول الله ،فولدي منك .قال " :في الجنة" .قال :ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " :إن المؤمنين وأولدهم في الجنة ،وإن
المشركين وأولدهم في النار" .ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :
} وال ّذين آمنوا واتبعتهم ذ ُريتهم بإيما َ
م { ]الية[ ).(6) (5 م ذ ُّري ّت َهُ ْ
قَنا ب ِهِ ْ ن أل ْ َ
ح ْ َ ِ َ َ ُ َ ََّ ُْ ْ ّ ُُّ ْ ِِ َ ٍ
هذا فضله تعالى على البناء ببركة عمل الباء ،وأما فضله على الباء ببركة
دعاء البناء ،فقد
__________
) (1مسند البزار برقم )" (2260كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )
" : (7/114فيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري ،وفيه ضعف".
) (2في م ،أ " :يزيد".
) (3في م " :شعبة".
) (4رواه الطبراني في المجمع الكبير ) (11/440حدثنا محمد بن عبد الله
الحضرمي حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن غزوان به .ورواه في المعجم
الصغير برقم ) (640حدثنا عبد الله بن يزيد الدقيقي حدثنا محمد بن عبد
الرحمن بن غزوان به .ولم أجد رواية الحسين بن إبراهيم التستري.
) (5زيادة من م.
) (6زوائد عبد الله على المسند ) (1/134وقال الهيثمي في المجمع )
" : (7/217فيه محمد بن عثمان ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح".
) (7/433
) (7/434
َ َ
ه
ص بِ ِ
عٌر ن َت ََرب ّ ُ
شا ِ قوُلو َ
ن َ م يَ ُن ) (29أ ْ جُنو ٍ ن وََل َ
م ْ ك بِ َ
كاهِ ٍ مةِ َرب ّ َت ب ِن ِعْ َ فَذ َك ّْر فَ َ
ما أن ْ َ
ن )(31صي َ ن ال ْ ُ
مت ََرب ّ ِ م َ
م ِمعَك ُ ْصوا فَإ ِّني َ ل ت ََرب ّ ُن ) (30قُ ْ مُنو ِب ال ْ َ
َري ْ َ
َ
دمهم خ َ ن { :إخبار عن َ مك ُْنو ٌ م ل ُؤْل ُؤ ٌ َ م ك َأن ّهُ ْ ن ل َهُ ْما ٌم ِغل ْ َ ف عَل َي ْهِ ْ طو ُ وقوله } :وَي َ ُ
شمهم في الجنة كأنهم اللؤلؤ الرطب ،المكنون في حسنهم وبهائهم )(1 ح َ و َ
ب ْ َ ّ ْ َ ُ
وا ٍن ب ِأك َ دو َخل ُ م َ
ن ُ دا ٌم وِل َف عَلي ْهِ ْ ونظافتهم وحسن ملبسهم ،كما قال } ي َطو ُ
ْ َ
ن { ] الواقعة .[ 18 ، 17 : مِعي ٍ ن َ م ْ س ِ وَأَباِريقَ وَك َأ َ ٍ
ن { أي :أقبلوا يتحادثون ساَءُلو َ ض ي َت َ َ
م عَلى ب َعْ ٍ
ضهُ ْ َ ل ب َعْ ُ وقوله } :وَأقْب َ َ
ويتساءلون عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا ،وهذا كما يتحادث أهل الشراب
على شرابهم إذا أخذ فيهم الشراب بما كان من أمرهم.
ن { أي :قد كنا في الدار الدنيا ونحن م ْ َ } َقاُلوا إ ِّنا ك ُّنا قَب ْ ُ
قي َ ف ِش ِ ل ِفي أهْل َِنا ُ
ه عَل َي َْنان الل ّ ُم ّبين أهلنا خائفين من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه } ،فَ َ
موم ِ { أي :فتصدق علينا وأجارنا مما نخاف. س ُ ب ال ّ ذا َ وَوََقاَنا عَ َ
عوهُ { أي :نتضرع إليه فاستجاب ]الله[ ) (2لنا وأعطانا ل ن َد ْ ُ ن قَب ْ ُ م ْ } إ ِّنا ك ُّنا ِ
م{ حي ُ ْ
ه هُوَ الب َّر الّر ِ سؤلنا } ،إ ِن ّ ُ
وقد ورد في هذا المقام حديث ،رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده
فقال :حدثنا سلمة بن شبيب ،حدثنا سعيد بن دينار ،حدثنا الربيع بن صبيح ،
عن الحسن ،عن أنس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إذا
دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الخوان ،فيجيء سرير هذا حتى يحاذي
سرير هذا ،فيتحدثان ،فيتكئ هذا ويتكئ هذا ،فيتحدثان بما كان في الدنيا ،
فيقول أحدهما لصاحبه :يا فلن ،تدري أي يوم غفر الله لنا ؟ يوم كنا في
موضع كذا وكذا ،فدعونا الله -عز وجل -فغفر لنا".
ثم قال البزار :ل نعرفه ي ُْرَوى إل بهذا السناد ).(3
قلت :وسعيد بن دينار الدمشقي قال أبو حاتم :هو مجهول ،وشيخه الربيع
بن صبيح قد تكلم فيه غير واحد من جهة حفظه ،وهو رجل صالح ثقة في
نفسه.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا عمرو بن عبد الله الوْدِيّ ،حدثنا َوكيع ،عن
حى ،عن مسروق ،عن عائشة ؛ أنها قرأت هذه العمش ،عن أبي الض َ
و
ه هُ َ عوه ُ إ ِن ّ ُ ُ َ
ن قب ْل ن َد ْ ُ م ْ ُ
موم ِ إ ِّنا كّنا ِ س ُب ال ّ ذا َه عَل َي َْنا وَوَقاَنا عَ َ
َ ن الل ّ ُ الية } :فَ َ
م ّ
ن علينا وقنا عذاب السموم ،إنك أنت البر م ّم { فقالت :اللهم ُ حي ُ ال ْب َّر الّر ِ
الرحيم .قيل للعمش :في الصلة ؟ قال :نعم ).(4
َ َ
ص
عٌر ن َت ََرب ّ ُ شا ِن َ قوُلو َ م يَ ُن ) (29أ ْ جُنو ٍ م ْن َول َ كاهِ ٍك بِ َ مةِ َرب ّ َ
ت ب ِن ِعْ َ ما أن ْ َ } فَذ َك ّْر فَ َ
ن ){ (31 صي َ ن ال ْ ُ
مت ََرب ّ ِ م َ
م ِ معَك ُ ْصوا فَإ ِّني َ ل ت ََرب ّ ُ ن ) (30قُ ْ مُنو ِ ب ال ْ َب ِهِ َري ْ َ
__________
) (1في م " :وبياضهم".
) (2زيادة من أ.
) (3مسند البزار برقم )" (3553كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )
" : (10/421رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن دينار والربيع بن صبيح وهما
ضعيفان وقد وثقا".
) (4ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في شعيب
اليمان كما في الدر المنثور للسيوطي ).(7/634
) (7/435
) (7/435
يقول ) (1تعالى آمرا رسوله ،صلوات الله وسلمه عليه ،بأن يبلغ رسالته
إلى عباده ،وأن يذكرهم بما أنزل الله عليه .ثم نفى عنه ما يرميه به أهل
ك بِ َ َ
ن { أي : جُنو ٍ م ْ
ن َول َ كاهِ ٍ مةِ َرب ّ َ ت ب ِن ِعْ َما أن ْ َ البهتان والفجور فقال } :فَذ َك ّْر فَ َ
لست بحمد الله بكاهن كما تقوله ) (2الجهلة من كفار قريش .والكاهن :
الذي يأتيه الرئي من الجان بالكلمة يتلقاها من خبر السماء َ } ،ول
ن { :وهو الذي يتخبطه الشيطان من المس. جُنو ٍ م َْ
ثم قال تعالى منكرا عليهم في قولهم في الرسول ،صلوات الله وسلمه
َ
ن { أي :قوارع الدهر. مُنو ِ ب ال ْ َ ص ب ِهِ َري ْ َعٌر ن َت ََرب ّ ُ
شا ِ قوُلو َ
ن َ م يَ ُ
عليه } :أ ْ
والمنون :الموت :يقولون :ننظره ونصبر عليه حتى يأتيه الموت فنستريح
ن{ صي َ ن ال ْ ُ
مت ََرب ّ ِ م َم ِ معَك ُ ْ
صوا فَإ ِّني َ منه ومن شأنه ،قال الله تعالى } :قُ ْ
ل ت ََرب ّ ُ
أي :انتظروا فإني منتظر معكم ،وستعلمون لمن تكون العاقبة والّنصرة في
الدنيا والخرة.
جيح ،عن مجاهد ،عن ابن قال محمد بن إسحاق ،عن عبد الله بن أبي ن َ ِ
عباس :إن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه
وسلم قال قائل منهم :احتبسوه ) (3في وثاق ،ثم تربصوا به ريب المنون
حتى يهلك ،كما هلك من هلك قبله من الشعراء :زهير والنابغة ،إنما هو
َ
بص ب ِهِ َري ْ َ
عٌر ن َت ََرب ّ ُ
شا ِ ن َ قوُلو َ م يَ ُكأحدهم .فأنزل الله في ذلك من قولهم } :أ ْ
ن { ).(4 ال ْ َ
مُنو ِ
ذا { أي :عقولهم تأمرهم بهذا الذي م ب ِهَ َ ثم قال تعالى } :أ َم تأ ْمرهُ َ
مهُ ْحل ُ مأ ْ ْ َ ُ ُ ْ
يقولونه فيك من القوال الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور ؟
طا ُم َ َ
ن { أي :ولكن هم قوم ضلل معاندون ،فهذا هو الذي غو َ م قَوْ ٌ
م هُ ْ
}أ ْ
يحملهم على ما قالوه فيك.
َ
ه { أي :اختلقه وافتراه من عند نفسه ،يعنون قوّل َ ُ ن تَ َقوُلو َ م يَ ُوقوله } :أ ْ
ن { أي :كفرهم هو الذي يحملهم ) (5على مُنو َ ل ل ي ُؤْ ِ القرآن :قال الله } :ب َ ْ
ْ
ن { أي :إن كانوا صادقين
صادِِقي َ
كاُنوا َن َ مث ْل ِهِ إ ِ ْ
ث ِ دي ٍ ح ِ هذه المقالة } .فَل ْي َأُتوا ب ِ َ
وله وافتراه" فليأتوا بمثل ما جاء به محمد ]صلى الله عليه في قولهم َ" :تق ّ
وسلم[ ) (6من هذا القرآن ،فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الرض من
الجن والنس ،ما جاءوا بمثله ،ول بعشر سور ]من[ ) (7مثله ،ول بسورة
من مثله.
__________
) (1في م " :قال".
) (2في م " :يقوله".
) (3في أ " :احبسوه".
) (4رواه الطبري في تفسيره ) (27/19من طريق ابن إسحاق به
) (5في م " :حملهم"
) (6زيادة من أ.
) (7زيادة من م.
) (7/436
) (7/437
) (7/438
) (7/439
من جلس في مجلس فكثر ) (1فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه :
سبحانك اللهم وبحمدك ،أشهد أن ل إله إل أنت ،أستغفرك وأتوب إليك ،إل
غفر ) (2له ما كان في مجلسه ذلك".
رواه الترمذي -وهذا لفظه -والنسائي في اليوم والليلة ،من حديث ابن
جريج .وقال الترمذي :حسن صحيح .وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال :
إسناد على شرط مسلم ،إل أن البخاري علله ).(3
قلت :علله المام أحمد ،والبخاري ،ومسلم ،وأبو حاتم ،وأبو ُزَرعة ،
جَرْيج .على أن أبا داود قد والدارقطني ،وغيرهم .ونسبوا الوهم فيه إلى ابن ُ
رواه في سننه من طريق غير ) (4ابن جريج إلى أبي هريرة ،رضي الله
عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ) (5ورواه أبو داود -واللفظ له
-والنسائي ،والحاكم في المستدرك ،من طريق الحجاج بن دينار ،عن
هاشم ) (6عن أبي العالية ،عن أبي ب َْرَزة السلمي قال :كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس " :سبحانك
اللهم وبحمدك ،أشهد أن ل إله إل أنت ،أستغفرك وأتوب إليك" .فقال
رجل :يا رسول الله ،إنك لتقول قول ما كنت تقوله فيما مضى ؟! قال :
"كفارة لما يكون في المجلس" ).(7
وقد روي مرسل عن أبي العالية ،والله ) (8أعلم .وهكذا رواه النسائي
ديج ،خ ِوالحاكم ،من حديث الربيع بن أنس ،عن أبي العالية ،عن رافع بن َ
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء ) (9وروي مرسل أيضا ،والله
أعلم .وكذا رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو ؛ أنه قال " :كلمات ل يتكلم
بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلث مرات ،إل كفر بهن عنه ،ول يقولهن
في مجلس خير ومجلس ذكر ،إل ختم له بهن كما يختم بالخاتم على
الصحيفة :سبحانك اللهم وبحمدك ،ل إله إل أنت ،أستغفرك وأتوب إليك" )
(10وأخرجه الحاكم من حديث أم المؤمنين عائشة ،وصححه ،ومن رواية
جَبير بن مطعم ) (11ورواه أبو بكر السماعيلي عن أمير المؤمنين عمر بن ُ
الخطاب ،كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم .وقد أفردت لذلك جزءا
على حدة بذكر طرقه وألفاظه وعلله ،وما يتعلق به ،ولله الحمد والمنة )
(12
ه { أي :اذكره واعبده بالتلوة والصلة في الليل ح ُسب ّ ْ َ
لف َ ّ
ن اللي ْ ِ م َ
وقوله } :وَ ِ
ما قا
َ م َ
ك ب ر َ
ك َ ث عب ي نك عَسى أ ََ َ ل ة َ ل ف نا هب د ج ه
ْ ِ ََ ّ ْ ِ ِ َ ِ ًت َ ف ل يّ ل ال ن م و } ،كما قال :
َ ً َ ّ ْ َْ َ َ َ ِ َ
موًدا { ] السراء .[ 79 : ح ُ
م ْ َ
__________
) (1في " :فأكثر".
) (2في م ،أ " :إل غفر الله له".
) (3سنن الترمذي برقم ) (3433والنسائي في السنن الكبرى برقم )
(10230والمستدرك ).(1/536
) (4في أ " :عن".
) (5سنن أبي داود برقم ).(4858
) (6في أ " :عن أبي هاشم".
) (7سنن أبي داود برقم ) (4859والنسائي في السنن الكبرى برقم )
(10259والمستدرك ).(1/537
) (8في م " :فالله".
) (9النسائي في السنن الكبرى برقم ) (10260والمستدرك ).(1/537
) (10سنن أبي داود برقم ).(4857
) (11المستدرك ).(1/537
) (12وقد ذكرت أحاديث كفارة المجلس عند تفسير الصافات في خاتمتها.
) (7/440
جوم ِ { قد تقدم في حديث ابن عباس أنهما الركعتان وقوله } :وَإ ِد َْباَر الن ّ ُ
اللتان قبل صلة الفجر ،فإنهما مشروعتان عند إدبار النجوم ،أي :عند
جنوحها للغيبوبة .وقد روى )] (1في حديث[ ) (2ابن سيلن ،عن أبي هريرة
عوهما ،وإن طردتكم الخيل" .يعني :ركعتي الفجر ) (3رواه مرفوعا " :ل ت َد َ ُ
أبو داود .ومن هذا الحديث حكي عن بعض أصحاب المام أحمد القول
بوجوبهما ،وهو ضعيف لحديث " :خمس صلوات في اليوم والليلة" .قال :
هل علي غيرها ) (4؟ قال " :ل إل أن تطوع" ) (5وقد ثبت في الصحيحين
عن عائشة ،رضي الله عنها ،أنها قالت :لم يكن رسول الله صلى الله عليه
دا منه على ركعتي الفجر ) (6وفي وسلم على شيء من النوافل أشد تعاه ً
لفظ لمسلم " :ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" )(7
آخر تفسير سورة الطور ] والله أعلم[ )(8
__________
) (1في م ،أ " :ورد".
) (2زيادة من م ،أ.
) (3رواه أبو داود في السنن برقم ).(1258
) (4في أ " :غيرهن".
) (5رواه البخاري في صحيحه برقم ) (46ومسلم في صحيحه برقم )(11
من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
) (6صحيح البخاري برقم ) (1169وصحيح مسلم برقم ).(724
) (7صحيح مسلم برقم ).(725
) (8زيادة من أ.
) (7/441
ن ال ْهَ َ
وى )(3 ما ي َن ْط ِقُ عَ ِ ما غَ َ
وى ) (2وَ َ حب ُك ُ ْ
م وَ َ صا ِ ض ّ
ل َ ما َوى )َ (1 جم ِ إ َِذا هَ َ
َوالن ّ ْ
حى )(4 ح و لّ
ن هُ َ ِ َ ْ ٌ ُ َ
يو ي إ و إِ ْ
) (7/442
دا إلى غيره ،فنزه الله بغير علم ،والغاوي :هو العالم بالحق العادل عنه قص ً
عه عن مشابهة أهل ) (2الضلل كالنصارى شْر َ ]سبحانه وتعالى[ ) (1رسوله و َ
وطرائق اليهود ،وعن ) (3علم الشيء وكتمانه والعمل بخلفه ،بل هو
صلوات الله وسلمه عليه ،وما بعثه الله به من الشرع العظيم في غاية
وى { أي :ما ن ال ْهَ َما ي َن ْط ِقُ عَ ِ
الستقامة والعتدال والسداد ؛ ولهذا قال } :وَ َ
حى { أي :إنما يقول ما ي ُيو َ
ح ٌ
ن هُوَ ِإل وَ ْيقول قول عن هوى وغرض } ،إ ِ ْ
أمر به ،يبلغه إلى الناس كامل موفًّرا من غير زيادة ول نقصان ،كما رواه
المام أحمد.
سَرة ،عن أبي مي ْ َ
ريز بن عثمان ،عن عبد الرحمن بن َ ح ِ
حدثنا يزيد ،حدثنا َ
ن الجنةأمامة ؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :ليدخل ّ
ضر".م َل الحيين -أو :مثل أحد الحيين َ : -رِبيعة و ُ بشفاعة رجل ليس بنبي مث ُ
فقال رجل :يا رسول الله ،أو ما ربيعة من مضر ؟ قال " :إنما أقول ما
أقول" ).(4
وقال المام أحمد :حدثنا يحيى بن سعيد ،عن عَُبيد الله بن الخنس ،أخبرنا
هك ،عن عبد الله بن عمرو قال :كنت ما َ
الوليد بن عبد الله ،عن يوسف بن َ
أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه ،
فنهتني قريش فقالوا :إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله ،ورسول
ت عن الكتاب ، الله صلى الله عليه وسلم بشر ،يتكلم في الغضب .فأمسك ُ
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال " :اكتب ،فوالذي
نفسي بيده ،ما خرج مني إل حق".
دد وأبي بكر بن أبي شيبة ،كلهما عن يحيى بن سعيد س ّم َ
ورواه أبو داود عن ُ
ق ّ
طان ،به ).(5 ال َ
وقال الحافظ أبو بكر البزار :حدثنا أحمد بن منصور ،حدثنا عبد الله بن
جلن ،عن زيد بن أسلم ،عن أبي صالح ، صالح ،حدثنا الليث ،عن ابن عَ ْ
عن أبي هَُريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :ما أخبرتكم أنه الذي
ك فيه" .ثم قال :ل نعلمه ُيرَوى إل بهذا السنادش ّ
من عند الله ،فهو الذي ل َ
).(6
وقال المام أحمد :حدثنا يونس ،حدثنا ليث ،عن محمد ،عن سعيد بن أبي
سعيد ،عن أبي هريرة ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :ل
أقول إل حقا" .قال بعض أصحابه :فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟ قال " :إني ل
أقول إل حقا" ).(7
__________
) (1زيادة من م.
) (2في م " :أصحاب".
) (3في م " :وهي".
) (4المسند ) (5/257وقال الهيثمي في المجمع )" : (10/381رجال أحمد
رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ميسرة وهو ثقة".
) (5المسند ) (2/162وسنن أبي داود برقم ).(3646
) (6مسند البزار برقم )" (203كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )
" : (1/179فيه أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة ،وفيه كلم ل يضر وبقية
رجاله رجال الصحيح ،وعبد الله بن صالح مختلف فيه".
) (7المسند ) (2/340ورواه الترمذي في السنن برقم ) (1990من طريق
المقبري به وقال " :هذا حديث حسن صحيح".
) (7/443
م د ََناق العَْلى ) (7ث ُ ّ (6وَهُوَ ِبالفُ ِ وى ) ست َ َمّرةٍ َفا ْ وى )ُ (5ذو ِ ديد ُ ال ْ ُ
ق َ ش ِ ه َ م ُ} عَل ّ َ
َ َ َ َ
حى )(10 ما أوْ َ حى إ َِلى عَب ْدِهِ َ ن أوْ أد َْنى ) (9فَأوْ َ سي ْ ِ ب قَوْ َ ن َقا َ كا َ فَت َد َّلى ) (8فَ َ
قد ْ َرآهُ نزل َ ً ما ي ََرى ) (12وَل َ َ َ َ
ة ه عََلى َ ماُرون َ ُ ما َرأى ) (11أفَت ُ َ ؤاد ُ َ ف َب ال ْ ُ ما ك َذ َ َ َ
شى مأَوى ) (15إ ِذ ْ ي َغْ َ ْ ة ال َْ ن ج ها د ن ع ( 14 ) هى تن م ْ ل ا ة ر د س د ن ع ( 13 ) رى ُ
ِ ْ َ َ َ ّ ُ ِ ْ َ ِ َْ ِ ُ ََْ أ ْ َ
خ
َ ما ط ََغى ) (17ل َ َ
ه
ت َرب ّ ِ ن آَيا ِ م ْ قد ْ َرأى ِ صُر وَ َ ما َزاغَ ال ْب َ َ شى )َ (16 ما ي َغْ َ سد َْرة َ َ ال ّ
ال ْك ُب َْرى ).{ (18
يقول تعالى مخبًرا عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه عَّلمه
وى { ،وهو جبريل ،عليه السلم ،كما ق َديد ُ ال ْ ُ ش ِ الذي جاء به إلى الناس } َ
َ
مطاٍع ث َ ّ
م نُ . ْ مِ .ذي قُوّةٍ ِ ل كَ ِ قو ْ ُه لَ َ
كي ٍ م ِش َ عن ْد َ ِذي العَْر ِ ري ٍ سو ٍ ل َر ُ قال } :إ ِن ّ ُ
ن { ] التكوير .[ 21 - 19 : َ
مي ٍأ ِ
مّرةٍ { أي :ذو قوة .قاله مجاهد ،والحسن ،وابن زيد. وقال هاهنا ُ } :ذو ِ
وقال ابن عباس :ذو منظر حسن.
خْلق طويل حسن. وقال قتادة :ذو َ
ول منافاة بين القولين ؛ فإنه ،عليه السلم ،ذو منظر حسن ،وقوة شديدة.
وقد ورد في الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة وابن عمرو ) (1أن النبي
ي" ).(2 سو ِ ّذي مّرة َ ي ،ول ل ِ ِصلى الله عليه وسلم قال " :ل تحل الصدقة لغن ّ
وى { يعني :جبريل ،عليه السلم .قاله مجاهد والحسن وقوله َ } :فا ْ
ست َ َ
وقتادة ،والربيع بن أنس.
ق العَْلى { يعني :جبريل ،استوى في الفق العلى .قاله } وَهُوَ ِبالفُ ِ
عكرمة وغير واحد .قال عكرمة :والفق العلى :الذي يأتي منه الصبح.
وقال مجاهد :هو مطلع الشمس .وقال قتادة :هو الذي يأتي منه النهار.
وكذا قال ابن زيد ،وغيرهم.
صّرف بن عمرو اليامي أبو م َ عة ،حدثنا ُ وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو ُزْر َ
القاسم ،حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن طلحة بن مصرف ،حدثني أبي ،
عن الوليد -هو ابن قيس -عن إسحاق بن أبي الك َهْت ََلة أظنه ذكره عن عبد
الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير جبريل في صورته
إل مرتين ،أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الفق .وأما الثانية
ق العَْلى {.فإنه كان معه حيث صعد ،فذلك ) (3قوله } :وَهُوَ ِبالفُ ِ
وقد قال ابن جرير هاهنا قول لم أره لغيره ،ول حكاه هو عن أحد ،وحاصله :
وى { أي :هذا الشديد القوى ذو المرة هو أنه ذهب إلى أن المعنى َ } :فا ْ
ست َ َ
َ
ق العْلى { أي :استويا جميعا ومحمد صلى الله عليهما وسلم } ِبالفُ ِ
بالفق ،وذلك ليلة السراء كذا قال ،ولم يوافقه أحد على ذلك .ثم
__________
) (1في م " :ابن عمرو وأبي هريرة".
) (2حديث عبد الله بن عمرو :رواه أبو داود في السنن برقم )(1634
والترمذي في السنن برقم ) (652عن ريحان بن يزيد عنه وحديث أبي هريرة
:رواه النسائي في السنن ) (5/99وابن ماجه في السنن برقم ) (1839عن
سالم بن أبي الجعد عنه.
) (3في م " :فكذلك".
) (7/444
شرع يوجه ما قال من حيث العربية فقال :وهذا كقوله تعالى } :أ َئ ِ َ
ذا ك ُّنا
ت َُراًبا َوآَباؤَُنا { ] النمل ، [ 67 :فعطف بالباء على المكّنى في } كنا { من
وى .وَهُوَ { قال :وذكر الفراء عن غير إظهار "نحن" ،فكذلك قوله َ } :فا ْ
ست َ َ
بعض العرب أنه أنشده :
ف )(1ص ُ
مَتق ّ
سَتوي والخْروعُ ال ُ عوُده ...ول ي َ ْ صل ُ ُ
ب ُ ن النبعَ ي َ ْ
ألم ت ََر أ ّ
وهذا الذي قاله من جهة العربية متجه ،ولكن ل يساعده المعنى على ذلك ؛
ل الله صلى فإن هذه الرؤية لجبريل لم تكن ليلة السراء ،بل قبلها ،ورسو ُ
الله عليه وسلم في الرض ،فهبط عليه جبريل ،عليه السلم ،وتدلى إليه ،
فاقترب منه وهو على الصورة التي خلقه الله عليها ،له ستمائة جناح ،ثم
رآه بعد ذلك نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ،يعني ليلة السراء ،وكانت هذه
الرؤية الولى في أوائل البعثة بعد ما جاءه جبريل ،عليه السلم ،أول مرة ،
فأوحى الله إليه صدر سورة "اقرأ" ،ثم فتر الوحي فترة ذهب النبي صلى
م بذلك ناداه الله عليه وسلم فيها مرارا ليتردى من رؤوس الجبال ،فكلما هَ ّ
جبريل من الهواء " :يا محمد ،أنت رسول الله حقا ،وأنا جبريل" .فيسكن
دى له لذلك جأشه ،وتقر عينه ،وكلما طال عليه المر عاد لمثلها ،حتى ت َب َ ّ
جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البطح في صورته التي خلقه
ظم خلقه الفق ،فاقترب منه )(2 الله عليها ،له ستمائة جناح قد سد عُ ْ
مَلكوأوحى إليه عن الله ،عز وجل ،ما أمره به ،فعرف عند ذلك عظمة ال َ
دره ،وعلوّ مكانته عند خالقه الذي بعثه إليه. الذي جاءه بالرسالة ،وجللة قَ ْ
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده حيث قال :
شِبيب ،حدثنا سعيد بن منصور ،حدثنا الحارث بن عبيد ،عن حدثنا سلمة بن َ
وني ،عن أنس بن مالك قال :قال رسول الله صلى الله ج ْ
أبي عمران ال َ
َ
عليه وسلم " :بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل ،عليه السلم ،فوَكز بين كتفي ،
فقمت إلى شجرة فيها ك َوَك َْري الطير ،فقعد في أحدهما وقعدت في الخر.
دت الخافقين وأنا أقلب طرفي ،ولو شئت أن س ّ
مت وارتفعت حتى َ فَ َ
س َ
تط ) ، (3فعرف ُ أمس السماء لمسست ،فالتفت إلي جبريل كأنه حْلس ل ٍ
ب من أبواب السماء ورأيت النور العظم ، فضل عْلمه بالله علي .وفُِتح لي با ٌ
وإذا دون الحجاب رفرفة الدر والياقوت .وأوحى إلي ما شاء الله أن يوحي".
ثم قال البزار :ل يرويه إل الحارث بن عبيد ،وكان رجل مشهورا من أهل
البصرة ).(4
قلت :الحارث بن عَُبيد هذا هو أبو قدامة اليادي ،أخرج له مسلم في
صحيحه إل أن ابن معين ضّعفه ،وقال :ليس هو بشيء .وقال المام أحمد :
مضطرب الحديث .وقال أبو حاتم الرازي :كتب حديثه ول يحتج به .وقال ابن
همه فل يجوز الحتجاج به إذا انفرد .فهذا الحديث من غرائب حبان :ك َُثر وَ َ
رواياته ،فإن فيه نكارة وغرابة ألفاظ وسياًقا عجيبا ،ولعله منام ،والله
أعلم.
وقال المام أحمد :حدثنا حجاج ،حدثنا شريك ،عن عاصم ،عن أبي وائل ،
عن عبد الله
__________
) (1البيت في تفسير الطبري ) (27/25وهو لجرير بن عطية.
) (2في م " :وأقرب منه".
) (3في م " :لطي".
) (4مسند البزار برقم ).(58
) (7/445
قال :رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة
سد ّ الفق ،يسقط من جناحه من التهاويل والدر جناح ،كل جناح منها قد َ
والياقوت ما الله به عليم ) .(1انفرد به أحمد ).(2
وقال أحمد :حدثنا يحيى بن آدم ،حدثنا أبو بكر بن عياش ،عن إدريس بن
من َّبه ،عن وهب بن منبه ،عن ابن عباس قال :سأل النبي صلى الله عليه ُ
وسلم جبريل أن يراه في صورته ،فقال :ادع ربك .فدعا ربه ،عز وجل ،
فطلع عليه سواد من قبل المشرق ،فجعل يرتفع وينتشر ،فلما رآه النبي
دقه. ش ْ شه ومسح البزاق عن ِ صلى الله عليه وسلم صِعق ،فأتاه فَن َعَ َ
انفرد به أحمد ) .(3وقد رواه ابن عساكر في ترجمة "عتبة بن أبي لهب" ،
من طريق محمد بن إسحاق ،عن عثمان بن عروة بن الزبير ،عن أبيه ،عن
هَّبار بن السود قال :كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام ،فتجهزت
معهما ،فقال ابنه عتبة :والله لنطلقن إلى محمد ولوذينه في ربه ،سبحانه
،فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال :يا محمد ،هو يكفر
بالذي دنى فتدلى ،فكان قاب قوسين أو أدنى .فقال النبي صلى الله عليه
وسلم " :اللهم ابعث إليه كلبا من كلبك" .ثم انصرف عنه فرجع إلى أبيه
فقال :يا بني ،ما قلت له ؟ فذكر له ما قال له ،قال :فما قال لك ؟ قال :
ن عليك قال :يا بني ،والله ما آم ُ قال " :اللهم سلط عليه كلبا من كلبك"
معة راهب ، ْ
صوْ َدة ،ونزلنا إلى َ س َ ُدعاءه .فسرنا حتى نزلنا الشراة ،وهي مأ َ
سد ُ فيهافقال الراهب :يا معشر العرب ،ما أنزلكم هذه البلد فإنها تسرح ال ْ
كما تسرح الغنم ؟ فقال لنا أبو لهب :إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي ،وإن
هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة ً -والله -ما آمنها عليه ،فاجمعوا متاعكم
إلى هذه الصومعة ،وافرشوا لبني عليها ،ثم افرشوا حولها .ففعلنا ،فجاء
قّبض ،فوثب ،فإذا هو فوق م وجوهنا ،فلما لم يجد ما يريد ت َ َ ش ّ السد فَ َ
فضخ رأسه .فقال أبو لهب :قد عرفت المتاع ،فشم وجهه ثم هزمه هَْزمة فَ َ
أنه ل ينفلت عن دعوة محمد ).(4
ن أ َوْ أ َد َْنى { أي :فاقترب جبريل إلى محمد لما سي ْ ِ ب قَوْ َ ن َقا َ كا َ وقوله } :فَ َ
هبط عليه إلى الرض ،حتى كان بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم قاب
دا .قاله ) (5مجاهد ،وقتادة. م ّ قوسين أي :بقدرهما إذا ُ
وقد قيل :إن المراد بذلك ُبعد ُ ما بين وتر القوس إلى كبدها.
وقوله } :أ َوْ أ َد َْنى { قد تقدم أن هذه الصيغة تستعمل في اللغة لثبات
ن ب َعْد ِ ذ َل ِ َ
ك م ْم ِت قُُلوب ُك ُ ْ م قَ َ
س ْ المخبر عنه ونفي ما زاد عليه ،كقوله } :ث ُ ّ
سوَة ً { ] البقرة ، [ 74 :أي :ما هي بألين من شد ّ ق َ ْ جاَرةِ أ َوْ أ َ َ ح َكال ْ ِ
ي َ فَهِ َ
الحجارة ،بل هي مثلها أو تزيد عليها في الشدة والقسوة .وكذا قوله :
ة { ] النساء ، [ 77 :وقوله : شي َ ًخ ْشد ّ َ شي َةِ الل ّهِ أ َوْ أ َ َ خ ْ س كَ َ ن الّنا َ شو ْ َ خ َ
} يَ ْ
ن { ]الصافات ، [147 : َ ْ َ َ َ ْ َ
دو َ زي ُف أوْ ي َ ِ مائةِ أل ٍ سلَناه ُ إ ِلى ِ } وَأْر َ
__________
) (1في أ " :أعلم".
) (2المسند ).(1/395
) (3المسند ).(1/322
) (4لم أجد ترجمة عتبة بن أبي لهب في تاريخ دمشق المخطوط ول في
مختصره لبن منظور.
) (5في م " :قال".
) (7/446
أي :ليسوا أقل منها بل هم مائة ألف حقيقة ،أو يزيدون عليها .فهذا تحقيق
للمخبر به ل شك ول تردد ) ، (1فإن هذا ممتنع هاهنا ،وهكذا هذه الية :
ن أ َوْ أ َد َْنى {. ب قَوْ َ
سي ْ ِ ن َقا َ } فَ َ
كا َ
وهذا الذي قلناه من أن هذا المقترب الداني الذي صار بينه وبين محمد صلى
الله عليه وسلم ،إنما هو جبريل ،عليه السلم ،هو قول أم المؤمنين عائشة
،وابن مسعود ،وأبي ذر ،وأبي هريرة ،كما سنورد أحاديثهم قريبا إن شاء
الله .وروى مسلم في صحيحه ،عن ابن عباس أنه قال " :رأى محمد ربه
بفؤاده مرتين" ) .(2فجعل هذه إحداهما .وجاء في حديث شريك بن أبي
نمر ،عن أنس في حديث السراء " :ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى" ولهذا
تكلم ) (3كثير من الناس في متن هذه الرواية ،وذكروا أشياء فيها من
الغرابة ،فإن صح فهو محمول على وقت آخر وقصة أخرى ،ل أنها تفسير
لهذه الية ؛ فإن هذه كانت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الرض ل
من ْت ََهى {سد َْرةِ ال ْ ُ عن ْد َ ِ
خَرىِ . ة أُ ْ قد ْ َرآهُ نزل َ ًليلة السراء ؛ ولهذا قال بعده } :وَل َ َ
،فهذه هي ليلة السراء والولى كانت في الرض.
وقد قال ابن جرير :حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ،حدثنا عبد
الواحد بن زياد ،حدثنا سليمان الشيباني ،حدثنا زر بن حبيش قال :قال عبد
ن أ َوْ أ َد َْنى { ،قال :قال سي ْ ِب قَوْ َ ن َقا َ كا َالله بن مسعود في هذه الية } :فَ َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :رأيت جبريل له ستمائة جناح" ).(4
وقال ابن وهب :حدثنا ابن ل َِهيعة ،عن أبي السود ،عن عُْرَوة ،عن عائشة
ل شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه قالت :كان أو َ
جبريل بأجياد ،ثم إنه خرج ليقضي حاجته فصرخ به جبريل :يا محمد ،يا
محمد .فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينا وشمال فلم ير شيًئا )(5
-ثلثا -ثم رفع بصره فإذا هو ثان إحدى رجليه مع ) (6الخرى على أفق
كنه -فهرب النبي صلى الله ل ُ -يس ّ السماء فقال :يا محمد ،جبريل ،جبري ُ
عليه وسلم حتى دخل في الناس ،فنظر فلم ير شيًئا ،ثم خرج من الناس ،
ثم نظر فرآه ،فدخل في الناس فلم ير شيًئا ،ثم خرج فنظر فرآه ،فذلك
وى ){ [ (7 ما غَ َ حب ُك ُ ْ
م وَ َ صا ِ ل َ ض ّ ما َ وىَ ] . جم ِ إ َِذا هَ َقول الله عز وجل َ } :والن ّ ْ
ن ب قَوْ َ
سي ْ ِ ن َقا َ م د ََنا فَت َد َّلى { يعني جبريل إلى محمد } ،فَكا َ
َ إلى قوله } :ث ُ ّ
أ َوْ أ َد َْنى { :ويقولون :القاب نصف الصبع .وقال بعضهم :ذراعين كان
بينهما.
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ،من حديث ابن وهب ) .(8وفي حديث
الزهري عن أبي سلمة ،عن جابر شاهد لهذا.
وروى البخاري عن ط َْلق بن غنام ،عن زائدة ،عن الشيباني قال :سألت زّرا
عن قوله :
__________
) (1في م ،أ " :ول ترديد".
) (2صحيح مسلم برقم ).(176
) (3في م " :ولهذا قد تكلم".
) (4تفسير الطبري ).(27/27
) (5في م " :أحدا".
) (6في م ،أ " :على".
) (7زيادة من م.
) (8تفسير الطبري ).(27/27
) (7/447
) (7/448
) (7/449
ثم قال ابن أبي حاتم :وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ،حدثنا محمد بن
ما ك َذ َ َ
ب عبد الله النصاري ،أخبرني عَّباد بن منصور قال :سألت عكرمة َ } :
ما َرَأى { ،فقال عكرمة :تريد أن أخبرك أنه قد رآه ؟ قلت :نعم. ف َ
ؤاد ُ َ ال ْ ُ
قال :قد رآه ،ثم قد رآه .قال :فسألت عنه الحسن فقال :رأى جلله
ظمته وِرداَءه. وع َ َ
وحدثنا أبي ،حدثنا محمد بن مجاهد ،حدثنا أبو عامر العقدي ،أخبرنا أبو
سِئل رسول الله صلى الله عليه وسلم :هل خلدة ،عن أبي العالية قال ُ :
رأيت ربك ؟ قال " :رأيت نهرا ،ورأيت وراء النهر حجابا ،ورأيت وراء
الحجاب نورا لم أر غير" ).(1
وذلك غريب جدا ،فأما الحديث الذي رواه المام أحمد :
حدثنا أسود بن عامر ،حدثنا حماد بن سلمة ،عن قتادة ،عن عكرمة ،عن
ابن عباس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :رأيت ربي عز
وجل" ).(2
فإنه حديث إسناده على شرط الصحيح ،لكنه مختصر من حديث المنام كما
رواه المام أحمد أيضا :
مر ،عن أيوب ،عن أبي ِقلبة عن ابن عباس ؛ معْ َ
حدثنا عبد الرزاق ،حدثنا َ
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :أتاني ربي الليلة في أحسن
صورة -أحسبه يعني في النوم -فقال :يا محمد ،أتدري فيم يختصم المل
ي
العلى ؟" قال " :قلت :ل .فوضع يده بين كتفي حتى وجدت ب َْرَدها بين ثدي ّ
ري -فعلمت ما في السموات وما في الرض ،ثم قال :يا ح ِ
-أو قال :ن َ ْ
محمد ،هل تدري فيم يختصم المل العلى ؟" قال " :قلت :نعم ،يختصمون
في الكفارات والدرجات" .قال " :وما الكفارات والدرجات ؟" قال " :قلت :
معات ) ج ُ
المكث في المساجد بعد الصلوات ،والمشي على القدام إلى ال ُ
، (3وإبلغ الوضوء في المكاره ،من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير ،
وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه .وقال :قل يا محمد إذا صليت :اللهم ،
ب المساكين ،وإذا أردت إني أسألك الخيرات ) (4وترك المنكرات ،وح ّ
ل الطعام ، بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون" .قال " :والدرجات ب َذ ْ ُ
وإفشاء السلم ،والصلة بالليل والناس نيام" ).(5
وقد تقدم في آخر سورة "ص" ،عن معاذ نحوه ) .(6وقد رواه ابن جرير من
وجه آخر عن ابن عباس ،وفيه سياق آخر وزيادة غريبة فقال :
سّيار ،حدثني مر بن َ حدثني أحمد بن عيسى التميمي ،حدثني سليمان بن عُ َ
أبي ،عن سعيد بن َزْرِبي ،عن عمر بن سليمان ) ، (7عن عطاء ،عن ابن
عباس قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم " :رأيت ربي في
__________
) (1ورواه ابن المنذر كما في الدر المنثور ) (7/648وهو مرسل.
) (2المسند ).(1/285
) (3في هـ ،أ " :الجماعات".
) (4في م " :إني أسألك فعل الخيرات".
) (5المسند ).(1/368
) (6انظر تفسير الية 69 :من سورة "ص".
) (7في أ " :سليم".
) (7/450
أحسن صورة فقال لي :يا محمد ،هل تدري فيم يختصم المل العلى ؟
ي ،فعلمت ما فقلت :ل يا رب .فوضع يده بين كتفي فوجدت ب َْرَدها بين ثدي ّ
في السموات والرض ،فقلت :يا رب ،في الدرجات والكفارات ،ونقل
معات ) ، (1وانتظار الصلة بعد الصلة .فقلت :يا رب إنك ج ُ
القدام إلى ال ُ
ت موسى تكليما ،وفعلت وفعلت ،فقال :ألم اتخذت إبراهيم خليل وكلم َ
أشرح لك صدرك ؟ ألم أضع عنك وِْزَرك ؟ ألم أفعل بك ؟ ألم أفعل ؟ قال :
"فأفضى إلي بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها" قال " :فذاك قوله في كتابه
َ َ كان َقاب قَوسي َ َ
ما
حىَ . حى إ َِلى عَب ْدِهِ َ
ما أوْ َ ن أوْ أد َْنى .فَأوْ َ
ْ َ ْ ِ َ م د ََنا فَت َد َّلى .فَ َ َ
} :ثُ ّ
ما َرَأى { ،فجعل نور بصري في فؤادي ،فنظرت إليه بفؤادي". ؤاد ُ َ ب ال ْ ُ
ف َ ك َذ َ َ
إسناده ضعيف ).(2
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر بسنده إلى هَّبار بن السود ،رضي الله عنه ؛
أن عتبة بن أبي لهب لما خرج في تجارة إلى الشام قال لهل مكة :اعلموا
ل الله صلى الله عليه وسلم ، أني كافر بالذي دنا فتدلى .فبلغ قوله رسو َ
ط الله عليه كلبا من كلبه" .قال هبار :فكنت معهم ،فنزلنا سل ّ َ فقال َ " :
بأرض كثيرة السد ،قال :فلقد رأيت السد جاء فجعل يشم رؤوس القوم
واحدا واحدا ،حتى تخطى إلى عتبة فاقتطع رأسه من بينهم ).(3
وذكر ابن إسحاق وغيره في السيرة :أن ذلك كان بأرض الزرقاء ،وقيل :
بالسراة ،وأنه خاف ليلتئذ ،وأنهم جعلوه بينهم وناموا من حوله ،فجاء السد
فجعل يزأر ،ثم تخطاهم إليه فضغم رأسه ،لعنه الله.
ْ
مأَوى { ، ْ
ة ال َ
جن ّ ُ
ها َ
عن ْد َ َ سد َْرةِ ال ْ ُ
من ْت ََهى ِ عن ْد َ ِ
خَرى ِ ة أُ ْقد ْ َرآهُ نزل َ ً
وقوله } :وَل َ َ
هذه هي المرة الثانية التي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جبريل
على صورته التي خلقه الله عليها ،وكانت ليلة السراء .وقد قدمنا الحاديث
الواردة في السراء بطرقها وألفاظها في أول سورة "سبحان" بما أغنى عن
إعادته هاهنا ،وتقدم أن ابن عباس ،رضي الله عنهما ،كان يثبت الرؤية ليلة
السراء ،ويستشهد بهذه الية .وتابعه جماعة من السلف والخلف ،وقد
خالفه جماعات من الصحابة ،رضي الله عنهم ،والتابعين وغيرهم.
وقال المام أحمد :حدثنا حسن بن موسى ،حدثنا حماد بن سلمة ،عن
قد ْحب َْيش ،عن ابن مسعود في هذه الية } :وَل َ َ عاصم بن ب َهْد ََلة ،عن زر بن ُ
من ْت ََهى { ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه سد َْرةِ ال ْ ُ عن ْد َ ِ
خَرى ِ ة أُ َْرآهُ نزل َ ً
وسلم " :رأيت جبريل وله ستمائة جناح ،ينتثر من ريشه التهاويل :الدّر
والياقوت" ) .(4وهذا إسناد جيد قوي.
وقال أحمد أيضا :حدثنا يحيى بن آدم ،حدثنا شريك ،عن جامع بن أبي راشد
،عن أبي وائل ،
__________
) (1في أ " :الجماعات".
) (2تفسير الطبري ).(27/28
) (3مختصر تاريخ دمشق لبن منظور ) (27/63ولم يقع لي في ترجمته فيما
بين يدي من مخطوطات تاريخ دمشق.
) (4المسند ).(1/460
) (7/451
عن عبد الله قال :رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته
وله ستمائة جناح ،كل جناح منها قد سد الفق :يسقط من جناحه من
التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم" ) .(1إسناده حسن أيضا.
حَباب ،حدثني حسين ،حدثني عاصم بن وقال أحمد أيضا :حدثنا زيد بن ال ُ
قيق بن سلمة يقول :سمعت ابن مسعود يقول قال : ب َهْد ََلة قال :سمعت َ
ش ِ
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :رأيت جبريل على سدرة ) (2المنتهى
وله ستمائة جناح" سألت عاصما عن الجنحة فأبى أن يخبرني .قال :
فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب ) .(3وهذا أيضا
إسناد جيد.
وقال أحمد :حدثنا زيد بن الحباب ،حدثنا حسين ،حدثني عاصم بن ب َهْد ََلة )
، (4حدثني ) (5شقيق ) (6قال (7) :سمعت ابن مسعود يقول :قال
خضر رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أتاني جبريل ،عليه السلم ،في ُ
معلق به الدر ) .(9) " (8إسناده جيد أيضا.
وقال المام أحمد :حدثني يحيى عن إسماعيل ،حدثنا عامر قال :أتى
مسروقُ عائشة فقال :يا أم المؤمنين ،هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم
ف شعري لما قلت ،أين أنت من ربه عز وجل ؟ قالت :سبحان الله لقد قَ ّ
دا رأى ربه فقد كذب ،ثم دثكهن فقد كذب :من حدثك أن محم ً ح ّثلث من َ
ماصاَر { ] النعام } ، [ 103 :وَ َ ك الب ْ َ صاُر وَهُوَ ي ُد ْرِ ُ ه الب ْ َ قرأت } :ل ت ُد ْرِك ُ ُ
َ ّ كان ل ِب َ َ
ب { ] الشورى ، [ 51 : جا ٍ
ح َ ن وََراِء ِ م ْ
حًيا أوْ ِ ه ِإل وَ ْ ه الل ُ م ُ ن ي ُك َل ّ َشرٍ أ ْ َ َ َ
عل ْ ُ
م عن ْد َه ُ ِ ن الل ّ َ
ه ِ ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ،ثم قرأت } :إ ِ ّ
حام ِ { الية ] لقمان ، [ 34 :ومن ما ِفي الْر َ م َ ث وَي َعْل َ ُ ل ال ْغَي ْ َ ساعَةِ وَُينز ُ ال ّ
غّ
ل ب َل ْ سو ُ َ
أخبرك أن محمدا قد كتم ) ، (10فقد كذب ،ثم قرأت َ } :يا أي َّها الّر ُ
ك { ] المائدة ، [ 67 :ولكنه رأى جبريل في صورته ن َرب ّ َ م ْ ك ِ ما ُأنز َ
ل إ ِل َي ْ َ َ
مرتين ).(11
وقال أحمد أيضا :حدثنا محمد بن أبي عدي ،عن داود ،عن الشعبي ،عن
ق ُ
قد ْ َرآه ُ ِبال ِ
ف مسروق قال :كنت عند عائشة فقلت :أليس الله يقول } :وَل َ َ
خَرى { فقالت :أنا أول هذه ة أُ ْ
قد ْ َرآهُ نزل َ ً ن { ] التكوير } ، [ 23 :وَل َ َ ال ْ ُ
مِبي ِ
المة سأل ) (12رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ،فقال " :إنما ذاك
جبريل" .لم يره في صورته التي خلق عليها إل مرتين ،رآه منهبطا من
م خلقه ما بين السماء والرض. السماء إلى الرض ،ساّدا عُظ ْ ُ
أخرجاه في الصحيحين ،من حديث الشعبي ،به ).(13
رواية أبي ذر ،قال المام أحمد :حدثنا عفان ،حدثنا همام ،حدثنا قتادة ،
عن عبد الله بن شقيق
__________
) (1لم أجده في المسند وذكره الحافظ ابن حجر في أطرف المسند )
.(4/158
) (2في م " :السدرة".
) (3المسند ).(1/407
) (4في أ " :حصين".
) (5في م " :قال سمعت".
) (6في م " :شقيق بن سلمة".
) (7في م ،أ " :يقول".
) (8في م " :الدر به".
) (9المسند ).(1/407
) (10في أ " :كتم شيئا من الوحي".
) (11المسند ).(6/49
) (12في أ " :سألت".
) (13المسند ) (6/241وصحيح البخاري برقم ) (4855وصحيح مسلم برقم
) (177بنحوه.
) (7/452
ت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته. قال :قلت لبي ذر :لو رأي ُ
قال :وما كنت تسأله ؟ قال :كنت أسأله :هل رأى ربه ،عز وجل ؟ فقال :
إني قد سألته فقال " :قد رأيته ،نورا أنى أراه" ).(1
هكذا وقع في رواية المام أحمد ،وقد أخرجه مسلم من طريقين بلفظين
كيع ،عن يزيد بن إبراهيم ،عن فقال :حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ،حدثنا وَ ِ
قتادة ،عن عبد الله بن شقيق ،عن أبي ذر قال :سألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم :هل رأيت ربك ؟ فقال " :نور أنى أراه".
وقال :حدثنا محمد بن بشار ،حدثنا معاذ بن هشام ،حدثنا أبي ،عن قتادة ،
عن عبد الله بن شقيق قال :قلت لبي ذر :لو رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم لسألته .فقال :عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال :قلت :كنت
أسأله :هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر :قد سألت فقال " :رأيت نورا" ).(2
سئل عن هذا الحديث فقال :ما وقد حكى الخلل في "علله" أن المام أحمد ُ
ت منكرا له ،وما أدري ما وجهه ).(3 زل ُ
وقد قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا عمرو بن عون الواسطي ،أخبرنا
شْيم ،عن منصور ،عن الحكم ،عن إبراهيم ،عن أبيه ،عن أبي ذر قال : هُ َ
رآه بقلبه ،ولم يره بعينه.
قيق وبين أبي ذر ، ِ َ
ش بن الله عبد بين انقطاعه يدعي خَزيمة أنوحاول ابن ُ
وأما ابن الجوزي فتأوله على أن أبا ذر لعله سأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم قبل السراء ،فأجابه بما أجابه به ،ولو سأله بعد السراء لجابه
بالثبات .وهذا ضعيف جدا ،فإن عائشة أم المؤمنين ،رضي الله عنها ،قد
سألت عن ذلك بعد السراء ،ولم يثبت لها الرؤية .ومن قال :إنه خاطبها
خزيمة في كتاب على قدر عقلها ،أو حاول تخطئتها فيما ذهبت إليه -كابن ُ
التوحيد ) ، - (4فإنه هو المخطئ ،والله أعلم.
وقال النسائي :حدثنا يعقوب بن إبراهيم ،حدثنا هشام ) ، (5عن منصور ،
عن الحكم ،عن يزيد بن شريك ،عن أبي ذر قال :رأى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ربه بقلبه ،ولم يره ببصره ).(6
سِهر ،م ْ وقد ثبت في صحيح مسلم ،عن أبي بكر بن أبي شيبة ،عن علي بن ُ
عن عبد الملك بن أبي سليمان ،عن عطاء بن أبي رباح ،عن أبي هريرة ،
خَرى { ،قال :رأى ة أُ ْ
قد ْ َرآهُ نزل َ ً رضي الله عنه ،أنه قال في قوله } :وَل َ َ
جبريل ) ، (7عليه السلم ).(8
خَرى { قال :رأى رسول الله ُ
ةأ ْ قد ْ َرآهُ نزل َ ًوقال مجاهد في قوله } :وَل َ َ
صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته مرتين ،وكذا قال قتادة والربيع بن
أنس ،وغيرهم.
__________
) (1المسند ).(5/147
) (2صحيح مسلم برقم ).(178
) (3ووجه النكار ل محل له في المتن ،فإن له شواهد وهو دليل على نفي
الرؤية في الدنيا.
) (4التوحيد لبن خزيمة )ص ) (206 ، 205ص .(225
) (5في م ،أ " :هشيم".
) (6النسائي في السنن الكبرى برقم ).(11536
) (7في أ " :رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل".
) (8صحيح مسلم برقم ).(175
) (7/453
شى { :قد تقدم في أحاديث ما ي َغْ َسد َْرة َ َشى ال ّ وقوله تعالى } :إ ِذ ْ ي َغْ َ
السراء أنه غشيتها الملئكة مثل الِغربان ،وغشيها نور الرب ،وغشيها ألوان
ما أدري ما هي.
ول ،حدثنا الزبير بن عدي ،عن )(1 مغْ َ وقال المام أحمد :حدثنا مالك بن ِ
طلحة ،عن مرة ،عن عبد الله -هو ابن مسعود -قال :لما أسري برسول
الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى ،وهي في السماء
السابعة ) ، (2إليها ينتهي ما يعرج به من الرض فيقبض منها ،وإليها ينتهي ما
شى { قال :فراش ما ي َغْ َسد َْرة َ َشى ال ّ يهبط من فوقها فيقبض منها } ،إ ِذ ْ ي َغْ َ
من ذهب ،قال :وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثا :أعطي
غفر لمن ل يشرك بالله الصلوات الخمس ،وأعطي خواتيم سورة البقرة ،و ُ
مقحمات .انفرد به مسلم ).(3 شيًئا من أمته ال ُ
وقال أبو جعفر الرازي ،عن الربيع ،عن أبي العالية ،عن أبي هريرة أو غيره
-شك أبو جعفر -قال :لما أسري برسول الله انتهى إلى السدرة ،فقيل
له :هذه السدرة ]قال[ (4) :فغشيها نور الخلق ،وغشيتها الملئكة مثل
الغربان حين يقعن على الشجر ،قال :فكلمه عند ذلك ،فقال له :سل.
شى { قال : ما ي َغْ َ سد َْرة َ َ شى ال ّ جيح ،عن مجاهد } :إ ِذ ْ ي َغْ َ وقال ) (5ابن أبي ن َ ِ
كان أغصان السدرة لؤلؤا وياقوتا وزبرجدا ،فرآها محمد ،ورأى ربه بقلبه.
وقال ابن زيد :قيل :يا رسول الله ،أيّ شيء رأيت يغشى تلك السدرة ؟
َ
ملكا ش من ذهب ،ورأيت على كل ورقة من ورقها َ ت يغشاها فََرا ٌ قال " :رأي ُ
قائما يسبح الله ،عز وجل" ).(6
ما ط ََغى { قال ابن عباس :ما ذهب يمينا ول صُر وَ َما َزاغَ ال ْب َ َ وقوله َ } :
ما ط ََغى { ما جاوز ما أمر به. شمال } وَ َ
وهذه صفة عظيمة في الثبات والطاعة ،فإنه ما فعل إل ما أمر به ،ول سأل
فوق ما أعطي .وما أحسن ما قال الناظم :
ها...غيُره ُ ما َقد َرآه لَتا َ ما فَوَْقها ،وََلوَ ...رأى َ َ
مأَوى وَ َ ة ال َ جن ّ َ
رأى َ
ن آَيات َِنا { ت َرب ّهِ ال ْك ُب َْرى { ،كقوله } :ل ِن ُرِي َ َ َ وقوله } :ل َ َ
م ْ ك ِ ن آَيا ِ م ْقد ْ َرأى ِ
] طه (7) [ 23 :أي :الدالة على قدرتنا وعظمتنا .وبهاتين اليتين استدل من
ن َ ذهب من أهل السنة أن الرؤية تلك الليلة لم تقع ؛ لنه قال } :ل َ َ
م ْ قد ْ َرأى ِ
ت َرب ّهِ ال ْك ُب َْرى { ،ولو كان رأى ربه لخبر بذلك ولقال ذلك للناس ،وقد آَيا ِ
تقدم تقرير ذلك في سورة "سبحان" وقد قال المام أحمد :
حدثنا أبو النضر ،حدثنا محمد بن طلحة ،عن الوليد بن قيس ،عن إسحاق
بن أبي الك َهَْتلة )(8
__________
) (1في أ " :بن".
) (2في م " :السادسة".
) (3المسند ) (1/422وصحيح مسلم برقم ).(173
) (4زيادة من أ.
) (5في م " :فقال".
) (6وهذا من مراسيل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف.
) (7في م " :لنريه".
) (8في م ،أ " :الكهبلة".
) (7/454
قال محمد :أظنه عن ابن مسعود -أنه قال :إن محمدا لم ير جبريل في
صورته إل مرتين ،أما مرة فإنه سأله أن ُيريه نفسه في صورته ،فأراه
و
به .وقوله } :وَهُ َ صعد معه حين صعد صورته فسد الفق .وأما الخرى فإنه َ
َ َ َ َ م د ََنا فَت َد َّلى .فَ َ
ه
حى إ ِلى عَب ْدِ ِ ن أوْ أد َْنى .فَأوْ َ سي ْ ِ ب قَوْ َ ن َقا َ كا َ ق العَْلى .ث ُ ّ ِبال َفُ ِ
س ) (1جبريل ربه ،عز وجل ،عاد في صورته حى { قال :فلما أح ّ ما أوْ َ َ
ةجن ّ ُ ْ ُ َ َ
ها َ عن ْد َ َ من ْت ََهىِ . سد َْرةِ ال ُ عن ْد َ ِ خَرىِ . ةأ ْ قد ْ َرآهُ نزل ً وسجد .فقوله } :وَل َ
نم ْ قد ْ َرأى ِ
َ َ
ما طَغى .ل َ َ صُر وَ َ ْ َ
ما َزاغ الب َ َ شىَ . ما ي َغْ َ سد َْرة َ َ شى ال ّ مأ َْوى .إ ِذ ْ ي َغْ َ ال ْ َ
خل ْقَ جبريل عليه السلم. ت َرب ّهِ ال ْك ُب َْرى { قال َ : آَيا ِ
هكذا رواه المام أحمد ،وهو غريب ).(2
َ َ َ
م الذ ّك َُر وَل َ ُ
ه خَرى ) (20أل َك ُ ُ ة ال ْ مَناةَ الّثال ِث َ َ ت َوال ْعُّزى ) (19وَ َ م الل َ } أفََرأي ْت ُ ُ
ة ضيزى ) (22إن هي إل أ َسماٌء سميتمو َ َ الن َْثى ) (21ت ِل ْ َ
م
ها أن ْت ُ ْ َ ّ ُْ ُ ْ َ ِ ْ ِ َ ِ م ٌ ِ َ س َ ك إ ًِذا قِ ْ
س
ف ُ وى الن ْ ُ ما ت َهْ َ ن وَ َ ّ
ن ِإل الظ ّ ن ي َت ّب ُِعو َ ن إِ ْ َ
سلطا ٍ ْ ن ُ م ْ ه ب َِها ِ ّ
ل الل ُ ما َأنز َ م َ َوآَباؤُك ُ ْ
خَرةُ ّ
مّنى ) (24فَل ِلهِ ال ِ َ ْ وَل َ َ
ما ت َ َ ن َ سا ِ م ِللن ْ َ دى ) (23أ ْ م الهُ َ ن َرب ّهِ ُ م ْ م ِ جاَءهُ ْ قد ْ َ
ن ب َعْدِ م ْ شي ًْئا ِإل ِ م َ فاعَت ُهُ ْ ش َ ت ل ت ُغِْني َ وا ِ م َس َ ك ِفي ال ّ مل َ ٍ ن َ م ْ م ِ َوالوَلى ) (25وَك َ ْ
ْ َ
ضى ){ (26 شاُء وَي َْر َ ن يَ َ م ْ ه لِ َ ن الل ّ ُ ن ي َأذ َ َ أ ْ
قّرعا للمشركين في عبادتهم الصنام والنداد والوثان ، م َيقول تعالى ُ
واتخاذهم لها البيوت مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن ،عليه ]الصلة
َ َ
ت { ؟ وكانت "اللت" ) (4صخرة ً بيضاء م الل َ و[ ) (3السلم } :أفََرأي ْت ُ ُ
ظم عند أهل دنة ،وحوله فناء مع ّ س َمنقوشة ،وعليها بيت بالطائف له أستار و َ
الطائف ،وهم ثقيف ومن تابعها ،يفتخرون بها على من عداهم من أحياء
العرب بعد قريش.
قال ابن جرير :وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله ]تعالى[ ) ، (5فقالوا :
اللت ،يعنون مؤنثة منه ،تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا .وحكي عن ابن
ت" بتشديد التاء ، عباس ،ومجاهد ،والربيع بن أنس :أنهم قرؤوا "الل ّ
ت للحجيج في الجاهلية السويق ،فلما مات عكفوا وفسروه بأنه كان رجل ي َل ُ ّ
على قبره فعبدوه.
وقال البخاري :حدثنا مسلم -هو ابن إبراهيم -حدثنا أبو الشهب ،حدثنا أبو
ت َوال ْعُّزى { قال :كان اللت رجل يلت الجوزاء عن ابن عباس ) } : (6الل َ
سويق ،سويق الحاج ).(7 ال ّ
قال ابن جرير :وكذا العُّزى من العزيز.
وكانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة ،وهي بين مكة والطائف ،كانت
قريش يعظمونها ،كما
__________
) (1في أ " :أخبر".
المسند ).(1/407 )(2
زيادة من م. )(3
في م " :العزى". )(4
زيادة من م. )(5
في م " :عن ابن عباس عن". )(6
صحيح البخاري برقم ).(4859 )(7
) (7/455
قال أبو سفيان يوم أحد :لنا العزى ول عّزى لكم فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :قولوا :الله مولنا ،ول مولى لكم" ).(1
ميد بن عبد الرحمن ،عن أبي ح َوروى البخاري من حديث الزهري ،عن ُ
هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :من حلف فقال في
حلفه :واللت والعزى ،فليقل :ل إله إل الله .ومن قال لصاحبه :تعال
أَقامْرك ،فليتصدق" ).(2
وهذا محمول على من سبق لسانه في ) (3ذلك ،كما كانت ألسنتهم قد
كار وعبداعتادته في زمن الجاهلية ،كما قال النسائي :أخبرنا أحمد بن ب َ ّ
خَلد ،حدثنا يونس ،عن أبيه ،حدثني مصعب بن م ْ
الحميد بن محمد قال حدثنا َ
سعد بن أبي وقاص ،عن أبيه قال :حلفت باللت والعزى ،فقال لي
أصحابي :بئس ما قلت! قلت هجرا! فأتيت رسول صلى الله عليه سلم ،
فذكرت ذلك له ،فقال " :قل :ل إله إل الله وحده ل شريك له ،له الملك
وذ بالله
وله الحمد ،وهو على كل شيء قدير .وانفث عن شمالك ثلثا ،وتع ّ
من الشيطان الرجيم ،ثم ل تعد" ).(4
ديد ،بين مكة والمدينة -وكانت شّلل ) - (5عند قُ َ م َوأما "مناة" فكانت بال ُ
ّ
خزاعة والوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ،وُيهلون منها للحج إلى
الكعبة .وروى البخاري عن عائشة نحوه ) .(6وقد كانت بجزيرة العرب
وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة غير هذه الثلثة التي نص
عليها في كتابه العزيز ،وإنما أفرد هذه بالذكر لنها أشهر من غيرها.
قال ابن إسحاق في السيرة :وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت ،
وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ،بها ) (7سدنة وحجاب ،وتهدي لها كما
يهدى ) (8للكعبة ،وتطوف بها كط َوَْفاِتها بها ،وتنحر عندها ،وهي تعرف
فضل الكعبة عليها ؛ لنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم ،عليه السلم ،
ومسجده .فكانت لقريش وبني كنانة العُّزى بنخلة ،وكانت سدنتها وحجابها )
(9بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم ).(10
قلت :بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدمها ،
وجعل يقول :
حاَنك ...إني رأيت الله قَد ْ أ َ
هاَنك... سب ْ َ يا عُّز ،ك ُ ْ
فَراَنك ل ُ
ضْيل ،حدثنا الوليد بن وقال النسائي :أخبرنا علي بن المنذر ،أخبرنا ابن فُ َ
ل قال :لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في ْ ِ مْيع ،عن أبي الط ّ َ ج َ
ُ
بعث خالد بن الوليد إلى نخلة ،وكانت بها العزى ،فأتاها خالد وكانت على
مرات ،وهدم البيت الذي كان عليها .ثم أتى النبي س ُ
مرات ،فقطع ال ّ س ُ
ثلث َ
صلى الله عليه وسلم
__________
) (1تقدم تخريج الحديث عند تفسير سورة "محمد" الية .11 :
) (2صحيح البخاري برقم ).(4860
) (3في م " :إلى".
) (4سنن النسائي ).(7/8
) (5في أ " :بالمنال".
) (6صحيح البخاري برقم ).(4861
) (7في م " :لها".
) (8في م " :تهدي".
) (9في م " :وحجبتها".
) (10السيرة النبوية لبن هشام ).(1/83
) (7/456
دنةس َفأخبره فقال " :ارجع فإنك لم تصنع شيًئا" .فرجع خالد ،فلما أبصرته ال ّ
حَيل وهم يقولون " :يا عزى ،يا عزى" .فأتاها جبتها -أمعنوا في ال ِ ح َ -وهم َ
خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحفن ) (1التراب على رأسها ،
فغمسها بالسيف حتى قتلها ،ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبره ،فقال " :تلك العزى" ).(2
دنتها وحجابها بنى س َ
قال ابن إسحاق :وكانت اللت لثقيف بالطائف ،وكان َ
معَّتب ).(3 ُ
قلت :وقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة وأبا
سفيان صخر بن حرب ،فهدماها وجعل مكانها مسجد الطائف.
قال ابن إسحاق :وكانت مناة للوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل
شّلل بقديد ،فبعث رسول الله صلى م َيثرب على ساحل البحر من ناحية ال ُ
الله عليه وسلم ]إليها[ ) (4أبا سفيان صخر بن حرب ،فهدمها .ويقال :علي
بن أبي طالب.
جيلة ،ومن كان ببلدهم من خثعم وب َ ِ دوس و َ خلصة ) (5ل َ َ قال :وكانت ذو ال َ
العرب ب ِت ََبالة.
قلت :وكان يقال لها :الكعبة اليمانية ،وللكعبة التي بمكة الكعبة الشامية.
فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي
فهدمه.
سلمى وأجا. قال :وكانت فَْلس ) (6لطيئ ولمن يليها بجبلي طيئ من )َ (7
قال ابن هشام :فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه
سوب وسلم بعث إليه علي بن أبي طالب فهدمه ،واصطفى منه سيفين :الّر ُ
فله أياهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فهما سيفا علي ) ذم َ ،فن ّ خ َوالم ْ
.(8
قال ابن إسحاق :وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له :ريام .وذكر
أنه كان به كلب أسود ،وأن الحبرين اللذين ذهبا مع تبع استخرجاه وقتله ،
وهدما البيت.
ضاء" بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد قال ابن إسحاق :وكانت "ُر َ
مناة بن تميم ،ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها
في السلم :
ما...
ح َ
قاع أس َ
فًرا ب ِ َ َ ْ َ
ة ...فت ََركُتها ق ْ َ
ضاء شد ّ ً َ
ت عَلى ُر َ شد َد ْ ُ ولقد َ
قال ابن هشام :إنه عاش ثلثمائة وثلثين ) (9سنة ،وهو القائل :
مِئيَنا...
ن ِ
سِني َ
دد ال ّن عَ َ تم ْ مْر ُ ن الحَياةِ وَ ُ
طول َِها ...وَعُ ّ م َ ت ِ م ُسئ ِ ْقد َ وَل َ َ
سِنيَنا...
شهور ِ دد ال ّن عَ َم ْ دها مائ ََتان لي ...وازددت )ِ (10 دتها ب َعْ َ ح ّ ة َمائ َ ً
دوَنا... ح ُ مّر وََليل ٌ
ة تَ ْ م يَ ُ قي إل ك َ َ
ما قَد ْ َفات ََناَ ...يو ٌ ما ب َ ِ
ل َ هَ ْ
__________
) (1في م " :تحثو".
) (2النسائي في السنن الكبرى رقم ).(11567
) (3في م " :مغيت".
) (4زيادة من أ.
) (5في أ " :الحليفة".
) (6في م " :فيس".
) (7في م ،أ " :بين".
) (8السيرة النبوية لبن هشام ).(1/87
) (9في أ " :وستون".
) (10في م ،أ " :وعمرت".
) (7/457
سْنداد وله قال ابن إسحاق :وكان ذو الك َعََبات لبكر وتغلب ابني وائل ،وإياد ب ِ َ
يقول أعشى بن قيس بن ثعلبة :
داد )(1 سن ْ َق ...والبيت ذو الك َعََبات من َ سدير وََبار ٍ خوَْرَنق وال ّ ن ال َ ب َي ْ َ
ْ َ َ
خَرى { ؟. ة ال ْ مَناةَ الّثال ِث َ َ ت َوالعُّزى .وَ َ م الل َ ولهذا قال ]تعالى[ ) } : (2أفََرأي ْت ُ ُ
َ
ه الن َْثى { ؟ أي :أتجعلون له ولدا ،وتجعلون ولده م الذ ّك َُر وَل َ ُ ثم قال } :أل َك ُ ُ
أنثى ،وتختارون لنفسكم الذكور ،فلو اقتسمتم أنتم ومخلوق مثلكم هذه
ضيَزى { أي :جورا باطلة ،فكيف تقاسمون ربكم ة ِ م ٌس َ القسمة لكانت } قِ ْ
هذه القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جورا وسفها.
ثم قال منكرا عليهم فيما ابتدعوه وأحدثوه من الكذب والفتراء والكفر ،من
عبادة الصنام وتسميتها آلهة } :إن هي إل أ َسماٌء سميتمو َ َ
م{م َوآَباؤُك ُ ْها أن ْت ُ ْ َ ّ ُْ ُ ْ َ ِ ْ ِ َ ِ
ن { أي :من حجة ، َ
سلطا ٍ ْ ن ُ م ْ ه ب َِها ِل الل ّ ُ ما َأنز َ أي :من تلقاء أنفسكم } َ
س { أي :ليس لهم مستند إل حسن ف ُ وى الن ْ ُ ما ت َهْ َ ن وَ َ ن ِإل الظ ّ ّ ن ي َت ّب ُِعو َ
} إِ ْ
ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم ،وإل حظ نفوسهم في
دى { أي : م ال ْهُ َ ن َرب ّهِ ُم ْم ِ جاَءهُ ْقد ْ َرياستهم وتعظيم آبائهم القدمين } ،وَل َ َ
ولقد أرسل الله إليهم الرسل بالحق المنير والحجة القاطعة ،ومع هذا ما
اتبعوا ما جاؤوهم به ،ول انقادوا له.
مّنى { أي :ليس كل من تمنى خيرا حصل له } ، َ
ما ت َ َ ن َ سا ِ م ِللن ْ َ ثم قال } :أ ْ
ل َيس بأ َمان ِيك ُم ول أ َمان ِ َ
ب { ] النساء ، [ 123 :ما كل من زعم ل ال ْك َِتا ِ ي أهْ ِ َ ّ ْ َ ِ َ ّ ْ َ
أنه مهتد يكون كما قال ،ول كل من ود ) (3شيئا يحصل له.
وانة ،عن عمر ) (4بن أبي قال المام أحمد :حدثنا إسحاق ،حدثنا أبو عَ َ
سلمة ،عن أبيه ،عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى ،فإنه ل يدري ما يكتب له من
أمنيته" .تفرد به أحمد ).(5
خَرةُ َوالولى { أي :إنما المر كله لله ،مالك الدنيا َ وقوله } :فَل ِل ّهِ ال ِ
والخرة ،والمتصرف في الدنيا والخرة ،فهو الذي ما شاء كان ،وما لم يشأ
لم يكن.
ن َ ً م َ ت ل ت ُغِْني َ َ َ
ن ب َعْد ِ أ ْم ْشي ْئا ِإل ِ فاعَت ُهُ ْش َ وا ِم َس َ ك ِفي ال ّ مل ٍ ن َ م ْ م ِوقوله } :وَك ْ
ّ ْ
عن ْد َه ُ ِإل
فع ُ ِ ْ
ذي ي َش َ َ
ن ذا ال ِ م ْضى { ،كقوله َ } : َ
ن ي َشاُء وَي َْر َ م ْ ن الل ّ ُ
ه لِ َ ي َأذ َ َ
عنده إل ل ِم َ
ه { ]سبأ : ن لَ ُ ن أذِ َ َ ْ ة ِ ْ َ ُ ِ فاعَ ُ فعُ ال ّ
ش َ ب ِإ ِذ ْن ِهِ { ]البقرة َ } ، [255 :ول ت َن ْ َ
، [23فإذا كان هذا في حق الملئكة المقربين ،فكيف ترجون أيها الجاهلون
شفاعة هذه الصنام والنداد عند الله ،وهو لم يشرع عبادتها ول أذن فيها ،
بل قد نهى عنها على ألسنة جميع رسله ،وأنزل بالنهي عن ذلك جميع
كتبه ؟.
__________
) (1انظر السيرة النبوية لبن هشام ).(88 ، 1/87
) (2زيادة من م.
) (3في م " :رد".
) (4في أ " :عمرو".
) (5المسند ) (1/357وقال الهيثمي في المجمع )" : (10/151رجاله رجال
الصحيح".
) (7/458
مي َ َ ُ ن ِباْل َ ِ
ه
م بِ ِ ما ل َهُ ْ ة اْلن َْثى ) (27وَ َ س ِ ة تَ ْ مَلئ ِك َ َ ن ال ْ َ مو َ س ّ خَرةِ ل َي ُ َ مُنو َ ن َل ي ُؤْ ِ ذي َ ن ال ّ ِ إِ ّ
َ
شي ًْئا ) (28فَأعْرِ ْ
ض حق ّ َ ن ال ْ َ م َ ن َل ي ُغِْني ِ ن الظ ّ ّ ن وَإ ِ ّ ن إ ِّل الظ ّ ّ ن ي َت ّب ُِعو َ عل ْم ٍ إ ِ ْ ن ِ م ْ ِ
م ْ لِ ع ْ ل ا نَ مِ م هُ
َ ْ ُ ْ غ َ ل ب م َ
ك ِ ل َ ذ ( 29 ) يا ْ
ّ َ ن د ال َ ة يا َ َ ح ْ ل ا ّ
ل إ در ي
ِ َ ْ ُ ْ م َ ل و نا
َ ر ْ كِ ذ ن
ْ َ ع لى ّ وَ ت
ْ َ ْ َ ن م ن َ ع
ِ
ّ َ ل عَن ِ س ِبيل ِه وهُو أ َ َ ك هُو أ َ
ما ِفي َ ِ ه ل ِ ل َ و (30 ) دى َ َ ت ْ ه ا ن م
ُ ِ َ ِ ب م ل ْ ع َ َ ِ ْ َ ِ ّ ض
َ ن
ُ ِ َ ْ م ب م ل ْ ع ن َرب ّ َ َ إِ ّ
ن ّ ُ َ ّ َ ْ
ذي َ جزِيَ ال ِ ملوا وَي َ ْ ما عَ ِ ساُءوا ب ِ َ نأ َ ذي َ جزِيَ ال ِ ض ل ِي َ ْ ما ِفي الْر ِ ت وَ َ ماَوا ِ س َ ال ّ
ن ّ ّ ْ ْ
ن كَبائ َِر ال ِث ْم ِ َوال َ َ ّ ْ َ
م إِ ّ م َ ش إ ِل الل َ ح َ وا ِ ف َ جت َن ُِبو َ ن يَ ْ ذي َ سَنى ) (31ال ِ ح ْ سُنوا ِبال ُ ح َ أ ْ
َ َ َْ َ َ َ
ة ِفي جن ّ ٌ مأ ِ ض وَإ ِذ ْ أن ْت ُ ْ ن الْر ِ م َ م ِ شأك ُ ْ م إ ِذ ْ أن ْ َ م ب ِك ُ ْ فَرةِ هُوَ أعْل َ ُ مغْ ِ سعُ ال ْ َ ك َوا ِ َرب ّ َ
َ َ ُ
قى )(32 ن ات ّ َ م ِ م بِ َ م هُوَ أعْل َ ُ سك ُ ْ ف َ كوا أن ْ ُ م فََل ت َُز ّ مَهات ِك ُ ْ نأ ّ طو ِ بُ ُ
مما ل َهُ ْ ة الن َْثى ) (27وَ َ مي َ َ س ِ ة تَ ْ ملئ ِك َ َ ن ال ْ َمو َ س ّ خَرةِ ل َي ُ َ ن ِبال ِ مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َ ن ال ّ ِ } إِ ّ
شي ًْئا )(28 حقّ َ ْ
ن ال َ م َ ن ل ي ُغِْني ِ ّ
ن الظ ّ ن وَإ ِ ّ ّ
ن ِإل الظ ّ ن ي َت ّب ُِعو َ علم ٍ إ ِ ْْ ن ِ م ْ ب ِهِ ِ
َ ْ َ ّ َ
م
مب ْلغُهُ ْ ك َ حَياةَ الد ّن َْيا ) (29ذ َل ِ َ م ي ُرِد ْ ِإل ال َ ن ذِك ْرَِنا وَل ْ ن ت َوَلى عَ ْ م ْ ن َ ض عَ ْ فَأعْرِ ْ
َ َ
دى ){ (30 ن اهْت َ َ م ِم بِ َ سِبيل ِهِ وَهُوَ أعْل َ ُ ن َ ل عَ ْ ض ّ ن َ م ْم بِ َ ك هُوَ أعْل َ ُ ن َرب ّ َ ن ال ْعِل ْم ِ إ ِ ّ م َِ
يقول تعالى منكرا على المشركين في تسميتهم الملئكة تسمية النثى ،
عَباد ُ م ِ ن هُ ْ ذي َ ة ال ّ ِ ملئ ِك َ َ جعَُلوا ال ْ َ وجعلهم لها أنها بنات الله ،كما قال } :وَ َ
ُ َ خل ْ َ ن إ َِناًثا أ َ َ
ن { ]الزخرف [19 :؛ سألو َ م وَي ُ ْ شَهاد َت ُهُ ْ ب َ ست ُك ْت َ ُ م َ قهُ ْ دوا َ شهِ ُ م ِ ح َالّر ْ
علم { أي :ليس لهم علم صحيح يصدق ما ْ ن ِ م ْم ب ِهِ ِ َ
ما لهُ ْ ولهذا قال } :وَ َ
نن وَإ ِ ّ ّ
ن ِإل الظ ّ ن ي َت ّب ُِعو َ قالوه ،بل هو كذب وزور وافتراء ،وكفر شنيع } .إ ِ ْ
شي ًْئا { أي :ل يجدي شيئا ،ول يقوم أبدا مقام الحق. حق ّ َ ن ال ْ َ م َ ن ل ي ُغِْني ِ الظ ّ ّ
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إياكم
والظن ،فإن الظن أكذب الحديث" ).(1
َ
ض
ض عن الذي أعَر َ ن ذِك ْرَِنا { أي :أعرِ ْ ن ت َوَّلى عَ ْ م ْ ن َ ض عَ ْ وقوله } :فَأعْرِ ْ
عن الحق واهجره.
حَياة َ الد ّن َْيا { أي :وإنما ) (2أكثر ) (3همه ومبلغ ْ
م ي ُرِد ْ ِإل ال َ وقوله } :وَل َ ْ
مب ْل َغُهُ ْ
م ك َ علمه الدنيا ،فذاك هو غاية ما ل خير فيه .ولذلك ) (4قال } :ذ َل ِ َ
ن ال ْعِل ْم ِ { أي :طلب الدنيا والسعي لها هو غاية ما وصلوا إليه. م َ ِ
وقد روى المام أحمد عن أم المؤمنين عائشة ]رضي الله عنها[ ) (5قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :الدنيا دار من ل دار له ،ومال من ل
مال له ،ولها يجمع من ل عقل له" ) (6وفي الدعاء المأثور " :اللهم ل تجعل
مب ْل َغَ علمنا". مَنا ،ول َ الدنيا أكبر هَ ّ
َ َ
دى { أي : ن اهْت َ َ م ِ م بِ َ سِبيل ِهِ وَهُوَ أعْل َ ُ ن َ ل عَ ْ ض ّ ن َ م ْ م بِ َك هُوَ أعْل َ ُ ن َرب ّ َ وقوله } :إ ِ ّ
هو الخالق لجميع المخلوقات ،والعالم بمصالح عباده ،وهو الذي يهدي من
يشاء ،ويضل من يشاء ،وذلك كله عن قدرته وعلمه وحكمته ،وهو العادل
دره. دا ،ل في شرعه ول في قَ َ الذي ل يجور أب ً
ُ َ ّ
ملوا ما عَ ِ ساُءوا ب ِ َ نأ َ ذي َ جزِيَ ال ِ ض ل ِي َ ْ ما ِفي الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َس َ ما ِفي ال ّ } وَل ِل ّهِ َ
ن ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ َ
ش ِإلح َ وا ِ ف َ جت َن ُِبو َ ن يَ ْ ذي َ سَنى ) (31ال ّ ِ ح ْ سُنوا ِبال ْ ُ ح َ نأ ْ ذي َجزِيَ ال ّ ِ وَي َ ْ
َ َ َ َ َ ْ
ض وَإ ِذ ْ أن ْت ُ ْ
م ن الْر ِ م َ م ِ ُ
شأك ْ م إ ِذ ْ أن ْ َ ُ
م ب ِك ْ فَرةِ هُوَ أعْل ُ مغْ ِ سعُ ال َ ن َرب ّك َوا ِ َ م إِ ّ
م َ الل ّ َ
َ َ ُ َ
قى ){ (32 ن ات ّ َ م ِ م بِ َ م هُوَ أعْل َ ُ سك ُ ْ ف َكوا أن ْ ُ م َفل ت َُز ّ مَهات ِك ُ ْ نأ ّ طو ِ ة ِفي ب ُ ُ جن ّ ٌأ ِ
__________
) (1صحيح البخاري برقم ) (5143وصحيح مسلم برقم ) (2563من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه.
) (2في م " :وإنا".
) (3في أ " :أكبر".
) (4في م ،أ " :ولهذا".
) (5زيادة من م.
) (6المسند ).(6/71
) (7/459
يخبر تعالى أنه مالك السموات والرض ،وأنه الغني عما سواه ،الحاكم في
خلقه بالعدل ،وخلق الخلق بالحق } ،ل ِيجزي ال ّذي َ
ي
جزِ َ مُلوا وَي َ ْما عَ ِ ساُءوا ب ِ َ نأ َ َ ْ ِ َ ِ َ
ال ّذي َ
سَنى { أي :يجازي كل بعمله ،إن خيرا فخير ،وإن شرا ح ْ سُنوا ِبال ْ ُ ح َ نأ ْ ِ َ
فشر.
ثم فسر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش ،أي :ل
يتعاطون المحرمات والكبائر ،وإن وقع منهم بعض الصغائر فإنه يغفر لهم
ه
ن عَن ْ ُ جت َن ُِبوا ك ََبائ َِر َ
ما ت ُن ْهَوْ َ ن تَ ْ ويستر عليهم ،كما قال في الية الخرى } :إ ِ ْ
ما { ]النساء .[31 :وقال هاهنا : ري ًخل ك َ ِ مد ْ َ م ُ خل ْك ُ ْ
م وَن ُد ْ ِسي َّئات ِك ُ ْ
م َ فْر عَن ْك ُ ْ ن ُك َ ّ
م { .وهذا استثناء منقطع ؛ م َ ش ِإل الل ّ َ ح َ وا ِف َن ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ جت َن ُِبو َ
ن يَ ْ } ال ّ ِ
ذي َ
لن اللمم من صغائر الذنوب ومحقرات العمال.
مر ) (1عن ابن طاوس ،عن معْ َ قال المام أحمد :حدثنا عبد الرزاق ،حدثنا َ
مم مما قال أبو هريرة عن أبيه ،عن ابن عباس قال :ما رأيت شيًئا أشبه بالل َ
النبي صلى الله عليه وسلم ،قال " :إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه
من الزنا ،أدرك ذلك ل محالة ،فَزَِنا العين النظر ،وزنا اللسان النطق ،
ذبه". دق ذلك أو ي ُك َ ّ شت َِهي ،والفرج ُيص ّ والنفس َتمّنى وت َ ْ
أخرجاه في الصحيحين ،من حديث عبد الرزاق ،به ).(2
مرمعْ َ وقال ابن جرير :حدثنا محمد بن عبد العلى ،أخبرنا ابن ) (3ثور حدثنا َ
حى ؛ أن ابن مسعود قال " :زنا العينين النظر ، ض َ ،عن العمش ،عن أبي ال ّ
دق وزنا الشفتين التقبيل ،وزنا اليدين البطش ،وزنا الرجلين المشي ،وُيص ّ
مم" ) .(4وكذا ذبه ،فإن تقدم بفرجه كان زانيا ،وإل فهو الل ّ َ ذلك الفرج أو ي ُك َ ّ
قال مسروق ،والشعبي.
وقال عبد الرحمن بن نافع -الذي يقال له :ابن لبابة الطائفي -قال :سألت
قبلة ،والغمزة ،والنظرة ، م { قال :ال ُ أبا هريرة عن قول الله ِ } :إل الل ّ َ
م َ
ن فقد وجب الغسل ،وهو الزنا. ن الختا َ والمباشرة ،فإذا مس الختا ُ
م { إل ما سلف .وكذا م َ وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس ِ } :إل الل ّ َ
قال زيد بن أسلم.
وقال ابن جرير :حدثنا ابن المثنى ،حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،عن
م { قال :الذي يلم منصور ،عن مجاهد أنه قال :في هذه الية ِ } :إل الل ّ َ
م َ
دعه ،قال الشاعر : بالذنب ثم ي َ َ
ما?!... َ َ َ َ
ما أل ّ
ماَ ...وأيّ عَْبد لك َ ج ّ
م تغفر َ فر اللهُ ّ ن ت َغْ ِ
إ ْ
__________
) (1في م " :معمر بن أرطأة" وزيادة "ابن أرطأة" خطأ .انظر :تعليق أحمد
شاكر على المسند على المسند حديث رقم ).(7705
) (2المسند ) (2/276وصحيح البخاري برقم ) (6612وصحيح مسلم برقم )
.(2657
) (3في أ " :أبو".
) (4تفسير الطبري ).(27/39
) (7/460
وقال ابن جرير :حدثنا ابن حميد ،حدثنا جرير ،عن منصور ،عن مجاهد ،
م { قال :الرجل يلم بالذنب ثم ينزع عنه ،قال : م َفي قول الله ِ } :إل الل ّ َ
وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون :
إن تغفر اللهم تغفر جما ...وأي عبد لك ما ألما?!...
وقد رواه ابن جرير وغيره مرفوعا ).(1
قال ابن جرير :حدثني سليمان بن عبد الجبار ،حدثنا أبو عاصم ،حدثنا زكريا
ن
ذي َبن إسحاق ،عن عمرو بن دينار ،عن عطاء ،عن ابن عباس } :ال ّ ِ
م { قال :هو الرجل يلم بالفاحشة ثم م َش ِإل الل ّ َ ح َ وا ِف َن ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ جت َن ُِبو َ
يَ ْ
يتوب وقال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن تغفر اللهم تغفر جما ...وأي عبد لك ما ألما?!...
وهكذا رواه الترمذي ،عن أحمد بن عثمان أبي ) (2عثمان البصري ،عن أبي
عاصم النبيل .ثم قال :هذا حديث حسن صحيح غريب ،ل نعرفه إل من
حديث زكريا بن إسحاق .وكذا قال البزار :ل نعلمه ُيروى متصل إل من هذا
الوجه .وساقه ابن أبي حاتم والبغوي من حديث أبي عاصم النبيل ،وإنما
ذكره البغوي في تفسير سورة "تنزيل" وفي صحته مرفوعا نظر ).(3
زيع ،حدثنا يزيد بن ُزَرْيع ، ثم قال ابن جرير :حدثنا محمد بن عبد الله بن ب َ ِ
ن
جت َن ُِبو َ
ن يَ ْ ذي َ ّ
حدثنا يونس ،عن الحسن ،عن أبي هريرة -أراه رفعه } : -ال ِ
م { قال " :اللمة من الزنا ثم يتوب ول يعود ، م َش ِإل الل ّ َ ح َ وا ِ ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ
ف َ
واللمة من السرقة ثم يتوب ول يعود ،واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ول
يعود" ،قال " :ذلك ) (4اللمام" ).(5
عديّ ،عن عوف ،عن الحسن في قول الله وحدثنا ابن بشار ،حدثنا ابن أبي َ
م { قال :اللمم من الزنا أو م َ ّ
ش ِإل الل َ
ح َ وا ِ ن ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ
ف َ جت َن ُِبو َ
ن يَ ْذي َ } :ال ّ ِ
السرقة أو شرب الخمر ،ثم ل يعود.
ة ،عن أبي َرجاء ،عن الحسن في قول الله : وحدثني يعقوب ،حدثنا ابن عُل َي ّ َ
م { قال :كان أصحاب رسول ش ِإل الل ّ َ
م َ ح َ وا ِ
ف َن ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ
جت َن ُِبو َ
ن يَ ْ } ال ّ ِ
ذي َ
الله صلى الله عليه وسلم يقولون :هو الرجل يصيب اللمة من الزنا ،واللمة
من شرب الخمر ،فيجتنبها ويتوب منها.
م { يلم بها في وقال ابن جرير ) ، (6عن عطاء ،عن ابن عباس ِ } :إل الل ّ َ
م َ
الحين .قلت :الزنا ؟ قال :الزنا ثم يتوب.
وقال ابن جرير أيضا :حدثنا أبو ك َُرْيب ،حدثنا ابن عُي َي َْنة ،عن عمرو ،عن
عطاء ،عن ابن
__________
) (1تفسير الطبري ).(27/39
) (2في م " :أي".
) (3سنن الترمذي برقم ) (3284وتفسير البغوي ).(7/128
) (4في م " :فتلك" وفي أ " :فعلك".
) (5تفسير الطبري ).(27/39
) (6في أ " :جريج".
) (7/461
ة.
م { الذي يلم المّر َ م َعباس قال } :الل ّ َ
م { فقلت :هو الرجل م َ ّ
وقال السدي :قال أبو صالح :سئلت عن } الل َ
يصيب الذنب ثم يتوب .وأخبرت بذلك ابن عباس فقال :لقد أعانك عليها
مَلك كريم .حكاه البغوي. َ
وروى ابن جرير من طريق المثنى بن الصباح -وهو ضعيف -عن عمرو بن
م { :ما دون الشرك. م َ شعيب ؛ أن عبد الله بن عمرو قال } :الل ّ َ
جعفي ،عن عطاء ،عن ابن الزبير ِ } :إل وقال سفيان الثوري ،عن جابر ال ُ
م { قال :ما بين الحدين :حد الدنيا ) (1وعذاب الخرة .وكذا رواه شعبة م َالل ّ َ
،عن الحكم ،عن ابن عباس ،مثله سواء.
م { كل شيء بين )(2 م َ ّ
ي ،عن ابن عباس في قوله ِ } :إل الل َ وقال العَوْفِ ّ
الحدين :حد الدنيا ) (3وحد الخرة ،تكفره الصلوات ،وهو ) (4اللمم ،وهو
دون كل موجب ،فأما حد الدنيا فكل حد فرض الله عقوبته في الدنيا ،وأما
خر عقوبته إلى الخرة .وكذا قال حد الخرة فكل شيء ختمه الله بالنار ،وأ ّ
عكرمة ،وقتادة ،والضحاك.
سَعت كل شيء ،ومغفرته فَرةِ { أي :رحمته وَ ِ مغْ ِ سعُ ال ْ َ ك َوا ِ ن َرب ّ َ وقوله } :إ ِ ّ
َ
سَرُفوا عَلى َ ّ سع الذنوب كلها لمن تاب منها ،كقوله } :قُ ْ
نأ ْ ذي َ عَبادِيَ ال ِ ل َيا ِ تَ َ
فوُر ْ
ه هُوَ الغَ ُ ميًعا إ ِن ّ ُ ج ِب َفُر الذ ُّنو َ ه ي َغْ ِ ّ
ن الل َ ّ
مةِ اللهِ إ ِ ّ ح َن َر ْ م ْقن َطوا ُِ م ل تَ ْ سهِ ْ ف ِ أ َن ْ ُ
م { ]الزمر .[53 : حي ُ الّر ِ
ن الْرض { أي :هو بصير بكم ،عليم ُ َ َ
م إ ِذ ْ أن ْ َ ُ َ َ
م َ
م ِ شأك ْ م ب ِك ْ وقوله } :هُوَ أعْل ُ
بأحوالكم وأفعالكم وأقوالكم التي تصدر ) (5عنكم وتقع منكم ،حين أنشأ
ذر ،ثم قسمهم أباكم آدم من الرض ،واستخرج ذريته من صلبه أمثال ال ّ
َ َ
ة ِفي جن ّ ٌ
مأ ِ فريقين :فريقا للجنة وفريقا للسعير ) .(6وكذا قوله } :وَإ ِذ ْ أن ْت ُ ْ
جَله وعمله ،وشقي طو ُ
كل به رزَقه وأ َ م { قد كتب الملك الذي ي ُوَ ّ مَهات ِك ُ ْنأ ّ بُ ُ ِ
أم سعيد.
قال مكحول :كنا أجنة في بطون أمهاتنا ،فسقط منا من سقط ،وكنا فيمن
ة، فعَ ًبقي ،ثم كنا مراضع فهلك منا من هلك .وكنا فيمن بقي ثم صرنا ي َ َ
فهلك منا من هلك .وكنا فيمن بقي ثم صرنا شباًبا فهلك منا من هلك .وكنا
فيمن بقي ثم صرنا شيوخا -ل أبا لك -فماذا بعد هذا ننتظر ؟ ) (7رواه ابن
أبي حاتم عنه.
َ
م { أي :تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم } ، سك ُ ْ
ف َ وقوله َ } :فل ت َُز ّ
كوا أن ْ ُ
هّ َ ّ َ َ َ َ
ل الل ُ
م بَ ِ سهُ ْ ف َ
ن أن ْ ُ ن ي َُز ّ
كو َ ذي َ
م ت ََر إ ِلى ال ِ
قى { ،كما قال } :أل ْ ن ات ّ َم ِ
م بِ َهُوَ أعْل َ ُ
ن فَِتيل { ]النساء .[49 : مو َشاُء َول ي ُظ ْل َ ُ ن يَ َ م ْكي َ ي َُز ّ
مرو الناقد ،حدثنا هاشم بن القاسم ، وقال مسلم في صحيحه :حدثنا عَ ْ
حدثنا الليث ،عن يزيد
__________
) (1في م ،أ " :الزنا".
) (2في م " :من".
) (3في أ " :الزنا".
) (4في م " :فهو".
) (5في م ،أ " :ستصدر".
) (6في أ " :فريقا في الجنة وفريقا في السعير".
) (7في م ،أ " :ينتظر".
) (7/462
ب فَهُ َ
و م ال ْغَي ْ ِ
عل ْ ُ دى ) (34أ َ ِ
عن ْد َه ُ ِ َ
طى قَِليًل وَأك ْ َ ذي ت َوَّلى ) (33وَأ َعْ َ ت ال ّ ِ
َ َ
أفََرأي ْ َ
ْ َ
ذي وَّفى )(37 م ال ّ ِ
هي َ سى ) (36وَإ ِب َْرا ِ مو َف ُ ح ِ ص ُما ِفي ُ م لَ ْ
م ي ُن َب ّأ ب ِ َ ي ََرى ) (35أ ْ
َ َ أ َّل ت َزُِر َوازَِرة ٌ وِْزَر أ ُ ْ
ه
سعْي َ ُ
ن َ سَعى ) (39وَأ ّ ما َ ن إ ِّل َ س ل ِْل ِن ْ َ
سا ِ ن ل َي ْ َ
خَرى ) (38وَأ ْ
جَزاَء اْل َوَْفى )(41 جَزاهُ ال ْ َ
م يُ ْ ف ي َُرى ) (40ث ُ ّ سو ْ ََ
بن أبي حبيب ،عن محمد بن عمرو بن عطاء قال :سميت ابنتي ب َّرة َ ،
فقالت لي زينب بنت أبي سلمة :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن هذا السم ،وسميت ب َّرة ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ل
تزكوا أنفسكم ،إن الله أعلم بأهل البر منكم" .فقالوا :بم نسميها ؟ قال :
"سموها زينب" ).(1
وقد ثبت أيضا في الحديث الذي رواه المام أحمد حيث قال :حدثنا عفان ،
ذاء ،عن عبد الرحمن بن أبي بك َْرة ،عن أبيه ح ّحدثنا وهيب ،حدثنا خالد ال َ
ل رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال رسول الله ج ٌ قال :مدح َر ُ
صلى الله عليه وسلم " :ويلك! قطعت عُن ُقَ صاحبك -مراًرا -إذا كان أحدكم
مادحا صاحبه ل محالة فليقل :أحسب فلنا -والله حسيبه ،ول أزكي على
الله أحدا -أحسبه كذا وكذا ،إن كان يعلم ذلك" ).(2
در ،عن شعبة ،عن خالد الحذاء ،به .وكذا رواه البخاري ، ثم رواه عن غُن ْ َ
ومسلم ،وأبو داود ،وابن ماجه ،من طرق ،عن خالد الحذاء ،به ).(3
كيع ،وعبد الرحمن قال حدثنا سفيان ،عن منصور وقال المام أحمد :حدثنا وَ ِ
،عن إبراهيم ،عن همام بن الحارث قال :جاء رجل إلى عثمان فأثنى عليه
في وجهه ،قال :فجعل المقداد بن السود يحثو في وجهه التراب ويقول :
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقينا المداحين أن نحثو في
وجوههم التراب.
ورواه مسلم وأبو داود من حديث الثوري ،عن منصور ،به ).(4
و َ
ب فهُ َ م الغَي ْ ِ ْ عل ْ ُ
عن ْد َه ُ ِ دى ) (34أ َ ِ َ
طى قَِليل وَأك ْ َ ذي ت َوَّلى ) (33وَأ َعْ َ ت ال ّ ِ
َ َ
} أفََرأي ْ َ
ْ َ
ذي وَّفى )(37 م ال ّ ِهي َ سى ) (36وَإ ِب َْرا ِ مو َف ُ ح ِ ص ُ
ما ِفي ُ م ي ُن َب ّأ ب ِ َم لَ ْ ي ََرى ) (35أ ْ
َ َ َأل ت َزُِر َوازَِرة ٌ وِْزَر أ ُ ْ
ه
سعْي َ ُن َ سَعى ) (39وَأ ّ ما َ ن ِإل َ سا ِ س ِللن ْ َ ن ل َي ْ َ
خَرى ) (38وَأ ْ
جَزاَء الوَْفى ).{ (41 جَزاهُ ال ْ َ م يُ ْ ف ي َُرى ) (40ث ُ ّ سو ْ َ َ
ن
ْ ِ ك َ لَ و لى. ّ صَ ول َ َ ق د
َ ّص فلَ } : الله طاعة عن تولى لمن ماّ ذاَ تعالى يقول
َ ب وَت َوَّلى { ]القيامة } ، [32 ، 31 :وَأ َعْ َ
دى { قال ابن طى قَِليل وَأك ْ َ ك َذ ّ َ
عباس :أطاع قليل ثم قطعه .وكذا قال مجاهد ،وسعيد بن جبير ،وعكرمة ،
وقتادة ،وغير واحد .قال عكرمة وسعيد :كمثل القوم إذا كانوا يحفرون
بئًرا ،فيجدون في أثناء الحفر صخرة تمنعهم من تمام العمل ،فيقولون :
"أكدينا" ،ويتركون العمل.
ب فَهُوَ ي ََرى { أي :أعند هذا الذي قد أمسك يده م ال ْغَي ْ ِ عل ْ ُ عن ْد َه ُ ِ وقوله } :أ َ ِ
خشية النفاق ،وقطع
__________
) (1صحيح مسلم برقم ).(2142
) (2المسند ).(5/45
) (3المسند ) (5/41وصحيح البخاري برقم ) (2662وصحيح مسلم برقم )
(3000وسنن أبي داود برقم ) (4805وسنن ابن ماجه برقم ).(3744
) (4صحيح مسلم برقم ) (3002وسنن أبي داود برقم ).(4804
) (7/463
معروفه ،أعنده علم الغيب أنه سينفد ما في يده ،حتى قد أمسك عن
معروفه ،فهو يرى ذلك عيانا ؟! أي :ليس المر كذلك ،وإنما أمسك عن
الصدقة والمعروف والبر والصلة بخل وشحا وهلعا ؛ ولهذا جاء في الحديث :
ماش من ذي العرش إقلل" ) ، (1وقد قال الله تعالى } :وَ َ خ َ "أنفق بلل ول ت َ ْ
ن { ]سبأ .[39 : خي ُْر الّرازِِقي َ ه وَهُوَ َ ف ُ خل ِ ُ
يٍء فهُوَ ي ُ َْ ْ ش ن َ ْ مم ِ قت ُ ْ أ َن ْ َ
ف ْ
ْ َ
ذي وَّفى { قال سعيد م ال ّ ِ
هي َ
سى .وَإ ِب َْرا ِ مو َ ف ُ ح ِ ص ُما ِفي ُ م ي ُن َب ّأ ب ِ َ م لَ ْ وقوله } :أ ْ
بن جبير ،والثوري أي بّلغ جميع ما أمر به.
جَبير } :وَّفى { ما وقال ابن عباس } :وَّفى { لله بالبلغ .وقال سعيد بن ُ
أمر به .وقال قتادة } :وَّفى { طاعة الله ،وأدى رسالته الى خلقه .وهذا
القول هو اختيار ابن جرير ،وهو يشمل الذي قبله ،ويشهد له قوله تعالى :
عل ُ َ َ
ما { ما ً س إِ َ
ك ِللّنا ِ جا ِ
ل إ ِّني َ ن َقا َمهُ ّ ت فَأت َ ّ ما ٍه ب ِك َل ِ َ م َرب ّ ُ هي َ } وَإ ِذِ اب ْت ََلى إ ِب َْرا ِ
]البقرة [124 :فقام بجميع الوامر ،وترك جميع النواهي ،وبلغ الرسالة
على التمام والكمال ،فاستحق بهذا أن يكون للناس إماما ُيقَتدى به في
ةّ
مل َ جميع أحواله وأفعاله وأقواله ،قال الله تعالى } :ث ُم أ َوحينا إل َي َ َ
ن ات ّب ِعْ ِكأ ِ ّ ْ َ َْ ِ ْ
ن { ]النحل .[123 : كي َ شرِ ِ م ْن ال ْ ُ م َ ن ِ كا َ ما َ فا وَ َ حِني ً م َ هي َ إ ِب َْرا ِ
مصي ،حدثنا آدم بن أبي ح ْ وقال ابن أبي حاتم :حدثنا محمد بن عوف ال ِ
أياس العسقلني ،حدثنا حماد بن سلمة ،حدثنا جعفر بن الزبير ،عن القاسم
،عن أبي أمامة قال :تل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الية :
ذي وَّفى { قال " :أتدري ما وفى ؟" قلت :الله ورسوله أعلم. م ال ّ ِ هي َ} وَإ ِب َْرا ِ
قال " :وفى عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار".
ورواه ابن جرير من حديث جعفر بن الزبير ،وهو ضعيف ).(2
سِهر ،
م ْ مناني ،حدثنا أبو ُ
س ْ
وقال الترمذي في جامعه :حدثنا أبو جعفر ال ّ
مْعدان ،عنحدثنا إسماعيل بن عياش ،عن بحير بن سعد ) ، (3عن خالد بن َ
فير ،عن أبي الدرداء وأبي ذر ،عن رسول الله صلى الله عليه جبير بن ن ُ َ
وسلم عن الله ،عز وجل ،أنه قال " :ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول
النهار ،أكفك آخره" ).(4
قال ابن أبي حاتم رحمه الله :حدثنا أبي ،حدثنا الربيع بن سليمان ،حدثنا
أسد بن موسى ،حدثنا ابن ل َِهيَعة ،حدثنا َزّبان بن قائد ،عن سهل بن معاذ
بن أنس ،عن أبيه ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :أل
أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى ؟ إنه كان يقول كلما أصبح
وأمسى :
__________
) (1جاء من حديث ابي هريرة وبلل وابن مسعود .أما حديث أبي هريرة :
فرواه أبو نعيم في الحلية ) (2/280والطبراني في المعجم الكبير )(1/341
من طريقين عن محمد بن سيرين عنه به.
وأما حديث بلل :فرواه الطبراني في المعجم الكبير ) (1/359من طريق
أبي إسحاق عن مسروق عنه به.
وأما حديث ابن مسعود :فرواه الطبراني في المعجم الكبير ) (10/191من
طريق يحيى بن وثاب عن مسروق عنه به.
) (2تفسير الطبري ).(27/43
) (3في م ،أ " :يحيى بن سعيد".
) (4سنن الترمذي برقم ) (475وقال " :هذا حديث حسن غريب".
) (7/463
) (7/465
) (7/466
َ َ
ن عَل َي ْهِمَنى ) (46وَأ ّ فةٍ إ َِذا ت ُ ْ ن ن ُط ْ َ م ْ ن الذ ّك ََر َواْل ُن َْثى )ِ (45 ِ جي ْخل َقَ الّزوْ َ ه َ وَأن ّ ُ
َ َ َ َ الن ْ َ
شعَْرى )(49 ب ال ّه هُوَ َر ّ ه هُوَ أغَْنى وَأقَْنى ) (48وَأن ّ ُ خَرى ) (47وَأن ّ ُ شأةَ اْل ُ ْ ّ
م ه ن إ ُ
ل ب َ ق ن م ح نو م و َ ق و (51 ) قى َ ب لوَلى ) (50وث َمود فَما أ َ ُ ْ ا دا عا
َ كَ َ لوأ َنه أ َْ
ه
َ ْ َ ُ ٍ ِ ْ ْ ِّ ُ ْ َ ُ َ َ ْ ً َ ّ ُ
ة أَ َ ْ ْ كانوا هُم أ َظ ْل َم وأ َ
شى )(54 ما غَ ّ َ هاَ شاّ َ غ َ ف ( 53 ) وى َ ْ ه َ ك ف تْ ؤ
َ ُ َِ م لوا (52 ) غىَ ط َ َ ْ َ ُ
ماَرى )(55 َ
فَب ِأيّ آَلِء َرب ّ َ َ
ك ت َت َ َ
َ َ
ن عَل َي ْهِ مَنى ) (46وَأ ّ فةٍ إ َِذا ت ُ ْ ن ن ُط ْ َم ْ ن الذ ّك ََر َوالن َْثى )ِ (45 ِ جي ْخل َقَ الّزوْ َ ه َ } وَأن ّ ُ
َ َ َ َ الن ْ َ
شعَْرى )(49 ب ال ّ ه هُوَ َر ّ ه هُوَ أغَْنى وَأقَْنى ) (48وَأن ّ ُ خَرى ) (47وَأن ّ ُ شأةَ ال ْ ّ
م ُ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ
ن قب ْل إ ِن ّهُ ْ م ْم ُنوٍح ِ قى ) (51وَقوْ َ ما أب ْ َ مود َ ف َ
عاًدا الولى ) (50وَث ُ ه أهْلك َ وَأن ّ ُ
كانوا هُم أ َظ ْل َم وأ َط َْغى ) (52وال ْمؤْتفك َ َ َ
شى )(54 ما غَ ّ ها َشا َ وى ) (53فَغَ ّ ة أهْ َ َ ُ َِ َ َ ْ َ ُ
ماَرى ){ (55 فَب ِأيّ آلِء َرب ّ َ َ
ك ت َت َ َ
َ
من ْت ََهى { أي :المعاد يوم القيامة. ك ال ْ ُ ن إ َِلى َرب ّ َ يقول تعالى ]مخبرا[ ) } (1وَأ ّ
سعيد ،حدثنا مسلم بن ويد بن َ س َ قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا ُ
خالد ،عن عبد الرحمن بن سابط ،عن عمرو بن ميمون الْوديّ قال :قام
فينا معاذ بن جبل فقال :يا بني أود ،إني رسول الله إليكم ،تعلمون أن
المعاد إلى الله ،إلى الجنة أو إلى النار.
وذكر البغوي من رواية أبي جعفر الرازي ،عن الربيع بن أنس ،عن أبي
العالية ،عن أبي بن كعب ،عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :
َ
من ْت ََهى { ،قال :ل فكرة َ في الرب ).(2 ك ال ْ ُ ن إ َِلى َرب ّ َ } وَأ ّ
كروا في الخلق قال البغوي :وهذا مثل ما ُروي عن أبي هريرة مرفوعا " :تف ّ
كرة". ف ْ
ول تفكروا في الخالق ،فإنه ل تحيط ) (3به ال ِ
كذا أورده ،وليس بمحفوظ بهذا اللفظ ) ، (4وإنما الذي في الصحيح " :يأتي
الشيطان أحدكم فيقول :من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول :من
خلق ربك ؟ فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ بالله وَل ْي َن َْته" ).(5
وفي الحديث الخر الذي في السنن " :تفكروا في مخلوقات الله ،ول تفكروا
سيرة م ِ ) (6في ذات الله ،فإن الله خلق ملكا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه َ
ثلثمائة سنة" أو كما قال ).(7
كى { أي :خلق في عباده الضحك ،والبكاء ك وَأ َب ْ َح َ ض َ
َ
ه هُوَ أ ْ
َ
وقوله } :وَأن ّ ُ
وسببهما وهما مختلفان.
حَياة { ]الملك : ْ ْ َ ّ َ َ َ
ت َوال َ مو ْ َ خلقَ ال َ ذي َ حَيا { ،كقوله } :ال ِ ت وَأ ْ ما َ ه هُوَ أ َ } وَأن ّ ُ
َ
ن
جي ْ ِ خل َقَ الّزوْ َ ه َ } ، [2وَأن ّ ُ
__________
) (1زيادة من أ.
) (2معالم التنزيل للبغوي ).(7/417
) (3في م " :يحيط".
) (4معالم التنزيل للبغوي ) (7/417ورواه ابن عساكر في المجلس التاسع
والثلثون ومائة من المالي ) (50/1كما في السلسلة الصحيحة ) (4/395من
طريق محمد بن سلمة البلخي عن بشر بن الوليد عن عبد العزيز بن أبي
سلمة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة به ،وفيه بشر بن الوليد
وهو ضعيف.
) (5صحيح البخاري برقم ) (3276وصحيح مسلم برقم ).(134
) (6في أ " :ول تتفكروا".
) (7لم أجده بهذا اللفظ ،وقد روى أبو داود القطعة الثانية في سننه برقم )
(4727من حديث جابر رضي الله عنه ،مرفوعا بلفظ " :أذن لي أن أحدث
عن ملك من ملئكة الله من حملة العرش ،وإن ما بين شحمه أذنه إلى
عاتقه مسيرة سبعمائة عام".
والقطعة الولى :رويت من حديث أبي ذر مرفوعا " :تفكروا في خلق الله ،
ول تتفكروا في الله فتهلكوا".
أخرجه أبو الشيخ في العظمة برقم ).(4
) (7/466
) (7/467
ت اْل َزِفَ ُ َ من الن ّذ ُر ا ْ ُ
ن الل ّهِ
ن ُدو ِ م ْ س ل ََها ِة ) (57ل َي ْ َ لوَلى ) (56أزِفَ ِ ذيٌر ِ َ َ ِ ذا ن َ ِ هَ َ
ن )(60 ُ َ
ن وَل ت َب ْكو َ ُ
حكو َ ض َن ) (59وَت َ ْ جُبو َ ث ت َعْ َدي ِح ِ ْ
ذا ال َ ن هَ َ م ْ َ
ة ) (58أف ِ ف ٌش َ كا ِ َ
َ
دوا )(62 دوا ل ِل ّهِ َواعْب ُ ُ
ج ُس ُ ن )َ (61فا ْ دو َ
م ُ
سا ِ
م َ وَأن ْت ُ ْ
ماَرى { أي :ففي أي نعم الله عليك أيها النسان تمتري ؟ ك ت َت َ َ} فَب ِأ َيّ آلءِ َرب ّ َ
قاله قتادة.
َ َ
ماَرى { يا محمد .والول أولى ،وهو جَريج } :فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ت َت َ َ وقال ابن ُ
اختيار ابن جرير.
هّ َ َ َ َ َ َ
ن الل ِ ن ُدو ِ م ْ س لَها ِ ة ) (57لي ْ َ ت الزِف ُ ن الن ّذ ُرِ الولى ) (56أزِف ِ م َ ذيٌر ِ ذا ن َ ِ } هَ َ
ن )(60 ُ ُ ْ ن هَ َ َ َ َ
ن َول ت َب ْكو َ حكو َ ض َ
ن ) (59وَت َ ْ جُبو َ ث ت َعْ َ دي ِ ح ِذا ال َ م ْ ة ) (58أف ِ ف ٌش َ كا ِ
َ
دوا ){ (62 دوا ل ِل ّهِ َواعْب ُ ُ ج ُ س ُ ن )َ (61فا ْ دو َ م ُ سا ِ م َ وَأن ْت ُ ْ
ن الن ّذ ُرِ الوَلى { أي : م َ
ذيٌر { يعني :محمدا صلى الله عليه وسلم } ِ ذا ن َ ِ } هَ َ
ن
م َعا ِت ب ِد ْ ً ما ك ُن ْ ُ ل َ من جنسهم ،أرسل كما أرسلوا ،كما قال تعالى } :قُ ْ
سل { ]الحقاف .[9 : الّر ُ
َ َ َ
نن ُدو ِ م ْس لَها ِ ت الزَِفة { أي :اقتربت القريبة ،وهي القيامة } ،لي ْ َ } أزِفَ ِ
ة { أي :ل يدفعها إًذا من دون الله أحد ،ول يطلع على علمها ف ٌش َ كا ِ الل ّهِ َ
سواه.
ثم قال تعالى منكرا على المشركين في استماعهم القرآن وإعراضهم عنه
ن ) { (2منه كو َح ُ ض َ
ن ) { (1من أن يكون صحيحا } ،وَت َ ْ جُبو َ وتلهيهم } :ت َعْ َ
ن { أي :كما يفعل الموقنون به ،كما أخبر ُ
استهزاء وسخرية َ } ،ول ت َب ْكو َ
عا { ]السراء .[109 : شو ً خ ُ م ُ
زيد ُهُ ْ ن وَي َ ِ كو َ ن ي َب ْ ُ ن ِللذ َْقا ِ خّرو َ عنهم } :وَي َ ِ
ن { قال سفيان الثوري ،عن أبيه ،عن ابن عباس َ
دو َ م ُ
سا ِ م َ وقوله } :وَأن ْت ُ ْ
ن ) (3لنا .وكذا قال عكرمة. مد لنا :غَ ّ س ِ قال :الغناء ،هي يمانية ،ا ْ
ن { :معرضون .وكذا قال مجاهد ، دو َ م ُ سا ِ وفي رواية عن ابن عباس َ } :
وعكرمة .وقال الحسن :غافلون .وهو رواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب .وفي رواية عن ابن عباس :تستكبرون .وبه يقول السدي.
ثم قال آمرا لعباده بالسجود له والعبادة المتابعة لرسوله صلى الله عليه
دوا { ) (4أي :فاخضعوا له دوا ل ِل ّهِ َواعْب ُ ُ ج ُ س ُ وسلم والتوحيد والخلص َ } :فا ْ
وأخلصوا ووحدوا.
مر ،حدثنا عبد الوارث ،حدثنا أيوب ،عن معْ َ قال البخاري :حدثنا أبو َ
عكرمة ،عن ابن عباس قال :سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم ،
وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والنس .انفرد به دون مسلم ).(5
مر ،عن ابن معْ َ وقال المام أحمد :حدثنا إبراهيم بن خالد ،حدثنا رباح ،عن َ
طاوس ،عن عكرمة بن خالد ،عن جعفر بن المطلب بن أبي وََداعة ،عن
أبيه قال :قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سورة النجم ،فسجد
ت أن أسجد ،ولم يكن أسلم يومئذ ت رأسي وأبي ُ جد من عنده ،فرفع ُ س َ و َ
المطلب ،
__________
) (1في م " :يعجبون".
) (2في م " :يضحكون".
) (3في م ،أ " :تغني".
) (4في م " :فليسجدوا" وهو خطأ.
) (5صحيح البخاري برقم ).(4862
) (7/468
) (7/469
مّر
ست َ ِ
م ْحٌر ُ س ْقوُلوا ِ ضوا وَي َ ُ ة ي ُعْرِ ُن ي ََرْوا آ َي َ ًمُر ) (1وَإ ِ ْ ق َشقّ ال ْ َ ة َوان ْ َ
ساعَ ُ ت ال ّ اقْت ََرب َ ِ
َ َ َ
مان اْلن َْباِء َم َ
م ِ
جاَءهُ ْ قد ْ َقّر ) (3وَل َ َ ست َ ِ
م ْ مرٍ ُ لأ ْ م وَك ُ ّواَءهُ ْ ) (2وَك َذ ُّبوا َوات ّب َُعوا أهْ َ
ن الن ّذ ُُر )(5 ة فَ َ
ما ت ُغْ ِ ة َبال ِغَ ٌم ٌحك ْ َ
جٌر )ِ (4 مْزد َ َ ِفيهِ ُ
) (7/470
) (7/471
ثم جاءت الجمعة الخرى فحضرنا فخطب حذيفة ،فقال :أل إن الله ،عز
مُر { ،أل وإن الدنيا قد آذنت شقّ ال ْ َ
ق َ ة َوان ْ َ
ساعَ ُ
ت ال ّوجل يقول } :اقْت ََرب َ ِ
بفراق ،أل وإن اليوم المضمار وغدا السباق ،أل وإن الغاية النار ،والسابق
من سبق إلى الجنة ).(1
مُر { :قد كان هذا في زمان رسول الله صلى الله ق َشقّ ال ْ َ وقوله َ } :وان ْ َ
عليه وسلم ،كما ثبت ذلك في الحاديث المتواترة بالسانيد الصحيحة .وقد
ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال " :خمس قد مضين :الروم ،
والدخان ،واللزام ،والبطشة ،والقمر" ) .(2وهذا أمر متفق عليه بين
العلماء أي انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأنه
كان إحدى المعجزات الباهرات.
ذكر الحاديث الواردة في ذلك :
رواية أنس بن مالك :
مر ،عن قتادة ،عن أنس بن معْ َقال المام أحمد :حدثنا عبد الرزاق ،حدثنا َ
مالك قال :سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية ،فانشق القمر
مُر {. شقّ ال ْ َ
ق َ ة َوان ْ َ
ساعَ ُ
ت ال ّبمكة مرتين ،فقال } :اقْت ََرب َ ِ
ورواه مسلم ،عن محمد بن رافع ،عن عبد الرزاق ).(3
وقال البخاري :حدثني عبد الله بن عبد الوهاب ،حدثنا بشر بن المفضل ،
حدثنا سعيد بن أبي عَُروبة ،عن قتادة ،عن أنس بن مالك ؛ أن أهل مكة
قين ،ش ّ
سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ،فأراهم القمر ِ
حَراء بينهما ).(4
حتى رأوا ِ
دب ،عن شيبان ،عن قتادة ) وأخرجاه أيضا من حديث يونس بن محمد المؤ ّ
.(5ورواه مسلم أيضا من حديث أبي داود الطيالسي ،ويحيى القطان ،
وغيرهما ،عن شعبة ،عن قتادة ،به ).(6
رواية جبير بن مطعم رضي الله عنه :
قال المام أحمد :حدثنا محمد بن كثير ،حدثنا سليمان بن كثير ،عن حصين
بن عبد الرحمن ،عن محمد بن جبير بن مطعم ،عن أبيه ،قال :انشق
القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين :فرقة على
هذا الجبل ،وفرقة على هذا الجبل ،فقالوا :سحرنا محمد .فقالوا :إن كان
سحرنا فإنه ل يستطيع أن يسحر الناس كلهم.
تفرد به المام أحمد من هذا الوجه ،وأسنده البيهقي في "الدلئل" من
طريق محمد بن كثير ،
__________
) (1تفسير الطبري ).(27/51
) (2صحيح البخاري برقم ).(4767
) (3المسند ) (3/165وصحيح مسلم برقم ).(2802
) (4صحيح البخاري برقم ).(3868
) (5صحيح البخاري برقم ) (4867وصحيح مسلم برقم ).(2802
) (6صحيح مسلم برقم ) (2802ورواه البخاري في صحيحه برقم )(4868
من طريق يحيى عن شعبة به.
) (7/472
عن أخيه سليمان بن كثير ،عن حصين بن عبد الرحمن ] ،به[ ).(2) (1
وهكذا رواه ابن جرير ) (3من حديث محمد بن فضيل وغيره ،عن حصين ،
مان وهُ َ
شْيم ،كلهما به ) .(4ورواه البيهقي أيضا من طريق إبراهيم بن ط َهْ َ
صين عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم ،عن أبيه ،عن جده ح َعن ُ
فذكره ).(5
رواية عبد الله بن عباس ]رضي الله عنهما[ )(6
عَراك بن
قال البخاري :حدثنا يحيى بن بكير ،حدثنا بكر ،عن جعفر ،عن ِ
مالك ،عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ،عن ابن عباس قال :انشق القمر
في زمان رسول ) (7الله صلى الله عليه وسلم ).(8
ورواه البخاري أيضا ومسلم ،من حديث بكر بن مضر ،عن جعفر بن ربيعة ،
عَراك ]بن مالك[ ) ، (9به مثله ).(10 عن ِ
وقال ابن جرير :حدثنا ابن مثنى ،حدثنا عبد العلى ،حدثنا داود بن أبي
ة
ساعَ ُ ت ال ّ هند ،عن علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس قوله } :اقْت ََرب َ ِ
مّر { قال :قد مضى ست َ ِ
م ْحٌر ُس ْقوُلوا ِ ضوا وَي َ ُة ي ُعْرِ ُن ي ََرْوا آي َ ً مُر .وَإ ِ ْ شقّ ال ْ َ
ق َ َوان ْ َ
ذلك ،كان قبل الهجرة ،انشق القمر حتى رأوا شقيه.
وفي ،عن ابن عباس نحو هذا. وروى العَ ْ
َ
قطِعي وقال الطبراني :حدثنا أحمد بن عمرو البزار ،حدثنا محمد بن يحيى ال ُ
،حدثنا محمد بن بكر ،حدثنا ابن جريج ،عن عمرو بن دينار ،عن عكرمة ،
ف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه س َ عن ابن عباس قال :ك ُ ِ
مُر { إلى ق َشقّ ال ْ َ ة َوان ْ َ ساعَ ُ ت ال ّحر القمر .فنزلت } :اقْت ََرب َ ِ س ِ وسلم فقالوا ُ :
قوله } :مستمر {.
رواية عبد الله بن عمر :
قال الحافظ أبو بكر البيهقي :أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن
الحسن القاضي قال حدثنا أبو العباس الصم ،حدثنا العباس بن محمد
دوري ،حدثنا وهب بن جرير ،عن شعبة ،عن العمش ،عن مجاهد ،عن ال ّ
مُر { قال : ق َشقّ ال ْ َ ة َوان ْ َساعَ ُ
ت ال ّ عبد الله بن عمر في قوله تعالى } :اقْت ََرب َ ِ
قَتين : وقد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فِل ْ َ
قة من دون الجبل ،وفلقة من خلف الجبل ،فقال النبي صلى الله عليه فِل ْ َ
وسلم " :اللهم اشهد".
__________
) (1زيادة من م.
) (2المسند ) (4/81ودلئل النبوة للبيهقي ).(2/268
) (3في أ " :جبير".
) (4تفسير الطبري ).(27/51
) (5دلئل النبوة ).(2/268
) (6زيادة من م.
) (7في م ،أ " :النبي".
) (8صحيح البخاري برقم ).(4866
) (9زيادة من أ.
) (10صحيح البخاري برقم ) (3638وصحيح مسلم برقم ).(2803
) (7/473
وهكذا رواه مسلم ،والترمذي ،من طرق عن شعبة ،عن العمش ،عن
مجاهد ،به ) .(1قال مسلم كرواية مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود.
وقال الترمذي :حسن صحيح.
رواية عبد الله ابن مسعود :
جيح ،عن مجاهد ،عن أبيقال المام أحمد :حدثنا سفيان ،عن ابن أبي ن َ ِ
مر ،عن ابن مسعود قال :انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله معْ َ
َ
عليه وسلم شقين حتى نظروا إليه ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"اشهدوا".
وهكذا رواه البخاري ومسلم ،من حديث سفيان بن عيينة ،به ) .(2وأخرجاه
خب ََرة ،عنس ْمن حديث العمش ،عن إبراهيم ،عن أبي معمر عبد الله بن َ
ابن مسعود ،به ).(3
وقال ابن جرير :حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ،حدثنا عمي
يحيى بن عيسى ،عن العمش ،عن إبراهيم ،عن رجل ،عن عبد الله ،قال
:كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى فانشق القمر ،فأخذت فرقة
خلف الجبل ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :اشهدوا ،اشهدوا" )
.(4
قال البخاري :وقال أبو الضحى ،عن مسروق ،عن عبد الله :بمكة ).(5
حى ، ض َوقال أبو داود الطيالسي :حدثنا أبو عوانة ،عن المغيرة ،عن أبي ال ّ
عن مسروق ،عن عبد الله بن مسعود ،قال :انشق القمر على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم ،فقالت قريش :هذا سحر ابن أبي كبشة .قال :
دا ل يستطيع أن يسحر الناس فار ،فإن محم ً س ّ
فقالوا :انظروا ما يأتيكم به ال ّ
فار فقالوا :ذلك ).(6 س ّكلهم .قال :فجاء ال ّ
وقال البيهقي :أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ،أخبرنا أبو العباس محمد بن
يعقوب ،حدثنا العباس بن محمد الد ّْوري ،حدثنا سعيد بن سليمان ،حدثنا
شْيم ،حدثنا مغيرة ،عن أبى الضحى ،عن مسروق ،عن عبد الله ،قال : هُ َ
انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين ،فقال كفار قريش أهل مكة :هذا سحر
شة ،انظروا السفار ،فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد سحركم به ابن أبي ك َب ْ َ
حٌر سحركم به .قال :فسئل س ْ
صدق ،وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو ِ
السفار ،قال :وقدموا من كل وجهة ،فقالوا :رأيناه.
رواه ابن جرير من حديث المغيرة ،به ) .(7وزاد :فأنزل الله عز وجل :
مُر { .ثم قال ابن جرير : شقّ ال ْ َ
ق َ ة َوان ْ َ
ساعَ ُ } اقْت ََرب َ ِ
ت ال ّ
__________
) (1دلئل النبوة للبيهقي ) (2/267وصحيح مسلم برقم ) (2801وسنن
الترمذي برقم ).(3288
) (2المسند ) (1/377وصحيح البخاري برقم ) (4865وصحيح مسلم برقم )
.(2800
) (3صحيح البخاري برقم ) (4864وصحيح مسلم برقم ).(2800
) (4تفسير الطبري ).(27/50
) (5صحيح البخاري برقم ).(295
) (6مسند الطيالسي برقم ).(295
) (7دلئل النبوة للبيهقي ) (2/266وتفسير الطبري ).(27/50
) (7/474
حدثني يعقوب بن إبراهيم ،حدثنا ابن عُل َّية ،أخبرنا أيوب ،عن محمد -هو
ابن سيرين -قال :نبئت أن ابن مسعود ،رضي الله عنه ،كان يقول :لقد
انشق القمر ).(1
وقال ابن جرير أيضا :حدثني محمد بن عمارة ،حدثنا عمرو بن حماد ،حدثنا
أسباط ،عن سماك ،عن إبراهيم ،عن السود ،عن عبد الله قال :لقد
رأيت الجبل من فَْرج القمر حين انشق.
ماك ،عن إبراهيم ،عن س َ مل ،عن إسرائيل ،عن ِ مؤ َ ّ ورواه المام أحمد عن ُ
السود ،عن عبد الله ،قال :انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،حتى رأيت الجبل من بين فرجتي القمر ).(2
وقال ليث عن مجاهد :انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم فصار فرقتين ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبي بكر " :اشهد يا
حر القمر حتى انشق ).(3 س ِ أبا بكر" .فقال المشركون ُ :
ة { أي :دليل وحجة وبرهانا } يعرضوا { أي :ل ن ي ََرْوا آي َ ً وقوله } :وَإ ِ ْ
حٌر
س ْ
قولوا ِ ُ ينقادون له ،بل يعرضون عنه ويتركونه وراء ظهورهم } ،وَي َ ُ
مّر { أي :ويقولون :هذا الذي شاهدناه من الحجج ،سحٌر سحرنا به. ست َ ِ
م ْ ُ
مّر { أي :ذاهب .قاله مجاهد ،وقتادة ،وغيرهما ،أي :باطل ست َ ِ م ْ ُ } ومعنى
مضمحل ،ل دوام له.
َ
م { أي :كذبوا بالحق إذ جاءهم ،واتبعوا ما أمرتهم واَءهُ ْ } وَك َذ ُّبوا َوات ّب َُعوا أهْ َ
به آراؤهم وأهواؤهم من جهلهم وسخافة عقلهم.
قّر { قال ) (4قتادة :معناه :أن الخير واقع بأهل وقوله } :وك ُ ّ َ
ست َ ِ
م ْ مرٍ ُ لأ ْ َ
الخير ،والشر واقع بأهل الشر.
قّر { أي :يوم َ ّ ُ
ست َ ِم ْ مرٍ ُ وقال ابن جريج :مستقر بأهله .وقال مجاهد } :وَكل أ ْ
القيامة.
قّر { أي :واقع. ست َ ِ م ْ وقال السدي ُ } :
ن الن َْباِء { أي :من الخبار عن قصص المم م َ م ِ جاَءهُ ْ قد ْ َ وقوله } :وَل َ َ
المكذبين بالرسل ،وما حل بهم من العقاب والنكال والعذاب ،مما يتلى
جٌر { أي :ما فيه واعظ لهم عن مْزد َ َ ما ِفيهِ ُ عليهم في هذا القرآن َ } ،
الشرك والتمادي على التكذيب.
ة { أي :في هدايته تعالى لمن هداه وإضلله لمن ة َبال ِغَ ٌ م ٌحك ْ َ وقوله ِ } :
ن الن ّذ ُُر { يعني ) : (5أي شيء تغني النذر عمن كتب الله ما ت ُغْ ِ أضله } ،فَ َ
عليه الشقاوة ،وختم على قلبه ؟ فمن الذي يهديه من بعد الله ؟ وهذه الية
شاَء ل َهداك ُ َ ة فَل َوْ َ
ة ال َْبال ِغَ ُ
ن { ] النعام : مِعي َ ج َمأ ْ َ َ ْ ج ُ
ح ّل فَل ِل ّهِ ال ْ ُ كقوله تعالى } :قُ ْ
ن قوْم ٍ لَ ت َوالن ّذ ُُر عَ ْ ما ت ُغِْني ) (6الَيا ُ ، [ 149وكذا قوله تعالى } :وَ َ
ن { ] يونس .[ 101 : مُنو َ ي ُؤْ ِ
__________
) (1تفسير الطبري ).(27/51
) (2المسند ).(1/413
) (3تفسير الطبري ).(27/51
) (4في م " :قاله".
) (5في م ،أ " :بمعنى".
) (6في م ،أ " :فما تغني".
) (7/475
) (7/476
َ َ
ن إ َِلى مهْط ِِعي َ شٌر )ُ (7 من ْت َ ِ جَراد ٌ ُ م َ ث ك َأن ّهُ ْ دا ِ ج َ ن اْل َ ْ م َ ن ِ جو َ خُر ُ م يَ ْ صاُرهُ ْ شًعا أب ْ َ خ ّ ُ
م ُنوٍح فَك َذ ُّبوا عَب ْد ََنا و
َ ْ ْ ُ ْ ْ ُ َ ق م هَ ل ب َ ق ت ب ّ ذ َ ك ( 8 ) ر س
َ ْ ٌ َ ِ ٌ ع م و ي َ
ذا ه
ِ ُ َ َ ن رو ف َ
كا ْ ل ا ُ
ل قو ُ ي
ّ ِ َ ع دا ال
فتحنا أ َ ُ عا ربه أ َ
ب وا
َ ْ َ ْ َ َ ب َ َ ف ( 10 ) ر
َْ ِ ْ ص ت ن فا َ بٌ لو ْ غ م
َ ني َ ّ ُ ّ َ َ د َ ف ( 9 ) ر وََقاُلوا َ ْ ُ ٌ َ ْ ُ ِ َ
ج د ز وا ن نو ج م
َ َ
مرٍ قَد ْ قُدَِر ماُء عََلى أ ْ قى ال ْ َ ض عُُيوًنا َفال ْت َ َ جْرَنا اْلْر َ مرٍ ) (11وَفَ ّ من ْهَ ِ ماٍء ُ ماِء ب ِ َ س َ ال ّ
َ َ
فَر ن كُ ِ كا َ ن َ م ْ جَزاًء ل ِ َ ري ب ِأعْي ُن َِنا َ ج ِ سرٍ ) (13ت َ ْ واٍح وَد ُ ُ ت أل ْ َ مل َْناه ُ عََلى َذا ِ ح َ ) (12وَ َ
ذاِبي وَن ُذ ُرِ )(16 ن عَ َ كا َ ف َ مد ّك ِرٍ ) (15فَك َي ْ َ ة فَهَ ْ َ قد ْ ت ََرك َْنا َ ) (14وَل َ َ
ن ُ م ْ ل ِ ها آي َ ً
مد ّك ِرٍ )(17 ن ُ م ْ ل ِ ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ قْرآ َ َ سْرَنا ال ْ ُ قد ْ ي َ ّ وَل َ َ
) (7/476
السماء بماء منهمر.
سرٍ { :قال ابن عباس ،وسعيد بن جبير ، دو ح وا ْ ل} وحمل ْناه عََلى َذات أ َ
َ ٍ َ ُ ُ ِ َ َ َ َ ُ
والقرظي ،وقتادة ،وابن زيد :هي المسامير ،واختاره ابن جرير ،قال :
حُبك. وواحدها دسار ،ويقال َ :دسير ،كما يقال :حبيك وحباك ،والجمع ُ
وقال مجاهد :الدسر :أضلع السفينة .وقال عكرمة والحسن :هو صدرها
الذي يضرب به الموج.
وقال الضحاك :الدسر :طرفها وأصلها.
وفي عن ابن عباس :هو كلكلها. وقال العَ ْ
ري ب ِأعْي ُن َِنا { أي :بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلءتنا َ
ج ِوقوله } :ت َ ْ
فَر { أي جزاء لهم على كفرهم بالله وانتصاًرا لنوح ،عليه نك ِ ُ َ
ن كا َ م ْ جَزاًء ل ِ َ } َ
السلم.
ة { قال قتادة :أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها ها آي َ ً ْ
قد ْ ت ََركَنا َ َ
وقوله } :وَل َ
أول هذه المة .والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن ،كقوله تعالى :
ة ل َه َ
مث ْل ِهِ َ
ما ن ِ م ْم ِ قَنا ل َهُ ْ خل َ ْ ن .وَ َ حو ِ ش ُ م ْ ك ال ْ َ فل ْ ِ م ِفي ال ْ ُ مل َْنا ذ ُّري ّت َهُ ْ ح َم أّنا َ } َوآي َ ٌ ُ ْ
م ِفي مل َْناك ُْ ح
َ َ ُ ء ماَ ْ ل ا غى َ َ ط ما َ
ِّ ّ ل نا إ } وقال [. 42 ، 41 : يس ] ن{ ي َْرك َُبو َ
ُ
ة { ] الحاقة [12 ، 11 :؛ ولهذا عي َ ٌن َوا ِ م ت َذ ْك َِرةً وَت َعِي ََها أذ ُ ٌ جعَل ََها ل َك ُ ْ ة .ل ِن َ ْ جارِي َ ِال ْ َ
مد ّك ِرٍ { أي :فهل من يتذكر ويتعظ ؟ ن ُ م ْ ل ِ قال ها هنا } :فَهَ ْ
قال المام أحمد :حدثنا حجاج ،حدثنا إسرائيل ،عن أبي إسحاق ،عن
السود ،عن ابن مسعود ،قال :أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر ؟ قال : م ّدكر أو ُ م ّ مد ّك ِرٍ { فقال رجل :يا أبا عبد الرحمن ُ ، ن ُ م ْ ل ِ } فَهَ ْ
مد ّك ِرٍ { )(1 أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ُ } :
وهكذا رواه البخاري :حدثنا يحيى ،حدثنا وكيع ،عن إسرائيل ،عن أبي
إسحاق ،عن السود ) (2بن يزيد ،عن عبد الله قال :قرأت على النبي
مذ ّك ِرٍ { فقال النبي صلى الله عليه وسلم ن ُ م ْ ل ِ صلى الله عليه وسلم } :فَهَ ْ
مد ّك ِرٍ { )(3 ن ُ م ْ ل ِ } :فَهَ ْ
وروى البخاري أيضا من حديث شعبة ،عن أبي إسحاق ،عن السود ،عن
نم ْل ِ عبد الله ،قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ } :فَهَ ْ
مد ّك ِرٍ { ).(4 ُ
وقال :حدثنا أبو ن َُعيم ،حدثنا ُزهَْير ،عن أبي إسحاق ؛ أنه سمع رجل يسأل
كر { ؟ قال :سمعت عبد الله يقرأ : مذ ّ ِ مد ّك ِرٍ { أو } ُ ن ُ م ْ ل ِ السود } :فَهَ ْ
مد ّك ِرٍ { .وقال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ن ُ م ْ ل ِ } فَهَ ْ
مد ّك ِرٍ { دال. ن ُ م ْ ل ِ } :فَهَ ْ
__________
) (1المسند ).(1/395
) (2في م " :عن أبي السود".
) (3صحيح البخاري برقم ).(4874
) (4صحيح البخاري برقم ).(4869
) (7/477
َ
صًرا ِفي صْر َ
حا َم ِري ً سل َْنا عَل َي ْهِ ْ
ذاِبي وَن ُذ ُرِ ) (18إ ِّنا أْر َ ن عَ َ ف َ
كا َ عاد ٌ فَك َي ْ َ
ت َ ك َذ ّب َ ْ
َ َ
فقعِرٍ ) (20فَك َي ْ َ من ْ َل ُ خ ٍ جاُز ن َ ْ م أعْ َ س ك َأن ّهُ ْ مّر ) (19ت َن ْزِعُ الّنا َ ست َ ِم ْس ُ ح ٍ ي َوْم ِ ن َ ْ
مد ّك ِرٍ )(22 ْ َ ْ ّ َ ْ َ ُ َ َ
ن ُ م ْ ن ِللذكرِ فهَل ِ قْرآ َ سْرَنا ال ُ
قد ْ ي َ ّ
ن عَذاِبي وَن ُذرِ ) (21وَل َ كا َ
وقد أخرج مسلم هذا الحديث وأهل السنن إل ابن ماجه ،من حديث أبي
إسحاق ).(1
ذاِبي وَن ُذ ُرِ { أي :كيف كان عذابي لمن كفر بي ن عَ َ ف كا ََ َ
وقوله } :فَكي ْ َ
ذري ،وكيف انتصرت لهم ،وأخذت وكذب رسلي ولم يتعظ بما جاءت به ن ُ ُ
لهم بالثأر.
ن ِللذ ّكرِ { أي :سهلنا لفظه ،ويسرنا معناه لمن أراده ، ْ قْرآ َ ْ
سْرَنا ال ُ قد ْ ي َ ّ } وَل َ َ
ك ل ِي َد ّب ُّروا آَيات ِهِ وَل ِي َت َذ َك َّر )(2 مَباَر ٌ َ
ب أنزل َْناهُ إ ِل َي ْ َ
ك ُ ليتذكر الناس .كما قال } :ك َِتا ٌ
ُ
ه
شَر ب ِ ِ ك ل ِت ُب َ ّ سان ِ َسْرَناه ُ ب ِل ِ َ ما ي َ ّ ب { ] ص ، [ 29 :وقال تعالى } :فَإ ِن ّ َ أوُلو الل َْبا ِ
دا { ] مريم .[ 97 : ما ل ُ ّ ن وَت ُن ْذَِر ب ِهِ قَوْ ً قي َ ال ْ ُ
مت ّ ِ
ن ِللذ ّك ْرِ { يعني :هَوّّنا قراءته. قْرآ َسْرَنا ال ْ ُ قد ْ ي َ ّ قال مجاهد } :وَل َ َ
وقال السدي :يسرنا تلوته على اللسن.
وقال الضحاك عن ابن عباس :لول أن الله يسره على لسان الدميين ،ما
استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلم الله ،عز وجل.
دم عن النبي قلت :ومن تيسيره ،تعالى ،على الناس تلوة القرآن ما َتق ّ
صلى الله عليه وسلم أنه قال " :إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف".
وأوردنا الحديث بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته هاهنا ،ولله الحمد
والمنة.
سر مد ّك ِرٍ { أي :فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد ي َ ّ ن ُ م ْ ل ِ َ
وقوله } :فهَ ْ
الله حفظه ومعناه ؟
وقال محمد بن كعب القرظي :فهل من منزجر عن المعاصي ؟
مَرة )، (3 وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا الحسن بن رافع ،حدثنا َ ْ
ض
ن
م ْ ل ِ طر -هو الوراق -في قوله تعالى } :فَهَ ْ م َ شوَْذب ،عن َ عن ابن َ
مد ّك ِرٍ { هل من طالب علم فَي َُعان عليه ؟ ُ
وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم ،عن ) (4مطر الوراق و]كذا[ ) (5رواه ابن
جرير ) ، (6وروي عن قتادة مثله.
َ ْ َ ف َ عاد ٌ فَك َي ْ َ
صًرا ِفي صْر َ حا َ م ِري ً سلَنا عَلي ْهِ ْ ذاِبي وَن ُذ ُرِ ) (18إ ِّنا أْر َ ن عَ َ كا َ ت َ } ك َذ ّب َ ْ
َ َ َ َ
ف قعِرٍ ) (20فَكي ْ َ من ْ َ
ل ُ خ ٍجاُز ن َ ْ م أعْ َ س كأن ّهُ ْ مّر )َ (19تنزعُ الّنا َ ست َ ِ
م ْ س ُ ح ٍ ي َوْم ِ ن َ ْ
مد ّك ِرٍ ).{ (22 ن ُ م ْ ل ِ ْ
ن ِللذ ّكرِ فَهَ ْ قْرآ َ ْ
سْرَنا ال ُ قد ْ ي َ ّ َ
ذاِبي وَن ُذ ُرِ ) (21وَل َ ن عَ َ كا َ َ
يقول تعالى مخبرا عن عاد قوم هود :إنهم كذبوا رسولهم أيضا ،كما صنع
قوم نوح ،وأنه تعالى
__________
) (1صحيح البخاري برقم ) (4871وصحيح مسلم برقم ) (823وسنن أبي
داود برقم ) (3994وسنن الترمذي برقم ) (2937وسنن النسائي ).(2/150
) (2في م " :ليذكر".
) (3في أ " :حمزة".
) (4في أ " :على".
) (5زيادة من م.
) (6تفسير الطبري ).(27/57
) (7/478
سعُرٍل وَ ُضَل ٍ
في َ ه إ ِّنا إ ًِذا ل َ ِ
دا ن َت ّب ِعُ ُح ً مّنا َوا ِ شًرا ِ قاُلوا أ َب َ َ مود ُ ِبالن ّذ ُرِ ) (23فَ َ ت ثَ ُ ك َذ ّب َ ْ
َ َ
نم ِ
دا َن غَ ً سي َعْل َ ُ
مو َ شٌر )َ (25 بأ ِ ذا ٌ ل هُوَ ك َ ّ ن ب َي ْن َِنا ب َ ْ
م ْي الذ ّك ُْر عَل َي ْهِ ِق َ ) (24أؤُل ْ ِ
صط َب ِْر )(27 َ
م َوا ْ قب ْهُ ْم َفاْرت َ ِ ة ل َهُ ْ سُلو الّناقَةِ فِت ْن َ ً مْر ِ شُر ) (26إ ِّنا ُ ب اْل ِ ذا ُال ْك َ ّ
) (7/479
) (7/479
) (7/480
َ
قت َدِرٍ )م ْ
زيزٍ ُ خذ َ ع َ ِم أَ ْ ن الن ّذ ُُر ) (41ك َذ ُّبوا ب ِآ ََيات َِنا ك ُل َّها فَأ َ
خذ َْناهُ ْ ل فِْرعَوْ َ جاَء آ َ َ وَل َ َ
قد ْ َ
َ َ ُ َ
ن
ح ُ ن نَ ْقوُلو َ م يَ ُم ب ََراَءة ٌ ِفي الّزب ُرِ ) (43أ ْ م ل َك ُ ْ
مأ ْ ن أول َئ ِك ُ ْ م ْخي ٌْر ِ فاُرك ُ ْ
م َ (42أك ُ ّ
معد ُهُ ْمو ْ ِ ة َ ساعَ ُ ل ال ّن الد ّب َُر ) (45ب َ ِ معُ وَي ُوَّلو َ ج ْ م ال ْ َ سي ُهَْز ُصٌر )َ (44 من ْت َ ِ ميعٌ ُ ج ِ َ
مّر )(46 َ أو هىَ دَ أ ة
ُ َ ع سا وال
َ َ ْ َ ّ
وقيل :إنه لم تبق لهم عيون بالكلية ،فرجعوا على أدبارهم يتحسسون
بالحيطان ،ويتوعدون لوطا ،عليه السلم ،إلى الصباح.
قّر { أي :ل محيد لهم عنه ست َ ِ م ْ ب ُ ذا ٌ م ب ُك َْرة ً عَ َ حهُ ْ صب ّ َ قد ْ َ قال الله تعالى } :وَل َ َ
ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ
ل قْرآ َ سْرَنا ال ْ ُ قد ْ ي َ ّ ذاِبي وَن ُذ ُِر .وَل َ َ ذوُقوا عَ َ ،ول انفكاك لهم منه } ،فَ ُ
مد ّك ِرٍ {. ن ُ م ْ ِ
ز زي ع َ ذ خ َ أ م ه ناْ ذ خ َ أَ ف ها ّ ل ُ ك نا ت يا بآ بوا ّ ذَ ك ( 41 ) ر ُ ذ ن ال ن و ع ر ف َ
ل آ َ ء جا د َ قَ ل و }
َ ِ ٍ َ ْ َ ْ ُ َ َ ِ
ُ ِ َ َ ِ ْ ْ َ ّ ُ َ َ ْ َ
ن ُ
لو قو
ُ ي م أ ( 43 ) ر ب ز ال في ة َ ء را ب م ُ ك َ ل م خير من ُأول َئ ِك ُم أ َ م ُ ك ر فا ّ ُ ك قتدر ) (42أ َ
َ ْ َ ّ ُ ِ ِ ٌ ْ ََ ْ ْ ْ ِ َ
ُ ْ ٌْ م ْ َ ِ ٍ ُ
ة
ساعَ ُ ّ ال ل
ِ َ ب ( 45 ) رَ ُ ب ّ د ال نَ لو ّ و
ْ َ َُ ي و ُ ع م ج
َ ْ لا م زَ
َ ْ ُ ه ُ ي س ( 44 ) ر
ٌ ص
ِ َ ت ْ ن م
ُ ٌ ع ميِ ج
َ ن
نَ ُ ح
ْ
مّر ).{ (46 َ َ
هى وَأ َ ة أد ْ َ ساعَ ُ م َوال ّ عد ُهُ ْ مو ْ ِ َ
يقول تعالى مخبرا عن فرعون وقومه إنهم جاءهم رسول الله موسى وأخوه
هارون بالبشارة إن آمنوا ،والنذارة إن كفروا ،وأيدهما بمعجزات عظيمة
وآيات متعددة ،فكذبوا بها كلها ،فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ،أي :
فأبادهم الله ولم )ُ (1يبق منهم مخبًرا ول عيًنا ول أثًرا.
ن
م ْ خي ٌْر ِ م { أي :أيها المشركون من كفار قريش } َ فاُرك ُ ْ ثم قال } :أ َك ُ ّ
ُ
م { يعني :من الذين تقدم ذكرهم ممن أهلكوا بسبب تكذيبهم الرسل ، أول َئ ِك ُ ْ
َ
م ب ََراَءة ٌ ِفي الّزب ُرِ { أي :أم م ل َك ُ ْ وكفرهم بالكتب :أأنتم خير أم أولئك ؟ } أ ْ
معكم ) (2من الله براءة أل ينالكم عذاب ول نكال ؟.
َ
صٌر { أي :يعتقدون أنهم من ْت َ ِ ميعٌ ُ ج ِ ن َ ح ُ ن نَ ْ قوُلو َ م يَ ُ ثم قال مخبرا عنهم } :أ ْ
مناصرون ) (3بعضهم بعضا ،وأن جمعهم يغني عنهم من أرادهم بسوء ،قال
ن الد ّب َُر { أي :سيتفرق شملهم ويغلبون. معُ وَي ُوَّلو َ ج ْ م ال ْ َ سي ُهَْز ُ الله تعالى َ } :
قال البخاري :حدثنا إسحاق ،حدثنا خالد ،عن خالد -وقال أيضا :حدثنا
محمد ،حدثنا ) (4عفان بن مسلم ،عن ُوهيب ،عن خالد ،عن عكرمة ،عن
ابن عباس ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -وهو في قبة له يوم بدر : -
"أنشدك عهدك ووعدك ،اللهم إن شئت لم ُتعبد بعد اليوم ) (5أبدا" .فأخذ
أبو بكر ،رضي الله عنه ،بيده وقال :حسبك يا رسول الله! ألححت على
معُ وَي ُوَّلو َ
ن الد ّب َُر. م ال ْ َ
ج ْ سي ُهَْز ُ
ربك .فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول َ } :
مّر {. َ ة أ َد ْ َ
هى وَأ َ ساعَ ُ
م َوال ّعد ُهُ ْ
مو ْ ِ
ة َساعَ ُ
ل ال ّ
بَ ِ
مْهران ) وكذا رواه البخاري والنسائي في غير موضع ،من حديث خالد -وهو ِ
(6الحذاء -به ).(7
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا أبو الربيع الّزهَراني ،حدثنا حماد عن
ن الد ّب َُر { ]قال[ معُ وَي ُوَّلو َ م ال ْ َ
ج ْ سي ُهَْز ُ
أيوب ،عن عكرمة ،قال :لما نزلت } َ
معج ْمع يهزم ؟ أيّ َ ) (8قال عمر :أيّ ج َ
__________
) (1في م " :فلم".
) (2في م " :معهم".
) (3في م ،أ " :يتناصرون".
) (4في م " :بن".
) (5في م " :بعد اليوم في الرض".
) (6في م ،أ " :وهو ابن مهران".
) (7صحيح البخاري برقم ) (4877 ، 4875 ، 3953 ، 2915والنسائي في
السنن الكبرى برقم ).(11557
) (8زيادة من أ.
) (7/481
يغلب ؟ قال عمر :فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ن الد ّب َُر { فعرفت تأويلها معُ وَي ُوَّلو َ ج ْم ال ْ َ سي ُهَْز ُ يثب في الدرع ،وهو يقول َ } :
يومئذ ).(1
وقال البخاري :حدثنا إبراهيم بن موسى ،حدثنا هشام بن يوسف ؛ أن ابن
ك قال :إني عند عائشة أم المؤمنين ، جَريج أخبرهم :أخبرني يوسف بن ماهَ َ ُ
قالت :نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة -وإني لجارية ألعب -
مّر { هكذا رواه ها هنا مختصرا ).(2 َ ة أ َد ْ َ
هى وَأ َ ساعَ ُم َوال ّعد ُهُ ْ
مو ْ ِة َ ساعَ ُ ل ال ّ } بَ ِ
ورواه في فضائل القرآن مطول ) ، (3ولم يخرجه مسلم.
م
جوهِهِ ْ َ
ن ِفي الّنارِ عَلى وُ ُحُبو َس َ م يُ ْ سعُرٍ ) (47ي َوْ َ ل وَ ُضل ٍن ِفي َ مي َ جرِ ِ م ْن ال ْ ُ} إِ ّ
قد َرٍ ).{ (49 قَناهُ ب ِ َ َ
خل ْ يٍء َ ش ْ ّ ُ
قَر ) (48إ ِّنا كل َ س َ
س َ م ّ ُذوُقوا َ
__________
) (1رواه عبد الرزاق في تفسيره ) (2/209من طريق معمر عن أيوب به.
) (2صحيح البخاري برقم ).(4876
) (3صحيح البخاري برقم ).(4993
) (7/482
مد ّك ِرٍ )ن ُ
م ْ م فَهَ ْ
ل ِ شَياعَك ُ ْقد ْ أ َهْل َك َْنا أ َ ْصرِ ) (50وَل َ َمٍح ِبال ْب َ َ
حد َة ٌ ك َل َ ْ مُرَنا إ ِّل َوا ِ َ
ما أ ْ وَ َ
ن َ
ست َطٌر ) (53إ ِ ّ م ْ َ
صِغيرٍ وَكِبيرٍ ُ ّ ُ
يٍء فعَلوه ُ ِفي الّزب ُرِ ) (52وَكل َ ُ َ ش ْ ّ ُ
(51وَكل َ
قت َدِرٍ )(55م ْك ُ مِلي ٍعن ْد َ َق ِ صد ْ ٍ قعَدِ ِ م ْ
ت وَن َهَرٍ )ِ (54في َ جّنا ٍ ن ِفي َ قي َ ال ْ ُ
مت ّ ِ
ر
مد ّك ِ ٍن ُ م ْ ل ِ م فَهَ ْ شَياعَك ُ ْ قد ْ أ َهْل َك َْنا أ َ ْ صرِ ) (50وَل َ َ مٍح ِبال ْب َ َ حد َة ٌ ك َل َ ْ مُرَنا ِإل َوا ِ َ
ما أ ْ } وَ َ
ن
ست َطٌر ) (53إ ِ ّ َ م ْ َ
صِغيرٍ وَكِبيرٍ ُ ل َ ُ
يٍء فَعَلوه ُ ِفي الّزب ُرِ ) (52وَك ّ ُ ش ْ ل َ ُ
) (51وَك ّ
قت َدِرٍ ){ (55 م ْ
ك ُ مِلي ٍ عن ْد َ َ ق ِ صد ْ ٍ قعَدِ ِ م ْ
ت وَن َهَرٍ )ِ (54في َ جّنا ٍ ن ِفي َ قي َ
مت ّ ِ ال ْ ُ
سُعر مما هم يخبرنا ) (1تعالى عن المجرمين أنهم في ضلل عن الحق ،و ُ
فيه من الشكوك والضطراب في الراء ،وهذا يشمل كل من اتصف بذلك
من كافر ومبتدع من سائر الفرق.
سُعر ُ في كانوا كما : أي { م ه ه
ُ ُ ِ ِ ْ جو و لىَ ن ِفي الّنارِ َ
ع حُبو َ س َم يُ ْ ثم قال } :ي َوْ َ
سحبوا فيها على وجوههم ، وشك وتردد أورثهم ذلك النار ،وكما كانوا ضلل ُ
قَر {. س َس َ م ّ ل يدرون أين يذهبون ،ويقال لهم تقريعا وتوبيخا ُ } :ذوُقوا َ
قد َّرهُ يٍء فَ َ ش ْ ل َ خل َقَ ك ُ ّ قد َرٍ { ،كقوله } :وَ َ خل َ ْ
قَناه ُ ب ِ َ يٍء َ ش ْ ل َ وقوله } :إ ِّنا ك ُ ّ
ق
خل َ َ ذي َ ّ
ك العْلى .ال ِ َ م َرب ّ َ س َسب ِّح ا ْ ديًرا { ] الفرقان [ 2 :وكقوله َ } : ق ِ تَ ْ
دى { ] العلى [ 3 - 1 :أي :قدر قدرا ،وهدى ذي قَد َّر فَهَ َ ّ
وىَ .وال ِ س ّ فَ َ
درة السنة على إثبات قَ َ الخلئق إليه ؛ ولهذا يستدل بهذه الية الكريمة أئم ُ
الله السابق لخلقه ،وهو علمه الشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها ،
ورّدوا بهذه الية وبما ) (2شاكلها من اليات ،وما ورد في معناها من
قدرية الذين نبغوا ) (3في أواخر عصر الحاديث الثابتات على الفْرقة ال َ
الصحابة .وقد تكلمنا على هذا المقام مفصل وما ورد فيه من الحاديث في
شرح "كتاب اليمان" من "صحيح البخاري" رحمه الله ،ولنذكر هاهنا
الحاديث المتعلقة بهذه الية الكريمة :
كيع ،حدثنا سفيان الثوري ،عن زياد بن إسماعيل قال أحمد :حدثنا وَ ِ
السهمي ،عن محمد بن عباد بن جعفر ،عن أبي هَُريَرة قال :جاء مشركو
مقريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر ،فنزلت } :ي َوْ َ
قَناهُ خل َ ْيٍء َ ش ْ ل َ قَر .إ ِّنا ك ُ ّ س َ س َ م ّ م ُذوُقوا َ جوهِهِ ْ ن ِفي الّنارِ عََلى وُ ُ حُبو َ س َ يُ ْ
قد َرٍ {. بِ َ
__________
) (1في م " :يخبر".
) (2في م " :وما".
) (3في أ " :سعوا".
) (7/482
وهكذا رواه مسلم والترمذي وابن ماجه ،من حديث وكيع ،عن سفيان
الثوري ،به ).(1
خَلد ،حدثنا يونس بن م
َ ْ بن الضحاك حدثنا ، على بن عمرو حدثنا وقال البزار :
الحارث ،عن عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن جده قال :ما نزلت هذه
ن ِفي الّنارِ عََلى حُبو َ
س َ
م يُ ْ ر .ي َوْ َسعُ ٍ
ل وَ ُ ضل ٍ ن ِفي َ مي َ
جرِ ِ ن ال ْ ُ
م ْ اليات } :إ ِ ّ
قد َرٍ { ،إل في أهل القدر ) خل َ ْ
قَناه ُ ب ِ َ يٍء َ ش ْل َ قَر .إ ِّنا ك ُ ّ
س َس َ م ّ م ُذوُقوا َ جوهِهِ ْوُ ُ
.(2
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا سهل ) (3بن صالح النطاكي ،حدثني
قُّرة بن حبيب ،عن كنانة حدثنا جرير بن حازم ،عن سعيد بن عمرو بن
جعْد َة َ ،عن ابن ُزَرارة ،عن أبيه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تل هذه َ
قد َرٍ { ،قال " :نزلت في قَناه ُ ب ِ َ َ
خل ْ يٍء َ َ ّ ُ
قَر .إ ِّنا كل ش ْ س َ
س َ م ّ ُ ُ
الية } :ذوقوا َ
أناس من أمتي يكونون في آخر الزمان يكذبون بقدر الله" ).(4
مْروان بن شجاع الجَزري ،عن عبد الملك وحدثنا الحسن بن عرفة ،حدثنا َ
جَرْيج ،عن عطاء بن أبي َرَباح ،قال :أتيت ابن عباس وهو َينزع من بن ُ
ّ
زمزم ،وقد ابتلت أسافل ثيابه ،فقلت له :قد ت ُك ُلم في القدر .فقال :أو ّ
]قد[ ) (5فعلوها ؟ قلت :نعم .قال :فوالله ما نزلت هذه الية إل فيهم :
قد َرٍ { ،أولئك شرار هذه المة ، خل َ ْ
قَناه ُ ب ِ َ يٍء َ ل َ
ش ْ قَر .إ ِّنا ك ُ ّ
س َس َ م ّ } ُذوُقوا َ
صلوا على موتاهم ،إن رأيت أحدا منهم فقأت عينيه ّ فل تعودوا مرضاهم ول ت ُ َ
ي هاتين. بأصبع ّ
وقد رواه المام أحمد من وجه آخر ،وفيه مرفوع ،فقال :
حدثنا أبو المغيرة ،حدثنا الوزاعي ،عن بعض إخوته ،عن محمد بن عَُبيد
ذب المكي ،عن عبد الله بن عباس ،قال :قيل له :إن رجل قدم علينا ي ُك َ ّ
بالقدر فقال :دلوني عليه -وهو أعمى -قالوا :وما تصنع به يا أبا عباس قال
ن أنفه حتى أقطعه ،ولئن ض ّ :والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لع ّ
وقعت رقبته في يدي لدقنها ؛ فإني ) (6سمعت رسول الله صلى الله عليه
ن بالخزرج ،تصطفق ألياتهن ف َوسلم يقول " :كأني بنساء بني فِْهر ي َط ُ ْ
مشركات ،هذا أول شرك هذه المة ،والذي نفسي بيده لينتهين بهم سوء
در خيرا ،كما أخرجوه من أن يكون رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قَ ّ
قدر شرا" ).(7
ثم رواه أحمد عن أبي المغيرة ،عن الوزاعي ،عن العلء بن الحجاج ،عن
محمد بن عبيد ،فذكر مثله ) .(8لم يخرجوه.
__________
) (1المسند ) (2/444وصحيح مسلم برقم ) (2656وسنن الترمذي برقم )
(3290وسنن ابن ماجة برقم ).(83
) (2مسند البزار برقم )" (2265كشف الستار" ،وقال الهيثمي في المجمع
)" : (7/117فيه يونس بن الحارث ،وثقه ابن معين وابن حيان وفيه ضعف ،
وبقية رجاله ثقات".
) (3في أ " :سهيل".
) (4رواه الطبراني في المعجم الكبير ) (5/276من طريق قرة بن حبيب
عن جرير بن حازم -وأظن أن كنانة ساقط منه -عن سعيد بن عمرو به.
) (5زيادة من م.
) (6في أ " :قال".
) (7المسند ).(1/330
) (8المسند ).(1/330
) (7/483
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الله بن يزيد ،حدثنا سعيد بن أبي أيوب ،
حدثني أبو صخر ،عن نافع قال :كان لبن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه
) ، (1فكتب إليه عبد الله بن عمر :إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من
ي ،فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم القدر ،فإياك أن تكتب إل ّ
يقول " :سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر".
رواه أبو داود ،عن أحمد بن حنبل ،به ).(2
فَرة ،عن ُ
وقال أحمد :حدثنا أنس بن عياض ،حدثنا عمر بن عبد الله مولى غ ْ
عبد الله بن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :لكل أمة
مجوس ،ومجوس أمتي الذين يقولون :ل قدر .إن مرضوا فل تعودوهم ،
وإن ماتوا فل تشهدوهم" ).(3
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه.
ميد بن زياد ،عن ح َ
دين ،عن أبي صخر ُ وقال أحمد :حدثنا قتيبة ،حدثنا رِ ْ
ش ِ
نافع ،عن ابن عمر قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"سيكون في هذه المة مسخ ،أل وذاك في المكذبين بالقدر والزنديقية".
ورواه الترمذي وابن ماجه ،من حديث أبي صخر حميد بن زياد ،به ).(4
وقال الترمذي :حسن صحيح غريب.
وقال أحمد :حدثنا إسحاق بن الطباع ،أخبرني مالك ،عن زياد بن سعد ،
عن عمرو بن مسلم ،عن طاوس اليماني قال :سمعت ابن عمر قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :كل شيء بقدرن حتى العجز والكيس".
ورواه مسلم منفردا به ،من حديث مالك ).(6) (5
وفي الحديث الصحيح " :استعن بالله ول تعجز ،فإن أصابك أمر فقل :قَد ُّر
الله وما شاء فعل ،ول تقل :لو أني فعلت لكان كذا ،فإن لو تفتح عمل
الشيطان" ).(7
وفي حديث ابن عباس :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :
"واعلم أن المة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء ،لم يكتبه الله لك ،لم
ينفعوك ،ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ،لم يكتبه الله عليك ،لم
فت القلم وطويت الصحف" ).(8 يضروك .ج ّ
__________
) (1في م " :فكاتبه".
) (2المسند ) (2/90وسنن أبي داود برقم ).(4613
) (3المسند ).(2/86
) (4المسند ) (2/108وسنن الترمذي برقم ) (2152وسنن ابن ماجه برقم )
.(4061
) (5في م " :ورواه مسلم من حديث مالك منفردا به".
) (6المسند ) (2/110وصحيح مسلم برقم ).(2655
) (7رواه مسلم في صحيحه برقم ) (2664من حديث أبي هريرة ،رضي
الله عنه.
) (8رواه المام أحمد في مسنده ).(1/293
) (7/484
) (7/485
) (7/486
) (7/487
) (7/488
س
م ُ ش ْ ن ) (4ال ّ ه ال ْب ََيا َ ن ) (3عَل ّ َ
م ُ سا َ خل َقَ اْل ِن ْ َ ن )َ (2 قْرآ َ َم ال ْ ُن ) (1عَل ّ َ م ُ ح َالّر ْ
ع
ض َ َ
ماَء َرفعََها وَوَ َ س َ ن )َ (6وال ّ دا ِ
ج َ س ُجُر ي َ ْش َ م َوال ّ ج ُ
ن )َ (5والن ّ ْ سَبا ٍ
ح ْمُر ب ِ ُ ق ََوال ْ َ
ط وََل ت ُ ْ َ َ
سُرواخ ِ س ِ ق ْ ن ِبال ْ ِ موا ال ْوَْز َ ن ) (8وَأِقي ُ ميَزا ِ وا ِفي ال ْ ِ ن ) (7أّل ت َط ْغَ ْ ميَزا َ ال ْ ِ
َ َ َ
مام ِ )ت اْلك ْ َ ل َذا ُ خ ُ ة َوالن ّ ْ ضعََها ل ِْلَنام ِ )ِ (10فيَها َفاك ِهَ ٌ ض وَ َ ن )َ (9واْلْر َ ميَزا َ ال ْ ِ
َ َ
ن )(13 ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (12فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ حا ُ ف َوالّري ْ َ ص ِ ب ُذو ال ْعَ ْ ح ّ َ (11وال ْ َ
) (7/489
) (7/490
ف { ورق الزرع الخضر الذي قطع ص ِ وفي ،عن ابن عباس } :ال ْعَ ْ وقال العَ ْ
رؤوسه ،فهو يسمى العصف إذا يبس .وكذا قال قتادة ،والضحاك ،وأبو
مالك :عصفه :تبنه.
وقال ابن عباس ،ومجاهد ،وغير واحد } :والريحان { يعني :الورق.
وقال الحسن :هو ريحانكم هذا.
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس } :والريحان { خضر ) (1الزرع.
ومعنى هذا -والله أعلم -أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما له في حال
نباته عصف ،وهو :ما على السنبلة ،وريحان ،وهو :الورق الملتف على
ساقها.
وقيل :العصف :الورق أول ما ينبت الزرع بقل .والريحان :الورق ،يعني :
إذا أدجن وانعقد فيه الحب .كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته
المشهورة.
ح منه البق ُ
ل ي َهْت َّز رابيا?... ب ص
ُ ْ ِ َ يَ ف ثرى... ّ ال في بَ ّ ح ال ت ب
ُِْ ُ ني من وَُقول له :
ن واعيا )(2 كا َ ن َ م ْ ت لِ َ حّبه في ُرؤوسه?َ ...ففي ذاك آيا ٌ ج مْنه َ خر َ
وَي ُ ْ
َ
ن { أي :فبأي اللء ) - (3يا معشر الثقلين ، ما ت ُك َذ َّبا ِوقوله } :فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ
من النس والجن -تكذبان ؟ قاله مجاهد ،وغير واحد .ويدل عليه السياق
م ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها ،ل تستطيعون إنكارها بعده ،أي :الن ّعَ ُ
ول جحودها ) ، (4فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون " :اللهم ،ول بشيء
ذب ،فلك الحمد" .وكان ابن عباس يقول " :ل بأّيها يا رب". من آلئك ربنا نك ّ
أي :ل نكذب بشيء منها.
قال المام أحمد :حدثنا يحيى بن إسحاق ،حدثنا ابن لهيعة ،عن أبي
السود ،عن عُْرَوة ،عن أسماء بنت أبي بكر قالت :سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ،وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما
َ
ن { ).(6 ما ت ُك َذ َّبا ِ
يؤمر ،والمشركون يستمعون ) } (5فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ
__________
في أ " :خضرة". )(1
انظر البيات في السيرة النبوية لبن هشام ).(1/228 )(2
في م " :آلء". )(3
في م " :جحدها". )(4
في م " :يسمعون". )(5
المسند ).(6/349 )(6
) (7/491
ن َنارٍ )(15
م ْ
مارٍِج ِ
ن َ
م ْ
ن ِ خل َقَ ال ْ َ
جا ّ خارِ ) (14وَ َ كال ْ َ
ف ّ ل َ صل ْ َ
صا ٍ ن َ م ْن ِ سا َخل َقَ اْل ِن ْ َ
َ
َ ُ َ َ َ
ن )(16 فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ
ما ت ُكذ َّبا ِ
ن َنارٍ )
م ْ
مارٍِج ِ
ن َ
م ْ
ن ِ خل َقَ ال ْ َ
جا ّ خارِ ) (14وَ َ كال ْ َ
ف ّ ل َ
صا ٍصل ْ َ ن َ م ْن ِ خل َقَ الن ْ َ
سا َ } َ
َ
ن ){ (16 ما ت ُك َذ َّبا ِ
(15فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ
) (7/492
َ َ
ج
مَر َ ن )َ (18 ما َ ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (17فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ مغْرِب َي ْ ِ ب ال ْ َ ن وََر ّ شرِقَي ْ ِ م ْ ب ال ْ َ َر ّ
َ ُ َ َ َ ْ ال ْب َ ْ
ن) ما ت ُكذ َّبا ِ ن ) (20فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ خ ل ي َب ْغَِيا ِ ما ب َْرَز ٌ ن ) (19ب َي ْن َهُ َ قَيا ِ ن ي َلت َ ِ حَري ْ ِ
َ َ
ن ) (23وَل َ ُ
ه ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (22فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ جا ُ مْر َ ما الل ّؤْل ُؤ ُ َوال ْ َ من ْهُ َ ج ِ خُر ُ (21ي َ ْ
َ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ
ن )(25 َ
ما ت ُكذ َّبا ِ ُ
حرِ كالعْلم ِ ) (24فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ َ ت ِفي الب َ ْ شآ ُ من ْ َ وارِ ال ُ ج َ ال ْ َ
َ
ج مَر َ ن )َ (18 ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (17فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ مغْرِب َي ْ ِ ب ال ْ َ ن وََر ّشرِقَي ْ ِ م ْ ب ال ْ َ } َر ّ
َ ْ
ن) ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (20فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ خ ل ي َب ْغَِيا ِ ما ب َْرَز ٌ ن ) (19ب َي ْن َهُ َ قَيا ِ ن ي َلت َ ِ حَري ْ ِ ال ْب َ ْ
َ
هن ) (23وَل َ ُ ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (22فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ جا ُ مْر َ ما الل ّؤْل ُؤ ُ َوال ْ َ من ْهُ َ ج ِ خُر ُ (21ي َ ْ
َ ْ ْ
ن ).{ (25 َ
ما ت ُكذ َّبا ِ ُ
علم ِ ) (24فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ حرِ كال ْ َ ت ِفي الب َ ْ شآ ُ من ْ َ واِري ال ُ ج َ ال ْ َ
يذكر تعالى خلقه النسان من صلصال كالفخار ،وخلقه ) (1الجان من مارج
من نار ،وهو :طرف لهبها .قاله الضحاك ،عن ابن عباس .وبه يقول عكرمة
،ومجاهد ،والحسن ،وابن زيد.
ن َنارٍ { من لهب النار ،من م ْ مارٍِج ِ ن َ م ْ وفي ،عن ابن عباس ِ } : وقال العَ ْ
أحسنها.
ن َنارٍ { من خالص م ْ مارٍِج ِ ن َ م ْ وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس ِ } :
النار .وكذا قال عكرمة ،ومجاهد ،والضحاك وغيرهم.
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الرزاق ،أخبرنا معمر ،عن الزهري ،عن
عروة ،عن عائشة ،قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :خلقت
الملئكة من نور ،وخلق الجان من مارج من نار ،وخلق آدم مما وصف
لكم".
ورواه مسلم ،عن محمد بن رافع ،وعبد بن حميد ،كلهما عن عبد الرزاق ،
به ).(2
َ ُ َ
ن { تقدم تفسيره. ما ت ُكذ َّبا ِ وقوله } :فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ
ْ ب ال ْ َ
ن { يعني :مشرقي الصيف والشتاء ،
ُ مغْرِب َي ْ ِ ب ال َ ن وََر ّشرِقَي ْ ِ م ْ } َر ّ
ق
شارِ ِ م َ ْ
ب ال َ م ب َِر ّ س ُ ومغربي الصيف والشتاء .وقال في الية الخرى َ } :فل أقْ ِ
ب { ] المعارج ، [ 40 :وذلك باختلف مطالع الشمس وتنقلها في مَغارِ ِ َوال ْ َ
ق
شرِ ِ م ْب ال ْ َ كل يوم ،وبروزها منه إلى الناس .وقال في الية الخرى َ } :ر ّ
كيل { ] المزمل .[ 9 :وهذا المراد منه جنس خذ ْه ُ وَ ِ ه ِإل هُوَ َفات ّ ِ ب ل إ ِل َ َ مغْرِ ِ َوال ْ َ
المشارق والمغارب ،ولما كان في اختلف هذه المشارق والمغارب ،مصالح
َ
ن { ؟. ما ت ُك َذ َّبا ِ
للخلق من الجن والنس قال } :فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ
ن { قال ابن عباس :أي أرسلهما. قَيا ِن ي َل ْت َ ِ حَري ْ ِ ج ال ْب َ ْ مَر َ وقوله َ } :
وقوله } :يلتقيان { قال ابن زيد :أي :منعهما أن يلتقيا ،بما جعل بينهما
من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما.
والمراد بقوله } :البحرين { الملح والحلو ،فالحلو هذه النهار السارحة بين
الناس .وقد قدمنا الكلم على ذلك في سورة "الفرقان" عند قوله تعالى :
ذا مل ْ ُ
خا
ما ب َْرَز ً
ل ب َي ْن َهُ َجعَ َج وَ َ جا ٌ حأ َ ت وَهَ َ ِ ٌ ب فَُرا ٌذا عَذ ْ ٌن هَ َ حَري ْ ِج ال ْب َ ْ مَر َ ذي َ } وَهُوَ ال ّ ِ
جوًرا { ] الفرقان .[ 53 :وقد اختار ابن جرير هاهنا أن المراد ح ُ
م ْ جًرا َح ْ وَ ِ
بالبحرين :بحر السماء وبحر الرض ،وهو مروي عن مجاهد ،وسعيد بن
جبير ،وعطية وابن أب َْزى.
قال ابن جرير :لن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء ،وأصداف ) (3بحر الرض )
.(4وهذا وإن كان هكذا ليس المراد ]بذلك[ ) (5ما ذهب إليه ،فإنه ل
ن { أي :وجعل خ ل ي َب ْغَِيا ِ ما ب َْرَز ٌ يساعده اللفظ ؛ فإنه تعالى قد قال } :ب َي ْن َهُ َ
بينهما برزخا ،وهو :الحاجز من الرض ،لئل يبغي هذا على هذا ،وهذا على
__________
) (1في أ " :خلق".
) (2المسند ) (6/168وصحيح مسلم برقم ).(2996
) (3في م " :واختلف".
) (4تفسير الطبري ).(27/75
) (5زيادة من م ،أ.
) (7/492
هذا ،فيفسد كل واحد منهما الخر ،ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه.
وما بين السماء والرض ل يسمى برزخا وحجرا محجورا.
ن { أي :من مجموعهما ،فإذا وجد جا ُ
مْر َما الل ّؤْل ُؤ ُ َوال ْ َمن ْهُ َ
ج ِ خُر ُ
وقوله } :ي َ ْ
م ُ ْ َ َ ْ َ
م ي َأت ِك ْ
س أل ْن َوالن ْ ِ ج ّ معْشَر ال ِ ذلك لحدهما ) (1كفى ،كما قال تعالى َ } :يا َ
م { ] النعام [ 130 :والرسل إنما كانوا في النس خاصة دون من ْك ُ ْ س ٌ
ل ِ ُر ُ
الجن ،وقد صح هذا الطلق .واللؤلؤ معروف ،وأما المرجان فقيل :هو
صغار اللؤلؤ .قاله مجاهد ،وقتادة ،وأبو رزين ،والضحاك .وروي عن علي.
وقيل :كباره وجيده .حكاه ابن جرير عن بعض السلف .ورواه ابن أبي حاتم
عن الربيع بن ) (2أنس ،وحكاه عن السدي ،عمن حدثه ،عن ابن عباس.
وروي مثله عن علي ،ومجاهد أيضا ،ومرة الهمداني.
وقيل :هو نوع من الجواهر أحمر اللون .قال السدي ،عن أبي مالك ،عن
مسروق ،عن عبد الله قال :المرجان :الخرز الحمر .قال السدي وهو
سذ ) (3بالفارسية. الب ُ ّ
سون ََها { ْ ْ َ َ ُ ُ ْ ُ
نك ّ
ة ت َلب َ ُ
حلي َ ً ن ِ جو َخرِ ُ
ست َ ْ
ما طرِّيا وَت َ ْ ح ًنل ْ ل ت َأكلو َ م ْوأما قوله } :وَ ِ
] فاطر ، [ 12 :فاللحم من كل من الجاج والعذب ،والحلية ،إنما هي من
الملح دون العذب.
قال ابن عباس :ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر ،فوقعت في
صدفة إل صار منها لؤلؤة .وكذا قال عكرمة ،وزاد :فإذا لم تقع في صدفة
نبتت بها عنبرة .وروي من غير وجه عن ابن عباس نحوه.
مهْدِيّ ،
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أحمد بن سنان ،حدثنا عبد الرحمن بن َ
حدثنا سفيان ،عن العمش ،عن عبد الله بن عبد الله ،عن سعيد بن جبير ،
عن ابن عباس قال :إذا أمطرت السماء ،فتحت الصداف في البحر أفواهها
،فما وقع فيها -يعني :من قطر -فهو اللؤلؤ.
إسناده ) (4صحيح ،ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الرض ،امتن
َ
ما ت ُك َذ َّبا ِ
ن {. بها عليهم فقال ) } : (5فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ
ت { يعني :السفن التي تجري في البحر ،قال شآ ُ وارِ ال ْ ُ
من ْ َ ج َه ال ْ َوقوله } :وَل َ ُ
مجاهد :ما رفع قلعه من السفن فهي منشأة ،وما لم يرفع قلعه فليس
بمنشأة ،وقال قتادة } :المنشآت { يعني المخلوقات .وقال غيره :
المنشآت -بكسر الشين -يعني :البادئات.
} كالعلم { أي :كالجبال في كبرها ،وما فيها من المتاجر والمكاسب
المنقولة من قطر إلى قطر ،وإقليم إلى إقليم ،مما فيه من صلح للناس
في ) (6جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع ؛ ولهذا قال ]تعالى[ )
َ
ن {.ما ت ُك َذ َّبا ِ } (7فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ
__________
) (1في أ " :أحدهما".
) (2في أ " :عن".
) (3في م ،أ " :الكسد".
) (4في م " :إسناد".
) (5في م " :وقال".
) (6في م " :من".
) (7زيادة من أ.
) (7/493
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا موسى بن إسماعيل ،حدثنا حماد بن
سلمة ،حدثنا العرار بن سويد ،عن عميرة بن سعد قال :كنت مع علي بن
أبي طالب ،رضي الله عنه ،على شاطئ الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع
واِري ه ال ْ َ
ج َ شراعها ،فبسط على يديه ثم قال :يقول الله عز وجل } :وَل َ ُ
علم ِ { .والذي أنشأها تجري في ]بحر من[ )(1 كال ْ حرِ َ ت ِفي ال ْب َ ْ شآ ُ من ْ َال ْ ُ
ت عثمان ،ول مالت على قتله. بحوره ما قتل ُ
ك ُذو ال ْجلل والك ْرام ) (27فَبأ َ
ي
ِ ّ َ ِ َ ِ َ َ ب ر هج
َ ْ ُ َ ّ و قى َ بي
ََْ و
َ
( 26 ) نٍ فاَ هان عَل َي ْ َ
م ْ ل َ } كُ ّ
ل ي َوْم ٍ هُوَ ِفي ض كُ ّ
ت َوالْر ِ
وا ِ
م َ
س َ ن ِفي ال ّ م ْ
ه َ سأل ُ ُن ) (28ي َ ْ ما ت ُك َذ ّ ََبا ِ
آلِء َرب ّك ُ َ
َ ْ
ن ){ (30 ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (29فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ شأ ٍ
يخبر تعالى أن جميع أهل الرض سيذهبون ويموتون أجمعون ،وكذلك أهل
السموات ،إل من شاء الله ،ول يبقى أحد سوى وجهه الكريم ؛ فإن الرب -
تعالى وتقدس -ل يموت ،بل هو الحي الذي ل يموت أبدا.
قال قتادة :أنبأ بما خلق ،ثم أنبأ أن ذلك كله كان ).(2
وفي الدعاء المأثور :يا حي ،يا قيوم ،يا بديع السموات والرض ،يا ذا
الجلل والكرام ،ل إله إل أنت ،برحمتك نستغيث ) ، (3أصلح لنا شأننا كله ،
ول تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ،ول إلى أحد من خلقك.
ن { ،فل تسكت حتى تقرأ : ن عَل َي َْها َفا ٍ م ْ ل َ وقال الشعبي :إذا قرأت } ك ُ ّ
ل َوالك َْرام ِ {. جل ِ ك ُذو ال ْ َ ه َرب ّ َ ج ُقى وَ ْ } وَي َب ْ َ
ه { ] القصص ، [ 88 : جهَ ُ ك ِإل وَ ْ هال ِ ٌيٍء َ ش ْ ل َ وهذه الية كقوله تعالى } :ك ُ ّ
ْ
ل َوالك َْرام ِ جل ِوقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الية الكريمة بأنه } ُذو ال َ
صب ِْر{ أي :هو أهل أن يجل فل يعصى ،وأن يطاع فل يخالف ،كقوله َ } :وا ْ
ه { ] الكهف 28 : جهَ ُ
ن وَ ْدو َ ري ُ ي يُ ِش ّ داةِ َوال ْعَ ِ م ِبال ْغَ َ ن َرب ّهُ ْ عو َن ي َد ْ ُ ذي َ معَ ال ّ ِ ك َ س َ ف َ نَ ْ
جهِ اللهِ { ] النسان : ّ م ل ِوَ ْ ُ
مك ْ ْ
ما ن ُطعِ ُ [ ،وكقوله إخبارا عن المتصدقين } :إ ِن ّ َ
[9
ل َوالكَرام ِ { ذو العظمة والكبرياء. ْ جل ِ ْ
قال ابن عباس ُ } :ذو ال َ
ولما أخبر عن تساوي أهل الرض كلهم في الوفاة ،وأنهم سيصيرون إلى
َ
الدار الخرة ،فيحكم فيهم ذو الجلل والكرام بحكمه العدل قال } :فَب ِأ ّ
ي
ْ
ن {. ما ت ُك َذ ّ ََبا ِآلِء َرب ّك ُ َ
ن { وهذا شأ ٍ ل ي َوْم ٍ هُوَ ِفي َ ض كُ ّ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َن ِفي ال ّ م ْه َ سأل ُ ُ وقوله } :ي َ ْ
إخبار عن غناه عما سواه وافتقار الخلئق إليه في جميع النات ،وأنهم
يسألونه بلسان حالهم وقالهم ،وأنه كل يوم هو في شأن.
__________
) (1زيادة من أ.
) (2في م " :فان".
) (3في م " :استغيث".
) (7/494
ل يوم هو في َ ْ
ن{، شأ ٍ قال العمش ،عن مجاهد ،عن عبيد بن عمير } :ك ُ ّ َ ْ ٍ ُ َ ِ
قال :من شأنه أن يجيب داعيا ،أو يعطي سائل أو يفك عانيا ،أو يشفي
سقيما.
وقال ابن أبي نجيح ،عن مجاهد قال :كل يوم هو يجيب داعيا ،ويكشف كربا
،ويجيب مضطرا ويغفر ذنبا.
وقال قتادة :ل يستغني عنه أهل السموات والرض ،يحيي حيا ،ويميت
ميتا ،ويربي صغيرا ،ويفك أسيرا ،وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ،
ومنتهى شكواهم.
ي ،حدثنا حرير بن مص ّح ْ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا أبو اليمان ال ِ
سوَْيد بن جبلة -هو الفزاري -قال :إن ربكم كل يوم هو في عثمان ،عن ُ
شأن ،فيعتق رقابا ،ويعطي رغابا ،ويقحم عقابا.
وقال ابن جرير :حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغُّزي ،حدثني إبراهيم
كسكي ) ، (1حدثنا س ْبن محمد بن يوسف الفريابي ،حدثني عمرو بن بكر ال ّ
الحارث بن عبدة بن رباح الغساني ،عن أبيه ،عن منيب بن عبد الله بن
منيب الزدي ،عن أبيه قال :تل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الية :
ل يوم هو في َ ْ
ن { ،فقلنا :يا رسول الله ،وما ذاك الشأن ؟ قال : شأ ٍ } كُ ّ َ ْ ٍ ُ َ ِ
"أن يغفر ذنبا ،ويفرج كربا ،ويرفع قوما ،ويضع آخرين ).(3) " (2
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا هشام بن عمار ،وسليمان بن أحمد
صِبيح الثقفي أبو روح الدمشقي - الواسطي قال حدثنا الوزير ) (4بن َ
حلَبس ،يحدث عن أم ْ والسياق لهشام -قال :سمعت يونس بن ميسرة بن َ
الدرداء عن أبي الدرداء ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :قال الله عز
ل يوم هو في َ ْ
ن { قال " :من شأنه أن يغفر ذنبا ،ويفرج شأ ٍ وجل } :ك ُ ّ َ ْ ٍ ُ َ ِ
كربا ،ويرفع قوما ،ويضع آخرين ).(6) " (5
وقد رواه ابن عساكر من طرق متعددة ،عن هشام بن عمار ،به .ثم ساقه
صِبيح قال :ودلنا عليه من حديث أبي همام الوليد بن شجاع ،عن الوزير بن َ
مطّرف ،عن الشعبي ،عن أم الدرداء ،عن أبي الوليد بن مسلم ،عن ُ
الدرداء ،عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره .قال :والصحيح الول .يعني
إسناده الول ).(7
قلت :وقد روي موقوفا ،كما ) (8علقه البخاري بصيغة الجزم ،فجعله من
كلم أبي الدرداء ) ، (9فالله أعلم.
__________
) (1في م " :الشكسي".
) (2في أ " :قوما".
) (3تفسير الطبري ) (27/79ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )
" (3401مجمع البحرين" والبزار في مسنده برقم )" (2266كشف الستار"
من طريق عمرو بن بكر السكسكي -وهو متروك -عن الحارث بن عبدة به.
) (4في م " :أبو رزين".
) (5في أ :قوما".
) (6رواه ابن ماجه برقم ) (202من طريق هشام بن عمار به.
قال البوصيري في الزوائد )" : (1/88هذا إسناد حسن لتقاصر الوزير عن
درجة الحفظ والتقان".
) (7تاريخ دمشق )" (17/771القسم المخطوط"(.
) (8في م ،أ " :وقد".
) (9صحيح البخاري )" (8/620فتح" ،ورواه البيهقي في شعب اليمان
موصول برقم ) (1102من طريق إسماعيل بن عبد الله عن أم الدرداء عن
أبي الدرداء موقوفا.
) (7/495
َ َ م أ َي َّها الث ّ َ
ن
ج ّشَر ال ْ ِ معْ َ ن )َ (32يا َ ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (31فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ قَل ِ فُرغُ ل َك ُ ْ سن َ ْ َ
ذوا لَ ف ُض َفان ْ ُ رَ لْ وا ت وا ما س ال ر طاَ ْ ق َ أ ن م ذوا ُ ُ ف ن ت ن َ أ م ت ع َ ط ت س ْ
َ ْ ِ ِ ّ َ َ ِ ْ ِ ْ َ ْ ْ ْ ُ َ َوا ِ ِ ِ ِ ْ
ا ن إ س ْ ن ل
واظٌ َ َ َ َ َ ْ
ش َما ُ ل عَلي ْك ُ َ س ُن ) (34ي ُْر َ ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (33فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ سلطا ٍ ن إ ِّل ب ِ ُ ذو َ ف ُ ت َن ْ ُ
َ َ َ َ
ن )(36 ما ت ُك َذ َّبا ِن ) (35فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ صَرا ِ س فَل ت َن ْت َ ِ حا ٌ ن َنارٍ وَن ُ َ م ْ ِ
وقال البزار :حدثنا محمد بن المثنى ،حدثنا محمد بن الحارث ،حدثنا محمد
بن عبد الرحمن بن البيلماني ،عن أبيه عن ابن عمر ،عن النبي صلى الله
ل يوم هو في َ ْ
ن { ،قال " :يغفر ذنبا ،ويكشف كربا" )
شأ ٍ عليه وسلم } :ك ُ ّ َ ْ ٍ ُ َ ِ
.(1
ثم قال ابن جرير :وحدثنا أبو ك َُرْيب ،حدثنا عبيد الله بن موسى ،عن أبي
جب َْير ،عن ابن عباس ،أن الله خلق لوحا
مالي ،عن سعيد بن ُ حمزة الث ّ َ
محفوظا من درة بيضاء ،دّفتاه ياقوتة حمراء ،قلمه نور ،وكتابه نور ،عرضه
ما بين السماء والرض ،ينظر فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة ،يخلق في
كل نظرة ،ويحيي ويميت ،ويعز ويذل ،ويفعل ما يشاء ).(2
ْ َ م أ َي َّها الث ّ َ
نِ ّج ل ا ر َ
ن )َ ْ َ َ 32
ش ع م يا ( ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (31فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ قل ِ فُرغ ُ ل َك ُ ْ سن َ ْ} َ
ن أقْ َ َ َ
ذوا ل ف ُض َفان ْ ُ ت َوالْر ِ وا ِ م َ س َ طارِ ال ّ م ْذوا ِ ف ُن ت َن ْ ُ مأ ْ ست َط َعْت ُ ْ نا ْ س إِ ِ َوالن ْ ِ
وا ٌ َ
ظ ش َ ما ُ ل عَل َي ْك ُ َ س ُ ن ) (34ي ُْر َ ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (33فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ طا ٍ سل ْ َ ن ِإل ب ِ ُ ذو َ ف ُ ت َن ْ ُ
َ
ن ).{ (36 ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (35فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ صَرا ِ س َفل ت َن ْت َ ِ حا ٌ ن َنارٍ وَن ُ َ م ْ ِ
َ َ
م أي َّها فُرغُ لك ُ ْ سن َ ْ قال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس في قوله َ } :
ن { ،قال :وعيد من الله للعباد ،وليس بالله شغل وهو فارغ .وكذا قل ِ الث ّ َ
قال الضحاك :هذا وعيد .وقال قتادة :قد دنا من الله فراغ لخلقه .وقال ابن
م { أي :سنقضي لكم. فُرغ ُ ل َك ُ ْ سن َ ْجريج َ } :
وقال البخاري :سنحاسبكم ) ، (3ل يشغله شيء عن شيء ،وهو معروف
في كلم العرب ،يقال ) (4لتفرغن لك" وما به شغل ،يقول " :لخذنك على
ِغّرتك )." (5
ن { الثقلن :النس والجن ،كما جاء في الصحيح : قل ِ وقوله } :أ َي َّها الث َ
ّ
"يسمعها كل شيء إل الثقلين" وفي رواية " :إل الجن والنس" .وفي حديث
َ
ن {. ما ت ُك َذ َّبا ِ الصور " :الثقلن النس والجن" } فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ
طاِر ن أ َقْ َ م ْ ذوا ِ ف ُن ت َن ْ ُ شر ال ْجن والنس إن استط َعت َ
مأ ْ ِ ّ َ ْ ِ ِ ِ ْ َ ُْ ْ معْ َ َ ثم قال َ } :يا َ
ن { أي :ل تستطيعون هربا طا ٍ سل ْ َ ن ِإل ب ِ ُ ذو َ ف ُ ذوا ل ت َن ْ ُ ف ُض َفان ْ ُ ت َوالْر ِ وا ِ م َس َ ال ّ
من أمر الله وقدره ،بل هو محيط بكم ،ل تقدرون على التخلص من حكمه ،
ول النفوذ عن حكمه فيكم ،أينما ذهبتم أحيط بكم ،وهذا في مقام المحشر ،
الملئكة محدقة بالخلئق ،سبع صفوف من كل جانب ،فل يقدر أحد على
ن َ قو ُ سل ْ َ
مئ ِذ ٍ أي ْ َ ن ي َوْ َ سا ُ ل الن ْ َ ن { أي :إل بأمر الله } ،ي َ ُ طا ٍ الذهاب } ِإل ب ِ ُ
قّر { ] القيامة .[ 12 - 10 :وقال ست َ َ
م ْ ْ
مئ ِذٍ ال ُ َ
كل ل وََزَر .إ ِلى َرب ّك ي َوْ َ َ فّرَ . م َ ال ْ َ
ن
م َم ِ ما ل َهُ ْ ة َ م ذِل ّ ٌ قهُ ْ مث ْل َِها وَت َْرهَ ُ سي ّئ َةٍ ب ِ ِجَزاُء َ ت َ سي َّئا ِ سُبوا ال ّ ن كَ َ ذي َ تعالى َ } :وال ّ ِ
َ ما أول َئ ِ َ ُ ُ َ
ب
حا ُ ص َ كأ ْ مظ ْل ِ ً ل ُ ن الل ّي ْ ِ م َ م قِط ًَعا ِ جوهُهُ ْ ت وُ ُ شي َ ْ ما أغْ ِ صم ٍ ك َأن ّ َ عا ِ ن َ م ْ الل ّهِ ِ
ن { ] يونس [ 27 : دو َ خال ِ ُ م ِفيَها َ الّنارِ هُ ْ
__________
) (1مسند البزار برقم )" (2268كشف الستار" .قال ابن حجر " :البيلماني
ضعيف".
) (2تفسير الطبري ).(27/79
) (3في م " :سيحاسبكم".
) (4في أ " :يقول".
) (5في م " :غرة".
) (7/496
ن {. س َفل ت َن ْت َ ِ
صَرا ِ حا ٌ
ن َنارٍ وَن ُ َ
م ْ وا ٌ
ظ ِ ش َ ل عَل َي ْك ُ َ
ما ُ س ُ
؛ ولهذا قال } :ي ُْر َ
قال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس :الشواظ :هو لهب النار.
وقال سعيد بن جبير ،عن ابن عباس :الشواظ :الدخان.
وقال مجاهد :هو :اللهيب ) (1الخضر المنقطع .وقال أبو صالح الشواظ هو
ن
م ْ
ظ ِوا ٌ اللهيب ) (2الذي فوق النار ودون الدخان .وقال الضحاك ُ } :
ش َ
َنارٍ { سيل من نار.
س{حا ٌس { قال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس } :وَن ُ َ حا ٌ وقوله } :وَن ُ َ
دخان النار .وروي مثله عن أبي صالح ،وسعيد بن جبير ،وأبي سنان.
قال ابن جرير :والعرب تسمي الدخان نحاسا -بضم النون وكسرها -
والقراء ) (3مجمعة على الضم ،ومن النحاس بمعنى الدخان قول نابغة
حاسا ه فيه ن ُ َجَعل الل ُ سِليـ ...ـط لم ي َ ْ ضوِء سراج ال ّ ضيُء ك َ َ جعدة ) (4ي ُ ِ
يعني :دخانا ،هكذا قال ).(5
جوي َْبر ،عن الضحاك ؛ أن نافع بن الزرق سأل وقد روى الطبراني من طريق ُ
ابن عباس عن الشواظ فقال :هو اللهب الذي ل دخان معه .فسأله شاهدا
على ذلك من اللغة ،فأنشده قول أمية بن أبي الصلت في حسان :
ظ... ب ) (6إلى عُ َ
كا ِ ة تد ّ مغَْلغل ً سان عَّنيُ ... ح ّ مبلغٌ َ أل من ُ
فاظ... ح َ
سل في ال َ دى ) (7القيَنات فَ ْ َ َ
أليس أُبوك ِفيَنا كان َقيًنا ...ل َ
شواظ... ب ال ّ َ
كيًرا ...وينفخ دائًبا لهَ َ مان ِّيا يظل َيشد ُ )ِ (8 يَ َ
قال :صدقت ،فما النحاس ؟ قال :هو الدخان الذي ل لهب له .قال :فهل
تعرفه العرب ؟ قال :نعم ،أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول )(9
حاسا )(10 ه فيه ن ُ َ جَعل الل ُ م يَ ْسليط ...ل َ ْ سراج ال ّ ضوء َ ضيُء ك َ َ
يُ ِ
فر ،يذاب ) (11فيصب على رؤوسهم .وكذا قال ص ّوقال مجاهد :النحاس :ال ّ
قتادة .وقال
__________
) (1في م ،أ " :اللهب".
) (2في م ،أ " :اللهب".
) (3في م " :القراءة".
) (4في م ،أ "نابغة بني جعدة" وفي تفسير الطبري " :نابغة بني ذبيان" ولم
أجده في ديوانه ،والبيت في مجاز القرآن لبي عبيدة منسوبا للنابغة الجهدي
، 245 ، 2/244والبيت أيضا في ديوان الجعدي واللسان ،مادة "نحس"
مستفادا من هامش ط .الشعب.
) (5تفسير الطبري ).(27/81
) (6في م " :يدب".
) (7في م " :إلى".
) (8في م " :يشب".
) (9كذا ،وقد سبق تخريج البيت ونسبته إلى الجعدي.
) (10المعجم الكبير ) (10/305وفيه جويبر وهو متروك لم يلق ابن عباس.
) (11في م " :المذاب".
) (7/497
َ َ
ما ت ُك َذ َّبا ِ
ن )(38 ن ) (37فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ ها ِ ت وَْرد َة ً َ
كالد ّ َ كان َ ْ ماُء فَ َ س َ
ت ال ّ ق ِش ّ فَإ َِذا ان ْ َ
َ ُ َ َ َ َ َ َ
ن )(40 ما ت ُكذ َّبا ِ ن ) (39فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ جا ّ
س وَل َ ن ذ َن ْب ِهِ إ ِن ْ ٌ
ل عَ ْسأ ُمئ ِذ ٍ ل ي ُ ْفَي َوْ َ
) (7/498
) (7/498
في صفاء الدهن .وقال ]أبو صالح[ ) (1بن جريج :تصير السماء كالدهن
الذائب ،وذلك حين ُيصيبها حر جهنم.
ن { ،وهذه كقوله } :هَ َ
ذا جا ّ س َول َ ن ذ َن ْب ِهِ إ ِن ْ ٌل عَ ْ سأ َ ُ مئ ِذ ٍ ل ي ُ ْ وقوله } :فَي َوْ َ
ن { ] المرسلت ، [ 36 ، 35 :فهذا م فَي َعْت َذُِرو َ ن ل َهُ ْ نَ .ول ي ُؤْذ َ ُ قو َ م ل ي َن ْط ِ ُي َوْ ُ
م حال يسأل الخلئق فيها عن جميع أعمالهم ،قال الله تعالى : في حال ،وث َ ّ
ُ َ َ َ
ن { ] الحجر [ 93 ، 92 :؛ ملو َ كاُنوا ي َعْ َ ما َ ن .عَ ّ مِعي َ ج َمأ ْ سألن ّهُ ْ ك ل َن َ ْ} فَوََرب ّ َ
َ
ن { ،قال :قد جا ّ ن ذ َن ْب ِهِ إ ِن ْ ٌ
س َول َ ل عَ ْ سأ ُ مئ ِذ ٍ ل ي ُ ْ ولهذه قال قتادة } :فَي َوْ َ
كانت مسألة ،ثم ختم على أفواه القوم ،وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا
يعملون.
قال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس :ل يسألهم :هل عملتم كذا وكذا ؟
لنه أعلم بذلك منهم ،ولكن يقول :لم عملتم كذا وكذا ؟ فهو قول ثان.
وقال مجاهد في هذه الية :ل يسأل الملئكة عن المجرم ،ي ُعَْرُفون
بسيماهم.
وهذا قول ) (2ثالث .وكأن هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النار ،فذلك الوقت ل
يسألون عن ذنوبهم ،بل يقادون إليها ) (3ويلقون فيها ،كما قال تعالى :
م { أي :بعلمات تظهر عليهم. ماهُ ْ سي َ ن بِ ِ مو َ جرِ ُ م ْ ف ال ْ ُ } ي ُعَْر ُ
وقال الحسن وقتادة :يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون.
قلت :وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء.
دام ِ { أي :تجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ، صي َوالقْ َ وا ِ خذ ُ ِبالن ّ َ وقوله } :فَي ُؤْ َ
ويلقونه في النار كذلك.
وقال العمش عن ابن عباس :يؤخذ بناصيته وقدمه ) ، (4فيكسر كما يكسر
الحطب في التنور.
وقال الضحاك :يجمع بين ناصيته وقدميه ) (5في سلسلة من وراء ظهره.
وقال السدي :يجمع بين ناصية الكافر وقدميه ،فتربط ناصيته بقدمه ،وُيفتل
ظهره.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ،حدثنا معاوية
بن سلم ،عن أخيه زيد بن سلم أنه سمع أبا سلم -يعني جده -أخبرني
عبد الرحمن ،حدثني رجل من كندة قال :أتيت عائشة فدخلت عليها ،وبيني
وبينها حجاب ،فقلت :حدثك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأتي عليه
ساعة ل يملك لحد فيها شفاعة ؟ قالت :نعم ،لقد سألته عن هذا وأنا وهو
شَعار واحد ،قال " :نعم حين يوضع الصراط ،ول أملك لحد فيها شفاعة في ِ
،حتى أعلم أين يسلك بي ؟ ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه ،حتى أنظر ماذا
يفعل بي -أو قال :يوحى -وعند الجسر حين يستحد ويستحر" فقالت :وما
يستحد وما يستحر ؟ قال " :يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف ،ويستحر
حتى يكون
__________
) (1زيادة من أ.
) (2في م " :جواب".
) (3في م " :إلى النار".
) (4في أ " :قدميه".
) (5في أ " :قدمه".
) (7/499
َ َ َ
ن) ن )َ (47ذ ََواَتا أفَْنا ٍ ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (46فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ جن َّتا ِ م َرب ّهِ َ قا َ م َ ف َ خا َ من َ ول ِ َ
ن ) (50فَب ِأيّ آ ََلِء َرب ّك َُ
ما يا ر ج ت ن نا يع ماه في (49 ) ن با ّ ذَ ك ت ما ُ ك ب ر ِ ء لَ َ آ يَْ (48فَبأ َ
ِ ِ َ َ ْ َ ِ َ ْ َِ َ ِ َ ّ َ ُ َ ِ ِ ّ
َ ُ َ َ ُ
ن )(53 باّ ذ كت
َ ّ َ ُ َ ِ ما ك ب ر ِ ءل آ ي
ِ ّأبَ ف ( 52 ) ن جا و ز ة
َِ ٍ َ ْ َ ِهكفاَ ّ
ل ك ن م ما
ِ ِ َ ِ ْ ه في ( 51 ن) ت ُك َذ َّبا ِ
مثل الجمرة ،فأما المؤمن فيجيزه ل يضره ،وأما المنافق فيتعلق حتى إذا
بلغ أوسطه خر من قدمه فيهوي بيده إلى قدميه ،فتضربه الزبانية بخطاف
في ناصيته وقدمه ،فتقذفه في جهنم ،فيهوي ) (1فيها مقدار خمسين
عاما" .قلت :ما ثقل الرجل ؟ قالت :ثقل عشر خلفات سمان ،فيومئذ
يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والقدام.
هذا حديث غريب ]جدا[ ) ، (2وفيه ألفاظ منكر رفعها ،وفي السناد من لم
م ،ومثله ل يحتج به ) ، (3والله أعلم. س ّيُ َ
ن { أي :هذه النار التي كنتم مو َ جرِ ُ
م ْ ب ب َِها ال ْ ُ م ال ِّتي ي ُك َذ ّ ُ جهَن ّ ُ وقوله } :هَذِهِ َ
تكذبون بوجودها ها هي حاضرة تشاهدونها عياًنا ،يقال لهم ذلك تقريعا
وتوبيخا وتصغيرا وتحقيرا.
ن { أي :تارة يعذبون في الجحيم ، ميم ٍ آ ٍ ح ِ ن َ ن ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ طوُفو َ وقوله } :ي َ ُ
وتارة يسقون من الحميم ،وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب ،يقطع
س ُ
ل َ غل ُ المعاء والحشاء ،وهذه كقوله تعالى } :إ ِذِ ال ْ
سل ِ م َوال ّ ل ِفي أعَْناقِهِ ْ
ن { ] غافر .[ 72 ، 71 : جُرو َ س َ م ِفي الّنارِ ي ُ ْ ميم ِ ث ُ ّ ح ِنِ .في ال ْ َ حُبو َ س َيُ ْ
وقوله } :آن { أي :حار وقد بلغ الغاية في الحرارة ،ل يستطاع من شدة
ذلك.
ْ
ن { قد انتهى غليه ، ميم ٍ آ ٍ ح ِ ن َ ن ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ ُ ُ
قال ابن عباس في قوله } :ي َطوفو َ
واشتد حّره .وكذا قال مجاهد ،وسعيد بن جبير ،والضحاك ،والحسن ،
والثوري ،والسدي.
وقال قتادة :قد أَنى طبخه منذ خلق الله السموات والرض .وقال محمد بن
ك بناصيته في ذلك الحميم ،حتى يذوب )(4 كعب القرظي :يؤخذ العبد فيحّر ُ
اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس .وهي كالتي يقول الله تعالى :
ن { .والحميم الن :يعني الحار .وعن جُرو َ س َم ِفي الّنارِ ي ُ ْ ميم ِ ث ُ ّ ح ِ} ِفي ال ْ َ
ن { أي :حاضر .وهو قول ابن زيد أيضا ، ميم ٍ آ ٍ ح ِ القرظي رواية أخرى َ } :
والحاضر ،ل ينافي ما روي عن القرظي أول أنه الحار ،كقوله تعالى :
ن آن ِي َةٍ { ] الغاشية [ 5 :أي حارة شديدة الحر ل تستطاع. ن عَي ْ ٍ م ْ قى ِ س َ } تُ ْ
ن إ َِناه ُ { ] الحزاب [ 53 :يعني :استواءه ونضجه. ري َ وكقوله } :غَي َْر َناظ ِ ِ
ن { أي :حميم حار جدا .ولما كان معاقبة العصاة )(5 ميم ٍ آ ٍ ح ِ فقوله َ } :
المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه ،وكان
إنذاره لهم عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي
َ
ن {. ما ت ُك َذ َّبا ِ وغير ذلك ،قال ممتنا بذلك على بريته } :فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ
َ
َ
نن ) (َ 47ذ ََواَتا أفَْنا ٍ ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (46فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ جن َّتا ِ م َرب ّهِ َ قا َ م َ ف َ خا َ ن َ
َ م ْ } وَل ِ َ
مان ) (50فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ ج َرَِيا ِن تَ ْ ما عَي َْنا ِ ن )ِ (49فيهِ َ ما ت ُك َذ َّبا ِ ) (48فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ
ن) ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (52فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ جا ِ ل َفاك ِهَةٍ َزوْ َ ن كُ ّ م ْ ما ِ ن )ِ (51فيهِ َ ت ُك َذ َّبا ِ
.{ (53
__________
) (1في م " :فهوى".
) (2زيادة من م.
) (3رواه عبد الرزاق في المصنف كما في الدر المنثور ) (7/704عن رجل
من كنده بنحوه.
) (4في م " :حتى تذوب".
) (5في أ " :العاصين".
) (7/500
مقا َ م َف َ خا َ ن َ م ْ وذب ،وعطاء الخراساني :نزلت هذه الية } :وَل ِ َ ش ْ قال ابن َ
ن { في أبي بكر الصديق. جن َّتا َِرب ّهِ َ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا محمد بن مصفى ،حدثنا َبقّية ،عن
م
قا َ م َف َ خا َ ن َ م ْ أبي بكر بن أبي مريم ،عن عطية بن قيس في قوله } :وَل ِ َ
ن { :نزلت في الذي قال :أحرقوني بالنار ،لعلي أضل الله ،قال : جن َّتا َِرب ّهِ َ
تاب يوما وليلة بعد أن تكلم بهذا ،فقبل الله منه وأدخله الجنة.
والصحيح أن هذه الية عامة كما قاله ابن عباس وغيره ،يقول تعالى :ولمن
نس عَ ِ ف َ خاف مقامه بين يدي الله ،عز وجل ،يوم القيامة } ،وَن ََهى الن ّ ْ
وى { ] النازعات ، [ 40 :ولم يطغ ،ول آثر الدنيا ،وعلم أن الخرة خير ال ْهَ َ
وأبقى ،فأدى فرائض الله ،واجتنب محارمه ،فله يوم القيامة عند ربه جنتان
،كما قال البخاري ،رحمه الله.
مي ، حدثنا عبد الله بن أبي السود ،حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العَ ّ
وني ،عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ،عن أبيه ؛ أن ج ْ مران ال َ ع ْ حدثنا أبو ِ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :جنتان من فضة ،آنيتهما وما فيهما ،
وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ،وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم
عز وجل إل رداُء الكبرياء على وجهه في جنة عدن".
وأخرجه بقية الجماعة إل أبا داود ،من حديث عبد العزيز ،به ).(1
وقال حماد بن سلمة ،عن ثابت ،عن أبي بكر بن أبي موسى ،عن أبيه -
ه
م َرب ّ ِ قا َ م َ
ف َ خا َ ن َ م ْ قال حماد :ول أعلمه إل قد رفعه -في قوله تعالى } :وَل ِ َ
ن { ]قال [ (2) :جنتان من ذهب جن َّتا ِ
ما َ ن ُدون ِهِ َ م ْ ن { ،وفي قوله } :وَ ِ جن َّتا ِ
َ
للمقربين ،وجنتان من وِرق لصحاب اليمين.
وقال ابن جرير :حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري ) ، (3حدثنا ابن أبي
مَلة ،عن عطاء بن حْر َ
مريم ،أخبرنا محمد بن جعفر ،عن محمد بن أبي َ
سار ،أخبرني أبو الدرداء ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوما يَ َ
ن { ،فقلت :وإن زنى أو سرق ؟ تان ج ه ب ر م قا
َِ َ ْ َ َ َ َ َ ّ ِ َ َّ ِ َ م ف خا ن مل و } : الية هذه
ن { ،فقلت :وإن زنى وإن سرق ؟ جن َّتا ِ م َرب ّهِ َ قا َم َف َ خا َ ن َ م ْ فقال } :وَل ِ َ
ن { .فقلت :وإن زنى وإن سرق يا جن َّتا ِ م َرب ّهِ َ قا َم َف َ خا َ ن َ م ْ فقال } :وَل ِ َ
رسول الله ؟ فقال " :وإن رغم أنف أبي الدرداء".
مَلة ،به ) (4ورواه النسائي أيضا حْر َورواه النسائي من حديث محمد بن أبي َ
جَريري ،عن موسى ،عن مل ) (5بن هشام ،عن إسماعيل ،عن ال ُ عن مؤ ّ
محمد بن سعد بن أبي وقاص ،عن أبي الدرداء ،به ) .(6وقد روي موقوًفا
نعلى أبي الدرداء .وروي عنه أنه قال :إن من خاف مقام ربه لم يْز ِ
__________
) (1صحيح البخاري برقم ) (4878وصحيح مسلم برقم ) (180وسنن
الترمذي برقم ) (2528والنسائي في السنن الكبرى برقم ) (7765وسنن
ابن ماجه برقم ).(186
) (2زيادة من أ.
) (3في م " :المقري".
) (4تفسير الطبري )" (5/490ط .المعارف" ،والنسائي في السنن الكبرى
برقم ).(11560
) (5في أ " :موسى".
) (6النسائي في السنن الكبرى برقم ).(11561
) (7/501
ولم يسرق.
وهذه الية عامة في النس والجن ،فهي من أدل دليل على أن الجن يدخلون
الجنة إذا آمنوا واتقوا ؛ ولهذا امتن الله تعالى على الثقلين بهذا الجزاء فقال :
َ
ن {. ما ت ُك َذ َّبا ِ
ن .فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ جن َّتا ِ م َرب ّهِ َقا َ
م َ
ف َ خا َ ن َ م ْ} وَل ِ َ
َ
ضَرة حسنة ، ن { أي :أغصان ن َ ِ ثم نعت هاتين الجنتين فقال } :ذ ََواَتا أفْ ََنا ٍ
ن { .هكذا )(1 َ
ما ت ُكذ َّبا ِ ُ
تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة } ،فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ
ضهاجر يمس بع ُ قال عطاء الخراساني وجماعة :إن الفنان أغصان الش َ
بعضا.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا عمرو بن علي ،حدثنا مسلم بن قتيبة
َ
ن{، ،حدثنا عبد الله بن النعمان ،سمعت عكرمة يقول } :ذ ََواَتا أفَْنا ٍ
ظل الغصان على الحيطان ،ألم تسمع قول الشاعر حيث يقول : يقول ِ :
ماما... ح َ صون َ عو على فََنن الغُ ُ ة ...ت َد ْ ُ
م ٍ
ما َح َ هديل َ ك من َ شوقَ َ ج َ ما ها َ
خين صادف طاويا ...ذا مخلبين من الصقور َقطاما )(2 عو أبا فَْر َ ت َد ْ ُ
وحكى البغوي ،عن مجاهد ،وعكرمة ،والضحاك ،والكلبي :أنه الغصن
المستقيم )] (3طوال[ ).(4
قال :وحدثنا أبو سعيد الشج ،حدثنا عبد السلم بن حرب ،حدثنا عطاء بن
َ
ن { :ذواتا ألوان. السائب ،عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس } :ذ ََواَتا أفَْنا ٍ
صيف ، خ َ قال :و ]قد[ ) (5روي عن سعيد بن جبير ،والحسن ،والسدي ،و ُ
سَنان مثل ذلك .ومعنى هذا القول أن فيهما والنضر بن عربي ) ، (6وأبي ِ
فنونا من الملذ ،واختاره ابن جرير.
وقال عطاء :كل غصن يجمع فنونا من الفاكهة ،وقال الربيع بن أنس :
َ
ن { :واسعتا الفناء. } ذ ََواَتا أفَْنا ٍ
وكل هذه القوال صحيحة ،ول منافاة بينها ،والله أعلم .وقال قتادة } :ذ ََواَتا
َ
ن { ينبئ بسعتها وفضلها ) (7ومزيتها على ما سواها. أفَْنا ٍ
وقال محمد بن إسحاق ،عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ،عن أبيه ،
عن أسماء ) (8قالت :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وذكر
فَنن منها الراكب مائة سنة -أو سدرة المنتهى -فقال " :يسير في ظل ال َ
فَنن منها مائة راكب -فيها فراش الذهب ،كأن قال :يستظل في ظل ال َ
قلل". ثمرها ال ِ
__________
) (1في أ " :وكذا".
) (2رواه عبد بن حميد وابن المنذر وأبو بكر بن حيان في الفنون وابن
النباري في الوقف والبتداء كما في الدر المنثور ).(7/709
) (3في م " :الغصن المنيف طول".
) (4زيادة من أ.
زيادة من م. )(5
في أ " :عدي". )(6
في م " :بفضلها وسعتها". )(7
في م " :أسماء بنت يزيد" ،وفي ا " :أسماء بنت أبي بكر". )(8
) (7/502
) (7/503
) (7/504
وقال المام أحمد :حدثنا عفان ،حدثنا حماد بن سلمة ،أخبرنا يونس ،عن
رين ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سي ِمحمد بن ِ
"للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين ،على كل واحدة سبعون
حلة ُ ،يرى مخ ساقها من وراء الثياب".
تفرد به المام أحمد من هذا الوجه ) .(1وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل
بن عُل َّية ،عن أيوب ،عن محمد بن سيرين قال :إما تفاخروا وإما تذكروا ،
الرجال أكثر في الجنة أم النساء ؟ فقال أبو هريرة :أو لم يقل أبو القاسم
صلى الله عليه وسلم " :إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة
وأ كوكب د ُّري في السماء ،لكل امرئ منهم ض َ
البدر ،والتي تليها على أ ْ
زوجتان اثنتان ،ي َُرى مخ سوقهما من وراء اللحم ،وما في الجنة أعزب" ).(2
عة ، من َّبه وأبي ُزْر َمام بن ُ ج في الصحيحين ،من حديث هَ ّ خّر ٌ
م َ وهذا الحديث ُ
عن أبي هريرة رضي الله عنه ).(3
وقال المام أحمد :حدثنا أبو النضر ،حدثنا محمد بن طلحة ،عن حميد عن
أنس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ل َغَد ْوَةٌ في سبيل الله أو
ب قوس أحدكم -أو موضع قيده )- (4 قا ُ روحة خير من الدنيا وما فيها ،وَل َ َ
يعني :سوطه -من الجنة خير من الدنيا وما فيها ،ولو اطلعت امرأة من
نساء أهل الجنة إلى الرض لملت ما بينهما ريحا ،ولطاب ما بينهما ،
صيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها". ولن َ ِ
ورواه البخاري من حديث أبي إسحاق ،عن حميد ،عن أنس بنحوه ).(5
ن { أي :ما لمن أحسن في الدنيا سا ُح َ ن ِإل ال ْ سا ِح َ
جَزاُء ال ْ ل َ وقوله } :هَ ْ
نذي َ ّ
العمل ) (6إل الحسان إليه في الدار الخرة .كما قال تعالى } :ل ِل ِ
َ
سَنى وَزَِياد َة ٌ { ] يونس .[ 26 : ح ْسُنوا ال ْ ُ ح َ أ ْ
حي ،حدثنا أبو إسحاق الثعلبي ،أخبرني شري ِ وقال البغوي :أخبرنا أبو سعيد ال ّ
ويه ،حدثنا ابن شيبة ،حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن ب َهَْرام ،حدثنا ج َابن َفن ُ
شر بن الحسين ،عن الزبير بن عَدِيّ ، مك َْتب ،حدثنا ب ِ ْ الحجاج بن يوسف ال ُ
جَزاُءل َ عن أنس بن مالك قال :قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم } :هَ ْ
ن { ،قال " :هل تدرون ما قال ربكم ؟" قالوا :الله سا ُح َ ن ِإل ال ْ سا ِ
ح َ ال ْ
ورسوله أعلم .قال " :يقول هل جزاء ما أنعمت عليه بالتوحيد إل الجنة" ).(7
ولما كان في الذي ذ ُك َِر نعم عظيمة ل يقاومها عمل ،بل مجرد تفضل
َ
ن {.ما ت ُك َذ َّبا ِ
وامتنان ،قال بعد ذلك كله } :فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ
__________
) (1المسند ).(2/345
) (2صحيح مسلم برقم ).(2834
) (3صحيح البخاري برقم ) (3245وصحيح مسلم برقم ).(2834
) (4في م " :قده" وفي أ " :قدمه".
) (5المسند ) (3/141وصحيح البخاري برقم ).(2796
) (6في م " :العمل في الدنيا".
) (7معالم التنزيل للبغوي ) (7/456وفيه بشر الصبهاني يروي عن الزبير بن
عدي عن أنس بنسخة موضوعة.
) (7/505
َ َ َ
ن ) (64فَب ِأ ّ
ي مَتا ِها ّ
مد ْ َ
ن )ُ (63 ِ ما ت ُك َذ َّبان ) (62فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ جن َّتا ِ
ما َ ن ُدون ِهِ َ م ْوَ ِ
َ َ َ
ن) ن ) (66فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ
ما ت ُك َذ َّبا ِ خَتا ِ ضا َ
ن نَ ّ ما عَي َْنا ِ
ن )ِ (65فيهِ َما ت ُك َذ َّبا ِآَلِء َرب ّك ُ َ
(67
) (7/506
َ َ
ت
خي َْرا ٌ ن َ ن )ِ (69فيهِ ّ ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (68فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ ما ٌ ل وَُر ّ خ ٌ ة وَن َ ْ ما َفاك ِهَ ٌ ِفيهِ َ
ْ َ ُ َ َ َ َ
خَيام ِ )(72
َ
ت ِفي ال ِ صوَرا ٌ ق ُ م ْ حوٌر َ ن )ُ (71 ما ت ُكذ َّبا ِ ن ) (70فب ِأيّ آلِء َرب ّك َ سا ٌ ح َ
َ
ِ
َ َ َ َ َ َ ْ َ َ ُ َ َ
ن ) (74فب ِأيّ آلِء جا ّم وَل َ س قب ْلهُ ْ ن إ ِن ْ ٌ ْ
مثهُ ّ م ي َط ِ ن ) (73ل ْ ّ
ما ت ُكذَبا ِ فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ
َ َ
ن ) (76فَب ِأيّ آَلءِ سا ٍح َ قرِيّ ِ ضرٍ وَعَب ْ َ خ ْ ف ُن عََلى َرفَْر ٍ مت ّك ِِئي َ ن )ُ (75 ما ت ُك َذ َّبا ِ َرب ّك ُ َ
ل َواْل ِك َْرام ِ )(78 جَل ِ ك ِذي ال ْ َ م َرب ّ َ س ُكا ْ ن ) (77ت ََباَر َ ما ت ُك َذ َّبا ِ َرب ّك ُ َ
َ
ت
خي َْرا ٌ ن َ ن )ِ (69فيهِ ّ ما ت ُك َذ َّبا ِ ن ) (68فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ ما ٌ ل وَُر ّ خ ٌ ة وَن َ ْ
َ
ما َفاك ِهَ ٌ } ِفيهِ َ
خَيام ِ )(72 ْ
ت ِفي ال ِ صوَرا ٌ ق ُ م ْ حوٌر َ ن )ُ (71 َ
ما ت ُكذ َّبا ِ ُ
ن ) (70فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ سا ٌ ح َ ِ
ن ) (74فَب ِأ َيّ آلءِ جا ّ س قَب ْل َهُ ْ
م َول َ ٌ ن إ ِن ْ
ّ ُ م ي َط ْ ِ
مث ْه ن ) (73ل َ ْ ِ ما ت ُك َذ َّبا
فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ
َ
ن ) (76فَب ِأ َيّ آلءِ سا ٍح َقرِيّ ِضرٍ وَعَب ْ َ خ ْ ف ُ ن عََلى َرفَْر ٍ مت ّك ِِئي َ
ن )ُ (75 ما ت ُك َذ َّبا َِرب ّك ُ َ
ل َوالك َْرام ِ ).{ (78 جل ِ ك ِذي ال ْ َ م َرب ّ َ س ُكا ْن ) (77ت ََباَر َ ما ت ُك َذ َّبا َِرب ّك ُ َ
هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة بنص
ن {. جن َّتا ِ ما َ ن ُدون ِهِ َ م ْ القرآن ،قال الله تعالى } :وَ ِ
وقد تقدم في الحديث " :جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ،وجنتان من فضة
آنيتهما وما فيهما ،فالوليان ) (1للمقربين ،والخريان ) (2لصحاب اليمين".
__________
) (1في م " :فالولتان".
) (2في م " :والخيرتان".
) (7/506
) (7/507
ضل بن د ُك َْين ،حدثنا سفيان ،عن ف ْ وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي حدثنا ال َ
جَبير ،عن ابن عباس قال :نخل الجنة سعفها كسوة حماد ،عن سعيد بن ُ
حللهم ،وكَرُبها ذهب أحمر ،وجذوعها َ َ قطَعاتهم ،ومنها ُ ّ م َلهل الجنة ،منها ُ
زمرد أخضر ،وثمرها أحلى من العسل ،وألين من الزبد ،وليس له عجم.
وحدثنا أبي :حدثنا موسى بن إسماعيل ،حدثنا حماد -هو ابن سلمة -عن
أبي هارون ،عن أبي سعيد الخدري ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قَتب" ).(1 م ْ
قال " :نظرت إلى الجنة فإذا الّرمانة من رمانها كمثل البعير ال ُ
ن { قيل :المراد خيرات كثيرة حسنة في سا ٌح َت ِ خي َْرا ٌ ن َ ثم قال ِ } :فيهِ ّ
الجنة ،قاله قتادة .وقيل :خيرات جمع خيرة ،وهي المرأة الصالحة الحسنة
خُلق الحسنة الوجه ،قاله الجمهور .وروي مرفوعا عن أم سلمة ) .(2وفي ال ُ
الحديث الخر الذي سنورده في سورة "الواقعة" ) : (3أن الحور العين يغنين
:نحن الخيرات الحسان ،خلقنا لزواج كرام .ولهذا قرأ بعضهم " :فيهن
َ
ن {.ما ت ُك َذ َّبا ِ
ن .فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ سا ٌح َخّيرات" ،بالتشديد } ِ َ
ت ن َقا ِ
صَرا ُ خَيام ِ { ،وهناك قال ِ } :فيهِ ّ ْ
ت ِفي ال ِ صوَرا ٌ ق ُم ْحوٌر َ ثم قال ُ } :
صَرت طرفها بنفسها أفضل ممن ُقصرت ، ف { ،ول شك أن التي قد قَ َ الط ّْر ِ
وإن كان الجميع مخدرات.
قال ابن أبي حاتم :حدثنا عمرو بن عبد الله الودي ،حدثنا وكيع ،عن سفيان
،عن جابر ،عن القاسم بن أبي بّزة ،عن أبي عبيدة ،عن مسروق ،عن
خيرة خيمة ،ولكل خيمة أربعة خيرة ،ولكل َ عبد الله قال :إن لكل مسلم َ
أبواب ،يدخل عليها ) (4كل يوم تحفة وكرامة وهدية لم تكن قبل ذلك ،ل
ماحات ،ول بخرات ول ذفرات ،حور عين ،كأنهن بيض مّراحات ول ط َ ّ َ
مكنون.
خَيام ِ { ،قال البخاري : وقوله ِ } :في ال ْ ِ
حدثنا محمد بن المثنى ،حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ،حدثنا أبو عمران
الجوني ،عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ،عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال " :إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة ،عرضها ستون
ل ما َيرون الخرين ،يطوف عليهم المؤمنون". ) (5ميل في كل زاوية منها أه ٌ
ورواه أيضا من حديث أبي عمران ،به ) .(6وقال " :ثلثون ميل" .وأخرجه
ة من مسلم من حديث أبي عمران ،به .ولفظه " :إن للمؤمن في الجنة لخيم ً
لؤلؤة واحدة مجوفة ،طولها ستون ميل
__________
) (1رواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج الحياء ) (6/2787وابن عساكر
في تاريخ دمشق كما في تهذيبه ) (5/462من طريق أبي هارون العبدي به.
وأبو هارون العبدي اسمه عمارة بن جوين كذبه بعض الئمة.
) (2رواه الطبراني في المعجم الكبير ) (23/367مطول وفيه سليمان بن
أبي كريمة وهو ضعيف.
) (3عند تفسير اليات 38 - 35من نفس السورة.
) (4في م " :عليهم".
) (5في أ " :سبعون".
) (6صحيح البخاري برقم ).(3243) ، (4879
) (7/508
للمؤمن فيها أهل ) (1يطوف عليهم المؤمن ،فل يرى بعضهم بعضا" ).(2
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا الحسن بن أبي الربيع ،حدثنا عبد الرّزاق ،أخبرنا
صري ،عن أبي الدرداء قال :الخيمة خل َْيد العَ َ معمر ،عن قتادة ،أخبرني ُ
لؤلؤة واحدة ،فيها سبعون بابا من در.
وحدثنا أبي حدثنا عيسى بن أبي فاطمة ،حدثنا جرير ،عن هشام ،عن
ت ِفي صوَرا ٌق ُم ْحوٌر َ محمد بن المثنى ،عن ابن عباس في قوله ُ } :
خَيام ِ { ،وقال ] :في[ ) (3خيام اللؤلؤ ،وفي الجنة خيمة واحدة من ال ْ ِ
لؤلؤة ،أربع فراسخ في أربعة فراسخ ،عليها أربعة آلف مصراع من الذهب.
سمح حدثه ،عن أبي وقال عبد الله بن وهب :أخبرنا عمرو أن د َّراجا أبا ال ّ
الهيثم ،عن أبي سعيد ،عن النبي صلى الله عليه وسلم ،قال " :أدنى أهل
الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم ،واثنتان وسبعون زوجة ،وتنصب له
قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت ،كما بين الجابية وصنعاء".
ورواه الترمذي من حديث عمرو بن الحارث ،به ).(4
ن { ] :قد[ ) (5تقدم مثله سواء ،إل جا ّ م َول َ س قَب ْل َهُ ْن إ ِن ْ ٌ م ي َط ْ ِ
مث ْهُ ّ وقوله } :ل َ ْ
َ َ
ن .فَب ِأيّ آلِء
جا ُ ت َوال ْ َ
مْر َ ن ال َْياُقو ُ أنه زاد في وصف الوائل بقوله } :ك َأن ّهُ ّ
ن {. ما ت ُك َذ َّبا ِ
َرب ّك ُ َ
ن { :قال علي بن أبي سا ٍ ح َ قرِيّ ِ ضرٍ وَعَب ْ َ خ ْ ف ُ ن عََلى َرفَْر ٍ مت ّك ِِئي َوقوله ُ } :
طلحة ،عن ابن عباس :الرفرف :المحابس .وكذا قال مجاهد ،وعكرمة ،
والحسن ،وقتادة ،والضحاك ،وغيرهما :هي المحابس .وقال العلء بن بدر
) (6الرفرف على السرير ،كهيئة المحابس المتدلي.
ضرٍ { يعني :الوسائد .وهو خ ْ ف ُ ن عََلى َرفَْر ٍ مت ّك ِِئي َوقال عاصم الجحدري ُ } :
قول الحسن البصري في رواية عنه.
وقال أبو داود الطيالسي ،عن شعبة ،عن أبي بشر ،عن سعيد بن جبير في
ضرٍ { قال :الرفرف :رياض الجنة. خ ْف ُ ن عََلى َرفَْر ٍ مت ّك ِِئي َقوله ُ } :
ن { :قال ابن عباس ،وقتادة ،والضحاك ،والسدي سا ٍ ح َ قرِيّ ِ وقوله } :وَعَب ْ َ
:العبقري :الزرابي .وقال سعيد بن جبير :هي عتاق الزرابي ،يعني :
جيادها.
وقال مجاهد :العبقري :الديباج.
ن { فقال :هي بسط سا ٍ ح َ قرِيّ ِ وسئل الحسن البصري عن قوله } :وَعَب ْ َ
أهل الجنة -ل أبا لكم -
__________
) (1في م " :أهلون".
) (2صحيح مسلم برقم ).(2838
) (3زيادة من م.
) (4سنن الترمذي برقم ) (2562وقال " :هذا حديث غريب ل نعرفه إل من
حديث رشدين" .ولم يتفرد به رشدين بل تابعه ابن وهب كما هنا ،وفي
إسناده دراج يروي عن أبي الهيثم مناكير.
) (5زيادة من م ،أ.
) (6في م " :زيد".
) (7/509
فاطلبوها .وعن الحسن ]البصري[ ) (1رواية :أنها المرافق .وقال زيد بن
أسلم :العبقري :أحمر وأصفر وأخضر .وسئل العلء بن زيد عن العبقري ،
حْزَرة ) (2يعقوب بن مجاهد : فقال :البسط أسفل من ذلك .وقال أبو َ
العبقري :من ثياب أهل الجنة ،ل يعرفه أحد .وقال أبو العالية :العبقري :
وشى عند م َ ملة ،إلى الرقة ما هي .وقال القتيبي :كل ثوب ُ خ َ
الطنافس الم ْ
العرب عبقري .وقال أبو عبيدة :هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي.
وقال الخليل بن أحمد :كل شيء يسر ) (3من الرجال وغير ذلك يسمى عند
العرب عبقريا .ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر " :فلم أر
عبقريا يفري فريه" ).(4
وعلى كل تقدير فصفة مرافق أهل الجنتين الوليين أرفع وأعلى من هذه
ق{، ست َب َْر ٍن إِ ْ
م ْ ن عََلى فُُرش ب َ َ
طائ ِن َُها ِ مت ّك ِِئي َ
الصفة ؛ فإنه قد قال هناك ُ } :
ٍ
فنعت بطائن فرشهم وسكت عن ظهائرها ) ، (5اكتفاًء بما مدح به البطائن
بطريق الولى والحرى .وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات المتقدمة } :هَ ْ
ل
ن { فوصف أهلها بالحسان وهو أعلى المراتب سا ُ ح َ ن ِإل ال ْ سا ِ ح َ
جَزاُء ال ْ
َ
والنهايات ،كما في حديث جبريل لما سأل عن السلم ،ثم اليمان .فهذه
وجوه عديدة في تفضيل الجنتين الوليين على هاتين الخيريين ) ، (6ونسأل
الله الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل الوليين.
ل َوالك َْرام ِ { أي :هو أهل أن يجل فل جل ِ ك ِذي ال ْ َ م َرب ّ َ س ُكا ْ ثم قال } :ت ََباَر َ
يعصى ،وأن يكرم فيعبد ،ويشكر فل يكفر ،وأن يذكر فل ينسى.
ل َوالك َْرام ِ { ذي العظمة والكبرياء. وقال ابن عباس ِ } :ذي ال ْ َ
جل ِ
وقال المام أحمد :حدثنا موسى بن داود ،حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن
ثوبان ،عن عمير ) (7بن هانئ ،عن أبي العذراء ،عن أبي الدرداء ،قال :
دوا الله يغفر لكم" ).(8 ج ّ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أ ِ
وفي الحديث الخر " :إن من إجلل الله إكرام ذي الشيبة المسلم ،وذي
السلطان ،وحامل القرآن ) (9غير الغالي فيه ول الجافي عنه" ).(10
وقال الحافظ أبو يعلى :حدثنا أبو يوسف الجيزي ) ، (11حدثنا مؤمل بن
إسماعيل ،حدثنا حماد ،حدثنا حميد الطويل ،عن أنس أن رسول الله صلى
ظوا بيا ذا الجلل والكرام". الله عليه وسلم قال " :أل ّ
وكذا رواه الترمذي ،عن محمود بن غيلن ،عن مؤمل بن إسماعيل ،عن
حماد بن سلمة ،به ).(12
__________
) (1زيادة من م ،أ.
) (2في أ " :حزيرة".
) (3في م ،أ " :نفيس".
) (4صحيح البخاري برقم ) (3682وصحيح مسلم برقم ) (2393من حديث
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
) (5في م " :ظهارتها".
) (6في م " :الخيرتين".
) (7في أ " :عمر".
) (8المسند ) (5/199وقال الهيثمي في المجمع )" : (1/31وفي إسناده أبو
العذراء وهو مجهول".
) (9في م " :الذكر".
) (10رواه أبو داود في السنن برقم ) (4843والبيهقي في السنن الكبرى )
(8/163من حديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه.
) (11في الصل وبقية النسخ " :الحربي" والتصويب من أبي يعلى.
) (12مسند أبي يعلى ) (6/445وسنن الترمذي برقم ).(3522
وقال ابن طاهر " :وقد تابع المؤمل فيه روح بن عبادة وروح حافظ ثقة".
أخرجه ابن مردويه في تفسيره كما في تخريج الكشاف للزيلعي )(3/396
من طريق روح بن عبادة عن حماد بن سلمة عن+
) (7/510
ثم قال :غلط المؤمل فيه ،وهو غريب وليس بمحفوظ ،وإنما يروى هذا عن
حماد بن سلمة ،عن حميد ،عن الحسن ،عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال المام أحمد :حدثنا إبراهيم بن إسحاق ،حدثنا عبد الله بن المبارك ،
عن يحيى بن حسان المقدسي ،عن ربيعة بن عامر قال :سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول " :ألظوا بذي الجلل والكرام".
ورواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك ،به ).(1
وقال الجوهري :ألظ فلن بفلن :إذا لزمه ).(2
وقول ابن مسعود " :ألظوا بيا ذا الجلل والكرام" أي :الزموا .ويقال :
اللظاظ هو اللحاح.
قلت :وكلهما قريب من الخر -والله أعلم -وهو المداومة واللزوم
واللحاح .وفي صحيح مسلم والسنن الربعة من حديث عبد الله بن الحارث ،
عن عائشة قالت :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم ل يقعد -
يعني :بعد الصلة -إل قدر ما يقول " :اللهم أنت السلم ومنك السلم ،
تباركت ذا الجلل والكرام" ).(3
آخر تفسير سورة الرحمن ،ولله الحمد ]والمنة[ )(4
__________
) (1المسند ) (4/177والنسائي في السنن الكبرى برقم ).(11563
) (2لسان العرب ).(7/459
) (3صحيح مسلم برقم ) (592وسنن أبي داود برقم ) (1512وسنن
الترمذي برقم ) (298وسنن النسائي ) (3/69وسنن ابن ماجه برقم ).(924
) (4زيادة من م ،أ.
) (7/511
تفسير سورة الواقعة
وهي مكية.
مة ،عن ابن عباس قال :قال أبو بكر :يا رسول ْ
عكرِ َ قال أبو إسحاق عن ِ
مَ ّ ع و ، والمرسلت ، والواقعة ، هود يبتني
ّ "ش : ت ؟ قالالله ،قد شب َ
يتساءلون ،وإذا الشمس كورت".
رواه الترمذي وقال :حسن غريب )(1
وقال الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن مسعود بسنده إلى عمرو
سّري بن يحيى الشيباني ،عن أبي بن الربيع بن طارق المصري :حدثنا ال ّ
شجاع ،عن أبي ظبية قال :مرض عبد الله مرضه الذي توفي فيه ،فعاده
عثمان بن عفان فقال :ما تشتكي ؟ قال :ذنوبي .قال :فما تشتهي ؟ قال :
رحمة ربي .قال أل آمر لك بطبيب ؟ قال :الطبيب أمرضني .قال :أل آمر
لك بعطاء ؟ قال :ل حاجة لي فيه .قال :يكون لبناتك من بعدك ؟ قال :
أتخشى على بناتي الفقر ؟ إني أمرت بناتي يقرأن كل ليلة سورة الواقعة ،
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :من قرأ سورة الواقعة
كل ليلة ،لم تصبه فاقة أبدا".(2) .
ثم قال ابن عساكر :كذا قال والصواب :عن "شجاع" ،كما رواه عبد الله
سّري بن يحيى أن سّري .وقال عبد الله بن وهب :أخبرني ال ّ بن وهب عن ال ّ
دثه ،عن أبي ظ َب َْية ،عن عبد الله بن مسعود ،قال :سمعت ح ّ
شجاعا َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم
تصبه فاقة أبدا" .فكان أبو ظبية ل يدعها ).(3
مِنيب ،عن وكذا رواه أبو يعلى ،عن إسحاق بن إبراهيم ،عن محمد بن ُ
سّري بن يحيى ،عن شجاع ،عن أبي ظ َب َْية ،عن ابن مسعود ،به .ثم رواه ال ّ
سّري بن مِنيب العدني ،عن ال ّ عن إسحاق بن أبي إسرائيل ،عن محمد بن ُ
يحيى ،عن أبي ظبية ،عن ابن مسعود ؛ أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " :من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة ،لم تصبه فاقة أبدا" .لم
يذكر في سنده "شجاعا" ) .(4قال :وقد أمرت بناتي أن يقرأنها كل ليلة.
وقد رواه ابن عساكر أيضا من حديث حجاج بن نصير وعثمان بن اليمان ،عن
السري بن يحيى ،عن شجاع ،عن أبي فاطمة قال :مرض عبد الله ،فأتاه
عثمان بن عفان يعوده ،فذكر الحديث
__________
) (1سنن الترمذي برقم ).(3297
) (2تاريخ دمشق )ق " (294مصورة معهد المخطوطات" ورواه ابن عبد البر
في التمهيد ) (5/269من طريق حبشي بن عمرو بن الربيع ،عن أبيه عمرو
بن الربيع المصري به.
) (3ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية ) (1/112من طريق خالد عن عبد
الله بن وهب به.
) (4ورواه عن أبي يعلى أبو بكر بن السني في عمل اليوم والليلة برقم )
.(674
) (7/512
بطوله .قال عثمان بن اليمان :كان أبو فاطمة هذا مولى لعلي بن أبي طالب
).(1
وقال ]المام[ ) (2أحمد :حدثنا عبد الرزاق ،حدثنا إسرائيل ،ويحيى بن
مَرة يقول : س ُ ماك بن حرب ؛ أنه سمع جابر بن َ س َ آدم ،حدثنا إسرائيل ،عن ِ
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات كنحو من صلتكم التي
تصلون اليوم ،ولكنه كان يخفف .كانت صلته أخف من صلتكم ،وكان يقرأ
في الفجر "الواقعة" ونحوها من السور ).(3
بسم الله الرحمن الرحيم
ت
ج ِ ة ) (3إ َِذا ُر ّ ة َرافِعَ ٌ ض ٌ خافِ َ ة )َ (2 كاذِب َ ٌ س ل ِوَقْعَت َِها َ ة ) (1ل َي ْ َ واقِعَ ُ ت ال ْ َ } إ َِذا وَقَعَ ِ
َ
جا
م أْزَوا ً من ْب َّثا ) (6وَك ُن ْت ُ ْ ت هََباًء ُ كان َ ْ سا ) (5فَ َ ل بَ ّ جَبا ُ ت ال ْ ِ س ِ جا ) (4وَب ُ ّ ض َر ّ الْر ُ
َ ْ َ ْ َ ْ َ
ما
مةِ َ شأ َ م ْ ب ال َ حا ُ ص َ من َةِ ) (8وَأ ْ مي ْ َ
ب ال َ حا ُ ص َ ما أ ْ من َةِ َ مي ْ َ ب ال َ حا ُ ص َ
َ ة ) (7فَأ ْ َثلث َ ً
ن )ِ (11في ْ َ
ن ) (10أولئ ِ َُ م ْ ْ َ
قّرُبو َ م َ ك ال ُ قو َ ساب ِ ُ
ن ال ّ قو َ ساب ِ ُ مةِ )َ (9وال ّ شأ َ ب ال َ حا ُ ص َ أ ْ
ت الن ِّعيم ِ ).{ (12 جّنا ِ َ
الواقعة :من أسماء يوم القيامة ،سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها ،كما
ة { ]الحاقة [15 : واقِعَ ُ ت ال ْ َ مئ ِذ ٍ وَقَعَ ِ قال } :فَي َوْ َ
ة { أي :ليس لوقوعها إذا أراد الله كونها صارف
ْ
َ
س ل ِوَقْعَت َِها كاذِب َ ٌ وقوله } :ل َي ْ َ
َ
م
ي ي َوْ ٌ ن ي َأت ِ َ لأ ْ ن قَب ْ ِ م ْ م ِ جيُبوا ل َِرب ّك ُ ْ ست َ ِ يصرفها ،ول دافع يدفعها ،كما قال } :ا ْ
َ
ب َواقٍِع. ذا ٍ ل ب ِعَ َسائ ِ ٌ ل َ سأ َ ن الل ّهِ { ]الشورى ، [47 :وقال َ } : م َ ه ِ مَرد ّ ل َ ُ ل َ
ن ُ
قول ك ْ ُ م يَ ُ ه َدافِعٌ { ]المعارج ، [2 ، 1 :وقال تعالى } :وَي َوْ َ َ
سل ُ ن لي ْ َ َ كاِفري َ ل ِل ْ َ
و
شَهاد َةِ وَهُ َ ب َوال ّ م ال ْغَي ْ ِ عال ِ ُ صورِ َ خ ِفي ال ّ ف ُم ي ُن ْ َك ي َوْ َ مل ْ ُ ه ال ْ ُ حقّ وَل َ ُ ه ال ْ َ ن قَوْل ُ ُ كو ُ فَي َ ُ
خِبيُر { ]النعام .[73 : م ال ْ َ كي ُح ِ ال ْ َ
كاذَِبة { -كما قال محمد بن كعب : -ل بد أن تكون .وقال قتادة : ومعنى } َ
ليس فيها مثنوية ول
__________
) (1تاريخ دمشق )ق " (294مصورة معهد المخطوطات" وكذا رواه حجاج
بن المنهال عن السري بن يحيى فقال :عن أبي فاطمة :أخرجه البيهقي في
شعب اليمان برقم ) (2498وقد أعمل الزيلعي رحمه الله هذا الحديث بأربع
علل تلجح بعدها ضعفه :الولى :النقطاع كما ذكره الدارقطني وابن أبي
حاتم في علله نقل عن أبيه .الثانية :نكارة متنه قاله المام أحمد .الثالثة :
ضعف رواته :السري بن يحيى وشجاع كما ذكره ابن الجوزي .الرابعة :
الضطراب فمنهم من يقول :أبو طيبة بالطاء المهملة ومنهم من يقول :أبو
ظبية بالظاء المعجمة .ومنهم من يقول :أبو فاطمة ومنهم من يقول :شجاع
ومنهم من يقول :أبو شجاع وقد اجتمع على ضعفه :المام أحمد وأبو حاتم
وابنه والدار قطني والبيهقي وابن الجوزي تلويحا وتصريحا والله أعلم.
) (2زيادة من م.
) (3المسند ).(5/104
) (7/513
ارتداد ول رجعة.
قال ابن جرير :والكاذبة :مصدر كالعاقبة والعافية.
ة { أي :تحفض ) (1أقواما إلى أسفل سافلين إلى ة َرافِعَ ٌ ض ٌ خافِ َ وقوله َ } :
الجحيم ،وإن كانوا في الدنيا أعّزاء .وترفع آخرين إلى أعلى علّيين ،إلى
النعيم المقيم ،وإن كانوا في الدنيا وضعاء .وهكذا قال الحسن وقتادة ،
وغيرهما.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا يزيد بن عبد الرحمن بن مصعب
ماك ،عن س َالمعنى ،حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ،عن أبيه ،عن ِ
سا وترفع آخرين. ة { تخفض أنا ً ة َرافِعَ ٌ ض ٌ
خافِ َ مة ،عن ابن عباس َ } : عك ْرِ َ
ِ
وقال عبيد الله ) (2العتكي ،عن عثمان بن سراقة ،ابن خالة عمر بن
ة { ]قال ) : [ (3الساعة خفضت أعداء الله إلى ة َرافِعَ ٌ ض ٌخافِ َ الخطاب َ } :
النار ،ورفعت أولياء الله إلى الجنة.
وقال محمد بن كعب :تخفض رجال كانوا في الدنيا مرتفعين ،وترفع رجال
كانوا في الدنيا مخفوضين.
سد ّيّ :خفضت المتكبرين ،ورفعت المتواضعين. وقال ال ّ
ة { أسمعت القريب والبعيد. ة َرافِعَ ٌ ض ٌ
خافِ َ ي ،عن ابن عباس َ } : وقال العَوْفِ ّ
وقال عكرمة :خفضت فأسمعت الدنى ،ورفعت فأسمعت القصى .وكذا
قال الضحاك ،وقتادة.
جا { أي :حركت تحريكا فاهتزت واضطربت ض َر ّ ت الْر ُ ج ِ وقوله } :إ َِذا ُر ّ
بطولها وعرضها .ولهذا قال ابن عباس ،ومجاهد ،وقتادة ،وغير واحد في
جا { أي :زلزلت زلزال ]شديدا[ ).(4 ض َر ّ ت الْر ُ ج ِ قوله } :إ َِذا ُر ّ
وقال الربيع بن أنس :ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه.
ض زِل َْزال ََها { ]الزلزلة ، [1 :وقال ت الْر ُ وهذه كقوله تعالى } :إ َِذا ُزل ْزِل َ ِ
ن َزل َْزل َ َ َ
م { ]الحج : ظي ٌ
يٌء عَ ِش ْساعَةِ َة ال ّ م إِ ّقوا َرب ّك ُ ْ س ات ّ ُ تعالى َ } :يا أي َّها الّنا ُ
.[1
ت فَّتا ) .(5قاله ابن عباس ،ومجاهد سا { أي :فُت ّت َ ْ ل بَ ّ جَبا ُ ْ
ت ال ِ س ِ وقوله } :وَب ُ ّ
مة ،وقتادة ،وغيرهم. عك ْرِ َ ،و ِ
مِهيل { َ
وقال ابن زيد :صارت الجبال كما قال ]الله[ ) (6تعالى } :كِثيًبا َ
]المزمل .[14 :
من ْب َّثا { ،قال أبو إسحاق ،عن الحارث ،عن علي ، كان َ ْ َ َ ُ
ً ء با ه ت وقوله } :فَ َ
من ْب َّثا { رضي الله عنه } :هََباًء ُ
__________
) (1في م " :تخفض".
) (2في أ " :عبد الله".
) (3زيادة من م.
) (4زيادة من م.
) (5في م " :تفتيتا".
) (6زيادة من أ.
) (7/514
) (7/515
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا محمد بن الصباح ،حدثنا الوليد بن
ماك ،عن النعمان بن بشير قال :قال رسول الله صلى الله س َأبي ثور ،عن ِ
ت { ]التكوير [7 :قال :الضرباء ،كلج ْ
س ُزوّ َ
فو ُ َ
عليه وسلم } :وَإ ِذا الن ّ ُ
جا رجل من قوم كانوا يعملون عمله ،وذلك بأن الله يقول } :وك ُنت َ
م أْزَوا ً َ ُْ ْ
ب َ َثلث َة .فَأ َصحاب ال ْميمنة ما أ َصحاب ال ْميمنة .وأ َصحاب ال ْم ْ َ
حا ُ ص َ ما أ ْ مةِ َ شأ َ َ َ ْ َ َ ِ َ ْ َ ُ ْ َ ُ َ ْ َ َ ِ َ ْ َ ُ ً
َ
ن { قال :هم الضرباء ).(1 قو َ ساب ِ ُن ال ّ قو َ ساب ِ ُ ةَ .وال ّ م ِ
مشأ َ ْ ال ْ َ
وقال المام أحمد :حدثنا محمد بن عبد الله المثنى ،حدثنا البراء الغنوي ،
حدثنا الحسن ،عن معاذ بن جبل ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تل )
َ َ
ل { ) (4فقبض ما ِ ش َ ب ال ّ حا ُ ص َ
ن { ) } ، (3وَأ ْ مي ِ ب ال ْي َ ِ حا ُ ص َ (2هذه الية } :وَأ ْ
بيده قبضتين فقال " :هذه للجنة ) (5ول أبالي ،وهذه للنار ) (6ول أبالي" )
.(7
َ
وقال أحمد أيضا :حدثنا حسن ،حدثنا ابن لِهيَعة ،حدثنا خالد بن أبي
عمران ،عن القاسم بن محمد ،عن عائشة ،عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،أنه قال " :أتدرون من السابقون إلى ظل يوم القيامة ؟" قالوا :الله
ورسوله أعلم .قال " :الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ،وإذا سئلوه بذلوه ،
وحكموا للناس كحكمهم لنفسهم" ).(8
نقو َ ساب ِ ُ حْرَزة َ يعقوب بن مجاهد َ } :وال ّ وقال محمد بن كعب وأبو َ
سد ّيّ :هم أهل عليين. ن { :هم النبياء ،عليهم السلم .وقال ال ّ قو َ ساب ِ ُ ال ّ
ن{ قو َ ساب ِ ُ ن ال ّ قو َ ساب ِ ُ جيح ،عن مجاهد ،عن ابن عباس َ } :وال ّ وقال ابن أبي ن َ ِ
،قال :يوشع بن نون ،سبق إلى موسى ،ومؤمن آل "يس" ،سبق إلى
عيسى ،وعلي بن أبي طالب ،سبق إلى محمد رسول الله صلى الله عليه
وسلم .رواه ابن أبي حاتم ،عن محمد بن هارون الفلس ،عن عبد الله بن
شعَْيب بن الضحاك المدائني ،عن سفيان بن إسماعيل المدائني البزاز ،عن ُ
جيح به. عُي َي َْنة ،عن ابن أبي ن َ ِ
مهَْران ،عن وقال ابن أبي حاتم :وذكر محمد ) (9بن أبي حماد ،حدثنا ِ
ن { الذين صلوا قو َ ساب ِ ُ ن ال ّقو َ ساب ِ ُسيرين َ } :وال ّ خارجة ،عن قُّرة ،عن ابن ِ
للقبلتين.
ورواه ابن جرير ) (10من حديث خارجة ،به.
ن { أي :من كل أمة. قو َ ساب ِ ُ
ن ال ّ
قو َ ساب ِ ُ وقال الحسن وقتادة َ } :وال ّ
ن
قو َ ساب ِ ُ وقال الوزاعي ،عن عثمان بن أبي سودة أنه قرأ هذه الية َ } :وال ّ
حا إلى المسجد ،وأولهم ن { ثم قال :أولهم روا ً قّرُبو َ م َ ك ال ْ ُ نُ .أول َئ ِ َقو َ ساب ِ ُ ال ّ
جا في سبيل الله. خرو ً
__________
) (1سيأتي تخريج الحديث عند الية 7 :من سورة التكوير.
) (2في أ " :قرأ".
) (3في م ،أ " :وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين".
) (4في م ،أ " :وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال".
) (5في م ،أ " :هذه في الجنة".
) (6في م ،أ " :وهذه في النار".
) (7المسند ) (5/239والحسن لم يسمع من معاذ.
) (8المسند ).(6/67
) (9في أ " :وذكر عن محمد".
) (10في أ " :ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير".
) (7/516
ن اْل َ ِ َ
ضون َةٍ )(15
مو ْ ُ ن ) (14عََلى ُ
سُررٍ َ ري َ
خ ِ م َ
ل ِن ) (13وَقَِلي ٌ ن اْلوِّلي َ م َة ِ ث ُل ّ ٌ
ن )(16 قاب ِِلي َ ن عَل َي َْها ُ
مت َ َ مت ّك ِِئي َُ
وهذه القوال كلها صحيحة ،فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل
ة
جن ّ ٍ
م وَ َن َرب ّك ُ ْ م ْ فَرةٍ ِمغْ ِعوا إ َِلى َ
سارِ ُالخيرات كما أمروا ،كما قال تعالى } :وَ َ
َ
قوا إ ِلى ساب ِ ُض { ]آل عمران ، [133 :وقال َ } : ت َوالْر ُ وا ُ م َس َ
ضَها ال ّ عَْر ُ
ض { ]الحديد ، [22 : َ ُ
ماِء َوالْر ِ س َ ض ال ّ ضَها كعَْر ِ جن ّةٍ عَْر ُ م وَ َ ن َرب ّك ْ م ْ فَرةٍ ِ مغْ َِ
فمن سابق إلى هذه الدنيا وسبق إلى الخير ،كان في الخرة من السابقين
إلى الكرامة ،فإن الجزاء من جنس العمل ،وكما تدين تدان ؛ ولهذا قال
ت الن ِّعيم ِ {. جّنا ِ نِ .في َ قّرُبو َ
م َك ال ْ ُ تعالى ُ } :أول َئ ِ َ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا يحيى بن زكريا القزاز ) (1الرازي ،
مصَعب ،عن زيد بن أسلم ،عن عطاء بن يسار ،عن عبد حدثنا خارجة بن ُ
الله بن عمرو قال :قالت الملئكة :يا رب ،جعلت لبني آدم الدنيا فهم
يأكلون ويشربون ويتزوجون ،فاجعل لنا الخرة .فقال :ل أفعل .فراجعوا
ثلثا ،فقال :ل أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له :كن ،فكان .ثم قرأ عبد
ت الن ِّعيم ِ {. جّنا ِنِ .في َ قّرُبو َ م َك ال ْ ُ نُ .أول َئ ِ َ قو َ ساب ِ ُ
ن ال ّ قو َ ساب ِ ُ الله َ } :وال ّ
وقد روى هذا الثر المام عثمان ) (2بن سعيد الدارمي في كتابه " :الرد على
الجهمية" ،ولفظه :فقال الله عز وجل " :لن أجعل صالح ذرية من خلقت
بيدي ،كمن قلت له :كن فكان" ).(3
ضون َةٍ )(15 مو ْ ُسُررٍ َ َ
ن ) (14عَلى ُ ري َ خ ِ ن ال ِ م َ ل ِن ) (13وَقَِلي ٌ ن الوِّلي َ م َة ِ} ث ُل ّ ٌ
ن ).{ (16 قاب ِِلي َمت َ َ ن عَل َي َْها ُ مت ّك ِِئي َ ُ
__________
) (1في أ " :الفزاري".
) (2في أ " :عمر".
) (3وقد رواه عثمان بن سعيد الدارمي فرفعه كما في البداية والنهاية )
(1/55للمؤلف وقال " :وهو أصح" وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر بن
الخطاب رواه ابن الجوزي في العلل المتناهية ) (1/48وقال " :هذا حديث ل
يصح".
) (7/517
) (7/517
ومما يستأنس به لهذا القول ،ما رواه المام أبو محمد بن أبي حاتم :حدثنا
أبي ،حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ،حدثنا شريك ،عن محمد بن عبد
ن.ن الوِّلي َ م َ ة ِ الرحمن ،عن أبيه ،عن أبي هريرة ،قال :لما نزلت } :ث ُل ّ ٌ
ن { شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ري َ خ ِن ال ِ م َ ل ِ وَقَِلي ٌ
ن { فقال النبي صلى الله عليه ري َ خ ِ ن ال ِ م َ ة ِ ن .وث ُل ّ ٌ ن الوِّلي َ م َة ِ فنزلت } :ث ُل ّ ٌ
وسلم :إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ،ثلث أهل الجنة ،بل أنتم نصف
أهل الجنة -أو :شطر أهل الجنة -وتقاسمونهم النصف الثاني".
ورواه المام أحمد ،عن أسود بن عامر ،عن شريك ،عن محمد ،بياع الملء
،عن أبيه ،عن أبي هريرة ،فذكره ) .(1وقد روي من حديث جابر نحو هذا ،
ورواه الحافظ ابن عساكر من طريق هشام بن عمار :حدثنا عبد ربه بن
صالح ،عن عروة بن رويم ،عن جابر بن عبد الله ،عن النبي صلى الله عليه
ن.ن الوِّلي َ م َة ِ ة { ،ذكر فيها } ث ُل ّ ٌ واقِعَ ُ ت ال ْ َ مئ ِذ ٍ وَقَعَ ِ وسلم :لما نزلت } :فَي َوْ َ
ن { ،قال عمر :يا رسول الله ،ثلة من الولين وقليل منا ؟ ري َ خ ِن ال ِ م َ ل ِ وَقَِلي ٌ
ن
م َة ِ ّ
ن .وَث ُل ٌ ن الوِّلي َ م َة ِ ّ
قال :فأمسك آخر السورة سنة ،ثم نزل } :ث ُل ٌ
ن { ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يا عمر ،تعال فاسمع ري َ خ ِ ال ِ
ي
ن { ،أل وإن من آدم إل ّ ري َخ ِن ال ِ م َ ة ِ ّ
ن .وَث ُل ٌ ن الوِّلي َ م َ ة ِ ّ
ما قد أنزل الله } :ث ُل ٌ
ثلة ،وأمتي ثلة ،ولن نستكمل ثلتنا حتى نستعين بالسودان من رعاة البل ،
ممن شهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له".
هكذا أورده في ترجمة "عروة بن رويم" ) ، (2إسنادا ومتنا ،ولكن في
إسناده نظر .وقد وردت طرق كثيرة متعددة بقوله صلى الله عليه وسلم :
"إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" الحديث بتمامه ) ، (3وهو مفرد في
"صفة الجنة" ولله الحمد والمنة .وهذا الذي اختاره ابن جرير هاهنا ،فيه نظر
،بل هو قول ضعيف ؛ لن هذه المة هي خير المم بنص القرآن ،فيبعد أن
يكون المقربون في غيرها أكثر منها ،اللهم إل أن يقابل مجموع المم بهذه
المة .والظاهر أن المقربين من هؤلء أكثر من سائر المم ،والله أعلم.
فالقول الثاني في هذا المقام ،هو الراجح ،وهو أن يكون المراد بقوله :
ن { أي : ري َ خ ِن ال ِ م َ ن { أي :من صدر هذه المة } ،وَقَِلي ٌ
ل ِ ن الوِّلي َ م َ ة ِ } ث ُل ّ ٌ
من هذه المة.
قال ابن أبي حاتم :حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ،حدثنا عفان ،حدثنا
عبد الله بن بكر ) (4المزني ،سمعت الحسن :أتى على هذه الية :
ن { فقال :أما السابقون ،فقد قّرُبو َ م َ ك ال ْ ُنُ .أول َئ ِ َ قو َ ساب ِ ُ ن ال ّ قو َ ساب ِ ُ } َوال ّ
مضوا ،ولكن اللهم اجعلنا من أهل اليمين.
سّريّ بن يحيى قال :قرأ ثم قال :حدثنا أبي ،حدثنا أبو الوليد ،حدثنا ال ّ
ن
م َ
ة ِ ّ ُ
م .ثل ٌ ت الن ِّعي ِ
جّنا ِ
نِ .في َ
قّرُبو َ
م َ نُ .أول َئ ِ َ
ك ال ْ ُ قو َ
ساب ِ ُ
ن ال ّ
قو َساب ِ ُ
الحسن َ } :وال ّ
ن { ثلة ممن مضى من هذه المة. الوِّلي َ
__________
) (1المسند ).(2/391
) (2تاريخ دمشق لبن عساكر )/11ق " (279مصورة معهد المخطوطات".
) (3منها حديث عمران بن حصين ،أخرجه الترمذي في السنن برقم )
(3168وحديث عبد الله بن مسعود ،أخرجه أحمد في المسند ).(1/420
) (4في أ " :بكير" وفي م " :أبي بكر".
) (7/518
) (7/519
) (7/520
كراش بن ذؤيب .قال " :ارفع في النسب" ،فانتسبت له إلى "مرة ع ْ قلت ِ :
بن عبيد" ،وهذه صدقة "مرة بن عبيد" .فتبسم رسول الله صلى الله عليه
وسلم .قال :هذه إبل قومي ،هذه صدقات قومي .ثم أمر بها أن توسم
بميسم إبل الصدقة وتضم إليها .ثم أخذ بيدي فانطلقنا إلى منزل أم سلمة ،
فقال " :هل من طعام ؟" فأتينا بحفنة كثيرة الثريد والوذر ،فجعل يأكل
منها ،فأقبلت أخبط بيدي في جوانبها ،فقبض رسول الله صلى الله عليه
كراش ،كل من موضع ع ْ
وسلم بيده اليسرى على يدي اليمنى ،فقال " :يا ِ
واحد ،فإنه طعام واحد" .ثم أتينا بطبق فيه تمر ،أو رطب -شك عبيد الله
رطبا كان أو تمرا -فجعلت آكل من بين يدي ،وجالت يد رسول الله صلى
كراش ،كل من حيث شئت فإنه ع ْ
الله عليه وسلم في الطبق ،وقال " :يا ِ
غير لون واحد" .ثم أتينا بماء ،فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده
كراش ،هذاع ْ
ل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه ثلثا ،ثم قال " :يا ِ ومسح ب ِب َل َ ِ
الوضوء مما غيرت النار".
وهكذا رواه الترمذي مطول وابن ماجه جميًعا ،عن محمد بن بشار ،عن أبي
الهزيل العلء بن الفضل ،به ) .(1وقال الترمذي :غريب ل نعرفه إل من
حديثه.
وقال المام أحمد :حدثنا بهز بن أسد وعفان -وقال الحافظ أبو يعلى :حدثنا
شيبان -قالوا :حدثنا سليمان بن المغيرة ،حدثنا ثابت ،قال :قال أنس :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا ،فربما رأى الرجل الرؤيا
فسأل عنه إذا لم يكن يعرفه ،فإذا أثني عليه معروف ،كان أعجب لرؤياه
إليه .فأتته امرأة فقالت :يا رسول الله ،رأيت كأني أتيت فأخرجت من
المدينة ،فأدخلت الجنة فسمعت َوجَبة انتحبت لها الجنة ،فنظرت فإذا فلن
ت اثني عشر رجل كان النبي صلى الله م ْ
س ّ
ابن فلن ،وفلن ابن فلن ،ف َ
عليه وسلم قد بعث سرية قبل ذلك ،فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب
أوداجهم ،فقيل :اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ -أو :البيذخ -قال :فغمسوا فيه
،فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر ،فأتوا بصحفة من ذهب فيها ُبسر ،
فأكلوا من ُبسره ما شاؤوا ،فما يقلبونها من وجه إل أكلوا من الفاكهة ما
أرادوا ،وأكلت معهم .فجاء البشير من تلك السرية ،فقال :كان ) (2من
أمرنا ) (3كذا وكذا ،وأصيب ) (4فلن وفلن .حتى عد اثني عشر رجل فدعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة فقال " :قصي رؤياك" فقصتها ،
وجعلت تقول :فجيء بفلن وفلن كما قال.
هذا لفظ أبي يعلى ،قال الحافظ الضياء :وهذا على شرط مسلم ).(5
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني :حدثنا معاذ بن المثنى ،حدثنا علي بن
المديني ،حدثنا ريحان بن سعيد ،عن عباد بن منصور ،عن أيوب ،عن أبي
ِقلبة ،عن أبي أسماء ،عن ثوبان ،قال :قال
__________
) (1سنن الترمذي برقم ) (1848وسنن ابن ماجة برقم ) (3274وعبيد الله
بن عكراش تكلم فيه ،وتكلم في حديثه هذا.
قال البخاري " :ل يثبت حديثه" ونقل العقيلي عنه أنه قال " :في إسناده
نظر".
) (2في م ،أ " :فقال :ما كان".
) (3في م ،أ " :رؤيا".
) (4في م ،أ " :فأصيب".
) (5المسند للمام أحمد ) (3/135ومسند أبي يعلى برقم )(6/44) (3289
وقال الهيثمي في المجمع )" : (7/175رجاله رجال الصحيح".
) (7/522
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن الرجل إذا نزع ثمرة في الجنة ،
عادت مكانها أخرى" ).(1
ن { ،قال المام أحمد : ما ي َ ْ
شت َُهو َ م ّحم ِ ط َي ْرٍ ِ
وقوله } :وَل َ ْ
حدثنا سيار بن حاتم ،حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ،حدثنا ثابت ،عن
أنس ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن طير الجنة كأمثال
البخت ،يرعى ) (2في شجر الجنة" .فقال أبو بكر :يا رسول الله ،إن هذه
لطير ناعمة فقال " :أكلتها ) (3أنعم منها -قالها ثلثا -وإني لرجو أن تكون
ممن يأكل منها" .تفرد به أحمد من هذا الوجه ).(4
وروى الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه "صفة الجنة" من حديث
خُيوطي ،عن عبد الجبار بني ،عن أحمد بن علي ال ُ خط َب ِ ّإسماعيل بن علي ال ُ
عة ،عن نافع ،عن ابن عمر ،قال : عاصم ،عن عبد الله بن زياد ،عن ُزْر َ
ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم طوبى ،فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :يا أبا بكر ،هل بلغك ما طوبى ؟" قال :الله ورسوله أعلم.
قال " :طوبى شجرة في الجنة ،ما يعلم طولها إل الله ،يسير الراكب تحت
غصن من أغصانها سبعين خريفا ،ورقها الحلل ،يقع عليها الطير كأمثال
البخت" .فقال أبو بكر :يا رسول الله ،إن هناك لطيرا ناعما ؟ قال " :أنعم
منه من يأكله ،وأنت منهم إن شاء الله" ).(5
ن { :ذكر لنا أن أبا بكر قال : شت َُهو َما ي َ ْ حم ِ ط َي ْرٍ ِ
م ّ وقال قتادة في قوله } :وَل َ ْ
يا رسول الله ،إني أرى طيرها ناعمة كما أهلها ناعمون .قال " :من يأكلها -
والله يا أبا بكر ) - (6أنعم منها ،وإنها لمثال البخت ،وإني لحتسب على
الله أن تأكل منها ) (7يا أبا بكر" ).(8
ن بن عيسى معْ ُوقال أبو بكر بن أبي الدنيا :حدثني مجاهد بن موسى ،حدثنا َ
،حدثني ابن أخي ابن شهاب ،عن أبيه ،عن أنس بن مالك ؛ أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سئل عن الكوثر فقال " :نهر أعطانيه ربي ،عز وجل ،
في الجنة ،أشد بياضا من اللبن ،وأحلى من العسل ،فيه طيور أعناقها يعني
كأعناق الجزر" .فقال عمر :إنها لناعمة .قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :آكلها أنعم منها".
قعْن َِبي ،عن محمد بن عبد وكذا رواه الترمذي عن عبد ) (9بن حميد ،عن ال َ
الله بن مسلم بن شهاب ،عن أبيه ،عن أنس ،وقال :حسن ).(10
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا علي بن محمد الط َّناِفسي ،حدثنا أبو
ي ،عن صافي ،عن عطية العَوْفِ ّ معاوية ،عن عبيد الله ) (11بن الوليد الوَ ّ
أبي سعيد الخدري ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
__________
) (1المعجم الكبير ) (2/102وفي إسناده عباد متكلم فيه.
) (2في م " :ترعى".
) (3في م ،أ " :أكلها".
) (4المسند ).(3/221
) (5ورواه ابن مردويه في تفسيره كما في الدر المنثور ).(4/649
) (6في م " :يا أبا بكر والله".
) (7في م " :أن آكل منها".
) (8وهذا مرسل وقد روى من طريق الحسن مرسل أيضا أخرجه ابن أبي
شيبة في المصنف ).(12/13
) (9في م " :عبيد" وهو خطأ.
) (10سنن الترمذي برقم ) (2542وقال فيه " :حسن غريب".
) (11في أ " :عبد الله".
) (7/523
"إن في الجنة لطيرا فيه سبعون ألف ريشة ،فيقع على صحفة الرجل من
أهل الجنة فينتفض ،فيخرج من كل ريشة -يعني :لونا -أبيض من اللبن ،
وألين من الزبد ،وأعذب من الشهد ،ليس منها لون يشبه صاحبه ) (1ثم
يطير" ).(2
صافي وشيخه ضعيفان .ثم قال ابن أبي حاتم : هذا حديث غريب جدا ،والوَ ّ
حدثنا أبي ،حدثنا عبد الله بن صالح -كاتب الليث -حدثني الليث ،حدثنا خالد
بن يزيد ،عن سعيد بن أبي هلل ،عن أبي حازم عن عطاء ،عن كعب ،قال
:إن طائر الجنة أمثال البخت ،يأكل ) (3مما خلق من ثمرات الجنة ،
ويشرب ) (4من أنهار الجنة ،فيصطففن له ،فإذا اشتهى منها شيئا أتاه حتى
يقع بين يديه ،فيأكل من خارجه وداخله ثم يطير لم ينقص منه شيء .صحيح
إلى كعب.
وقال الحسن بن عرفة :حدثنا خلف بن خليفة ،عن حميد العرج ،عن عبد
الله بن الحارث ،عن عبد الله بن مسعود ،قال :قال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم " :إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك
مشويا" ).(5
ن { قرأ بعضهم بالرفع ، نو ْ ك م ْ ل ا ؤُ لْ ؤ ّ ل ال ل َ
ثا موقوله } :وحور عين .ك َأ َ
ِ َ ُ ِ ْ ِ َ ُ ٌ ِ ٌ
وتقديره :ولهم فيها حور عين .وقراءة الجر تحتمل معنيين ،أحدهما :أن
ن.
دو َ خل ّ ُم َن ُ دا ٌم وِل ْ َف عَل َي ْهِ ْ طو ُ يكون العراب على التباع بما قبله ؛ لقوله } :ي َ ُ
ْ َ َ
ما
م ّ ن .وََفاك ِهَةٍ ِ ن عَن َْها َول ُينزُفو َ عو َصد ّ ُ ن .ل ي ُ َ مِعي ٍ ن َ م ْ س ِ ب وَأَباِريقَ وَك َأ ٍ وا ٍ ب ِأك ْ َ
حواس ُم َ ل } َوا ْ ما َقا َ ن { ،كَ َ عي ٌحوٌر ِ ن .وَ ُ شت َُهو َ ما ي َ ْ م ّ حم ِ ط َي ْرٍ ِ ن .وَل َ ْ خي ُّرو َ ي َت َ َ
َ َ
س
سن ْد ُ ٍ ب ُ م ث َِيا ُ عال ِي َهُ ْ
م { ]المائدة ، [6 :وكما قال َ } : جل ك ُ ْ م وَأْر ُ سك ُ ْ ب ُِرُءو ِ
ست َب َْرقٌ { ]النسان .[21 :والحتمال الثاني :أن يكون مما يطوف به ضٌر وَإ ِ ْ خ ْ ُ
الولدان المخلدون عليهم الحور العين ،ولكن يكون ذلك في القصور ،ل بين
بعضهم بعضا ،بل في الخيام يطوف عليهم الخدام بالحور العين ،والله أعلم.
َ
ن { أي :كأنهن اللؤلؤ الرطب في بياضه ِ مك ُْنو ل الل ّؤْل ُؤِ ال ْ َ ِ وقوله } :ك َأ ْ
مَثا
َ
ن{ مك ُْنو ٌ ض َ ن ب َي ْ ٌ وصفائه ،كما تقدم في "سورة الصافات" } ك َأن ّهُ ّ
]الصافات [49 :وقد تقدم في سورة "الرحمن" وصفهن أيضا ؛ ولهذا قال :
ن { أي :هذا الذي اتحفناهم به مجازاة لهم على ما مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ ما َ جَزاًء ب ِ َ } َ
أحسنوا من العمل.
ْ
ما { أي :ل سل ً ما َ سل ً ماِ .إل ِقيل َ وا َول ت َأِثي ً ن ِفيَها ل َغْ ً مُعو َ س َ ثم قال } :ل ي َ ْ
ما لغيا ،أي :غثا ) (6خاليا عن المعنى ،أو مشتمل يسمعون في الجنة كل ً
ة { ]الغاشية : معُ ِفيَها لِغي َ ً س َ على معنى حقير أو ضعيف ،كما قال } :ل ت َ ْ
[11
__________
) (1في أ " :الخر".
) (2ورواه هناد في الزهد برقم ) (119حدثنا أبو معاوية به.
) (3في م " :يأكلن".
) (4في م " :يشربن".
) (5جزء الحسن بن عرفة برقم ) (22وحميد العرج منكر الحديث.
) (6في م " :عبثا".
) (7/524
) (7/525
سا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فجاء أعرابي قال :كنت جال ً
فقال :يا رسول الله ،أسمعك تذكر في الجنة شجرة ل أعلم شجرة أكثر
شو ً
كا منها ؟ يعني :الطلح ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن
وة التيس الملبود ،فيها
ص َ
خ ْ
الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل ُ
سبعون لوًنا من الطعام ،ل يشبه لون آخر" ).(1
ضودٍ { :الطلح :شجر عظام يكون بأرض الحجاز ،من من ْ ُ وقوله } :وَط َل ٍْح َ
ضاه ،واحدته طلحة ،وهو شجر كثير الشوك ،وأنشد ابن جرير شجر الع َ
لبعض الحداة ): (2
ح والجَبال... ن ال ّ
طل َ دا َتري َ
ها َدليلها وقال ...غ ً بَ ّ
شَر َ
شا ؛ لنهم ضود ٍ { أي :متراكم الثمر ،يذكر بذلك قري ً من ْ ُ وقال مجاهد َ } :
ج ،وظلله من طلح وسدر. كانوا يعجبون من وَ ّ
ضود ٍ { :مصفوف .قال ابن عباس :يشبه طلح الدنيا ، من ْ ُ دي َ } : س ّوقال ال ّ
ولكن له ثمر أحلى من العسل.
قال الجوهري :والطلح لغة في الطلع.
قلت :وقد روى ابن أبي حاتم من حديث الحسن بن سعد ،عن شيخ من
ضود ٍ { قال : همدان قال :سمعت علّيا يقول :هذا الحرف في } وَط َل ٍْح َ
من ْ ُ
طلع منضود ،فعلى هذا يكون هذا من صفة السدر ،فكأنه وصفه بأنه
مخضود وهو الذي ل شوك له ،وأن طلعه منضود ،وهو كثرة ثمره ،والله
أعلم.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو سعيد الشج ،حدثنا أبو معاوية ،عن إدريس ،
ضودٍ { قال عن جعفر بن إياس ،عن أبي نضرة ،عن أبي سعيد } :وَط َل ٍْح َ
من ْ ُ
مة ،عك ْرِ َ
:الموز .قال :وروي عن ابن عباس ،وأبي هريرة ،والحسن ،و ِ
حْزَرة ،مثل ذلك ،وبه قال مجاهد وابن زيد وقسامة بن زهير ،وقتادة ،وأبي َ
-وزاد فقال :أهل اليمن يسمون الموز الطلح .ولم يحك ابن جرير غير هذا
القول ).(3
دود ٍ { :قال البخاري :حدثنا علي بن عبد الله ،حدثنا م ُ م ْ ل َوقوله } :وَظ ِ ّ
ُ
سفيان ،عن أبي الزناد ،عن العرج ،عن أبي هريرة -يبلغُ به النبي صلى
الله عليه وسلم -قال " :إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة
دود ٍ {.م ُ
م ْ
ل َ عام ل يقطعها ،اقرؤوا إن شئتم } :وَظ ِ ّ
ورواه مسلم من حديث العرج ،به ).(4
سَريج ،حدثنا فليح ،عن هلل بن علي ،عن عبد َ ُ وقال المام أحمد :حدثنا ُ
مرة ،عن أبي هريرة ،قال :قال رسول الله صلى الله الرحمن بن أبي عَ ْ
عليه وسلم " :إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ،اقرؤوا
دودٍ {. م ُ
م ْ ل َ إن شئتم } :وَظ ِ ّ
__________
) (1البعث لبن أبي داود برقم ) (69ورواه الطبراني في مسند الشاميين
برقم ) (492وعنه أبو نعيم في الحلية ) (6/103عن أبي زرعة عن أبي
مسهر عن يحيى بن حمزة به ،وقال الهيثمي في المجمع ): (10/414
"رجاله رجال الصحيح".
) (2تفسير الطبري ).(27/104
) (3تفسير الطبري ).(27/104
) (4صحيح البخاري برقم ) (4881وصحيح مسلم برقم ).(2826
) (7/526
) (7/527
مر ،معْ َ الطيالسي ،عن عمران بن َداَور القطان ،عن قتادة به .وكذا رواه َ
وأبو هلل ،عن قتادة ،به .وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد
وسهل بن سعد ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن في الجنة
مر السريع مائة عام ما يقطعها" ).(1 ض ّم َشجرة يسير الراكب الجواد ال ُ
فهذا حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،بل متواتر مقطوع
بصحته عند أئمة الحديث النقاد ،لتعدد طرقه ،وقوة أسانيده ،وثقة رجاله.
ب ،حدثنا أبو بكر ،حدثنا وقد قال المام أبو جعفر بن جرير :حدثنا أبو ك َُري ْ َ
صين قال :كنا على باب في موضع ،ومعنا أبو صالح وشقيق -يعني : ح َأبو ُ
الضبي -فحدث أبو صالح قال :حدثني أبو هَُري َْرة قال :إن في الجنة شجرةً
ذب أبا هريرة ؟ ما .قال أبو صالح :أتك َ ّ يسير الراكب في ظلها سبعين عا ً
ذبك أنت .فشق ذلك على القراء يومئذ ) ذب أبا هريرة ،ولكني أك ّ قال :ما أك ّ
.(2
قلت :فقد أبطل من يكذب بهذا الحديث ،مع ثبوته وصحته ورفعه إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فَرات وقال الترمذي :حدثنا أبو سعيد الشج ،حدثنا زياد بن الحسن بن ال ُ
قّزاز ،عن أبيه ،عن جده ،عن أبي حازم ،عن أبي هريرة ،قال :قال ال َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ما في الجنة شجرة إل ساقها من
ذهب" .ثم قال :حسن غريب ).(3
قدي ، وقال ابن أبي حاتم :حدثنا الحسن بن أبي الربيع ،حدثنا أبو عامر العَ َ
مة ،عن ابن عباس قال عك ْرِ َ عن زمعة بن صالح ،عن سلمة بن وهرام ،عن ِ
:الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق ظلها ،قدر ما يسير الراكب في
نواحيها مائة عام .قال :فيخرج إليها أهل الجنة ؛ أهل الغرف وغيرهم ،
فيتحدثون في ظلها .قال :فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا ،فيرسل الله
حا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا. ري ً
هذا أثر غريب وإسناده جيد َقويّ حسن.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو سعيد الشج ،حدثنا ابن ) (4يمان ،حدثنا
سفيان ،حدثنا أبو إسحاق ،عن عمرو بن ميمون في قوله } :وَظ ِ ّ
ل
دار ،عن ابن دودٍ { قال :سبعون ألف سنة .وكذا رواه ابن جرير ،عن ب ُن ْ َ م ُ م ْ
َ
مهدي ،عن سفيان ،مثله .ثم قال ابن جرير :
مهَْران ،عن سفيان ،عن أبي إسحاق ،عن عمرو بن حدثنا ابن حميد ،حدثنا ِ
دود ٍ { قال :خمسمائة ألف سنة. م ُ
م ْ ميمون } :وَظ ِ ّ
ل َ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا أبو الوليد الطيالسي ،حدثنا حصين بن
دودٍ { قال :في الجنة م ُم ْ ل َ نافع ،عن الحسن في قوله الله تعالى } :وَظ ِ ّ
شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ل يقطعها.
__________
) (1صحيح البخاري برقم ) (6553 ، 6552وصحيح مسلم برقم )، 2827
.(2828
) (2تفسير الطبري ).(27/106
) (3سنن الترمذي برقم ).(2525
) (4في أ " :حدثنا أبو".
) (7/528
وقال عوف عن الحسن :بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها" .رواه ابن
جرير ).(1
جر ل يحمل ُ ،يستظ َ ّ
ل َ َ
ش الجنة في : عباس ابن عن ، مة ر
ِ ِ َْ ك ع عن شبيب وقال
به .رواه ابن أبي حاتم.
دودٍ { ل ينقطع ، م ُ
م ْل َ حْرَزة َ في قوله } :وَظ ِ ّ سد ّيّ ،وأبو َ وقال الضحاك ،وال ّ
ليس فيها شمس ول حر ،مثل قبل طلوع الفجر.
سج ،كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. ج َ س ْوقال ابن مسعود :الجنة َ
ظل ظِليل { ]النساء ، [57 :وقوله : َ م ِ ُ
خلهُ ْ وقد تقدمت اليات كقوله } :وَن ُد ْ ِ
ُ
ن{ ل وَعُُيو ٍ ظل ٍ م وَظ ِل َّها { ]الرعد ، [35 :وقوله ِ } :في ِ } أك ُل َُها َدائ ِ ٌ
]المرسلت [41 :إلى غير ذلك من اليات.
ب { قال الثوري ] :يعني[ ) (2يجري في غير أخدود. كو ٍ س ُ م ْ ماٍء َ وقوله } :وَ َ
ر َ َ
ماٍء غي ْ ِ ن َ م ْ وقد تقدم الكلم عند ) (3تفسير قوله تعالى ِ } :فيَها أن َْهاٌر ِ
ن { الية ]محمد ، [15 :بما أغنى عن إعادته هاهنا. س ٍ آ ِ
مُنوعَةٍ { أي :وعندهم من الفواكه م ْ
قطوعَةٍ َول َ ُ م ْة .ل َ َ َ
وقوله } :وَفاك ِهَةٍ كِثيَر ٍ
الكثيرة المتنوعة في اللوان ما ل عين رأت ،ول أذن سمعت ،ول خطر على
لن قَب ْ ُم ْ ذي ُرزِقَْنا ِ ذا ال ّ ِ مَرةٍ رِْزًقا َقاُلوا هَ َن ثَ َ م ْ من َْها ِما ُرزُِقوا ِ قلب بشر } ،ك ُل ّ َ
ل ،ولكن الطعم ل الشك َ شاب ًِها { ]البقرة [25 :أي :يشبه الشك ُ مت َ َ ُ
وَأُتوا ب ِهِ ُ
غيُر الطعم .وفي الصحيحين في ذكر سدرة المنتهى قال " :فإذا ورقها كآذان
ل هجر" ).(4 الفيلة ونبقها مثل قل َ
ضا من حديث مالك ،عن زيد ،عن عطاء بن يسار ،عن ابن عباس وفيهما أي ً
ل الله صلى الله عليه وسلم والناس فت الشمس ،فصلى رسو ُ س َ خ ِ قال ُ :
معه ،فذكر الصلة .وفيه :قالوا :يا رسول الله ،رأيناك تناولت شيًئا في
مقامك هذا ،ثم رأيناك تكعكعت ) .(5قال " :إني رأيت الجنة ،فتناولت منها
عنقوًدا ،ولو أخذته لكلتم منه ما بقيت الدنيا" ).(6
خي َْثمة ،حدثنا عبد الله بن جعفر ،حدثنا وقال الحافظ أبو يعلى :حدثنا أبو َ
عبيد الله ،حدثنا ابن ) (7عقيل ،عن جابر قال :بينا نحن في صلة الظهر ،
إذ تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدمنا معه ،ثم تناول شيًئا
ي بن كعب :يا رسول الله ، ليأخذه ثم تأخر ،فلما قضى الصلة قال له أب ّ
م
ت اليو َ صنع َ
__________
) (1تفسير الطبري ).(27/105
) (2زيادة من م ،أ.
) (3في م ،أ " :على".
) (4صحيح البخاري برقم ) (3207وصحيح مسلم برقم ) (162من حديث
أنس رضي الله عنه.
) (5في أ " :تكفكفت".
) (6صحيح البخاري برقم ) (1052وصحيح مسلم برقم ).(907
) (7في م ،أ " :حدثنا أبو".
) (7/529
ي الجنة ،وما فيها ت عل َ ّ ض ْفي الصلة شيًئا ما كنت تصنعه ؟ قال " :إنه عُرِ َ
ل بيني حي َ
فا من عنب لتيكم به ،ف ِ ضَرة ،فتناولت منها قِط ْ ً من الّزهَْرة والن ّ ْ
وبينه ،ولو أتيتكم به لكل منه من بين السماء والرض ل ينقصونه" ).(1
وروى مسلم ،من حديث أبي الزبير ،عن جابر ،نحوه ).(2
وقال المام أحمد :حدثنا علي بن بحر ،حدثنا هشام بن يوسف ،أخبرنا
كالي :أنه سمع عتبة بن مر ،عن يحيى بن أبي كثير ،عن عامر بن زيد الب َ َ معْ َ
َ
عبد السلمي يقول :جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فسأله عن الحوض وذكر الجنة ،ثم قال ) (3العرابي :فيها فاكهة ؟ قال :
"نعم ،وفيها شجرة تدعى طوبى" فذكر شيًئا ل أدري ما هو ،قال :أي شجر
أرضنا تشبه ؟ قال " :ليست تشبه شيئا من شجر أرضك" .فقال النبي صلى
ت الشام ؟" قال :ل .قال " :تشبه شجرة بالشام الله عليه وسلم " :أتي َ
جوزة ،تنبت على ساق واحد ،وينفرش أعلها" .قال :ما عظم تدعى ال َ
عة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى جذ َأصلها ؟ قال " :لو ارتحلت َ
ما" .قال :فيها عنب ؟ قال " :نعم" .قال :فما عظم تنكسر ترقوتها هر ً
َ
العنقود ؟ قال " :مسيرة شهر للغراب البقع ،ول يفتر" .قال :فما عظم
ما ؟" قال :نعم .قال : سا من غنمه قط عظي ً حّبة ؟ قال " :هل ذبح أبوك تي ً ال َ
وا ؟" قال :نعم .قال ً دل منه لنا اتخذي : فقال ، أمك فأعطاه إهابه "فسلخ
مة عشيرتك" ّ وعا "نعم : العرابي :فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي ؟ قال
).(4
فا ،بل أكلها مُنوعَةٍ { أي :ل تنقطع شتاء ول صي ً م ْطوعَةٍ َول َ ق ُ م ْ
وقوله } :ل َ
دا ،مهما طلبوا وجدوا ،ل يمتنع عليهم بقدرة الله شيء. دائم مستمر أب ً
د .وقد تقدم في ك ول ُبع ٌ قال قتادة :ل يمنعهم من تناولها عود ٌ ول شو ٌ
الحديث " :إذا تناول الرجل الثمرة عادت مكانها أخرى".
مْرُفوعَةٍ { أي :عالية وطيئة ناعمة. ش َ وقوله } :وَفُُر ٍ
دين بن ش ِ ُ
قال النسائي وأبو عيسى الترمذي :حدثنا أبو كَرْيب ،حدثنا رِ ْ
سعد ،عن عمرو بن الحارث ،عن د َّراج ،عن أبي الهيثم ،عن أبي سعيد ،
مْرُفوعَةٍ { قال : ش َ عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله } :وَفُُر ٍ
"ارتفاعها كما بين السماء والرض ،ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام" ).(5
ثم قال الترمذي :هذا حديث حسن غريب ل نعرفه ،إل من حديث رشدين
بن سعد .قال :وقال بعض أهل العلم :معنى هذا الحديث :ارتفاع الفرش
في الدرجات ،وبعد ما بين الدرجتين كما بين السماء والرض.
__________
) (1تقدم تخريج الحديث عند تفسير الية 35 :من سورة الرعد.
) (2تقدم الحديث في الموضع السابق.
) (3في م " :فقال".
) (4المسند ).(4/184
) (5سنن الترمذي برقم ) (2540ووقع فيه " :هذا حديث غريب ل نعرفه"
ليس فيه " :حسن" وكذا وقع في تحفة الشراف.
) (7/530
هكذا قال :إنه ل يعرف هذا إل من رواية رشدين بن سعد ،وهو المصري ،
وهو ضعيف .وهكذا رواه أبو جعفر بن جرير ،عن أبي ك َُرْيب ،عن رشدين )
.(1ثم رواه هو وابن أبي حاتم ،كلهما عن يونس بن عبد العلى ،عن ابن
ضا عن وهب ،عن عمرو بن الحارث ،فذكره .وكذا رواه ابن أبي حاتم أي ً
ن َُعيم بن حماد ،عن ابن وهب .وأخرجه الضياء في صفة الجنة من حديث
حرملة عن ابن وهب ،به مثله .ورواه المام أحمد عن حسن بن موسى ،
عن ابن ل َِهيَعة ،حدثنا دراج ،فذكره ).(2
جوَْيبر ، وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو سعيد الشج ،حدثنا أبو معاوية ،عن ُ
مْرُفوعَةٍ { ش َ عن أبي سهل -يعني :كثير بن زياد -عن الحسن } : :وَفُُر ٍ
قال :ارتفاع فراش الرجل من أهل الجنة مسيرة ثمانين سنة.
َ ن أ َب ْ َ وقوله } :إنا أ َن َ ْ
ب حا ِ ص َ كاًرا .عُُرًبا أت َْراًبا .ل ْ جعَل َْناهُ ّشاًء .فَ َ ن إ ِن ْ َ شأَناهُ ّ ِّ ْ
ن { جرى الضمير على غير مذكور .لكن لما دل السياق ،وهو ذكر مي ِ ال ْي َ ِ
جعن فيها ،اكتفى بذلك عن ذكرهن ،وعاد الفرش على النساء اللتي يضا َ
جَياُد. ْ
ت ال ِ صافَِنا ُ ي ال ّ ش ّ ْ
ض عَلي ْهِ ِبالعَ ِ َ الضمير عليهن ،كما في قوله } :إ ِذ ْ عُرِ َ
ْ ب ال ْ َ َ
ب { ]ص ، 31 : جا ِح َ ت ِبال ِ واَر ْ حّتى ت َ َ ن ذِك ْرِ َرّبي َ خي ْرِ عَ ْ ح ّت ُ حب َب ْ ُل إ ِّني أ ْ قا َ فَ َ
[32يعني :الشمس ،على المشهور من قول المفسرين.
شاًء { أضمرهن ولم يذكرهن قبل ن إ ِن ْ َ قال الخفش في قوله } :إنا أ َن َ ْ
ّ شأَناهُ ِّ ْ
ن ْ ْ ُ ْ ّ َ َ َ
مكُنو ِ ل اللؤلؤِ ال َ مثا ِ ن .كأ ْ عي ٌ حوٌر ِ ذلك .وقال أبو عبيدة :ذكرن في قوله } :وَ ُ
{ ]الواقعة .[23 ، 22 :
فقوله } :إنا أ َن َ ْ
ن عجائز ) ن { أي :أعدناهن في النشأة الخرة بعدما ك ُ ّ شأَناهُ ّ ِّ ْ
دن أبكاًرا عُُرًبا ،أي : ْ ُ ع ثيوبة ّ ال بعد : أي ، با
ً عر را ً أبكا صرن صا ، م ًُ (3ر ْ
متحببات إلى أزواجهن بالحلوة والظرافة والملحة.
وقال بعضهم } :عُُرًبا { أي :غَِنجات.
ذي ،عن يزيد الرقاشي ،عن أنس بن مالك قال : قال موسى بن عَُبيدة الّرب َ ِ
شاًء { قال " :نساء ن إ ِن ْ َ ْ َ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } :إ ِّنا أن ْ َ
شأَناهُ ّ
صا" .رواه الترمذي ،وابن جرير ،وابن أبي م ً شا ُر ْ م ً ن في الدنيا عُ ْ عجائز ك ُ ّ
حاتم .ثم قال الترمذي :غريب ،وموسى ويزيد ضعيفا ).(5) (4
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا محمد بن عوف الحمصي ،حدثنا آدم -يعني :ابن
مّرة ،عن سلمة بن يزيد أبي إياس -حدثنا شيبان ،عن جابر ،عن يزيد بن ُ
ل الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله } :إ ِّنا ت رسو َ قال :سمع ُ
ن في الدنيا" ).(6 ُ ن إ ِن ْ َ أ َن َ ْ
شاًء { يعني " :الثيب والبكار اللتي ك ّ شأَناهُ ّ ْ
__________
) (1تفسير الطبري ).(27/106
) (2المسند ).(3/75
) (3في أ " :ماكن عجاف".
) (4في أ " :ضعيفان".
) (5سنن الترمذي برقم ) (3296وتفسير الطبري ).(27/107
) (6ورواه الطبراني في المعجم الكبير ) (7/40وأبو نعيم في صفة الجنة
برقم ) (389من طريق شيبان به ،وجابر بن يزيد ضعيف.
) (7/531
) (7/532
فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ،سبعين مما ينشئ الله ،
وثنتين من ولد ) (1آدم لهما فضل على من أنشأ الله ،بعبادتهما الله في
الدنيا ،يدخل على الولى منهما في غرفة من ياقوتة ،على سرير من ذهب
دس وإستبرق وإنه ليضع يده بين سن ْ ُ
جا من ُمك َّلل باللؤلؤ ،عليه سبعون زو ً ُ
كتفيها ،ثم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ،وإنه
لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت ،كبده
لها مرآة -يعني :وكبدها له مرآة -فبينما هو عندها ل يملها ول تمله ،ول
يأتيها من مرة إل وجدها عذراء ،ما يفتر ذ َك َُره ،ول تشتكي قُُبلها إل أنه ل
منّية ،فبينما هو كذلك إذ نودي :إنا قد عرفنا أنك ل تمل ول تمل ، مني ول َ
جا غيرها ،فيخرج ،فيأتيهن واحدة واحدة ) ، (2كلما جاء واحدة إل أن لك أزوا ً
ي
قالت :والله ما في الجنة شيء أحسن منك ،وما في الجنة شيء أحب إل ّ
منك".
وقال عبد الله بن وهب :أخبرني عمرو بن الحارث ،عن د َّراج ،عن ابن
جيرة ) ، (3عن أبي هريرة ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ح َ
ُ
ما ،فإذا قام َ
ما دح ًح ً
له :أَنطأ في الجنة ؟ قال " :نعم ،والذي نفسي بيده د َ ْ
مطّهرة بكًرا" ).(4ت ُجع ْعنها َر َ
وقال الطبراني :حدثنا إبراهيم بن جابر الفقيه البغدادي ،حدثنا محمد بن عبد
الملك الدقيق الواسطي ،حدثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي ،حدثنا
شريك ،عن عاصم الحول ،عن أبي المتوكل ،عن أبي سعيد قال :قال
عدن رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم ُ
مران ،عن قتادة ،عن أنس ، ع ْ
أبكاًرا" ) .(5وقال أبو داود الطيالسي :حدثنا ِ
قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يعطى المؤمن في الجنة قوة
كذا وكذا في النساء" .قلت :يا رسول الله ،ويطيق ذلك ؟ قال " :يعطى
قوة مائة".
ورواه الترمذي من حديث أبي داود وقال :صحيح غريب ).(6
وروى أبو القاسم الطبراني من حديث حسين بن علي الجعفي ،عن زائدة ،
عن هشام بن حسان ،عن محمد بن سيرين ،عن أبي هريرة قال :قيل :يا
رسول الله ،هل نصل إلى نسائنا في الجنة ؟ قال " :إن الرجل ليصل في
اليوم إلى مائة عذراء" ).(7
قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي :هذا الحديث عندي على شرط الصحيح ،
والله أعلم.
وقوله } :عُُرًبا { قال سعيد بن جبير ،عن ابن عباس :يعني متحببات إلى
أزواجهن ،ألم تر إلى الناقة الضبعة ،هي كذلك.
وقال الضحاك ،عن ابن عباس :العُُرب :العواشق لزواجهن ،وأزواجهن
سْرجس ،ومجاهد ،وعكرمة ،وأبو لهن عاشقون .وكذا قال عبد الله بن َ
العالية ،ويحيى بن أبي كثير ،وعطية ،
__________
) (1في م " :من ابن".
) (2في م " :واحدة بعد واحدة".
) (3في أ " :عن ابن حجرة".
) (4رواه ابن حبان في صحيحه برقم )" (2633موارد" وأبو نعيم في صفة
الجنة برقم ) (393من طريق ابن وهب به ،ودراج متكلم فيه.
) (5المعجم الصغير ) (1/91وفيه معلى بن عبد الرحمن وهو كذاب.
) (6مسند الطيالسي برقم ) (2012وسنن الترمذي برقم ).(2536
) (7المعجم الصغير ).(13 ، 2/12
) (7/533
) (7/534
مر هذا هو أبو المنذر الواسطي أحد الثقات الثبات. قلت :إسماعيل بن عُ َ
حْيم ،عن ابن وقد روى هذا الحديث المام عبد الرحيم بن إبراهيم الملقب بد ُ َ
أبي فُد َْيك ،عن ابن أبي ذئب ،عن عون بن الخطاب بن عبد الله بن رافع ،
ن لنس ،عن أنس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن عن اب ٍ
الحور العين يغنين في الجنة :نحن الجوار الحسان ،خلقنا لزواج كرام" ).(1
ن { أي :خلقنا لصحاب اليمين ،أو :ادخرن مي ِ ب ال ْي َ ِحا ِ ص َوقوله } :ل ْ
لصحاب اليمين ،أو :زوجن لصحاب اليمين .والظهر أنه متعلق بقوله :
َ ن أ َب ْ َ } إنا أ َن َ ْ
ن{ مي ِب ال ْي َ ِ
حا ِ ص َ
كاًرا .عُُرًبا أت َْراًبا .ل ْ جعَل َْناهُ ّ شاًء .فَ َ ن إ ِن ْ َ
شأَناهُ ّ ِّ ْ
فتقديره :أنشأناهن لصحاب اليمين .وهذا توجيه ابن جرير ).(2
ت ليلة ،ثم جلست داراني -رحمه الله -قال :صلي ُ ُرِوي عن أبي سليمان ال ّ
دا ،فجعلت أدعو بيد واحدة ،فأخذتني عيني فنمت ، أدعو ،وكان البرد ُ شدي ً
فرأيت حوراء لم ير مثلها وهي تقول :يا أبا سليمان ،أتدعو بيد واحدة وأنا
ذى لك في النعيم من خمسمائة سنة! ُأغ ّ
قا بما قبله ،وهو ن { متعل ً مي ِ ب ال ْي َ ِ
حا ِص َ
قلت :ويحتمل أن يكون قوله } :ل ْ
َ
ن { أي :في أسنانهم .كما جاء في الحديث مي ِ ب ال ْي َ ِ حا ِ ص َ
قوله } :أت َْراًبا ل ْ
مارة بن القعقاع ،عن الذي رواه البخاري ومسلم ،من حديث جرير ،عن عُ َ
عة ،عن أبي هَُريرة ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي ُزْر َ
"أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ،والذين يلونهم على
ضوء أشد كوكب د ُّريّ في السماء إضاءة ،ل يبولون ول يتغوطون ،ول
يتفلون ول يتمخطون ،أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم
خْلق رجل واحد ،على صورة وة ،وأزواجهم الحور العين ،أخلقهم على َ الل ُ ّ
عا في السماء" ).(3 أبيهم آدم ،ستون ذرا ً
وقال المام أحمد :حدثنا يزيد بن هارون وعفان قال حدثنا حماد بن سلمة -
وروى الطبراني ،واللفظ له ،من حديث حماد بن سلمة -عن علي بن زيد
عان ،عن سعيد بن المسيب ،عن أبي هريرة قال :قال رسول الله جد ْ َ
بن ُ
جعاًدا ضا ِ مرًدا بي ً جردا ُ ة ُل الجنةِ الجن َ صلى الله عليه وسلم " :يدخل أه ُ
عا في خلق آدم ستون ذرا ً ْ حلين ،أبناء ثلثين أو ثلث وثلثين ،وهم على َ مك َ ّ ُ
عرض سبعة أذرع" ).(4
وروى الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي ،عن عمران القطان ،عن
جَبل ، مَعاذ بن َ وشب ،عن عبد الرحمن بن غَْنم ،عن ُ ح ْ شْهر بن َ قتادة ،عن َ
جرًدا ة ُ ل الجنةِ الجن َ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :يدخل أه ُ
دا مكحلين أبناء ثلثين ،أو ثلث وثلثين سنة" .ثم قال :حسن غريب )(5 مر ً ُ
__________
) (1ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم ) (432من طريق دحيم به ،ورواه
البيهقي في البعث برقم ) (420من طريق ابن عبد الحكم ،وابن أبي داود
في البعث برقم ) (75عن كثير بن عبيد كلهما عن ابن أبي فديك به نحوه ،
ورواه الطبراني في الوسط برقم )" (4887مجمع البحرين" من طريق
الحسن بن داود عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب ،عن عون بن الخطاب
عن أنس به نحوه .قال المنذري في الترغيب والترهيب )" : (4/226رواه ابن
أبي الدنيا والطبراني وإسناده مقارب ،ورواه البيهقي عن ابن لنس لم
يسمه عن أنس" وأشار البخاري إلى اختلف فيه في التاريخ الكبير ).(7/16
) (2تفسير الطبري ).(27/109
) (3صحيح البخاري برقم ) (3327وصحيح مسلم برقم ).(2834
) (4المسند ) (2/295والمعجم الوسط برقم )" (4894مجمع البحرين".
) (5سنن الترمذي برقم ).(2545
) (7/535
) (7/536
ميم ٍ ) (42وَظ ِ ّ
ل ب ال ّ َ ب ال ّ َ
ح ِ موم ٍ وَ َ س ُ
ل )ِ (41في َ ما ِ
ش َ حا ُص َما أ ْ ل َ ما ِش َ حا ُ ص َوَأ ْ
ن )(45 مت َْرِفي َك ُ ل ذ َل ِ َكاُنوا قَب ْ َ م َ ريم ٍ ) (44إ ِن ّهُ ْ ِ موم ٍ )َ (43ل َبارِدٍ وََل ك َ ح ُن يَ ْ م ْ ِ
مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا َ
ن أئ ِ َ ُ ظيم ِ ) (46وَ َ ْ ْ َ وَ َ
ذا ِ قولو َ كاُنوا ي َ ُ ث العَ ِ حن ْ ِ
ن عَلى ال ِ صّرو َ كاُنوا ي ُ ِ
َ ْ َ ْ ن ) (48قُ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ َ
ن)ري َ خ ِ ن َوال ِ ن الوِّلي َ ل إِ ّ ن ) (47أوَآَباؤَُنا الوّلو َ مب ُْعوُثو َما أئ ِّنا ل َ عظا ً وَ ِ
معْلوم ٍ )(50 ُ ت ي َوْم ٍ َ قا ِمي َ َ
ن إ ِلى ِ عو َ مو ُ ج ُ م ْ َ
(49ل َ
أن يجعلني منهم .فقال " :سبقك بها عكاشة" قال :فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " :فإن استطعتم -فداكم أبي وأمي -أن تكونوا من أصحاب
السبعين فافعلوا وإل فكونوا ) (1من أصحاب الظراب ) ، (2وإل فكونوا من
شبوا حوله" ) .(3ثم قال : سا كثيًرا قد تأ ّ أصحاب الفق ،فإني قد رأيت نا ً
"إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" .فكبرنا ،ثم قال " :إني لرجو أن
تكونوا ثلث أهل الجنة" .قال :فكبرنا ،قال " :إني لرجو أن تكونوا نصف
أهل الجنة" .قال :فكبرنا .ثم تل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه
ن { قال :فقلنا بيننا :من هؤلء ري َخ ِ
ن ال ِم َ
ة ِن .وَث ُل ّ ٌن الوِّلي َم َ الية } :ث ُل ّ ٌ
ة ِ
السبعون ألفا ؟ فقلنا :هم الذين ولدوا في السلم ،ولم يشركوا .قال :
فبلغه ذلك فقال " :بل هم الذين ل يكتوون ول يسترقون ول يتطيرون ،وعلى
ربهم يتوكلون".
وكذا رواه ابن جرير من طريقين آخرين عن قتادة ،به نحوه ) .(4وهذا
الحديث له طرق كثيرة من غير هذا الوجه في الصحاح وغيرها.
مهَْران ،حدثنا سفيان ،عن أبان بن وقال ابن جرير :حدثنا ابن حميد ،حدثنا ِ
ن
م َة ِن .وَث ُل ّ ٌ
ن الوِّلي َ م َ
ة ِ جب َْير ،عن ابن عباس } :ث ُل ّ ٌ أبي عياش ،عن سعيد بن ُ
ما جميًعا من ن { قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :هُ َ ري َخ ِال ِ
أمتي" ).(5
ميم ٍ ) (42وَظ ِ ّ
ل ب ال ّ َ ب ال ّ َ
ح ِ موم ٍ وَ َ س ُل )ِ (41في َ ما ِش َ حا ُ ص َ ما أ ْل َ ما ِ
ش َ حا ُ ص َ} وَأ ْ
ن )(45 مت َْرِفي َ
ك ُل ذ َل ِ َ كاُنوا قَب ْ َ م َ موم ٍ ) (43ل َبارِدٍ َول ك َ ِ
ريم ٍ ) (44إ ِن ّهُ ْ ح ُن يَ ْ م ْ ِ
ُ
مت َْنا وَكّنا ت َُراًبا َ
ن أئ ِ َ ُ َ ْ ْ َ َ
ذا ِ قولو َ ظيم ِ ) (46وَكاُنوا ي َ ُ ث العَ ِ حن ْ ِ
ن عَلى ال ِ صّرو َ وَكاُنوا ي ُ ِ
ن) ْ ُ ُ ُ َ ُ َ َ ع َ
ري َ خ ِ ن َوال ِ ن الوِّلي َ ن ) (48قل إ ِ ّ ن ) (47أَوآَباؤَنا الوّلو َ مب ُْعوثو َ ما أئ ِّنا ل َ ظا ً وَ ِ
معُْلوم ٍ ).{ (50 م و ي
ِ َ ْ ٍ َ ت قا
َ ميِ لىَ إ نعو
َ ْ ُ ُ َ ِمو ج م َ ل (49
__________
) (1في م " :ول تكونوا".
) (2في أ " :الضراب".
) (3في م " :حوالهم".
) (4تفسير الطبري ).(27/109
) (5تفسير الطبري ) (27/110ورواه ابن عدي في الكامل ) (1/387من
طريق محمد بن كثير ،عن سفيان الثوري عن أبان بن أبي عياش به ،وقال
ابن عدي " :أبان بن أبي عياش له روايات غير ما ذكرت وعامة ما يرويه ل
يتابع عليه".
) (7/537
ث ُم إنك ُ َ
ن َزّقوم ٍ )(52 م ْ
جرٍ ِش َن َ م ْن ِ ن )َ (51ل َك ُِلو َ مك َذ ُّبو َن ال ْ ُ ضاّلو َ م أي َّها ال ّ ّ ِّ ْ
ب ر ُ
ش ن بو ر َ
شا َ ف (54 ) م مي حْ لا ن م ه ي َ لَ ع ن بو رشا َ َ ف ( 53 ) ن طوُ بْ ل ا مال ُِئو َ ِ ْ َ
ها ن م ن فَ َ
ْ َ ُِ َ َ ِ ِ ْ ِ ِ َ ُِ َ َ ُ
ن )(56 دي ِ م ال ّ ذا ن ُُزل ُهُ ْ
م ي َوْ َ ال ِْهيم ِ ) (55هَ َ
} ث ُم إنك ُ َ
ن َزّقوم ٍ )(52 م ْجرٍ ِ ش َ ن َ م ْ ن ِ ن ) (51لك ُِلو َ مك َذ ُّبو َ ن ال ْ ُضاّلو َ م أي َّها ال ّ ّ ِّ ْ
بشْر َ ن ُ شارُِبو َ َ
ميم ِ ) (54ف َ ح ِ ْ
ن ال َ م َ َ
ن عَلي ْهِ ِ شارُِبو َ َ
ن ) (53ف َ ُ ْ
من َْها الب ُطو َ ن ِ مال ُِئو َ فَ َ
ن ).{ (56 دي ِم ال ّ م ي َوْ َ ذا نزل ُهُ ْ ال ِْهيم ِ ) (55هَ َ
لما ) (1ذكر تعالى حال أصحاب اليمين ،عطف عليهم بذكر أصحاب
ل { أي :أي شيء ب ال ّ َ ب ال ّ َ
ما ِ ش َ حا ُ ص َ ما أ ْ ل َ ما ِش َ حا ُ ص َ
الشمال ،فقال } :وَأ ْ
موم ٍ { وهو :الهواء س ُ سر ذلك فقال ِ } :في َ هم فيه أصحاب الشمال ؟ ثم فَ ّ
ميم ٍ { وهو :الماء الحار. ح ِ الحار } وَ َ
موم ٍ { قال ابن عباس :ظل الدخان .وكذا قال مجاهد ، ح ُ ن يَ ْ م ْ ل ِ } وَظ ِ ّ
سد ّيّ ،وغيرهم .وهذه كقوله تعالى : مة ،وأبو صالح ،وقتادة ،وال ّ عك ْرِ َ و ِ
ل َ
ب .ل ظِلي ٍ شعَ ٍ ث ُ ل ِذي َثل ِ قوا إ ِلى ظ ِ ّ َ َ
ن .ان ْطل ِ ُ م ب ِهِ ت ُك َذ ُّبو َ ما ك ُن ْت ُ ْ قوا إ ِلى ََ َ
} ان ْطل ِ ُ
فٌر .وَي ْ ٌ َ َ َ ْ َ مي ب ِ َ ّ
مئ ِذٍل ي َوْ َ ص ْ ة ُ مال ٌ ج َ ه ِ ر .كأن ّ ُ ص ِق ْ شَررٍ كال َ ب .إ ِن َّها ت َْر ِ ن اللهَ ِ م َ َول ي ُغِْني ِ
ن { ]المرسلت ، [34 ، 29 : مك َذ ِّبي َ ل ِل ْ ُ
__________
) (1في م " :ولما".
) (7/537
) (7/538
قون َ ََ َ َ
م
هأ ْ خل ُ ُ َ ُم تَ ْ
ن ) (58أأن ْت ُ ْ مُنو َ ما ت ُ ْم َ ن ) (57أفََرأي ْت ُ ْ صد ُّقو َ م فَل َوَْل ت ُ َ قَناك ُ ْ خل َ ْن َ ح ُ نَ ْ
ن ) (60عََلى سُبوِقي َ م ْ ن بِ َ
ح ُ ما ن َ ْ
ت وَ َ مو ْ َ م ال ْ َ ن قَد ّْرَنا ب َي ْن َك ُ ُح ُن ) (59ن َ ْ قو َ خال ِ ُ ن ال ْ َ ح ُ نَ ْ
َ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ
شأةَ الولى م الن ّ ْ مت ُ ُ قد ْ عَل ِ ْن ) (61وَل َ مو َ ما ل ت َعْل ُ م ِفي َ شئ َك ُ ْ مَثالك ُ ْ
م وَن ُن ْ ِ لأ ْ ن ن ُب َد ّ َأ ْ
ن )(62 فَل َوَْل ت َذ َك ُّرو َ
ب الهيم عَّبة واحدة من شْر َ وعن خالد بن معدان :أنه كان يكره أن يشرب ُ
غير أن يتنفس ثلًثا.
ن { أي :هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم دي ِ م ال ّ
م ي َوْ َذا نزل ُهُ ْ ثم قال تعالى } :هَ َ
مُنوانآ َذي َ ن ال ّ ِ
عند ربهم يوم حسابهم ،كما قال في حق المؤمنين } :إ ِ ّ
س نزل { ]الكهف [107 :أي : فْرد َوْ ِ ت ال ْ ِجّنا ُ
م َ ت ل َهُ ْ ت َ
كان َ ْ حا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ وَعَ ِ
ضيافة وكرامة.
َ ُ َ َ َ َ َ خل َ ْ
م
هأ ْ قون َ ُ
خل ُم تَ ْ
ن ) (58أأن ْت ُ ْ مُنو َما ت ُ ْ
م َن ) (57أفََرأي ْت ُ ْ صد ُّقو َ ول ت ُ َ م فَل ْقَناك ُ ْ ن َ
ح ُ
} نَ ْ
ن ) (60عََلى سُبوِقي َ م ْ ن بِ َ ح ُ ما ن َ ْ ت وَ َ مو ْ َ م ال ْ َ ن قَد ّْرَنا ب َي ْن َك ُ ُ ح ُ ن ) (59ن َ ْ قو َ خال ِ ُ ن ال ْ َ ح ُ نَ ْ
َ
شأةَ الولى َ م الن ّ ْ َ َ ُ َ ُ َ َ َ َ َ
مت ُ ُ قد ْ عَل ِ ْ ن ) (61وَل َ مو َ ما ل ت َعْل ُ م ِفي َ شئ ك ْ م وَن ُن ْ ِ مثالك ْ ن ن ُب َد ّل أ ْ أ ْ
ن ).{ (62 ول ت َذ َك ُّرو َ فَل َ ْ
مقرًرا للمعاد ) ، (1ورّدا على المكذبين به من أهل الزيغ واللحاد يقول تعالى ُ
َ َ
ن { ]الصافات : مب ُْعوُثو َ ما أئ ِّنا ل َ َ ظا ً ع َ مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا وَ ِ ذا ِ ،من الذين قالوا } :أئ ِ َ
ن
ح ُ ، [16وقولهم ذلك صدر منهم على وجه التكذيب والستبعاد ،فقال } :ن َ ْ
م { أي :نحن ابتدأنا خلقكم بعد أن لم تكونوا شيًئا مذكوًرا ،أفليس قَناك ُ ْ خل َ ْ َ
الذي قدر على البداءة بقادر على العادة بطريق الولى والحرى ؛ فلهذا قال
ن { أي :فهل تصدقون بالبعث! ثم قال مستدل عليهم بقوله صد ُّقو َ ول ت ُ َ } :فَل َ ْ
ن ال ْ َ قون َ ََ َ َ
ن { أي :أنتم تقرونه في قو َ خال ِ ُ ح ُ م نَ ْ هأ ْ خل ُ ُ َ ُ م تَ ْ ن .أأن ْت ُ ْ مُنو َ ما ت ُ ْ م َ } :أفََرأي ْت ُ ْ
الرحام وتخلقونه فيها ،أم الله الخالق لذلك ؟
ت { أي :صرفناه بينكم. مو ْ َ م ال ْ َ ن قَد ّْرَنا ب َي ْن َك ُ ُ ح ُ ثم قال } :ن َ ْ
وقال الضحاك :ساوى فيه بين أهل السماء والرض.
ن { أي :وما نحن بعاجزين. سُبوِقي َ م ْ ن بِ َ ح ُ ما ن َ ْ } وَ َ
ما ُ َ ُ َ َ َ َ َ َ
م ِفي َ شئ ك ْ م { أي :نغير خلقكم يوم القيامة } ،وَن ُن ْ ِ مثالك ْ ن ن ُب َد ّل أ ْ } عَلى أ ْ
ن { أي :من الصفات والحوال. مو َ ل ت َعْل َ ُ
َ
ن { أي :قد علمتم أن ول ت َذ َك ُّرو َ شأةَ الوَلى فَل َ ْ م الن ّ ْ مت ُ ُ قد ْ عَل ِ ْ ثم قال } :وَل َ َ
الله أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيًئا مذكوًرا ،فخلقكم وجعل لكم السمع
والبصار والفئدة ،فهل تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة -
وهي الَبداءة -قادر على النشأة الخرى ،وهي العادة بطريق الولى
ن عَل َي ْهِ { َ ذي ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ
م ي ُِعيد ُه ُ وَهُوَ أهْوَ ُ خل ْقَ ث ُ ّ والحرى ،وكما قال } :وَهُوَ ال ّ ِ
م يَ ُ
ك ل وَل َ ْ ن قَب ْ ُ م ْ قَناه ُ ِ خل َ ْ ن أ َّنا َ سا ُ ]الروم ، [27 :وقال } :أَول ي َذ ْك ُُر الن ْ َ
َ
فةٍ فَإ َِذا هُ َ
و ن ن ُط ْ َ م ْ قَناه ُ ِ خل َ ْ ن أ َّنا َ سا ُ م ي ََر الن ْ َ
َ
شي ًْئا { ]مريم ، [67 :وقال } :أوَل َ ْ َ
م.مي ٌي َر ِ م وَهِ َ َ
حِيي العِظا َ ْ ن يُ ْ م ْ ل َ ه َقا َ ق ُ خل َ ْ ي َ س َ مَثل وَن َ ِ ب لَنا َ َ ضَر َ ن .وَ َ مِبي ٌ م ُ صي ٌ خ ِ َ
م { ]يس ، [79 - 77 : ْ ُ
مّرةٍ وَهُوَ ب ِك ّ ها أوّ َ َ َ ذي أن ْ َ َ ّ قُ ْ
ق عَِلي ٌ خل ٍ ل َ ل َ شأ َ حِييَها ال ِ ل يُ ْ
ي ْ ُ َ َ َ َ َ
من ِ ّن َ م ْ ة ِ ف ً م ي َك ن ُط َ دى .أل ْ س ً ن ي ُت َْرك ُ نأ ْ سا ُ ب الن ْ َ س ُ ح َ وقال تعالى } :أي َ ْ
َ َ َ َ َ َ َ ن عَل َ َ م َ
ن الذ ّكَر َوالن َْثى .ألي ْ َ
س جي ْ ِ ه الّزوْ َ من ْ ُ ل ِ جعَ َ وى .ف َ س ّ خل ق َ ف َ ةف َ ق ً كا َ مَنى .ث ُ ّ يُ ْ
موَْتى { ؟ ]القيامة .[40 - 36 : ْ َ َ َ
ذ َل ِك ب ِ َ
ي ال َ حي ِ َ ن يُ ْ قادِرٍ عَلى أ ْ
__________
) (1في أ " :للعباد".
) (7/539
) (7/540
ن { أي :مجدودون ،يعني :ل حظ لنا. مو َ حُرو ُم ْ ن َ ح ُ ل نَ ْ وقال مجاهد } :ب َ ْ
ن { :تعجبون .وقال مجاهد فك ُّهو َ ْ َ
قال ابن عباس ،ومجاهد } :فَظلت ُ ْ
م تَ َ
ن { تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم. فك ُّهو َ م تَ َ ضا } :فَظ َل ْت ُ ْ
أي ً
وهذا يرجع إلى الول ،وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في
مالهم .وهذا اختيار ابن جرير ).(1
ن { تلومون .وقال الحسن ،وقتادة ، فك ُّهو َ م تَ َ وقال عكرمة } :فَظ َل ْت ُ ْ
ن { تندمون .ومعناه إما على ما أنفقتم ،أو على فك ُّهو َ م تَ َ والسدي } :فَظ َل ْت ُ ْ
ما أسلفتم من الذنوب.
قال الكسائي ) : (2تفكه من الضداد ،تقول العرب :تفكهت بمعنى تنعمت ،
وتفكهت بمعنى حزنت.
ْ ْ َ َ َ ّ ْ َ َ
ن{ مْز ِن ال ُ م َ موه ُ ِ م أنزلت ُ ُ ن .أأن ْت ُ ْ شَرُبو َ ذي ت َ ْ ماَء ال ِ م ال َ ثم قال تعالى } :أفََرأي ْت ُ ُ
ن َ
ح ُ م نَ ْ يعني :السحاب .قاله ابن عباس ،ومجاهد وغير واحد .} .أ ْ
ن { يقول :بل نحن المنزلون. منزُلو َ ال ْ ُ
ُ
مّرا ل يصلح لشرب ول زرع } ،فَل َ ْ
ول جا { أي ُ :زعاًقا ُ جا ً جعَل َْناه ُ أ َ شاُء َ } ل َوْ ن َ َ
ن { أي :فهل تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذًبا شك ُُرو َ تَ ْ
م ب ِهِ الّزْرعَ َ
ت لك ُ ْ ن .ي ُن ْب ِ ُ مو َ سي ُجٌر ِفيهِ ت ُ ِ ش َ ه َ من ْ ُ ب وَ ِ شَرا ٌ ه َ من ْ ُ م ِ َ
زلل! } لك ُ ْ
قوْم ٍة لِ َ ك لي َ ً ن ِفي ذ َل ِ َ ت إِ ّ مَرا ِ ل الث ّ َ ن كُ ّ م ْ ب وَ ِ ل َوالعَْنا َ خي َ ن َوالن ّ ِ َوالّزي ُْتو َ
ن { ]النحل .[11 ، 10 : فك ُّرو َ ي َت َ َ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا عثمان بن سعيد بن مرة ،حدثنا
ضيل بن مرزوق ،عن جابر ،عن أبي جعفر ،عن النبي صلى الله عليه فُ َ
وسلم :أنه إذا شرب الماء قال " :الحمد لله الذي سقانا عذًبا فراًتا برحمته ،
جا بذنوبنا" ).(3 حا أجا ً ولم يجعله مل ً
ّ َ َ
ن { أي :تقدحون من الزناد وتستخرجونها م الّناَر الِتي ُتوُرو َ ثم قال } :أفََرأي ْت ُ ُ
) (4من أصلها.
ن { أي :بل نحن الذين جعلناها ُ ْ َ َ } أ َأ َنتم أ َن َ ْ
شئو َ من ْ ِن ال ُ ح ُ م نَ ْ جَرت ََها أ ْ مش َ شأت ُ ْ ُْ ْ ْ
مودعة في موضعها ،وللعرب شجرتان :إحداهما :المرخ ،والخرى :
حك أحدهما بالخر ،تناثر من بينهما فار ،إذا أخذ منهما غصنان أخضران ف ُ العَ َ
شرر النار.
كر الناَر الكبرى. ها ت َذ ْك َِرة ً { قال مجاهد ،وقتادة :أي ت ُذ َ ّ جعَل َْنا َ ن َ ح ُ وقوله } :ن َ ْ
قال قتادة :ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :يا قوم ،ناركم
هذه التي توقدون جزء من سبعين جزًءا من نار جهنم" .قالوا :يا رسول الله
ضربت بالماء ضربتين -أو :مرتين -حتى إن كانت لكافية! قال " :قد ُ
يستنفع بها بنو آدم ويدنوا منها" ).(5
__________
) (1تفسير الطبري ).(27/115
) (2في أ " :قال السدي".
) (3وهذا مرسل وعزاه الهندي في كنز العمال ) (7/111إلى أبي نعيم في
الحلية.
) (4في م " :وتستخرجون".
) (5رواه الطبري في تفسيره ).(27/117
) (7/541
وهذا الذي أرسله قتادة رواه المام أحمد في مسنده ،فقال :
حدثنا سفيان ،عن أبي الّزناد ،عن العرج ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى
الله عليه وسلم " :إن ناركم هذه جزء من سبعين جزًءا من نار جهنم ،
وضربت بالبحر مرتين ،ولول ذلك ما جعل الله فيها منفعة لحد" ).(1
وقال المام مالك ،عن أبي الزناد ،عن العرج ،عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " :نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين
جزًءا من نار جهنم" .فقالوا :يا رسول الله إن كانت لكافية فقال " :إنها
فضلت عليها بتسعة وستين جزًءا".
رواه البخاري من حديث مالك ،ومسلم ،من حديث أبي الزناد ) ، (2ورواه
مر ،عن همام ،عن أبي هريرة ،به معْ َ
مسلم ،من حديث عبد الرزاق ،عن َ
ضلت عليها بتسعة وستين جزًءا َ ُ
) .(3وفي لفظ " :والذي نفسي بيده ،لقد ف ّ
كلهن مثل حرها".
وقال أبو القاسم الطبراني :حدثنا أحمد بن عمرو الخلل ،حدثنا إبراهيم بن
مْعن بن عيسى القزاز ،عن مالك ،عن عمه أبي المنذر الحزامي ،حدثنا َ
السهيل ،عن أبيه ،عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم ؟ لهي أشد سواًدا من
فا" ).(5 ]دخان[ ) (4ناركم هذه بسبعين ضع ً
قال الضياء المقدسي :وقد رواه ابن ) (6مصعب عن مالك ،ولم يرفعه ،
وهو عندي على شرط الصحيح.
ن { قال ابن عباس ،ومجاهد ،وقتادة ،والضحاك ، وي َق ِم ْعا ل ِل ْ ُمَتا ً
وقوله } :وَ َ
ن { المسافرين ،واختاره ابن جرير ، وي َ
ق ِ
م ْ ْ
والنضر بن عربي :معنى } ل ِل ُ
وقال :ومنه قولهم " :أقوت الدار إذا رحل أهلها".
واء :القفر الخالي البعيد من العمران. ق َي وال َ وقال غيره :الق ّ
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :المقوي هنا الجائع.
ن { للحاضروي َ
ق ِ عا ل ِل ْ ُ
م ْ مَتا ً وقال ليث ابن أبي سليم ،عن مجاهد } :وَ َ
والمسافر ،لكل طعام ل يصلحه إل النار .وكذا روى سفيان ،عن جابر
الجعفي ،عن مجاهد.
ن { المستمتعين ،الناس وي َ ق ِم ْجيح ،عن مجاهد قوله } :ل ِل ْ ُ وقال ابن أبي ن َ ِ
أجمعين .وكذا ذكر عن عكرمة.
__________
) (1المسند ).(2/244
) (2صحيح البخاري برقم ) (3265وصحيح مسلم برقم ).(2843
) (3صحيح مسلم برقم ).(2843
) (4زيادة من المعجم الوسط للطبراني.
) (5المعجم الوسط برقم )" (4843مجمع البحرين".
) (6في م ،أ " :وقد رواه أبو".
) (7/542
ُ
م )(76
ظي ٌ
ن عَ ِ م ل َوْ ت َعْل َ ُ
مو َ س ٌ ه لَ َ
ق َ جوم ِ ) (75وَإ ِن ّ ُ
واقِِع الن ّ ُ
م َ
م بِ َ فََل أقْ ِ
س ُ
وهذا التفسير أعم من غيره ،فإن الحاضر والبادي من غني وفقير الكل )(1
محتاجون للطبخ والصطلء والضاءة وغير ذلك من المنافع .ثم من لطف
الله تعالى أن أودعها في الحجار ،وخالص الحديد بحيث يتمكن المسافر من
حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه ،فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زنده
وأورى ،وأوقد ناره فأطبخ بها واصطلى ،واشتوى واستأنس بها ،وانتفع بها
ما في حق الناس سائر النتفاعات .فلهذا أفرد المسافرون وإن كان ذلك عا ّ
داش خ َ
كلهم .وقد يستدل له بما رواه المام أحمد وأبو داود من حديث أبي ِ
شامي ،عن رجل من المهاجرين من قََرن ،أن عبي ال ّ
شر َحّبان بن َزيد ال ّ
َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :المسلمون شركاء في ثلثة :النار
والكل والماء" ).(2
وروى ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله
ن :الماء والكل والنار" ).(3 من َعْ َ ث ل يُ ْ عليه وسلم " :ثل ٌ
عا مثل هذا وزيادة " :وثمنه حرام" ) .(4ولكن وله من حديث ابن عباس مرفو ً
وشب" وهو ضعيف ،والله أعلم. ح ْ
خَراش بن َ في إسناده "عبد الله بن ِ
ظيم ِ { أي :الذي بقدرته خلق هذه الشياء َ ِ عْ لا كَ سم ِ َرب ّ ح ِبا ْ
سب ّ ْوقوله } :فَ َ
جا
حا أجا ً
المختلفة المتضادة الماء العذب الزلل البارد ،ولو شاء لجعله مل ً
كالبحار المغرقة .وخلق النار المحرقة ،وجعل ذلك مصلحة للعباد ،وجعل
هذه منفعة لهم في معاش دنياهم ،وزاجًرا لهم في المعاد.
ُ
م ).{ (76 ظي ٌ
ن عَ ِ
مو َم ل َوْ ت َعْل َ ُ
س ٌ ه لَ َ
ق َ جوم ِ ) (75وَإ ِن ّ ُ واقِِع الن ّ ُ
م َم بِ َ } َفل أقْ ِ
س ُ
__________
) (1في م ،أ " :الجميع".
) (2المسند ) (5/364وسنن أبي داود برقم ).(3477
) (3سنن ابن ماجه برقم ).(2472
) (4سنن ابن ماجه برقم ).(2472
) (7/543
) (7/543
ُ
م { فليس وقال ابن جرير :وقال بعض أهل العربية :معنى قوله َ } :فل أقْ ِ
س ُ
المر كما تقولون ،ثم استأنف القسم بعد فقيل :أقسم.
جب َْير ،عن
جوم ِ { ،فقال حكيم بن ُ واقِِع الن ّ ُ
م َ
واختلفوا في معنى قوله } :ب ِ َ
جب َْير ،عن ابن عباس يعني :نجوم القرآن ؛ فإنه نزل جملة ليلة سعيد بن ُ
فّرًقا ) (1في السنين م َ
القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا ،ثم نزل ُ
بعد .ثم قرأ ابن عباس هذه الية.
وقال الضحاك عن ابن عباس :نزل القرآن جملة من عند الله من اللوح
سفرة مته ال ّ ج َفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا ،فن ّ س َ المحفوظ إلى ال ّ
على جبريل عشرين ليلة ،ونجمه جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم
ُ
جوم ِ { نجوم القرآن. واقِِع الن ّ ُ م َم بِ َ س ُ عشرين سنة ،فهو قوله َ } :فل أقْ ِ
حْزَرة. سد ّيّ ،وأبو َ مة ،ومجاهد ،وال ّ عك ْرِ َ وكذا قال ِ
جوم ِ { في السماء ،ويقال :مطالعها واقِِع الن ّ ُ م َ ضا } :ب ِ َ وقال مجاهد أي ً
ومشارقها .وكذا قال الحسن ،وقتادة ،وهو اختيار ابن جرير .وعن قتادة :
ضا :أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة. مواقعها :منازلها .وعن الحسن أي ً
ُ
جوم ِ { يعني بذلك :النواء التي كان واقِِع الن ّ ُ م َ م بِ َ س ُوقال الضحاك َ } :فل أقْ ِ
طروا ،قالوا :مطرنا بنوء كذا وكذا. م ِ أهل الجاهلية إذا ُ
م { أي :وإن هذا القسم الذي أقسمت ظي ٌ ن عَ ِ مو َ َ
م لوْ ت َعْل ُ َ س ٌق َ ه لَ َ وقوله } :وَإ ِن ّ ُ
ه
به لقسم عظيم ،لو تعلمون ) (2عظمته لعظمتم المقسم به عليه } ،إ ِن ّ ُ
م { أي :إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيمِ } .في ري ٌن كَ ِقْرآ ٌلَ ُ
ظم في كتاب معظم محفوظ موقر. ن { أي :مع ّ مك ُْنو ٍب َ ك َِتا ٍ
قال ابن جرير :حدثني إسماعيل بن موسى ) ، (3أخبرنا شريك ،عن حكيم -
نمط َهُّرو َ ه ِإل ال ْ ُ س ُ م ّ جب َْير ،عن ابن عباس } :ل ي َ َ هو ابن جبير -عن سعيد بن ُ
{ قال :الكتاب الذي في السماء.
ن { ) (4يعني : مط َهُّرو َ ه [ ِإل ال ْ ُ س ُ م ّ ي ،عن ابن عباس ] } :ل ي َ َ وقال العَوْفِ ّ
جب َْير ،والضحاك ، مة ،وسعيد بن ُ عك ْرِ َ الملئكة .وكذا قال أنس ،ومجاهد ،و ِ
سد ّيّ ،وعبد الرحمن بن زيد بن وأبو الشعثاء جابر بن زيد ،وأبو ن َِهيك ،وال ّ
أسلم ،وغيرهم.
وقال ابن جرير :حدثنا ابن عبد العلى ،حدثنا ابن ثور ،حدثنا معمر ،عن
ن { قال :ل يمسه عند الله إل المطهرون ، مط َهُّرو َ ه ِإل ال ْ ُ س ُ م ّ قتادة } :ل ي َ َ
فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ،والمنافق الرجس .وقال :
ن {. مط َهُّرو َ ه ِإل ال ْ ُ س ُ م ّ ما ي َ َ وهي في قراءة ابن مسعود َ } :
ن { ليس أنتم أصحاب الذنوب. مطهُّرو َ َ ْ
ه ِإل ال ُ س ُ م ّ وقال أبو العالية } :ل ي َ َ
عمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين ، وقال ابن زيد َ :ز َ
ه
ت بِ ِ َ
ما َتنزل ْ فأخبر الله تعالى أنه ل يمسه إل المطهرون كما قال } :وَ َ
ن{ ُ
معُْزولو َ َ
مِع ل َ س ْ
ن ال ّ ما ي َن ْب َِغي ل َهُ ْ ال ّ
م عَ ِ ن .إ ِن ّهُ ْ طيُعو َ ست َ ِ ما ي َ ْ م وَ َ ن .وَ َ طي ُشَيا ِ
]الشعراء .[212 - 210 :
__________
) (1في أ " :متفرقا".
) (2في أ " :لو علمتم".
) (3في م ،أ " :موسى ابن إسماعيل".
) (4زيادة من م.
) (7/544
) (7/545
عبد الرحمن ،عن علي ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله
َ
ن{، م ت ُك َذ ُّبو َ
م { ،يقول " :شكركم } أن ّك ُ ْ جعَُلو َ
ن رِْزقَك ُ ْ عليه وسلم } :وَت َ ْ
تقولون :مطرنا ب َِنوء كذا وكذا ،بنجم كذا وكذا" ).(1
ول ) (2بن إبراهيم النهدي - خ ّ
م َ
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ،عن أبيه ،عن ُ
وابن جرير ،عن محمد بن المثنى ،عن عبيد الله بن موسى ،وعن يعقوب
بن إبراهيم ،عن يحيى بن أبي ب ُك َْير ،ثلثتهم عن إسرائيل ،به مرفو ً
عا ).(3
مِنيع ،عن حسين بن محمد -وهو وكذا رواه الترمذي ،عن أحمد بن َ
المروزي -به .وقال " :حسن غريب" .وقد رواه سفيان ،عن عبد العلى ،
ولم يرفعه ).(4
وقال ابن جرير :حدثنا محمد بن بشار ،حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،
مط َِر قوم قط إل جب َْير ،عن ابن عباس قال :ما ُ عن أبي بشر ،عن سعيد بن ُ
مط ِْرَنا بنوء كذا وكذا .وقرأ ابن عباس : أصبح بعضهم كافًرا يقولون ُ :
"وتجعلون شكركم أنكم تكذبون".
وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس.
سان ،عن عبيد الله بن عبد الله بن وقال مالك في الموطأ ،عن صالح بن كي ْ َ
جهَّني أنه قال :صلى بنا رسول الله عتبة بن مسعود ،عن زيد بن خالد ال ُ
صلى الله عليه وسلم صلة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل ،
فلما انصرف أقبل على الناس فقال " :هل تدرون ماذا قال ربكم ؟" قالوا :
الله ورسوله أعلم" .قال :أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ،فأما من قال :
مطرنا بفضل الله ورحمته ،فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب .وأما من قال :
مطرنا بنوء كذا وكذا .فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب".
أخرجاه في الصحيحين ،وأبو داود ،والنسائي ،كلهم من حديث مالك ،به )
.(5
واد ،حدثنا عبد َ ّ س بن مرو َ ْ ع و ، المرادي سلمة بن محمد حدثنا : مسلم وقال
دثه ،عن أبي هريرة ، الله بن وهب ،عن عمرو بن الحارث ؛ أن أبا يونس َ ّ
ح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :ما أنزل الله من السماء من
بركة إل أصبح فريق من الناس بها كافرين ،ينزل الغيث ،فيقولون :بكوكب
كذا وكذا".
فّرد به مسلم من هذا الوجه ).(6 تَ َ
وقال ابن جرير :حدثني يونس ،أخبرنا سفيان ،عن محمد بن إسحاق ،عن
محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ،عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة أن
م بالنعمة أو ح القو َ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن الله ل َي ُ ْ
صب ِ ُ
طرنا بنوء كذا وكذا". م ُِيمسيهم بها فيصبح بها قوم كافرين يقولون ُ :
__________
) (1المسند ).(1/108
) (2في أ " :عن محمد".
) (3تفسير الطبري ).(27/119
) (4سنن الترمذي برقم ).(3295
) (5الموطأ ) (1/192وصحيح البخاري برقم ) (846وصحيح مسلم برقم )
(71وسنن أبي داود برقم ) (3906وسنن النسائي ).(3/164
) (6صحيح مسلم برقم ).(72
) (7/546
قال محمد -هو ابن إبراهيم : -فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب ،
فقال :ونحن قد سمعنا من أبي هَُريرة ،وقد أخبرني من شهد عمر بن
الخطاب ،رضي الله عنه ،وهو يستسقي ،فلما استسقى التفت إلى العباس
فقال :يا عباس ،يا عم رسول الله ،كم بقى من نوء الثريا ؟ فقال :العلماء
يزعمون أنها تعترض في الفق بعد سقوطها سبًعا .قال :فما مضت سابعة
طروا ).(1 م ِ حتى ُ
محمول على السؤال عن الوقت الذي أجرى الله فيه العادة بإنزال وهذا َ
المطر ،ل أن ذلك النوء يؤثر بنفسه في نزول المطر ؛ فإن هذا هو المنهي
فت َِح الل ّ ُ
ه ما ي َ ْ عن اعتقاده .وقد تقدم شيء من هذه الحاديث عند قوله َ } :
ك ل ََها { ]فاطر .[2 : س َ م ِ م ْ مةٍ َفل ُ ح َ
ن َر ْ م ْ س ِ ِللّنا ِ
وقال ابن جرير :حدثني يونس ،أخبرنا سفيان ،عن إسماعيل بن أمية -
أحسبه أو غيره -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجل -ومطروا -
شانين السد .فقال " :كذبت! بل هو رزق الله" ).(2 طرنا ببعض عَ َ م ِ يقول ُ :
ثم قال ابن جرير :حدثني أبو صالح الصراري ،حدثنا أبو جابر محمد بن عبد
الملك الزدي ) ، (3حدثنا جعفر بن الزبير ،عن القاسم ،عن أبي أمامة ،عن
طر قوم من ليلة إل أصبح قوم بها م ِ النبي صلى الله عليه وسلم قال " :ما ُ
َ
ن { ،يقول قائل : َ
م ت ُكذ ُّبو َ ُ
م أن ّك ْ ُ َ
ن رِْزقك ْ جعَُلو َ كافرين" ) .(4ثم قال } " :وَت َ ْ
طرنا بنجم كذا وكذا" ).(5 م ِ ُ
ط الناس سبع سنين ثم مطروا ح َِ ُ ق "لو : عاً مرفو سعيد أبي عن حديث وفي
دح" ).(6 ج َ م ْلقالوا :مطرنا بنوء ال ِ
َ
ن { قال :قولهم في النواء : م ت ُك َذ ُّبو َ م أن ّك ُ ْ ن رِْزقَك ُ ْ جعَُلو َ وقال مجاهد } :وَت َ ْ
طرنا بنوء كذا ،وبنوء كذا ،يقول :قولوا :هو من عند الله ،وهو رزقه. م ِ ُ
وهكذا قال الضحاك وغير واحد.
وقال قتادة :أما الحسن فكان يقول :بئس ما أخذ قوم لنفسهم ،لم يرزقوا
من كتاب الله إل التكذيب .فمعنى قول الحسن هذا :وتجعلون حظكم من
َ كتاب الله أنكم تكذبون به ؛ ولهذا قال قبله } :أ َفَب ِهَ َ
ن.
مد ْهُِنو َ م ُ ث أن ْت ُ ْ دي ِ ح ِذا ال ْ َ
وتجعُلون رزقَك ُ َ
ن{ م ت ُك َذ ُّبو َ م أن ّك ُ ْ ْ َ ِْ ََ ْ َ
َ َ ُ َ ْ ْ َ
ه
ب إ ِلي ْ ِن أقَْر ُ ح ُ ن ) (84وَن َ ْ حين َئ ِذ ٍ ت َن ْظُرو َ م ِ م ) (83وَأن ْت ُ ْ قو َ حل ُ ت ال ُ ول إ َِذا ب َلغَ ِ } فَل َ ْ
ن
جُعون ََها إ ِ ْ ن ) (86ت َْر ِ ديِني َ م ِ م غَي َْر َ ن ك ُن ْت ُ ْ ول إ ِ ْ ن ) (85فَل َ ْ صُرو َ ن ل ت ُب ْ ِ م وَل َك ِ ْ من ْك ُ ْ ِ
ن ).{ (87 صادِِقي َ م َ ُ
كن ْت ُ ْ
م { أي :الحلق ، قو َ ْ
حل ُ ْ
ت { أي :الروح } ال ُ َ
ول إ َِذا ب َلغَ ِ َ َ
يقول تعالى } :فل ْ
وذلك حين الحتضار
__________
) (1تفسير الطبري ).(27/120
) (2تفسير الطبري ).(27/120
) (3في أ " :الودي".
) (4في أ " :كافرون" وهو خطأ.
) (5تفسير الطبري ).(27/120
) (6رواه المام أحمد في مسنده ) (3/7وابن حبان في صحيحه برقم )(606
"موارد" من طريق عمرو بن دينار عن عتاب بن حنين عن أبي سعيد بلفظ :
"لو أمسك الله القطر عن الناس سبع سنين ثم أرسله لصبحت طائفة بها
كافرين يقولون :مطرنا بنوء المجدح".
) (7/547
َ َ
ن ن َ
كا َ ما إ ِ ْ ة ن َِعيم ٍ ) (89وَأ ّ جن ّ ُن وَ َحا ٌ ح وََري ْ َ ن ) (88فََروْ ٌ قّرِبي َ ن ال ْ ُ
م َ م َ ن ِ كا َ ن َ ما إ ِ ْ فَأ ّ
َ كم َ م َ
ن
كا َ ن َ ما إ ِ ْ ن ) (91وَأ ّ مي ِ ب ال ْي َ ِ حا ِص َ نأ ْ م لَ َ ِ ْ سَل ٌن ) (90فَ َ مي ِب ال ْي َ ِ حا ِ ص َ نأ ْ ِ ْ
ن
حيم ٍ ) (94إ ِ ّ ج ِ
ة َ
صل ِي َ ُميم ٍ ) (93وَت َ ْ ح ِن َ م ْ ٌ َ
ن ) (92فن ُُزل ِ ّ
ضالي َ ن ال ّ ّ
مكذِبي َ َ ْ
ن ال ُ م َ ِ
ظيم ِ )(96 َ ِ ع ْ لا كَ ب ر م س با ح ب س َ ف (95 ) ن قي ي ْ لا ق ح و ه َ ل ذا َ َ ه
َ ّ ْ ِ ْ ِ َ ّ ُ َ َ ّ َِ ِ
قَ .وال ْت َ ّ ل من راق .وظ َ َ
ت ف ِ فَرا ُ ه ال ْ ِ ن أن ّ ُ ي .وَِقي َ َ ْ َ ٍ َ ّ ت الت َّراقِ َ كل إ َِذا ب َل َغَ ِ كما قال َ } :
ساقُ { ]القيامة [30 ، 26 :؛ ولهذا قال م َ مئ ِذٍ ال ْ َ ك ي َوْ َ ق .إ َِلى َرب ّ َ سا ِ ساقُ ِبال ّ ال ّ
ن { أي :إلى المحتضر وما ُيكابده من سكرات ُ َ
حين َئ ِذ ٍ ت َن ْظُرو َ م ِ هاهنا } :وَأن ْت ُ ْ
الموت.
ن { أي :ولكن ل َ ُ َ ْ َ
صُرو َ ن ل ت ُب ْ ِ م { أي :بملئكتنا } وَلك ِ ْ من ْك ْ ب إ ِلي ْهِ ِ ن أقَر ُ ح ُ } وَن َ ْ
ل عَل َي ْك ُْ
م س ُ ر ي و ه
ِ ُ ْ َ ِ َ ِ ِ َُْ ِ د با ع ق و َ ف ر ه قا َ ْ ل ا و ه
َ ُ َ و } : الخرى الية في قال كما ترونهم.
م ُرّدوا إ َِلى ُ ُ َ
ن .ث ُّ َ طو ر ُ ّ َ ف ي ل م
ه ُر ُ َ َ ُ ْ
ه و نا ل س ت ت َوَفّت ْ ُ مو ْ ُ م ال ْ َ حد َك ُ ُ جاَء أ َ حّتى إ َِذا َ ة َ فظ َ ً ح َ َ
ن { ]النعام .[62 ، 61 : بي س حا ْ لا ُ ع ر س َ أ و ه و م ْ ك ح ْ ل ا ه َ ل أل َ ق ح ْ لا م ه ول م ه ّ ل ال
َ ِ ِ َ ُ ُ َ ُ َ ْ َ ُ َ ّ ِ َ ْ ُ ُ
جُعون ََها { :معناه :فهل َترجُعون هذه ر
َ َْ ِ ت ن ني
ِ دي م ر ي َ
ْ ِ ْ ُْ ْ َْ َ ِغ م ت نُ ك ن إ ول َ ل َ ف وقوله } :
النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مكانها الول ) ، (1ومقرها في الجسد إن
كنتم غير مدينين.
مة ،والحسن ، عكرِ َ ْ قال ابن عباس :يعني محاسبين .وُروي عن مجاهد ،و ِ
حْزَرة ،مثله. سد ّيّ ،وأبي َ وقتادة ،والضحاك ،وال ّ
ن { غير ديِني َ م غَي َْر َ
م ِ ُ
ن كن ْت ُ ْ ول إ ِ ْ َ
ري } :فَل ْ ص ِ جب َْير ،والحسن الب َ ْ وقال سعيد بن ُ
مصدقين أنكم ُتدانون وتبعثون وتجزون ،فردوا هذه النفس.
ن { غير موقنين. ديِني َ م ِ وعن مجاهد } :غَي َْر َ
مْهران :غير معذبين مقهورين. وقال ميمون بن ِ
َ َ ْ ن َ َ
نما إ ِ ْ ة ن َِعيم ٍ ) (89وَأ ّ جن ّ ُ ن وَ َ حا ٌ ح وََري ْ َ ن ) (88فَروْ ٌ قّرِبي َ م َ ن ال ُ م َ ن ِ كا َ ما إ ِ ْ } فَأ ّ
َ كم َ كان م َ
ن
ما إ ِ ْ ن ) (91وَأ ّ مي ِ ب ال ْي َ ِ حا ِ ص َ نأ ْ م لَ َ ِ ْ سل ٌ ن ) (90فَ َ مي ِ ب ال ْي َ ِ حا ِ ص َ نأ ْ َ َ ِ ْ
حيم ٍ )(94 ج ِة َ صل ِي َ ُ ميم ٍ ) (93وَت َ ْ ح ِ ن َ م ْ ل ِ ن )َ (92فنز ٌ ضاّلي َ ن ال ّ مك َذ ِّبي َ ن ال ْ ُ م َ ن ِ كا َ َ
ظيم ِ ).{ (96 ك ال ْعَ ِ سم ِ َرب ّ َ ح ِبا ْ سب ّ ْ ن ) (95فَ َ قي ِ حقّ ال ْي َ ِ ذا ل َهُوَ َ ن هَ َ إِ ّ
هذه الحوال الثلثة هي أحوال الناس عند احتضارهم :إما أن يكون من
المقربين ) ، (2أو يكون ممن دونهم من أصحاب اليمين .وإما أن يكون من
َ
المكذبين الضالين عن الهدى ،الجاهلين بأمر الله ؛ ولهذا قال تعالى } :فَأ ّ
ما
ن { ،وهم الذين فعلوا الواجبات قّرِبي َ م َ ن ال ْ ُ م َ ن { أي :المحتضر ِ } ، كا َ ن َ إِ ْ
والمستحبات ،وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات } ،فََروْ ٌ
ح
ة ن َِعيم ٍ { أي :فلهم روح وريحان ،وتبشرهم الملئكة بذلك عند جن ّ ُ ن وَ َ حا ٌ وََري ْ َ
الموت ،كما تقدم في حديث البراء :أن ملئكة الرحمة تقول " :أيتها الروح
الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ،اخرجي إلى روح وريحان ،ورب
غير غضبان".
ح { يقول :راحة وريحان ، َ
قال علي بن طلحة ) ، (3عن ابن عباس } :فَروْ ٌ
يقول :مستراحة.
__________
) (1في م " :الولى".
) (2في أ " :المقربين العلية".
) (3في م ،أ " :علي بن أبي طلحة".
) (7/548
وكذا قال مجاهد :إن الروح :الستراحة.
جب َْير ،والسدي :الروح : حْزَرة :الراحة من الدنيا .وقال سعيد بن ُ وقال أبو َ
ن { :جنة ورخاء .وقال قتادة :فروح حا ٌ ح وََري ْ َ َ
الفرح .وعن مجاهد } :فَروْ ٌ
ن{: حاي
ََ ْ َ ٌرو } : جبير بن وسعيد ، ومجاهد ، ورحمة ) .(1وقال ابن عباس
ورزق.
وكل هذه القوال متقاربة صحيحة ،فإن من مات مقرًبا حصل له جميعُ ذلك
ةجن ّ ُ
من الرحمة والراحة والستراحة ،والفرح والسرور والرزق الحسن } ،وَ َ
ن َِعيم ٍ {.
وقال أبو العالية :ل يفارق أحد من المقربين حتى ي ُؤَْتى بغصن من ريحان
الجنة ،فيقبض روحه فيه.
وقال محمد بن كعب :ل يموت أحد ٌ من الناس حتى يعلم :أمن أهل الجنة
هو أم ]من[ ) (2أهل النار ؟
هّ
ت الل ُ وقد قدمنا أحاديث الحتضار عند قوله تعالى في سورة إبراهيم } :ي ُث َب ّ ُ
خَرةِ [ { ]إبراهيم ، [27 : حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِت ]ِفي ال ْ َ ل الّثاب ِ ِ قو ْ ِمُنوا ِبال ْ َنآ َذي َال ّ ِ
) ، (3ولو كتبت هاهنا لكان حسًنا! ومن جملتها حديث تميم الداري ،عن
النبي صلى الله عليه وسلم يقول " :يقول الله لملك الموت :انطلق إلى
فلن ) (4فأتني به ،فإنه قد جربته بالسراء والضراء فوجدته حيث أحب ،
ائتني به فلريحنه .قال :فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من
ضَبائر الريحان ،أصل حُنوط من الجنة ،ومعهم َ الملئكة ،معهم أكفان و َ
الريحانة واحد وفي رأسها عشرون لوًنا ،لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه
،ومعهم الحرير البيض فيه المسك".
وذكر تمام الحديث بطوله كما تقدم ) ، (5وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه
الية :قال ) (6المام أحمد :
ديل بن ميسرة ) ، (7عن عبد حدثنا يونس بن محمد ،حدثنا هارون ،عن ب ُ َ
قيق ،عن عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ش ِالله بن َ
ن { برفع الراء. حا ٌح وََري ْ َ يقرأ } :فَُروْ ٌ
وكذا رواه أبو داود ،والترمذي ،والنسائي ،من حديث هارون -وهو ابن
موسى العور -به ) ، (8وقال الترمذي :ل نعرفه إل من حديثه.
ح{ َ
وهذه القراءة هي قراءة يعقوب وحده ،وخالفه الباقون فقرؤوا } :فَروْ ٌ
بفتح الراء.
__________
) (1في أ " :فروح وريحان".
) (2زيادة من أ.
) (3زيادة من م.
) (4في م ،أ " :إلى وليي".
) (5انظر :تفسير سورة إبراهيم الية .27 :
) (6في م " :فقال".
) (7في أ " :بن قيس".
) (8المسند ) (6/64وسنن أبي داود برقم ) (3991وسنن الترمذي برقم )
(2938وسنن النسائي الكبرى برقم ).(11566
) (7/549
وقال المام أحمد :حدثنا حسن ،حدثنا ابن ل َِهيَعة ،حدثنا أبو السود محمد
بن عبد الرحمن بن نوفل :أنه سمع دّرة بنت معاذ تحدث عن أم هانئ :أنها
ضا ؟سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم :أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بع ً
م ) (1طيًرا يعلق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :تكون الَنس ُ
بالشجر ،حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها" ).(2
هذا الحديث فيه بشارة لكل مؤمن ،ومعنى "يعلق" :يأكل ،ويشهد له
ضا ما رواه المام أحمد ،عن المام محمد بن إدريس الشافعي ، بالصحة أي ً
عن المام مالك بن أنس ،عن الزهري ،عن عبد الرحمن بن كعب بن
سمة مالك ،عن أبيه ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إنما ن َ َ
المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه" )
.(3وهذا إسناد عظيم ،ومتن قويم.
وفي الصحيح :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن أرواح
الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة ) (4حيث شاءت ،ثم تأوي
إلى قناديل معلقة بالعرش" ) (5الحديث.
وقال المام أحمد :حدثنا عفان ،حدثنا همام ،حدثنا عطاء بن السائب قال :
خا ) (6أبيض كان أول يوم عرفت فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى :رأيت شي ً
الرأس واللحية على حمار ،وهو يتبع جنازة ،فسمعته يقول :حدثني فلن بن
فلن ،سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :من أحب لقاء الله
أحب الله لقاءه ،ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" .قال :فأكب القوم
يبكون فقال " :ما ُيبكيكم ؟" فقالوا :إنا نكره الموت .قال " :ليس ذاك ،
َ
ة ن َِعيم ٍ { ،
جن ّ ُن وَ َ حا ٌ ح وََري ْ َن .فََروْ ٌ قّرِبي َم َ ن ال ْ ُ م َ ن ِ كا َ ن َ ما إ ِ ْ ضر } فَأ ّ ح ِ ولكنه إذا ُ
شر بذلك أحب لقاء الله عز وجل ،والله ،عز وجل ،للقائه أحب فإذا ب ُ ّ
نَ .فنز ٌ ّ َ ْ َ َ
م[ { ) حي ٍ ج ِ
ة َ صل ِي َ ُ
ميم ٍ ] وَت َ ْ ح ِن َ م ْ ل ِ ضالي َ ن ال ّ مكذ ِّبي َ ن ال ُ م َ ن ِ ن كا َ ما إ ِ ْ} وَأ ّ
شر بذلك كره لقاء الله ،والله للقاءه أكره. (7فإذا ب ُ ّ
هكذا رواه المام أحمد ) ، (8وفي الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها -
شاهد لمعناه ).(9
ن { أي :وأما إن كان المحتضر من ْ َ َ َ
مي ِب الي َ ِ حا ِ
كم َ
ص َ
نأ ْ م ْ ن ِ ن كا َ ما إ ِ ْوقوله } :وَأ ّ
ن { أي :تبشرهم الملئكة مي ِ ب ال ْي َ ِ حا ِ ص َ نأ ْ م لَ َ ِ ْ سل ٌ أصحاب اليمين } ،فَ َ
بذلك ،تقول لحدهم :سلم لك ،أي :ل بأس عليك ،أنت إلى سلمة ،أنت
من أصحاب اليمين.
سّلمت عليه ملئكة الله .كما م من عذاب الله ،و َ سل ِ َ وقال قتادة وابن زيد َ :
مة تسلم عليه الملئكة ،وتخبره أنه من أصحاب اليمين. عك ْرِ َقال ِ
__________
) (1في م ،أ " :النسمة".
) (2المسند ).(6/424
) (3المسند ).(3/455
) (4في م " :في رياض الجنة".
) (5تقدم الحديث عند تفسير الية 169 :من سورة آل عمران ،وانظر
تخريجه هناك.
) (6في أ " :شخصا".
) (7زيادة من م.
) (8المسند ).(4/259
) (9صحيح مسلم برقم ).(2684
) (7/550
وقال البخاري في آخر كتابه :حدثنا أحمد بن إشكاب ،حدثنا محمد بن فضيل
هريرة قال :قال رسول عة ،عن أبي ُ
عمارة بن القعقاع ،عن أبي ُزْر َ
،حدثنا ُ
الله صلى الله عليه وسلم " :كلمتان خفيفتان على اللسان ،ثقيلتان في
الميزان ،حبيبتان إلى الرحمن :سبحان الله وبحمده ،سبحان الله العظيم".
ورواه بقية الجماعة إل أبا داود ،من حديث محمد بن فضيل ،بإسناده ،مثله
).(1
__________
) (1صحيح البخاري برقم ) (7563وصحيح مسلم برقم ) (2694وسنن
الترمذي برقم ) (3467وسنن النسائي الكبرى برقم ) (10666وسنن ابن
ماجه برقم ).(3806
) (7/552
ت
ماَوا ِ س َ مل ْ ُ
ك ال ّ م ) (1ل َ ُ
ه ُ كي ُ زيُز ال ْ َ
ح ِ ض وَهُوَ ال ْعَ ِ ِ ت َواْل َْر ماَوا ِ س َ ما ِفي ال ّ ح ل ِل ّهِ َ
سب ّ َ
َ
ّ
خُر َوالظاهُِر َ ْ
ل َوال ِ َ ْ
ديٌر ) (2هُوَ الوّ ُ يٍء قَ ِ شَ ّ
ل ُ ك لى َ َ ع وُ هو ت مي
ِ ُ ي و يي ح
ْ ُ ي ض رواْل َ
ْ ُ َ َ َ ِ َ ْ ِ
م )(3 يٍء عَِلي ٌ ْ شَ ّ
ل ُ ك ِ ب َوال َْباط ِ ُ َ َ
و ُ ه و ن
) (7/5
وقال أبو داود حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثنا النضر بن محمد ،حدثنا
مْيل قال :سألت بن عباس فقلت :ما عكرمة -يعنى بن عمار -حدثنا أبو ُز َ
شيء أجده في صدري ؟ قال ما هو ؟ قلت والله ل أتكلم به قال :فقال لي
أشيء من شك ؟ قال -وضحك -قال :ما نجا من ذلك أحد قال حتى أنزل
ك َفا َ ما َأنزل َْنا إ ِل َي ْ َ
نم ْ
ب ِ ن ال ْك َِتا َ
قَرُءو َ ن يَ ْ ل ال ّ ِ
ذي َ سأ ِْ م ّ
ك ِ ش ّ
ت ِفي َ ن ك ُن ْ َ
الله } فَإ ِ ْ
ك [ { ) (1الية ]يونس [94 :قال :وقال لي : ن َرب ّ َ م ْحقّ ِ ْ جاَء َ
ك ال َ قد ْ َك ] لَ َ
قَب ْل ِ َ
و
ن وَهُ َ ْ ّ
خُر َوالظاهُِر َوالَباط ِ ُ ل َوال ِ ً
إذا وجدت في نفسك شيئا فقل } :هُوَ الوّ ُ
م { )(2 يٍء عَِلي ٌ ش ْل َ ب ِك ُ ّ
وقد اختلفت عبارات المفسرين في هذه الية وأقوالهم على نحو من بضعة
عشر قول.
ما والباطن على كل وقال البخاري :قال يحيى :الظاهر على كل شيء عل ً
ما )(3 شيء عل ً
قال شيخنا الحافظ المزيّ :يحيى هذا هو بن زياد الفراء ،له كتاب سماه :
"معاني القرآن".
وقد ورد في ذلك أحاديث ،فمن ذلك ما قال المام أحمد :حدثنا خلف بن
سهيل بن أبي صالح ،عن أبيه ،عن أبي الوليد ،حدثنا ابن عياش ،عن ُ
هريرة ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ) (4عند النوم :
"اللهم ،رب السموات السبع ،ورب العرش العظيم ،ربنا ورب كل شيء ،
منزل التوراة والنجيل والفرقان ،فالق الحب والنوى ،ل إله إل أنت ،أعوذ
بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته ،أنت الول ليس ) (5قبلك شيء
وأنت الخر ليس ) (6بعدك شيء ،وأنت الظاهر ليس فوقك شيء وأنت
الباطن ليس دونك شيء .اقض عنا الدين ،وأغننا من الفقر" )(7
سَهيل ورواه مسلم في صحيحه :حدثني زهير بن حرب ،حدثنا جرير عن ُ
قال :كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام :أن يضطجع على شقه
ب العرش العظيم ، ب الرض ور ّ ب السموات ور ّ اليمن ،ثم يقول :اللهم ،ر ّ
ب كل شيء ،فالق الحب والنوى ،ومنزل التوراة والنجيل َرب َّنا ور ّ
والفرقان ،أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ،اللهم ،أنت الول
فليس قبلك شيء ،وأنت الخر فليس بعدك شيء ،وأنت الظاهر فليس
فوقك شيء ،وأنت الباطن فليس دونك شيء ،اقض عنا الدين ،وأغننا من
الفقر.
وكان يروي ذلك ،عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم )(8
وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن عائشة أم المؤمنين نحو
هذا ،فقال حدثنا عقبة ،حدثنا يونس ،حدثنا السري بن إسماعيل ،عن
الشعبى ،عن مسروق ،عن عائشة أنها قالت :كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يأمر بفراشه فيفرش له مستقبل القبلة ،فإذا أوى إليه توسد
كفه اليمنى ،ثم همس -ما يدرى ما يقول -فإذا كان في آخر الليل رفع
صوته فقال " :اللهم ،رب السموات السبع ورب العرش العظيم ،إله كل
شيء ،ورب كل شيء ،ومنزل التوراة والنجيل والفرقان ،
__________
) (1زيادة من م.
) (2سنن أبي داود برقم ).(5110
) (3صحيح البخاري )" (13/361فتح".
) (4في م " :يقول".
) (5في م " :فليس".
) (6في م " :فليس"
) (7المسند ).(2/404
) (8صحيح مسلم برقم ).(2713
) (7/6
فالق الحب والنوى ،أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم ،أنت
الول الذي ليس ) (1قبلك شيء ،وأنت الخر الذي ليس بعدك شيء ،وأنت
الظاهر فليس فوقك شيء ،وأنت الباطن فليس دونك شيء ،اقض عنا
الدين ،وأغننا من الفقر" )(2
ً
السري بن إسماعيل هذا ابن عم الشعبي ،وهو ضعيف جدا والله أعلم.
وقال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الية :حدثنا عبد ُ بن حميد وغير
واحد -المعنى واحد -قالوا :حدثنا يونس بن محمد ،حدثنا شيبان بن عبد
الرحمن عن قتادة قال :حدث الحسن ،عن أبي هريرة قال :بينما رسول
حاب فقال نبي س َ
الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه ،إذ أتى عليهم َ
الله صلى الله عليه وسلم " :هل تدرون ما هذا ؟" .قالوا :الله ورسوله
أعلم .قال " :هذا العََنان ،هذه َرَوايا الرض تسوقه إلى قوم ل يشكرونه ول
عونه" .ثم قال " :هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال " ي َد ْ ُ
فإنها الرقيع ،سقف محفوظ ،وموج مكفوف" .ثم قال " :هل تدرون كم
بينكم وبينها" قالوا :الله ورسوله أعلم .قال " :بينكم وبينها خمسمائة سنة".
ثم قال " :هل تدرون ما فوق ذلك ؟" قالوا :الله ورسوله أعلم قال " :فإن
فوق ذلك سماء )ُ (3بعد ُ ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة -حتى عد ّ سبع
سموات -ما بين كل سماءين كما بين السماء والرض" .ثم قال " :هل
تدرون ما فوق ذلك ؟" قالوا :الله ورسوله أعلم .قال " :فإن فوق ذلك
العرش ،وبينه وبين السماء ُبعد ُ ) (4ما بين السماءين" .ثم قال " :هل تدرون
ما الذي تحتكم ؟" .قالوا :الله ورسوله أعلم .قال " :فإنها الرض" .ثم قال :
"هل تدرون ما الذي تحت ذلك ؟" .قالوا :الله ورسوله أعلم .قال " :فإن
تحتها أرضا ً أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة -حتى عد ّ ) (5سبع أرضين -
ضْين مسيرة خمسمائة سنة" .ثم قال " :والذي نفس محمد بيده ، َ
بين كل أْر َ
و
لو أنكم َدليتم بحبل إلى الرض السفلي لهبط على الله" ،ثم قرأ } :هُ َ
م{ يٍء عَِلي ٌش ْل َن وَهُوَ ب ِك ُ ّ ظاهُِر َوال َْباط ِ ُخُر َوال ّ ل َوال ِالوّ ُ
ثم قال الترمذي :هذا حديث غريب من هذا الوجه ،وُيروى عن أيوب ويونس
-يعني بن عبيد -وعلي بن زيد قالوا :لم يسمع الحسن من أبي هريرة.
وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا :إنما هََبط على عْلم الله وقدرته
وسلطانه ،وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان ،وهو على العرش ،
كما وصف في كتابه .انتهى كلمه )(6
وقد روى المام أحمد هذا الحديث عن سريج ،عن الحكم بن عبد الملك ،
عن قتادة ،عن الحسن ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
فذكره ،وعنده ُبعد ُ ما بين الْرضين مسيرة سبعمائة عام ،وقال " :لو دليتم
و
أحدكم بحبل إلى الرض السفلي السابعة لهبط على الله" ،ثم قرأ } :هُ َ
م{ يٍء عَِلي ٌش ْل َن وَهُوَ ب ِك ُ ّ ظاهُِر َوال َْباط ِ ُخُر َوال ّ ل َوال ِالوّ ُ
__________
) (1في م " :فليس".
) (2مسند أبي يعلى ).(8/210
) (3في م " :سماء بعد سماء".
) (4في م ،أ " :مثل بعد".
) (5في م " :عدد".
) (6سنن الترمذي برقم ).(3298
) (7/7
ورواه بن أبي حاتم والبزار من حديث أبي جعفر الرازي ،عن قتادة ،عن
الحسن ،عن أبي هريرة ...فذكر الحديث ،ولم يذكر بن أبي حاتم آخره وهو
قوله " :لو دليتم بحبل" ،وإنما قال " :حتى عَد ّ سبع أرضين بين كل أرضين
ُ
ن وَهُوَ ب ِك ّ
ل ظاهُِر َوال َْباط ِ ُ
خُر َوال ّ مسيرة خمسمائة عام" ،ثم تل } هُوَ الوّ ُ
ل َوال ِ
م{ يٍء عَِلي ٌ َ
ش ْ
وقال البزار :لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إل أبو هريرة.
ورواه بن جرير ،عن بشر ،عن يزيد ،عن سعيد ،عن قتادة } :هُوَ الوّ ُ
ل
ن { ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بينما هو ظاهُِر َوال َْباط ِ ُ
خُر َوال ّ َوال ِ
جالس في أصحابه إذ ثار عليهم سحاب ،فقال " :هل تدرون ما هذا ؟" )(1
وذكر الحديث مثل سياق الترمذي سواء ،إل أنه مرسل من هذا الوجه ،
ولعل هذا هو المحفوظ ،والله أعلم .وقد روي من حديث أبي ذر الغفاري ،
رضي الله عنه وأرضاه ،رواه البزار في مسنده ،والبيهقي في كتاب السماء
والصفات ) (2ولكن في إسناده نظر ،وفي متنه غرابة ونكارة ،والله سبحانه
وتعالى أعلم.
ن { ]الطلق " ["12حدثنا َ
مث ْلهُ ّض ِ
ن الْر ِ م َوقال ابن جرير عند قوله تعالى } وَ ِ
مر ،عن قتادة قال :التقى أربعة من معْ َابن عبد العلى ،حدثنا ابن ثور ،عن َ
الملئكة بين السماء والرض ،فقال بعضهم لبعض :من أين جئت ؟ قال
م ،قال الخر أحدهم :أرسلني ربي ،عز وجل ،من السماء السابعة وتركته ث َ ّ
م ،قال الخر : :أرسلني ربي ،عز وجل من الرض السابعة وتركته ث َ ّ
م ،قال الخر :أرسلني ربي من المغربأرسلني ربي من المشرق وتركته ث َ ّ
وتركته ث َ ّ
م )(3
وهذا ]حديث[ ) (4غريب جدا ً ،وقد يكون الحديث الول موقوًفا على قتادة
كما روي هاهنا من قوله ،والله أعلم.
__________
) (1تفسير الطبري ).(27/124
) (2السماء والصفات للبيهقي )ص (506من طريق أحمد بن عبد الجبار ،
عن أبي معاوية ،عن العمش ،عن أبي نصر ،عن أبي ذر ،ومن طريق
البيهقي رواه الجوزقاني في الباطيل ) (1/68وقال " :هذا حديث منكر"
) (3تفسير الطبري ).(28/99
) (4زيادة من م.
) (7/8
َ َ
ش ي َعْل َ ُ
م ْ
وى عَلى العَْر ِ
َ ست َ َ ما ْ ست ّةِ أّيام ٍ ث ُ ّ ض ِفي ِ ت َواْلْر َ ماَوا ِ س َ خل َقَ ال ّ ذي َ هُوَ ال ّ ِ
و ما ي َن ْزِ ُ َ ْ
ج ِفيَها وَهُ َ ما ي َعُْر ُ
ماِء وَ َ س َ ن ال ّ م َل ِ من َْها وَ َ ج ِ خُر ُما ي َ ْ ض وَ َ ج َِفي الْر ِ ما ي َل ِ ُ
َ
ض رَ ْ
ل وا ت وا ما س ال ُ
ك ْ ل م ه َ ل (4 ) ر صي ب ن لوُ م ع ت ما ب ه ّ ل وال م ت ن ُ ك ما ن يأ م ُ ك ع م
ّ َ َ ِ َ ْ ِ ُ ُ َ َ ِ ٌ ُْ ْ َ ُ ِ َ َْ َ
ُ
َ َ ْ ْ َ َ
و ه و
ْ ِ َ ُ َ ل يّ ل ال في رها ن ال ج
َّ ِ َُ ِ ُ َّ َ ِ ل يو و ر ها ن ال في ْ ِ لَ يّ لال ج ل
ُ ِ ُ يو ( 5 ) رُ ُمو لْ ا وَإ َِلى الل ّهِ ت ُ ْ َ ُ
ع ج ر
دورِ )(6 ص ُت ال ّ م بِ َ
ذا ِ عَِلي ٌ
ْ َ َ
ش
وى عَلى العَْر ِ ست َ َما ْ ست ّةِ أّيام ٍ ث ُ ّض ِفي ِ ت َوالْر َ ماَوا ِ س َ خل َقَ ال ّ ذي َ } هُوَ ال ّ ِ
ج ِفيَها
ما ي َعُْر ُ ماِء وَ َ س َن ال ّ م َ ل ِما َينز ُ من َْها وَ َ ج ِ خُر ُ ما ي َ ْ ض وَ َج َِفي الْر ِ ما ي َل ِ ُ م َ ي َعْل َ ُ
تماَوا ِ س َ ك ال ّ مل ْ ُ صيٌر ) (4ل َ ُ
ه ُ ن بَ ِ مُلو َ ما ت َعْ َه بِ َ م َوالل ّ ُ ما ك ُن ْت ُ ْ ن َم أي ْ َ معَك ُ ْ وَهُوَ َ
ج الن َّهاَر ِفي ج اللي ْل ِفي الن َّهارِ وَُيول ِ َُ ّ موُر )ُ (5يول ِ ُ جعُ ال ُ ّ
ض وَإ ِلى اللهِ ت ُْر ََ
َوالْر ِ
دورِ ){ (6 ّ ُص ال ت َ
ل وَ ُ َ َ ِ ٌ ِ ِ
ذا ب م لي ع و ه الل ّي ْ ِ
يخبر تعالى عن خلقه السموات والرض وما بينهما في ستة أيام ،ثم أخبر
باستوائه على العرش بعد خلقهن ،وقد تقدم الكلم على هذه الية وأشباهها
في سورة "العراف ) (1بما أغنى عن إعادته هاهنا.
__________
) (1عند تفسير الية .54 :
) (8/8
ض { أي :يعلم عدد ما يدخل فيها من حب وقطر ج ِفي الْر ِ ما ي َل ِ ُم َ } ي َعْل َ ُ
بح ال ْغَي ْ ِفات ِ ُ
م َ
عن ْد َه ُ َ
من َْها { من زرع وَنبات وثمار ،كما قال } :وَ ِ ج ِ خُر ُ ما ي َ ْ } وَ َ
مَها َول َ َ
ن وََرقةٍ ِإل ي َعْل ُ م ْقط ِ ُ س ُما ت َ ْ
حرِ وَ َ ْ ْ
ما ِفي الب َّر َوالب َ ْ م َ َ
مَها ِإل هُوَ وَي َعْل ُ َ
ل ي َعْل ُ
ن { ]النعام : ْ ُ ُ
مِبي ٍ ب ُ س ِإل ِفي ك َِتا ٍ ب َول َياب ِ ٍ ض َول َرط ٍ ت الْر ِ ما ِ حب ّةٍ ِفي ظل َ َ
.[59
ماِء { أي :من المطار ،والثلوج والبَرد ، س
ّ َ ال ن
ِ َم ُ
ل ينز ما
َ َ َ و } : وقوله
والقدار والحكام مع الملئكة الكرام ،وقد تقدم في سورة "البقرة" أنه ما
ينزل من قطرة من السماء إل ومعها ملك ُيقّررها في المكان الذي يأمر الله
به حيث يشاء تعالى.
ج ِفيَها { أي :من الملئكة والعمال ،كما جاء في الصحيح ما ي َعُْر ُوقوله } :وَ َ
ل الليل قبل النهار ،وعمل النهار قبل الليل" )(1 م ُ " :ي ُْرفَعُ إليه عَ َ
َ
صيٌر { أي :رقيب ن بَ ِ مُلو َ ما ت َعْ َ ه بِ َ م َوالل ّ ُ ما ك ُن ْت ُ ْ ن َ م أي ْ َ معَك ُ ْ وقوله } :وَهُوَ َ
عليكم ،شهيد على أعمالكم حيث أنتم ،وأين كنتم ،من بر أو بحر ،في ليل
أو نهار ،في البيوت أو القفار ،الجميع في علمه على السواء ،وتحت بصره
وسمعه ،فيسمع كلمكم ويرى مكانكم ،ويعلم سركم ونجواكم ،كما قال :
مام َم ي َعْل َ ُن ث َِياب َهُ ْ
شو َ ست َغْ ُن يَ ْحي َ ه َأل ِ من ْ ُفوا ِ خ ُ ست َ ْ م ل ِي َ ْ
دوَرهُ ْ ص ُ ن ُ م ي َث ُْنو َ
َ
} أل إ ِن ّهُ ْ
ممن ْك ُ ْ
واٌء ِ س َ دورِ { ]هود .[5 :وقال } َ ص ُ ت ال ّ ذا ِ م بِ َ ه عَِلي ٌ ن إ ِن ّ ُ ما ي ُعْل ُِنو َ ن وَ َ سّرو َ يُ ِ
ب ِبالن َّهارِ { ّ قو ْ َ ْ َ
سارِ ٌ
ل وَ َ ف ِباللي ْ ِ خ ٍ ست َ ْم ْ ن هُوَ ُ م ْ جهََر ب ِهِ وَ َ ن َ م ْ ل وَ َ سّر ال َ نأ َ م ْ َ
]الرعد ، [10 :فل إله غيره ول رب سواه .وقد ثبت في الصحيح أن رسول
الله صلى الله عليه سلم قال لجبريل ،لما سأله عن الحسان " :أن تعبد الله
كأنك تراه ،فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وروى الحافظ أبو بكر السماعيلي من حديث نصر بن خزيمة بن جنادة بن
محفوظ بن علقمة ،حدثني أبي ،عن نصر بن علقمة ،عن أخيه ،عن عبد
الرحمن بن عائذ قال :قال عمر :جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
صاِلح ست َِح الله كما تستحي رجل من َ فقال :زودني كلمة أعيش بها فقال " :ا ْ
عشيرتك ل يفارقك" )(2
هذا حديث غريب ،وروى أبو نعيم من حديث عبد الله بن معاوية الغاضري
م اليمان :من عبد الله وحده ،وأعطى ن فقد ط َعِ َ عا " :ثلث من فَعَل َهُ ّ مرفو ً
درنة ،ول ة بها نفسه في كل عام ،ولم يعط الهََرمة ول ال َ زكاة ماله طيب ً
سه" وقال ف َ شرط اللئيمة ول المريضة ولكن من أوسط أموالكم .وزكى ن َ ْ ال ّ
رجل :يا رسول الله ،ما تزكية المرء نفسه ؟ فقال " :يعلم أن الله معه
حيث كان" )(3
ماد ،رحمه الله :حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار ح ّوقال ن ُعَْيم بن َ
الحمصي ،عن محمد بن مهاجر ،عن عُْروَة َ بن ُرَويم ،عن عبد الرحمن بن
غنم ،عن عبادة بن الصامت قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " : َ
إن أفضل اليمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت" .غريب(4) .
__________
) (1صحيح مسلم برقم ) (179من حديث أبي موسى الشعري ،رضي الله
عنه.
) (2وذكره المؤلف في مسند عمر بن الخطاب ) (2/609من طريق
السماعيلي وقال " :إسناده غريب ،وفي حديث القدر " :فإن لم تكن تراه
فإنه يراك" وله شاهد من حديث سعيد بن يزيد عن بن عم له قال :قلت يا
رسول الله أوصني ،قال " :استح من الله كما تستحي من الرجل الصالح
من قومك" .أخرجه مجشل في تاريخ واسط )ص .(209
) (3ورواه البيهقي في السنن الكبرى ) (4/96من طريق الزبيدي عن يحيى
بن جابر ،أن عبد الرحمن بن جبير حدثه أن أباه حدثه أن عبد الله بن معاوية
الغاضري به ،ورواه أبو داود من طريق الزبيدي عن يحيى بن جابر ،عن
جبير بن نفير به نحوه ،والول أصح.
) (4ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )" (47مجمع البحرين" عن
مطلب ،عن نعيم بن حماد به وقال " :تفرد به عثمان" .ورواه أبو نعيم في
الحلية ) (6/124عن الطبراني ،عن يحيى بن عثمان ،عن نعيم بن حماد به ،
وقال " :غريب من حديث عروة لم نكتبه إل من حديث محمد بن مهاجر".
وعثمان بن سعيد لم يعرفه الهيثمي في المجمع ) ، (1/60وذكره بن أبي
حاتم في الجرح والتعديل ) (6/152ونقل عن يحيى بن معين أنه ثقة.
) (8/9
من ْك ُ ْ
م مُنوا ِ نآ َ
ذي َ
ن ِفيهِ َفال ّ ِ َ في َ خل َ ِ ست َ ْ م ْ م ُ جعَل َك ُ ْ ما َ م ّ قوا ِ سول ِهِ وَأ َن ْفِ ُ مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ آَ ِ
َ َ
مُنوا م ل ِت ُؤْ ِ عوك ُ ْ ل ي َد ْ ُ سو ُ ن ِبالل ّهِ َوالّر ُ مُنو َ م َل ت ُؤْ ِ ما ل َك ُ ْ جٌر ك َِبيٌر ) (7وَ َ مأ ْ قوا ل َهُ ْ ف ُ وَأن ْ َ
َ َ ّ ُ ُ َ ُ
ت
ل عَلى عَب ْدِهِ آَيا ٍ ذي ي ُن َّز ُ ن ) (8هُوَ ال ِ مِني َمؤ ْ ِ م ُ ن كن ْت ُ ْ م إِ ْ ميَثاقَك ْ خذ َ ِ م وَقَد ْ أ َ ب َِرب ّك ْ
ما م ) (9وَ َ حي ٌ ف َر ِ م لَرُءو ٌ َ ُ
ه ب ِك ْ ّ
ن الل َ ت إ ِلى الّنورِ وَإ ِ ّ َ ما ِ ُ ّ
ن الظل َ م َ
م ِ ُ
جك ْ خرِ َ ت ل ِي ُ ْ ب َي َّنا ٍ
َ َ ْ ّ ّ ّ َ
م ُ
من ْك ْ وي ِ ست َ ِض ل يَ ْ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ث ال ّ ميَرا ُ ل اللهِ وَل ِلهِ ِ سِبي ِ قوا ِفي َ م أل ت ُن ْفِ ُ ل َك ُ ْ
َ َ ُ َ
ن ب َعْد ُ م ْ قوا ِ ف ُ ن أن ْ َ ذي َن ال ّ ِ م َ ة ِ ج ًم د ََر َ ك أعْظ َ ُ ل أول َئ ِ َ فت ِْح وََقات َ َ ل ال ْ َ ن قَب ْ ِ م ْ فق َ ِ ن أن ْ َ م ْ َ
ذي ّ
ن ذا ال ِ َ م ْ خِبيٌر )َ (10 ن َ ملو َ ُ ما ت َعْ َ ه بِ َ ّ
سَنى َوالل ُ ح ْ ْ
ه ال ُ ّ ّ
وَقات َلوا وَكل وَعَد َ الل ُ ُ ُ َ
فه ل َه ول َه أ َ
م )(11 َ
ح َ ً ُ َ ِ ُ ُ َ ُ ْ ٌ ِ ٌ
ري ك ر ج َ ع ضا ي َ ف نا س ضا َ ه قَْر ً ض الل ّ َ قرِ ُ يُ ْ
أمر تعالى باليمان به وبرسوله على الوجه الكمل ،والدوام والثبات على
ذلك والستمرار ،وحث على النفاق مما جعلكم مستخلفين فيه أي مما هو
معكم على سبيل العارية ،فإنه قد كان في أيدي من قبلكم ثم صار إليكم ،
فأرشد تعالى إلى استعمال ما استخلفهم فيه من المال في طاعته ،فإن )(1
يفعلوا وإل حاسبهم عليه وعاقبهم لتركهم الواجبات فيه.
فا ن ِفيهِ { فيه إشارة إلى أنه سيكون مخل ً في َ خل َ ِست َ ْ م ْم ُ جعَل َك ُ ْ ما َ م ّوقوله ِ } :
عنك ،فلعل وارثك أن يطيع الله فيه ،فيكون أسعد بما أنعم الله به عليك
منك ،أو يعصي الله فيه فتكون قد سعيت في معاونته على الثم والعدوان.
قال المام أحمد :حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،سمعت قتادة
خير -عن أبيه قال :انتهيت ش ّ مط َّرف -يعني بن عبد الله بن ال ّ يحدث ،عن ُ
م الت ّ َ ْ َ
كاث ُُر { إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول } " :ألَهاك ُ ُ
]التكاثر ، [1 :يقول ابن آدم :مالي مالي! وهل لك من مالك إل ما أكلت
فأفنيت ،أو لبست فأبليت ،أو تصدقت فأمضيت ؟".
ورواه مسلم من حديث شعبة ،به ) (2وزاد " :وما سوى ذلك فذاهب وتاركه
للناس"
َ َ َ َ ُ ّ
جٌر كِبيٌر { ترغيب في اليمان مأ ْ قوا لهُ ْ ف ُ م وَأن ْ َ من ْك ْ مُنوا ِ نآ َ ذي َ وقوله َ } :فال ِ
والنفاق في الطاعة ،
م{؟ ُ
مُنوا ب َِرب ّك ْ م ل ِت ُؤْ ِ ُ
عوك ْ ل ي َد ْ ُ سو ُ ن ِباللهِ َوالّر ُ ّ مُنو َ م ل ت ُؤْ ِ ما ل َك ُ ْ ثم قال } :وَ َ
أي :وأي شيء يمنعكم من اليمان والرسول بين أظهركم ،يدعوكم إلى
ذلك ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به ؟ وقد روينا في
الحديث من ط ُُرق في أوائل شرح "كتاب اليمان" من صحيح البخاري :أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لصحابه " :أيّ المؤمنين أعجب
إليكم إيماًنا ؟" قالوا :الملئكة .قال " :وما لهم ل يؤمنون وهم عند ربهم ؟"
قالوا :فالنبياء .قال " :وما لهم ل يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟" .قالوا :
فنحن ؟ قال " :وما لكم ل تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ ولكن أعجب المؤمنين
فا يؤمنون بما فيها" )(3 ح ًص ُإيمانا قوم يجيؤون بعدكم يجدون ُ
ن
مُنو َ ن ي ُؤْ ِذي َ ّ
وقد ذكرنا طرًفا من هذا في أول سورة "البقرة" عند قوله } :ال ِ
ب { ]البقرة .[3 : ِبال ْغَي ْ ِ
َ
ميَثاقَ ُ
ه م وَ ِ ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ م َ م { كما قال َ } :واذ ْك ُُروا ن ِعْ َ ميَثاقَك ُ ْ خذ َ ِ وقوله } :وَقَد ْ أ َ
َ َ ْ
معَْنا وَأطعَْنا { ]المائدة .[7 :ويعني بذلك :بيعة س ِ م َ م ب ِهِ إ ِذ ْ قُلت ُ ْ قك ُ ْ
ذي َواث َ َ ال ّ ِ
الرسول صلى الله عليه وسلم.
وزعم ابن جرير أن المراد بذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم ،وهو
مذهب مجاهد ،فالله أعلم.
جا واضحات ، ً حج : أي { ت نا يب ت
َْ ِ ِ َ ٍ ََّ ٍ يا آ ه د ب ع لى َ ل عَ ذي ُينز ُ وقوله } :هُوَ ال ّ ِ
ت إ َِلى الّنورِ { ما ِ ن الظ ّل ُ َ م َم ِ جك ُ ْخرِ َ ودلئل باهرات ،وبراهين قاطعات } ،ل ِي ُ ْ
أي :من ظلمات الجهل والكفر والراء
__________
) (1في م " :وإن لم".
) (2المسند ) (4/24وصحيح مسلم برقم ).(2958
) (3سبق تخريج الحديث عند تفسير الية 3 :من سورة البقرة.
) (8/11
) (8/12
أسلم ،عن عطاء بن يسار ،عن أبي سعيد الخدري أنه قال :خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ،حتى إذا كنا بعسفان قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم
مع أعمالهم" فقلنا :من هم يا رسول الله أقريش ؟ قال :ل ولكن أهل
اليمن ،هم أرق أفئدة ً وألين قلوًبا" .فقلنا :أهم خير منا يا رسول الله ؟
مد ّ أحدكم ول قال " :لو كان لحدهم جبل من ذهب فأنفقه ،ما أدرك ُ
ق َ ُ
ف َن أن ْ َم ْ
م َ من ْك ْوي ِ ست َ َِنصيفه ،أل إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس } ،ل ي َ ْ
ن ب َعْد ُ وََقات َُلوا وَكلُ
م ْقوا ِ ف ُن أ َن ْ َ ن ال ّ ِ
ذي َ م َ
ة ِ
ج ًم د ََر َك أعْظ َ ُ
ل ُأول َئ ِ َ َفت ِْح وََقات َ َل ال ْ َن قَب ْ ِ
م ْ
ِ
خِبيٌر { )(1 ن َ ملو َُ ما ت َعْ َ
ه بِ َ ّ
سَنى َوالل ُ ح ْ ْ
ه ال ُ ّ
وَعَد َ الل ُ
[وهذا الحديث غريب بهذا السياق ،والذي في الصحيحين من رواية جماعة ،
كر الخوارج " : -تحقرون صلتكم مع عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد -ذ َ َ
صلتهم ،وصيامكم مع صيامهم ،يمرقون من الدين كما يمرق السهم من
الرمية" ) (2الحديث .ولكن روى ابن جرير هذا الحديث من وجه آخر ،فقال :
حدثني بن البرقي ،حدثنا بن أبي مريم ،أخبرنا محمد بن جعفر ،أخبرني زيد
بن أسلم ،عن أبي سعيد التمار ،عن أبي سعيد الخدري :أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " :يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع
أعمالهم" .قلنا :من هم يا رسول الله ؟ قريش ؟ قال " :ل ولكن أهل
اليمن ،لنهم أرق أفئدة ،وألين قلوًبا" .وأشار بيده إلى اليمن ،فقال " :هم
أهل اليمن ،أل إن اليمان يمان ،والحكمة يمانية" .فقلنا :يا رسول الله ،
هم خير منا ؟ قال " :والذي نفسي بيده ،لو كان لحدهم جبل من ذهب
مد ّ أحدكم ول نصيفه" .ثم جمع أصابعه ومد خنصره ،وقال : ينفقه ما أدى ُ
ل َ َ ُ "أل إن هذا فض ُ
ن قب ْ ِ م ْ فق َ ِ ن أن ْ َ م ْ م َ من ْك ْ وي ِ ست َ ِل ما بيننا وبين الناس } ،ل ي َ ْ
ُ َ ّ َ فتح وَقات َ ُ
ُ
ن ب َعْد ُ وَقات َلوا وَكل وَعَد َ َ م ْ
قوا ِ ف ُن أن ْ َ ذي َ
ن ال ِ م َة ِ ج ً م د ََر َ ل أول َئ ِك أعْظ ُ
َ َ ال ْ َ ْ ِ َ َ
خِبيٌر { [" )(4) (3 ن َ مُلو َ ما ت َعْ َ ه بِ َ سَنى َوالل ّ ُ ح ْ ه ال ْ ُ الل ّ ُ
فهذا السياق ليس فيه ذكر الحديبية فإن كان ذلك محفوظا كما تقدم ،
فيحتمل أنه أنزل قبل الفتح إخبارا عما بعده ،كما في قوله تعالى في سورة
لسِبي ِ ن ِفي َ قات ُِلو َ ن يُ َ خُرو َ "المزمل" -وهي مكية ،من أوائل ما نزل َ } : -وآ َ
الل ّهِ { الية ]المزمل [20 :فهي بشارة بما يستقبل ،وهكذا هذه والله أعلم.
سَنى { يعني المنفقين قبل الفتح وبعده ،كلهم ح ْ ه ال ْ ُ كل وَعَد َ الل ّ ُ وقوله } :وَ ُ
لهم ثواب على ما عملوا ،وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء كما قال :
ُ
لسِبي ِ ن ِفي َ دو َ جاهِ ُ م َ ضَررِ َوال ْ ُ ن غَي ُْر أوِلي ال ّ مِني َ مؤْ ِ ن ال ْ ُ م َ ن ِ دو َ ع ُ قا ِ وي ال ْ َ ست َ ِ } ل يَ ْ
َ َ َ ْ ّ َ َ
م عَلى سهِ ْ ف ِ م وَأن ْ ُ وال ِهِ ْ م َ ن ب ِأ ْ دي َ جاهِ ِ م َ ه ال ُ ل الل ُ ض َ م فَ ّ سهِ ْ ف ِ م وَأن ْ ُ وال ِهِ ْ م َ الل ّهِ ب ِأ ْ
ن
دي َ ع ِ قا ِن عََلى ال ْ َ دي َ جاهِ ِ م َه ال ْ ُ ل الل ّ ُ ض َ سَنى وَفَ ّ ح ْ ه ال ْ ُ كل وَعَد َ الل ّ ُ ة وَ ُ ج ًن د ََر َ دي َ ع ِقا ِ ال ْ َ
ما { ]النساء .[95 :وهكذا ) (5الحديث الذي في الصحيح : َ
ظي ً جًرا عَ ِ أ ْ
"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ،
__________
) (1تفسير الطبري ).(27/127
صحيح البخاري برقم ) (6931وصحيح مسلم برقم ).(4601 )(2
زيادة من م ،أ. )(3
تفسير الطبري ).(17/127 )(4
في م ،أ " :وهذا". )(5
) (8/13
وفي كل خير" ) (1وإنما ن َّبه بهذا لئل ُيهدَر جانب الخر بمدح الول دون
الخر ،فيتوهم متوهم ذمه ؛ فلهذا عطف بمدح الخر والثناء عليه ،مع
خِبيٌر { أي :فلخبرته ن َ مُلو َما ت َعْ َه بِ َ تفضيل الول عليه ؛ ولهذا قال َ } :والل ّ ُ
فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل ،ومن فعل ذلك بعد ذلك ،
وما ذلك إل لعلمه بقصد الول وإخلصه التام ،وإنفاقه في حال الجهد والقلة
والضيق .وفي الحديث " :سبق درهم مائة ألف" ) (2ول شك عند أهل
اليمان أن الصديق أبا بكر ،رضي الله عنه ،له الحظ الوفر من هذه الية ،
فإنه سّيد من عمل بها من سائر أمم النبياء ،فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه
الله ،عز وجل ،ولم يكن لحد عنده نعمة يجزيه بها.
وقد قال أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي عند تفسير هذه الية أخبرنا
أحمد بن إبراهيم الشريحي ) (3أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم
الثعلبي ،أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد ،أخبرنا أحمد بن إسحاق بن
أيوب ،أخبرنا محمد بن يونس ،حدثنا العلء بن عمرو الشيباني ،حدثنا أبو
إسحاق الفزاري ،حدثنا سفيان بن سعيد ،عن آدم بن علي ،عن ابن عمر
قال :كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق ،وعليه
خّلها في صدره بخلل ،فنزل جبريل فقال :مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد َ
ي قبل الفتح" قال : خلها في صدره ِبخلل ؟ فقال " :أنفق ماله عل ّ ّ عباءة قد َ
فإن الله يقول :اقرأ عليه السلم ،وقل له :أراض أنت عني في فقرك هذا
أم ساخط ؟ فقال رسول الله " :يا أبا بكر ،إن الله يقرأ عليك السلم ،
عني في فقرك هذا أم ساخط ؟" فقال :أبو بكر ، ويقول لك :أراض أنت َ
رضي الله عنه :أسخط على ربي عز وجل ؟ إني عن ربي راض )(4
هذا الحديث ضعيف السناد من هذا الوجه.
سًنا { قال عمر بن الخطاب :هو ح َ ضا َ ه قَْر ً ض الل ّ َ
قرِ ُ ذي ي ُ ْ ن َذا ال ّ ِ م ْ وقوله َ } :
النفاق في سبيل الله ،وقيل :هو النفقة على العيال والصحيح أنه أعم من
ذلك ،فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة وعزيمة صادقة ،دخل في
سًناح َضا َ ه قَْر ً ض الل ّ َ قرِ ُ ذي ي ُ ْ ن َذا ال ّ ِ م ْعموم هذه الية ؛ ولهذا قال َ } :
ّ َ
ضقب ِ ُ ضَعاًفا ك َِثيَرة ً َوالل ُ
ه يَ ْ ه { كما قال في الية الخرى } :أ ْ ه لَ ُف ُ
ع َ فَي ُ َ
ضا ِ
ن { ]البقرة (5) [245 :أي :جزاء جميل ورزق باهر - جُعو َ َ
صط وَإ ِلي ْهِ ت ُْر َُ وَي َب ْ ُ
وهو الجنة -يوم القيامة.
قال بن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة ،حدثنا خلف بن خليفة ،عن حميد
العرج ،عن عبد الله بن الحارث ،عن عبد الله بن مسعود قال :لما نزلت
ه { قال أبو ه لَ ُ
ف ُع َ
ضا ِ سًنا فَي ُ َ ح َ ضا َه قَْر ً ض الل ّ َ قرِ ُذي ي ُ ْ ن َذا ال ّ ِ م ْهذه الية َ } :
الدحداح النصاري :يا رسول الله ،وإن الله ليريد منا القرض ؟ " قال " :نعم
،يا أبا الدحداح" .قال أرني يدك يا رسول الله قال :فناوله يده قال :فإني
قد أقرضت ربي حائطي -وله حائط ) (6فيه ستمائة نخلة ،وأم الدحداح فيه
وعيالها -قال :فجاء
__________
) (1صحيح مسلم برقم ) (2664من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
) (2رواه النسائي في السنن ) (5/59من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
) (3في أ " :الشرعي".
) (4معالم التنزيل للبغوي ) (8/34وفيه " :إني عن ربي راض" مرتين ،ووجه
ضعفه أنه فيه العلء بن عمرو .قال بن حبان " :يروى أبي إسحاق الفزاري
العجائب ،ل يجوز الحتجاج به بحال" وساق الحديث.
) (5في أ ،م ،هـ " :أضعاًفا كثيرة وله أجر كريم" وهوخطأ ،والصواب ما
أثبتناه.
) (6في أ " :وحائط له".
) (8/14
أبو الدحداح فنادها :يا أم الدحداح .قالت :لبيك .فقال :اخرجي ،فقد
أقرضته ربي ،عز وجل -وفي رواية :أنها قالت له َ :ربح بيعك يا أبا الدحداح.
ونقلت منه متاعها وصبيانها ،وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
ذق َرَداح في الجنة لبي الدحداح" .وفي لفظ " :رب نخلة مدلة "كم من عَ ْ
عروقها دّر وياقوت لبي الدحداح في الجنة"(1) .
__________
) (1ورواه أبو يعلى في مسنده ) (8/404عن محرز بن عون ،عن خلف بن
خليفة به ،وضعفه الحافظ بن حجر في المطالب العالية برقم ) (4080كما
ذكره المحقق الفاضل حسين أسد.
) (8/15
) (8/15
وقد قال ابن أبي حاتم ،رحمه الله :حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ،
أخبرنا عمي ) (1عن يزيد بن أبي حبيب ،عن سعيد ) (2بن مسعود :أنه
مع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن س ِجب َْير يحدث :أنه َ سمع عبد الرحمن بن ُ
النبي صلى الله عليه وسلم قال " :أنا أول من يؤذن له يوم القيامة
بالسجود ،وأول من يؤذن له برفع رأسه ،فأنظر من بين يدي ومن خلفي ،
وعن يميني وعن شمالي ،فأعرف أمتي من بين المم" .فقال له رجل :يا
نبي الله ،كيف تعرف أمتك من بين المم ،ما بين نوح إلى أمتك ؟ قال :
جلون من أثر الوضوء ،ول يكون لحد من المم غيرهم ، ح ّم َ "أعرفهم ُ ،
وأعرفهم ي ُؤَْتون كتبهم بأيمانهم ،وأعرفهم بسيماهم في وجوههم ،وأعرفهم
بنورهم يسعى بين أيديهم وذريتهم )(4) (3
َ
ن
م ْ م { قال الضحاك :أي وبأيمانهم كتبهم ،كما قال } :فَ َ مان ِهِ ْ وقوله } وَب ِأي ْ َ
مين ِهِ { ]السراء .[71 : ُ
ه ب ِي َ ِ ي ك َِتاب َ ُ أوت ِ َ
حت َِها الن َْهاُر { أي :يقال لهم : ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِت تَ ْجّنا ٌ
م َ م ال ْي َوْ َ
شَراك ُ ُ وقوله } :ب ُ ْ
بشراكم اليوم جنات ،أي :لكم البشارة بجنات تجري من تحتها النهار ،
م {. فوُْز ال ْعَ ِ
ظي ُ ك هُوَ ال ْ َ دا } ذ َل ِ َ ن ِفيَها { أي :ماكثين فيها أب ً دي َ خال ِ ِ
} َ
ن
م ْ س ِقت َب ِ ْ ُ
مُنوا ان ْظُروَنا ن َ ْ نآ َ ذي َ ّ
ت ل ِل ِ قا ُ مَنافِ َ ْ
ن َوال ُ قو َمَنافِ ُ ْ
ل ال ُ قو ُ م يَ ُ
وقوله } :ي َوْ َ
م { وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من ُنورِك ُ ْ
الهوال المزعجة ،والزلزل العظيمة ،والمور الفظيعة ) (5وإنه ل ينجو
يومئذ إل من آمن بالله ورسوله ،وعمل بما أمر الله ،به وترك ما عنه زجر.
قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا عبدة بن سليمان ،حدثنا ابن المبارك ،
حدثنا صفوان بن عمرو ،حدثني سليم بن عامر قال :خرجنا على جنازة في
باب دمشق ،ومعنا أبو أمامة الباهلي ،فلما صلى على الجنازة وأخذوا في
دفنها ،قال أبو أمامة :أيها الناس ،إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل
تقتسمون فيه الحسنات والسيئات ،وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل
آخر ،وهو هذا -يشير إلى القبر -بيت الوحدة ،وبيت الظلمة ،وبيت الدود ،
وبيت الضيق ،إل ما وسع الله ،تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة ،فإنكم
في بعض تلك المواطن ]حتى[ ) (6يغشى الناس أمر من الله ،فتبيض وجوه
وتسود وجوه ،ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فتغشى الناس ظلمة شديدة ،
ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نوًرا ويترك الكافر والمنافق فل يعطيان
َ
ر
ح ٍت ِفي ب َ ْما ٍشيًئا ،وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه ،قال } أوْ ك َظ ُل ُ َ
ن ُنورٍ { ]النور ، [40 :فل يستضيء الكافر م ْ ه ِ ما ل َ ُ
ي { إلى قوله } :فَ َج ّ لُ ّ
والمنافق بنور المؤمن كما ل يستضيء العمى بنور ) (7البصير ،ويقول
مجُعوا وََراَءك ُ ْ
ل اْر ِ م ِقي َ ن ُنورِك ُ ْ
م ْ
س ِ المنافقون للذين آمنوا } :ان ْظ ُُروَنا ن َ ْ
قت َب ِ ْ
سوا ُنوًرا { وهي خدعة الله التي خدع َفال ْت َ ِ
م ُ
__________
) (1في أ " :أخي"
) (2في م " :سعيد".
) (3في م " :وبأيمانهم".
) (4ورواه الحاكم في المستدرك ) (2/478من طريق عبد الله بن صالح ،
عن الليث بن سعد ،عن يزيد بن أبي حبيب به نحوه ،وله طريق آخر سيأتي
عند تفسير سورة التحريم.
) (5في أ " :العظيمة".
) (6في هـ " :يوم" ،والمثبت من م ،أ.
) (7في م " :ببصر".
) (8/16
) (8/17
مؤذن بيت المقدس -قال :سمعت عبد الله بن عمرو يقول :إن السور
ه
ه ِفي ِ ب َباط ِن ُ ُ سورٍ ل َ ُ
ه َبا ٌ م بِ ُ
ب ب َي ْن َهُ ْ الذي ذكر ) (1الله في القرآن } :فَ ُ
ضرِ َ
ب { هو السور الشرقي باطنه المسجد وما ن قِب َل ِهِ ال ْعَ َ
ذا ُ م ْ ة وَ َ
ظاهُِرهُ ِ م ُ
ح َ
الّر ْ
يليه ،وظاهره وادي جهنم.
ثم روي عن عبادة بن الصامت ،وكعب الحبار ،وعلي بن الحسين زين
العابدين ،نحو ذلك .وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى
ومثال لذلك ،ل أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين ونفس
المسجد وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم ؛ فإن الجنة في
السموات في أعلى عليين ،والنار في الدركات أسفل سافلين .وقول كعب
الحبار :إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب
ضَرب يوم المسجد ،فهذا من إسرائيلياته وت ُّرهاته .وإنما المراد بذلك :سوٌر ي ُ ْ
القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين ،فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه
من بابه ،فإذا استكملوا ُدخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في
الحيرة والظلمة والعذاب ،كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك
وحيرة } ينادونه َ
م { أي :ينادي المنافقون المؤمنين :أما )(2 معَك ُ ْ ن َ م ن َك ُ ْ م أل َ ْ َُ ُ َُ ْ
كنا معكم في الدار الدنيا ،نشهد معكم الجمعات ،ونصلي معكم الجماعات ،
ونقف معكم بعرفات ،ونحضر معكم الغزوات ،ونؤدي معكم سائر
الواجبات ؟ } َقاُلوا ب ََلى { أي :فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين :بلى ،قد
ي { قال مان ِ ّ م ال َ م وَغَّرت ْك ُ ُ م َواْرت َب ْت ُ ْ صت ُ ْم وَت ََرب ّ ْ سك ُ ْ ف َ م أ َن ْ ُم فَت َن ْت ُ ْ كنتم معنا } ،وَل َك ِن ّك ُ ْ
بعض السلف :أي فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات
م { أي :أخرتم التوبة من وقت إلى وقت. صت ُ ْ } وَت ََرب ّ ْ
م { أي :بالبعث بعد الموت م { بالحق وأهله } َواْرت َب ْت ُ ْ صت ُ ْوقال قتادة } :وَت ََرب ّ ْ
جاَء
حّتى َ ي { أي :قلتم :سيغفر لنا .وقيل :غرتكم الدنيا } َ مان ِ ّ م ال َ } وَغَّرت ْك ُ ُ
ْ ّ َ
م ِباللهِ الغَُروُر { أي مُر الل ّهِ { أي :ما زلتم في هذا حتى جاء الموت } وَغَّرك ْ
ُ أ ْ
:الشيطان.
قال قتادة :كانوا على خدعة من الشيطان ،والله ما زالوا عليها حتى قذفهم
الله في النار.
ومعنى هذا الكلم من المؤمنين للمنافقين :إنكم كنتم معنا ]أي[ ) (3بأبدان
ل نية لها ول قلوب معها ،وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم ُتراؤون الناس ول
تذكرون الله إل قليل.
قال مجاهد :كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم
ويعاشرونهم ،وكانوا معهم أمواتا ،ويعطون النور جميًعا يوم القيامة ،ويطفأ
النور من المنافقين إذا بلغوا السور ،وُيماز بينهم حينئذ.
وهذا القول من المؤمنين ل ينافي قولهم الذي أخبر الله به عنهم ،حيث
َ
بحا َ ص َ ة ِإل أ ْ هين َ ٌ ت َر ِ سب َ ْ ما ك َ َ س بِ َ ف ٍ ل نَ ْ يقول -وهو أصدق القائلين } : -ك ُ ّ
م نَ ُ
ك َ ُ
قَر َقالوا ل ْ س َم ِفي َ سلك َك ُ ْ َ ما َ ن َ مي َ جرِ ِم ْ ن ال ْ ُ ساَءُلو َ ال ْي َ ِ
ن عَ ِ ت ي َت َ َ جّنا ٍ ن ِفي َ مي ِ
بن وَك ُّنا ن ُك َذ ّ ُ ضي َ خائ ِ ِ معَ ال ْ َ ض َ خو ُ ن وَك ُّنا ن َ ُ كي َ س ِ م ْ م ال ْ ِ ك ن ُط ْعِ ُ م نَ ُ ن وَل َ ْ صّلي َ م َ ن ال ْ ُم َ ِ
ن { ]المدثر ، [47 - 38 : ْ َ
قي ُ حّتى أَتاَنا الي َ ِ ن َ دي ِ ب ِي َوْم ِ ال ّ
__________
) (1في م " :ذكره".
) (2في م " :إنا".
) (3زيادة من م.
) (8/18
مافهذا إنما خرج منهم على وجه التقريع لهم والتوبيخ .ثم قال تعالى } :فَ َ
ن { ]المدثر ، [48 :كما قال تعالى هاهنا َ } :فال ْي َوْ َ
م ة ال ّ
شافِِعي َ فاعَ ُ م َ
ش َ فعُهُ ْ ت َن ْ َ
فُروا { أي :لو جاء أحدكم اليوم بملء ن كَ َ ن ال ّ ِ
ذي َ م َة َول ِ م فِد ْي َ ٌ من ْك ُ ْخذ ُ ِل ي ُؤْ َ
الرض ذهًبا ومثله معه ليفتدى به من عذاب الله ،ما قبل منه.
وقوله ْ } :
م الّناُر { أي :هي مصيركم وإليها منقلبكم. مأَواك ُ ُ َ
م { أي :هي أولى بكم من كل منزل على كفركم ولك ُْ َ َ ْم ي ِ ه وقوله } :
وارتيابكم ،وبئس المصير.
َ ْ َ
حقّ َول ن ال ْ َ م َل ِ ما نز َ م ل ِذِك ْرِ الل ّهِ وَ َ شعَ قُُلوب ُهُ ْ خ َ ن تَ ْ مُنوا أ ْ نآ َ ذي َ ن ل ِل ّ ِ } أل َ ْ
م ي َأ ِ
كال ّذي ُ
م وَك َِثيٌر ت قُُلوب ُهُ ْ س ْق َ مد ُ ف َ َ م ال َ ل عَل َي ْهِ ُ طا َ ل فَ َ ن قَب ْ ُ م ْ ب ِ ن أوُتوا ال ْك َِتا َ كوُنوا َ ِ َ يَ ُ
َ
ت
م الَيا ِ موْت َِها قَد ْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُض ب َعْد َ َ حِيي الْر َ ه يُ ْن الل ّ َ موا أ ّ ن ) (16اعْل َ ُ قو َ س ُ م َفا ِ من ْهُ ْ ِ
ن ){ (17 َ لو ُ لَ َ ْ َ ْ ِ
ق ع ت م ُ ك ّ ل ع
يقول الله تعالى :أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ،أي :تلين
عند الذكر والموعظة وسماع القرآن ،فتفهمه وتنقاد ُ له وتسمع له وتطيعه.
مّري ،عن قتادة ،عن ابن عباس قال عبد الله بن المبارك :حدثنا صالح ال ُ
أنه قال :إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلث عشرة
َ ْ َ
م ل ِذِك ْ ِ
ر شعَ قُُلوب ُهُ ْ خ َ ن تَ ْ مُنوا أ ْ نآ َ ذي َ ن ل ِل ّ ِ
م ي َأ ِ من نزول القرآن ،فقال } :أل َ ْ
الل ّهِ { الية ،رواه ابن أبي حاتم ،عن الحسن بن محمد بن الصباح ،عن
حسين المروزي ،عن ابن المبارك ،به.
ثم قال هو ومسلم :حدثنا يونس بن عبد العلى ،أخبرنا ابن وهب ،أخبرني
عمرو بن الحارث ،عن سعيد بن أبي هلل -يعني الليث -عن عون بن عبد
الله ،عن أبيه ،عن ابن مسعود ،رضي الله عنه ،قال :ما كان بين إسلمنا
َ ْ َ
م ل ِذِك ْ ِ
ر شعَ قُُلوب ُهُ ْ خ َ ن تَ ْ مُنوا أ ْ نآ َ ذي َن ل ِل ّ ِ م ي َأ ِ وبين أن عاتبنا الله بهذه الية } أل َ ْ
الل ّهِ { ]الية[ ) (1إل أربع سنين )(2
كذا رواه مسلم في آخر الكتاب .وأخرجه النسائي عند تفسير هذه الية ،عن
هارون بن سعيد اليلي ،عن ابن وهب ،به ) (3وقد رواه ابن ماجة من
حديث موسى بن يعقوب الزمعي ) (4عن أبي حزم ،عن عامر بن عبد الله
بن الزبير ،عن أبيه ،مثله ) (5فجعله من مسند بن الزبير .لكن رواه البزار
في مسنده من طريق موسى بن يعقوب ،عن أبي حازم ،عن عامر ،عن
بن الزبير ،
__________
) (1زيادة من م.
) (2صحيح مسلم برقم ).(3027
) (3سنن النسائي الكبري برقم )(11568
) (4في أ " :الربعي".
) (5سنن ابن ماجة برقم ).(4192
) (8/19
) (8/20
بني إسرائيل إلى كتابنا هذا ،فمن تابعنا عليه تركناه ،ومن كره أن يتابعنا )
مد َ (1قتلناه .ففعلوا ذلك ،وكان فيهم رجل فقيه ،فلما رأي ما يصنعون عَ َ
إلى ما يعرف من كتاب الله فكتبه في شيء لطيف ،ثم أدرجه ،فجعله في
قرن ثم علق ذلك القرن في عنقه ،فلما أكثروا القتل قال بعضهم لبعض :يا
هؤلء ،إنكم قد أفشيتم القتل في بني إسرائيل ،فادعوا فلنا فاعرضوا عليه
كتابكم ،فإنه إن تابعكم فسيتابعكم بقية الناس ،وإن أبى فاقتلوه .فدعوا
فلًنا ذلك الفقيه فقالوا :تؤمن بما في كتابنا ؟ قال :وما فيه ؟ اعرضوه
ي .فعرضوه عليه إلى آخره ،ثم قالوا :أتؤمن بهذا ؟ قال :نعم ،آمنت عل ّ
بما في هذا وأشار بيده إلى القرن -فتركوه ،فلما مات نبشوه فوجدوه
قا ) (2ذلك القرن ،فوجدوا فيه ما يعرف من كتاب الله ،فقال بعضهم مت َعَل ّ ً
ُ
لبعض :يا هؤلء ،ما كنا نسمع هذا أصابه فتنة .فافترقت بنو إسرائيل على
ثنتين وسبعين ملة ،وخير مَللهم ملة أصحاب ذي القرن".
قال ابن مسعود ] :وإنكم[ ) (3أوشك بكم إن بقيتم -أو :بقي من بقي منكم
) - (4أن تروا أمورا تنكرونها ،ل تستطيعون لها ِغي ًَرا ،فبحسب المرء منكم
أن يعلم الله من قلبه أنه لها كاره.
وقال أبو جعفر الطبري :حدثنا ابن ) (5حميد ،حدثنا جرير ،عن مغيرة ،عن
عرقوب ) (6إلى بن مسعود أبي معشر ،عن إبراهيم قال :جاء عتريس بن ُ
فقال :يا أبا عبد الله ) (7هلك من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
فقال عبد الله :هلك من لم يعرف قلُبه معروًفا ولم ينكر قلُبه منكًرا ؛ إن
بني إسرائيل لما طال عليهم المد وقست قلوبهم ،اخترعوا كتاًبا من بين
أيديهم وأرجلهم ،استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم ،وقالوا :نعرض على
بني إسرائيل هذا الكتاب فمن آمن به تركناه ،ومن كفر به قتلناه .قال :
فجعل رجل منهم كتاب الله في قَْرن ،ثم جعل القرن بين ثندوتيه فلما قيل
دوتيه -ومالي ل له :أتؤمن بهذا ؟ قال آمنت به -ويومئ إلى القرن بين ث َن ْ ُ
قرن )(8 مّلة صاحب ال َ مل َِلهم اليوم ِ أؤمن بهذا الكتاب ؟ فمن خير ِ
ّ َ َ َ
م ُ
ت لعَلك ْم الَيا ِ ُ َ
موْت َِها قد ْ ب َي ّّنا لك ُ
ض ب َعْد َ َ
حِيي الْر َ ن الل ّ َ
ه يُ ْ موا أ ّ وقوله } :اعْل َ ُ
ن { فيه إشارة إلى أنه ،تعالى ،يلين القلوب بعد قسوتها ،وَيهدي قُلو َ
ت َعْ ِ
ضلتها ،ويفّرج الكروب بعد شدتها ،فكما يحيي الرض الميتة حَيارى بعد َ ال َ
المجدبة الهامدة بالغيث الهّتان ]الوابل[ ) (9كذلك يهدي القلوب القاسية
ببراهين القرآن والدلئل ،ويولج إليها النور بعد ما كانت مقفلة ل يصل إليها
الواصل ،فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلل ،والمضل لمن أراد بعد
الكمال ،الذي هو لما يشاء فعال ،وهو الحكم العدل في جميع الفعال ،
اللطيف الخبير الكبير المتعال.
__________
) (1في أ " :يتابعنا عليه"
) (2في أ " :معلقًا"
) (3زيادة من م.
) (4في م " :معكم".
) (5في أ " :أبو"
) (6في أ " :جابر بن سويد عن قرب"
) (7في أ " :يا أبا عبد الله".
) (8تفسير الطبري ).(27/132
) (9زيادة من أ.
) (8/21
ف ل َهم ول َه َ َ
جٌر
مأ ْضاعَ ُ ُ ْ َ ُ ْ
سًنا ي ُ َ
ح َ
ضا َ ضوا الل ّ َ
ه قَْر ً ت وَأقَْر ُ
صد َّقا ِ ن َوال ْ ُ
م ّ صد ِّقي َ ن ال ْ ُ
م ّ إِ ّ
م )(18 كَ ِ
ري ٌ
َ
م وَل َهُ ْ
م ف ل َهُ ْ
ضاعَ ُ
سًنا ي ُ َ
ح َ
ضا َ ضوا الل ّ َ
ه قَْر ً ت وَأقَْر ُ
صد َّقا ِ ن َوال ْ ُ
م ّ صد ِّقي َ
م ّن ال ْ ُ } إِ ّ
َ
م ){ (18 ري ٌ جٌر ك َ ِأ ْ
) (8/22
م ل َهُ ْ
م عن ْد َ َرب ّهِ ْ
داُء ِ
شهَ َن َوال ّ قو َ دي ُ
ص ّم ال ّ ك هُ ُ سل ِهِ ُأول َئ ِ َ
مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ
ذي َ
نآ َ َوال ّ ِ َ
َ ُ َ َ
حيم ِ )(19 ب ال ْ َ
ج ِ حا ُ ص َ
كأ ْ فُروا وَك َذ ُّبوا ب ِآَيات َِنا أول َئ ِ َ ن كَ َ م َوال ّ ِ
ذي َ م وَُنوُرهُ ْ
جُرهُ ْ أ ْ
م ل َهُ ْ
م عن ْد َ َرب ّهِ ْ
داُء ِ شهَ َ ن َوال ّ قو َ دي ُ ص ّ م ال ّ ك هُ ُ سل ِهِ ُأول َئ ِ َ مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ نآ َ ذي َ } َوال ّ ِ
َ ُ َ
حيم ِ ){ (19 ج ِب ال ْ َ حا ُ ص َ كأ ْ فُروا وَك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا أول َئ ِ َ ن كَ َ ذي َ م َوال ّ ِ م وَُنوُرهُ ْ جُرهُ ْ أ ْ
صدقات بأموالهم على أهل الحاجة م ّ صدقين وال ُ م ّ يخبر تعالى عما يثيب به ال ُ
ّ َ
سًنا { أي :دفعوه بنية خالصة ح َ ضا َ ه قَْر ً ضوا الل َ والفقر والمسكنة } ،وَأقَْر ُ
ابتغاء وجه الله ،ل يريدون جزاء ممن أعطوه ول شكوًرا ؛ ولهذا قال :
م { أي :يقابل لهم الحسنة بعشر أمثالها ،ويزداد على ذلك إلى ف ل َهُ ُ ضاعَ ُ } يُ َ
م { أي :ثواب جزيل حسن ، َ َ َ
ري ٌ جٌر ك ِ مأ ْ سبعمائة ضعف وفوق ذلك } وَلهُ ْ
ُ
م{ ري ٌ ومرجع صالح ومآب } ك َ ِ
ن { هذا تمام لجملة ، قو َ دي ُ ص ّ م ال ّ ك هُ ُ سل ِهِ أول َئ ِ َ مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ نآ َ ذي َ وقوله َ } :وال ّ ِ
وصف المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون.
ُ
سل ِهِ أول َئ ِ َ
ك مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ نآ َ ذي َ وفي ،عن ابن عباس في قوله َ } :وال ّ ِ قال العَ ْ
م {. َ َ ن { هذه مفصولة } َوال ّ
م وَُنوُرهُ ْ جُرهُ ْ مأ ْ م لهُ ْ عن ْد َ َرب ّهِ ْ داُء ِ شهَ َ قو َ دي ُ ص ّ م ال ّ هُ ُ
ن { ثم استأنف الكلم فقال : َ ُ
وقال أبو الضحى } :أولئ ِ َ
قو َ دي ُ ص ّ م ال ّ ك هُ ُ
م { وهكذا قال مسروق ،والضحاك ،ومقاتل بن حيان ، عن ْد َ َرب ّهِ ْ داُء ِ شهَ َ } َوال ّ
وغيرهم.
وقال العمش عن أبي الضحى ،عن مسروق ،عن عبد الله في قوله :
م { قال :هم ثلثه أصناف :يعني عن ْد َ َرب ّهِ ْ داُء ِ شهَ َ ن َوال ّ قو َ دي ُص ّ م ال ّ ك هُ ُ } ُأول َئ ِ َ
ن ي ُط ِِع م ْالمصدقين ،والصديقين ،والشهداء ،كما قال ]الله[ ) (1تعالى } :وَ َ
ك مع ال ّذي َ الل ّه والرسو َ ُ
ن قي َدي ِص ّ ن َوال ّ ن الن ّب ِّيي َ م َ م ِ ه عَل َي ْهِ ْ م الل ّ ُ ن أن ْعَ َ ل فَأول َئ ِ َ َ َ ِ َ َ َ ّ ُ
ن { ]النساء [69 :ففرق بين الصديقين والشهداء ،فدل حي َ صال ِ ِ داِء َوال ّ شهَ َ َوال ّ
ما من الشهيد ،كما رواه على أنهما صنفان .ول شك أن الصديق أعلى مقا ً
المام مالك بن أنس ،رحمه الله ،في كتابه الموطأ ،عن صفوان بن سليم ،
سار ،عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه عن عطاء بن ي َ َ
وسلم قال " :إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ،كما تتراءون
الكوكب الدري الغابر في الفق من المشرق أو المغرب ،لتفاضل ما بينهم".
قالوا :يا رسول الله ،تلك منازل النبياء ل يبلغها غيرهم ؟ قال " :بلى والذي
نفسي بيده ،رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين".
اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث مالك ،به )(2
عن ْد َ
داُء ِ شهَ َ ن َوال ّ قو َ دي ُ ص ّ م ال ّ ك هُ ُ وقال آخرون :بل المراد من قوله ُ } :أول َئ ِ َ
م { فأخبر عن المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون وشهداء .حكاه ابن َرب ّهِ ْ
جرير عن مجاهد ،ثم قال ابن جرير :
__________
) (1زيادة من أ.
) (2صحيح البخاري برقم ) (3256وصحيح مسلم برقم )(2831
) (8/22
) (8/23
َ َ
ل
وا ِ كاث ٌُر ِفي اْل ْ
م َ م وَت َ َخٌر ب َي ْن َك ُ ْ
فا ُ
ة وَت َ َب وَل َهْوٌ وَِزين َ ٌ حَياةُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌما ال ْ َ موا أن ّ َ اعْل َ ُ
ح َ ب ال ْك ُ ّ َ َ
ما
طا ً ن ُ م يَ ُ
كو ُ فّرا ث ُ ّص َم ْ ج فَت ََراه ُ ُ ه ثُ ّ
م ي َِهي ُ فاَر ن ََبات ُ ُ ج َث أعْ َ ل غَي ْ ٍ َواْلوَْلد ِ ك َ َ
مث َ ِ
مَتاعُ حَياةُ الد ّن َْيا إ ِّل َ
ما ال ْ َن وَ َوا ٌ ن الل ّهِ وَرِ ْ
ض َ م َفَرةٌ ِمغْ ِديد ٌ وَ َش ِب َ ذا ٌ خَرةِ عَ َ وَِفي اْل َ ِ
ماِء
س َض ال ّ َ
ضَها كعَْر ِ جن ّةٍ عَْر ُم وَ َ ن َرب ّك ُ ْم ْفَرةٍ ِ مغْ ِقوا إ َِلى َ ساب ِ ُ ال ْغُُرورِ )َ (20
شاُء َوالل ّ ُ
ه ن يَ َ م ْل الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َض ُك فَ ْ سل ِهِ ذ َل ِ َمُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ
َ
نآ َ ت ل ِل ّ ِ
ذي َ ض أُ ِ
عد ّ ْ
َْ
َوالْر ِ
ظيم ِ )(21 ل ال ْعَ ِ ض ِ ف ْ ُذو ال ْ َ
) (8/24
بها وتعجبه حتى يعتقد أنه ل دار سواها ول معاد وراءها ،وهي حقيرة قليلة
بالنسبة إلى الدار الخرة.
قال ابن جرير :حدثنا علي ابن حرب الموصلي ،حدثنا المحاربي ،حدثنا
محمد بن عمرو ،عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها.
مَتاعُ ال ْغُُرورِ { )(1 حَياةُ الد ّن َْيا ِإل َ ما ال ْ َ اقرؤوا } :وَ َ
وهذا الحديث ثابت في الصحيح بدون هذه الزيادة ) (2والله أعلم.
كيع ،كلهما عن العمش ،عن شقيق ، وقال المام أحمد :حدثنا ابن نمير ووَ ِ
ْ َ
عن عبد الله قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :للجنة أقرب إلى
شَراك نعله ،والنار مثل ذلك". أحدكم من ِ
انفرد بإخراجه البخاري في "الرقاق" ،من حديث الثوري ،عن العمش ،به
)(3
ففي هذا الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من النسان ،وإذا كان
المر كذلك ؛ فلهذا حثه الله ) (4على المبادرة إلى الخيرات ،من فعل
الطاعات ،وترك المحرمات ،التي تكفر عنه الذنوب والزلت ،وتحصل له
ة
جن ّ ٍم وَ َ ن َرب ّك ُ ْ م ْ
فَرةٍ ِ مغْ ِ قوا إ َِلى َ ساب ِ ُ الثواب والدرجات ،فقال تعالى َ } :
ض { والمراد جنس السماء والرض ،كما قال َ
ماِء َوالْر ِ س َ ض ال ّ ضَها كعَْر ِ عَْر ُ
ت
ماَوا ُ س َ ضَها ال ّ جن ّةٍ عَْر ُ م وَ َ ن َرب ّك ُ ْم ْفَرةٍ ِ عوا إ َِلى َ
مغْ ِ سارِ ُ في الية الخرى } :وَ َ
ّ ُ ض أُ ِ
ن
ذي َت ل ِل ِ عد ّ ْن { ]آل عمران .[133 :وقال هاهنا } :أ ِ قي َ مت ّ ِت ل ِل ْ ُعد ّ ْ َوالْر ُ
ظيم ِ { ل العَ ِْ ض ِ ف ْ ْ
ه ُذو ال َ ّ
شاُء َوالل ُ ن يَ َم ْ ّ
ل اللهِ ي ُؤِْتيهِ َ ض ُك فَ ْ سل ِهِ ذ َل ِ َ ّ
مُنوا ِباللهِ وَُر ُ آ َ
أي :هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنه عليهم وإحسانه إليهم ،كما
دمنا في الصحيح :أن فقراء المهاجرين قالوا :يا رسول الله ،ذهب أهل ق ّ
ّ
دثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم .قال " :وما ذاك ؟" .قالوا ُ :يصلون ال ّ
كما نصلي ،ويصومون كما نصوم ،ويتصدقون ول نتصدق ،وُيعتقون ول
ن ُعِْتق .قال " :أفل أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ،ول يكون
أحد أفضل منكم إل من صنع مثل ما صنعتم :تسبحون وتكبرون وتحمدون
د ُُبر كل صلة ثلًثا وثلثين" .قال :فرجعوا فقالوا :سمع إخواننا أهل الموال
ما فعلنا ،ففعلوا مثله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ذلك فضل
الله يؤتيه من يشاء" )(5
__________
) (1تفسير الطبري ) (27/134وليس في المطبوع هذه الزيادة ،فلعل
الحافظ رآها في نسخة أخرى.
) (2صحيح البخاري برقم ) (6415من حديث سهل بن سعد ،رضي الله عنه.
) (3المسند ) (1/387وصحيح البخاري برقم ).(6488
) (4في م " :فلهذا حث تعالى".
) (5صحيح البخاري برقم ) (843وصحيح مسلم برقم ).(595
) (8/25
فسك ُم إّل في كتاب من قَب َ َ صيب َةٍ ِفي اْل َْر ما أ َ
ن
لأ ْ َِ ٍ ِ ْ ْ ِ ض وََل ِفي أن ْ ُ ِ ْ ِ ِ ِ م ِن ُ ْ م
ب ِصا َ َ َ
َ ُ َ َ ْ َ َ ّ َ َ َ
ما
حوا ب ِ َفَر ُ
م وَل ت َ ْ
ما فات َك ْ
وا عَلى َ
س ْ
سيٌر ) (22ل ِكي ْل ت َأ َ ن ذ َل ِك عَلى اللهِ ي َ ِ
ها إ ِ ّن َب َْرأ َ
ْ َ
س
ن الّنا َ
مُرو َ خُلو َ
ن وَي َأ ُ ن ي َب ْ َ خورٍ ) (23ال ّ ِ
ذي َ ل فَ ُ خَتا ٍم ْل ُب كُ ّ ح ّ ه َل ي ُ ِ م َوالل ّ ُآَتاك ُ ْ
ميد ُ )(24 ي ال ْ َ
ح ِ ه هُوَ ال ْغَن ِ ّن الل ّ َ
ل فَإ ِ ّن ي َت َوَ ّ
م ْ ل وَ َ خ ِِبال ْب ُ ْ
) (8/26
ْ
م { أي :أعلمناكم ما آَتاك ُ ْ حوا ب ِ َفَر ُ ما َفات َك ُ ْ
م َول ت َ ْ وا عََلى َ س ْ ي ل ت َأ َ وقوله } :ل ِك َ ْ
بتقدم علمنا وسبق كتابتنا ) (1للشياء قبل كونها ،وتقديرنا الكائنات قبل
وجودها ،لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم ،وما أخطأكم لم يكن
ليصيبكم ،فل تأسوا على ما فاتكم ،فإنه ) (2لو قدر شيء لكان } َول
كم" أي :أعطاكم .وكلهما م { أي :جاءكم ،ويقرأ " :آتا ُ ما آَتاك ُ ْ حوا ب ِ َ فَر ُتَ ْ
متلزمان ،أي :ل تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم ،فإن ذلك ليس
بسعيكم ول كدكم ،وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم ،فل تتخذوا نعم )(3
ب كُ ّ
ل ح ّ ه ل يُ ِ الله أشًرا وبطًرا ،تفخرون بها على الناس ؛ ولهذا قال َ } :والل ّ ُ
خورٍ { أي :مختال في نفسه متكبر فخور ،أي :على غيره. ل فَ ُ خَتا ٍم ْ ُ
فَرح شكًرا وقال عكرمة :ليس أحد إل وهو يفرح ويحزن ،ولكن اجعلوا ال َ
والحزن صبًرا.
ْ ْ ُ
ل { أي :يفعلون المنكر خ ِ س ِبالب ُ ْ ن الّنا َ مُرو َ ن وَي َأ ُ خلو َ ن ي َب ْ َذي َ ثم قال } :ال ّ ِ
هن الل ّ َ ل { أي :عن أمر الله وطاعته } فَإ ِ ّ ن ي َت َوَ ّم ْ ويحضون الناس عليه } ،وَ َ
َ
ن ِفي م ْ م وَ َ فُروا أن ْت ُ ْ ْ
ن ت َك ُ ميد ُ { كما قال موسى عليه السلم } :إ ِ ْ ح ِ ي ال ْ َ هُوَ ال ْغَن ِ ّ
ميد ٌ { ]إبراهيم .[8 : ح ِي َ ه ل َغَن ِ ّ ن الل ّ َ ميًعا فَإ ِ ّ ج ِ ض َ الْر ِ
__________
) (1في أ " :كتابنا".
) (2في م " :لنه".
) (3في أ " :نعمة".
) (8/27
َ لَ َ َ
س
م الّنا ُ قو َن ل ِي َ ُ
ميَزا َب َوال ْ ِ
م ال ْك َِتا َ ت وَأن َْزل َْنا َ
معَهُ ُ سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ
سل َْنا ُر ُ قد ْ أْر َ
ْ َ
صُرهُ
ن ي َن ْ ُ
م ْ
ه َم الل ّ ُ
س وَل ِي َعْل َ َ
مَنافِعُ ِللّنا ِ ديد ٌ وَ َ
ش ِس َديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ ح ِط وَأن َْزل َْنا ال ْ َ س ِ ق ِْبال ْ ِ
زيٌز )(25 ه قَوِيّ عَ ِ ن الل ّ َ ب إِ ّ ه ِبال ْغَي ْ ِ سل َ ُ
وَُر ُ
َ } لَ َ َ
س
م الّنا ُ قو َ ن ل ِي َ ُ ميَزا َ ب َوال ْ ِ م ال ْك َِتا َ معَهُ ُ ت وَأنزل َْنا َ سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ سل َْنا ُر ُ قد ْ أْر َ
ْ َ
صُرهُ ن ي َن ْ ُ م ْ ه َ م الل ّ ُ س وَل ِي َعْل َ َ مَنافِعُ ِللّنا ِ ديد ٌ وَ َ ش ِ س َ ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ ح ِ ط وَأنزل َْنا ال ْ َ س ِ ق ْ ِبال ْ ِ
زيٌز ){ (25 ه قَوِيّ عَ ِ ّ
ن الل َ ب إِ ّ ْ
ه ِبالغَي ْ ِ َ
سل ُ وَُر ُ
ت { أي :بالمعجزات ،والحجج ْ َ ْ َ َ
سلَنا ِبالب َي َّنا ِ سلَنا ُر ُ قد ْ أْر َ يقول تعالى } :ل َ
ب { وهو :النقل ْ ْ َ
م الك َِتا َ معَهُ ُالباهرات ،والدلئل القاطعات } ،وَأنزلَنا َ
ن { وهو :العدل .قاله مجاهد ،وقتادة ،وغيرهما .وهو ميَزا َ المصدق } َوال ْ ِ
الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للراء السقيمة ،
ن َرب ّهِ وَي َت ُْلوه ُ َ َ
ه { ]هود ، [17 : من ْ ُ
شاهِد ٌ ِ م ْ ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ كا َ ن َ م ْ كما قال } :أفَ َ
س عَل َي َْها { ]الروم ، [30 :وقال : وقال } :فِط َْرةَ الل ّهِ ال ِّتي فَط ََر الّنا َ
ن { ]الرحمن [7 :؛ ولهذا قال في هذه الية : ميَزا َ ضعَ ال ْ ِ ماَء َرفَعََها وَوَ َ س َ } َوال ّ
ط { أي :بالحق والعدل وهو :اتباع الرسل فيما أخبروا س ِ ق ْ ْ
س ِبال ِ م الّنا ُ قو َ } ل ِي َ ُ
به ،وطاعتهم فيما أمروا به ،فإن الذي جاؤوا به هو الحق الذي ليس وراءه
دل { ]النعام [115 :أي : صد ًْقا وَعَ ْ ك ِ ة َرب ّ َ م ُ ت ك َل ِ َ م ْ حق ،كما قال } :وَت َ ّ
صدًقا في الخبار ،وعدل في الوامر والنواهي .ولهذا يقول المؤمنون إذا
مد ُ ل ِل ّ ِ
ه ح ْ تبوؤوا غرف الجنات ،والمنازل العاليات ،والسرر المصفوفات } :ال ْ َ
ه لَ َ َ
ل َرب َّناس ُ ت ُر ُ جاَء ْ قد ْ َ داَنا الل ّ ُ
ن هَ َ ول أ ْ ما ك ُّنا ل ِن َهْت َدِيَ ل َ ْ ذا وَ َ داَنا ل ِهَ َ ذي هَ َ ال ّ ِ
حقّ { ]العراف .[43 : ِبال ْ َ
ْ َ
عا لمن أبى
ديد ٌ { أي :وجعلنا الحديد راد ً س َ
ش ِ ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ وقوله } :وَأنزل َْنا ال ْ َ
ح ِ
الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه ؛ ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم بمكة بعد النبوة ثلث عشرة سنة توحى إليه السور المكية ،وكلها
جدال مع المشركين ،وبيان وإيضاح للتوحيد ،وتبيان ودلئل ،فلما قامت
الحجة على من
) (8/27
ول َ َ َ
مهْت َدٍ م ُ من ْهُ ْ ب فَ ِ ما الن ّب ُوّة َ َوال ْك َِتا َ جعَل َْنا ِفي ذ ُّري ّت ِهِ َ م وَ َ هي َ حا وَإ ِب َْرا ِ سل َْنا ُنو ً قد ْ أْر َ َ
ن ب ا سى عي ب نا ي ّ فَ ق و نا ل س ر ب م ه ر َ
ثا في َْنا عََلى آ َ ّ َ ق م ُ ث ( 26 ) ن قو ُ س فا َ م ه ن م ر ثي َ ك
ِ ْ ِ َ ِ َ ْ َ َ ِ ِ ْ ُِ ُ ِ ّ َ ِ ُ ْ ْ ِ ٌ ِ وَ
ْ
ن ات ّب َُعوه ُ َرأفَ ً ّ ُ ْ ْ َ
ة
ة وََرهَْبان ِي ّ ً م ًح َ ة وََر ْ ذي َ ب ال ِ جعَلَنا ِفي قُلو ِ ل وَ َ جي َ م وَآت َي َْناهُ ال ِن ْ ِ مْري َ َ َ
َ
عاي َت َِها فَآت َي َْنا ّ ّ َ َ
حق ّ ر ِ َ ها َ ما َرعَوْ َ ن اللهِ فَ َ وا
ِ َ ِ ضْ ر َ ءغا َ ِ تْ ب ا ل إ
ِ ِ م
ْ هْ ي لَ ع ها
َ نا
َ ْ ب َ ت ك ماَ ها َ عو ُ َ د َ تْ ب ا
َ َ َ ّ
ن )(27 قو َ س ُ م َفا ِ من ْهُ ْ م وَكِثيٌر ِ جَرهُ ْ مأ ْ من ْهُ ْ مُنوا ِ نآ َ ذي َ ال ِ
) (8/28
) (8/29
حْزن ،به مثل صِعق بن َ أبو يعلى ،وسنده ) (1عن شيبان بن فَّروخ ،عن ال ّ
ذلك ) (2فقوي الحديث من هذا الوجه.
وقال ابن جرير ،وأبو عبد الرحمن النسائي -واللفظ له : -أخبرنا الحسين
حَرْيث ،حدثنا الفضل بن موسى ،عن سفيان بن سعيد ،عن عطاء بن بن ُ
جب َْير ،عن ابن عباس ،رضي الله عنهما ) (3قال : السائب ،عن سعيد بن ُ
كان ملوك بعد عيسى ،عليه السلم ،بدلت التوراة والنجيل ،فكان منهم
مؤمنون يقرؤون التوراة والنجيل ،فقيل لملوكهم :ما نجد شيًئا أشد من
ه فَُأول َئ ِ َ
ك ل الل ّ ُ ما َأنز َ م بِ َ حك ُ ْ م يَ ْن لَ ْ م ْشتم يشتمونا هؤلء ،إنهم يقرؤون } :وَ َ
ن { ]المائدة ، [44 :هذه ) (4اليات ،مع ما يعيبوننا به من كافُِرو َ م ال ْ َ هُ ُ
أعمالنا في قراءتهم ،فادعهم فليقرؤوا كما نقرأ ،وليؤمنوا كما آمنا .فدعاهم
فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والنجيل ،إل ما بدلوا
منها ،فقالوا :ما تريدون إلى ذلك ؟ دعونا :فقالت طائفة منهم :ابنوا لنا
أسطوانة ،ثم ارفعونا إليها ،ثم أعطونا شيًئا نرفع به طعامنا وشرابنا فل نرد
عليكم .وقالت طائفة :دعونا نسيح في الرض ونهيم ونشرب كما يشرب
الوحش ،فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا .وقالت طائفة :ابنوا لنا دوًرا
في الفيافي ،ونحتفر البار ونحترث ) (5البقول فل نرد عليكم ول نمر بكم.
وليس أحد من القبائل إل له حميم فيهم ،ففعلوا ذلك فأنزل الله ،عز وجل :
ق
ح ّ ها َما َرعَوْ َ ن الل ّهِ فَ َ وا ِ ض َ م ِإل اب ْت َِغاَء رِ ْ ها عَل َي ْهِ ْ ما ك َت َب َْنا َ ها َ عو َ ة اب ْت َد َ ُ } وََرهَْبان ِي ّ ً
عاي َت َِها { والخرون قالوا :نتعبد كما تعبد فلن ،ونسيح كما ساح فلن ، رِ َ
ونتخذ دوًرا كما اتخذ فلن ،وهم على شركهم ل علم لهم بإيمان الذين اقتدوا
بهم ) (6فلما ُبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إل القليل ،
انحط منهم رجل من صومعته ،وجاء سائح من سياحته ،وصاحب الدير من
َ
قوامُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ ديره ،فآمنوا به وصدقوه ،فقال الله ،عز وجل َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
مت ِهِ { أجرين بإيمانهم بعيسى ابن ح َ
ن َر ْ م ْ ن ِ م كِ ْ َ سول ِهِ ي ُؤْت ِك ُ ْ الل ّ َ
فلي ْ ِ مُنوا ب َِر ُ ه َوآ ِ
مريم والتوراة والنجيل ،وبإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقهم
ن ب ِهِ { ]الحديد : [28 :القرآن ،واتباعهم شو َ م ُ م ُنوًرا ت َ ْ ل ل َك ُ ْجعَ ْ قال ) } (7وَي َ ْ
ْ َ َ
ب { الذين يتشبهون ل الك َِتا ِ م أهْ ُ النبي صلى الله عليه وسلم قال } :ل َِئل ي َعْل َ
ّ ْ َ بكم } َأل ي َ ْ
ن
م ْ ل ب ِي َدِ اللهِ ي ُؤِْتيهِ َ ض َ
ف ْ ن ال َ ل الل ّهِ وَأ ّ ض ِ ن فَ ْ م ْ يٍء ِ ش ْ ن عََلى َ قدُِرو َ
ظيم ِ { )(8 ل ال ْعَ ِ ض ِف ْ ه ُذو ال ْ َ شاُء َوالل ّ ُ يَ َ
هذا السياق فيه غرابة ،وسيأتي تفسير هاتين اليتين الخريين على غير هذا ،
والله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي :حدثنا أحمد بن عيسى ،حدثنا عبد الله بن
وهب ،حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء :أن سهل بن أبي أمامة
حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن
__________
) (1في أ " :في مسنده".
) (2ورواه الطبراني في المعجم الكبير ) (10/272من طريق محمد
الحضرمي ،عن شيبان به ،ورواه الحاكم في المستدرك ) (2/480من
طريق عبد الرحمن بن المبارك ،عن الصعق بن حزن به .قال الحاكم :
صحيح السناد ولم يخرجاه .وتعقبه الذهبي .قلت " :ليس بصحيح ،فإن فيه
قا ،فإن شيخه الصعق بن حزن ،عن عقيل بن يحيى ،والصعق وإن كان موث ً
قال فيه البخاري :منكر الحديث".
) (3في م ،أ " :عنه".
) (4في م ،أ " :هؤلء".
) (5في م " :ونحرث".
) (6في م " :به".
) (7في م " :كما قال".
) (8تفسير الطبري ) (27/138وسنن النسائي ).(8/231
) (8/30
َ
لجعَ ْ مت ِهِ وَي َ ْ
ح َن َر ْ م ْن ِ ِ فل َي ْ سول ِهِ ي ُؤْت ِك ُ ْ
م كِ ْ مُنوا ب َِر ُ ه وَآ َ ِ قوا الل ّ َ مُنوا ات ّ ُ ذي َ
نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ َ
ل ال ْك َِتا ِ
ب م أ َهْ ُ م ) (28ل ِئ َّل ي َعْل َ َ حي ٌ فوٌر َر ِ ه غَ ُم َوالل ّ ُ فْر ل َك ُ ْ ن ب ِهِ وَي َغْ ِشو َ م ُ م ُنوًرا ت َ ْ ل َك ُ ْ
َ أ َّل ي َ ْ
شاُء ن يَ َم ْ ل ب ِي َدِ الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ ض َ ف ْ ن ال ْ َل الل ّهِ وَأ ّ ض ِ ن فَ ْ م ْ يٍء ِ ش ْ ن عََلى َ قدُِرو َ
ظيم ِ )(29 ل ال ْعَ ِ ض ِف ْ ه ُذو ال ْ َ َوالل ّ ُ
مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير ،وهو يصلي صلة خفيفة )
(1كأنها صلة مسافر أو قريًبا منها ،فلما سلم قال :يرحمك الله ،أرأيت
هذه الصلة المكتوبة ،أم شيء تنفلته ؟ قال :إنها المكتوبة ،وإنها صلة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخطأت إل شيًئا سهوت عنه ،إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " :ل تشددوا على أنفسكم فيشدد
عليكم ،فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ،فتلك بقاياهم في
الصوامع والديارات ،رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم" .ثم غدوا من الغد
فقالوا :نركب فننظر ونعتبر قال :نعم فركبوا جميًعا ،فإذا هم بديار قفر قد
باد أهلها وانقرضوا وفنوا ،خاوية على عروشها فقالوا :تعرف هذه الديار ؟
قال :ما أعرفني بها وبأهلها .هؤلء أهل الديار ،أهلكهم البغي والحسد ،إن
الحسد يطفئ نور الحسنات ،والبغي يصدق ذلك أو يكذبه ،والعين تزني
والكف والقدم والجسد واللسان ،والفرج يصدق ذلك أو يكذبه )(2
مر ،حدثنا عبد الله ،أخبرنا سفيان ،عن زيدوقال المام أحمد :حدثنا يع ُ
مي ،عن أبي إياس ،عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم العَ ّ
قال " :لكل نبي رهبانية ،ورهبانية هذه المة الجهاد في سبيل الله عز وجل"
)(3
ورواه الحافظ أبو يعلى ،عن عبد الله بن محمد بن أسماء ،عن عبد الله بن
المبارك به ولفظه " :لكل أمة رهبانية ،ورهبانية هذه المة الجهاد في سبيل
الله" )(4
وقال المام أحمد :حدثنا حسين -هو ابن محمد -حدثنا ابن عياش -يعني
إسماعيل -عن الحجاج بن مروان ) (5الكلعي ،وعقيل بن مدرك السلمي ،
عن أبي سعيد الخدري ،رضي الله عنه ،أن رجل جاءه فقال :أوصني
فقال :سألت عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلك ،
أوصيك بتقوى الله ،فإنه رأس كل شيء ،وعليك بالجهاد فإنه رهبانية
السلم ،وعليك بذكر الله وتلوة القرآن ،فإنه روحك في السماء وذكرك
في الرض .تفرد به أحمد )(6
َ َ
جعَ ْ
ل مت ِهِ وَي َ ْ
ح َن َر ْ م ْ ن ِ فلي ْ ِم كِ ْ ُ
سول ِهِ ي ُؤْت ِك ْ مُنوا ب َِر ُ ه َوآ ِ قوا الل ّ َ مُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ} َيا أي َّها ال ّ ِ
َ
بل ال ْك َِتا ِم أهْ ُ م ) (28ل َِئل ي َعْل َ َ حي ٌ فوٌر َر ِ م َوالل ّ ُ
ه غَ ُ فْر ل َك ُ ْن ب ِهِ وَي َغْ ِشو َ م ُ م ُنوًرا ت َ ْ ل َك ُ ْ
َ َأل ي َ ْ
شاُءن يَ َم ْ ل ب ِي َدِ الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ
ض َف ْ ن ال ْ َل الل ّهِ وَأ ّ ض ِ ن فَ ْ م ْ يٍء ِ ش ْ ن عََلى َ قدُِرو َ
ظيم ِ ){ (29 ل ال ْعَ ِ ض ِف ْ ه ُذو ال ْ َ َوالل ّ ُ
قد تقدم في رواية النسائي عن ابن عباس :أنه حمل هذه الية على مؤمني
أهل الكتاب ،وأنهم يؤتون أجرهم مرتين كما في الية التي في القصص )(7
وكما في حديث الشعبي عن أبي ب ُْرَدة ،عن
__________
) (1في أ ،م "خفيفة وقعة".
) (2مسند أبي يعلى ).(6/365
) (3المسند ) (3/266وفيه زيد العمى ضعيف.
) (4مسند أبي يعلى ).(7/210
) (5في م " :هارون".
) (6المسند ) (3/82وقال الهيثمي في المجمع )" : (4/215رجال أحمد
ثقاب".
) (7عند تفسير الية .54 :
) (8/31
أبي موسى الشعري قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ثلثة
يؤتون أجرهم مرتين :رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران ،
واليه فله أجران ،ورجل أدب أمته فأحسن م َ
وعبد مملوك أدى حق الله وحق َ
تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران" .أخرجاه في الصحيحين )(1
ووافق ابن عباس على هذا التفسير الضحاك ،وعتبة بن أبي حكيم ،وغيرهما
،وهو اختيار ابن جرير.
ل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل وقال سعيد بن جبير :لما افتخر أه ُ
مُنوا ّ ّ َ
ه َوآ ِ قوا الل َ مُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ الله هذه الية في حق هذه المة َ } :يا أي َّها ال ِ
م ُ َ
ل لك ْ جعَ ْ مت ِهِ { أي :ضعفين ،وزادهم } :وَي َ ْ ح َن َر ْ م ْ ن ِ م كِ ْ َ سول ِهِ ي ُؤْت ِك ُ ْ
فلي ْ ِ ب َِر ُ
صر به من العمى والجهالة ،ويغفر لكم. ن ب ِهِ { يعني :هدى ي ُت َب َ ّ شو َ م ُُنوًرا ت َ ْ
فضلهم بالنور والمغفرة .ورواه ابن جرير عنه.
َ ّ َ
م فُْرَقاًنا ُ
ل لك ْ جعَ ْ ه يَ ْ
قوا الل َ ن ت َت ّ ُمُنوا إ ِ ْ نآ َ ذي َوهذه الية كقوله تعالى َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
ظيم ِ { ]النفال .[29 : ل ال ْعَ ِ ض ِف ْ ه ُذو ال ْ َم َوالل ّ ُ فْر ل َك ُ ْم وَي َغْ ِسي َّئات ِك ُ ْ
م َ فْر عَن ْك ُ ْ وَي ُك َ ّ
حب ًْرا من أحبار يهود :كم وقال سعيد بن عبد العزيز :سأل عمر بن الخطاب َ
أفضل ما ضعفت ) (2لكم حسنة ؟ قال :كفل ثلثمائة وخمسون ) (3حسنة.
قال :فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين] .ثم[ ) (4ذكر سعيد قول الله ،
مت ِهِ { قال سعيد :والكفلن في الجمعة
ح َ
ن َر ْم ْ
ن ِ م كِ ْ َعز وجل } :ي ُؤْت ِك ُ ْ
فلي ْ ِ
مثل ذلك .رواه ابن جرير )(5
ومما يؤيد هذا القول ما رواه المام أحمد :حدثنا إسماعيل ،حدثنا أيوب عن
نافع ،عن ابن عمر قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :مثلكم
ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمال فقال :من يعمل لي من
صلة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ أل فعملت اليهود .ثم
قال :من يعمل لي من نصف النهار إلى صلة العصر على قيراط قيراط ؟
أل فعملت النصارى .ثم قال من يعمل لي من صلة العصر إلى غروب
الشمس على قيراطين قيراطين ؟ أل فأنتم الذي عملتم .فغضبت النصارى
واليهود ،وقالوا :نحن أكثر عمل وأقل عطاء .قال :هل ظلمتكم من أجركم
شيئا ؟ قالوا :ل .قال :فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء" )(6
مل ،عن سفيان ،عن عبد الله بن دينار ،عن ابن مؤ َ ّقال أحمد :وحدثناه ُ
عمر ،نحو حديث نافع ،عنه )(7
انفرد بإخراجه البخاري ،فرواه عن سليمان ) (8بن حرب ،عن حماد ] ،عن
أيوب[ ) (9عن
__________
) (1صحيح البخاري برقم ) (97وصحيح مسلم برقم ).(154
) (2في م " :ضعف".
) (3في م " :وخمسين".
) (4زيادة من أ.
) (5تفسير الطبري ).(27/141
) (6المسند ).(2/6
) (7المسند ).(2/111
) (8في أ " :سليم".
) (9زيادة من صحيح البخاري.
) (8/32
نافع ،به ) (1وعن قتيبة ،عن الليث ،عن نافع ،بمثله )(2
وقال البخاري :حدثنى محمد بن العلء ،حدثنا أبو أسامة ،عن َبريد ) (3عن
أبي بردة ،عن أبي موسى ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :مثل
ماما يعملون له عمل يو ً المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قو ً
إلى الليل على أجر معلوم ،فعملوا إلى نصف النهار فقالوا :ل حاجة لنا في
أجرك الذي شرطت لنا ،وما عملنا باطل .فقال لهم :ل تفعلوا ،أكملوا بقية
كوا ،واستأجر آخرين بعدهم فقال : عملكم وخذوا أجركم كامل فأبوا وت ََر ُ
أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الجر ،فعملوا حتى إذا كان
حين صلوا العصر قالوا :ما عملنا باطل ،ولك الجر الذي جعلت لنا فيه.
فقال أكملوا بقية عملكم ؛ فإن ما بقي من النهار شيء يسير .فأبوا ،
ما أن يعملوا له بقية يومهم ،فعملوا بقية يومهم حتى غابت فاستأجر قو ً
الشمس ،فاستكملوا أجر الفريقين كليهما ،فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من
هذا النور" انفرد به البخاري )(4
ل َ َ َ َ ْ ُ ولهذا قال تعالى } :ل َِئل يعل َ َ
ض ِنف ْ م ْ
يٍء ِ
ن عَلى ش ْ
قدُِرو َ
ب أل ي َ ْ
م أهْل الك َِتا ِ َْ َ
الل ّهِ { أي :ليتحققوا أنهم ل يقدرون على َرد ّ ما أعطاه الله ،ول ]على[ )(5
ه ُذو ال ْ َ َ
ل
ض ِ ف ْ شاُء َوالل ّ ُن يَ َ ل ب ِي َدِ الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ
م ْ ض َ ن ال ْ َ
ف ْ إعطاء ما منع الله } ،وَأ ّ
ظيم ِ { ال ْعَ ِ
م { أي :ليعلم وقد ذكر عن ابن مسعود أنه قرأها : قال ابن جرير } :ل َِئل ي َعْل َ َ
طان ) (6بن عبد الله ،وسعيد بن جبير ،قال ابن جرير : "لكي يعلم" .وكذا ح ّ
لن العرب تجعل "ل" صلة في كل كلم دخل في أوله وآخره جحد غير
ما مصرح ،فالسابق كقوله } :ما منع َ َ
جد َ { ]العراف } ، [12 :وَ َ س ُك أل ت َ ْ َ َ ََ
َ شعِرك ُ َ
م عَلى قَْري َ ٍ
ة حَرا ٌ ن { ]النعام } ، [109 :وَ َ مُنو َت ل ي ُؤْ ِ جاَء ْ م أن َّها إ َِذا َ يُ ْ ُ ْ
ن { ]النبياء .[95 : َ أ َهْل َك َْنا َ
جُعو َ م ل ي َْر ِها أن ّهُ ْ
__________
) (1صحيح البخاري برقم ).(2268
) (2صحيح البخاري برقم ).(3459
) (3في أ " :يزيد".
) (4صحيح البخاري برقم ).(2271
) (5زيادة من أ.
) (6في م " :حطاب".
) (8/33
ع
م ُ
س َ كي إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ
ه يَ ْ جَها وَت َ ْ
شت َ ِ جادِل ُ َ
ك ِفي َزوْ ِ ل ال ِّتي ت ُ َ
ه قَوْ َمعَ الل ّ ُ قَد ْ َ
س ِ
صيٌر )(1 ميعٌ ب َ ِ
س ِ ه َ ّ
ن الل َما إ ِ ّحاوَُرك ُ َ
تَ َ
) (8/34
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة ،حدثنا
مَر جرير -يعني بن حازم -قال :سمعت أبا يزيد يحدث قال :لقيت امرأة عُ َ
-يقال لها :خولة بنت ثعلبة -وهو يسير مع الناس ،فاستوقفته فوقف لها
ودنا منها وأصغى إليها رأسه ،ووضع يديه على منكبيها حتى قضت حاجتها
وانصرفت .فقال له رجل :يا أمير المؤمنين ،حبست رجالت قريش على
هذه العجوز ؟! قال :ويحك! وتدري من هذه ؟ قال :ل .قال :هذه امرأة
سمع الله شكواها من فوق سبع سموات ،هذه خولة بنت ثعلبة ،والله لو لم
تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عنها حتى تقضي حاجتها إلى أن تحضر
صلة فأصليها ،ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها )(1
هذا منقطع بين أبي يزيد وعمر بن الخطاب .وقد روي من غير هذا الوجه.
ضا :حدثنا المنذر بن شاذان ) (2حدثنا يعلى ،حدثنا وقال ابن أبي حاتم أي ً
زكريا عن عامر قال :المرأة التي جادلت في زوجها خولة بنت الصامت ،
ن هوا فَتيات ِك ُم عََلى ال ْبَغاِء إ َ وأمها معاذة التي أنزل الله فيها َ } :ول ت ُك ْرِ ُ
ن أَرد ْ َ ِ ْ ِ ْ ََ
صًنا { ] النور [ 33 : ح ّ تَ َ
صوابه :خولة امرأة أوس بن الصامت.
ظاهرون منك ُم من ن ِسائ ِهم ما هُن أ ُمهات ِهم إ ُ
م ِإل اللِئي مَهات ُهُ ْ نأ ّ ّ ّ َ ِ ْ ِ ْ ن يُ َ ِ ُ َ ِ ْ ْ ِ ْ َ ِ ْ َ ذي َ } ال ّ ِ
فوٌر )(2 فو ّ غ َ ُ ه ل َعَ ُ ن الل ّ َل وَُزوًرا وَإ ِ ّ ن ال ْ َ
قو ْ ِ م َ من ْك ًَرا ِ ن ُ قوُلو َ م ل َي َ ُ
م وَإ ِن ّهُ ْ وَل َد ْن َهُ ْ
َ
ن
لأ ْ ن قَب ْ ِ م ْريُر َرقَب َةٍ ِ ح ِ ما َقاُلوا فَت َ ْ ن لِ َ م ي َُعوُدو َ م ثُ ّ سائ ِهِ ْن نِ َ م ْ ن ِ ظاهُِرو َ ن يُ َ ذي َ َوال ّ ِ
م
صَيا ُ جد ْ ف َ ِم يَ ِ َ
نل ْ م ْخِبيٌر ) (3فَ َ ن َ ملو َُ ما ت َعْ َه بِ َ ّ
ن ب ِهِ َوالل ُ ُ
م ُتوعَظو َ سا ذ َل ِك ُ ْ ما ّ ي َت َ َ
ْ َ َ
كيًنا س ِ م ْ ن ِسّتي َ م ِ ست َط ِعْ فَإ ِطَعا ُ م يَ ْ نل ْ م ْ سا فَ َ ما ّ ن ي َت َ َ لأ ْ ن قَب ْ ِ م ْ ن ِ مت ََتاب ِعَي ْ ِ
ن ُ شهَْري ْ ِ َ
َ دود ُ الل ّهِ وَل ِل ْ َ سول ِهِ وَت ِل ْ َ
م ){ (4 ب أِلي ٌ ن عَ َ
ذا ٌ ري َ
كافِ ِ ح ُ
ك ُ مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ ذ َل ِ َ
ك ل ِت ُؤْ ِ
قال المام أحمد :حدثنا سعد ) (3بن إبراهيم ويعقوب قال حدثنا أبي ،حدثنا
مر بن عبد الله بن حنظلة ،عن ابن عبد الله بن معْ َ محمد بن إسحاق ،حدثني َ
ي -والله -وفي أوس بن الصامت ّ ف : قالت ثعلبة سلم ،عن خويلة ) (4بنت
خا كبيًرا قد
صد َْر سورة "المجادلة" ،قالت :كنت عنده وكان شي ً أنزل الله َ
ي
ما فراجعته بشيء فغضب فقال :أنت عل ّ ي يو ً ساء خلقه ،قالت :فدخل عل ّ
ي فإذا كظهر أمي .قالت :ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ،ثم دخل عل ّ
هو يريدني عن نفسي .قالت :قلت :كل والذي نفس خويلة ) (5بيده ،ل
ي وقد قلت ما قلت ،حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه .قالت : تخلص إل ّ
فواثبني وامتنعت منه ،فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف ،فألقيته
تت إلى بعض جاراتي ،فاستعرت منها ثياًبا ،ثم خرج ُ عني ،قالت :ثم خرج ُ
حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فجلست بين يديه ،فذكرت له
ما لقيت منه ،وجعلت أشكو إليه ما
__________
) (1ورواه الدرامي في الرد على الجهمية )ص (26من طريق أبي يزيد ،
عن عمر بن الخطاب به .قال الذهبي في العلو )ص " : (113هذا إسناد
صالح فيه انقطاع ،أبو يزيد لم يلحق عمر".
) (2في أ " :حدثنا الوليد بن المنذر به شاذان".
) (3في أ " :سعيد".
) (4في أ " :خولة".
) (5في أ " :خولة".
) (8/35
ألقى من سوء خلقه .قالت :فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
ن عمك شيخ كبير ،فاتقي الله فيه" .قالت :فوالله ما برحت "يا خويلة ) (1اب ُ
ي القرآن ،فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حتى نزل ف ّ
سّريَ عنه ،فقال لي " :يا خويلة ) (2قد أنزل الله فيك وفي يتغشاه ،ثم ُ
جَها َ ُ
جادِلك ِفي َزوْ ِ ّ َ
ه قوْل الِتي ت ُ َ َ ّ
معَ الل ُ س ِ َ
ي } :قد ْ َ صاحبك" .ثم قرأ عل ّ
صيٌر { إلى قوله : ميعٌ ب َ ِ س ِه َ ّ
ن الل َ ما إ ِ ّ ُ
حاوَُرك َ مع ُ ت َ َ
س َه يَ ْكي إ َِلى الل ّهِ َوالل ُ
ّ شت َ ِ وَت َ ْ
م { قالت :فقال لي رسول الله صلى الله عليه َ ن عَ َ } وَل ِل ْ َ
ب أِلي ٌ ذا ٌ ري َكافِ ِ
مريه فليعتق رقبة" .قالت :فقلت يا رسول الله ،ما عنده ما يعتق. وسلم ُ " :
قال " :فليصم شهرين متتابعين" .قالت :فقلت :والله إنه شيخ كبير ،ما به
قا من َتمر" .قالت :فقلت :يا من صيام .قال " :فليطعم ستين مسكيًنا وس ً
رسول الله ،ما ذاك عنده .قالت :فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ق من تمر" .قالت :فقلت :يا رسول الله ،وأنا سأعينه "فإنا سنعينه بعََر ٍ
سْنت ،فاذهبي فتصدقي به عنه ،ثم ق آخر ،قال " :فقد أصبت وأح َ بعََر ٍ
استوصي بابن عمك خيًرا" .قالت :ففعلت.
ورواه أبو داود في كتاب الطلق من سننه من طريقين ،عن محمد بن
إسحاق بن يسار ،به ) (3وعنده :خولة بنت ثعلبة ،ويقال فيها :خولة بنت
ويلة .ول منافاة بين هذه القوال ،فالمر خ َ مالك بن ثعلبة .وقد تصغر فيقال ُ :
فيها قريب .والله أعلم.
سلمة بن َ هذا هو الصحيح في سبب نزول صدر هذه السورة ،فأما حديث َ
خر فليس فيه أنه كان سبب النزول ،ولكن أمر بما أنزل الله في هذه ص َْ
السورة ،من العتق أو الصيام ،أو الطعام ،كما قال المام أحمد :
حدثنا يزيد بن هارون ،أخبرنا محمد بن إسحاق ،عن محمد بن عمرو بن
ت امرأ سار ،عن سلمة بن صخر النصاري قال :كن ُ سَليمان بن ي َ َ
عطاء ،عن ُ
قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري ،فلما دخل رمضان تظّهرت من
امرأتي حتى ينسلخ رمضان ،فََرًقا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتابع في
ذلك إلى أن يدركني النهار ،وأنا ل أقدر أن أنزع ،فبينا هي تخدمني من الليل
ت على )(4 ت غدو ُ إذ تكشف لي منها شيء ،فوثبت عليها ،فلما أصبح ُ
قومي فأخبرتهم خبري وقلت :انطلقوا معي إلى النبي ) (5صلى الله عليه
وسلم -فأخبره بأمري .فقالوا :ل والله ل نفعل ؛ نتخوف أن ينزل فينا )- (6
أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم -مقالة يبقى علينا عارها ،
ت النبي صلى الله ت حتى أتي ُولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك .قال :فخرج ُ
عليه وسلم ،فأخبرته خبري .فقال لي " :أنت بذاك" .فقلت :أنا بذاك .فقال
"أنت بذاك" .فقلت :أنا بذاك .قال "أنت بذاك" .قلت :نعم ،ها أناذا فأمض
ي حكم الله تعالى ) (7فإني صابر له .قال " :أعتق رقبة" .قال :فضربت ف ّ
صفحة رقبتي ) (8بيدي وقلت :ل والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها.
قال " :فصم شهرين" .قلت :يا رسول الله ،وهل أصابني ما أصابني إل في
الصيام ؟ قال " :فتصدق" .فقلت :والذي بعثك بالحق ،
__________
) (1في أ " :يا خولة".
) (2في أ " :يا خولة".
) (3المسند ) (6/410وسنن أبي داود برقم ).(2215 ، 2214
) (4في م " :إلى"
) (5في م " :رسول الله".
) (6في أ " :فينا شيء".
) (7في م ،أ " :عز وجل".
) (8في م " :عنقي".
) (8/36
شى ما لنا عشاء .قال " :اذهب إلى صاحب صدقة بني ح َ
لقد بتنا ليلتنا هذه وَ ْ
قا من تمر ستين ُزريق فقل له فليدفعها إليك ،فأطعم عنك منها وس ً
مسكيًنا ،ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك" .قال :فرجعت إلى قومي
فقلت :وجدت عندكم الضيقَ وسوَء الرأي ،ووجدت عند رسول الله صلى
ي.
سَعة والبركة ،قد أمر لي بصدقتكم ،فادفعوها إل ّ الله عليه وسلم ال ّ
ي.
فدفعوها إل ّ
سنه )(1
ح ّ
وهكذا رواه أبو داود ،وابن ماجة ،واختصره الترمذي و َ
وظاهر السياق :أن هذه القصة كانت بعد قصة أوس بن الصامت وزوجته
ل عليه سياق تلك وهذه بعد التأمل. خوَيلة بنت ثعلبة ،كما د ّ ُ
خصيف ،عن مجاهد ،عن بن عباس :أول من ظاهر من امرأته أوس قال َ
بن الصامت ،أخو عبادة بن الصامت ،وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك ،
شيت أن يكون ذلك طلًقا ،فأتت رسول الله صلى الله خ ِ
فلما ظاهر منها َ
سا ظاهر مني ،وإنا إن افترقنا عليه وسلم فقالت :يا رسول الله ،إن أو ً
ه .وهي تشكو ذلك وتبكي ،ولم حب َت َ ُ ص ْ ت ُ ت بطني منه ،وَقدم ْ هلكنا ،وقد ن ََثر ُ
َ
جادِلك ِفي ُ ّ َ
ه قوْل الِتي ت ُ َ َ ّ
معَ الل ُ س ِ َ
يكن جاء في ذلك شيء .فأنزل الله } :قد ْ َ
َ
م { فدعاه ب أِلي ٌ ن عَذا ٌَ ري َ كي إ َِلى الل ّهِ { إلى قوله } :وَل ِل ْكافِ ِ
َ جَها وَت َ ْ
شت َ ِ َزوْ ِ
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " :أتقدر على رقبة تعتقها ؟ " .قال :
ل والله يا رسول الله ما أقدر عليها ؟ قال :فجمع له رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،حتى أعتق عنه ،ثم راجع أهله رواه بن جرير )(2
ن عباس والكثرون إلى ما قلناه ،والله أعلم. ولهذا ذهب اب ُ
م { أصل الظهار مشتق سائ ِهِ ْن نِ َ م ْ م ِمن ْك ُ ْن ِ َ
ن ي ُظاهُِرو َ ذي َ ّ
فقوله تعالى } :ال ِ
من الظهر ،وذلك أن الجاهلية كانوا إذا تظاهر أحد من امرأته قال لها :أنت
سا على ي ك َظ َهْرِ أمي ،ثم في الشرع كان الظهار في سائر العضاء قيا ً عل ّ
الظهر ،وكان الظهار عند الجاهلية طلًقا ،فأرخص الله لهذه المة وجعل فيه
كفارة ،ولم يجعله طلًقا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم .هكذا قال غير
واحد من السلف.
قال ابن جرير :حدثنا أبو كَرْيب ،حدثنا عبيد الله بن موسى ،عن أبي ُ
كرمة ،عن ابن عباس قال :كان الرجل إذا قال لمرأته في ع ْحمزة ،عن ِ
حّرمت عليه ،فكان أول من ظاهر في ي كظهر أمي ُ ، الجاهلية :أنت عل ّ
السلم أوس ،وكان تحته ابنة عم له يقال لها " :خويلة بنت ثعلبة ).(3
حُرمت علي .وقالت فظاهر منها ،فأسقط في يديه ،وقال :ما أراك إل قد َ
له مثل ذلك ،قال :فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .فأتت
رسول الله فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه ،فقال " :ياخويلة ،ما أمرنا
في أمرك بشيء ) (4فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ،فقال :
ه قَوْ َ
ل معَ الل ّ ُ س ِ " يا خويلة ،أبشري" قالت :خيًرا .قال فقرأ عليها } :قَد ْ َ
ما { إلى قوله : ُ
حاوَُرك َ مع ُ ت َ َس َ ه يَ ْ كي إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ شت َ ِجَها وَت َ ْك ِفي َزوْ ِ جادِل ُ َال ِّتي ت ُ َ
َ
ن
لأ ْ ن قَب ْ ِ م ْريُر َرقَب َةٍ ِ ح ِ ما َقاُلوا فَت َ ْ ن لِ َ م ي َُعوُدو َ م ثُ ّ
سائ ِهِ ْ ن نِ َ
م ْن ِ ظاهُِرو َ ن يُ َ ذي َ } َوال ّ ِ
سا { ما ّ ي َت َ َ
__________
) (1المسند ) (4/37وسنن أبي داود برقم ) (2213وسنن ابن ماجة برقم )
(2062وسنن الترمذي برقم ).(3299
) (2تفسير الطبري ).(28/6
) (3في أ " :بنت خويلد" وهو خطأ.
) (4قي م " :ما أمرنا فيك بشيء".
) (8/37
م جد ْ ف َ ِ
صَيا ُ ن لَ ْ
م يَ ِ قالت :وأي رقبة لنا ؟ والله ما يجد رقبة غيري .قال } :فَ َ
م ْ
ن { قالت :والله لول أنه يشرب في اليوم ثلث مرات لذهب مت ََتاب ِعَي ْ ِ
ن ُ َ
شهَْري ْ ِ
كيًنا { قالت :من أين ؟ س ِ
م ْ
ن ِسّتي َ
م ِ ْ
ست َط ِعْ فَإ ِطَعا ُ
م يَ ْ َ
نل ْ بصره! قال } :فَ َ
م ْ
سق -ثلثين صاعا ،والوسق : ما هي إل أكلة إلي مثلها! قال :فدعا بشطر وَ ْ
ستون صاعا -فقال " :ليطعم ستين مسكينا وليراجعك" ) (1وهذا إسناد جيد
قوي ،وسياق غريب ،وقد روي عن أبي العالية نحو هذا ،فقال ابن أبي حاتم
:
حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي ،حدثنا على بن عاصم ،عن داود بن
أبي هند ،عن أبي العالية قال :كانت خولة بنت د َُليج تحت رجل من النصار ،
وكان ضرير البصر فقيًرا سيئ الخلق ،وكان طلق أهل الجاهلية إذا أراد
ي كظهر أمي" .وكان لها منه عيل أو الرجل أن يطلق امرأته ،قال " :أنت عل ّ
ي كظهر أمي" .فاحتملت عيلن ،فنازعته يوما في شيء فقال " :أنت عل ّ
عليها ثيابها حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم .وهو في بيت
عائشة ،وعائشة تغسل شق رأسه ،فقدمت عليه ومعها عَّيلها ،فقالت :يا
خُلق ،وإني رسول الله ،إن زوجي ضرير البصر ،فقير ل شيء له سيئ ال ُ
ي كظهر أمي" ،ولم يرد به نازعته في شيء فغضب ،فقال " :أنت عل ّ
حُرمت عليه" الطلق ،ولي منه عيل أو عيلن ،فقال " :ما أعلمك إل قد َ
ي .قال :ودارت عائشة فغسلت فقالت :أشكو إلى الله ما نزل بي وأبا صبي ّ
شق رأسه الخر ،فدارت معها ،فقالت :يا رسول الله ،زوجي ضرير البصر
،فقير سيئ الخلق ،وإن لي منه عَّيل أو عيلين ،وإني نازعته في شيء
ي كظهر أمي" ،ولم يرد به الطلق! قالت :فرفع فغضب ،وقال " :أنت عل ّ
إلي رأسه وقال " :ما أعلمك إل قد حرمت عليه" .فقالت :أشكو إلى الله ما
نزل بي وأبا صبيي ؟ قال :ورأت عائشة وجه النبي صلى الله عليه وسلم
ت َغَّير ،فقالت لها " :وراءك وراءك ؟" فتنحت ،فمكث رسول الله صلى الله
عليه وسلم في غشيانه ذلك ما شاء الله ،فلما انقطع الوحي قال " :يا
عائشة ،أين المرأة" فدعتها ،فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"اذهبي فأتني بزوجك" .فانطلقت تسعى فجاءت به .فإذا هو ] -كما قالت[ )
- (2ضرير البصر ،فقير سيئ الخلق .فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
ه قَوْ َ
ل معَ الل ّ ُ "أستعيذ بالله السميع العليم ،بسم الله الرحمن الرحيم } قَد ْ َ
س ِ
ن
ذي َ كي إ َِلى الل ّهِ [ { ) (3إلى قوله َ } :وال ِ
ّ جَها ] وَت َ ْ
شت َ ِ ك ِفي َزوْ ِ جادِل ُ َ
ال ِّتي ت ُ َ
ريُر َرقَب َةٍ [ { ) (4قال النبي ح ِما َقاُلوا ] فَت َ ْ
ن لِ َ
م ي َُعوُدو َ م ثُ ّ
سائ ِهِ ْ
ن نِ َ
م ْن ِ ظاهُِرو َيُ َ
صلى الله عليه وسلم " :أتجد رقبة تعتقها من قبل أن تمسها ؟" .قال :ل.
قال " :أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟" .قال :والذي بعثك بالحق ،
إني إذا لم آكل المرتين والثلث يكاد أن يعشو بصري .قال " :أفتستطيع أن
تطعم ستين مسكينا ؟" .قال :ل إل ]أن[ ) (5تعينني .قال :فأعانه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال " :أطعم ستين مسكينا" .قال :
__________
) (1تفسير الطبري ) (28/3ورواه البزار في مسنده برقم )" (1076كشف
الستار" من طريق عبيد الله بن موسى ،عن أبي حمزة به وقال " :ل نعلمه
بهذا اللفظ في الظهار عن النبي صلى الله عليه وسلم إل بهذا السناد ،وأبو
حمزة لين الحديث ،وقد خالف في روايته ومتن حديثه الثقاب في أمر
الظهار ؛ لن الزهري رواه عن حميد بن عبد الرحمن ،عن أبي هريرة ،وهذا
إسناد ل نعلم بين علماء أهل الحديث اختلًفا في صحته ،وأنه صلى الله عليه
عا ،وحديث أبي حمزة منكر ،وفيه لفظ وسلم دعا بإناء فيه خمسة عشر صا ً
يدل على خلف الكتاب ؛ لنه قال " :وليراجعك ،وقد كانت امرأته ،فما
معنى مراجعته امرأته ولم يطلقها ،وهذا مما ل يجوز على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،وإنما أتي هذا من رواية أبي حمزة الثمالي".
) (2زيادة من م.
) (3زيادة من م.
) (4زيادة من أ.
) (5زيادة من م.
) (8/38
ول الله الطلق ،فجعله ظهاًرا. ح ّو َ
ورواه ابن جرير ،عن ابن المثنى ،عن عبد العلى ،عن داود ،سمعت أبا
العالية ،فذكر نحوه ،بأخصر من هذا السياق )(1
وقال سعيد ابن جبير :كان اليلء والظهار من طلق الجاهلية ،فوقت الله
اليلء أربعة أشهر ،وجعل في الظهار الكفارة .رواه بن أبي حاتم ،بنحوه.
وقد استدل المام مالك على أن الكافر ل يدخل في هذه الية بقوله :
م { فالخطاب للمؤمنين ،وأجاب الجمهور بأن هذا خرج مخرج الغالب من ْك ُ ْ} ِ
م { على أن المة سائ ِهِ ْ
ن نِ َ م ْ فل مفهوم له ،واستدل الجمهور عليه بقوله ِ } :
ل ظهار منها ،ول تدخل في هذا الخطاب.
م { أي :ل تصير المرأة َ وقوله } :ما هُن أ ُمهات ِهم إ ُ
م ِإل اللِئي وَلد ْن َهُ ْ مَهات ُهُ ْنأ ّ ّ ّ َ ِ ْ ِ ْ َ
ي كأمي" أو "مثل أمي" أو "كظهر أمي" ) (2وما بقول الرجل " :أنت عل ّ
مأشبه ذلك ،ل تصير أمه بذلك ،إنما أمه التي ولدته ؛ ولهذا قال } :وَإ ِن ّهُ ْ
و ه ل َعَ ُ
ف ّ ن الل ّ َ
شا باطل } وَإ ِ ّ ما فاح ً ل وَُزوًرا { أي :كل ً ن ال ْ َ
قو ْ ِ م َمن ْك ًَرا ِ قوُلو َ
ن ُ ل َي َ ُ
ضا عما خرج من فوٌر { أي :عما كان منكم في حال الجاهلية .وهكذا أي ً غَ ُ
سبق اللسان ،ولم يقصد إليه المتكلم ،كما رواه أبو داود :أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سمع رجل يقول لمرأته :يا أختي .فقال :أختك هي ؟"
،فهذا إنكار ) (3ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك ؛ لنه لم يقصده ،ولو
قصده لحرمت عليه ؛ لنه ل فرق على الصحيح بين الم وبين غيرها من سائر
المحارم من أخت وعمة وخالة وما أشبه ذلك.
ما َقالوا { اختلف ُ ن لِ َ م ي َُعوُدو َ م ثُ ّ
سائ ِهِ ْن نِ َ م ْ ن ِ ظاهُِرو َ ن يُ َ وقوله َ } :وال ّ ِ
ذي َ
ما َقاُلوا { فقال بعض ن لِ َم ي َُعوُدو َالسلف والئمة في المراد بقوله } :ث ُ ّ
الناس :العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره ،وهذا القول باطل ،وهو
اختيار بن حزم ) (4وقول داود ،وحكاه أبو عمر بن عبد البر عن ب ُك َْير ابن
الشج والفراء ،وفرقة من أهل الكلم.
وقال الشافعي :هو أن يمسكها بعد الظهار زماًنا يمكنه أن يطلق فيه فل
يطلق.
وقال أحمد بن حنبل :هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فل تحل له حتى
يكفر بهذه الكفارة .وقد حكي عن مالك :أنه العزم على الجماع أو المساك
) (5وعنه أنه الجماع.
وقال أبو حنيفة :هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه ،ورفع ما كان عليه أمر
ما ل يرفعه إل الجاهلية ،فمتى تظاهر ) (6الرجل من امرأته فقد حرمها تحري ً
الكفارة .وإليه ذهب أصحابه ،والليث بن سعد.
__________
) (1تفسير الطبري ).(28/3
) (2في م " :كظهر أمي أو كأمي أو مثل أمي".
) (3سنن أبي داود برقم ) (2210من حديث أبي تميمة الهجيمي ،رضي الله
عنه.
) (4في هـ ،أ " :ابن جرير" والمثبت من م .مستفاًدا من هامش ط -
الشعب.
) (5في م " :أو المساك".
) (6في م " :ظاهر".
) (8/39
ما
ن لِ َ
م ي َُعوُدو َ وقال ابن ل َِهيعة :حدثني عطاء ،عن سعيد بن جبير } :ث ُ ّ
َقاُلوا { يعني :يريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم.
وقال الحسن البصري :يعني الغشيان في الفرج .وكان ل يرى بأسا أن
يغشى فيما دون الفرج قبل أن يكفر.
َ
سا { والمس : ما ّ
ن ي َت َ َ لأ ْ ن قَب ْ ِ
م ْوقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس ِ } :
النكاح .وكذا قال عطاء ،والزهري ،وقتادة ،ومقاتل ابن حيان.
وقال الزهري :ليس له أن يقبلها ول يمسها حتى يكفر.
وقد روي أهل السنن من حديث عكرمة ،عن ابن عباس أن رجل قال :يا
رسول الله ،إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر .فقال " :ما
حملك على ذلك يرحمك الله ؟" .قال :رأيت خلخالها في ضوء القمر .قال :
"فل تقربها حتى تفعل ما أمرك الله ،عز وجل" )(1
وقال الترمذي :حسن غريب صحيح ) (2ورواه أبو داود والنسائي من حديث
عكرمة مرسل .قال النسائي :وهو أولى بالصواب )(3
ريُر َرقَب َةٍ { أي :فإعتاق رقبة كاملة من قبل أن يتماسا ،فها وقوله } :فَت َ ْ
ح ِ
هنا الرقبة مطلقة غير مقيدة باليمان ،وفي كفارة القتل مقيدة باليمان ،
فحمل الشافعي ،رحمه الله ،ما أطلق ها هنا على ما قيد هناك لتحاد
الموجب ،وهو عتق الرقبة ،واعتضد ) (4في ذلك بما رواه عن مالك
بسنده ،عن معاوية بن الحكم السلمي ،في قصة الجارية السوداء ،وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :أعتقها فإنها مؤمنة" .وقد رواه أحمد
في مسنده ،ومسلم في صحيحه )(5
وقال الحافظ أبو بكر البزار :حدثنا يوسف ) (6بن موسى ،حدثنا عبد الله
بن نمير ،عن إسماعيل بن مسلم ،عن عمرو بن دينار ،عن طاوس ،عن
ابن عباس قال :أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال :إني
تظاهرت ) (7من امرأتي ثم وقعت عليها قبل أن أكفر .فقال رسول الله
سا { قال :أعجبتني صلى الله عليه وسلم " :ألم يقل الله } من قَب َ
ما ّ ن ي َت َ َ
لأ ْ ِ ْ ْ ِ
؟ قال " :أمسك حتى تكفر" )(8
ثم قال البزار :ل يروي عن ابن عباس بأحسن من هذا ،وإسماعيل بن
مسلم تكلم فيه ،وروي عنه جماعة كثيرة من أهل العلم ،وفيه من الفقه أنه
لم يأمره إل بكفارة واحدة.
__________
) (1رواه أبو داود في السنن برقم ) (2223والترمذي في السنن برقم )
(1990والنسائي في السنن ) (6/167وابن ماجة في السنن برقم ).(2065
) (2في م : :حسن صحيح غريب".
) (3سنن أبي داود برقم ) (2222 ، 2221وسنن النسائي ).(6/168
) (4في م " :واعتمد".
) (5الموطأ ) (2/777والمسند ) (5/447وصحيح مسلم برقم ).(537
) (6في أ " :حدثنا يونس".
) (7في م " :إني ظاهرت".
) (8ورواه الحاكم في المستدرك ) (2/204والبيهقي في السنن الكبرى )
(7/386من طريق إسماعيل بن مسلم ،عن عمرو بن دينار به نحوه ،وقال
الذهبي " :فيه إسماعيل بن مسلم وهو واه".
) (8/40
م وَقَد ْ أ َن َْزل َْنا ن قَب ْل ِهِ ْ
م ْ ن ِ ذي َت ال ّ ِ ما ك ُب ِ َه ك ُب ُِتوا ك َ َسول َ ُه وََر ُ ن الل ّ َحاّدو َ ن يُ َذي َ ن ال ّ ِإِ ّ
ما ب م هُ ئ
ُ َ ِ ً َُّ ُ ْ ِ َب ن يَ ف عا مي ج هّ لال م هُ ث عب ي
َ ْ َ ََْ ُ ُ م وي ( 5 ) ن هي
ٌ ُ ِ ٌ م ب َ
ذا ع ن
ِ ِ َ َ ري ف َ
كا ْ لآ ََيا ٍ َ ّ َ ٍ َ ِ
ل و ت نا ي ب ت
ه عََلى ك ُ ّ َ
شِهيد ٌ )(6 يٍء َ ش ْ ل َ سوه ُ َوالل ّ ُ ه وَن َ ُصاهُ الل ّ ُ ح َمُلوا أ ْ عَ ِ
خِبيٌر { ن َ مُلو َ ما ت َعْ َ ه بِ َ ن ب ِهِ { أي :تزجرون به } َوالل ّ ُ ظو َ م ُتوعَ ُ وقوله } :ذ َل ِك ُ ْ
أي :خبير بما يصلحكم ،عليم بأحوالكم.
َ َ
م
نل ْ م ْ َ
سا ف َ ما ّ ن ي َت َ َ
لأ ْ ن قب ْ ِ َ م ْ ن ِمت ََتاب ِعَي ْ ِ
ن ُ شهَْري ْ ِ م َ صَيا ُ جد ْ ف َ ِ م يَ ِ ن لَ ْ م ْ وقوله } :فَ َ
كيًنا { وقد تقدمت الحاديث الواردة ) (1بهذا على س ِ م ْ ن ِ سّتي َ م ِ ست َط ِعْ فَإ ِط َْعا ُ يَ ْ
الترتيب ،كما ثبت في الصحيحين في قصة الذي جامع امرأته في رمضان.
سول ِهِ { أي :شرعنا هذا لهذا. مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ ك ل ِت ُؤْ ِ } ذ َل ِ َ
دود ُ الل ّهِ { أي :محارمه فل تنتهكوها. ح ُ ك ُ وقوله } :وَت ِل ْ َ
م { أي :الذين لم يؤمنوا ول التزموا بأحكام َ ن عَ َ وقوله } :وَل ِل ْ َ
ب أِلي ٌ ذا ٌ ري َ كافِ ِ
هذه الشريعة ،ل تعتقدوا أنهم ناجون من البلء ،كل ليس المر كما زعموا ،
بل لهم عذاب أليم ،أي :في الدنيا والخرة.
ْ َ ّ
م وَقَد ْ أنزلَنا ن قَب ْل ِهِ ْ م ْن ِ ذي َ ت ال ِ ما ك ُب ِ َ ه ك ُب ُِتوا ك َ َ سول َ ُ ه وََر ُ ن الل ّ َ حاّدو َ ن يُ َذي َ ن ال ّ ِ} إِ ّ
مام بِ َ ميًعا فَي ُن َب ّئ ُهُ ْ ج ِ ه َ ّ
م الل ُ م ي َب ْعَث ُهُ ُ
ن ) (5ي َوْ َ مِهي ٌ ب ُ ذا ٌ ن عَ َ ري َ َ
ت وَل ِلكافِ ِ ْ ت ب َي َّنا ٍ آَيا ٍ
َ ّ ّ َ
شِهيد ٌ ){ (6 يٍء َ ش ْ ل َ ُ
ه عَلى ك ّ سوه ُ َوالل ُ ه وَن َ ُ صاهُ الل ُ ح َ مُلوا أ ْ عَ ِ
__________
) (1في م " :المرة".
) (8/41
) (8/41
جو ْ َ ْ َ
ن ِبال ِث ْم ِ ه وَي َت ََنا َ ما ن ُُهوا عَن ْ ُ ن لِ َ م ي َُعوُدو َ وى ث ُ ّ ج َن الن ّ ْ ن ن ُُهوا عَ ِ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ أل َ ْ
قوُلو َ
ن ه وَي َ ُ ك ب ِهِ الل ّ ُ حي ّ َ م يُ َ ما ل َ ْ ك بِ َحي ّوْ َ ك َ جاُءو َ ل وَإ َِذا َ سو ِ صي َةِ الّر ُ معْ ِ ن وَ َ َوال ْعُد َْوا ِ
صيُر ) م ِ س ال ْ َ صل َوْن ََها فَب ِئ ْ َ م يَ ْ جهَن ّ ُ م َ سب ُهُ ْح ْ ل َ قو ُ ما ن َ ُ م ل َوَْل ي ُعَذ ّب َُنا الل ّ ُ
ه بِ َ سهِ ْ ف ِ ِفي أ َن ْ ُ
ذي َ َ
ل
سو ِ صي َةِ الّر ُ معْ ِ ن وَ َ وا ِباْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ ج ْ م فََل ت َت ََنا َ مُنوا إ َِذا ت ََنا َ
جي ْت ُ ْ نآ َ َ (8يا أي َّها ال ّ ِ َ
ن
م َ وى ِ ج َ ما الن ّ ْ ن ) (9إ ِن ّ َ شُرو َ ح َ ذي إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ ه ال ّ ِ قوا الل ّ َ وى َوات ّ ُ ق َ وا ِبال ْب ِّر َوالت ّ ْ ج ْ
وَت ََنا َ
هّ َ ّ ّ َ َ ّ َ
ن اللهِ وَعَلى الل ِ شي ًْئا إ ِل ب ِإ ِذ ْ ِ م َ ضاّرهِ ْ س بِ َ مُنوا وَلي ْ َ نآ َ ذي َ
ن ال ِ حُز َ ن ل ِي َ ْ
شي ْطا ِ ال ّ
ن )(10 مُنو َ مؤ ْ ِ ْ
ل ال ُ فَل ْي َت َوَك ِ
ّ
ن َ
م ْ م َول أد َْنى ِ سهُ ْ سادِ ُ سةٍ ِإل هُوَ َ م َ خ ْ م َول َ أي :من سر ثلثة } ِإل هُوَ َراب ِعُهُ ْ
ما َ ك ول أ َك ْث َر إل هُو معه َ
كاُنوا { أي :يطلع عليهم يسمع كلمهم ن َ م أي ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ِ ذ َل ِ َ َ
ضا مع ذلك تكتب ما يتناجون به ،مع علم الله وسرهم ونجواهم ،ورسله أي ً
هّ َ َ ّ َ َ َ
ن الل َ م وَأ ّ واهُ ْ ج َ م وَن َ ْ سّرهُ ْ م ِ ه ي َعْل ُ ن الل َ موا أ ّ م ي َعْل ُ وسمعه لهم ،كما قال } :أل َ ْ
م علم ال ْغُيوب { ] التوبة [ 78 :وقال } أ َم يحسبو َ
سّرهُ ْ مع ُ ِ س َ ن أّنا ل ن َ ْ ْ َ ْ َ ُ َ ُ ِ َ ُ
ن { ] الزخرف [ 80 :؛ ولهذا حكى غير م ي َكت ُُبو َ ْ َ
سلَنا لد َي ْهِ ْ ُ م ب َلى وَُر ُ َ واهُ ْ ج َ وَن َ ْ
واحد الجماع على أن المراد بهذه الية معية علم الله تعالى ) (1ول شك في
إرادة ذلك ولكن سمعه أيضا مع علمه محيط بهم ،وبصره نافذ فيهم ،فهو ،
سبحانه ،مطلع على خلقه ،ل يغيب عنه من أمورهم شيء.
م { قال ش ْ َِ ٌ ليع ٍ ء ي ل َ ه ب ِك ُ ّ ن الل ّ َ مةِ إ ِ ّ قَيا َ م ال ْ ِ مُلوا ي َوْ َ ما عَ ِ م بِ َ م ي ُن َب ّئ ُهُ ْ ثم قال } :ث ُ ّ
المام أحمد :افتتح الية بالعلم ،واختتمها بالعلم.
َ
ن ِبالث ْم ِ جو ْ َ ه وَي َت ََنا َ ما ن ُُهوا عَن ْ ُ ن لِ َ م ي َُعوُدو َ وى ث ُ ّ ج َ ن الن ّ ْ ن ن ُُهوا عَ ِ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ } أل َ ْ
قوُلو َ
ن ه وَي َ ُ ك ب ِهِ الل ّ ُ حي ّ َ م يُ َ ما ل َ ْ ك بِ َ حي ّوْ َ ك َ جاُءو َ ل وَإ َِذا َ سو ِ ت الّر ُ صي َ ِمعْ ِ ن وَ َ َوال ْعُد َْوا ِ
صيُر ) م ِ ْ
س ال َ صلوْن ََها فَب ِئ ْ َ َ م يَ ْ جهَن ّ ُ م َ سب ُهُ ْ ح ْ ل َ قو ُ ما ن َ ُ ه بِ َ ّ
ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ُ مل َْ سهِ ْ ف ِ ِفي أ َن ْ ُ
َ
ت صي َ ِ معْ ِ ن وَ َ وا ِبالث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ ج ْ م َفل ت َت ََنا َ جي ْت ُ ْ مُنوا إ َِذا ت ََنا َ ن َءا َ ذي َ َ (8يا أي َّها ال ّ ِ
مان ) (9إ ِن ّ َ شُرو َ ح َ ذي إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ ه ال ّ ِ قوا الل ّ َ وى َوات ّ ُ ق َ وا ِبال ْب ِّر َوالت ّ ْ ج ْ ل وَت ََنا َ سو ِ الّر ُ
هّ
ن الل ِ شي ًْئا ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ م َ ضاّرهِ ْ س بِ َ َ
مُنوا وَلي ْ َ ن َءا َ ذي َ ّ
ن ال ِ حُز َ ن ل ِي َ ْ شي ْطا َِ ن ال ّ م َوى ِ ج َ الن ّ ْ
ن ){ (10 مُنو َ مؤ ْ ِ ْ
ل ال ُ ّ ْ
وَعَلى اللهِ فَلي َت َوَك ِ ّ َ
ن ّ َ َ َ
ن ن ُُهوا عَ ِ ذي َ م ت ََر إ ِلى ال ِ جيح ،عن مجاهد ]في قوله[ ) } (2أل ْ قال ابن أبي ن َ ِ
وى { قال :اليهود وكذا قال مقاتل بن حيان ،وزاد :كان بين النبي صلى ج َ الن ّ ْ
الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة ،وكانوا إذا مر بهم رجل من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم ،حتى يظن المؤمن أنهم
خشيهم ،فترك يتناجون بقتله -أو :بما يكره المؤمن -فإذا رأى المؤمن ذلك َ
طريقه عليهم .فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى ،فلم ينتهوا
َ
موى ث ُ ّ ج َ ن الن ّ ْ ن ن ُُهوا عَ ِ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ وعادوا إلى النجوى ،فأنزل الله } :أل َ ْ
ه {. ما ن ُُهوا عَن ْ ُ ن لِ َ ي َُعوُدو َ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ،حدثني
سفيان بن حمزة ،عن كثير عن زيد ،عن ُرَبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد
الخدري ،عن أبيه ،عن جده قال :كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،نبيت عنده ؛ يطُرقه من الليل أمر ) (3وتبدو له حاجة .فلما كانت
ذات ليلة ك َُثر أهل الّنوب والمحتسبون حتى كنا أندية نتحدث ،فخرج علينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " :ما هذا النجوى ؟ ألم ت ُن َْهوا عن
النجوى ؟" .قلنا :تبنا إلى الله يا رسول الله ،إنا كنا في ذكر المسيح ،
__________
) (1في م " :علمه تعالى".
) (2زيادة من أ.
) (3في م " :أمًرا" وهو خطأ.
) (8/42
َفرقا منه .فقال " :أل أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي منه ؟ " .قلنا :بلى
يا رسول الله .قال " :الشرك الخفي ،أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل".
هذا إسناد غريب ،وفيه بعض الضعفاء )(1
ل { أي :يتحدثون فيما سو ِ ت الّر ُ صي َ ِ
معْ ِ ن وَ َ ن ِبالث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ جو ْ َوقوله } :وَي َت ََنا َ
بينهم بالثم ،وهو ما يختص بهم ،والعدوان ،وهو ما يتعلق بغيرهم ،ومنه
صرون عليها ويتواصون بها. معصية الرسول ومخالفته ،ي ُ ِ
ه { قال ابن أبي حاتم : ك ب ِهِ الل ّ ُحي ّ َ ما ل َ ْ
م يُ َ ك بِ َحي ّوْ َ ك َ جاُءو َ وقوله } :وَإ َِذا َ
حدثنا أبو سعيد الشج ،حدثنا بن نمير ،عن العمش ] ،عن مسلم[ ) (2عن
مسروق ،عن عائشة قالت :دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
يهود فقالوا :السام عليك يا أبا القاسم .فقالت عائشة :وعليكم السام
و]اللعنة[ ) (3قالت :فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يا عائشة ،
إن الله ل يحب الفحش ول التفحش" .قلت :أل تسمعهم يقولون :السام
عليك ؟ فقال رسول الله " :أو ما سمعت أقول ) (4وعليكم ؟" .فأنزل الله :
ه { )(5 ك ب ِهِ الل ّ ُ حي ّ َ
م يُ َما ل َ ْ حي ّوْ َ
ك بِ َ ك َ جاُءو َ } وَإ َِذا َ
وفي رواية في الصحيح أنها قالت لهم :عليكم السام والذام واللعنة .وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إنه يستجاب لنا فيهم ،ول يستجاب
لهم فينا" )(6
وقال ابن جرير :حدثنا بشر ،حدثنا يزيد ،حدثنا سعيد ،عن قتادة ،عن أنس
بن مالك :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه ،
إذ أتى عليهم يهودي فسّلم عليهم ،فردوا عليه ،فقال نبي الله صلى الله
عليه وسلم " :هل تدرون ما قال ؟" .قالوا :سلم يا رسول الله .قال " :بل
قال :سام عليكم ،أي :تسامون دينكم" .قال رسول الله " :ردوه" .فردوه
عليه .فقال نبي الله " :أقلت :سام عليكم ؟" .قال :نعم .فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا :عليك"
أي :عليك ما قلت )(7
وأصل حديث أنس مخرج في الصحيح ،وهذا الحديث في الصحيح عن عائشة
،بنحوه )(8
قو ُ ّ َ َ ُ
ل { أي :يفعلون ما ن َ ُ
ه بِ َ ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ُ مل ْ سهِ ْ ف ِ ن ِفي أن ْ ُ قولو َ وقوله } :وَي َ ُ
هذا ،ويقولون ما يحرفون من الكلم وإيهام السلم ،وإنما هو شتم في
الباطن ،ومع هذا يقولون في أنفسهم :لو كان هذا نبًيا لعذبنا الله بما نقول
قا لوشك أن له في الباطن ؛ لن الله يعلم ما نسره ،فلو كان هذا نبًيا ح ّ
__________
) (1رواه المام أحمد في المسند ) (3/30وابن ماجة في السنن برقم )
(4204من طريق كثير بن زيد به نحوه ،وقال البوصيري في الزوائد )
" : (3/296هذا إسناد حسن ،كثير بن زيد وربيع بن عبد الرحمن مختلف
فيهما".
) (2زيادة من المسند ).(6/229
) (3زيادة من أ.
) (4في أ " :ما أقول".
) (5رواه مسلم في صحيحه برقم ) (2165من طريق يعلى بن عبيد ،عن
العمش به نحوه.
) (6انظر :صحيح البخاري برقم ) (6030وصحيح مسلم برقم ) (2166من
حديث عائشة ،رضي الله عنها.
) (7تفسير الطبري ).(27/11
) (8صحيح مسلم برقم ).(2163
) (8/43
م { أي : جهَن ّ ُ م َ سب ُهُ ْح ْ يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا ،فقال الله تعالى َ } :
صيُر { م ِ س ال ْ َ صل َوْن ََها فَب ِئ ْ َ جهنم كفايتهم في الدار الخرة } ي َ ْ
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الصمد ،حدثنا حماد ،عن عطاء بن السائب ،
عن أبيه ،عن عبد الله بن عمرو ؛ أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى
ماه بِ َ ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ّ ُ الله عليه وسلم :سام عليك ،ثم يقولون في أنفسهم } :ل َ ْ
ك ب ِهِ الل ّ ُ
ه حي ّ َ م يُ َ ما ل َ ْ ك بِ َ حي ّوْ َ ك َ جاُءو َ ل { ؟ ،فنزلت هذه الية } :وَإ َِذا َ قو ُ نَ ُ
َ ّ َ َ ُ
صلوْن ََها فَب ِئ ْ َ
س م يَ ْ جهَن ّ ُ م َ سب ُهُ ْ ح ْ ل َ قو ُ ما ن َ ُ ه بِ َ ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ُ مل ْ سهِ ْ ف ِن ِفي أن ْ ُ قولو َ وَي َ ُ
صيُر { إسناد حسن ولم يخرجوه )(1 م ِ ال ْ َ
ه{ ك ب ِهِ الل ّ ُ حي ّ َ م يُ َ ما ل َ ْ ك بِ َ حي ّوْ َ ك َ جاُءو َ وقال العوفي ،عن بن عباس } :وَإ َِذا َ
قال :كان المنافقون يقولون لرسول الله إذا حيوه " :سام عليك" ،قال
صيُر {. م ِ س ال ْ َ صل َوْن ََها فَب ِئ ْ َ م يَ ْ جهَن ّ ُ
م َ سب ُهُ ْ ح ْ
الله َ } :
مؤد ًّبا عباده المؤمنين أل يكونوا مثل الكفرة والمنافقين َ } :يا ثم قال الله ُ
ْ َ
ل{ سو ِ ت الّر ُ صي َ ِ معْ ِ ن وَ َ وا ِبالثم ِ َوالعُد َْوا ِ ْ ج ْ َ
م فل ت َت ََنا َ جي ْت ُ ْ َ
مُنوا إ ِذا ت ََنا َ نآ َذي َأي َّها ال ّ ِ
مالهم على ضللهم أي :كما يتناجى به الجهلة من كفرة أهل الكتاب ومن َ
ن{ شُرو َ ح َ ذي إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ ه ال ّ ِ قوا الل ّ َ وى َوات ّ ُ ق َ وا ِبال ْب ِّر َوالت ّ ْ ج ْ من المنافقين } ،وَت ََنا َ
أي :فيخبركم ) (2بجميع أعمالكم وأقوالكم التي أحصاها عليكم ،وسيجزيكم
بها.
قال المام أحمد :حدثنا ب َهُْز وعفان قال أخبرنا همام ،حدثنا قتادة ،عن
ذا بيد ابن عمر ،إذ عرض له رجل فقال : رز قال :كنت آخ ً ح ِ م ْ صفوان بن ُ
كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم
القيامة ؟ قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :إن الله
يدني المؤمن فيضع عليه ك ََنفه ويستره من الناس ،ويقرره بذنوبه ،ويقول
له :أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قَّرره
بذنوبه ورأى في نفسه أن قد هلك ،قال :فإني قد سترتها عليك في الدنيا ،
ب حسناته ،وأما الكفار ) (3والمنافقون طى كتا َ وأنا أغفرها لك اليوم .ثم ي ُعْ َ
فيقول الشهاد :هؤلء الذين كذبوا على ربهم ،أل لعنة الله على الظالمين".
أخرجاه في الصحيحين ،من حديث قتادة )(4
س َ
مُنوا وَلي ْ َنآ َ ذي َ ّ
ن ال ِ حُز َ ن ل ِي َ ْ طا ِشي ْ َ ن ال ّ
م َ
وى ِج َ
ما الن ّ ْ
ثم قال تعالى } :إ ِن ّ َ
ن { أي :إنما النجوى - مُنو َ ْ
مؤ ِ ْ
ل ال ُ ّ ْ َ ّ َ ّ
ن اللهِ وَعَلى اللهِ فلي َت َوَك ِ شي ًْئا ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ
م َ ضاّرهِ ْبِ َ
ن ذي
ِ َ ّ ل ا ن ز ح ي ل
ِ َِ ْ ُ َن َ
طا ْ ي شّ ال ن ِ َم } ءا ً سو بها مؤمن يتوهم حيث - رة سا
ُ َ ّ م ال وهي
مُنوا { يعني :إنما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشيطان وتزيينه } ، آ َ
مُنوا { أي :ليسوءهم ،وليس ذلك بضارهم شيًئا إل بإذن الله ، نآ َذي َ ن ال ّ ِ حُز َ
ل ِي َ ْ
ومن أحس من ذلك شيًئا فليستعذ بالله وليتوكل على الله ،فإنه ل يضره
شيء بإذن الله.
وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي حيث يكون في ذلك تأذ ٍ على مؤمن ،
كما قال المام أحمد :
__________
) (1المسند ).(2/170
) (2في أ " :فيجزيكم".
) (3في م " :الكافرون".
) (4المسند ) (2/74وصحيح البخاري برقم ) (4685وصحيح مسلم برقم )
.(1768
) (8/44
ذي َ َ
سِح الل ّ ُ
ه ف َ
حوا ي َ ْ س َفافْ َ
س ُ ِ جال ِ حوا ِفي ال ْ َ
م َ س ُف ّ ل ل َك ُ ْ
م تَ َ مُنوا إ َِذا ِقي َ نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ َ
شزوا يرفَع الل ّه ال ّذين آ َمنوا منك ُم وال ّذي ُ
ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ
م ِ ْ ْ َ ِ َ ُ ِ َ َ ُ َْ ِ شُزوا َفان ْ ُ ُ ل ان ْ ُم وَإ َِذا ِقي َ ل َك ُ ْ
خِبيٌر )(11 ن َمُلو َما ت َعْ َ
ه بِ َ ت َوالل ّ ُ
جا ٍ د ََر َ
حدثنا وكيع وأبو معاوية قال حدثنا العمش ،عن أبي وائل ،عن عبد الله بن
مسعود قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إذا كنتم ثلثة فل
ن اثنان دون صاحبهما ،فإن ذلك يحزنه" .وأخرجاه من حديث العمش جي ّ يتنا َ
)(1
مر ،عن أيوب ،عن نافع ،عن ابن عمر قال : معْ َ وقال عبد الرزاق ،أخبرنا َ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إذا كنتم ثلثة فل يتناجى اثنان دون
الثالث إل بإذنه ؛ فإن ذلك يحزنه" .انفرد بإخراجه مسلم عن أبي الربيع وأبي
كامل ،كلهما عن حماد بن زيد ،عن أيوب ،به )(2
هّ َ
سِح الل ُ ف َحوا ي َ ْ س ُس َفافْ َ
ِ جال ِ م َحوا ِفي ال ْ َ س ُ ف ّ
م تَ َ ل ل َك ُ ْمُنوا إ َِذا ِقي َ نآ َ ذي َ } َيا أي َّها ال ّ ِ
شزوا يرفَع الل ّه ال ّذين آمنوا منك ُم وال ّذي ُ
من أوُتوا ال ْعِل ْ َ ِ ْ ْ َ ِ َ ُ ِ َ َ ُ َْ ِ شُزوا َفان ْ ُ ُ ل ان ْ ُم وَإ َِذا ِقي َ ل َك ُ ْ
خِبيٌر ){ (11 ن َ مُلو َ ما ت َعْ َه بِ َت َوالل ّ ُ جا ٍ د ََر َ
يقول تعالى مؤدًبا عباده المؤمنين ،وآمًرا لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض
َ
س{ جال ِ ِ م َ حوا ِفي ال ْ َ س ُ
ف ّ م تَ َ ل ل َك ُ ْ
مُنوا إ َِذا ِقي َ نآ َ ذي َ في المجالس َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
م { وذلك أن الجزاء من ه ل َك ُ ْ سِح الل ّ ُ
ف َ حوا ي َ ْ س ُ وقرئ } في المجلس { } َفافْ َ
دا بنى الله جنس العمل ،كما جاء في الحديث الصحيح " :من ب ََنى لله مسج ً
سر الله سر ي َ ّ معْ ِ سر على ُ له بيًتا في الجنة" ) (3وفي الحديث الخر " :ومن ي َ ّ
عليه في الدنيا والخرة ] ،ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والخرة[ )
(4والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" ) (5ولهذا أشباه كثيرة ؛
م {.ه ل َك ُ ْسِح الل ّ ُ ف َ حوا ي َ ْ س ُ ولهذا قال َ } :فافْ َ
قال قتادة :نزلت هذه الية في مجالس ) (6الذكر ،وذلك أنهم كانوا إذا رأوا
ضّنوا بمجالسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحدهم مقبل َ
فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض.
معة وكان رسول الله صلى ج ُ
وقال مقاتل ابن حيان :أنزلت هذه الية يوم ُ
الله عليه وسلم يومئذ في الصفة ،وفي المكان ضيق ،وكان يكرم أهل بدر
من المهاجرين والنصار ،فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس ،
فقاموا حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقالوا :السلم عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته .فرد النبي صلى الله عليه وسلم ،ثم سلموا على
القوم بعد ذلك ،فردوا عليهم ،فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم ،
سح لهم ، ف َفعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما يحملهم على القيام ،فلم ي ُ ْ
فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال لمن حوله من المهاجرين
والنصار ،من غير أهل بدر " :قم يا فلن ،وأنت يا فلن" .فلم يزل
__________
) (1المسند ) (1/431وصحيح مسلم برقم ) (2184ولم أقع عليه عند
البخاري عن العمش ،وإنما هو عنده عن منصور ،عن أبي وائل برقم )
.(6290
) (2صحيح مسلم برقم ).(2183
) (3رواه البخاري في صحيحه برقم ) (450ومسلم في صحيحه برقم )(533
من حديث عثمان ،رضي الله عنه.
) (4زيادة من صحيح مسلم ).(2699
) (5رواه مسلم في صحيحه برقم ) (2699من حديث أبي هريرة ،رضي
الله عنه.
) (6في م " :في مجلس".
) (8/45
يقيمهم بعدة ) (1النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين والنصار من
أهل بدر ،فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ،وعرف النبي صلى الله
عليه وسلم الكراهة في وجوههم ،فقال المنافقون :ألستم تزعمون أن
ل عدل على هؤلء ،إن صاحبكم هذا يعدل بين الناس ؟ والله ما رأيناه قب ُ
قوما أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب لنبيهم ،فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه.
سح )(2 فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :رحم الله رجل فَ َ
م لخوانهم ،ونزلت ح القو ُ
س َ
ف ّعا ،فَت َ َ
لخيه" .فجعلوا يقومون بعد ذلك سرا ً
هذه الية يوم الجمعة .رواه بن أبي حاتم.
وقد قال المام أحمد ،والشافعي :حدثنا سفيان ،عن أيوب ،عن نافع ،عن
ج َ
ل ج ُ
ل الّر ُ ابن عمر ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ل يقيم الّر ُ
سعوا".حوا وَتو ّ س ُ
ف ّ
من مجلسه فيجلس فيه ،ولكن ت َ َ
وأخرجاه في الصحيحين من حديث نافع ،به )(3
وقال الشافعي :أخبرنا عبد المجيد ،عن ابن جريج قال :قال سليمان بن
موسى ،عن جابر بن عبد الله .أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
دكم أخاه يوم الجمعة ،ولكن ليقل :افسحوا" .على شرط "ل يقيمن أح ُ
السنن ولم يخرجوه )(4
َ ُ
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الملك بن عمرو ،حدثنا فلْيح ،عن أيوب عن
صعة ،عن يعقوب بن أبي يعقوب ،عن أبي صعْ َ
عبد الرحمن بن ]أبي[ )َ (5
ل من ل الرج َ هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :ل يقم الرج ُ
مجلسه ثم يجلس فيه ،ولكن افسحوا يفسح الله لكم" )(6
َ ُ
سَريج ) (7بن يونس ،ويونس بن محمد المؤدب ،عن فلْيح ، ضا عن ُ ورواه أي ً
ل للرجل من مجلسه ،ولكن افسحوا يفسح الله به .ولفظه " :ل يقوم الرج ُ
لكم" تفرد به أحمد )(8
وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال :فمنهم من
جا بحديث " :قوموا إلى سيدكم" ) (9ومنهم من منع من رخص في ذلك محت ّ
ده من قعَ َم ْ
وأ َ ْ
ما فَلَيتب ّ ب أن ي ََتمث ّ َ
ل له الرجال قيا ً ح ّ
جا بحديث " :من أ َ ذلك محت ّ
النار" ) (10ومنهم من فصل فقال :يجوز عند القدوم من سفر ،وللحاكم
في محل وليته ،كما دل عليه قصة سعد بن معاذ ،فإنه لما استقدمه النبي
ما
صلى الله عليه وسلم حاك ً
__________
) (1في أ " :بعدد".
) (2في م ،أ " :يفسح".
) (3لم يقع هذا الحديث لي في مسند أحمد هكذا ،وإنما هو فيه ): (2/22
عن ابن نمير ،عن عبيد الله بن عمر ،عن نافع ،عن ابن عمر (2/45) ،عن
غندر ،عن شعبة ،عن أيوب بن موسى ،عن نافع ،عن ابن عمر .وهو في
صحيح البخاري برقم ) (6269وصحيح مسلم برقم ).(2177
) (4مسند الشافعي برقم )" (454بدائع المنن".
) (5زيادة من المسند ).(2/523
) (6المسند ).(2/523
) (7في م ،أ " :شريح".
) (8المسند ).(2/338
) (9رواه البخاري في صحيحه برقم ) (3043ومسلم في صحيحه برقم )
(1768من حديث أبي سعيد الخدري ،رضي الله عنه.
) (10رواه أبو داود في السنن برقم ) (5229والترمذي في السنن برقم )
(2755من حديث معاوية رضي الله عنه ،وقال الترمذي " :إسناد حسن".
) (8/46
في بني قريظه فرآه مقبل قال للمسلمين " :قوموا إلى سيدكم" .وما ذاك إل
ليكون أنفذ لحكمه ،والله أعلم .فأما اتخاذه ديدًنا فإنه من شعار العجم .وقد
جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،وكان إذا جاء ل يقومون له ،لما يعلمون من كراهته ) (1لذلك )) (2
(3
وفي الحديث المروي في السنن :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يجلس حيث انتهى به المجلس ،ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك
المجلس ،وكان الصحابة ،رضي الله عنهم ،يجلسون منه على مراتبهم ،
فالصديق يجلسه عن يمينه ،وعمر عن يساره ،وبين يديه غالًبا عثمان
وعلي ؛ لنهما كانا ممن يكتب ) (4الوحي ،وكان يأمرهما بذلك ،كما رواه
مر ،عن أبي معْ َ مسلم من حديث العمش ،عن عمارة بن عمير ،عن أبي َ
مسعود ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " :ل َِيليني منكم
أولوا الحلم والن َّهى ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم" ) (5وما ذاك إل
ليعقلوا عنه ما يقوله ،صلوات الله وسلمه عليه ؛ ولهذا أمر أولئك النفر
بالقيام ليجلس الذين وردوا من أهل بدر ،إما لتقصير أولئك في حق البدريين
،أو ليأخذ البدريون من العلم بنصيبهم ،كما أخذ أولئك قبلهم ،أو تعليما
بتقديم الفاضل إلى المام.
مارة بن عمير )(6 كيع ،عن العمش ،عن عُ َ وقال المام أحمد :حدثنا وَ ِ
التيمي ) (7عن أبي معمر ،عن أبي مسعود قال :كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلة ويقول " :استووا ول تختلفوا فتختلف
قلوبكم ،ليليني منكم أولو الحلم والّنهى ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين
يلونهم" .قال أبو مسعود ) (8فأنتم اليوم أشد اختلًفا.
وكذا رواه مسلم وأهل السنن ،إل الترمذي ،من طرق عن العمش ،به )(9
وإذا كان هذا أمره لهم في الصلة أن يليه العقلء ) (10ثم العلماء ،فبطريق
الولى أن يكون ذلك في غير الصلة.
وروى أبو داود من حديث معاوية بن صالح ،عن أبي الزاهرية ،عن كثير بن
مرة ،عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
دوا الخلل ،وِليُنوا بأيدي حاُذوا بين المناكب ،و ُ
س ّ "أقيموا الصفوف ،و َ
فا وصله الله ،ومن صل ص ّ ذروا فرجات للشيطان ،ومن وَ َ إخوانكم ،ول ت َ َ
فا قطعه الله" )(11 قطع ص ّ
__________
) (1في م " :من كراهيته".
) (2رواه الترمذي في السنن برقم ) (2754من حديث أنس ،رضي الله
عنه.
) (3وللمام النووي -رحمه الله -رسالة سماها " :الترخيص بالقيام لذوى
الفضل والمزية من أهل السلم" أطنب في الكلم على هذه المسألة ،وهى
مطبوعة بدار الفكر بدمشق.
) (4في م " :يكتبان".
) (5صحيح مسلم برقم ).(432
) (6في أ " :بكير".
) (7في م ،أ " :الليثي".
) (8في أ " :سعيد".
) (9المسند ) (4/122وصحيح مسلم برقم ) (432وسنن أبي داود برقم )
(674وسنن النسائي ) (2/87وسنن ابن ماجة برقم ).(976
) (10في أ " :الفضلء".
) (11سنن أبي داود برقم ).(666
) (8/47
ولهذا كان أبي بن كعب -سيد القراء -إذا انتهى إلى الصف الول انتزع منه
رجل يكون من أفناء ) (1الناس ،ويدخل هو في الصف المقدم ،ويحتج بهذا
الحديث " :ليلينى منكم أولو الحلم والنهى" .وأما عبد الله بن عمر فكان ل
يجلس في المكان الذي يقوم له صاحبه عنه ،عمل بمقتضى ما تقدم من
روايته الحديث الذي أوردناه .ولنقتصر على هذا المقدار ) (2من النموذج
المتعلق بهذه الية ،وإل فبسطه يحتاج ) (3إلى غير هذا الموضع ،وفي
الحديث الصحيح :بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ،إذ أقبل ثلثة
نفر ،فأما أحدهم فوجد فرجة في الحلقة فدخل فيها ،وأما الخر فجلس
وراء الناس ،وأدبر الثالث ذاهًبا .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"أل أنبئكم بخبر الثلثة ،أما الول فآوى إلى الله فآواه الله ،وأما الثاني
فاستحيا فاستحيا الله منه ،وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه" )(4
وقال المام أحمد :حدثنا عَّتاب بن زياد ،أخبرنا عبد الله ،أخبرنا أسامة بن
زيد ،عن عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " :ل يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إل بإذنهما".
ورواه أبو داود والترمذي ،من حديث أسامة بن زيد الليثي ،به ) (5وحسنه
الترمذي.
وقد ُروي عن بن عباس ،والحسن البصري وغيرهما أنهم قالوا ) (6في قوله
تعالى } :إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا { ) (7يعني :في
شُزوا { أي : شُزوا َفان ْ ُ ل ان ْ ُمجالس الحرب ،قالوا :ومعنى قوله } :وَإ َِذا ِقي َ
انهضوا للقتال.
شُزوا { أي :إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا. َ
شُزوا فان ْ ُ ل ان ْ ُوقال قتادة } :وَإ َِذا ِقي َ
وقال مقاتل ]بن حيان[ ) (8إذا دعيتم إلى الصلة فارتفعوا إليها.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :كانوا إذا كانوا عند النبي صلى الله عليه
وسلم في بيته فأرادوا النصراف أحب كل منهم أن يكون هو آخرهم خروجا
من عنده ،فربما يشق ) (9ذلك عليه -عليه السلم -وقد تكون له )(10
ن ِقي َ
ل الحاجة ،فأمروا أنهم إذا أمروا بالنصراف أن ينصرفوا ،كقوله } :وَإ ِ ْ
جُعوا { ] النور (11) [ 28 : جُعوا َفاْر ِ م اْر ِل َك ُ ُ
ّ ْ ْ ُ ّ ّ ّ
ماه بِ َت َوالل ُجا ٍ م د ََر َ ن أوُتوا العِل َ ذي َ م َوال ِ من ْك ُ ْ مُنوا ِنآ َ ذي َ ه ال ِوقوله } :ي َْرفَِع الل ُ
سح أحد منكم لخيه إذا أقبل ،أو إذا خِبيٌر { أي :ل تعتقدوا أنه إذا فَ َ ن َ مُلو َت َعْ َ
أمر بالخروج فخرج ،أن يكون ذلك نقصا في حقه ،بل هو رفعة ومزية )(12
عند الله ،والله تعالى ل يضيع ذلك له ،بل يجزيه بها في الدنيا والخرة ،فإن
شر ذكره ؛ ولهذا قال } :ي َْرفَِع الل ّ ُ
ه من تواضع لمر الله َرَفع الله قدره ،ون َ َ
ُ ّ ال ّذين آمنوا منك ُم وال ّذي ُ
خِبيٌر {ن َ ملو َ ما ت َعْ َه بِ َت َوالل ُ جا ٍ م د ََر َ ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ ِ ْ ْ َ ِ َ ِ َ َ ُ
__________
) (1في م ،أ " :أفناد".
) (2في م " :القدر".
) (3في م " :محتاج".
) (4رواه البخاري في صحيحه برقم ) (66ومسلم في صحيحه برقم )
.(2176
) (5المسند ) (2/213وسنن أبي داود برقم ) (4845وسنن الترمذي برقم )
.(2752
) (6في م ،أ " :أنهما قال".
) (7في أ " :المجالس".
) (8زيادة من م.
) (9في م " :شق".
) (10في م " :لهم".
) (11في م " :وإذا قيل ارجعوا" وهو خطأ.
) (12في م " :ورتبة" ،وفي أ " :ومنزلة"
) (8/48
أي :خبير بمن يستحق ذلك وبمن ل يستحقه.
قال المام أحمد :حدثنا أبو كامل ،حدثنا إبراهيم ،حدثنا ابن شهاب ،عن
أبي الطفيل عامر بن واثلة ،أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب
بعسفان ،وكان عمر استعمله على مكة ،فقال له عمر :من استخلفت على
أهل الوادي ؟ قال :استخلفت عليهم ابن أبزي .قال :وما ابن أبزي ؟ فقال :
رجل من موالينا .فقال عمر ]بن الخطاب[ ) (1استخلفت عليهم مولى ؟.
فقال :يا أمير المؤمنين ،إنه قارئ لكتاب الله ،عالم بالفرائض ،قاض.
فقال عمر ،رضي الله عنه :أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال :
ما ويضع به آخرين" )(2"إن الله يرفع بهذا الكتاب قو ً
وهكذا رواه مسلم من غير وجه ،عن الزهري ،به ) (3وقد ذكرت ) (4فضل
العلم وأهله وما ورد في ذلك من الحاديث مستقصاة في شرح "كتاب العلم"
من صحيح البخاري ،ولله الحمد والمنة.
__________
) (1زيادة من م.
) (2المسند ).(1/35
) (3جاء من طريق حماد بن سلمة عن حميد ،عن الحسن بن مسلم :أن
عمر استعمل ابن عبد الحارث على مكة ،فذكر نحوه ،أخرجه أبو يعلى في
مسنده ) (1/185وفيه انقطاع .وأيضا من طريق العمش عن حبيب بن أبي
ثابت :أن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال :خرجت مع عمر ،فاستقبلنا أمير
مكة -نافع بن علقمة -فذكر نحو الحديث المتقدم ،أخرجه أبو يعلى في
مسنده ).(1/186
) (4في م " :ذكرنا".
) (8/49
ذي َ َ
ة ذ َل ِ َ
ك صد َقَ ً م َ واك ُ ْ ج َ
ن ي َد َيْ ن َ ْموا ب َي ْ َ قد ّ ُ ل فَ َ سو َ م الّر ُ جي ْت ُ ُ مُنوا إ َِذا َنا َ نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ َ
قت َ م ) (12أ َأ َ ْ َ
مواقد ّ ُ
ن تُ َ مأ ْ ف ْ ُ ْ
ش َ حي ٌ فوٌر َر ِ ه غَ ُ ن الل ّ َ دوا فَإ ِ ّ ج ُ م تَ ِ ن لَ ْ
م وَأط ْهَُر فَإ ِ ْ خي ٌْر ل َك ُ ْ َ
َ َ َ َ ُ َ ّ ُ َ َ َ ُ
صلة َ وَآُتوا موا ال ّ م فأِقي ُ ه عَلي ْك ْ ب الل ُ فعَلوا وََتا َ م تَ ْ ت فإ ِذ ْ ل ْ صد َقا ٍ م َ واك ْ ج َ ن ي َد َيْ ن َ ْ ب َي ْ َ
ن )(13 ُ ّ َ ّ َ َ
ملو َ ما ت َعْ َخِبيٌر ب ِ َ ه َ ه َوالل ُ سول ُ ه وََر ُ طيُعوا الل َ الّزكاةَ وَأ ِ
َ
كة ذ َل ِ َ صد َقَ ً م َ واك ُ ْ ج َ ن ي َد َيْ ن َ ْموا ب َي ْ َ قد ّ ُ ل فَ َ سو َ م الّر ُ جي ْت ُ ُ مُنوا إ َِذا َنا َ نآ َ ذي َ } َيا أي َّها ال ّ ِ
َ َ َ َ
موا قد ّ ُ ن تُ َمأ ْ قت ُ ْف ْش َم ) (12أأ ْ حي ٌفوٌر َر ِ ه غَ ُ ن الل ّ َ دوا فَإ ِ ّ ج ُ م تَ ِ ن لَ ْ م وَأط ْهَُر فَإ ِ ْ خي ٌْر ل َك ُ َْ
َ ُ َ ّ ُ َ ُ
صلة َ َوآُتوا موا ال ّ م فَأِقي ُ ه عَلي ْك ْ ب الل ُ فعَلوا وََتا َ م تَ ْ ت فَإ ِذ ْ ل ْ صد ََقا ٍ م َ واك ْ ج َ ن ي َد َيْ ن َ ْ ب َي ْ َ
ن ){ (13 ُ ّ َ ّ َ َ
ملو َ ما ت َعْ َ خِبيٌر ب ِ َ ه َ ه َوالل ُ سول ُ ه وََر ُ طيُعوا الل َ الّزكاةَ وَأ ِ
يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،أي :يساره فيما بينه وبينه ،أن يقدم بين يدي ذلك صدقة
خي ٌْر ل َك ُ ْ
م ك َ تطهره وتزكيه وتؤهله لن يصلح لهذا المقام ؛ ولهذا قال } :ذ َل ِ َ
وَأ َط ْهَُر { )(1
ن الل ّ َ
ه دوا { أي :إل من عجز عن ذلك لفقده } فَإ ِ ّ ج ُ م تَ ِ ن لَ ْ ثم قال } :فَإ ِ ْ
م { فما أمر بها إل من قدر عليها. حي ٌ فوٌر َر ِ غَ ُ
َ َ َ
ت { أي :أخفتم من صد ََقا ٍ م َ واك ُ ْ ج َ ن ي َد َيْ ن َ ْ موا ب َي ْ َ قد ّ ُ ن تُ َ مأ ْ قت ُ ْ ف ْش َثم قال } :أأ ْ
استمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول } ،فَإ ِذ ْ
هَ َ َ
سول ُ ه وََر ُ طيُعوا الل ّ َ كاةَ وَأ ِ صلة َ َوآُتوا الّز َ موا ال ّ م فَأِقي ُ ه عَل َي ْك ُ ْ ب الل ّ ُ فعَُلوا وََتا َ م تَ ْلَ ْ
ن{مُلو َ
ما ت َعْ َ
خِبيٌر ب ِ َ َوالل ّ ُ
ه َ
__________
) (1في أ " :ذلكم" وهو خطأ
) (8/49
) (8/50
َ
ن
فو َ حل ِ ُ م وَي َ ْ من ْهُ ْ م وََل ِ من ْك ُ ْ م ِ ما هُ ْ م َ ه عَل َي ْهِ ْ ب الل ّ ُ ض َ ما غَ ِ وا قَوْ ً ن ت َوَل ّ ْ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ أل َ ْ
َ
كاُنوا ما َ ساَء َ م َ دا إ ِن ّهُ ْ دي ً ش ِ ذاًبا َ م عَ َ ه ل َهُ ْ ن ) (14أعَد ّ الل ّ ُ مو َ م ي َعْل َ ُ ب وَهُ ْ عََلى ال ْك َذِ ِ
َ
ن) مِهي ٌ ب ُ ذا ٌ م عَ َ ل الل ّهِ فَل َهُ ْ سِبي ِ ن َ دوا عَ ْ ص ّ ة فَ َ جن ّ ً م ُ مان َهُ ْ ذوا أي ْ َ خ ُ ن ) (15ات ّ َ مُلو َ ي َعْ َ
م َ َ َ ُ ً ن اللهِ َ ّ َ َ َ ُ َ َ
ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َشي ْئا أولئ ِك أ ْ م َ م ِ م وَل أوْلد ُهُ ْ والهُ ْ م َ مأ ْ ي عَن ْهُ ْ ن ت ُغْن ِ َ (16ل ْ
من ل َك ُْ َ فو ُ ل ح ي
َ ُ َ َ ْ ِ ما َ ك ه َ ل ن فو ُ ل ح يَ ف
ُ َ ِ ً َ ْ ِعا مي ج ه ّ لال م هُ ث ع
َ ْ َ َْ َ ُ ُ بي م وي (17 ) ن
خا ِ ُ َ
دو ل ِفيَها َ
َ َ
حوَذ َ عَل َي ْهِ ُ
م ست َ ْ ن ) (18ا ْ كاذُِبو َ م ال ْ َ م هُ ُ يٍء أَل إ ِن ّهُ ْ ش ْ م عََلى َ ن أن ّهُ ْ سُبو َ ح َ
وَي َ ْ
شي ْ َ َ ُ َ
م
ن هُ ُ طا ِ ب ال ّ حْز َ ن ِ ن أَل إ ِ ّ طا ِ شي ْ َ ب ال ّ حْز ُ ك ِ م ذِك َْر الل ّهِ أول َئ ِ َ ساهُ ْ ن فَأن ْ َ طا ُ شي ْ َ ال ّ
ن )(19 سُرو َ خا ِ ال ْ َ
) (8/51
ما
اليهود ،الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن .ثم قال َ } :
م { أي :هؤلء المنافقون ،ليسوا في الحقيقة ل منكم أيها من ْهُ ْ م َول ِ من ْك ُ ْ
م ِ هُ ْ
المؤمنون ،ول من الذين تولوهم وهم اليهود.
ن { يعني :المنافقين يحلفون مو َ م ي َعْل َ ُ ب وَهُ ْ ن عََلى ال ْك َذِ ِ فو َ حل ِ ُثم قال } :وَي َ ْ
على الكذب وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا ،وهي اليمين الغموس ،
ول سيما في مثل حالهم اللعين ،عياًذا بالله منه ) (1فإنهم كانوا إذا لقوا
الذين آمنوا قالوا :آمنا ،وإذا جاءوا الرسول حلفوا بالله ]له[ ) (2أنهم
مؤمنون ،وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به ؛ لنهم ل
قا ؛ ولهذا شهد الله يعتقدون صدق ما قالوه ،وإن كان في نفس المر مطاب ً
بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك.
ُ َ
ن { أي :أرصد ملو َ َ
ما كاُنوا ي َعْ َ ساَء َ م َ دا إ ِن ّهُ ْ دي ً ش ِ ذاًبا َ م عَ َ ه ل َهُ ْ ثم قال } :أعَد ّ الل ّ ُ
الله لهم على هذا الصنيع العذاب الليم على أعمالهم السيئة ،وهي موالة
ذوا خ ُ الكافرين ونصحهم ،ومعاداة المؤمنين وغشهم ؛ ولهذا قال تعالى } ات ّ َ
ل الل ّهِ { أي :أظهروا اليمان وأبطنوا الكفر ، َ
سِبي ِ ن َ دوا عَ ْ ص ّ ة فَ َ جن ّ ً
م ُ مان َهُ ْأي ْ َ
واتقوا باليمان الكاذبة ،فظن كثير ممن ل يعرف حقيقة أمرهم صدقهم
ن
مِهي ٌ ب ُ ذا ٌ م عَ َ فاغتر بهم ،فحصل بهذا صد عن سبيل الله لبعض الناس } فَل َهُ ْ
{ أي :في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم في اليمان
الكاذبة الحانثة.
ّ َ ُ َ
شي ًْئا { أي :لن يدفع ن اللهِ َ م َ م ِم َول أْولد ُهُ ْ والهُ ْ م َ مأ ْ ي عَن ْهُ ْ ن ت ُغْن ِ َ ثم قال } :ل َ ْ
ن{ ذلك عنهم بأسا ) (3إذا جاءهم ُ } ،أول َئ ِ َ َ
دو َ خال ِ ُم ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ كأ ْ
ميًعا { أي :يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم ج ِ ه َ م الل ّ ُ م ي َب ْعَث ُهُ ُ ثم قال } :ي َوْ َ
َ َ ُ َ َ َ
م عَلى ن أن ّهُ ْ سُبو َ ح َ م وَي َ ْ ن لك ْ فو َ حل ِ ُما ي َ ْ هك َ نل ُ فو َ حل ِ ُ دا } ،فَي َ ْ فل يغادر منهم أح ً
يٍء { أي :يحلفون بالله ) (4عز وجل ،أنهم كانوا على الهدى ش ْ َ
والستقامة ،كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا ؛ لن من عاش على شيء
مات عليه وبعث عليه ،ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم
م عند الناس ،فيجرون عليهم الحكام الظاهرة ؛ ولهذا قال } :ويحسبو َ
ن أن ّهُ ْ ََ ْ َ ُ َ
يٍء { أي :حلفهم ذلك لربهم ،عز وجل. ش ْعََلى َ
ن { فأكد الخبر عنهم م ال ْ َ َ
كاذُِبو َ م هُ ُثم قال منكًرا عليهم حسبانهم ) } (5أل إ ِن ّهُ ْ
بالكذب.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا ابن نفيل ،حدثنا زهير ،عن )(6
جَبير ؛ أن ابن عباس حدثه :أن النبي ماك بن حرب ،حدثني سعيد بن ُ س َ
جره ،وعنده نفر من ح َ صلى الله عليه وسلم كان في ظل حجرة من ُ
ص عنهم الظل ،قال " :إنه سيأتيكم إنسان ينظر المسلمين قد كان َيقل ُ
بعيني شيطان ،فإذا أتاكم فل تكلموه" .فجاء رجل أزرق ،فدعاه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فكلمه ،فقال ؛ "علم تشتمني أنت وفلن وفلن ؟" -
نفر دعاهم بأسمائهم -قال :فانطلق الرجل فدعاهم ،فحلفوا له واعتذروا
ن
سُبو َ
ح َ ن ل َك ُ ْ
م وَي َ ْ فو َ
حل ِ ُ ه كَ َ
ما ي َ ْ ن لَ ُ
فو َ حل ِ ُإليه ،قال فأنزل الله ،عز وجل } :فَي َ ْ
ن{ م ال ْ َ َ م عََلى َ َ
كاذُِبو َ م هُ ُيٍء أل إ ِن ّهُ ْ
ش ْ أن ّهُ ْ
__________
) (1في م " :عياًذا بالله من ذلك".
) (2زيادة من م.
) (3في م " :بأس الله".
) (4في م " :الله".
) (5في م ،أ " :حسابهم".
) (6في م " :حدثنا".
) (8/52
ن أ ََنا َ
ه َلغْل ِب َ ّ
ب الل ّ ُ
ن ) (20ك َت َ َ َ ه ُأول َئ ِ َ
ك ِفي اْلذ َّلي َ سول َ ُ ن الل ّ َ
ه وََر ُ حاّدو َن يُ َ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
زيٌز )(21 ه قَوِيّ عَ ِ ّ
ن الل َسِلي إ ِ ّ وَُر ُ
وهكذا رواه المام أحمد من طريقين ،عن سماك ،به ) (1ورواه ابن جرير ،
در ،عن شعبة ،عن سماك ،به نحوه )(2 عن محمد بن المثني ،عن غُن ْ َ
ضا من حديث سفيان الثوري ،عن سماك ،بنحوه .إسناد جيد ولم وأخرجه أي ً
يخرجوه.
م ت َك ُ ْ
ن مل ْ َ وحال هؤلء كما أخبر الله تعالى عن المشركين حيث يقول } :ث ُ ّ
َ
ف ك َذ َُبوا عََلى أن ْ ُن ان ْظ ُْر ك َي ْ َ َ
م
سهِ ْ ف ِ كي َ
شرِ ِ م ْما ك ُّنا ُ ن َقاُلوا َوالل ّهِ َرب َّنا َ م ِإل أ ْ فِت ْن َت ُهُ ْ
ن { ]النعام [24 ، 23 : فت َُرو َ َ
ما كاُنوا ي َ ْ م َ ل عَن ْهُ ْض ّ وَ َ
ّ ْ َ َ َ
م ذِكَر اللهِ { أي :استحوذ على ساهُ ْن فَأن ْ َ شي ْطا ُ م ال ّ حوَذ َ عَلي ْهِ ُ ست َ ْ
ثم قال } :ا ْ
قلوبهم الشيطان حتى أنساهم أن يذكروا الله ،عز وجل ،وكذلك يصنع بمن
استحوذ عليه ؛ ولهذا قال أبو داود :
مْعدان حَبيش ،عن َ حدثنا أحمد ابن يونس ،حدثنا زائدة ،حدثنا السائب بن ُ
مري ،عن أبي الدرداء :سمعت رسول الله صلى الله بن أبي طلحة الي َعْ ُ
دو ،ل تقام فيهم الصلة إل قد َ ْ ب ول قرية في ثلثة من "ما عليه وسلم يقول :
استحوذ عليهم الشيطان ،فعليك بالجماعة ،فإنما يأكل الذئب القاصية" .قال
زائدة :قال السائب :يعني الصلة في الجماعة ).(3
ن { يعني :الذين استحوذ عليهم طا ِ شي ْ َ
ب ال ّ حْز ُ ك ِ ثم قال تعالى ُ } :أول َئ ِ َ
م شي ْ َب ال ّ َ
ن هُ ُ طا ِ حْز َ
ن ِ الشيطان فأنساهم ذكر الله .ثم قال تعالى } :أل إ ِ ّ
ن{ سُرو َ خا ِ ال ْ َ
ن أ ََنا ب الل ّ ُ
ه لغْل ِب َ ّ ن ) (20ك َت َ َ ه ُأول َئ ِ َ
ك ِفي الذ َّلي َ سول َ ُ ن الل ّ َ
ه وََر ُ حاّدو َن يُ َ
ذي َ ن ال ّ ِ
} إِ ّ
زيٌز ){ (21 َ
ه قوِيّ عَ ِ ّ
ن الل َ سِلي إ ِ ّ وَُر ُ
__________
) (1المسند ).(1/240
) (2تفسير الطبري ).(28/17
) (3سنن أبي داود برقم ).(547
) (8/53
ه وَل َوْ َ
كاُنوا سول َ ُ ه وََر ُ حاد ّ الل ّ َن َ م ْن َ واّدو َ خرِ ي ُ َ ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ مُنو َ ما ي ُؤْ ِ جد ُ قَوْ ً َل ت َ ِ
ُ َ َ َ َ َ
نما َ ماِْ
لي َ ب ِفي قُُلوب ِهِ ُ م أول َئ ِ َ
ك ك َت َ َ شيَرت َهُ ْ م أوْ عَ ِ وان َهُ ْخ َ م أوْ إ ِ ْ م أوْ أب َْناَءهُ ْ آَباَءهُ ْ
َ
ي
ض َن ِفيَها َر ِ دي َ خال ِ ِ حت َِها اْل َن َْهاُر َ
ن تَ ْ م ْري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ م َ خل ُهُ ْ ه وَي ُد ْ ِمن ْ ُم ب ُِروٍح ِ وَأي ّد َهُ ْ
ْ ّ َ َ ّ َ ُ
ن )(22 حو َفل ِ ُ
م ْ م ال ُ ب اللهِ هُ ُ حْز َ ن ِ ب اللهِ أل إ ِ ّ حْز ُ َ
ه أولئ ِك ِ ضوا عَن ْ ُ م وََر ُ ه عَن ْهُ ْ الل ّ ُ
ه وَل َ ْ
و سول َ ُ ه وََر ُ حاد ّ الل ّ َ ن َ م ْ ن َ واّدو َ خرِ ي ُ َ ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ مُنو َما ي ُؤْ ِ جد ُ قَوْ ً } ل تَ ِ
ُ َ ُ َ َ َ َ
ب ِفي قُلوب ِهِ ُ
م ك ك َت َ َ م أولئ ِ َ شيَرت َهُ ْ م أوْ عَ ِ وان َهُ ْ خ َ م أوْ إ ِ ْ م أوْ أب َْناَءهُ ْ كاُنوا آَباَءهُ ْ َ
ن ِفيَها ُ َ
دي َ خال ِ ِحت َِها الن َْهاُر َ ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ م َخلهُ ْ ه وَي ُد ْ ِ من ْ ُ
م ب ُِروٍح ِ ن وَأي ّد َهُ ْ ما َ الي َ
ن ْ ّ َ ّ َ
ه أولئ ِ َ ُ ّ
حو َ فل ِ ُم ْ م ال ُ ب اللهِ هُ ُ حْز َ ن ِ ب اللهِ أل إ ِ ّ حْز ُك ِ ضوا عَن ْ ُ م وََر ُ ه عَن ْهُ ْ ي الل ُ ض َ َر ِ
){ (22
يقول تعالى مخبًرا عن الكفار المعاندين المحادين ) (1لله ورسوله ،يعني :
حد ّ ،أي :مجانبون للحق مشاقون له ،هم في حد ّ والشرع في َ الذين هم في َ
ّ َ َ ُ
ن { أي :في الشقياء المبعدين ناحية والهدى في ناحية } ،أولئ ِك ِفي الذ َلي َ
المطرودين عن الصواب ،الذلين في الدنيا والخرة.
دره َ } ك َتب الل ّه لغْل ِب َ
سِلي { أي :قد حكم وكتب في كتابه الول وق َ ن أَنا وَُر ُ َ ّ ُ َ َ
الذي ل ُيخاَلف ول ُيمانع ،ول يبدل ،بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده
المؤمنين في الدنيا والخرة ،وأن العاقبة
__________
) (1في أ " :المحاربين".
) (8/53
حَياةِ الد ّن َْيا مُنوا ِفي ال ْ َ نآ َ ذي َ سل ََنا َوال ّ ِ صُر ُر ُ للمتقين ،كما قال تعالى } :إ ِّنا ل َن َن ْ ُ
سوُء م ُ ة وَل َهُ ْ م الل ّعْن َ ُ م وَل َهُ ُ معْذَِرت ُهُ ْ ن َ مي َ ظال ِ ِ فعُ ال ّ م ل ي َن ْ َ شَهاد ُ ي َوْ َ م ال ْ قو ُ م يَ ُوَي َوْ َ
هّ َ ّ َ
ن الل َ سِلي إ ِ ّ ن أَنا وَُر ُ ه لغْل ِب َ ّ ب الل ُ دارِ { ]غافر [52 ، 51 :وقال ها هنا } كت َ َ ال ّ
زيٌز { أي :كتب القوي العزيز أنه الغالب لعدائه .وهذا قدر محكم قَوِيّ عَ ِ
وأمر مبرم ،أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والخرة.
هّ
حاد ّ الل َ ن َ م ْ ن َ واّدو َ خرِ ي ُ َ ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ مُنو َ ما ي ُؤْ ِ جد ُ قَوْ ً ثم قال تعالى } :ل ت َ ِ
َ َ َ َ ه وَل َوْ َ
م { أي :ل يوادون شيَرت َهُ ْ م أوْ عَ ِ وان َهُ ْ خ َ م أوْ إ ِ ْ م أوْ أب َْناَءهُ ْ كاُنوا آَباَءهُ ْ سول َ ُ وََر ُ
ن نو م
َّ ِ ِ ُ ِ ُ َ ْ ؤ م ْ ل ا ذ خ تي ل } : تعالى قال كما ، القربين من كانوا ولو المحادين
ن الل ّهِ ِفي كافري َ
يٍءْ َ
ش م َ س ِ ك فَل َي ْ َ ل ذ َل ِ َ فعَ ْ ن يَ ْ م ْ ن وَ َ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ ن ُدو ِ م ْ ن أوْل َِياَء ِ ال ْ َ ِ ِ َ
َ
ه { ]آل عمران [28 :الية ،وقال س ُ ف َ ه نَ ْ م الل ّ ُ حذ ُّرك ُ ُ قاة ً وَي ُ َ م تُ َ من ْهُ ْقوا ِ ن ت َت ّ ُ
ِإل أ ْ
َ َ
م شيَرت ُك ُ ْ م وَعَ ِ جك ُ ْ م وَأْزَوا ُ وان ُك ُ ْخ َ م وَإ ِ ْ م وَأب َْناؤُك ُ ْ ن آَباؤُك ُ ْ كا َن َ ل إِ ْ تعالى } :قُ ْ
َ َ َ
ن
م َ م ِ ب إ ِلي ْك ُ ْ ح ّ ضوْن ََها أ َ ن ت َْر َ ساك ِ ُ م َ ها وَ َ ساد َ َ ن كَ َ شو ْ َ خ َ جاَرة ٌ ت َ ْ ها وَت ِ َ مو َ ل اقْت ََرفْت ُ ُ وا ٌم َ وَأ ْ
الل ّه ورسوله وجهاد في سبيله فَتربصوا حتى يأ ْتي الل ّ َ
دي ه ل ي َهْ ِ مرِهِ َوالل ّ ُ ه ب ِأ ْ
ُ َ ّ َ ِ َ َ ِ ِ ِ ََ ّ ُ ِ ََ ُ ِ ِ َ ِ َ ٍ ِ
ن { ]التوبة [24 : قي َ س ِفا ِم ال ْ َقو ْ َال ْ َ
ن ما ي ُؤْ ِ
مُنو َ جد ُ قَوْ ً وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره :أنزلت هذه الية } ل ت َ ِ
خرِ { إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح ، ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ
حين قتل أباه يوم بدر ؛ ولهذا قال عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه ،حين
جعل المر شورى بعده في أولئك الستة ،رضي الله عنهم " :ولو كان أبو
عبيدة حّيا لستخلفته".
م { نزلت في أبي عبيده قتل أباه يوم بدر وقيل في قوله } :وَل َوْ َ
كاُنوا آَباَءهُ ْ
م يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن } ،أ َْو م { في ) (1الصديق ،هَ ّ
َ َ
} أوْ أب َْناَءهُ ْ
م { في مصعب بن عمير ،قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ } أ َْو وان َهُ ْ
خ َ إِ ْ
ضا ،وفي حمزة وعلي وعبيدة م { في عمر ،قتل قريبا له يومئذ أي ً شيَرت َهُ ْ عَ ِ
بن الحارث ،قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ ،والله أعلم.
قلت :ومن هذا القبيل حين استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم
المسلمين في أسارى بدر ،فأشار الصديق بأن يفادوا ،فيكون ما يؤخذ منهم
قوة للمسلمين ،وهم بنو العم والعشيرة ،ولعل الله أن يهديهم .وقال عمر :
ل أرى ما رأى يا رسول الله ،هل ) (2تمكني من فلن -قريب لعمر -فأقتله
،وتمكن علًيا من عقيل ،وتمكن فلًنا من فلن ،ليعلم الله أنه ليست )(3
في قلوبنا هوادة للمشركين ...القصة بكاملها.
َ وقوله ُ } :أول َئ ِ َ
ه { أي :من اتصف من ْ ُ
م ب ُِروٍح ِن وَأي ّد َهُ ْ
ما َ
م الي َ ب ِفي قُُلوب ِهِ ُ ك ك َت َ َ
بأنه ل يواد من حاد الله ورسوله ولو كان أباه أو أخاه ،فهذا ممن كتب الله
في قلبه اليمان ،أي :كتب له السعادة وقررها في قلبه وزين اليمان في
بصيرته.
__________
) (1في م " :وفي".
) (2في م " :بل".
) (3في م " :ليس".
) (8/54
ن { جعل في قلوبهم اليمان. ما َ م الي َ ب ِفي قُُلوب ِهِ ُ وقال السدي } :ك َت َ َ
ه { أي :قواهم. َ
من ْ ُ م ب ُِروٍح ِ وقال ابن عباس } :وَأي ّد َهُ ْ
ي الل ّ ُ
ه ض َ
ن ِفيَها َر ِدي َخال ِ ِ حت َِها الن َْهاُر َ ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ م َ خل ُهُ ْ وقوله } :وَي ُد ْ ِ
ه { كل هذا تقدم تفسيره غير مرة. ضوا عَن ْ ُ م وََر ُ
عَن ْهُ ْ
ه { سر بديع ،وهو أنه لما سخطوا ضوا عَن ْ ُ م وََر ُ ه عَن ْهُ ْ ّ
ي الل ُ ض َ وفي قوله َ } :ر ِ
على القرائب والعشائر في الله عوضهم الله بالرضا عنهم ،وأرضاهم عنه
بما أعطاهم من النعيم المقيم ،والفوز العظيم ،والفضل العميم.
َ وقوله ُ } :أول َئ ِ َ
ن { أي :هؤلء حو َفل ِ ُم ْم ال ْ ُب الل ّهِ هُ ُ حْز َ ن ِ ب الل ّهِ أل إ ِ ّ حْز ُ ك ِ
ب الله ،أي :عباد الله ) (1وأهل كرامته. حز ُ
ن { تنويه بفلحهم وسعادتهم ْ ّ َ
حو َ فل ِ ُ م ْ
م ال ُ ب اللهِ هُ ُ حْز َ ن ِ وقوله } :أل إ ِ ّ
ونصرهم ) (2في الدنيا والخرة ،في مقابلة ما أخبر عن أولئك بأنهم حزب
ن{ م ال ْ َ شي ْ َ ب ال ّ َ
سُرو َ خا ِ ن هُ ُطا ِ حْز َ ن ِ الشيطان .ثم قال } :أل إ ِ ّ
وقد قال بن أبي حاتم :حدثنا هارون بن حميد الواسطي ،حدثنا الفضل بن
عَن َْبسة ،عن رجل قد سماه -يقال ) (3هو عبد الحميد بن سليمان ،انقطع
من كتابي -عن الذ َّيال بن عباد قال :كتب أبو حازم العرج إلى الزهري :
أعلم أن الجاه جاهان ،جاه يجريه الله على أيدي أوليائه لوليائه ،وأنهم
الخامل ذكرهم ،الخفية شخوصهم ،ولقد جاءت صفتهم على لسان رسول
الله صلى الله عليه وسلم" .إن الله يحب الخفياء التقياء البرياء ،الذين إذا
عوا ،قلوبهم مصابيح الهدى ،يخرجون قدوا ،وإذا حضروا لم ي ُد ْ َ غابوا لم ُيفت َ َ
من كل فتنة سوداء مظلمة" ) (4فهؤلء أولياء الله تعالى الذين قال الله :
َ } ُأول َئ ِ َ
ن{حو َفل ِ ُ
م ْم ال ْ ُ
ب الل ّهِ هُ ُ حْز َن ِب الل ّهِ أل إ ِ ّ حْز ُ ك ِ
ماد :حدثنا محمد بن ثور ،عن يونس ،عن الحسن قال : ح ّوقال ن َُعيم بن َ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :اللهم ،ل تجعل لفاجر ول لفاسق
نمُنو َ جد ُ قَوْ ً
ما ي ُؤْ ِ دا ول نعمة ،فإني وجدت فيما أوحيته إلي } :ل ت َ ِ عندي ي ً
ه { قال سفيان :يرون أنها َ
سول ُ ه وََر ُ ّ
حاد ّ الل َن َ م ْ
ن َواّدو َ خرِ ي ُ َِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ
نزلت فيمن يخالط السلطان .ورواه أبو أحمد العسكري.
__________
) (1في م : :عباده".
) (2في م " :ونصرتهم".
) (3في م " :فقال".
) (4الحديث أخرجه ابن ماجة في السنن برقم ) (3989من طريق ابن لهيعة
،عن عيسى بن عبد الرحمن ،عن زيد بن أسلم ،عن أبيه ،عن عمر
عا ،وفيه ابن لهيعة وقد توبع ،تابعه عياش بن عباس ،عن عيسى بن مرفو ً
عبد الرحمن به ،رواه الحاكم في المستدرك ) (4/328وقال " :هذا حديث
صحيح السناد ولم يخرجاه".
) (8/55
) (8/56
ديد ُ ال ْعِ َ ذ َل َ َ
ما
ب )َ (4 قا ِ ش ِه َن الل ّ َ ه فَإ ِ ّشاقّ الل ّ َ
ن يُ َ
م ْ ه وَ َ سول َ ُ ه وََر ُ شاّقوا الل ّ َ م َ ك ب ِأن ّهُ ْ ِ
ْ ّ ُ َ ْ َ َ
ن
قي َس ِ
فا ِ
خزِيَ ال َ ن اللهِ وَل ِي ُ ْ صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِة عَلى أ ُ م ًها َقائ ِ َ مو َن ِلين َةٍ أوْ ت ََركت ُ ُم ْم ِ قَطعْت ُ ْ
)(5
ديد ُ ال ْعِ َ } ذ َل َ َ
ب )(4 قا ِ ش ِ ه َ ن الل ّ َ ه فَإ ِ ّ شاقّ الل ّ َ ن يُ َم ْ ه وَ َ سول َ ُ ه وََر ُ شاّقوا الل ّ َ م َ ك ب ِأن ّهُ ْ ِ
ّ ُ َ َ َ
ي
خزِ َ ن اللهِ وَل ِي ُ ْ صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِ ة عَلى أ ُ ها َقائ ِ َ
م ً مو َ ن ِلين َةٍ أوْ ت ََرك ْت ُ ُ م ْم ِما قَطعْت ُ ْ َ
ن ){ (5 َ قيِ س
ِ فاَ ْ ل ا
يخبر تعالى أن جميع ما في السموات وما في الرض من شيء يسبح له
تماَوا ُ س َه ال ّ ح لَ ُ سب ّ ُويمجده ويقدسه ،ويصلي له ويوحده ) (1كقوله } :ت ُ َ
ن
قُهو َف َن ل تَ ْ َ
مدِهِ [وَلك ِ ْ ح ْ ح بِ َ
سب ّ ُ يٍء ِإل ي ُ َ ش ْ ن َ م ْ ن ِ ن وَإ ِ ْ ن ِفيهِ ّ م ْ
ض وَ َسب ْعُ َوالْر ُ ال ّ
زيُز { أي :منيع الجناب ْ
م [ { )] (2السراء .[44 :وقوله } :وَهُوَ العَ ِ حهُ ْ سِبي َ تَ ْ
م { في قدره وشرعه. كي ُ ح ِ ْ
} ال َ
ب { يعني :يهود بني ْ َ َ ّ َ ّ
ل الك َِتا ِ ن أهْ ِ م ْ فُروا ِ نك َ ذي َ ج ال ِ خَر َ ذي أ ْ وقوله } :هُوَ ال ِ
النضير .قاله ابن عباس ،ومجاهد ،والزهري ،وغير واحد :كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هادنهم وأعطاهم
__________
) (1في م " :وحده".
) (2زيادة من م.
) (8/56
دا وذمة ،على أل يقاتلهم ول يقاتلوه ،فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه عه ً
مَرد ّ ) (1له ،وأنزل عليهم قضاءه الذي ل ،فأحل الله بهم بأسه الذي ل َ
صد ّ ،فأجلهم النبي صلى الله عليه وسلم ،وأخرجهم من حصونهم الحصينة يُ َ
التي ما طمع فيها المسلمون ،وظنوا هم أنها مانعتهم من بأس الله ،فما
أغنى عنهم من الله شيًئا ،وجاءهم ما لم يكن ببالهم ،وسّيرهم رسول الله
وأجلهم من المدينة ،فكان منهم طائفة ذهبوا إلى أذرعات من أعالي
الشام ،وهي أرض المحشر والمنشر ،ومنهم طائفة ذهبوا إلى خيبر .وكان
قد أنزلهم منها على أن لهم ما حملت إبلهم ،فكانوا يخربون ما في بيوتهم
م
ن ب ُُيوت َهُ ْ
خرُِبو َ
من المنقولت التي يمكن أن تحمل معهم ؛ ولهذا قال } :ي ُ ْ
ُ َ َ
صارِ { أي :تفكروا في عاقبة ن َفاعْت َب ُِروا َيا أوِلي الب ْ َ
مِني َ دي ال ْ ُ
مؤ ْ ِ م وَأي ْ ِ
ديهِ ْ
ب ِأي ْ ِ
من خالف أمر الله وخالف رسوله ،وكذب كتابه ،كيف يحل به من بأسه
المخزي له في الدنيا ،مع ما يدخره له في الخرة من العذاب الليم.
مر
معْ َ
قال أبو داود :حدثنا محمد بن داود وسفيان ،حدثنا عبد الرزاق ،أخبرنا َ
،عن الزهري ،عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ،عن رجل من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم ،أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أبي ،ومن كان
معه يعبد ]معه[ ) (2الوثان من الوس والخزرج ،ورسول الله صلى الله
عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر :إنكم آويتم صاحبنا ،وإنا نقسم
قاتلتكمم َ
بالله لنقاتلنه ،أو لتخرجنه ،أو لنسيرن إليكم بأجمعنا ،حتى نقتل ُ
ونستبيح نساءكم ،فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة
الوثان ،اجتمعوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلم ،فلما بلغ ذلك النبي
صلى الله عليه وسلم لقيهم ،فقال " :لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ،ما
كانت تكيدكم بأكثر مما تريد أن تكيدوا به أنفسكم ،تريدون أن تقاتلوا
أبناءكم وإخوانكم ؟" ،فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم
تفرقوا ،فبلغ ذلك كفار قريش ،فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود
:إنكم أهل الحلقة والحصون ،وإنكم لتقاتلن مع صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا ،
ول يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء -وهي الخلخيل -فلما بلغ كتابهم
النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت بنو النضير بالغدر ،فأرسلوا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم :اخرج إلينا في ثلثين رجل من أصحابك ليخرج منا
ثلثون حبًرا ،حتى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك ،فإن صدقوك وآمنوا
بك آمنا بك ،فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
]بالكتائب[ ) (3فحصرهم ،قال لهم " :إنكم والله ل تأمنوا عندي إل بعهد
دا ،فقاتلهم يومهم ذلك ،ثم غدا الَغد تعاهدوني عليه" .فأبوا أن يعطوه عه ً
على بني قريظة بالكتائب ،وترك بني النضير ،ودعاهم إلى أن يعاهدوه ،
فعاهدوه ،فانصرف عنهم .وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم ،حتى
نزلوا على الجلء .فجلت بنو النضير ،واحتملوا ما أقلت البل من أمتعتهم
وأبواب بيوتهم وخشبها ،وكان نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه
ه عََلى َ
ما أَفاَء الل ّ ُ
وسلم خاصة ،أعطاه الله أياها وخصه بها ،فقال } :وَ َ
َ
ب { يقول :بغير قتال ، ل َول رِ َ
كا ٍ خي ْ ٍ
ن َ م عَل َي ْهِ ِ
م ْ فت ُ ْ
ج ْ م فَ َ
ما أوْ َ من ْهُ ْ
سول ِهِ ِ
َر ُ
فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها للمهاجرين ،قسمها بينهم ،
وقسم منها لرجلين من النصار وكانا ذوي حاجة ،ولم يقسم من النصار
غيرهما ،وبقي
__________
) (1في م " :ل يرد".
) (2زيادة من سنن أبي داود.
) (3زيادة من سنن أبي داود.
) (8/57
منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة ).(1
ولنذكر ملخص غزوة بني النضير على وجه الختصار ،وبالله المستعان.
سير :أنه لما قُِتل أصحا ُ
ب وكان سبب ذلك فيما ذكره أصحاب المغازي وال َ
بئر معونة ،من أصحاب رسول الله ) (2صلى الله عليه وسلم ،وكانوا
سبعين ،وأفلت منهم عمرو بن أمية الضمري ،فلما كان في أثناء الطريق
راجًعا إلى المدينة قتل رجلين من بني عامر ،وكان معهما عهد من رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأمان لم يعلم به عمرو ،فلما رجع أخبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " :لقد
قتلت رجلين ،لديّنهما" وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد ،فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك
الرجلين ،وكان منازل بني النضير ظاهر المدينة على أميال منها شرقيها.
قال محمد بن إسحاق بن يسار في كتابه السيرة :ثم خرج رسول الله إلى
بني النضير ،يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر ،اللذين قتل )(3
عمرو بن أمية الضمري ؛ للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
عقد لهما ،فيما حدثني يزيد بن ُرومان ،وكان بين بني النضير وبني عامر
عقد وحلف .فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية َ
ذينك القتيلين قالوا :نعم ،يا أبا القاسم ،نعينك على ما أحببت ،مما
استعنت بنا عليه .ثم خل بعضهم ببعض فقالوا :إنكم لن ) (4تجدوا الرجل
على مثل حاله هذه -ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من
من ) (5رجل يعلو على هذا البيت ،فيلقي عليه صخرة ،فيريحنا بيوتهم -فَ َ
دهم ،فقال :أنا لذلك ،
منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أح ُ
فصعَد َ ليلقي عليه صخرة كما قال ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم في
نفر من أصحابه ،فيهم أبو بكر وعمر وعلي ،رضي الله عنهم .فأتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم ،فقام وخرج
راجًعا إلى المدينة ،فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قاموا
في طلبه فلقوا رجل مقبل من المدينة ،فسألوه عنه ،فقال :رأيته داخل
المدينة .فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه ،
ل الله صلى فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به ،وأمر رسو ُ
الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم .ثم سار حتى نزل بهم
ل الله صلى الله عليه وسلم بقطع فتحصنوا منه في الحصون ،فأمر رسو ُ
النخل والّتحريق فيها .فنادوه :أن يا محمد ،قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه
على من صنعه ،فما بال قطع النخل وتحريقها ؟
وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج ،منهم عبد الله ابن أبي ]بن[ )(6
ويد وداعس ،قد بعثوا إلى س َ
سلول ،ووديعة ،ومالك بن أبي قوقل ) (7و ُ
مّنعوا فإنا لن نسلمكم ،إن قوتلتم قاتلنا معكم ،وإن بني النضير :أن اثبتوا وت َ َ
خَرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم ،فلم يفعلوا ،وقذف الله في أخرجتم َ
قلوبهم الرعب ،فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف
عن دمائهم ،على أن لهم ما حملت البل من أموالهم إل الحلقة ،ففعل ،
فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به البل ،فكان الرجل منهم يهدم بيته عن
نجاف بابه ،فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به .فخرجوا إلى خيبر ،ومنهم
خّلوا الموال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من سار إلى الشام ،وَ َ
فكانت لرسول الله خاصة
__________
) (1سنن أبي داود برقم ).(3004
) (2في م " :أصحاب النبي".
) (3في م " :قتلهما".
) (4في م " :لم".
) (5في أ " :فمر".
) (6زيادة من م ،أ.
) (7في أ " :نوفل".
) (8/58
يضعها حيث شاء ،فقسمها على المهاجرين الولين دون النصار .إل أن سهل
قًرا ،فأعطاهما رسول الله شة ذكرا فَ ْ خر َ حَنيف وأبا ُدجانة سماك بن َ بن ُ
صلى الله عليه وسلم.
مير ) (1بن كعب بن قال :ولم يسلم من بني النضير إل رجلن :يامين بن عُ َ
عمرو بن جحاش ،وأبو سعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها.
قال :ابن إسحاق :قد حدثني بعض آل يامين :أن رسول الله صلى الله عليه
ت من ابن عمك ،وما هم به من شأني". وسلم قال ليامين " :ألم تر ما لقي ُ
جِعل علي أن يقتل عمرو بن جحاش ،فقتله مير ) (2لرجل ُ فجعل يامين بن عُ َ
فيما يزعمون.
قال ابن إسحاق :ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها ).(3
وهكذا روي يونس بن ب ُك َْير ،عن ابن إسحاق ،بنحو ما تقدم ).(4
فروا م َ ذي أ َ ْ
ب { يعني :بني النضير ل ال ْك َِتا ِ ن أهْ ِ ِ ْ ن كَ َ ُ ذي َ ج ال ّ ِ خَر َ فقوله } :هُوَ ال ّ ِ
شرِ {. ح ْ ل ال ْ َ م لوّ ِ ن دَِيارِهِ ْ م ْ } ِ
قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا ابن أبي عمر ،حدثنا سفيان ،عن أبي
سعد ،عن عكرمة ،عن ابن عباس قال :من شك في أن أرض المحشر
ن
م ْ فُروا ِ ن كَ َ
ذي َ ج ال ّ ِ
خَر َ ذي أ َ ْ هاهنا -يعني الشام فَل ْي َْتل ) (5هذه الية } :هُوَ ال ّ ِ
َ
شرِ { قال لهم رسول الله صلى الله عليه ح ْ ل ال ْ َ م لوّ ِ ن دَِيارِهِ ْ م ْب ِ ل ال ْك َِتا ِ أهْ ِ
وسلم " :اخرجوا" .قالوا :إلى أين ؟ قال " :إلى أرض المحشر".
وحدثنا أبو سعيد الشج ،حدثنا أبو أسامة ،عن عوف ،عن الحسن قال :لما
أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ،قال " :هذا أول
الحشر ،وأنا على الثر".
دار ،عن ابن أبي عدي ،عن عوف ،عن الحسن ،به ورواه ابن جرير ،عن ب ُن ْ َ
).(6
صرها ، َ َ
جوا { أي :في مدة حصاركم لهم وق َ خُر ُ ن يَ ْ مأ ْ ما ظن َن ْت ُ ْ وقوله َ } :
م َ َ
وكانت ستة أيام ،مع شدة حصونهم ومنعتها ؛ ولهذا قال } :وَظّنوا أن ّهُ ْ
َ
سُبوا { أي :جاءهم حت َ ِ م يَ ْث لَ ْ حي ْ ُ ن َ م ْ ه ِم الل ّ ُ ن الل ّهِ فَأَتاهُ ُ م َ م ِ صون ُهُ ْ ح ُ م ُ مان ِعَت ُهُ ْ َ
مكَرَ َ
من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ،كما قال في الية الخرى } :قد ْ َ
َ
ن فَوْقِهِ ْ
م م ْ ف ِق ُ س ْم ال ّ خّر عَل َي ْهِ ُ عد ِ ف َ َوا ِق َن ال ْ َم َ م ِ ه ب ُن َْيان َهُ ْ م فَأَتى الل ّ ُ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِ ذي َ ال ّ ِ
ن { ]النحل .[26 : ث ل يَ ْ م ال ْعَ َ َ
شعُُرو َ حي ْ ُ ن َ م ْ ب ِ ذا ُ وَأَتاهُ ُ
جَزع ،وكيف ل ب { أي :الخوف والهََلع وال َ م الّرعْ َ ف ِفي قُُلوب ِهِ ُ وقوله } :وَقَذ َ َ
يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي ُنصر بالرعب مسيرةَ شهر ،صلوات الله
وسلمه عليه.
__________
) (1في م " :ابن عمرو".
) (2في م " :بن عمرو".
) (3انظر :السيرة النبوية لبن هشام ) (192 - 2/190وتفسير الطبري )
.(28/21
) (4في م " :مما تقدم".
) (5في م ،أ " :فليقرأ".
) (6تفسير الطبري ) (28/20ورواه ابن سعد في الطبقات ) (2/42عن هوذة
ابن خليفة ،عن عوف ،عن الحسن به وهو مرسل.
) (8/59
َ َ
ن { قد تقدم تفسير ابن مِني َ مؤ ْ ِدي ال ْ ُ م وَأي ْ ِ ديهِ ْ م ب ِأي ْ ِ
ن ب ُُيوت َهُ ْخرُِبو َ وقوله } :ي ُ ْ
إسحاق لذلك ،وهو نقض ) (1ما استحسنوه من سقوفهم وأبوابهم ،وَتحملها
على البل ،وكذا قال عروة بن الزبير ،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،
وغير واحد.
وقال مقاتل ابن حيان :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتلهم ،فإذا
ظهر على د َْرب أو دار ،هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال .وكان ) (2اليهود
إذا علوا مكاًنا أو غلبوا على درب أو دار ،نقبوا من أدبارها ثم حصنوها
ُ
صارِ {. ودربوها ،يقول الله تعالى َ } :فاعْت َب ُِروا َيا أوِلي الب ْ َ
َ
م ِفي الد ّن َْيا { أي :لول أن جلَء ل َعَذ ّب َهُ ْ م ال ْ َ ه عَل َي ْهِ ُ ب الل ّ ُ ن ك َت َ َ
ول أ ْ وقوله } :وَل َ ْ
كتب الله عليهم هذا الجلء ،وهو النفي من ديارهم وأموالهم ،لكان لهم عند
الله عذاب آخر من القتل والسبي ،ونحو ذلك ،قاله الزهري ،عن عُْرَوة ،
دي وابن زيد ؛ لن الله قد كتب عليهم أنه سيعذبهم في الدار الدنيا مع س ّ
وال ّ
ما أعد لهم في الخرة من العذاب في نار جهنم.
قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا عبد الله بن صالح -كاتب الليث -
حدثني الليث ،عن عقيل ،عن ابن شهاب قال :أخبرني عروة بن الزبير قال
:ثم كانت وقعة بني النضير ،وهم طائفة من اليهود ،على رأس ستة أشهر
من وقعة بدر .وكان منزلهم بناحية من المدينة ،فحاصرهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى نزلوا من الجلء ،وأن لهم ما أقَّلت البل من الموال
والمتعة إل الحلقة ،وهي السلح ،فأجلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
كتب عليهم في آي من التوراة ،وكانوا من قبل الشام .قال :والجلء أنه ُ
سبط لم يصبهم الجلء قبل ما سلط عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ض { إلى قوله } ما ِفي الْر ِ ت وَ َ ماَوا ِ س َ
ما ِفي ال ّ ح ل ِل ّهِ َ سب ّ َ
وأنزل الله فيهم َ } :
ن {. قي َس ِفا ِ خزِيَ ال ْ َوَل ِي ُ ْ
وقال عكرمة :الجلء :القتل .وفي رواية عنه :الفناء.
وقال قتادة :الجلء :خروج الناس من البلد إلى البلد.
وقال الضحاك :أجلهم إلى الشام ،وأعطى كل ثلثة بعيًرا وسقاء ،فهذا
الجلء.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي :أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ،أخبرنا أحمد
بن كامل القاضي ،حدثنا محمد بن سعيد ) (3العوفي ،حدثني أبي ،عن
عمي ،حدثني أبي عن جدي ،عن ابن عباس قال :كان النبي ) (4صلى الله
مب َْلغ ،فأعطوه ما أراد منهم ، عليه وسلم قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل َ
فصالحهم على أن يحقن لهم دمائهم ،وأن يخرجهم من أرضهم ومن ديارهم
وأوطانهم ،وأن يسيرهم إلى أذرعات الشام ،وجعل لكل ثلثة منهم بعيًرا
وسقاء ،والجلء إخراجهم من أرضهم ) (5إلى أرض أخرى )(6
ضا من حديث يعقوب بن محمد الزهري ،عن إبراهيم بن جعفر بن وروي أي ً
محمود بن محمد
__________
) (1في أ " :بعض".
) (2في م " :وكانت".
) (3في أ " :سعد".
) (4في م " :كان رسول الله".
) (5في م " :أرض".
) (6دلئل النبوة للبيهقي ) (3/359وإسناده مسلسل بالضعفاء.
) (8/60
بن مسلمة ،عن أبيه ،عن جده ،عن محمد بن مسلمة ؛ أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني النضير ،وأمره أن يؤجلهم في الجلء
ثلث ليال ).(2) (1
ب الّنارِ { أي :حتم لزم ل بد لهم منه. ذا ُ خَرةِ عَ َ م ِفي ال ِ وقوله } :وَل َهُ ْ
َ
ل الله بهم ذلك ه { أي :إنما َفع َ سول َ ُ ه وََر ُ شاّقوا الل ّ َ م َ ك ب ِأن ّهُ ْ وقوله } :ذ َل ِ َ
سّلط عليهم رسوله وعباده المؤمنين ؛ لنهم خالفوا الله ورسوله ،وكذبوا و َ
بما أنزل الله على رسله المتقدمين في ) (3البشارة بمحمد صلى الله عليه
شاقّ الل ّ َ
ه ن يُ َ م ْ وسلم ،وهم يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم ،ثم قال } :وَ َ
ب {. قا ِ ديد ُ ال ْعِ َ ش ِ ه َ ن الل ّ َ فَإ ِ ّ
ُ َ
صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِ
ن ة عََلى أ ُ م ًها َقائ ِ َ مو َ ن ِلين َةٍ أوْ ت ََرك ْت ُ ُ م ْ ما قَط َعْت ُ ْ
م ِ وقوله تعالى َ } :
ن { اللين :نوع من التمر ،وهو جيد. قي َ س ِ فا ِ خزِيَ ال ْ َ الل ّهِ وَل ِي ُ ْ
ي من التمر. قال :أبو عبيدة :وهو ما خالف العجوة والب َْرن ِ ّ
وقال كثيرون ) (4من المفسرين :اللينة :ألوان التمر سوى العجوة.
ضا ؛ ويرة أي ً قال :ابن جرير :هو جميع النخل .ونقله عن مجاهد :وهو الب ُ َ
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم )
(5إهانة لهم ،وإرهاًبا وإرعاًبا لقلوبهم .فروى محمد ابن إسحاق عن يزيد بن
رومان ،وقتادة ،ومقاتل بن حيان أنهم قالوا ] :فبعث بنو النضير[ )(6
يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم :إنك تنهى عن الفساد ،فما بالك
تأمر بقطع الشجار ؟ فأنزل الله هذه الية الكريمة ،أي :ما قطعتم وما
تركتم من الشجار ،فالجميع بإذن الله ومشيئته وقدرته ) (7ورضاه ،وفيه
نكاية بالعدو ) (8وخزي لهم ،وإرغام لنوفهم.
ضا عن قطع النخل ،وقالوا :إنما هي وقال مجاهد :نهى بعض المهاجرين بع ً
مغانم المسلمين .فنزل ) (9القرآن بتصديق من نهى عن قطعه ،وتحليل من
عا ،فقال قطعه من الثم ،وإنما قطعه وتركه بإذنه .وقد روي نحو هذا مرفو ً
النسائي :أخبرنا الحسن بن محمد ،عن ) (10عفان ،حدثنا حفص بن
غياث ،حدثنا حبيب بن أبي عمرة ،عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس ،في
ُ َ
ن الل ّ ِ
ه ة عََلى أ ُ
صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِ م ًها َقائ ِ َ مو َ ن ِلين َةٍ أوْ ت ََرك ْت ُ ُ م ْ م ِ ما قَط َعْت ُ ْ قوله َ } :
ن { قال :يستنزلونهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل ، قي َ س ِ فا ِ خزِيَ ال ْ َ وَل ِي ُ ْ
ضا ،فلنسألن ضا وتركنا بع ً فحاك في صدورهم ،فقال المسلمون :قطعنا بع ً
رسول الله صلى الله عليه وسلم :هل لنا فيما قطعنا من أجر ؟ وهل علينا
ن ِلين َةٍ { )(11 م ْم ِ ما قَط َعْت ُ ْ فيما تركنا من وزر ؟ فأنزل الله َ } :
__________
) (1في م " :أيام".
) (2دلئل النبوة ).(3/360
) (3في م " :من".
) (4في م " :كثير".
) (5في م " :نخلهم".
) (6في هـ بياض ،وفي م " :بنو قريظة" وهو خطأ ،والمثبت من تفسير
الطبري .ومستفادا من هامش ط .الشعب.
) (7في م " :وقدره".
) (8في م " :للعدو".
) (9في م " :فأنزل".
) (10في م " :بن".
) (11سنن النسائي الكبرى برقم ).(11574
) (8/61
كيع ،حدثنا حفص ، وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده :حدثنا سفيان بن وَ ِ
عن ابن جريج ،عن سليمان بن موسى ،عن جابر -وعن أبي الزبير ،عن
جابر -قال :رخص لهم في قطع النخل ،ثم شدد عليهم فأتوا ) (1النبي
صلى الله عليه وسلم فقالوا :يا رسول الله ،علينا إثم فيما قطعنا ؟ أو علينا
َ
ها
مو َ ن ِلين َةٍ أوْ ت ََرك ْت ُ ُ م ْم ِما قَط َعْت ُ ْ وزر فيما تركنا ؟ فأنزل الله ،عز وجل َ } :
ن الل ّهِ { ).(2 ُ
صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِة عََلى أ ُ م ً َقائ ِ َ
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الرحمن ،حدثنا سفيان ،عن موسى بن عقبة ،
عن نافع ،عن ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني
حّرق. النضير و َ
وأخرجه صاحبا الصحيح من رواية موسى بن عقبة ،بنحوه ) (3ولفظ البخاري
من طريق عبد الرزاق ،عن ابن جريج ،عن موسى بن عقبة ،عن نافع ،عن
ابن عمر قال :حاربت ) (4النضيُر وقريظة ،فأجلى بني النضير وأقر قريظة
ن عليهم حتى حاربت قريظة فقتل من رجالهم وقسم ) (5نساءهم م ّ و َ
وأولدهم وأموالهم بين المسلمين ،إل بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه
منهم وأسلموا ،وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع ،وهم رهط وسلم فأ ّ
ل يهود بالمدينة. عبد الله بن سلم ،ويهود بني حارثة ،وك ّ
ضا عن قتيبة ،عن الليث بن سعد ،عن نافع ،عن ابن عمر :أن ولهما أي ً
ويرةُحّرق نخل بني النضير وقطع -وهي الب ُ َ رسول الله صلى الله عليه وسلم َ
َ ْ َ َ
ة عَلى م ًها َقائ ِ َمو َن ِلين َةٍ أوْ ت ََركت ُ ُ م ْ م ِ ما قَطعْت ُ ْ -فأنزل الله ،عز وجل فيه َ } :
خزِيَ ال ْ َ ن الل ّهِ وَل ِي ُ ْ ُ
ن { ).(6 قي َ س ِفا ِ صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِ أ ُ
جوَْيرية بن أسماء عن نافع ،عن عبد الله وللبخاري ،رحمه الله ،من رواية ُ
حّرق نخل بني النضير ).(7 بن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ
ولها يقول حسان بن ثابت ،رضي الله عنه :
سَتطيّر... م ْحريق بالب ُوََيرة ُ يَ ... سراة بني ُلؤ ّ على َ هان َ وَ َ
فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول :
سعير... واحيها ال ّ حّرق في ن َ َ صنيع ...وَ َ ك من َ ه ذل َ أَدام الل ُ
ضيُر... م أيّ أْرضيَنا ن َ ِ ه ...وَت َعْل ُ ُ سَتعلم أّينا مْنها ِبنز ٍ َ
__________
) (1في م " :فسألوا".
) (2مسند أبي يعلى ) (4/135وفيه سفيان بن وكيع ،وهو ضعيف .تنبيه :
رواية سليمان بن موسى عن جابر لم أجدها في مسند أبي يعلى المطبوع
فلعلها سقطت.
) (3المسند ) (2/7وصحيح البخاري برقم ) (2021وصحيح مسلم برقم )
.(1746
) (4في م " :حارب".
) (5في م " :فقتل من رجالهم وسبى وقسم".
) (6صحيح البخاري برقم ) (4884وصحيح مسلم برقم ).(1746
) (7في هـ ،أ " :نخل بنى النضير ،وقطع البويرة" ،وقوله " :قطع البويرة"
غير ثابت في البخاري ،ويبدو أنه سهو من الناسخ.
) (8/62
) (8/63
َ َ
ب وَل َك ِ ّ
ن ل وََل رِ َ
كا ٍ خي ْ ٍ ن َ
م ْم عَل َي ْهِ ِ
فت ُ ْ ج ْ
ما أوْ َم فَ َ
من ْهُ ْ ه عََلى َر ُ
سول ِهِ ِ ما أَفاَء الل ّ ُ وَ َ
ديٌر )(6 َ
يٍء ق ِ ش ْ ل َ ُ
ه عَلى ك ّ َ ّ
شاُء َوالل ُن يَ َ م ْ َ
ه عَلى َ َ
سل ُسلط ُر ُ ُ ّ ه يُ َ ّ
الل َ
بن بحر بن طريف ،قال ابن هشام الشجعي :
مَزّنم... سى ) (2ال ُ ح ِ ل ) (1اليهود َ بال َ ح ّ هالك ...أ َ غير َ داٌء لمرئ َ أهلي ف َ
مم... مك ّ َ ودي ال ُ ب عودا بال َ هيض َ ُ
مر الَغضاة وب ُد ّلوا ...أ َ ج ْ ن في َ َيقيُلو َ
مَرم )(3 صل وََير ْ ن ال ّ خيَله بي َ حمد ...ي ََروا َ م َ صادًقا ب ُ ظني َ ك َ فإن ي َ ُ
جرم... م ْ صديق ك ُ ي َ ح ّ دو ما َ م ...عَ ُ ة إن ّهُ ْ ن ُبهث َ َ عمرو ب ُ م بها َ َيؤ ّ
وم... ق ّ م َوشيج ال ُ ف ال َ ن أطرا َ غى ...ي َهُّزو َ مساعيُر في الوَ َ ل َ ن أبطا ُ عََليه ّ
م... جْرهُ ِ ن من أْزمان عاد وَ ُ دُ ...تورث ْ َ مهَن ّ ٍ شفرَتين ُ ل َرقيق ال ّ وك ُ ّ
مَتكّرم... جد من ُ هم في الم ْ ل َبعد َ ُ سالة ...فَهَ ْ شا ر َ عني قَُري ً مبلغٌ َ من ُ فَ َ
مَزم... جون وَز ْ ح ُ ن ال َ داَ ...تليد ُ الّندى بي َ م ً ح ّ م َ ن ُ م فاعلم ّ َ ن أخاك ُ بأ ّ
َ
معْظم... ُ
ن الدْنيا إلى كل ُ موا م َ س ُ موُركم ...وت َ ْ مأ ُ س ْ ج ُ َفديُنوا له بالحقّ ت َ ْ
جم... مَر ّ غيب ُ مَر َ سألوهُ أ ْ ُ ة ...ول ت َ ْ حم ٌ ن الله َر َ نبي تلَفته م َ
مم... مل َّ قليب ال ُ ة ...لكم يا قَُريش وال َ ُ َ عبَر ٌ مري ِ در لعَ ْ َ ن في ب َ ْ قد ْ كا َ فَ َ
مكّرم... َ مطيًعا للَعظيم ِ ال ُ ُ
دا ...إليكم ُ م ً خْزَرجي ّةِ عا ِ داة أَتى في ال َ غَ َ
مْعلم... قا ب ِ َ ح ّ ن الّرحمن َ م َ سول ِ عدوهَ ...ر ُ دس ي َْنكي َ ق ْ مَعاًنا بُروح ال ُ ُ
َ
حقّ لم ي ََتلعْثم... ما أناَر ال َ َ
ه ...فل ّ َ كتاب َ ُ ُ
ن الّرحمن ي َت ْلو ِ م َ سول ِ َر ُ
حكم )(4 َ م ْ ه ُ مه الل ُ ح ّ وا لمْر َ ُ
وطن ...عُل ّ م ْ ّ ُ
مَرهُ ي َْزَداد ُ في كل َ أَرى أ ْ
وقد أورد ابن إسحاق ،رحمه الله ،هاهنا أشعاًرا كثيرة ،فيها آداب ومواعظ
وحكم ،وتفاصيل للقصة ،تركنا باقيها اختصاًرا واكتفاء بما ذكرناه ،ولله
الحمد والمنة.
قال ابن إسحاق :كانت وقعة بني النضير بعد وقعة أحد وبعد بئر معونة.
وحكى البخاري ،عن الزهري ،عن عروة أنه قال :كانت وقعة بني النضير
بعد بدر بستة أشهر ).(5
َ َ َ َ
ن
ب وَلك ِ ّ َ
ل َول رِكا ٍ خي ْ ٍ ن َ م ْ م عَلي ْهِ ِ فت ُ ْ ج ْ ما أوْ َ م فَ َ من ْهُ ْ سول ِهِ ِ ه عََلى َر ُ ما أَفاَء الل ّ ُ } وَ َ
هّ َ َ ّ َ َ ُ ّ
ما أَفاَء الل ُ ديٌر )َ (6 يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ُ
ه عَلى ك ّ شاُء َوالل ُ ن يَ َ م ْ ه عَلى َ سل ُ سلط ُر ُ ه يُ َ الل ّ َ
َ
مى قْرَبى َوال ْي ََتا َ ذي ال ْ ُ ل وَل ِ ِ سو ِ قَرى فَل ِل ّهِ وَِللّر ُ ل ال ْ ُ ن أهْ ِ م ْ سول ِهِ ِ عََلى َر ُ
ن
ة ب َي ْ َ ن ُدول َ ً كو َ ي ل يَ ُ ل كَ ْ سِبي ِ ن ال ّ ن َواب ْ ِ كي ِ سا ِ م َ َوال ْ َ
__________
) (1في أ " :أجلي".
) (2في م ،أ " :بالحس".
) (3في أ " :بين الصفا وبزمزم".
) (4انظر :السيرة النبوية لبن هشام ).(2/195
) (5صحيح البخاري )" (7/329فتح".
) (8/64
) (8/65
المؤمنين ،هل لك في عثمان بن عفان ،وعبد الرحمن بن عوف ،والزبير بن
العوام ،وسعد بن أبي وقاص ؟ فقال :نعم .فأذن لهم فدخلوا ،ثم جاءه يرفا
فقال :يا أمير المؤمنين ،هل لك في العباس وعلي ؟ قال :نعم .فأذن لهم
فدخلوا ،فقال العباس :يا أمير المؤمنين ،اقض بيني وبين هذا -يعني :علًيا
-فقال بعضهم :أجل يا أمير المؤمنين ،اقض بينهما وأرحهما .قال مالك بن
دما أولئك النفر لذلك .فقال عمر ،رضي الله عنه : ي أنهما قَ ّ خّيل إل ّ أوس ُ :
اتئدا .ثم أقبل على أولئك الرهط فقال :أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم
السماء والرض ،هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ل
ي والعباس فقال : ُنوَرث ،ما تركنا صدقة" .قالوا :نعم .ثم أقبل على عل ّ
كما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والرض ،هل تعلمان أن رسول الله أنشد ُ ُ
صلى الله عليه وسلم قال " :ل نورث ،ما تركنا صدقة" .فقال نعم .فقال :
ما
دا من الناس ،فقال } :وَ َ فإن الله خص رسوله بخاصة لم يخص بها أح ً
هّ َ َ َ
ن الل َب وَلك ِ ّ َ
ل َول رِكا ٍ خي ْ ٍ
ن َم ْ م عَل َي ْهِ ِفت ُ ْج ْ
ما أوْ َ م فَ َ
من ْهُ ْ ه عََلى َر ُ
سول ِهِ ِ أَفاَء الل ّ ُ
ديٌر { فكان الله أفاء إلى يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ه عََلى ك ُ ّ شاُء َوالل ّ ُ ن يَ َم ْ ه عََلى َ سل َ ُ
ط ُر ُ سل ّ ُ
يُ َ
رسوله أموال بني النضير ،فوالله ما استأثر بها عليكم ول أحرزها دونكم ،
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقة سنة -أو :نفقته
ي أولئك الرهط ونفقة أهله سنة -ويجعل ما بقي أسوة المال .ثم أقبل عل ّ
فقال :أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والرض :هل تعلمون ذلك ؟
دكما بالله الذي بإذنه ي والعباس فقال :أنش ُ قالوا :نعم .ثم أقبل على عل ّ
تقوم السماء والرض :هل تعلمان ذلك ؟ قال نعم .فلما ُتوفي رسول الله
ت وهذا ي رسول الله" ،فجئت أن َ صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر " :أنا ول ّ
إلى أبي بكر ،تطلب أنت ميراثك عن ابن أخيك ،ويطلب هذا ميراث امرأته
من أبيها ،فقال أبو بكر ،رضي الله عنه :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :ل نورث ،ما تركنا صدقة" .والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع
ي رسول الله صلى الله عليه ت :أنا وَل ِ ّ للحق .فوليها أبو بكر ،فلما توفي قل ُ
ي أبي بكر َ ،فوليتها ما شاء الله أن أليها ،فجئت أنت وهذا ،وأنتما وسلم وول ّ
جميع وأمركما واحد ،فسألتمانيها ،فقلت :إن شئتما فأنا أدفعها إليكما على َ
ن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أ ّ
يليها ،فأخذتماها مني على ذلك ،ثم جئتماني لقضي بينكما بغير ذلك .والله
جزُتما عنها فَُرّداها إلي. ل أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة ،فإن عَ َ
أخرجوه من حديث الزهري ،به ) .(1وقال المام أحمد :
حدثنا عارم وعفان قال حدثنا معتمر ،سمعت أبي يقول :حدثنا أنس بن
ي الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل كان يجعل له من ماله مالك ،عن نب ّ
حت عليه قريظة والنضير .قال :فجعل النخلت ،أو كما شاء الله ،حتى ُفت َ
ي َُرد ّ بعد ذلك ،قال :وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم
فأسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه ،وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم
ت النبي صلى الله عليه م أيمن ،أو كما شاء الله ،قال :فسأل ُ قد أعطاه أ ّ
ب في عنقي وجعلت تقول : وسلم فأعطانيهن ،فجاءت أم أيمن فجعلت الثو َ
ن وقد أعطانيهن ،أو كما قالت ،فقال كل والله الذي ل إله إل هو ل ُيعطيك َهُ ّ
نبي الله " :لك كذا وكذا" .قال :وتقول :
__________
) (1سنن أبي داود برقم ) (2963وصحيح البخاري برقم ) (3094وصحيح
مسلم برقم ) (1757وسنن النسائي ) (7/136وسنن الترمذي برقم )
.(1610
) (8/66
كل والله .قال ويقول " :لك كذا وكذا" .قال :وتقول :كل والله .قال :
"ويقول :لك كذا وكذا" .قال :حتى أعطاها ،حسبت أنه قال :عشرة أمثال
أو قال قريًبا من عشرة أمثاله ،أو كما قال.
رواه البخاري ومسلم من ط ُُرق عن معتمر ،به ).(1
خمس وهذه المصارف المذكورة في هذه الية هي المصارف المذكورة في ُ
الَغنيمة .وقد قدمنا الكلم عليها في سورة "النفال" بما أغنى عن إعادته
هاهنا ،ولله الحمد ).(2
م { أي :جعلنا هذه المصارف من ْك ُِْ ِ ءياَِ نْ غ ال ن َ
ن ُ ً َْ َ
يب ة ل دو كو َي ل يَ ُ وقوله } :ك َ ْ
لمال الفيء لئل يبقى مأكلة يتغلب عليها الغنياء ويتصرفون فيها ،بمحض
الشهوات والراء ،ول يصرفون منه شيًئا إلى الفقراء.
ه َفان ْت َُهوا { أي :مهما م عَن ْ ُ ما ن ََهاك ُ ْ ذوه ُ وَ َ ل فَ ُ
خ ُ سو ُ م الّر ُما آَتاك ُ ُ
وقوله } :وَ َ
أمركم به فافعلوه ،ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه ،فإنه إنما يأمر بخير وإنما
ينهى عن شر.
قال ابن أبي حاتم :حدثنا يحيى بن أبي طالب ،حدثنا عبد الوهاب ،حدثنا
سعيد ،عن قتادة ،عن الحسن العوفي ،عن يحيى بن الجزار ،عن مسروق
قال :جاءت امرأة إلى ابن مسعود فقالت :بلغني أنك تنهى عن الواشمة
والواصلة ،أشيء وجدته في كتاب الله أو عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؟ قال :بلى ،شيء وجدته في كتاب الله وعن رسول الله صلى الله
عليه وسلم .قالت :والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه
ما ن ََهاك ُ ْ
م ذوه ُ وَ َ خ ُل فَ ُ سو ُ م الّر ُ ما آَتاك ُ ُ الذي تقول! .قال :فما وجدت فيه } :وَ َ
ه َفان ْت َُهوا { ؟ قالت :بلى .قال :فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه عَن ْ ُ
وسلم ينهى عن الواصلة والواشمة والنامصة .قالت :فلعله في بعض أهلك.
ت بأسا. جت ،قالت :ما رأي ُ قال :فادخلي فانظري .فدخلت فََنظرت ثم خر َ
ُ َ ُ
ما م إ َِلى َ فك ُ ْ
خال ِ َ نأ َ ما أِريد ُ أ ْ فقال لها :أما حفظت وصية العبد الصالح } :وَ َ
َ
ه{ أن َْهاك ُ ْ
م عَن ْ ُ
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الرحمن ،حدثنا سفيان ،عن منصور ] ،عن
إبراهيم[ ) (3عن علقمة ،عن عبد الله -هو ابن مسعود -قال :لعن الله
سن ،المغيرات ح ْ فلجات لل ُ مت َ الواشمات والمستوشمات ،والمتنمصات ،وال ُ
خلق الله ،عز وجل .قال :فبلغ امرأة في البيت يقال لها " :أم يعقوب" ،
ت .قال :ما لي ل ألعن من ت وكي َ فجاءت إليه فقالت :بلغني أنك قلت كي َ
ل الله صلى الله عليه وسلم ،وفي كتاب الله .فقالت :إني لقرأ لعن رسو ُ
ما بين لوحيه فما وجدته .فقال :إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه .أما قرأت :
ه َفان ْت َُهوا { ؟ قالت :بلى .قال : م عَن ْ ُ ما ن ََهاك ُ ْ ذوه ُ وَ َ خ ُل فَ ُ
سو ُ م الّر ُ ما آَتاك ُ ُ} وَ َ
فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه .قالت ] :إني[ ) (4لظن أهلك
يفعلونه .قال :اذهبي فانظري.
__________
) (1المسند ) (3/219وصحيح البخاري برقم )(4120 ، 4030 ، 3128
وصحيح مسلم برقم ).(1771
) (2في أ " :ولله الحمد والمنة".
) (3زيادة من مسند المام أحمد والبخاري ومسلم.
) (4زيادة من م ،أ ،والمسند.
) (8/67
َ ن أُ ْ
ن الل ّهِم َ ضًل ِ ن فَ ْ م ي َب ْت َُغو َوال ِهِ ْ
م َ م وَأ ْ ن دَِيارِهِ ْ م ْ جوا ِ خرِ ُ ذي َ ن ال ّ ِ
ري َ ج ِمَها ِ قَراِء ال ْ ُ ف َ ل ِل ْ ُ
ُ
داَر ن ت َب َوُّءوا ال ّذي َن )َ (8وال ّ ِ صادُِقو َ م ال ّ ك هُ ُ ه أول َئ ِ َ سول َ ُ ه وََر ُ ن الل ّ َ صُرو َ واًنا وَي َن ْ ُض َوَرِ ْ
ما م ّ ة ِ
ج ًحا َ م َ دورِهِ ْ ص ُن ِفي ُ دو َ ج ُ َ
م وَل ي َ ِ َ
جَر إ ِلي ْهِ ْ ها َن َ م ْ ن َ حّبو َ م يُ ِن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِما َ لي َ َُوا ْ ِ
ن ُيوقَ ُ م وَل َوْ َ َ
ن عََلى أن ْ ُ
ه
س ِف ِح نَ ْ ش ّ م ْة وَ َ ص ٌصا َ خ َ م َ ن ب ِهِ ْكا َ سهِ ْف ِ أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ
ن )(9 حو َ فل ِ ُم ْم ال ْ ُ ك هُ ُ فَُأول َئ ِ َ
ت شيًئا .قال :لو هبت فلم تر من حاجتها شيئا ،فجاءت فقالت :ما رأي ُ فذ َ
جامعنا. كانت كذلك لم ت ُ َ
أخرجاه في الصحيحين ،من حديث سفيان الثوري ).(1
ضا عن أبي هَُريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وقد ثبت في الصحيحين أي ً
وسلم قال " :إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ،وما نهيتكم عنه
فاجتنبوه".(2) .
وقال النسائي :أخبرنا أحمد بن سعيد ،حدثنا يزيد ،حدثنا منصور بن حيان ،
مر وابن عباس :أنهما شهدا على رسول الله جبير ،عن ابن عُ َ عن سعيد بن ُ
حن َْتم والّنقير والمَزّفت ،ثم تل َ وال دباء ّ ال عن نهى أنه : وسلم صلى الله عليه
ما ن ََهاك ُ ْ
م ذوه ُ وَ َ خ ُل فَ ُ سو ُ م الّر ُ ما آَتاك ُ ُ رسول الله صلى الله عليه وسلم } :وَ َ
ه َفان ْت َُهوا { ).(3 عَن ْ ُ
ب { أي :اتقوه في امتثال أوامره قا ِ ديد ُ ال ْعِ َ ش ِ ه َ ن الل ّ َ ه إِ ّ قوا الل ّ َ وقوله َ } :وات ّ ُ
وترك زواجره ؛ فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه ،وارتكب
ما عنه زجره ونهاه.
َ ُ ّ
ن
م َ ضل ِ ن فَ ْ م ي َب ْت َُغو َ وال ِهِ ْم َ
م وَأ ْ ن ِديارِهِ ْ م ْ جوا ِ خرِ ُ نأ ْ ذي َ ن ال ِ ري َ ِ ج
مَها ِ قَراِء ال ْ ُ } ل ِل ْ ُ
ف َ
ن ت َب َوُّءوا
ذي َ ن )َ (8وال ّ ِ صادُِقو َ م ال ّ ك هُ ُ ه ُأول َئ ِ َ سول َ ُ ه وََر ُ ن الل ّ َ صُرو َ واًنا وَي َن ْ ُ الل ّهِ وَرِ ْ
ض َ
م
دورِهِ ْ ص ُ ن ِفي ُ دو َ ج ُم َول ي َ ِ جَر إ ِل َي ْهِ ْ ها َ ن َ م ْن َ حّبو َ م يُ ِ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِ ما َ داَر َوالي َ ال ّ
ن ُيوقَ ُ َ َ َ َ ُ
ح
ش ّ م ْ ة وَ َص ٌ صا َ خ َ م َ ن ب ِهِ ْ م وَلوْ كا َ سهِ ْ ف ِ ن عَلى أن ْ ُ ما أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ م ّ ة ِ ج ً حا َ َ
ْ َ َ ُ
ن ){ (9 حو َ فل ِ ُ م ْ م ال ُ سهِ فَأولئ ِك هُ ُ ف ِ نَ ْ
__________
) (1المسند ) (1/433وصحيح البخاري برقم ) (4887وصحيح مسلم برقم )
.(2125
) (2صحيح البخاري برقم ) (7288وصحيح مسلم برقم ).(1337
) (3سنن النسائي الكبرى برقم ).(11578
) (8/68
ن
ما ِ قوَنا ِبا ْ ِ
لي َ سب َ ُ
ن َ وان َِنا ال ّ ِ
ذي َ خ َفْر ل ََنا وَِل ِ ْ ن َرب َّنا اغْ ِقوُلو َ
م يَ ُ ن ب َعْدِهِ ْ
م ْ جاُءوا ِ
ن َ ذي َ َوال ّ ِ
ذي َ
م )(10 حي ٌ
ف َر ِ ك َرُءو ٌ مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َنآ َل ِفي قُُلوب َِنا ِغّل ل ِل ّ ِ َ وََل ت َ ْ
جعَ ْ
) (8/68
) (8/69
ذلك الرجل على مثل حالته الولى ) (1فلما قام رسول الله صلى الله عليه
وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص ،فقال :إني لحيت أبي فأقسمت
ت .قال : أل أدخل عليه ثلًثا ،فإن رأيت أن تؤويني ) (2إليك حتى تمضي فعل ُ
نعم .قال أنس :فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلث الليالي )(3
فلم يره يقوم من الليل شيًئا ،غير أنه إذا َتعاّر تقلب على فراشه ،ذكر الله
وكبر ،حتى يقوم لصلة الفجر .قال عبد الله :غير أني لم أسمعه يقول إل
خيًرا ،فلما مضت الثلث ليال وكدت أن أحتقر عمله ،قلت :يا عبد الله ،لم
جر ) (4ولكن سمعت رسول الله صلى الله ضب ول هَ ْ يكن بيني وبين أبي غَ َ
عليه وسلم يقول لك ثلث مَرار ) (5يطلع عليكم الن رجل من أهل الجنة".
ك فأقتدي فطلعت أنت الثلث المرار ) (6فأردت أن آوي إليك لنظر ما عمل َ
ل الله به ،فلم أرك تعمل كثير ) (7عمل ،فما الذي بلغ بك ما قال رسو ُ
صلى الله عليه وسلم ؟ قال :ما هو إل ما رأيت .فلما وليت دعاني فقال :ما
شا ،ول هو إل ما رأيت ،غير أني ل أجد ُ في نفسي لحد من المسلمين ِغ ّ
دا على خير أعطاه الله إياه .قال عبد الله :هذه التي بلغت بك ، أحسد ُ أح ً
وهي التي ل تطاق ).(8
ويد بن نصر ،عن ابن المبارك ،عن ُ َس عن ، والليلة اليوم ورواه النسائي في
معمر به ) (9وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين ،لكن رواه عقيل
وغيره عن الزهري ،عن رجل ،عن أنس ) .(10فالله أعلم.
مدورِهِ ْص ُ ن ِفي ُ دو َ
ج ُوقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله َ } :ول ي َ ِ
ما ُأوُتوا { المهاجرون .قال :وتكلم في أموال م ّما أوُتوا { يعني } ِ
ُ
م ّة ِ ج ًحا ََ
ما
بني النضير بعض من تكلم من النصار ،فعاتبهم الله في ذلك ،فقال } :وَ َ
َ َ
ن الل ّ َ
ه ب وَل َك ِ ّ ل َول رِ َ
كا ٍ خي ْ ٍ
ن َم ْم عَل َي ْهِ ِ فت ُ ْ
ج ْ
ما أوْ َ م فَ َ من ْهُ ْسول ِهِ ِه عََلى َر ُ أَفاَء الل ّ ُ
ديٌر { قال :وقال رسول يٍء قَ ِش ْ ل َ ه عََلى ك ُ ّ شاُء َوالل ّ ُ ن يَ َم ْه عََلى َ سل َ ُط ُر ُ سل ّ ُيُ َ
الله " :إن إخوانكم قد تركوا الموال والولد وخرجوا إليكم" .فقالوا :أموالنا
بيننا قطائع .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أو غير ذلك ؟" .قالوا :
وما ذاك يا رسول الله ؟ قال " :هم قوم ل يعرفون العمل ،فتكفونهم
وتقاسمونهم ) (11الثمر" .فقالوا :نعم يا رسول الله )(12
ة { ) (13يعني : ص ٌصا َ خ َم َن ب ِهِ ْ م وَل َوْ َ
كا َ سهِ ْف ِن عََلى أ َن ْ ُ وقوله } :وَي ُؤْث ُِرو َ
حاجة ،أي :يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم ،ويبدءون بالناس قبلهم
في حال احتياجهم إلى ذلك.
وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :
جهد ُ المق ّ
ل" .وهذا المقام ل الصدقة َأفض ُ
__________
) (1في م " :الول".
) (2في أ " :أن توريني".
) (3في م " :الليالي الثلث".
) (4في م ،أ " :ول هجرة".
) (5في م " :مرات".
) (6في م " :المرات".
) (7في م " :كبير".
) (8في م " :ل نطيق" ،وفي أ " :ل تطيق".
) (9المسند ) (3/166وسنن النسائي الكبرى برقم ).(10699
) (10انظر :تحفة الشراف للمزى ) (1/395وكلم الحافظ بن حجر في
النكت الظراف بهامشه.
) (11في م " :ويقاسمونكم".
) (12رواه الطبري في تفسيره ).(28/28
) (13ذكر في "م" بقية الية.
) (8/70
) (8/71
ورواه أحمد وأبو داود من طريق شعبة ،والنسائي من طريق العمش ،
مّرة ،به ).(1 كلهما عن عمرو بن ُ
سَهيل بن أبي صالح ،عن صفوان وقال الليث ،عن يزيد ]بن الهاد[ ) (2عن ُ
بن أبي يزيد ،عن القعقاع بن اللجلج ) (3عن أبي هريرة ،أنه سمع رسول
ن جهنم الله صلى الله عليه وسلم يقول " :ل يجتمع غبار في سبيل الله ودخا ُ
دا" ).(4
دا ،ول يجتمع الشح واليمان في قلب عبد أب ً في جوف عبد أب ً
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا عبدة بن سليمان ،أخبرنا ابن المبارك
،حدثنا المسعودي ،عن جامع بن شداد ،عن السود بن هلل قال :جاء
رجل إلى عبد الله فقال :يا أبا عبد الرحمن ،إني أخاف أن أكون قد هلكت
ح
ش ّن ُيوقَ ُم ْفقال له عبد الله :وما ذاك ؟ قال :سمعت الله يقول } :وَ َ
ن { وأنا رجل شحيح ،ل أكاد أن أخرج من يدي حو َ
فل ِ ُ م ال ْ ُ
م ْ سهِ فَُأول َئ ِ َ
ك هُ ُ ف ِ
نَ ْ
شيًئا! فقال عبد الله :ليس ذلك ) (5بالشح الذي ذكر الله في القرآن ،إنما
ما ،ولكن ذلك )(6 الشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظل ً
البخل ،وبئس الشيء البخل" )(7
وقال سفيان الثوري ،عن طارق بن عبد الرحمن ،عن سعيد بن جبير ،عن
أبي الهياج السدي قال :كنت أطوف بالبيت ،فرأيت رجل يقول :اللهم قني
شح نفسي" .ل يزيد على ذلك ،فقلت له ،فقال :إني إذا وقيت شح نفسي
لم أسرق ولم أزن ولم أفعل" ،وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف ،رضي
الله عنه ،رواه ابن جرير )(8
وقال ابن جرير :حدثني محمد بن إسحاق ،حدثنا سليمان بن عبد الرحمن
جمع بن جارية النصاري ، م َ الدمشقي ،حدثنا إسماعيل ابن عَّياش ،حدثنا ُ
عن عمه يزيد بن جارية ،عن أنس بن مالك ،عن رسول الله صلى الله عليه
من أدى الزكاة ،وقََرى الضيف ،وأعطى في وسلم قال َ" :بريء من الشح َ
النائبة" ).(9
ن
ذي َ ّ
وان َِنا ال ِ خ َفْر لَنا َول َْ ن َرب َّنا اغْ ِ ُ
قولو َ م يَ ُ
ن ب َعْدِهِ ْ م ْجاُءوا ِ ن َ ذي َ ّ
وقوله َ } :وال ِ
م{ حي ٌف َر ِ ك َرُءو ٌ مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ نآ َ ذي َ ّ ُ
ل ِفي قُلوب َِنا ِغل ل ِل ِ جعَ ْ
ن َول ت َ ْ ما ِ قوَنا ِبالي َ سب َ َُ
هؤلء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء ،وهم
المهاجرون ثم النصار ،ثم التابعون بإحسان ،كما قال في آية براءة :
ي
ض َن َر ِ سا ٍ ح َ م ب ِإ ِ ْن ات ّب َُعوهُ ْ صارِ َوال ّ ِ
ذي َ ن َوالن ْ َ ري َج ِ
مَها ِ ن ال ْ ُم َن ِ ن الوُّلو َ قو َساب ِ ُ
} َوال ّ
م { ]التوبة [100 :فالتابعون لهم بإحسان ه عَن ْهُ ْالل ّ ُ
__________
) (1المسند ) (2/159وسنن أبي داود برقم ) (1698وسنن النسائي الكبرى
برقم ).(11583
) (2زيادة من م ،أ.
) (3في م " :الجلح".
) (4رواه النسائي في السنن ).(6/13
) (5في م " :ليس ذاك".
) (6في م " :ذاك".
) (7رواه الطبري في تفسيره ) (28/29من طريق جامع به.
) (8تفسير الطبري ).(28/29
) (9تفسير الطبري ) (28/29ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم )
(10842من طريق محمد بن إسحاق به ،وروي مرسل ً ،رواه الطبراني في
المعجم الكبير ) (4/188من طريق عمرو بن يحيى وإبراهيم بن إسماعيل ،
وابن حبان في الثقات ) (4/202من طريق ابن المبارك ،كلهم عن مجمع
ابن يحيى ،عن عمه مرس ً
ل.
) (8/72
__________
) (1معالم التنزيل للبغوي ) (8/08وله شاهد في صحيح مسلم برقم )(3022
عن عروة قال :قالت لي عائشة " :يا ابن أختي ،أمروا أن يستغفروا
لصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم".
) (2زيادة من م ،أ ،وسنن أبي داود.
) (3سنن أبي داود برقم )(2966
) (4زيادة من م.
) (8/73
فروا م َ َ
ب ل َئ ِ ْ
ن ل ال ْك َِتا ِ ن أهْ ِ ِ ْ ن كَ َ ُ ذي َ م ال ّ ِ وان ِهِ ُ خ َ ن ِل ِ ْ قوُلو َ قوا ي َ ُ ن َنافَ ُ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ أل َ ْ
َ خرجن معك ُم وَل نطيع فيك ُ َ أُ ْ
هم َوالل ّ ُ صَرن ّك ُ ْ م ل َن َن ْ ُ ن ُقوت ِل ْت ُ ْ دا وَإ ِ ْ دا أب َ ً ح ً مأ َ م ل َن َ ْ ُ َ ّ َ َ ْ َ ُ ِ ُ ِ ْ جت ُ ْ
خرِ ْ
ن ُقوت ُِلوا َل م وَل َئ ِ ْ معَهُ ْ ن َ جو َ خُر ُ جوا َل ي َ ْ خرِ ُ ن أُ ْ ن ) (11ل َئ ِ ْ كاذُِبو َ م لَ َ شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ يَ ْ
َ َ َ َ َ ْ ّ َ َ
ة
شد ّ َرهْب َ ً مأ َ ن ) (12لن ْت ُ ْ صُرو َ م ل ي ُن ْ َ ن الد َْباَر ث ُ ّ م لي ُوَ َل ّ صُروهُ ْ ن نَ َ م وَلئ ِ ْ صُرون َهُ ْ ي َن ْ ُ
ميًعا إ ِلّ ج ِ م َ ُ
قات ِلون َك ْ ُ َ
ن ) (13ل ي ُ َ قُهو َ ف َ م ل يَ ْ َ م قَوْ ٌ َ
ن اللهِ ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ ّ م َ م ِ دورِهِ ْ ص ُ ِفي ُ
ُ ْ َ
ميًعا وَقُلوب ُهُ ْ
م ج ِ م َ سب ُهُ ْ ح َ ديد ٌ ت َ ْ ش ِ م َ م ب َي ْن َهُ ْ سهُ ْ جد ُرٍ ب َأ ُ ن وََراِء ُ م ْ صن َةٍ أوْ ِ ح ّ م َ ِفي قًُرى ُ
ريًبا َذاقوا وََبا َ ُ َ َ ّ َ ُ َ َ َ شّتى ذ َل ِ َ
ل مق ِ ن قب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِ ذي َ ل ال ِ مث َ ِ ن ) (14ك َ قلو َ م ل ي َعْ ِ م قوْ ٌ ك ب ِأن ّهُ ْ َ
َ َ َ ْ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ
فَرما ك َ فْر فل ّ ن اك ُ سا ِ ن إ ِذ ْ قال ل ِل ِن ْ َ شي ْطا ِ ل ال ّ مث ِ م ) (15ك َ ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ م وَلهُ ْ مرِهِ ْ أ ْ
ن )(16 مي َ ب ال َْعال َ ِ ه َر ّ ف الل ّ َ خا ُ ك إ ِّني أ َ َ من ْ َ ريٌء ِ ل إ ِّني ب َ ِ َقا َ
وليس أحد إل له فيها حق ) ، (1ثم قال :لئن عشت ليأتين الراعي -وهو
حمير -نصيبه فيها ،لم يعرق فيها جبينه. َبسرو ِ
َ ْ َ ّ ُ ّ َ َ
نب لئ ِ ْ ل الك َِتا ِ ن أهْ ِ م ْ فُروا ِ َ
نك َ ذي َ م ال ِ وان ِهِ ُ خ َ نل ْ قولو َ قوا ي َ ُ َ
ن َناف ُ ذي َ م ت ََر إ ِلى ال ِ } أل َ ْ
َ خرجن معك ُم ول نطيع فيك ُ َ أُ ْ
هم َوالل ّ ُ صَرن ّك ُ ْ م ل َن َن ْ ُ ن ُقوت ِل ْت ُ ْ دا وَإ ِ ْ دا أب َ ً ح ً مأ َ م ل َن َ ْ ُ َ ّ َ َ ْ َ ُ ِ ُ ِ ْ جت ُ ْ خرِ ْ
ن ُقوت ُِلوا ل م وَل َئ ِ ْ معَهُ ْ ن َ جو َ خُر ُ جوا ل ي َ ْ خرِ ُ ن أُ ْ ن ) (11ل َئ ِ ْ كاذُِبو َ م لَ َ شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ يَ ْ
َ
ة
شد ّ َرهْب َ ً مأ َ ن ) (12لن ْت ُ ْ صُرو َ م ل ي ُن ْ َ ن الد َْباَر ث ُ ّ م ل َي ُوَ َل ّ ّصُروهُ ْ ن نَ َ م وَل َئ ِ ْ صُرون َهُ ْ ي َن ْ ُ
ميًعا ِإل ج ِم َ قات ِلون َك ُ ْ ُ ن ) (13ل ي ُ َ قُهو َ ف َ م ل يَ ْ م قَوْ ٌ ك ب ِأن ّهُ ْ ّ
ن اللهِ ذ َل ِ َ م َ م ِ دورِهِ ْ ص ُ ِفي ُ
ُ ْ َ
ميًعا وَقُلوب ُهُ ْ
م ج ِ م َ سب ُهُ ْ ح َ ديد ٌ ت َ ْ ش ِ م َ م ب َي ْن َهُ ْ سهُ ْ جد ُرٍ ب َأ ُ ن وََراِء ُ م ْ صن َةٍ أوْ ِ ح ّ م َ ِفي قًُرى ُ
ّ ُ َ
ريًبا َذاُقوا وََبا َ
ل م قَ ِ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِ ذي َ ل ال ِ مث َ ِ ن ) (14ك َ َ قلو َ م ل ي َعْ ِ م قَوْ ٌ ك ب ِأن ّهُ ْ شّتى ذ َل ِ َ َ
َ َ ْ َ َ َ َ َ
فَر ما ك َ فْر فَل ّ ن اك ُ سا ِ ل ِللن ْ َ ن إ ِذ ْ َقا َ شي ْطا ِ ل ال ّ مث َ ِ م ) (15ك َ ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ م وَلهُ ْ مرِهِ ْ أ ْ
َ
ن ){ (16 مي َ ب ال َْعال َ ِ ه َر ّ ف الل ّ َ خا ُ ك إ ِّني أ َ من ْ َ ريٌء ِ ل إ ِّني ب َ ِ َقا َ
__________
) (1في أ " :فيها جزء".
) (8/74
) (8/75
ذي َ َ
ن الل ّ َ
ه ه إِ ّقوا الل ّ َ ت ل ِغَد ٍ َوات ّ ُم ْ ما قَد ّ َ
س َ ٌ ه وَل ْت َن ْظ ُْر ن َ ْ
ف قوا الل ّ َ مُنوا ات ّ ُ
نآ َ َ َيا أي َّها ال ّ ِ
م ُأول َئ ِ َ م أ َن ْ ُ َ
ك سهُ ْ ف َ ساهُ ْ ه فَأن ْ َسوا الل ّ َ ن نَ ُ ذي َ كال ّ ِ
كوُنوا َ ن ) (18وََل ت َ ُ مُلو َ ما ت َعْ َ خِبيٌر ب ِ َ َ
م ْ َ ْ َ َ َ ْ
جن ّةِ هُ ُ ب ال َ حا ُ ص َجن ّةِ أ ْ ب ال َ حا ُ ص َ ب الّنارِ وَأ ْ حا ُ ص َ
وي أ ْ ست َ ِن ) (19ل ي َ ْ قو َ س ُ فا ِ م ال َ هُ ُ
ن )(20 فائ ُِزو َ ال ْ َ
امرأة ترعى الغنم ،وكان لها أربعة أخوة ،وكانت تأوي بالليل إلى صومعة
جر بها ،فحملت ،فأتاه الشيطان فقال له : راهب .قال :فنزل الراهب فف َ
دق يسمع قولك .فقتلها ثم دفتها .قال :فأتى مص ّ اقتلها ثم ادفنها ،فإنك رجل ُ
جر ن إخوتها في المنام فقال لهم :إن الراهب صاحب الصومعة ف َ الشيطا ُ
بأختكم ،فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا .فلما أصبحوا قال
رجل منهم :والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟
قالوا :ل بل قصها علينا .قال :فقصها ،فقال الخر :وأنا والله لقد رأيت
ذلك ،فقال الخر :وأنا والله لقد رأيت ذلك .فقالوا :فوالله ما هذا إل
لشيء .قال :فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب ،فأتوه فأنزلوه
ثم انطلقوا به فلقيه الشيطان فقال :إني أنا الذي أوقعتك في هذا ،ولن
ينجيك منه غيري ،فاسجد لي سجدة واحدةً وأنجيك مما أوقعتك فيه .قال :
خذ َ فقتل ).(1 ملكهم ت ََبرأ منه ،وأ ُ ِ فسجد له ،فلما أتوا به َ
وكذا روي عن ابن عباس ،وطاوس ،ومقاتل بن حيان ،نحو ذلك .واشتهر
عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برصيصا ،والله أعلم .وهذه القصة
جا اتهمته امرأة َبغي بنفسها ،وادعت أن جَريج العابد ،فإن جري ً مخالفة لقصة ُ
حملها منه ،ورفعت أمره إلى ولي المر ،فأمر به فأنزل من صومعته َ
خربت صومعته وهو يقول :ما لكم ؟ ما لكم ؟ فقالوا :يا عدو الله ،فعلت و ُ
دا ثم بهذه المرأة كذا وكذا .فقال :جريج :اصبروا .ثم أخذ ابنها وهو صغير ج ً
قال :يا غلم ،من أبوك ؟ قال ) (2أبي الراعي -وكانت قد أمكنته من
ما بليًغا نفسها فحملت منه -فلما رأى بنو إسرائيل ذلك عظموه كلهم تعظي ً
وقالوا :نعيد صومعتك من ذهب .قال :ل بل أعيدوها من طين ،كما كانت.
ن ِفيَها { أي :فكانت عاقبة َ وقوله } :فَ َ
خال ِد َي ْ ِما ِفي الّنارِ َ ما أن ّهُ َ عاقِب َت َهُ َ
ن َ كا َ
كالمر بالكفر والفاعل له ،وتصيرهما ) (3إلى نار جهنم خالدين فيها } ،وَذ َل ِ َ
ن { أي :جزاء كل ظالم. مي َ ظال ِ ِجَزاُء ال ّ َ
هّ ّ َ ُ ْ ّ ّ َ
ن الل َ ه إِ ّ قوا الل َ ت ل ِغَدٍ َوات ّ ُ م ْ ما قد ّ َ س َ ف ٌ ه وَلت َن ْظْر ن َ ْ قوا الل َ مُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ } َيا أي َّها ال ِ
م ُأول َئ ِكَ َ َ َ ّ ّ َ ُ ُ
سهُ ْف َم أن ْ ُ ساهُ ْ ه فأن ْ َ سوا الل َ ن نَ ُ ذي َ ن )َ (18ول ت َكوُنوا كال ِ ملو َ ما ت َعْ َ خِبيٌر ب ِ َ َ
م ْ َ ْ َ َ ْ
جن ّةِ هُ ُ ب ال َ حا ُص َجن ّةِ أ ْ ب ال َ حا ُ ص َ ب الّنارِ وَأ ْ حا ُ ص َ وي أ ْ ست َ ِ
ن ) (19ل ي َ ْ قو َ س ُ فا ِ م ال َ هُ ُ
ن ){ (20 ال ْ َ ِ ُ َ
زو ئ فا
قال المام أحمد :حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،عن عون بن أبي
حْيفة ،عن المنذر ابن جرير ،عن أبيه قال :كنا عند رسول الله صلى الله ج َ ُ
جَتابي النمار -أو ُ ْ م عراة ُ فاة َ ح
ُ قوم فجاءه : قال ، النهار صدر في وسلم عليه
ضر ،بل كلهم من مضر ،فتغير وجه م َقّلدي السيوف عامتهم من ُ مت َ َ :العََباء ُ -
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة ،قال :فدخل ثم
خرج ،فأمر بلل فأذن وأقام الصلة ،فصلى ثم خطب ،فقال َ } :يا أ َي َّها
ن الل ّ َ
ه حد َةٍ { إلى آخر الية } :إ ِ ّ
س َوا ِ
ف ٍ
ن نَ ْ
م ْ
م ِ خل َ َ
قك ُ ْ ذي َم ال ّ ِ
قوا َرب ّك ُ ُ س ات ّ ُالّنا ُ
م َرِقيًبا { ]النساء .[1 :وقرأ الية التي في الحشر } :وَل ْت َن ْظْرُ ن عَل َي ْك ُْ
كا ََ
ت ل ِغَد ٍ { م ْ ما قَد ّ َ س َ ف ٌ نَ ْ
__________
) (1تفسير الطبري ).(28/33
) (2في م " :فقال".
) (3في م " :ومصيرهما".
) (8/76
دق رجل من ديناره ،من درهمه ،من ثوبه ،من صاع ب ُّره ،من صاع ص ّ تَ َ
صرة تمره -حتى قال : -ولو بشق تمرة" .قال :فجاء رجل من النصار ب ُ
كادت كفه َتعجز عنها ،بل قد عجزت ،ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من
طعام وثياب ،حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه كأنه
ن في السلم سنة س ّ من َ ذهبة ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ " : م ُْ
قص من أجورهم حسنة ،فله أجرها وأجر من عمل بها بعده ،من غير أن َين ُ
ن في السلم سنة سيئة ،كان عليه وِْزُرها ووزر من عمل بها س ّ شيء ،ومن َ
،من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبه ،بإسناد مثله ).(1
َ
ه { أمر بتقواه ،وهي تشمل فعل قوا الل ّ َ مُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ فقوله تعالى َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
ما به أمر ،وترك ما عنه زجر.
ت ل ِغَد ٍ { أي :حاسبوا أنفسكم قبل أن م ْ ما قَد ّ َ س َ ف ٌ وقوله } :وَل ْت َن ْظ ُْر ن َ ْ
تحاسبوا ،وانظروا ماذا ادخرتم لنفسكم من العمال الصالحة ليوم معادكم
ماخِبيٌر ب ِ َ
ه َ ن الل ّ َ ه { تأكيد ثان } ،إ ِ ّ قوا الل ّ َ وعرضكم على ربكم َ } ،وات ّ ُ
ن { أي :اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم ) (2ل تخفى عليه مُلو َ ت َعْ َ
منكم خافية ،ول يغيب عنه من أموركم جليل ول حقير.
م أ َن ْ ُ َ
م { أي :ل تنسوا سهُ ْ ف َ ساهُ ْ ه فَأن ْ َ سوا الل ّ َ ن نَ ُ ذي َ كال ّ ِ كوُنوا َ وقال )َ } (3ول ت َ ُ
ذكر الله فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم ،فإن
ن { أي : قو َ س ُ فا ِ م ال ْ َ ك هُ ُ الجزاء من جنس العمل ؛ ولهذا قال ُ } :أول َئ ِ َ
الخارجون عن طاعة الله ،الهالكون يوم القيامة ،الخاسرون يوم معادهم ،
َ كما قال } :يا أ َيها ال ّذين آمنوا ل تل ْهك ُ َ
ن ذِك ْرِ الل ّ ِ
ه م عَ ْ م َول أْولد ُك ُ ْ وال ُك ُ ْ م َمأ ْ ُ ِ ْ ِ َ َ ُ َ ّ
ن { ]المنافقون .[9 : رو س خا ْ ل ا م ه َ
ك ئ َ لأو ك فَ َ ُ ل ذ َل ِ َ
فعَ ْ ن يَ ْ
ِ ُ َ َ ُ ُ ِ م ْ وَ َ
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني :حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة
حريز بن عثمان ،عن نعيم بن الحوطي ،حدثنا ]أبو[ ) (4المغيرة ،حدثنا َ
َنمحة قال :كان في خطبة أبي بكر الصديق ،رضي الله عنه :أما تعلمون
أنكم تغدون وتروحون لجل معلوم ؟ فمن استطاع أن يقضي الجل وهو في
ما
عمل الله ،عز وجل ،فليفعل ،ولن تنالوا ذلك إل بالله ،عز وجل .إن قو ً
سوان نَ ُ ذي َكال ّ ِكوُنوا َ جعلوا آجالهم لغيرهم ،فنهاكم الله تكونوا أمثالهم َ } :ول ت َ ُ
م أ َن ْ ُ َ
م { أين من تعرفون من إخوانكم ؟ قدموا على ما قدموا سهُ ْ ف َ ساهُ ْ ه فَأن ْ َ الل ّ َ
في أيام سلفهم ،وخلوا بالشقوة والسعادة ،أين الجبارون الولون الذين بنوا
المدائن وحصنوها بالحوائط ؟ قد صاروا تحت الصخر والبار ،هذا كتاب الله
ل تفنى عجائبه فاستضيئوا منه ليوم ظلمة ] ،وائتضحوا بسنائه وبيانه[ ) (5إن
ت ن ِفي ال ْ َ
خي َْرا ِ عو َ
سارِ ُ م َ
كاُنوا ي ُ َ الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال } :إ ِن ّهُ ْ
ن{شِعي َ كاُنوا ل ََنا َ
خا ِ عون ََنا َرغًَبا وََرهًَبا وَ َ
وَي َد ْ ُ
__________
) (1المسند ) (4/358وصحيح مسلم برقم ).(1017
) (2في م " :وخفيها".
) (3في م " :وقوله".
) (4زيادة من المعجم الكبير للطبري.
) (5زيادة من م ،والمعجم الكبير.
) (8/77
]النبياء ، [90 :ل خير في قول ل يراد به وجه الله ،ول خير في مال ل ينفق
في سبيل الله ،ول خير فيمن يغلب جهله حلمه ،ول خير فيمن يخاف في
الله لومة لئم ).(1
حريز بن عثمان ،وهو نعيم بن هذا إسناد جيد ،ورجاله كلهم ثقات ،وشيخ َ
نمحة ،ل أعرفه بنفي ول إثبات ،غير أن أبا داود السجستاني قد حكم بأن
حريز كلهم ثقات .وقد روي لهذه الخطبة شواهد من وجوه أخر ،والله شيوخ َ
أعلم.
َ َ َ
جن ّةِ { أي ) (2ل ب ال ْ َ حا ُ ص َ جن ّةِ أ ْ ب ال ْ َ حا ُ ص َ ب الّنارِ وَأ ْ حا ُ ص َ وي أ ْ ست َ ِ وقوله } :ل ي َ ْ
َ
ن
ذي َ ب ال ّ ِ س َ ح ِ م َيستوي هؤلء وهؤلء في حكم الله يوم القيامة ،كما قال } :أ ْ
َ
م
حَياهُ ْ م ْ واًء َس َت َ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ كال ّ ِ م َ جعَل َهُ ْ ن نَ ْ تأ ْ سي َّئا ِ حوا ال ّ جت ََر ُ ا ْ
مى وي العْ َ ست َ ِ ما ي َ ْ ن { ]الجاثية ، [21 :وقال } وَ َ مو َ حك ُ ُ ما ي َ ْ ساَء َ م َ مات ُهُ ْ م َ وَ َ
سيُء { الية]غافر .[58 :قال م ِ ْ
ت َول ال ُ حا ِ صال ِ َ ملوا ال ّ ُ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ّ
صيُر َوال ِ َوالب َ ِْ
جعَ ُ
ل َ ْ َ ُ ّ جعَ ُ َ
م نَ ْ ضأ ْ ن ِفي الْر ِ دي َ س ِف ِ م ْ ت كال ُ حا ِ صال ِ َ ملوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ل ال ِ م نَ ْ }:أ ْ
جارِ { ]ص [28 :؟ في آيات أخر دالت على أن الله ،سبحانه ، ف ّ كال ْ ُ ن َ قي َ مت ّ ِ ال ْ ُ
م ال ْ َ َ
ن
فائ ُِزو َ جن ّةِ هُ ُ ب ال ْ َ حا ُ ص َ يكرم البرار ،ويهين الفجار ؛ ولهذا قال هاهنا } :أ ْ
{ أي :الناجون المسلمون من عذاب الله ،عز وجل.
شي َةِ الل ّهِ وَت ِل ْكَ َ } ل َوْ َأنزل َْنا هَ َ
خ ْ ن َ م ْ عا ِ صد ّ ً مت َ َ شًعا ُ خا ِ ه َ ل ل ََرأي ْت َ ُ جب َ ٍ ن عََلى َ قْرآ َ ذا ال ْ ُ
معال ِ ُه ِإل هُوَ َ ذي ل إ ِل َ َ ه ال ّ ِ ن ) (21هُوَ الل ّ ُ فك ُّرو َ م ي َت َ َ س ل َعَل ّهُ ْ ضرِب َُها ِللّنا ِ ل نَ ْ مَثا ُ ال ْ
مل ِكُ ه ِإل هُوَ ال َْ ذي ل إ ِل ََ ه ال ِّ م ) (22هُوَ الل ُّ حي ُ ن الّر ِ م ُ ح َ شَهاد َةِ هُوَ الّر ْ ب َوال ّ ال ْغَي ْ ِ
مان الل ّهِ عَ ّ حا َ سب ْ َمت َك َب ُّر ُ جّباُر ال ْ ُ زيُز ال ْ َ ن ال ْعَ ِ م ُ مهَي ْ ِ ن ال ْ ُ م ُ مؤ ْ ِ م ال ْ ُ سل ُ س ال ّ دو ُ ق ّ ال ْ ُ
ح لَ ُ
ه سب ّ ُ سَنى ي ُ َ ح ْ ماُء ال ْ ُ س َ ه ال ْ صوُّر ل َ ُ م َ خال ِقُ ال َْبارِئُ ال ْ ُ ه ال ْ َ ن ) (23هُوَ الل ّ ُ كو َ شرِ ُ يُ ْ
م ){ (24 كي ُ ح ِ زيُز ال ْ َ ض وَهُوَ ال ْعَ ِ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ما ِفي ال ّ َ
ما لمر القرآن ،ومبينا علو قدره ،وأنه ينبغي وأن تخشع له ً معظ تعالى يقول
القلوب ،وتتصدع عند سماعه لما فيه من الوعد والوعيد الكيد } :ل َوْ َأنزل َْنا
شي َةِ الل ّهِ { أي :فإن كان َ
خ ْ ن َ م ْ عا ِ صد ّ ً مت َ َ شًعا ُ خا ِ ه َ ل ل ََرأي ْت َ ُ جب َ ٍ ن عََلى َ قْرآ َ ذا ال ْ ُ هَ َ
الجبل في غلظته وقساوته ،لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه ،لخشع وتصدع
من خوف الله ،عز وجل ،فكيف يليق بكم أيها البشر أل تلين قلوبكم
وتخشع ،وتتصدع من خشية الله ،وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه ؟
ن {.فك ُّرو َ م ي َت َ َس ل َعَل ّهُ ْ
ضرِب َُها ِللّنا َ ِ مَثا ُ
ل نَ ْ ولهذا قال تعالى } :وَت ِل ْ َ
ك ال ْ
ل ن عََلى َ
جب َ ٍ قْرآ َذا ال ْ ُ قال العوفي :عن ابن عباس في قوله } :ل َوْ أنزل َْنا هَ َ
َ
شًعا[ { ) (3إلى آخرها ،يقول :لو أني أنزلت هذا القرآن على خا ِ
ه َ]ل ََرأي ْت َ ُ
ملته إياه ،لتصدع ) (4وخشع من ثقله ،ومن خشية الله .فأمر الله ح ّجبل َ
ن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع .ثم الناس إذا نزل عليهم القرآ ُ
__________
) (1المعجم الكبير ).(1/60
) (2بياض في م.
) (3زيادة من م.
) (4في م " :لصدع".
) (8/78
قال :كذلك يضرب الله المثال للناس لعلهم يتفكرون .وكذا قال قتادة ،
وابن جرير.
وقد ثبت في الحديث المتواتر :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما
عمل له المنبر ،وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذع من جذوع
المسجد ،فلما وضع المنبر أول ما وضع ،وجاء النبي صلى الله عليه وسلم
ن الجذع وجعل ) (1يئن ح ّ ليخطب فجاوز الجذع إلى نحو المنبر ،فعند ذلك َ
مع من الذكر والوحي عنده. كن ) ، (2لما كان ُيس َ س ّ كما يئن الصبي الذي ي ُ َ
ففي بعض روايات هذا الحديث قال الحسن البصري بعد إيراده " :فأنتم أحق
أن تشتاقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجذع" ) .(3وهكذا
هذه الية الكريمة ،إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلم الله وفهمته ،
لخشعت وتصدعت من خشيته ) (4فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم ؟ وقد
َ قال تعالى } :ول َو أ َن قُرآنا سيرت به ال ْجبا ُ َ
ه
م بِ ِ ض أوْ ك ُل ّ َ ت ب ِهِ الْر ُ ل أوْ قُط ّعَ ْ َ ْ ّ ْ ً ُ َّ ْ ِ ِ ِ َ
موَْتى { الية ]الرعد .[31 :وقد تقدم أن معنى ذلك :أي لكان هذا القرآن. ال ْ َ
ق
ق ُ ش ّ ما ي َ ّ من َْها ل َ َن ِ ه الن َْهاُر وَإ ِ ّ من ْ ُ جُر ِ ف ّ
ما ي َت َ َجاَرةِ ل َ َ ح َ ن ال ْ ِ م َ ن ِ وقال تعالى } :وَإ ِ ّ
شي َةِ الل ّهِ { ]البقرة .[74 : خ ْ ِ ْ َن م ُ
ط ه ي ما َ
ماُء وَإ ِ ّ ِ ْ َ َ َ ْ ِ
ب ل ها ن م ن ه ال ْ َ
من ْ ُ
ج ِ خُر ُ فَي َ ْ
ن
م ُح َ شَهاد َةِ هُوَ الّر ْ ب َوال ّ م ال ْغَي ْ ِ
عال ِ ُ ه ِإل هُوَ َ ذي ل إ ِل َ َ ه ال ّ ِ ثم قال تعالى } :هُوَ الل ّ ُ
م { أخبر تعالى أنه الذي ل إله إل هو فل رب غيره ،ول إله للوجود حي ُ الّر ِ
سواه ،وكل ما يعبد من دونه فباطل ،وأنه عالم الغيب ) (5والشهادة ،أي :
يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا والغائبات عنا فل يخفى عليه شيء في
الرض ،ول في السماء من جليل وحقير وصغير وكبير ،حتى الذر في
الظلمات.
م { قد تقدم الكلم على ذلك في أول التفسير ، حي ُ ن الّر ِ م ُح َ وقوله } :هُوَ الّر ْ
بما أغنى عن إعادته هاهنا .والمراد أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع
المخلوقات ،فهو رحمن الدنيا والخرة ورحيمهما ،وقد قال تعالى :
َ
م عَلى ُ
ب َرب ّك ْ يٍء { ]العراف ، [156 :وقال } ك َت َ َ ش ْ ل َ ت كُ ّ سعَ ْ مِتي وَ ِ ح َ } وََر ْ
مت ِهِ فَب ِذ َل ِكَ ح َ ّ
ل اللهِ وَب َِر ْ ض ِف ْ ْ ُ
ة { ]النعام ، [54 :وقال } قل ب ِ َ م َح َسهِ الّر ْ ف ِ نَ ْ
ن { ]يونس .[58 : مُعو َ ج َما ي َ ْ م ّ خي ٌْر ِ
حوا هُوَ َ فَر ُ ْ
فَلي َ ْ
ك { أي :المالك لجميع الشياء ه ِإل هُوَ ال ْ َ