Anda di halaman 1dari 1022

‫الكتاب ‪ :‬تفسير القرآن العظيم‬

‫المؤلف ‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي‬


‫الدمشقي ] ‪ 774- 700‬هـ [‬
‫المحقق ‪ :‬سامي بن محمد سلمة‬
‫الناشر ‪ :‬دار طيبة للنشر والتوزيع‬
‫الطبعة ‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‬
‫عدد الجزاء ‪8 :‬‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف‬
‫الشريف‬
‫‪www.qurancomplex.com‬‬
‫] ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ‪ ،‬والصفحات مذيلة بحواشي‬
‫المحقق [‬

‫شَعث أشعارهم أبدا بعدها ‪،‬‬ ‫النعيم ‪ ،‬فلم ت َُغير أبشارهم بعدها أبدا ‪ ،‬ولم ت ُ ْ‬
‫كأنما دهنوا بالدهان ‪ ،‬ثم عمدوا إلى الخرى كأنما أمروا بها ‪ ،‬فشربوا منها ‪،‬‬
‫فأذهبت ما كان في بطونهم من أذى أو قذى ‪ ،‬وتلقتهم الملئكة على أبواب )‬
‫ن {‪ .‬ويلقى كل غلمان‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬‫ها َ‬‫خُلو َ‬
‫م َفاد ْ ُ‬ ‫م ط ِب ْت ُ ْ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬‫سل ٌ‬ ‫‪ (1‬الجنة ‪َ } :‬‬
‫شر ‪ ،‬قد‬ ‫َ‬
‫فون به ‪ ،‬فعل )‪ (2‬الولدان بالحميم جاء من الغيبة ‪ :‬أب ْ ِ‬ ‫صاحبهم يطي ُ‬
‫عد الله لك من الكرامة كذا وكذا ‪ ،‬قد أعد الله لك من الكرامة كذا وكذا‪.‬‬ ‫أ َ‬
‫وقال ‪ :‬وينطلق غلم من غلمانه إلى أزواجه من الحور العين ‪ ،‬فيقول ‪ :‬هذا‬
‫فلن ‪ -‬باسمه في الدنيا ‪ -‬فيقلن ‪ :‬أنت رأيته ؟ فيقول ‪ :‬نعم‪ .‬فيستخفهن‬
‫فة )‪ (3‬الباب‪ .‬قال ‪ :‬فيجيء فإذا هو بنمارق‬ ‫الفرح حتى تخرج إلى َأسك ُ ّ‬
‫مصفوفة ‪ ،‬وأكواب موضوعة ‪ ،‬وزرابي مبثوثة‪ .‬قال ‪ :‬ثم ينظر إلى تأسيس‬
‫بنيانه )‪ ، (4‬فإذا هو قد أسس على جندل اللؤلؤ ‪ ،‬بين أحمر وأخضر وأصفر‬
‫]وأبيض[ )‪ ، (5‬ومن كل لون‪ .‬ثم يرفع طرفه إلى سقفه ‪ ،‬فلول أن الله قدره‬
‫م أن يذهب ببصره ‪ ،‬إنه لمثل البرق‪ .‬ثم ينظر إلى أزواجه من الحور‬ ‫له ‪ ،‬لل ّ‬
‫داَنا‬
‫ذي هَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مد ُ ل ِلهِ ال ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫العين ‪ ،‬ثم يتكئ على أريكة من أرائكه ‪ ،‬ثم يقول ‪ } :‬ال َ‬
‫َ‬
‫ه { ]العراف ‪ [43 :‬الية‪.‬‬ ‫داَنا الل ّ ُ‬‫ن هَ َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫ما ك ُّنا ل ِن َهْت َدِيَ ل َ ْ‬ ‫ل ِهَ َ‬
‫ذا وَ َ‬
‫دي ‪ ،‬حدثنا‬ ‫ثم قال ‪ :‬حدثنا ‪ ،‬أبي حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل الن ّهْ ِ‬
‫مسلمة )‪ (6‬بن جعفر البجلي قال ‪ :‬سمعت أبا معاذ البصري يقول ‪ :‬إن عليا ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬كان ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫النبي )‪ (7‬صلى الله عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي ‪ ،‬بيده إنهم إذا خرجوا من‬
‫ؤتون ‪ -‬بنوق لها أجنحة ‪ ،‬وعليها رحال الذهب ‪،‬‬ ‫سَتقبلون ‪ -‬أو ‪ :‬ي ُ ْ‬ ‫قبورهم ي ُ ْ‬
‫شراك نعالهم نور يتلل كل خطوة منها مد البصر ‪ ،‬فينتهون إلى شجرة ينبع‬
‫سل ما في بطونهم من دنس ‪،‬‬ ‫من أصلها عينان ‪ ،‬فيشربون من إحداهما في ُغْ َ‬
‫ويغتسلون من الخرى ‪ ،‬فل تشعث أبشارهم ول أشعارهم بعدها أبدا ‪ ،‬وتجري‬
‫عليهم نضرة النعيم ‪ ،‬فينتهون ‪ -‬أو ‪ :‬فيأتون ‪ -‬باب الجنة ‪ ،‬فإذا حلقة من‬
‫ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ‪ ،‬فيضربون بالحلقة على الصفيحة )‪، (8‬‬
‫فيسمع )‪ (9‬لها طنين يا علي ‪ ،‬فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل ‪ ،‬فتبعث‬
‫دا )‪- (10‬‬ ‫خّر له ‪ -‬قال مسلمة ‪ :‬أراه قال ‪ :‬ساج ً‬ ‫قَّيمها فيفتح له ‪ ،‬فإذا رآه َ‬
‫ت بأمرك‪ .‬فيتبعه ويقفو أثره ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫فيقول ‪ :‬ارفع رأسك ‪ ،‬فإنما أنا َقيمك ‪ ،‬وُك ّل ُ‬
‫فتستخف الحوراء العجلة ‪ ،‬فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه ‪ ،‬ثم‬
‫تقول ‪ :‬أنت حبي ‪ ،‬وأنا حبك ‪ ،‬وأنا الخالدة التي ل أموت ‪ ،‬وأنا الناعمة التي ل‬
‫أبأس ‪ ،‬وأنا الراضية التي ل أسخط ‪ ،‬وأنا المقيمة التي ل أظعن"‪ .‬فيدخل بيًتا‬
‫سه إلى سقفه مائة ألف ذراع ‪ ،‬بناؤه على جندل اللؤلؤ ‪ ،‬طرائق أصفر‬ ‫من أ ّ‬
‫وأخضر وأحمر ‪ ،‬ليس فيها )‪ (11‬طريقة تشاكل صاحبتها ‪ ،‬في البيت سبعون‬
‫شَية ‪ ،‬على كل حشية سبعون زوجة ‪ ،‬على‬ ‫ح ْ‬‫سريرا ‪ ،‬على كل سرير سبعون َ‬
‫حلل ‪ ،‬يقضي جماعها في‬ ‫َ‬ ‫خ ساقها من باطن ال ُ‬ ‫م ّ‬
‫كل زوجة سبعون حلة ‪ ،‬يرى ُ‬
‫مقدار ليلة من لياليكم هذه‪ .‬النهار‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬باب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬مثل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في س ‪" :‬أسفكة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬بنائه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في س ‪" :‬الصفحة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬فلو سمع"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬خر له ساجد" وهو خطأ والصواب ‪" :‬ساجدا"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬س ‪ : :‬منها"‪.‬‬

‫) ‪(7/124‬‬

‫طرد ‪ ،‬أنهار من ماء غير آسن ‪ -‬قال ‪ :‬صاف ‪ ،‬ل كدر فيه ‪ -‬وأنهار‬ ‫من تحتهم ت َ ّ‬
‫من لبن لم يتغير طعمه ‪ -‬قال ‪ :‬لم يخرج من ضروع الماشية ‪ -‬وأنهار من‬
‫خمر لذة للشاربين ‪ -‬قال ‪ :‬لم تعصرها الرجال بأقدامهم ‪ -‬وأنهار من عسل‬
‫مصفى ‪ -‬قال ‪ :‬لم يخرج من بطون النحل‪ .‬يستجني الثمار ‪ ،‬فإن شاء قائما ‪،‬‬
‫ت‬‫ظلل َُها وَذ ُل ّل َ ْ‬ ‫ة عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫وإن شاء قاعدا ‪ ،‬وإن شاء متكئا ‪ -‬ثم تل } وََدان ِي َ ً‬
‫طوفَُها ت َذ ِْليل { ]النسان ‪ - [14 :‬فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض ‪ -‬قال ‪:‬‬ ‫قُ ُ‬
‫وربما قال ‪ :‬أخضر‪ .‬قال ‪ - :‬فترفع أجنحتها ‪ ،‬فيأكل من جنوبها ‪ ،‬أي اللوان‬
‫شاء ‪ ،‬ثم يطير فيذهب )‪ ، (1‬فيدخل الملك فيقول ‪ :‬سلم عليكم ‪ ،‬تلكم الجنة‬
‫أورثتموها بما كنتم تعملون‪ .‬ولو أن شعرة من شعر )‪ (2‬الحوراء وقعت لهل‬
‫الرض ‪ ،‬لضاءت الشمس معها سواًدا في نور"‪.‬‬
‫هذا حديث غريب ‪ ،‬وكأنه مرسل ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في س ‪" :‬ثم تطير فتذهب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬شعور"‪.‬‬

‫) ‪(7/125‬‬

‫م‬
‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫م وَقُ ِ‬
‫ض َ‬ ‫مد ِ َرب ّهِ ْ‬
‫ح ْ‬
‫ن بِ َ‬
‫حو َ‬
‫سب ّ ُ‬
‫ش يُ َ‬ ‫حو ْ ِ ْ‬ ‫حاّفي َ‬ ‫مَلئ ِك َ َ‬
‫وَت ََرى ال ْ َ‬
‫ل العَْر ِ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ة َ‬
‫ن )‪(75‬‬‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬
‫ح ْ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫حقّ وَِقي َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫م‬‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬‫ض َ‬‫م وَقُ ِ‬ ‫مد ِ َرب ّهِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن بِ َ‬‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬
‫ش يُ َ‬ ‫حو ْ ِ ْ‬ ‫حاّفي َ‬ ‫ملئ ِك َ َ‬ ‫} وَت ََرى ال ْ َ‬
‫ل العَْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة َ‬
‫ن )‪{ (75‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫حقّ وَِقي َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫كل في المحل الذي‬ ‫لما ذكر تعالى حكمه في أهل الجنة والنار ‪ ،‬وأنه نزل ُ‬
‫يليق به ويصلح له وهو العادل في ذلك الذي ل يجور ‪ -‬أخبر عن ملئكته أنهم‬
‫محدقون من حول عرشه المجيد ‪ ،‬يسبحون بحمد ربهم ‪ ،‬ويمجدونه )‪(1‬‬
‫ويعظمونه ويقدسونه وينزهونه عن النقائص والجور ‪ ،‬وقد فصل القضية ‪،‬‬
‫م { أي ‪ :‬بين‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬‫ض َ‬ ‫وقضى المر ‪ ،‬وحكم بالعدل ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَقُ ِ‬
‫حق ّ {‬ ‫الخلئق } ِبال ْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ونطق الكون أجمعه )‪- (2‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَِقي َ‬
‫ناطقه وبهيمه ‪ -‬لله رب العالمين ‪ ،‬بالحمد في حكمه وعدله ؛ ولهذا لم يسند‬
‫دت له‬ ‫شهِ َ‬ ‫القول إلى قائل بل أطلقه ‪ ،‬فدل على أن جميع المخلوقات َ‬
‫بالحمد‪.‬‬
‫ت‬
‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫خلقَ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مد ُ ل ِلهِ ال ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫قال قتادة ‪ :‬افتتح الخلق بالحمد في قوله ‪ } :‬ال َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫م ِبال َ‬
‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬‫ض َ‬ ‫ُ‬
‫ض { ]النعام ‪ [1 :‬واختتم بالحمد في قوله ‪ } :‬وَق ِ‬ ‫َوالْر َ‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫ّ‬
‫مد ُ ل ِلهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫وَِقي َ‬
‫آخر تفسير سورة الزمر ولله الحمد )‪] (3‬أول وآخًرا ظاهًرا وباطًنا[ )‪(4‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ويحمدونه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬جميعه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬والله أعلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من س‪.‬‬

‫) ‪(7/125‬‬

‫تفسير سورة غافر )‪(1‬‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫قد كره بعض السلف ‪ ،‬منهم محمد بن سيرين أن يقال ‪" :‬الحواميم" وإنما‬
‫يقال ‪" :‬آل حم"‪.‬‬
‫قال عبد الله بن مسعود ‪" :‬آل حم" ديباج القرآن‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬إن لكل شيء لبابا ً ول َُباب القرآن "آل حم" ‪ -‬أو قال ‪:‬‬
‫الحواميم‪.‬‬
‫دام ‪ :‬كان يقال لهن ‪" :‬العرائس"‪.‬‬ ‫سَعر بن ك ِ َ‬‫م ْ‬‫قال ِ‬
‫عبيد القاسم بن سلم ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬في‬ ‫روى ذلك كله المام الَعلم )‪ (2‬أبو ُ‬
‫حميد بن َزْنجويه ‪ :‬حدثنا عبيد الله بن‬
‫كتاب ‪" :‬فضائل القرآن"‪ (3) .‬وقال ُ‬
‫موسى ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص عن عبيد الله )‬
‫‪ (4‬قال ‪ :‬إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لهله منزل فمر بأثر غيث‬
‫مثات فقال ‪:‬‬ ‫فبينا هو يسير فيه ويتعجب ]منه[ )‪ ، (5‬إذ هبط على روضات د َ ِ‬
‫عجبت من الغيث الول ‪ ،‬فهذا أعجب وأعجب فقيل له ‪ :‬إن مثل الغيث الول‬
‫ظم )‪ (6‬القرآن ‪ ،‬وإن مثل هؤلء الروضات الدمثات ‪ ،‬مثل آل حم في‬ ‫ع َ‬‫مثل ِ‬
‫القرآن‪ .‬أورده البغوي )‪.(7‬‬
‫وقال ابن ل َِهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ‪ :‬أن الجّراح بن أبي الجراح حدثه عن‬
‫ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬لكل شيء لباب ‪ ،‬ولباب القرآن الحواميم )‪.(8‬‬
‫ت في روضات أتأّنق‬ ‫ت في "آل حم" فقد وقع ُ‬ ‫وقال ابن مسعود ‪ :‬إذا َوقع ُ‬
‫فيهن )‪.(9‬‬
‫دام ‪ -‬عمن حدثه ‪:‬‬ ‫سعر ‪ -‬هو ابن ك ِ َ‬‫م ْ‬‫وقال أبو عبيد ‪ :‬حدثنا الشجعي ‪ ،‬حدثنا ِ‬
‫ً‬
‫أن رجل رأى أبا الدرداء ]رضي الله عنه[ )‪ (10‬يبني مسجدا ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما‬
‫هذا ؟ فقال ‪ :‬أبنيه من أجل "آل حم" )‪.(11‬‬
‫وقد يكون هذا المسجد الذي بناه أبو الدرداء هو المسجد المنسوب إليه داخل‬
‫قلعة دمشق‪ .‬وقد يكون صيانتها وحفظها ببركته وبركة ما ُوضع له ‪ ،‬فإن هذا‬
‫الكلم يدل على النصر على العداء ‪ ،‬كما قال رسول الله )‪ (12‬صلى الله‬
‫عليه وسلم لصحابه في بعض الغزوات ‪" :‬إن ب َّيتم الليلة فقولوا ‪ :‬حم ‪ ،‬ل‬
‫ينصرون" وفي رواية ‪" :‬ل تنصرون" )‪.(13‬‬
‫خلف‬ ‫َ‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا أحمد بن الحكم بن ظْبيان بن َ‬
‫المازني ‪ ،‬ومحمد بن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬المؤمن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬العالم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬فضائل القرآن )ص ‪.(138 ، 137‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬عظيم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬معالم التنزيل للبغوي )‪.(7/134‬‬
‫)‪ (8‬رواه أبو عبيد في فضائل القرآن )ص ‪ (137‬والبغوي في تفسيره )‬
‫‪.(7/134‬‬
‫)‪ (9‬رواه أبو عبيدة في فضائل القرآن )ص ‪.(137‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬فضائل القرآن لبي عبيد )ص ‪.(137‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (13‬رواه المام أحمد في مسنده )‪ (4/65‬وأبو داود في السنن برقم )‬
‫‪ (2597‬والترمذي في السنن برقم )‪ (1682‬عن المهلب بن أبي صفرة عمن‬
‫سمع النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫) ‪(7/0‬‬

‫ب‬ ‫ب وََقاب ِ ِ‬
‫ل الت ّوْ ِ‬ ‫ال ْعَِليم ِ )‪َ (2‬‬
‫غافِرِ الذ ّن ْ ِ‬ ‫ن الل ّهِ ال ْعَ ِ‬
‫زيزِ‬ ‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫زي ُ‬
‫حم )‪ (1‬ت َن ْ ِ‬
‫صيُر )‪(3‬‬ ‫إ ِل َي ْهِ ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ‬‫ل َل إ ِل َ َ‬‫ب ِذي الط ّوْ ِ‬ ‫قا ِ‬‫ديدِ ال ْعِ َ‬ ‫َ‬
‫ش ِ‬

‫الليث الهمداني قال حدثنا موسى بن مسعود ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر‬
‫المليكي ‪ ،‬عن زرارة بن مصعب ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هَُريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من قرأ آية‬ ‫الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسو ُ‬
‫صم ذلك اليوم من كل سوء"‪.‬‬ ‫الكرسي وأول حم المؤمن ‪ ،‬عُ ِ‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعلمه ُيروى إل بهذا السناد‪ .‬ورواه الترمذي من حديث المليكي ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه )‪.(1‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ب‬ ‫ب وََقاب ِ ِ‬
‫ل الت ّوْ ِ‬ ‫غافِرِ الذ ّن ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫زيزِ العَِليم ِ )‪َ (2‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ العَ ِ‬ ‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫} حم )‪َ (1‬تنزي ُ‬
‫صيُر )‪{ (3‬‬‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه ِإل هُوَ إ ِلي ْهِ ال َ‬ ‫َ‬
‫ل ل إ ِل َ‬ ‫ّ‬
‫ب ِذي الطوْ ِ‬ ‫قا ِ‬‫ديدِ ال ْعِ َ‬ ‫َ‬
‫ش ِ‬
‫أما الكلم على الحروف المقطعة ‪ ،‬فقد تقدم في أول "سورة البقرة" بما‬
‫أغنى عن إعادته هاهنا‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن } حم { اسم من أسماء الله عز وجل ‪ ،‬وأنشدوا في ذلك )‪(2‬‬
‫م‪...‬‬ ‫م قَْبل الّتقد ّ ِ‬ ‫حامي َ‬ ‫شاجر‪ ...‬فََهل تل َ‬ ‫ح َ‬ ‫م والرم ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ي ُذ َك ُّرني حا ِ‬
‫وقد ورد )‪ (3‬في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من حديث الثوري ‪،‬‬
‫فرة قال ‪ :‬حدثني من سمع رسول‬ ‫ص ْ‬
‫عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن المهلب بن أبي ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إن ب َّيتم الليلة فقولوا ‪ :‬حم ‪ ،‬ل ينصرون"‬
‫وهذا إسناد صحيح )‪.(4‬‬
‫واختار أبو عبيد أن ُيروى ‪" :‬فقولوا ‪ :‬حم ‪ ،‬ل ينصروا" أي ‪ :‬إن قلتم ذلك ل‬
‫ينصروا ‪ ،‬جعله جزاء لقوله ‪ :‬فقولوا‪.‬‬
‫زيزِ العَِليم ِ { أي ‪ :‬تنزيل هذا الكتاب ‪-‬‬ ‫ْ‬ ‫ن الل ّهِ ال ْعَ ِ‬ ‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬تنزي ُ‬
‫وهو القرآن ‪ -‬من الله ذي العزة والعلم ‪ ،‬فل يرام جنابه ‪ ،‬ول يخفى عليه الذر‬
‫وإن تكاثف حجابه‪.‬‬
‫ب { أي ‪ :‬يغفر ما سلف من الذنب ‪ ،‬ويقبل‬ ‫ل الت ّوْ ِ‬ ‫َ‬
‫ب وَقاب ِ ِ‬ ‫غافِرِ الذ ّن ْ ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫ضع لديه‪.‬‬ ‫خ َ‬‫التوبة في المستقبل لمن تاب إليه و َ‬
‫ب { أي ‪ :‬لمن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا ‪ ،‬وعتا‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬‫ش ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫عن )‪ (5‬أوامر الله ‪ ،‬وبغى ]وقد اجتمع في هذه الية الرجاء والخوف[ )‪.(6‬‬
‫و‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬ ‫عَباِدي أ َّني أ ََنا ال ْغَ ُ‬
‫ذاِبي هُ َ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫حي ُ‬‫فوُر الّر ِ‬ ‫ئ ِ‬ ‫وهذه كقوله تعالى ‪ } :‬ن َب ّ ْ‬
‫م { ] الحجر ‪ [50 ، 49 :‬يقرن هذين الوصفين كثيًرا في مواضع‬ ‫ب الِلي ُ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ذا ُ‬
‫متعددة من القرآن ؛ ليبقى العبد بين الرجاء والخوف‪.‬‬
‫ل { قال ابن عباس ‪ :‬يعني ‪ :‬السعة والغنى‪ .‬وكذا قال‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬ذي الط ّوْ ِ‬
‫مجاهد وقتادة‪.‬‬
‫ل { يعني ‪ :‬الخير الكثير‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وقال يزيد بن الصم ‪ِ } :‬ذي الطوْ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي برقم )‪.(2879‬‬
‫)‪ (2‬البين في تفسير الطبري )‪ (24/26‬وفي صحيح البخاري )‪" (8/553‬فتح"‬
‫منسوبا إلى شريح بن أوفى العبسي‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن أبي داود برقم )‪ (2597‬وسنن الترمذي برقم )‪.(1682‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/127‬‬

‫ل { ذي المن‪.‬‬ ‫وقال عكرمة ‪ِ } :‬ذي الط ّوْ ِ‬


‫وقال قتادة ‪] :‬يعني[ )‪ (1‬ذي النعم والفواضل‪.‬‬
‫والمعنى ‪ :‬أنه المتفضل على عباده ‪ ،‬المتطول عليهم بما هو فيه من المنن‬
‫هّ‬
‫ت الل ِ‬
‫م َ‬
‫دوا ن ِعْ َ‬
‫ن ت َعُ ّ‬
‫والنعام ‪ ،‬التي ل يطيقون القيام بشكر واحدة منها ‪ } ،‬وَإ ِ ْ‬
‫فاٌر[ { ] إبراهيم ‪.(2) [34 :‬‬ ‫ن ل َظ َُلو ٌ‬
‫م كَ ّ‬ ‫سا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫ها ]إ ِ ّ‬
‫صو َ‬
‫ح ُ‬‫ل تُ ْ‬
‫ه ِإل هُوَ { أي ‪ :‬ل نظير له في جميع صفاته ‪ ،‬فل إله غيره ‪ ،‬ول‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬ل إ ِل َ‬
‫صيُر { أي ‪ :‬المرجع والمآب ‪ ،‬فيجازي كل عامل بعمله ‪،‬‬ ‫م ِ‬ ‫رب سواه } إ ِل َي ْهِ ال َ‬
‫ْ‬
‫ب { ] الرعد ‪.[41 :‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫س ِ‬‫} وَهُوَ َ‬
‫سِبيعي يقول ‪ :‬جاء رجل إلى‬ ‫وقال أبو بكر بن عياش ‪ :‬سمعت أبا إسحاق ال ّ‬
‫ت‪،‬‬ ‫عمر بن الخطاب ]رضي الله عنه[ )‪ (3‬فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين إني قَت َل ْ ُ‬
‫م‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ن الل ّهِ ال ْعَ ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫فهل لي من توبة ؟ فقرأ عليه } حم‪َ .‬تنزي ُ‬
‫زيزِ العَِلي ِ‬ ‫م َ‬
‫ب ِ‬
‫ب { وقال ‪ :‬اعمل ول تيأس‪.‬‬ ‫قا ِ‬‫ديدِ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ل الت ّوْ ِ‬ ‫ب وََقاب ِ ِ‬ ‫غافِرِ الذ ّن ْ ِ‬‫َ‬
‫رواه ابن أبي حاتم ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬وابن جرير )‪.(4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن مروان الّرّقي ‪ ،‬حدثنا عمر‬
‫‪ -‬يعني ابن أيوب ‪ -‬أخبرنا جعفر بن ب َْرقان ‪ ،‬عن يزيد بن الصم )‪ (5‬قال ‪ :‬كان‬
‫رجل من أهل الشام ذو بأس ‪ ،‬وكان يفد إلى عمر بن الخطاب ]رضي الله‬
‫عنه[ )‪ ، (6‬ففقده عمر فقال ‪ :‬ما فعل فلن بن فلن ؟ فقالوا ‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين ‪ ،‬يتابع في هذا الشراب‪ .‬قال ‪ :‬فدعا عمر كاتبه ‪ ،‬فقال ‪ :‬اكتب ‪:‬‬
‫"من عمر بن الخطاب إلى فلن ابن فلن ‪ ،‬سلم عليك ‪] ،‬أما بعد[ )‪: (7‬‬
‫فإني أحمد إليك الله الذي ل إله إل هو ‪ ،‬غافر الذنب وقابل التوب ‪ ،‬شديد‬
‫العقاب ‪ ،‬ذي الطول ‪ ،‬ل إله إل هو إليه المصير"‪ .‬ثم قال لصحابه ‪ :‬ادعوا الله‬
‫ب عمر‬ ‫قِبل بقلبه ‪ ،‬وأن يتوب الله عليه )‪ .(8‬فلما بلغ الرجل كتا ُ‬ ‫لخيكم أن ي ُ ْ‬
‫جعل يقرؤه ويردده ‪ ،‬ويقول ‪ :‬غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ‪ ،‬قد‬
‫حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي‪.‬‬
‫ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث جعفر بن برقان ‪ ،‬وزاد ‪" :‬فلم يزل ي َُرّددها‬
‫على نفسه ‪ ،‬ثم بكى ثم نزع فأحسن النزع فلما بلغ عمر ]رضي الله عنه[ )‬
‫‪ (9‬خبره ُ قال ‪ :‬هكذا فاصنعوا ‪ ،‬إذا رأيتم أخاكم زل زّلة فسددوه ووفقوه ‪،‬‬
‫وادعوا الله له أن يتوب عليه ‪ ،‬ول تكونوا أعواًنا للشيطان عليه )‪.(10‬‬
‫شّبة )‪ ، (11‬حدثنا حماد بن واقد ‪ -‬أبو‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمر بن َ‬
‫مر الصفار ‪ ، -‬حدثنا ثابت البناني ‪ ،‬قال ‪ :‬كنت مع مصعب بن الزبير في‬ ‫عُ َ‬
‫سواد الكوفة ‪ ،‬فدخلت حائطا أصلي ركعتين فافتتحت ‪ } :‬حم { المؤمن ‪،‬‬ ‫ً‬
‫صيُر { فإذا رجل خلفي على بغلة شهباء‬ ‫م ِ‬ ‫ه ِإل هُوَ إ ِل َي ْهِ ال ْ َ‬ ‫حتى بلغت ‪ } :‬ل إ ِل َ َ‬
‫ب { فقل ‪" :‬يا غافر‬ ‫غافِرِ الذ ّن ْ ِ‬ ‫طعات يمنية فقال ‪ :‬إذا قلت ‪َ } :‬‬ ‫ق ّ‬ ‫م َ‬
‫عليه ُ‬
‫الذنب ‪ ،‬اغفر لي ذنبي"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي الصل ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(24/27‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وروى أيضا بإسناده عن يزيد بن الصم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬أن يقبل بقلبه ويتوب عليه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬حلية الولياء )‪.(4/97‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬ابن أبي شيبة"‪.‬‬

‫) ‪(7/128‬‬

‫م ِفي ال ْب َِلد ِ )‪ (4‬ك َذ ّب َ ْ‬


‫ت‬ ‫قل ّب ُهُ ْ‬
‫ك تَ َ‬‫فُروا فََل ي َغُْرْر َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫َ‬ ‫ت الل ّهِ إ ِّل ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫ل ِفي آ ََيا ِ‬ ‫جادِ ُ‬‫ما ي ُ َ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خ ُ‬
‫ذوهُ‬ ‫م ل ِي َأ ُ‬
‫سول ِهِ ْ‬‫مةٍ ب َِر ُ‬ ‫ّ‬
‫ت كل أ ّ‬ ‫م ْ‬‫م وَهَ ّ‬
‫ن ب َعْدِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حَزا ُ‬ ‫م ُنوٍح َوال ْ‬ ‫م قوْ ُ‬ ‫قَب ْلهُ ْ‬
‫َ‬
‫ب )‪ (5‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫قا ِ‬
‫ع َ‬
‫ن ِ‬ ‫ف َ‬
‫كا َ‬ ‫م فَك َي ْ َ‬‫خذ ْت ُهُ ْ‬‫حقّ فَأ َ‬ ‫ضوا ب ِهِ ال ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫جاد َُلوا ِبال َْباط ِ ِ‬
‫ل ل ِي ُد ْ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ب الّنارِ )‪(6‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حا ُ‬
‫ص َ‬‫مأ ْ‬ ‫فُروا أن ّهُ ْ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫ة َرب ّك عَلى ال ِ‬ ‫م ُ‬‫ت كل ِ َ‬‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬‫َ‬

‫ب { ‪ ،‬فقل ‪" :‬يا قابل التوب ‪ ،‬اقبل توبتي"‪ .‬وإذا‬ ‫ل الت ّوْ ِ‬ ‫وإذا قلت ‪ } :‬وََقاب ِ ِ‬
‫ب { ‪ ،‬فقل ‪" :‬يا شديد العقاب ‪ ،‬ل تعاقبني"‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫قلت ‪َ } :‬‬
‫مّر بكم رجل عليه‬ ‫دا ‪ ،‬فخرجت إلى الباب فقلت ‪َ :‬‬ ‫فالتفت فلم أر أح ً‬
‫دا فكانوا ي َُرون أنه إلياس‪.‬‬ ‫مقطعات يمنية ؟ قالوا ‪ :‬ما رأينا أح ً‬
‫ثم رواه من طريق أخرى ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬بنحوه‪ .‬وليس فيه ذكر إلياس‪.‬‬
‫م ِفي ال ِْبلد ِ )‪(4‬‬ ‫قل ّب ُهُ ْ‬‫ك تَ َ‬ ‫فُروا َفل ي َغُْرْر َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ت الل ّهِ ِإل ال ّ ِ‬ ‫ل ِفي آَيا ِ‬ ‫جادِ ُ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫} َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذوهُ‬ ‫خ ُ‬‫م ل ِي َأ ُ‬ ‫سول ِهِ ْ‬ ‫مةٍ ب َِر ُ‬ ‫ت كل أ ّ‬ ‫ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَهَ ّ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫حَزا ُ‬ ‫م ُنوٍح َوال ْ‬ ‫م قو ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ت قب ْلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬
‫ب )‪ (5‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫م فَك َي ْ َ‬ ‫خذ ْت ُهُ ْ‬ ‫حقّ فَأ َ‬ ‫ضوا ب ِهِ ال ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل ل ِي ُد ْ ِ‬ ‫جاد َُلوا ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب الّنارِ )‪{ (6‬‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫فُروا أن ّهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ك عََلى ال ّ ِ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ما يدفع الحق ويجادل فيه بعد البيان وظهور البرهان } ِإل‬
‫ك‬‫فُروا { أي ‪ :‬الجاحدون ليات الله وحججه وبراهينه ‪َ } ،‬فل ي َغُْرْر َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ك‬‫م ِفي الِبلد ِ { أي ‪ :‬في أموالهم ونعيمها وزهرتها ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ل ي َغُّرن ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫قلب ُهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫تَ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مَهاد ُ { ] آل‬ ‫س ال ِ‬ ‫م وَب ِئ ْ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ثُ ّ‬‫مَتاع ٌ قَِلي ٌ‬ ‫فُروا ِفي الِبلِد‪َ .‬‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫قل ُ‬ ‫تَ َ‬
‫ب‬
‫ذا ٍ‬ ‫م إ ِلى عَ َ‬ ‫َ‬ ‫ضطّرهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫م قَِليل ث ُ ّ‬ ‫مت ّعُهُ ْ‬ ‫عمران ‪ ، [197 ، 196 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ن ُ َ‬
‫ظ { ] لقمان ‪.[24 :‬‬ ‫غَِلي ٍ‬
‫ثم قال تعالى مسلًيا لنبيه )‪ (1‬محمد صلى الله عليه وسلم في تكذيب من‬
‫كذبه من قومه ‪ ،‬بأن له أسوة من سلف من النبياء ؛ فإنه قد كذبهم )‪(2‬‬
‫َ‬
‫ت قَب ْلهُ ْ‬
‫م‬ ‫أممهم وخالفوهم ‪ ،‬وما آمن بهم منهم إل قليل )‪ ، (3‬فقال ‪ } :‬ك َذ ّب َ ْ‬
‫ب‬‫حَزا ُ‬ ‫م ُنوٍح { وهو أول رسول ب ََعثه الله ينهى عن عبادة الوثان ‪َ } ،‬وال ْ‬ ‫قَوْ ُ‬
‫ذوه ُ { أي ‪:‬‬ ‫خ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت كُ ّ‬
‫م ل ِي َأ ُ‬‫سول ِهِ ْ‬ ‫مةٍ ب َِر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م { أي ‪ :‬من كل أمة ‪ } ،‬وَهَ ّ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫جاد َلوا‬ ‫حرصوا على قتله بكل ممكن ‪ ،‬ومنهم من قتل رسوله )‪ } ، (4‬وَ َ‬
‫حُلوا بالشبهة )‪ (5‬ليردوا الحق الواضح‬ ‫ما َ‬ ‫حقّ { أي ‪َ :‬‬ ‫ضوا ب ِهِ ال ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل ل ِي ُد ْ ِ‬ ‫ِبال َْباط ِ ِ‬
‫الجلي‪.‬‬
‫وقد قال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا علي بن عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا عارم أبو‬
‫حَنش ‪ ،‬عن‬ ‫مر ابن سليمان قال ‪ :‬سمعت أبي يحدث عن َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫النعمان ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس )‪] (6‬رضي الله عنه[ )‪ ، (7‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫قا ‪ ،‬فقد برئت منه ذمة الله‬ ‫وسلم قال ‪" :‬من أعان باطل ليدحض بباطله ح ّ‬
‫وذمة رسوله" )‪.(8‬‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬أهلكتهم على ما صنعوا من هذه الثام والذنوب‬ ‫خذ ْت ُهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأ َ‬
‫ب { أي ‪ :‬فكيف بلغك عذابي لهم ‪ ،‬ونكالي بهم ؟‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫العظام ‪ } ،‬فَك َي ْ َ‬
‫ما‪.‬‬ ‫دا موجًعا مؤل ً‬ ‫قد كان شدي ً‬
‫دا‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬كان والله شدي ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬لرسوله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬كذبتهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬القليل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬رسولهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما جاءوا به من الشبهة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وقد روى الطبراني بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬المعجم الكبير )‪ (11/215‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (4/100‬من‬
‫طريق علي بن عبد العزيز به موقوفا وقال ‪" :‬صحيح السناد" وتعقبه الذهبي‬
‫بقوله ‪" :‬فيه حنش الرحبي وهو ضعيف"‪.‬‬

‫) ‪(7/129‬‬

‫ه‬
‫ن بِ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م وَي ُؤْ ِ‬ ‫مد ِ َرب ّهِ ْ‬ ‫ح ْ‬
‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫حوْل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ش وَ َ‬ ‫ن ال ْعَْر َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ح ِ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫فْر ل ِل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ن َتاُبوا‬‫ذي َ‬ ‫ما َفاغْ ِ‬ ‫عل ْ ً‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫يٍء َر ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سعْ َ‬ ‫مُنوا َرب َّنا وَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫وَي َ ْ‬
‫حيم ِ )‪(7‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ك وَقِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫سِبيل َ‬ ‫َوات ّب َُعوا َ‬
‫فروا أ َنه َ‬
‫ب الّنارِ {‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫مأ ْ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك عََلى ال ّ ِ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ة العذاب على الذين كفروا من المم السالفة ‪ ،‬كذلك‬ ‫أي ‪ :‬كما حقت كلم ُ‬
‫حقت على المكذبين من هؤلء الذين كذبوك وخالفوك يا محمد بطريق الولى‬
‫والحرى ؛ لن من كذّبك )‪ (1‬فل وثوق له بتصديق غيرك‪.‬‬
‫ه‬
‫ن بِ ِ‬‫مُنو َ‬ ‫م وَي ُؤْ ِ‬ ‫مدِ َرب ّهِ ْ‬ ‫ح ْ‬‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫حوْل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ش وَ َ‬ ‫ن ال ْعَْر َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫ن َتاُبوا‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫فْر ل ِل ِ‬ ‫ما َفاغْ ِ‬ ‫ْ‬
‫عل ً‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫يٍء َر ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سعْ َ‬ ‫مُنوا َرب َّنا وَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ل ِل ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫وَي َ ْ‬
‫حيم ِ )‪{ (7‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ال َ‬‫ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ك وَقِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫سِبيل َ‬ ‫َوات ّب َُعوا َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في س ‪" :‬كذب بك"‪.‬‬

‫) ‪(7/130‬‬

‫َ‬ ‫م َ‬ ‫َرب َّنا وَأ َد ْ ِ‬


‫م‬
‫جهِ ْ‬
‫م وَأْزَوا ِ‬
‫ن آَبائ ِهِ ْ‬
‫ح ِ ْ‬ ‫صل َ َ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫م وَ َ‬‫ن ال ِّتي وَعَد ْت َهُ ْ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬‫م َ‬ ‫خل ْهُ ْ‬
‫وذ ُريات ِهم إن َ َ‬
‫مئ ِذٍ‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫ت ي َوْ َ‬ ‫ق ال ّ‬‫ن تَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫م ال ّ‬‫م )‪ (8‬وَقِهِ ُ‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬‫ك أن ْ َ‬ ‫َ ّ ّ ِ ْ ِّ‬
‫م )‪(9‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه وَذ َل ِك هُوَ ال َ‬ ‫مت َ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫قد ْ َر ِ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫} َرب َّنا وَأ َد ْ ِ‬
‫م‬‫جهِ ْ‬
‫م وَأْزَوا ِ‬ ‫ن آَبائ ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صل َ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن ال ِّتي وَعَد ْت َهُ ْ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خل ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫مئ ِذٍ‬
‫ت ي َوْ َ‬‫سي َّئا ِ‬
‫ق ال ّ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫م )‪ (8‬وَقِهِ ُ‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫وَذ ُّرّيات ِهِ ْ‬
‫م )‪{ (9‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه وَذ َل ِك هُوَ ال َ‬ ‫مت َ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫قد ْ َر ِ‬ ‫فَ َ‬
‫ملة العرش الربعة ‪ ،‬ومن حوله من‬ ‫ح َ‬‫يخبر تعالى عن الملئكة المقربين من َ‬
‫الكروبيين ‪ ،‬بأنهم يسبحون بحمد ربهم ‪ ،‬أي ‪ :‬يقرنون بين التسبيح الدال على‬
‫ن ب ِهِ { أي‬ ‫مُنو َ‬ ‫نفي النقائص ‪ ،‬والتحميد المقتضي لثبات صفات المدح ‪ } ،‬وَي ُؤْ ِ‬
‫مُنوا { أي ‪ :‬من‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫‪ :‬خاشعون له أذلء بين يديه ‪ ،‬وأنهم } ي َ ْ‬
‫أهل الرض ممن آمن بالغيب ‪ ،‬فقيض الله سبحانه ملئكته المقربين أن‬
‫عوا للمؤمنين بظهر الغيب ‪ ،‬ولما كان هذا من سجايا الملئكة عليهم الصلة‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫منون على دعاء المؤمن لخيه بظهر الغيب ‪ ،‬كما ثبت في‬ ‫والسلم ‪ ،‬كانوا ُيؤ ّ‬
‫صحيح مسلم ‪" :‬إذا دعا المسلم لخيه بظهر الغيب قال الملك ‪ :‬آمين ولك‬
‫بمثله" )‪.(1‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الله بن محمد ‪ -‬هو ابن أبي شيبة ‪ -‬حدثنا‬
‫عبدة بن سليمان ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يعقوب بن عتبة ‪ ،‬عن عكرمة‬
‫عن ابن عباس )‪] (2‬رضي الله عنه[ )‪ (3‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫دق أمية في شيء من شعره ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫ص ّ‬ ‫وسلم َ‬
‫د‪...‬‬ ‫ص ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫ث ُ‬ ‫َ‬
‫خَرى وَلي ْ ٌ‬ ‫سُر لل ْ‬ ‫جل َيمينه‪َ ...‬والن ّ ْ‬ ‫ت رِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ل وََثور ت َ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬صدق"‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫ح َلوُنها ي َت َوَّرُد‪...‬‬‫صب ُ‬‫مراُء ي ُ ْ‬
‫ح ْ‬ ‫َوالشمس َتطلعُ كل آخر ل َْيل ٍ‬
‫ة‪َ ...‬‬
‫د‪...‬‬ ‫سلها‪ ...‬إل معَذ َّبة َوإل ت ُ ْ‬
‫جل َ‬ ‫َتأَبى َفما َتطُلع ل ََنا في رِ ْ‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬صدق" )‪.(4‬‬
‫وهذا إسناد جيد ‪ :‬وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة ‪ ،‬فإذا كان يوم‬
‫القيامة كانوا ثمانية ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪ (2732‬من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وقد روى المام أحمد بإسناده عن ابن عباس"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (1/256‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (8/127‬رجاله ثقات إل‬
‫أن ابن إسحاق مدلس"‪.‬‬

‫) ‪(7/130‬‬

‫ة { ]الحاقة ‪.[17 :‬‬ ‫مان ِي َ ٌ‬ ‫مئ ِذ ٍ ث َ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫ك فَوْقَهُ ْ‬ ‫ش َرب ّ َ‬‫ل عَْر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬
‫كما قال تعالى ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫وهنا سؤال وهو أن يقال ‪ :‬ما الجمع بين المفهوم من هذه الية ‪ ،‬ودللة هذا‬
‫الحديث ؟ وبين الحديث الذي رواه أبو داود ‪:‬‬
‫سماك ‪ ،‬عن‬ ‫حدثنا محمد بن الصباح البزار ‪ ،‬حدثنا الوليد بن أبي ثور ‪ ،‬عن ِ‬
‫ميرة )‪ ، (1‬عن الحنف بن قيس ‪ ،‬عن العباس بن عبد المطلب‬ ‫عبد الله بن عَ ِ‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬كنت بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فمرت بهم سحابة ‪ ،‬فنظر إليها فقال ‪" :‬ما تسمون هذه ؟" قالوا ‪ :‬السحاب‪.‬‬
‫قال ‪" :‬والمزن ؟" قالوا ‪ :‬والمزن‪ .‬قال ‪" :‬والعََنان ؟" قالوا ‪ :‬والعنان ‪ -‬قال‬
‫دا ‪ -‬قال ‪" :‬هل تدرون ب ُعْد َ ما بين السماء‬ ‫أبو داود ‪ :‬ولم أتقن العنان جي ً‬
‫والرض ؟" قالوا ‪ :‬ل ندري‪ .‬قال ‪ُ" :‬بعد ما بينهما إما واحدة ‪ ،‬أو اثنتان ‪ ،‬أو‬
‫ثلث )‪ (2‬وسبعون سنة ‪ ،‬ثم السماء فوقها كذلك" حتى عَد ّ سبع سموات "ثم‬
‫فوق السماء السابعة بحر )‪ ، (3‬بين )‪ (4‬أسفله وأعله مثل ما بين سماء إلى‬
‫عال ‪ ،‬بين أظلفهن وُركبهن مثل ما بين سماء‬ ‫سماء ‪ ،‬ثم فوق ذلك ثمانية أوْ َ‬
‫إلى سماء ‪ ،‬ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعله مثل ما بين سماء‬
‫إلى سماء ‪ ،‬ثم الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فوق ذلك" ثم رواه أبو داود والترمذي وابن‬
‫ماجه ‪ ،‬من حديث سماك بن حرب ‪ ،‬به )‪ .(5‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫شب ‪ :‬حملة‬ ‫حو ْ َ‬ ‫شْهر بن َ‬ ‫وهذا يقتضي أن حملة العرش ثمانية ‪ ،‬كما قال َ‬
‫العرش ثمانية ‪ ،‬أربعة يقولون ‪" :‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬لك الحمد على‬
‫حلمك بعد علمك"‪ .‬وأربعة يقولون ‪" :‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬لك الحمد‬
‫على عفوك بعد قدرتك"‪.‬‬
‫ة‬
‫م ً‬
‫ح َ‬‫يٍء َر ْ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سعْ َ‬ ‫ولهذا يقولون إذا استغفروا )‪ (6‬للذين آمنوا ‪َ } :‬رب َّنا وَ ِ‬
‫سع ذنوبهم وخطاياهم ‪ ،‬وعلمك محيط بجميع‬ ‫ما { أي ‪ :‬إن رحمتك ت َ َ‬ ‫عل ْ ً‬‫وَ ِ‬
‫ن َتاُبوا َوات ّب َُعوا‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫فْر ل ِل ِ‬ ‫أعمالهم ]وأقوالهم[ )‪ (7‬وحركاتهم وسكناتهم ‪َ } ،‬فاغْ ِ‬
‫ك { أي ‪ :‬فاصفح عن المسيئين )‪ (8‬إذا تابوا وأنابوا وأقلعوا عما كانوا‬ ‫سِبيل َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫فيه ‪ ،‬واتبعوا ما أمرتهم به ‪ ،‬من فعل الخيرات وترك المنكرات ‪ } ،‬وَقِهِ ْ‬
‫حيم ِ { أي ‪ :‬وزحزحهم عن عذاب الجحيم ‪ ،‬وهو العذاب الموجع‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬
‫الليم )‪.(9‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫} َرب َّنا وَأ َد ْ ِ‬
‫جهِ ْ‬ ‫م وَأْزَوا ِ‬ ‫ن آَبائ ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م وَ َ‬‫ن الِتي وَعَد ْت َهُ ْ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬
‫م َ‬‫خلهُ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬اجمع بينهم وبينهم ‪ ،‬لتقر بذلك أعينهم بالجتماع في منازل‬ ‫وَذ ُّرّيات ِهِ ْ‬
‫ن‬
‫ما ٍ‬ ‫م ذ ُّري ّت ُهُ ْ‬
‫م ب ِِإي َ‬ ‫مُنوا َوات ّب َعَت ْهُ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫متجاورة ‪ ،‬كما قال ]تعالى[ )‪َ } (10‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يٍء { ]الطور ‪ (11) [21 :‬أي‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬‫مل ِهِ ْ‬ ‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬‫ما أل َت َْناهُ ْ‬ ‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫قَنا ب ِهِ ْ‬ ‫أل ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫‪ :‬ساوينا بين الكل في المنزلة ‪ ،‬لتقر أعينهم ‪ ،‬وما نقصنا العالي حتى يساوي‬
‫الداني ‪ ،‬بل رفعنا الناقص في العمل )‪ ، (12‬فساويناه بكثير العمل ‪ ،‬تفضل‬
‫منا ومنة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ :‬عمرة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬أو اثنين أو ثلثة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ثم فوق السماء بحرا" وفي س ‪" :‬ثم فوق السابعة بحر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬بحر ما بين"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود برقم )‪ (4725 - 4723‬وسنن الترمذي برقم )‪(3320‬‬
‫وسنن ابن ماجه برقم )‪.(193‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬استغفروا للمؤمنين"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬المسلمين"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬المؤلم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬في س ‪" :‬واتبعتهم ذريتهم"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رفعنا ناقص العمل"‪.‬‬

‫) ‪(7/131‬‬

‫ن إ َِلى‬ ‫م إ ِذ ْ ت ُد ْعَوْ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م أ َن ْ ُ‬


‫قت ِك ُ ْ‬‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ت الل ّهِ أك ْب َُر ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬‫ن لَ َ‬ ‫فُروا ي َُناد َوْ َ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن َفاعْت ََرفَْنا ب ِذ ُُنوب َِنا‬ ‫حي َي ْت ََنا اث ْن َت َي ْ ِ‬‫ن وَأ ْ‬ ‫مت َّنا ا َث ْن َت َي ْ ِ‬ ‫ن )‪َ (10‬قالوا َرب َّنا أ َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ْ‬
‫ن فَت َك ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫اِْ‬
‫ن‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫حد َهُ ك َ َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ه إ َِذا د ُ ِ‬ ‫م ب ِأن ّ ُ‬ ‫ل )‪ (11‬ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خُروٍج ِ‬ ‫ل إ َِلى ُ‬ ‫فَهَ ْ‬
‫ل‬‫م آَيات ِهِ وَي ُن َّز ُ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا َفال ُ‬ ‫ْ‬
‫شَرك ب ِهِ ت ُؤْ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ريك ْ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬ ‫ي الكِبيرِ )‪ (12‬هُوَ ال ِ‬ ‫م ل ِلهِ العَل ِ ّ‬ ‫حك ُ‬
‫هَ‬
‫نل ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫عوا الل َ‬ ‫ب )‪َ (13‬فاد ْ ُ‬ ‫ن ي ُِني ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما ي َت َذ َكُر إ ِل َ‬ ‫ماِء رِْزًقا وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ن وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ال ّ‬

‫قال سعيد بن جبير ‪ :‬إن المؤمن إذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه ‪،‬‬
‫وأين هم ؟ فيقال ‪ :‬إنهم لم يبلغوا طبقتك )‪ (1‬في العمل فيقول ‪ :‬إني إنما‬
‫ن به في الدرجة ‪ ،‬ثم تل سعيد بن جبير هذه الية ‪} :‬‬ ‫قو َ‬ ‫ح ُ‬‫عملت لي ولهم‪ .‬فَُيل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َرب َّنا وَأ َد ْ ِ‬
‫م‬
‫جهِ ْ‬‫م وَأْزَوا ِ‬
‫ن آَبائ ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م وَ َ‬ ‫ن الِتي وَعَد ْت َهُ ْ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬‫م َ‬ ‫خل ْهُ ْ‬
‫وذ ُريات ِهم إن َ َ‬
‫م {‪.‬‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫َ ّ ّ ِ ْ ِّ‬
‫ة ‪ ،‬ثم‬‫ح عباد ِ الله للمؤمنين الملئك ُ‬ ‫خير ‪ :‬أنص ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫مطّرف بن عبد الله بن ال ّ‬ ‫قال ُ‬
‫ش عباد الله‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م { وأغ ّ‬ ‫ن الِتي وَعَد ْت َهُ ْ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خلهُ ْ‬ ‫تل هذه الية ‪َ } :‬رب َّنا وَأد ْ ِ‬
‫ن‪.‬‬‫للمؤمنين الشياطي ُ‬
‫م { أي ‪ :‬الذي ل يمانع ول يغالب ‪ ،‬وما شاء‬ ‫كي‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ز‬ ‫ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إن َ َ‬
‫َ ِ ُ‬ ‫ت َ ِ ُ‬
‫زي‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ِّ‬
‫كان وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬الحكيم في أقوالك وأفعالك ‪ ،‬من شرعك وقدرك )‬
‫‪(2‬‬
‫ق‬
‫ن تَ ِ‬‫م ْ‬‫ت { أي ‪ :‬فعلها أو َوبالها ممن وقعت منه ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫} وَقِهِ ُ‬
‫ه { أي ‪ :‬لطفت به ونجيته‬ ‫مت َ ُ‬‫ح ْ‬ ‫قد ْ َر ِ‬ ‫مئ ِذ ٍ { أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ } ،‬فَ َ‬ ‫ت ي َوْ َ‬ ‫سي َّئا ِ‬‫ال ّ‬
‫م {‪.‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ْ‬
‫ك هُوَ ال َ‬ ‫من العقوبة ‪ } ،‬وَذ َل ِ َ‬
‫ن إ َِلى‬ ‫م إ ِذ ْ ت ُد ْعَوْ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬‫م أ َن ْ ُ‬ ‫قت ِك ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ت الل ّهِ أك ْب َُر ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن لَ َ‬
‫م ْ‬ ‫فُروا ي َُناد َوْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ْ‬
‫ن فاعْت ََرفَنا ب ِذ ُُنوب َِنا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حي َي ْت ََنا اثن َت َي ْ ِ‬ ‫ن وَأ ْ‬ ‫مت َّنا ا َثن َت َي ْ ِ‬ ‫ن )‪ (10‬قالوا َرب َّنا أ َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ن فت َك ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫الي َ‬
‫ن‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫حد َهُ ك َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِذا د ُ ِ‬ ‫م ب ِأن ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل )‪ (11‬ذل ِك ْ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خُروٍج ِ‬ ‫ل إ ِلى ُ‬‫َ‬ ‫فَهَ ْ‬
‫ل‬‫م آَيات ِهِ وَُينز ُ‬ ‫ريك ُ ْ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬ ‫ي ال ْك َِبيرِ )‪ (12‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫م ل ِل ّهِ ال ْعَل ِ ّ‬ ‫حك ْ ُ‬‫مُنوا َفال ْ ُ‬ ‫ك ب ِهِ ت ُؤْ ِ‬ ‫شَر ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫عوا الل ّ َ‬ ‫ب )‪َ (13‬فاد ْ ُ‬ ‫ن ي ُِني ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ي َت َذ َك ُّر ِإل َ‬ ‫ماِء رِْزًقا وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ن )‪{ (14‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ن وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ال ّ‬
‫مرات‬ ‫يقول تعالى مخبًرا عن الكفار ‪ :‬أنهم ي َُناَدون يوم القيامة وهم في غَ َ‬
‫النيران يتلظون ‪ ،‬وذلك عندما )‪ (3‬باشروا من عذاب الله ما ل قَِبل لحد به ‪،‬‬
‫فمقتوا عند ذلك أنفسهم وأبغضوها غاية البغض ‪ ،‬بسبب ما أسلفوا )‪ (4‬من‬
‫العمال السيئة ‪ ،‬التي كانت سبب دخولهم إلى النار ‪ ،‬فأخبرتهم الملئكة عند‬
‫ذلك إخبارا عاليا ‪ ،‬نادوهم ]به[ )‪ (5‬نداء بأن مقت الله لهم في الدنيا حين كان‬
‫ُيعرض عليهم اليمان ‪ ،‬فيكفرون ‪ ،‬أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم‬
‫اليوم في هذه الحالة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلى‬ ‫م إ ِذ ْ ت ُد ْعَوْ َ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫قت ِك ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت اللهِ أكب َُر ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قال قتادة في قوله ‪ } :‬ل َ‬
‫عرض عليهم اليمان‬ ‫ت الله أهل الضللة حين ُ‬ ‫ن { يقول ‪ :‬لمق ُ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ن فَت َك ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫الي َ‬
‫في الدنيا ‪ ،‬فتركوه وأبوا أن يقبلوه ‪ ،‬أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا‬
‫عذاب الله يوم القيامة )‪.(6‬‬
‫مداني ‪،‬‬ ‫وهكذا قال الحسن البصري ومجاهد والسدي وذ َّر بن عبد الله )‪ (7‬الهَ ْ‬
‫وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وابن جرير الطبري ‪ ،‬رحمهم الله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬رقبتك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وقدرتك"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬بعدما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬أسلفوه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬عذاب الله في يوم القيامة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في س ‪" :‬عبيد الله"‪.‬‬

‫) ‪(7/132‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { قال الثوري ‪ ،‬عن أبي )‪(1‬‬ ‫حي َي ْت ََنا اث ْن َت َي ْ ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬قاُلوا َرب َّنا أ َ‬
‫مت َّنا اث ْن َت َي ْ ِ‬
‫ن وَأ ْ‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن ابن مسعود ]رضي الله عنه[ )‪ : (2‬هذه الية‬
‫َ‬ ‫فرون بالل ّه وك ُنت َ‬
‫ميت ُك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫م يُ ِ‬ ‫حَياك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫واًتا فَأ ْ‬
‫م َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ف ت َك ْ ُ ُ َ ِ ِ َ ْ ُ ْ‬ ‫كقوله تعالى ‪ } :‬ك َي ْ َ‬
‫ن { ]البقرة ‪ [28 :‬وكذا قال ابن عباس ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫حِييك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫يُ ْ‬
‫وقتادة ‪ ،‬وأبو مالك‪ .‬وهذا هو الصواب الذي ل شك فيه ول مرية‪.‬‬
‫دي ‪ُ :‬أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا ‪ ،‬ثم أميتوا ثم‬ ‫س ّ‬‫وقال ال ّ‬
‫أحيوا يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم ‪ ،‬ثم خلقهم في‬
‫الرحام ثم أماتهم ]ثم أحياهم[ )‪ (3‬يوم القيامة‪.‬‬
‫وهذان القولن ‪ -‬من السدي وابن زيد ‪ -‬ضعيفان ؛ لنه يلزمهما على ما قال‬
‫ثلث إحياءات وإماتات‪ .‬والصحيح قول ابن مسعود وابن عباس ومن تابعهما‪.‬‬
‫والمقصود من هذا كله ‪ :‬أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدي‬
‫ن‬
‫مو َ‬
‫جرِ ُ‬‫م ْ‬‫الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬في عرصات القيامة ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَل َوْ ت ََرى إ ِذِ ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫حا إ ِّنا‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫جعَْنا ن َعْ َ‬ ‫معَْنا َفاْر ِ‬ ‫س ِ‬ ‫صْرَنا وَ َ‬ ‫م َرب َّنا أب ْ َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫سو ُرُءو ِ‬ ‫َناك ِ ُ‬
‫ن { ]السجدة ‪ ، [12 :‬فل يجابون‪ .‬ثم إذا رأوا النار وعاينوها ووقفوا‬ ‫موقُِنو َ‬ ‫ُ‬
‫عليها ‪ ،‬ونظروا إلى ما فيها من العذاب والّنكال ‪ ،‬سألوا الرجعة أشد مما‬
‫فوا عََلى الّناِر‬ ‫سألوا أول مرة ‪ ،‬فل يجابون ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ وُقِ ُ‬
‫ما‬
‫م َ‬ ‫دا ل َهُ ْ‬ ‫ل بَ َ‬‫ن بَ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ت َرب َّنا وَن َ ُ‬ ‫ب ِبآَيا ِ‬ ‫قاُلوا َيا ل َي ْت ََنا ن َُرد ّ َول ن ُك َذ ّ َ‬ ‫فَ َ‬
‫كاذُِبون { ]النعام ‪:‬‬ ‫م لَ َ‬ ‫ه وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ما ن ُُهوا عَن ْ ُ‬ ‫ل وَل َوْ ُرّدوا ل ََعاُدوا ل ِ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫سيسها ومقامعها وأغللها ‪ ،‬كان‬ ‫ح ِ‬ ‫سها و َ‬ ‫م ّ‬ ‫‪ [28 ، 27‬فإذا دخلوا النار وذاقوا َ‬
‫ل‬‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬
‫جَنا ن َعْ َ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ن ِفيَها َرب َّنا أ ْ‬ ‫خو َ‬ ‫صطرِ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ؤالهم للرجعة أشد وأعظم ‪ } ،‬وَهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ذيُر‬
‫م الن ّ ِ‬ ‫جاَءك ُ ُ‬ ‫ن ت َذ َك َّر وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ي َت َذ َك ُّر ِفيهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫مْرك ُ ْ‬ ‫م ن ُعَ ّ‬ ‫ل أوَل ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ذي ك ُّنا ن َعْ َ‬ ‫حا غَي َْر ال ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫من َْها فَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫صيرٍ { ]فاطر ‪َ } ، [37 :‬رب َّنا أ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مي‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ظا‬ ‫لل‬‫ِ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ذو‬‫ُ‬ ‫فَ‬
‫ن { ]المؤمنون ‪، 107 :‬‬ ‫مو ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سُئوا ِفيَها َول ت ُكل ُ‬ ‫خ َ‬ ‫لا ْ‬ ‫ن‪َ .‬قا َ‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫عُد َْنا فَإ ِّنا ظال ِ ُ‬
‫‪ ، [108‬وفي هذه الية الكريمة تلطفوا في السؤال ‪ ،‬وقدموا بين يدي كلمهم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬قدرتك‬ ‫حي َي ْت ََنا اث ْن َت َي ْ ِ‬ ‫ن وَأ ْ‬ ‫مت َّنا اث ْن َت َي ْ ِ‬ ‫دمة ‪ ،‬وهي قولهم ‪َ } :‬رب َّنا أ َ‬ ‫مق ّ‬ ‫ُ‬
‫عظيمة ‪ ،‬فإنك أحييتنا بعد ما كنا أمواتا ‪ ،‬ثم أمتنا ثم أحييتنا ‪ ،‬فأنت قادر على‬
‫ما تشاء ‪ ،‬وقد اعترفنا بذنوبنا ‪ ،‬وإننا كنا ظالمين لنفسنا في الدار الدنيا ‪،‬‬
‫ل { أي فهل أنت مجيبنا إلى أن تعيدنا إلى الدار‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خُروٍج ِ‬ ‫ل إ َِلى ُ‬ ‫} فَهَ ْ‬
‫الدنيا ؟ فإنك قادر على ذلك ؛ لنعمل غير الذي كنا نعمل ‪ ،‬فإن عدنا إلى ما‬
‫جيُبوا أل سبيل إلى عودكم ومرجعكم إلى الدار الدنيا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫كنا فيه فإنا ظالمون‪ .‬فأ ِ‬
‫حده‬ ‫ج َ‬ ‫ثم علل المنع من ذلك بأن سجاياكم ل تقبل الحق ول تقتضيه بل ت َ ْ‬
‫َ‬
‫شَر ْ‬
‫ك‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫حد َه ُ ك َ َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ه إ َِذا د ُ ِ‬ ‫م ب ِأن ّ ُ‬ ‫وتنفيه ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ذ َل ِك ُ ْ‬
‫مُنوا { أي ‪ :‬أنتم هكذا تكونون ‪ ،‬وإن رددتم إلى الدنيا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫ب ِهِ ت ُؤْ ِ‬
‫ن { ]النعام ‪.[28 :‬‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫مل َ‬ ‫َ‬ ‫ه وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ما ن ُُهوا عَن ْ ُ‬ ‫} وَل َوْ ُرّدوا لَعاُدوا ل ِ َ‬
‫َ‬
‫ي ال ْك َِبيرِ { أي ‪ :‬هو الحاكم في خلقه ‪ ،‬العادل‬ ‫م ل ِل ّهِ ال ْعَل ِ ّ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فال ْ ُ‬
‫الذي ل يجور ‪ ،‬فيهدي من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/133‬‬

‫يشاء ‪ ،‬ويضل من يشاء ‪ ،‬ويرحم من يشاء ‪ ،‬ويعذب من يشاء ‪ ،‬ل إله إل هو‪.‬‬
‫م آَيات ِهِ { أي ‪ :‬يظهر قدرته لخلقه )‪ (1‬بما يشاهدونه‬ ‫ريك ُ ْ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫في خلقه العلوي والسفلي من اليات العظيمة الدالة على كمال خالقها‬
‫ماِء رِْزًقا { ‪ ،‬وهو المطر الذي يخرج‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫ومبدعها ومنشئها ‪ } ،‬وَُينز ُ‬
‫به من الزروع والثمار ما هو مشاهد بالحس ‪ ،‬من اختلف ألوانه وطعومه ‪،‬‬
‫وروائحه وأشكاله وألوانه ‪ ،‬وهو ماء واحد ‪ ،‬فبالقدرة العظيمة فاوت بين هذه‬
‫ما ي َت َذ َك ُّر { أي ‪ :‬يعتبر ويتفكر في هذه الشياء ويستدل بها على‬ ‫الشياء ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ب { أي ‪ :‬من هو بصير منيب إلى الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬ ‫ن ي ُِني ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عظمة خالقها } ِإل َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فأخلصوا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن وَلوْ كرِهَ الكافُِرو َ‬‫دي َ‬
‫ه ال ّ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫عوا الل ّ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فاد ْ ُ‬
‫لله وحده العبادة والدعاء ‪ ،‬وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم‪.‬‬
‫قال )‪ (2‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الله بن نمير ‪ ،‬حدثنا هشام ‪ -‬يعني بن عروة‬
‫بن الزبير ‪ -‬عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن مدرس المكي قال ‪ :‬كان عبد‬
‫الله بن الزبير يقول في دبر كل صلة حين يسلم )‪ : (3‬ل إله إل الله ‪ ،‬وحده‬
‫ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير ‪ ،‬ل حول ول‬
‫قوة إل بالله ‪ ،‬ل إله إل الله ‪ ،‬ول نعبد إل إياه ‪ ،‬له النعمة وله الفضل ‪ ،‬وله‬
‫الثناء الحسن ‪ ،‬ل إله إل الله ‪ ،‬مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" قال ‪:‬‬
‫وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ي ُهَّلل بهن )‪ (4‬دبر كل صلة )‪.(5‬‬
‫ورواه مسلم وأبو داود والنسائي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن هشام بن عروة ‪ ،‬وحجاج‬
‫بن أبي عثمان ‪ ،‬وموسى بن عقبة ‪ ،‬ثلثتهم عن أبي الزبير ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫الزبير قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر الصلة ‪" :‬ل‬
‫إله إل الله وحده ل شريك له )‪ (6‬وذكر تمامه )‪.(7‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح عن ابن الزبير ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كان يقول عقب الصلوات المكتوبات ‪" :‬ل إله إل الله ‪ ،‬وحده ل شريك له ‪ ،‬له‬
‫الملك وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ .‬ل حول ول قوة إل بالله ‪ ،‬ل إله‬
‫إل الله ول نعبد إل إياه ‪ ،‬له النعمة وله الفضل ‪ ،‬وله الثناء الحسن ‪ ،‬ل إله إل‬
‫الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" )‪.(8‬‬
‫صيب بن ناصح ‪ ،‬حدثنا صالح ‪-‬‬ ‫خ ِ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الربيع حدثنا ال َ‬
‫مّري ‪ -‬عن هشام بن حسان ‪ ،‬عن ابن سيرين عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬ ‫يعني ال ِ‬
‫الله عنه ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ادعوا الله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬بخلقه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬عقب الصلوات المكتوبات"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬بهن في دبر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(4/4‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬ل شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم برقم )‪.(594‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم برقم )‪ (594‬وسنن أبي داود برقم )‪ (1506‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم )‪.(1262‬‬

‫) ‪(7/134‬‬

‫رفيع الدرجات ُذو ال ْعرش يل ْقي الروح م َ‬


‫ه‬
‫عَبادِ ِ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫مرِهِ عََلى َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ّ َ ِ ْ‬ ‫َ ْ ِ ُ ِ‬ ‫َ ِ ُ َّ َ ِ‬
‫ن‬ ‫م‬‫ل‬ ‫ٌ‬ ‫ء‬‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫َ‬
‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫فى‬
‫َ‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫زو‬‫ر‬‫با‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫و‬‫ي‬ ‫(‬‫‪15‬‬ ‫)‬ ‫ق‬‫م الت ّ َ ِ‬
‫ل‬ ‫ل ِي ُن ْذَِر ي َوْ َ‬
‫ْ ِ َ ِ‬ ‫ِ ِ ُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َ ُِ َ‬
‫حدِ ال ْ َ‬
‫قّهارِ )‪(16‬‬ ‫م ل ِل ّهِ ال ْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬‫مل ْ ُ‬
‫ال ْ ُ‬

‫وأنتم موقنون بالجابة ‪ ،‬واعلموا أن الله ل يستجيب دعاًء من قلب غافل له"‬
‫)‪.(1‬‬
‫ن يَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫عَبادِ ِ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫م ْ‬‫مرِهِ عَلى َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ح ِ‬ ‫قي الّرو َ‬ ‫ت ُذو العَْر ِ‬
‫ش ي ُل ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫} َرِفيعُ الد َّر َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ٌ‬ ‫ء‬‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫َ‬
‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫فى‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫َ ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫زو‬ ‫ر‬‫با‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫و‬‫ي‬ ‫(‬‫‪15‬‬ ‫)‬ ‫ق‬
‫م ال ّ ِ‬
‫تل‬ ‫ل ِي ُن ْذَِر ي َوْ َ‬
‫ْ ِ َ ِ‬ ‫ِ ِ ُْ ْ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َ ُِ َ‬
‫قّهارِ )‪{ (16‬‬ ‫حدِ ال ْ َ‬ ‫م ل ِل ّهِ ال ْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬‫مل ْ ُ‬
‫ال ْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3479‬عن معاوية بن صالح ورواه‬
‫الحاكم في المستدرك )‪ (1/493‬عن عفان بن مسلم وموسى ابن إسماعيل‬
‫ورواه الطبراني في كتاب الدعاء برقم )‪ (62‬عن مخلد بن خداش كلهم من‬
‫طريق صالح المري به‪ .‬قال اطبراني في المعجم الوسط ‪" :‬لم يرو هذا‬
‫الحديث عن هشام بن حسان إل صالح المري" ومداره على صالح المري وهو‬
‫متروك‪.‬‬

‫) ‪(7/135‬‬

‫ب )‪(17‬‬
‫سا ِ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ت َل ظ ُل ْ َ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫س بِ َ‬
‫ف ٍ‬ ‫جَزى ك ُ ّ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫ال ْي َوْ َ‬
‫م تُ ْ‬

‫ب)‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ت ل ظ ُل ْ َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬‫جَزى ك ُ ّ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫} ال ْي َوْ َ‬
‫‪{ (17‬‬
‫يقول تعالى ]مخبرا[ )‪ (1‬عن عظمته وكبريائه ‪ ،‬وارتفاع عرشه العظيم‬
‫ن الل ّهِ ِذي‬ ‫م َ‬ ‫العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ِ } :‬‬
‫ن أل ْ َ‬‫َ‬ ‫ح إ ِل َي ْهِ ِفي ي َوْم ٍ َ‬
‫ة‬
‫سن َ ٍ‬
‫ف َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خ ْ‬‫داُره ُ َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ة َوالّرو ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫مَعارِِج ت َعُْر ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫صب ِْر[ { ] المعارج ‪ (2) ، [4 ، 3 :‬وسيأتي بيان أن هذه مسافة ما بين‬ ‫]َفا ْ‬
‫العرش إلى الرض السابعة ‪ ،‬في قول جماعة من السلف والخلف ‪ ،‬وهو‬
‫الرجح إن شاء الله ]تعالى[ )‪ .(3‬وقد ذكر غير واحد أن العرش من ياقوتة‬
‫حمراء ‪ ،‬اتساع ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة‪ .‬وارتفاعه عن‬
‫الرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة‪ .‬وقد تقدم في حديث "الوعال" ما‬
‫يدل على ارتفاعه عن )‪ (4‬السموات السبع بشيء عظيم‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬يل ْقي الروح م َ‬
‫عَبادِهِ { كقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫مرِهِ عََلى َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ّ َ ِ ْ‬ ‫ُ ِ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ل إ ِل َ‬ ‫ن أن ْذُِروا أن ّ ُ‬ ‫عَبادِهِ أ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مرِهِ عَلى َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِبالّروِح ِ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫} ُينز ُ‬
‫ن‪.‬‬‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ه لَتنزي ُ‬ ‫َ‬ ‫ن[ { ]النحل ‪ ، (5) [2 :‬وكقوله ‪ } :‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫قو ِ‬ ‫ِإل أ ََنا ]فات ّ ُ‬
‫َ‬
‫مِبين[ {‬ ‫ي ُ‬ ‫ن عََرب ِ ّ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ن‪] .‬ب ِل ِ َ‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك ل ِت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن‪ .‬عََلى قَل ْب ِ َ‬ ‫مي ُ‬ ‫ح ال ِ‬ ‫ل ب ِهِ الّرو ُ‬ ‫نز َ‬
‫ق { قال‬ ‫م الّتل ِ‬ ‫]الشعراء ‪ (7) (6) [ 194 - 192 :‬؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل ِي ُن ْذَِر ي َوْ َ‬
‫ق { اسم من أسماء يوم‬ ‫م الّتل ِ‬ ‫علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫القيامة ‪ ،‬حذر منه عباده‪.‬‬
‫جَريج ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬يلتقي فيه آدم وآخر ولده‪.‬‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬يلتقي فيه العباد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وبلل بن سعد ‪ ،‬وسفيان بن عيينة )‪ : (8‬يلتقي فيه‬
‫أهل السماء وأهل الرض‪.‬‬
‫وقال قتادة أيضا ‪ :‬يلتقي فيه أهل السماء وأهل الرض ‪ ،‬والخالق والخلق‪.‬‬
‫مْهران ‪ :‬يلتقي ]فيه[ )‪ (9‬الظالم والمظلوم‪.‬‬ ‫مْيمون بن ِ‬ ‫وقال َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في س ‪" :‬فاعبدوه" وهو خطأ والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬إنه" وهو خطأ والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬قتادة وغيره"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫) ‪(7/135‬‬

‫ما ِلل ّ‬ ‫م اْل َزِفَةِ إ ِذِ ال ْ ُ‬ ‫َ‬


‫ميم ٍ‬‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬ ‫جرِ َ‬ ‫حَنا ِ‬‫دى ال ْ َ‬ ‫ب لَ َ‬‫قُلو ُ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫وَأن ْذِْرهُ ْ‬
‫خائ ِن َ َ ْ َ‬
‫ضي‬ ‫ق ِ‬‫ه يَ ْ‬‫دوُر )‪َ (19‬والل ّ ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬‫ما ت ُ ْ‬
‫ن وَ َ‬ ‫ة العْي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫طاع ُ )‪ (18‬ي َعْل َ ُ‬ ‫فيع ي ُ َ‬
‫ش ِ ٍ‬ ‫وََل َ‬
‫صيُر )‬ ‫ميعُ ال ْب َ ِ‬ ‫س ِ‬
‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫يٍء إ ِ ّ‬‫ش ْ‬ ‫ن بِ َ‬‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن ُدون ِهِ َل ي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫حقّ َوال ّ ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫‪(20‬‬

‫وقد يقال ‪ :‬إن يوم القيامة )‪ (1‬هو يشمل هذا كله ‪ ،‬ويشمل أن كل عامل‬
‫سيلقى ما عمل من خير وشر‪ .‬كما قاله آخرون‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ظاهرون بادون كلهم ‪ ،‬ل شيء يكنهم ول‬ ‫م َبارُِزو َ‬ ‫م هُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫فى عَلى اللهِ ِ‬ ‫َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫م َبارُِزو َ‬ ‫م هُ ْ‬ ‫يظلهم ول يسترهم‪ .‬ولهذا قال ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫يٌء { أي ‪ :‬الجميع في علمه على السواء‪.‬‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫قّهارِ { قد تقدم في حديث ابن‬ ‫ْ‬
‫حدِ ال َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ْ‬
‫م ل ِلهِ ال َ‬‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ملك الي َوْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ِ َ‬
‫عمر ‪ :‬أنه تعالى )‪ (2‬يطوي السموات والرض بيده ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬أنا الملك ‪ ،‬أنا‬
‫الجبار ‪ ،‬أنا المتكبر ‪ ،‬أين ملوك الرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟‪.‬‬
‫وفي حديث الصور ‪ :‬أنه تعالى إذا قبض أرواح جميع خلقه ‪ ،‬فلم يبق سواه‬
‫وحده ل شريك له ‪ ،‬حينئذ يقول ‪ :‬لمن الملك اليوم ؟ ثلث مرات ‪ ،‬ثم يجيب‬
‫قّهارِ { أي ‪ :‬الذي هو وحده قد قََهر كل شيء‬ ‫حدِ ال ْ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫نفسه قائل } ل ِل ّهِ ال ْ َ‬
‫وغلبه )‪.(3‬‬
‫وقد قال )‪ (4‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن غالب الدقاق ‪ ،‬حدثنا عبيد بن‬
‫ضرة ‪ ،‬عن ابن عباس ]رضي الله‬ ‫عبيدة ‪ ،‬حدثنا معتمر ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬حدثنا أبو ن َ ْ‬
‫عنهما[ )‪ (5‬قال ‪ :‬ينادي مناد بين يدي الساعة ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬أتتكم الساعة‪.‬‬
‫فيسمعها الحياء والموات ‪ ،‬قال ‪ :‬وينزل الله ]عز وجل[ )‪ (6‬إلى سماء الدنيا‬
‫قّهارِ {‪.‬‬ ‫حدِ ال ْ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م ل ِل ّهِ ال ْ َ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ويقول ‪ } :‬ل ِ َ‬
‫ع‬
‫ري ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ْ‬
‫م الي َوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ت ل ظل َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫َ‬
‫ما ك َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ُ‬
‫جَزى ك ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ال ْي َوْ َ‬
‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫م تُ ْ‬
‫ب { يخبر تعالى عن عدله في حكمه بين خلقه ‪ ،‬أنه ل يظلم مثقال‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ذرة من خير ول من شر ‪ ،‬بل يجزي بالحسنة عشر أمثالها ‪ ،‬وبالسيئة واحدة ؛‬
‫م { كما ثبت في صحيح مسلم )‪ ، (7‬عن أبي ذر ‪،‬‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬ل ظ ُل ْ َ‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فيما يحكي عن ربه عز وجل ‪ -‬أنه‬
‫قال ‪" :‬يا عبادي ‪ ،‬إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فل‬
‫تظالموا ‪ -‬إلى أن قال ‪ : -‬يا عبادي ‪ ،‬إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم )‪ (8‬ثم‬
‫أوفيكم إياها ‪ ،‬فمن وجد خيًرا فليحمد الله ‪ ،‬ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل‬
‫نفسه" )‪.(9‬‬
‫ب { أي ‪ :‬يحاسب الخلئق كلهم ‪ ،‬كما‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ِ‬‫ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫حد َةٍ {‬ ‫س َوا ِ‬ ‫م ِإل ك َن َ ْ‬ ‫م َول ب َعْث ُك ُ ْ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ف ٍ‬ ‫َ‬
‫خل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سا واحدة ‪ ،‬كما قال ‪َ } :‬‬ ‫يحاسب نف ً‬
‫صرِ {‬ ‫ْ‬
‫مٍح ِبالب َ َ‬ ‫َ‬
‫حد َة ٌ ك َل ْ‬ ‫مُرَنا ِإل َوا ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫]لقمان ‪ ، [28 :‬وقال ]تعالى[ )‪ } : (10‬وَ َ‬
‫]القمر ‪.[50 :‬‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م الزِفَةِ إ ِذِ ال ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬
‫ما ِللظال ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ كاظ ِ ِ‬ ‫حَنا ِ‬ ‫دى ال َ‬ ‫بل َ‬ ‫قلو ُ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫} وَأن ْذِْرهُ ْ‬
‫دوُر )‪َ (19‬والل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ص ُ‬‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ة العْي ُ ِ‬ ‫خائ ِن َ َ‬ ‫م َ‬ ‫طاع ُ )‪ (18‬ي َعْل َ ُ‬ ‫فيع ي ُ َ‬
‫ش ِ ٍ‬ ‫ميم ٍ َول َ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫مي ُ‬‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫يٍء إ ِ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن ُدون ِهِ ل ي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫حقّ َوال ِ‬ ‫ْ‬
‫ضي ِبال َ‬ ‫ق ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫صيُر )‪{ (20‬‬ ‫ال ْب َ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬التلق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أن الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر حديث الصور بتمامه عند تفسير الية ‪ 73 :‬من سورة النعام‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬البخاري" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬لكم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح مسلم برقم )‪.(2577‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من س‪.‬‬

‫) ‪(7/136‬‬

‫يوم الزفة هو ‪ :‬اسم من أسماء يوم القيامة ‪ ،‬سميت بذلك لقترابها ‪ ،‬كما‬
‫ن الل ّهِ َ‬ ‫َ‬
‫ة { ]النجم ‪، 57 :‬‬ ‫ف ٌ‬‫ش َ‬
‫كا ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ل ََها ِ‬ ‫ة‪ .‬ل َي ْ َ‬ ‫ت الزِفَ ُ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬أزِفَ ِ‬
‫مُر { ]القمر ‪ ، [1 :‬وقال } اقْت ََر َ‬
‫ب‬ ‫ق َ‬ ‫شقّ ال ْ َ‬ ‫ة َوان ْ َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫‪ [58‬وقال } اقْت ََرب َ ِ‬
‫جُلوه ُ {‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ست َعْ ِ‬ ‫مُر الل ّهِ َفل ت َ ْ‬ ‫م { ]النبياء ‪ [1 :‬وقال } أَتى أ ْ‬ ‫ساب ُهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫ذي‬ ‫ذا ال ِّ‬‫ل هَ َ‬‫فُروا وَِقي َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫جو‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ئ‬ ‫سي‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫وقال‬ ‫[‬ ‫‪1‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]النحل‬
‫ّ َ ْ ُ ُ ً ِ ْ ُ ُ ُ ِ َ‬
‫ن { ]الملك ‪.[27 :‬‬ ‫عو َ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ب ِهِ ت َد ّ ُ‬
‫ن { ]أي ساكتين[ )‪ ، (1‬قال قتادة ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬ ‫جرِ َ‬ ‫حَنا ِ‬ ‫دى ال ْ َ‬ ‫ب لَ َ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِذِ ال ْ ُ‬
‫وقفت القلوب في الحناجر من الخوف ‪ ،‬فل تخرج ول تعود إلى أماكنها‪ .‬وكذا‬
‫قال عكرمة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫ح‬
‫م الّرو ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬‫ن { أي ‪ :‬ساكتين ‪ ،‬ل يتكلم أحد إل بإذنه } ي َوْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬ ‫ومعنى } َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫واًبا { ]النبأ ‪.[38 :‬‬ ‫ص َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن وََقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه الّر ْ‬ ‫نل ُ‬ ‫ن أذِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫فا ل ي َت َكل ُ‬ ‫ص ّ‬‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬‫َوال ْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬باكين‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬ ‫جَرْيج )‪َ } : (2‬‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫فيٍع ي ُطاع ُ { أي ‪ :‬ليس للذين ظلموا‬ ‫َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ميم ٍ َول َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ما ِللظال ِ ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم ‪ ،‬ول شفيع يشفع فيهم ‪ ،‬بل قد‬
‫تقطعت بهم السباب من كل خير‪.‬‬
‫دوُر { يخبر تعالى عن علمه التام‬ ‫ص ُ‬ ‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬‫ما ت ُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ة العْي ُ ِ‬ ‫خائ ِن َ َ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َعْل َ ُ‬
‫المحيط بجميع الشياء ‪ ،‬جليلها وحقيرها ‪ ،‬صغيرها وكبيرها ‪ ،‬دقيقها ولطيفها ؛‬
‫قوه ُ حق تقواه ‪،‬‬ ‫حقّ الحياء ‪ ،‬وي َت ّ ُ‬ ‫ليحذر الناس علمه فيهم ‪ ،‬فيستحيوا من الله َ‬
‫ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه ‪ ،‬فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت‬
‫أمانة ‪ ،‬ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر‪.‬‬
‫دوُر { وهو‬ ‫ص ُ‬ ‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬‫ما ت ُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ة العْي ُ ِ‬ ‫خائ ِن َ َ‬ ‫م َ‬ ‫قال ابن عباس في قوله ‪ } :‬ي َعْل َ ُ‬
‫الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم ‪ ،‬وفيهم المرأة الحسناء ‪ ،‬أو تمر به وبهم‬
‫ض ‪ ،‬فإذا غفلوا لحظ ‪،‬‬ ‫المرأة الحسناء ‪ ،‬فإذا غفلوا لحظ إليها ‪ ،‬فإذا فطنوا غَ ّ‬
‫فإذا فطنوا غض ]بصره عنها[ )‪ (3‬وقد اطلع الله من قلبه أنه وَد ّ أن لو اطلع‬
‫على فرجها‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫ن { هو الغمز ‪ ،‬وقول الرجل ‪ :‬رأيت ‪ ،‬ولم ير ؛‬ ‫ة العْي ُ ِ‬ ‫خائ ِن َ َ‬ ‫وقال الضحاك ‪َ } :‬‬
‫أو ‪ :‬لم أر ‪ ،‬وقد رأى‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬يعلم ]الله[ )‪ (4‬تعالى من العين في نظرها ‪ ،‬هل تريد‬
‫الخيانة أم ل ؟ وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫دوُر { يعلم إذا أنت قدرت عليها‬ ‫ص ُ‬ ‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬‫ما ت ُ ْ‬ ‫وقال ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫هل تزني بها أم ل ؟‪.‬‬
‫دوُر { أي ‪ :‬من الوسوسة‪.‬‬
‫ص ُ‬
‫في ال ّ‬
‫خ ِ‬
‫ما ت ُ ْ‬‫وقال السدي ‪ } :‬وَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬جرير"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من س‪.‬‬

‫) ‪(7/137‬‬

‫سيُروا ِفي اْل َْر‬ ‫َ‬


‫كاُنوا‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ه ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خذ َهُ ُ‬ ‫ض فَأ َ‬ ‫م قُوّة ً وَآَثاًرا َِفي الْر ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫شد ّ ِ‬ ‫مأ َ‬ ‫هُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫خذ َهُ ُ‬ ‫فُروا فَأ َ‬ ‫َ‬
‫ت فَك َ‬ ‫م ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫سلهُ ْ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ت ت َأِتيهِ ْ‬ ‫َ‬
‫م كان َ ْ‬ ‫َ‬
‫ق )‪ (21‬ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ن َوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫الل ّهِ ِ‬
‫سل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سى ب ِآَيات َِنا وَ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سل َْنا ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫ب )‪ (22‬وَل َ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬‫ه قَوِيّ َ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫م‬
‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ب )‪ (24‬فَل َ ّ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫حٌر ك َ ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫قاُلوا َ‬ ‫ن فَ َ‬‫ن وََقاُرو َ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫‪ (23‬إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ك َي ْد ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ساَءهُ ْ‬ ‫حُيوا ن ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ه َوا ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عن ْدَِنا َقاُلوا اقْت ُُلوا أب َْناَء ال ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫حق ّ ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ل )‪(25‬‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫ن إ ِّل ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫حقّ { أي ‪ :‬يحكم بالعدل‪.‬‬ ‫ضي ِبال ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬والل ّ ُ‬


‫وقال العمش ‪ :‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ]رضي الله عنهما[ )‪(1‬‬
‫حقّ { قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة ‪،‬‬ ‫ضي ِبال ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫في قوله ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫صيُر {‪.‬‬ ‫ميعُ ال ْب َ ِ‬ ‫س ِ‬‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وبالسيئة السيئة } إ ِ ّ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫جزِيَ ال ِ‬ ‫وهذا الذي فسر به ابن عباس في هذه الية كقوله تعالى ‪ } :‬ل ِي َ ْ‬
‫أ َساُءوا بما عَمُلوا ويجزي ال ّذي َ‬
‫سَنى { ]النجم ‪ .(2) [31 :‬وقوله‬ ‫ح ْ‬ ‫سُنوا ِبال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ََ ْ ِ َ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن ُدون ِهِ { أي ‪ :‬من الصنام والوثان والنداد ‪ } ،‬ل‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫‪َ } :‬وال ِ‬
‫و‬ ‫ه‬
‫َ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫بشيء‬ ‫يحكمون‬ ‫ول‬ ‫شيئا‬ ‫يملكون‬ ‫ل‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ن ِ‬
‫ب‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫صيُر { أي ‪ :‬سميع لقوال خلقه ‪ ،‬بصير بهم ‪ ،‬فيهدي من يشاء ‪،‬‬ ‫ميعُ ال ْب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ويضل من يشاء ‪ ،‬وهو الحاكم العادل في جميع ذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫سيُروا ِفي الْر‬ ‫م يَ ِ‬ ‫} أوَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫م أَ َ‬
‫ن ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ه ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خذ َهُ ُ‬ ‫ض فَأ َ‬ ‫را ِفي الْر ِ‬ ‫م قُوّة ً َوآَثا ً‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫كاُنوا هُ ْ‬ ‫َ‬
‫فُروا‬ ‫ت فَك َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ق )‪ (21‬ذ َل ِ َ‬ ‫ّ‬
‫م ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫سلهُ ْ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ت ت َأِتيهِ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ن َوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن اللهِ ِ‬ ‫مََ‬ ‫ِ‬
‫ب )‪{ (22‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ العِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه قَوِيّ َ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫خذ َهُ ُ‬ ‫فَأ َ‬
‫ض‬
‫يقول تعالى ‪ :‬أو لم يسر هؤلء المكذبون برسالتك يا محمد } ِفي الْر ِ‬
‫م { أي ‪ :‬من المم المكذبة‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬
‫بالنبياء ‪ ،‬ما حل بهم من العذاب والنكال مع أنهم كانوا أشد من هؤلء قوة‬
‫ض { أي ‪ :‬أثروا في الرض من البنايات والمعالم والديارات ‪،‬‬ ‫} َوآَثاًرا ِفي الْر ِ‬
‫م ِفيهِ {‬ ‫ُ‬
‫مكّناك ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ما إ ِ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫مكّناهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫ما ل يقدر عليه هؤلء ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَل َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها {‬‫مُرو َ‬ ‫ما عَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ها أكثَر ِ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض وَعَ َ‬ ‫]الحقاف ‪ ، [26 :‬وقال } وَأَثاُروا الْر َ‬
‫]الروم ‪ [9 :‬أي ‪ :‬ومع هذه القوة العظيمة والبأس الشديد ‪ ،‬أخذهم الله‬
‫ق { أي ‪ :‬وما‬ ‫ن َوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫بذنوبهم ‪ ،‬وهي كفرهم برسلهم ‪ } ،‬وَ َ‬
‫دفع عنهم عذاب الله أحد ‪ ،‬ول رده عنهم راد ‪ ،‬ول وقاهم واق‪.‬‬
‫ك‬‫ثم ذكر علة أخذه إياهم وذنوبهم التي ارتكبوها واجترموها ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت { أي ‪ :‬بالدلئل الواضحات والبراهين‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل ُهُ ْ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ت ت َأِتيهِ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِأن ّهُ ْ‬
‫فُروا { أي ‪ :‬مع هذا البيان والبرهان كفروا وجحدوا ‪،‬‬ ‫القاطعات ‪ } ،‬فَك َ َ‬
‫َ‬
‫ه قَوِيّ‬ ‫مر عليهم وللكافرين أمثالها ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬ ‫ه { أي ‪ :‬أهلكهم ود ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خذ َهُ ُ‬ ‫} فَأ َ‬
‫ب{‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬‫ش ِ‬‫ب { أي ‪ :‬ذو قوة عظيمة وبطش شديد ‪ ،‬وهو } َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫َ‬
‫ش ِ‬
‫أي ‪ :‬عقابه أليم شديد وجيع‪ .‬أعاذنا الله منه‪.‬‬
‫َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫} ول َ َ َ‬
‫ن‬ ‫ما‬ ‫ها‬ ‫و‬ ‫ن‬‫و‬
‫ِ ْ َ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫ع‬ ‫ر‬‫ف‬ ‫لى‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪23‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سى ِبآَيات َِنا وَ ُ‬ ‫مو َ‬‫سل َْنا ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫عن ْدَِنا َقاُلوا اقْت ُُلوا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬
‫ّ َ ُ ْ ِ َ ّ ِ ْ ِ‬‫ل‬‫با‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬‫‪24‬‬ ‫)‬ ‫ب‬‫ٌ‬ ‫ذا‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ح‬
‫َ ِ ٌ‬ ‫سا‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫وََقا ُ َ‬
‫ن‬ ‫رو‬
‫ما ك َي ْد ُ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل)‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِإل ِفي َ‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫م وَ َ‬‫ساَءهُ ْ‬ ‫حُيوا ن ِ َ‬‫ست َ ْ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫معَ ُ‬
‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أب َْناَء ال ّ ِ‬
‫‪{ (25‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في س ‪" :‬لتجزي"‪.‬‬

‫) ‪(7/138‬‬

‫ل دينك ُ َ َ‬ ‫خا ُ َ‬ ‫ه إ ِّني أ َ َ‬ ‫ن ذ َُروِني أ َقْت ُ ْ‬


‫ن‬
‫م أوْ أ ْ‬‫ن ي ُب َد ّ َ ِ َ ْ‬
‫فأ ْ‬ ‫سى وَل ْي َد ْع ُ َرب ّ ُ‬ ‫مو َ‬‫ل ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫ن كُ ّ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫ت ب َِرّبي وََرب ّك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫سى إ ِّني عُذ ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ساد َ )‪ (26‬وََقا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ي ُظهَِر ِفي الْر ِ‬
‫ب )‪(27‬‬ ‫سا ِ‬‫ح َ‬ ‫ن ب ِي َوْم ِ ال ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫مت َك َب ّرٍ َل ي ُؤْ ِ‬
‫ُ‬

‫م أ َْو‬‫ل ِدين َك ُ ْ‬
‫ن ي ُب َد ّ َ‬ ‫خا ُ َ‬
‫فأ ْ‬ ‫ه إ ِّني أ َ َ‬
‫سى وَل ْي َد ْع ُ َرب ّ ُ‬
‫مو َ‬‫ل ُ‬ ‫ن ذ َُروِني أ َقْت ُ ْ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫} وََقا َ‬
‫ُ‬ ‫ساد َ )‪ (26‬وََقا َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ب َِرّبي وََرب ّك ْ‬ ‫سى إ ِّني عُذ ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ض ال َ‬ ‫ن ي ُظهَِر ِفي الْر ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ب )‪{ (27‬‬ ‫سا ِ‬‫ح َ‬ ‫ن ب ِي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫مت َك َب ّرٍ ل ي ُؤْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ل ُ‬‫كُ ّ‬

‫) ‪(7/138‬‬

‫يقول تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم )‪ (1‬في تكذيب من كذبه من‬
‫قومه ‪ ،‬ومبشًرا له بأن العاقبة والنصرة له في الدنيا والخرة ‪ ،‬كما جرى‬
‫لموسى بن عمران )‪ ، (2‬فإن الله تعالى أرسله باليات البينات ‪ ،‬والدلئل )‪(3‬‬
‫حجة‬ ‫ن { والسلطان هو ‪ :‬ال ُ‬ ‫سل ْ َ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫الواضحات ؛ ولهذا قال ‪ِ } :‬بآَيات َِنا وَ ُ‬
‫والبرهان‪.‬‬
‫ن { وهو ‪ :‬وزيره‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن { هو ‪ :‬ملك القبط بالديار المصرية ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫} إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫قاُلوا‬ ‫ن { وكان أكثر الناس في زمانه مال وتجارة } فَ َ‬ ‫في مملكته } وََقاُرو َ‬
‫ها كذاًبا في أن الله‬ ‫خرًِقا ممو ً‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب { أي ‪ :‬كذبوه وجعلوه ساحًرا ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫حٌر ك َ ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫تى‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫(‬ ‫‪4‬‬ ‫)‬ ‫]تعالى[‬ ‫كقوله‬ ‫وهذه‬ ‫أرسله‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫حر أ َو مجنو َ‬
‫ن { ]الذاريات‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫وا ب ِهِ ب َ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫ن أت َ َ‬ ‫سا ِ ٌ ْ َ ْ ُ ٌ‬ ‫ل ِإل َقاُلوا َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫َر ُ‬
‫‪.[53 ، 52‬‬
‫عن ْدَِنا { أي ‪ :‬بالبرهان القاطع الدال على أن الله‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫حق ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ِبال َ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫م{‬ ‫ساَءهُ ْ‬ ‫حُيوا ن ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ه َوا ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى أرسله إليهم ‪َ } ،‬قاُلوا اقْت ُُلوا أب َْناَء ال ّ ِ‬
‫وهذا أمر ثان من فرعون بقتل ذكور بني إسرائيل‪ .‬أما الول ‪ :‬فكان لجل‬
‫الحتراز من وجود موسى ‪ ،‬أو لذلل هذا الشعب وتقليل عددهم ‪ ،‬أو لمجموع‬
‫المرين‪ .‬وأما المر الثاني ‪ :‬فللعلة الثانية ‪ ،‬لهانة هذا الشعب ‪ ،‬ولكي‬
‫ْ‬
‫ن ت َأت ِي ََنا‬ ‫يتشاءموا بموسى ‪ ،‬عليه السلم ؛ ولهذا قالوا ‪ُ } :‬أوذينا من قَب َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ِ َ ِ ْ ْ ِ‬
‫ل عَسى ربك ُ َ‬
‫ض‬‫ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫م ِ‬ ‫فك ُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ك عَد ُوّك ُ ْ‬ ‫ن ي ُهْل ِ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫جئ ْت ََنا َقا َ‬ ‫ما ِ‬‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬‫وَ ِ‬
‫ن { ]العراف ‪.[129 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ف ت َعْ َ‬ ‫فَي َن ْظ َُر ك َي ْ َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬هذا أمر بعد أمر‪.‬‬
‫ل { أي ‪ :‬وما مكرهم‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِإل ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫ما ك َي ْد ُ ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫وقصدهم الذي هو تقليل عدد بني إسرائيل لئل ُينصروا عليهم ‪ ،‬إل ذاهب‬
‫وهالك في ضلل‪.‬‬
‫م من فرعون ‪-‬‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫وهذا‬ ‫{‬ ‫ه‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ني‬ ‫نذُ ِ‬
‫رو‬ ‫َ‬ ‫} وََقا َ‬
‫َ ْ ٌ‬ ‫َ َ ْ ُ َ ّ ُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬
‫لعنه الله ‪ -‬على قتل موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أي ‪ :‬قال لقومه ‪ :‬دعوني حتى‬
‫ه { أي ‪ :‬ل أبالي منه‪ .‬وهذا في غاية الجحد‬ ‫أقتل لكم هذا ‪ } ،‬وَل ْي َد ْع ُ َرب ّ ُ‬
‫والتجهرم والعناد‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ن ي ُظهَِر ِفي الْر ِ‬ ‫م أوْ أ ْ‬ ‫ل ِدين َك ُ ْ‬ ‫ن ي ُب َد ّ َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫وقوله ‪ -‬قبحه الله ‪ } : -‬إ ِّني أ َ‬
‫ل موسى الناس ويغير‬ ‫ض ّ‬ ‫ساد َ { يعني ‪ :‬موسى ‪ ،‬يخشى فرعون أن ي ُ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ف َ‬
‫مذ َك ًّرا" يعني ‪:‬‬ ‫رسومهم وعاداتهم‪ .‬وهذا كما يقال في المثل ‪" :‬صار فرعون ُ‬
‫واعظا ‪ ،‬يشفق على الناس من موسى ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫وقرأ الكثرون ‪" :‬أن يبدل دينكم وأن ُيظِهر في الرض الفساد" وقرأ آخرون ‪:‬‬
‫ساد َ { وقرأ بعضهم ‪" :‬ي َظ َْهر في الرض الفساُد"‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ف َ‬ ‫ن ي ُظهَِر ِفي الْر ِ‬ ‫} أوْ أ ْ‬
‫بالضم‪.‬‬
‫ب‬‫سا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ن ب ِي َوْم ِ ال ِ‬‫م ُ‬ ‫َ‬
‫مت َكب ّرٍ ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ن كل ُ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ت ب َِرّبي وََرب ّك ْ‬ ‫وقال موسى ‪ } :‬إ ِّني عُذ ْ ُ‬
‫سى { قال موسى ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫{ أي ‪ :‬لما بلغه قول فرعون ‪ } :‬ذُروِني أقت ُل ُ‬
‫ت‬
‫ُ ُ‬‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ني‬ ‫ِّ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ولهذا‬ ‫؛‬ ‫ت به من شره وشر أمثاله‬ ‫ت بالله وعُذ ْ ُ‬ ‫استجر ُ‬
‫مت َك َب ّرٍ { أي ‪ :‬عن الحق ‪ ،‬مجرم ‪،‬‬ ‫ل ُ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م { أيها المخاطبون ‪ِ } ،‬‬ ‫ب َِرّبي وََرب ّك ُ ْ‬
‫ب{؛‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ب ِي َوْم ِ ال ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫} ل ي ُؤْ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في س ‪" :‬لنبيه محمد صلوات الله وسلمه عليه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬لموسى عليه السلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬والدللت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬س‪.‬‬

‫) ‪(7/139‬‬

‫َ‬ ‫ه أ َت َ ْ‬ ‫م َ‬
‫ي الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل َرب ّ َ‬‫قو َ‬ ‫جًل أ ْ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫مان َ ُ‬
‫م ِإي َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫نآ ِ‬ ‫ن ِ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫صب ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫صادًِقا ي ُ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ه وَإ ِ ْ‬ ‫كاذًِبا فَعَل َي ْهِ ك َذِب ُ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫وَقَد ْ َ‬
‫م‬‫ب )‪َ (28‬يا قَوْم ِ ل َك ُ ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ف كَ ّ‬ ‫سرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه َل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫ذي ي َعِد ُك ُ ْ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مل ْ‬
‫ل‬‫جاَءَنا َقا َ‬ ‫ن‬
‫ِ ِ ْ َ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫س‬ ‫أ‬‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬
‫ْ ِ َ َ ْ َْ ُ ُ َ ِ ْ َ ِ‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ن‬
‫ِ ِ َ ِ‬ ‫ري‬ ‫ه‬ ‫ظا‬ ‫م‬ ‫و‬
‫َ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫شاد ِ )‪(29‬‬ ‫ل الّر َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ما أهْ ِ‬ ‫ما أَرى وَ َ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫ما أِريك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فِْرعَوْ ُ‬

‫ولهذا جاء في الحديث عن أبي موسى ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬إنا نعوذ بك من شرورهم ‪،‬‬
‫وندرأ بك في نحورهم" )‪.(1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫} وََقا َ‬
‫ي‬‫قول َرب ّ َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫جل أ ْ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫قت ُلو َ‬ ‫ه أت َ ْ‬ ‫مان َ ُ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ن ي َكت ُ ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫نآ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫ل َر ُ‬
‫صادًِقا‬‫ك َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ه وَإ ِ ْ‬‫كاذًِبا فَعَل َي ْهِ ك َذِب ُ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ه وَقَد ْ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ب )‪َ (28‬يا قَوْم ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ف كَ ّ‬ ‫سرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫ذي ي َعِد ُك ُ ْ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫م ب َعْ ُ‬ ‫صب ْك ُ ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫ْ‬
‫جاَءَنا َقا َ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬‫س الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ن ب َأ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صُرَنا ِ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ن ِفي ال َْر ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ظاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م ال ْ ُ‬ ‫ل َك ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫شاد ِ )‪{ (29‬‬ ‫ل الّر َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫م ِإل َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ما أهْ ِ‬ ‫ما أَرى وَ َ‬ ‫م ِإل َ‬ ‫ما أِريك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فِْرعَوْ ُ‬
‫المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قْبطًيا من آل فرعون‪.‬‬
‫قال السدي ‪ :‬كان ابن عم فرعون ‪ ،‬ويقال ‪ :‬إنه الذي نجا مع موسى‪ .‬واختاره‬
‫ابن جرير )‪ ، (2‬وََرد ّ قول من ذهب إلى أنه كان إسرائيلّيا ؛ لن فرعون انفعل‬
‫لكلمه واستمعه ‪ ،‬وكف عن قتل موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ولو كان إسرائيلّيا‬
‫لوشك أن يعاجل )‪ (3‬بالعقوبة ؛ لنه منهم )‪.(4‬‬
‫جَريج عن ابن عباس ‪ :‬لم يؤمن من آل فرعون سوى هذا الرجل‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫قت ُُلو َ‬ ‫ْ‬
‫ك{‬ ‫ن بِ َ‬
‫ك ل ِي َ ْ‬ ‫مُرو َ‬ ‫مل ي َأت َ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫سى إ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫وامرأة فرعون ‪ ،‬والذي قال ‪َ } :‬يا ُ‬
‫]القصص ‪ [20 :‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫ل يكتم إيمانه عن قومه القبط ‪ ،‬فلم يظهر إل هذا اليوم‬ ‫وقد كان هذا الرج ُ‬
‫سى { ‪ ،‬فأخذت الرجل غضبة لله عز‬ ‫َ‬
‫حين قال فرعون ‪ } :‬ذ َُروِني أقْت ُ ْ‬
‫مو َ‬ ‫ل ُ‬
‫وجل ‪ ،‬و"أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" ‪ ،‬كما ثبت بذلك الحديث‬
‫َ‬ ‫‪ ،‬ول أعظم من هذه الكلمة عند فرعون وهي قوله ‪ } :‬أ َت َ ْ‬
‫قو َ‬
‫ل‬ ‫ن يَ ُ‬‫جل أ ْ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫قت ُُلو َ‬
‫ه { ]أي ‪ :‬لجل أن يقول ربي الله[ )‪ ، (5‬اللهم إل ما رواه البخاري‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫في صحيحه حيث قال ‪:‬‬
‫حدثنا علي بن عبد الله ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬حدثني‬
‫يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬حدثني محمد بن إبراهيم التيمي ‪ ،‬حدثني )‪ (6‬عروة بن‬
‫الزبير قال ‪ :‬قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص ‪ :‬أخبرني بأشد شيء مما‬
‫صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬بينا رسول الله‬
‫مَعيط ‪ ،‬فأخذ‬ ‫قبة بن أبي ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عُ ْ‬
‫قا‬
‫وى ثوبه في عنقه ‪ ،‬فخنقه خن ً‬ ‫مْنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ول َ َ‬ ‫ب َ‬
‫شديدا ‪ ،‬فأقبل أبو بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬فأخذ بمنكبة )‪ (7‬ود ََفع عن النبي‬
‫َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ثم قال ‪ } :‬أ َت َ ْ‬
‫جاَءك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه وَقَد ْ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ل َرب ّ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫جل أ ْ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫قت ُُلو َ‬
‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م {‪.‬‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه أحمد في مسنده )‪.(4/414‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(24/38‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬يقابل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬متهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬في صحيحه بإسناده عن"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬بمنكبيه"‪.‬‬

‫) ‪(7/140‬‬

‫انفرد به البخاري من حديث الوزاعي قال ‪ :‬وتابعه محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن‬


‫يحيى بن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ‪ ،‬حدثنا عَْبدة عن‬
‫سِئل ‪ :‬ما أشد‬ ‫هشام ‪ -‬يعني ابن عروة ‪ -‬عن أبيه ‪ ،‬عن عمرو بن العاص أنه ُ‬
‫شا بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬مر بهم‬ ‫ما رأيت قري ً‬
‫ذات يوم فقالوا له ‪ :‬أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟ فقال ‪" :‬أنا ذاك"‬
‫ت أبا بكر محتضنه من ورائه ‪ ،‬وهو‬ ‫فقاموا إليه ‪ ،‬فأخذوا بمجامع ثيابه ‪ ،‬فرأي ُ‬
‫جل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َر ُ‬
‫قت ُلو َ‬
‫يصيح بأعلى صوته ‪ ،‬وإن عينيه ليسيلن ‪ ،‬وهو يقول ‪ :‬يا قوم ‪ } ،‬أت َ ْ‬
‫َ‬
‫م { حتى فرغ من الية كلها‪.‬‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م ْ‬‫ت ِ‬‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ه وَقَد ْ َ‬ ‫قو َ‬
‫ل َرب ّ َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫أ ْ‬
‫وهكذا رواه النسائي من حديث عبدة ‪ ،‬فجعله من مسند عمرو بن العاص ‪،‬‬
‫رضي الله عنه )‪.(2‬‬
‫م { أي ‪ :‬كيف تقتلون رجل لكونه‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَقَد ْ َ‬
‫يقول ‪" :‬ربي الله" ‪ ،‬وقد أقام لكم البرهان على صدق ما جاءكم به من الحق‬
‫ن يَ ُ‬
‫ك‬ ‫ه وَإ ِ ْ‬‫كاذًِبا فَعَل َي ْهِ ك َذِب ُ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫؟ ثم َتنزل معهم في المخاطبة فقال ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫م { يعني ‪ :‬إذا لم يظهر لكم صحة ما جاءكم‬ ‫ذي ي َعِد ُك ُ ْ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫م ب َعْ ُ‬ ‫صب ْك ُ ْ‬
‫صادًِقا ي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫به ‪ ،‬فمن العقل والرأي التام والحزم أن تتركوه ونفسه ‪ ،‬فل تؤذوه ‪ ،‬فإن يك‬
‫كاذبا فإن الله سيجازيه على كذبه بالعقوبة في الدنيا والخرة ‪ ،‬وإن يك صادقا‬
‫وقد آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم ‪ ،‬فإنه يتوعدكم إن خالفتموه بعذاب‬
‫في الدنيا والخرة ‪ ،‬فمن الجائز عندكم أن يكون صادقا ‪ ،‬فينبغي على هذا أل‬
‫تتعرضوا له ‪ ،‬بل اتركوه وقومه يدعوهم ويتبعونه‪.‬‬
‫وهكذا أخبر الله ]تعالى[ )‪ (3‬عن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه طلب من‬
‫م‬
‫جاَءهُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م فِْرعَوْ َ‬ ‫م قَوْ َ‬‫قد ْ فَت َّنا قَب ْل َهُ ْ‬ ‫فرعون وقومه الموادعة في قوله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن ل ت َعُْلوا عََلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ك َريم‪ .‬أ َ َ‬
‫ن‪ .‬وَأ ْ‬ ‫مي ٌ‬‫لأ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫عَباد َ الل ّهِ إ ِّني ل َك ُ ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ن أّدوا إ ِل َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫سو ٌ ِ ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫نل ْ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِ ْ‬ ‫مو ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ت َْر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ‬
‫ت ب َِرّبي وََرب ّك ْ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِّني عُذ ْ ُ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫الل ّهِ إ ِّني آِتيك ْ‬
‫ُ‬
‫ن { ]الدخان ‪ [21 - 17 :‬وهكذا قال رسول الله صلى الله‬ ‫مُنوا ِلي َفاعْت َزُِلو ِ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫عليه وسلم لقريش أن يتركوه يدعو إلى الله ]تعالى[ )‪ (4‬عباد الله ‪ ،‬ول‬
‫يمسوه بسوء ‪ ،‬وأن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة في ترك أذيته ‪ ،‬قال الله‬
‫موَد ّة َ ِفي ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل ل أَ َ‬
‫قْرَبى { ]الشورى ‪[23 :‬‬ ‫جًرا ِإل ال ْ َ‬ ‫م عَل َي ْهِ أ ْ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫أي ‪ :‬إل أل تؤذوني فيما بيني وبينكم من القرابة ‪ ،‬فل تؤذوني وتتركوا بيني‬
‫حا مبيًنا‪.‬‬ ‫وبين الناس‪ .‬وعلى هذا وقعت الهدنة يوم الحديبية ‪ ،‬وكان فت ً‬
‫ب { أي ‪ :‬لو كان هذا الذي‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ف كَ ّ‬ ‫سرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫يزعم أن الله أرسله إليكم كاذبا كما تزعمون ‪ ،‬لكان أمره بينا ‪ ،‬يظهر لكل‬
‫أحد في أقواله وأفعاله ‪ ،‬كانت تكون في غاية الختلف والضطراب ‪ ،‬وهذا‬
‫نرى أمره سديدا ومنهجه مستقيما ‪ ،‬ولو كان من المسرفين الكذابين لما‬
‫هداه الله ‪ ،‬وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره وفعله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(4815‬‬
‫)‪ (2‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11462‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/141‬‬

‫ل يوم اْل َحزاب )‪ (30‬مث ْ َ ْ‬ ‫ن َيا قَوْم ِ إ ِّني أ َ َ‬ ‫ل ال ّ ِ َ‬


‫ب‬‫ل د َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫مث ْ َ َ ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬‫خا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ذي آ َ‬ ‫وََقا َ‬
‫ْ‬
‫ما ل ِلعَِباد ِ )‪ (31‬وََيا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ريد ُ ظل ً‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ما الل ُ‬‫م وَ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مود َ َوال ِ‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫قَوْم ِ ُنوٍح وَ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ما لك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫ّ‬
‫م ت ُوَلو َ‬ ‫م الت َّناد ِ )‪ (32‬ي َوْ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫َ‬
‫ف عَلي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫قَوْم ِ إ ِّني أ َ َ‬
‫هاد ٍ )‪(33‬‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صم ٍ و َ َ‬‫عا ِ‬‫َ‬

‫ثم قال المؤمن محذًرا قومه زوال نعمة الله عنهم )‪ (1‬وحلول نقمة الله‬
‫ض { أي ‪ :‬قد أنعم الله‬ ‫م َ‬
‫ك ال ْي َوْ َ‬
‫مل ْ ُ‬
‫م ال ْ ُ‬
‫بهم ‪َ } :‬يا قَوْم ِ ل َك ُ ُ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫ري َ‬
‫ظاهِ ِ‬
‫عليكم بهذا الملك والظهور في الرض بالكلمة النافذة والجاه العريض ‪،‬‬
‫فراعوا هذه النعمة بشكر الله ‪ ،‬وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫ْ‬
‫جاءََنا {‬
‫ن َ‬‫س الل ّهِ إ ِ ْ‬
‫ن ب َأ ِ‬
‫م ْ‬
‫صُرَنا ِ‬
‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله ‪ } ،‬فَ َ‬
‫م ْ‬
‫أي ‪ :‬ل تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ‪ ،‬ول ترد عنا شيئا من بأس الله‬
‫إن أرادنا بسوء‪.‬‬
‫ن { لقومه ‪ ،‬راّدا على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫} َقا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما أَرى { أي ‪ :‬ما‬ ‫م ِإل َ‬ ‫ما أِريك ُ ْ‬ ‫الراشد الذي كان أحق بالملك من فرعون ‪َ } :‬‬
‫أقول لكم وأشير عليكم إل ما أراه لنفسي وقد كذب فرعون ‪ ،‬فإنه كان‬
‫ل‬ ‫ما َأنز َ‬ ‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬‫ل لَ َ‬ ‫يتحقق صدق موسى فيما جاء به )‪ (2‬من الرسالة } َقا َ‬
‫صائ َِر { ]السراء ‪ ، [102 :‬وقال الله‬ ‫ض بَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ؤلِء ِإل َر ّ‬ ‫هَ ُ‬
‫وا { ]النمل ‪.[14 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما وَعُل ّ‬ ‫م ظل ً‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬‫قن َت َْها أن ْ ُ‬‫ست َي ْ َ‬‫دوا ب َِها َوا ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما أَرى { كذب فيه وافترى ‪ ،‬وخان الله ورسوله‬ ‫م ِإل َ‬ ‫ما أِريك ُ ْ‬ ‫فقوله ‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫شاد ِ {‬ ‫ل الّر َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫م ِإل َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ما أهْ ِ‬ ‫ورعيته ‪ ،‬فغشهم وما نصحهم وكذا قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫أي ‪ :‬وما أدعوكم إل إلى طريق الحق والصدق والرشد وقد كذب أيضا في‬
‫َ‬
‫مَر‬‫ذلك ‪ ،‬وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه ‪ ،‬قال الله تعالى ‪َ } :‬فات ّب َُعوا أ ْ‬
‫ل‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شيد ٍ { ]هود ‪ ، [97 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَأ َ‬ ‫ن ب َِر ِ‬ ‫مُر فِْرعَوْ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫فِْرعَوْ َ‬
‫دى { ]طه ‪ ، [79 :‬وفي الحديث ‪" :‬ما من إمام يموت‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫فِْرعَوْ ُ‬
‫يوم يموت وهو غاش لرعيته ‪ ،‬إل لم َيرح رائحة الجنة ‪ ،‬وإن ريحها ليوجد من‬
‫مسيرة خمسمائة عام" )‪.(3‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫مثل د َأ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب )‪ِ (30‬‬ ‫حَزا ِ‬ ‫مثل ي َوْم ِ ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ف عَلي ْك ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن َيا قَوْم ِ إ ِّني أ َ‬ ‫م َ‬ ‫ذي آ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫} وََقا َ‬
‫ما ل ِل ْعَِباد ِ )‪ (31‬وََيا‬ ‫ريد ُ ظ ُل ْ ً‬ ‫ه يُ ِ‬‫ما الل ّ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مود َ َوال ّ ِ‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫قَوْم ِ ُنوٍح وَ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ت ُوَّلو َ‬ ‫م الت َّناد ِ )‪ (32‬ي َوْ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫قَوْم ِ إ ِّني أ َ َ‬
‫هاد ٍ )‪{ (33‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صم ٍ و َ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في س ‪" :‬جاءه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (7151 ، 7150‬ومسلم في صحيحه‬
‫برقم )‪ (142‬بنحوه من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(7/142‬‬

‫حّتى‬ ‫جاَءك ُ ْ‬
‫م ب ِهِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ما زِل ْت ُ ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫ل ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م ُيو ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬‫قد ْ َ‬‫وَل َ َ‬
‫ف‬
‫سرِ ٌ‬ ‫م ْ‬‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬‫ك يُ ِ‬ ‫سوًل ك َذ َل ِ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ َر ُ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫ن ي َب ْعَ َ‬ ‫م لَ ْ‬‫ك قُل ْت ُ ْ‬‫إ َِذا هَل َ َ‬
‫َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ‬
‫قًتا ِ‬ ‫م ك َب َُر َ‬
‫م ْ‬ ‫ن أَتاهُ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ت الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُ‬ ‫ن ِفي آَيا ِ‬ ‫جادُِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬ ‫ب )‪ (34‬ال ّ ِ‬ ‫مْرَتا ٌ‬ ‫ُ‬
‫جّبارٍ )‪(35‬‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ِ ُ َ ّ ٍ َ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ُ َ‬‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ْ‬
‫ِ َ َ ُ‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫نوا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫ِ َ ِ ْ َ ِ َ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬

‫حّتى‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬‫م ّ‬‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ما زِل ْت ُ ْ‬


‫ت فَ َ‬ ‫ل ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ف ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م ُيو ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬‫} وَل َ َ‬
‫ف‬
‫سرِ ٌ‬ ‫م ْ‬‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬‫ك يُ ِ‬ ‫سول ك َذ َل ِ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ َر ُ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ث الل ّ ُ‬‫ن ي َب ْعَ َ‬‫م لَ ْ‬ ‫ك قُل ْت ُ ْ‬
‫إ َِذا هَل َ َ‬
‫َ‬ ‫سل ْ َ‬
‫عن ْد َ‬
‫قًتا ِ‬ ‫م ْ‬‫م ك َب َُر َ‬‫ن أَتاهُ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ت الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُ‬ ‫ن ِفي آَيا ِ‬ ‫جادُِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬‫ب )‪ (34‬ال ّ ِ‬ ‫مْرَتا ٌ‬ ‫ُ‬
‫جّبارٍ )‪{ (35‬‬ ‫َ‬
‫مت َكب ّرٍ َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه عَلى كل قل ِ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا كذ َل ِك ي َطب َعُ الل ُ‬ ‫َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َ ال ِ‬ ‫اللهِ وَ ِ‬‫ّ‬
‫هذا إخبار من الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬عن هذا الرجل الصالح ‪ ،‬مؤمن آل فرعون ‪:‬‬
‫م‬‫ف عَل َي ْك ُْ‬‫خا ُ‬ ‫أنه حذر قومه بأس الله في الدنيا والخرة فقال ‪َ } :‬يا قَوْم ِ إ ِّني أ َ َ‬
‫ب { أي ‪ :‬الذين كذبوا رسل الله في قديم الدهر ‪ ،‬كقوم نوح‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ل ي َوْم ِ ال ْ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ِ‬
‫وعاد وثمود ‪ ،‬والذين من بعدهم من المم المكذبة ‪ ،‬كيف حل بهم بأس الله ‪،‬‬
‫وما رده عنهم راد ‪ ،‬ول صده عنهم صاد‪.‬‬

‫) ‪(7/142‬‬
‫ما ل ِل ْعَِبادِ { أي ‪ :‬إنما أهلكهم الله بذنوبهم ‪ ،‬وتكذيبهم‬ ‫ريد ُ ظ ُل ْ ً‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫} وَ َ‬
‫ف‬
‫َ ُ‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫يا‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ثم‬ ‫‪،‬‬ ‫قدره‬ ‫فيهم‬ ‫فأنفذ‬ ‫أمره‪.‬‬ ‫ومخالفتهم‬ ‫‪،‬‬ ‫رسله‬
‫ْ ِ ِّ‬ ‫ََ‬
‫م الت َّناد ِ { يعني ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬وسمي بذلك قال بعضهم ‪ :‬لما جاء‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫في حديث الصور ‪ :‬إن الرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر ‪،‬‬
‫وماجت وارتجت ‪ ،‬فنظر الناس إلى ذلك ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضا‪.‬‬
‫وقال آخرون منهم الضحاك ‪ :‬بل ذلك إذا جيء بجهنم ‪ ،‬ذهب الناس هَِرابا )‪(1‬‬
‫مل َ ُ‬
‫ك‬ ‫‪ ،‬فتتلقاهم الملئكة فتردهم إلى مقام المحشر ‪ ،‬وهو قوله تعالى ‪َ } :‬وال ْ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫س إِ ِ‬ ‫ن َوالن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫شَر ال ْ ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫جائ َِها { ]الحاقة ‪ ، [17 :‬وقوله } َيا َ‬ ‫عََلى أْر َ‬
‫ن{‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ض َفان ْ ُ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫َ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫طا ٍ‬ ‫ن ِإل ب ِ ُ‬ ‫ذو َ‬ ‫ذوا ل ت َن ْ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫طارِ ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫]الرحمن ‪.[33 :‬‬
‫وقد روي عن ابن عباس ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬أنهم قرؤوا ‪" :‬يوم التناّد"‬
‫بتشديد الدال من ند البعير ‪ :‬إذا شرد وذهب‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬لن الميزان عنده ملك ‪ ،‬وإذا وزن عمل العبد )‪ (2‬فرجح نادى بأعلى‬
‫صوته ‪ :‬أل قد سعد فلن بن فلن سعادة ل يشقى بعدها أبدا‪ .‬وإن خف عمله‬
‫نادى ‪ :‬أل قد شقي فلن بن فلن‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ينادي كل قوم بأعمالهم ‪ :‬ينادي أهل الجنة أهل الجنة ‪ ،‬وأهل‬
‫النار أهل النار‪.‬‬
‫َ‬
‫ما وَعَد ََنا‬ ‫جد َْنا َ‬ ‫ن قَد ْ وَ َ‬ ‫وقيل ‪ :‬سمي بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار ‪ } :‬أ ْ‬
‫م { ]العراف ‪ .[44 :‬ومناداة‬ ‫قا َقاُلوا ن َعَ ْ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ما وَعَد َ َرب ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جد ْت ُ ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫قا فَهَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫َرب َّنا َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َقالوا‬ ‫م الل ُ‬ ‫ما َرَزقَك ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ماِء أوْ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ضوا عَلي َْنا ِ‬ ‫ن أِفي ُ‬ ‫أهل النار أهل الجنة ‪ } :‬أ ْ‬
‫ن { ]العراف ‪ ، [50 :‬ولمناداة أصحاب‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ما عََلى ال ْ َ‬ ‫مهُ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫العراف أهل الجنة وأهل النار ‪ ،‬كما هو مذكور في سورة العراف‪.‬‬
‫واختار البغوي وغيره ‪ :‬أنه سمي بذلك لمجموع ذلك‪ .‬وهو قول حسن جيد ‪،‬‬
‫والله أعلم )‪.(3‬‬
‫كل ل وََزَر‪ .‬إ َِلى َرب ّكَ‬ ‫ن { أي ‪ :‬ذاهبين هاربين ‪َ } ،‬‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬‫ن ُ‬ ‫ّ‬
‫م ت ُوَلو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ما لك ْ‬‫َ‬ ‫قّر { ]القيامة ‪ ، [12 ، 11 :‬ولهذا قال ‪َ } :‬‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ ال ْ ُ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫هّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صم ٍ { أي ‪ :‬ما لكم مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫هاد ٍ { أي ‪ :‬من أضله ]الله[ )‪ (4‬فل هادي له غيره‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل ُ‬‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫ت { يعني ‪ :‬أهل مصر ‪ ،‬قد بعث‬ ‫ل ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م ُيو ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫الله فيهم رسول من قبل موسى ‪ ،‬وهو يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان عزيز‬
‫أهل مصر ‪ ،‬وكان رسول يدعو إلى الله أمته )‪ (5‬القبط ‪ ،‬فما أطاعوه تلك‬
‫م ِفي‬ ‫ما زِل ْت ُ ْ‬ ‫الساعة )‪ (6‬إل لمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَ َ‬
‫سول { أي ‪:‬‬ ‫ن ب َعْدِهِ َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫ن ي َب ْعَ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ك قُل ْت ُ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا هَل َ َ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫َ‬
‫سول { وذلك لكفرهم‬ ‫ن ب َعْدِهِ َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫ث الل ُ‬ ‫ن ي َب ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫يئستم فقلتم طامعين ‪ } :‬ل ْ‬
‫ب { أي ‪ :‬كحالكم هذا‪.‬‬ ‫مْرَتا ٌ‬ ‫ف ُ‬ ‫سرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ك يُ ِ‬ ‫وتكذيبهم } ك َذ َل ِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬هرابا منه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أعمال العبد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬معالم التنزيل للبغوي )‪.(148 ، 7/147‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬س‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أمة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬تلك الطاعة"‪.‬‬
‫) ‪(7/143‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ب‬
‫سَبا َ‬ ‫ب )‪ (36‬أ ْ‬ ‫سَبا َ‬ ‫حا ل َعَّلي أب ْل ُغُ اْل ْ‬ ‫صْر ً‬‫ن ِلي َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬‫ما ُ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َيا َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سوُء‬ ‫ن ُ‬ ‫فْرعَوْ َ‬ ‫ن لِ ِ‬ ‫ه كاذًِبا وَكذ َل ِك ُزي ّ َ‬ ‫سى وَإ ِّني لظن ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ت فَأطل ِعَ إ ِلى إ ِلهِ ُ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن َيا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ب )‪ (37‬وََقا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ذي آ َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ن إ ِل ِفي ت ََبا ٍ‬ ‫ما كي ْد ُ فِْرعَوْ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫صد ّ ع َ َ ِ‬ ‫مل ِهِ وَ ُ‬ ‫عَ َ‬
‫ن‬
‫مَتاع ٌ وَإ ِ ّ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا َ‬ ‫ْ‬
‫ما هَذِهِ ال َ‬ ‫شاد ِ )‪َ (38‬يا قَوْم ِ إ ِن ّ َ‬ ‫ل الّر َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن أهْدِك ْ‬ ‫قَوْم ِ ات ّب ُِعو ِ‬
‫م َ‬
‫ل‬ ‫ن عَ ِ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫مث ْلَها وَ َ‬ ‫ّ‬
‫جَزى إ ِل ِ‬ ‫ة فل ي ُ ْ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سي ّئ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرارِ )‪َ (39‬‬ ‫ْ‬
‫ي َداُر ال َ‬ ‫خَرة َ هِ َ‬ ‫اْل َ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ن ِفيَها ب ِغَي ْ ِ‬ ‫ة ي ُْرَزُقو َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ك ي َد ْ ُ‬ ‫ن فَأول َئ ِ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٌ‬ ‫ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫َ‬
‫ب )‪(40‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫طا َ‬
‫م { أي ‪ :‬الذين‬ ‫ن أَتاهُ ْ‬ ‫سل ْ َ ٍ‬ ‫ت الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُ‬ ‫ن ِفي آَيا ِ‬ ‫جادُِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫يدفعون الحق بالباطل ‪ ،‬ويجادلون الحجج بغير دليل وحجة معهم من الله ‪،‬‬
‫عن ْد َ‬ ‫قًتا ِ‬ ‫م ْ‬‫فإن الله يمقت على ذلك أشد المقت ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ك َب َُر َ‬
‫ضون من تكون هذه صفته ‪،‬‬ ‫مُنوا { أي ‪ :‬والمؤمنون أيضا ُيبغ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عن ْد َ ال ّ ِ‬ ‫الل ّهِ وَ ِ‬
‫فإن من كانت هذه صفته ‪ ،‬يطبع الله على قلبه ‪ ،‬فل يعرف بعد ذلك معروًفا ‪،‬‬
‫مت َك َب ّرٍ { أي ‪:‬‬ ‫ب ُ‬ ‫ل قَل ْ ِ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ك ي َط ْب َعُ الل ّ ُ‬ ‫ول ينكر منكًرا ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫جّبارٍ {‪.‬‬ ‫على اتباع الحق } َ‬
‫وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة ‪ -‬وحكي عن الشعبي ‪ -‬أنهما قال ل يكون‬
‫النسان جباًرا حتى يقتل نفسين‪.‬‬
‫وقال أبو عمران الجوني وقتادة ‪ :‬آية الجبابرة القتل بغير حق‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫سَبا َ‬ ‫ب )‪ (36‬أ ْ‬ ‫سَبا َ‬ ‫حا ل َعَّلي أب ْل ُغُ ال ْ‬ ‫صْر ً‬ ‫ن ِلي َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َيا َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫} وََقا َ‬
‫كاذًِبا وَك َذ َل ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سوُء‬ ‫ن ُ‬ ‫فْرعَوْ َ‬ ‫ن لِ ِ‬ ‫ك ُزي ّ َ‬ ‫سى وَإ ِّني لظن ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ت فَأطل ِعَ إ ِلى إ ِلهِ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ب )‪{ (37‬‬ ‫ن ِإل ِفي ت ََبا ٍ‬ ‫ما كي ْد ُ فِْرعَوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫صد ّ ع َ ِ‬ ‫مل ِهِ وَ ُ‬ ‫عَ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن فرعون ‪ ،‬وعتوه ‪ ،‬وتمرده ‪ ،‬وافترائه في تكذيبه‬
‫موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه أمر وزيره هامان أن يبني له صرحا ‪ ،‬وهو ‪ :‬القصر‬
‫العالي المنيف الشاهق‪ .‬وكان اتخاذه من الجّر المضروب من الطين‬
‫ّ‬ ‫ما ُ َ‬ ‫َ‬
‫حا {‬ ‫صْر ً‬ ‫ل ِلي َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫ن عَلى الطي ِ‬ ‫ها َ‬ ‫المشوي ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬فَأوْقِد ْ ِلي َيا َ‬
‫]القصص ‪ ، [38 :‬ولهذا قال إبراهيم النخعي ‪ :‬كانوا يكرهون البناء بالجر ‪،‬‬
‫وأن يجعلوه في قبورهم‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت { قال سعيد بن جبير ‪ ،‬وأبو‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫سَبا َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫سَبا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َعَّلي أب ْل ُغُ ال ْ‬
‫َ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫صالح ‪ :‬أبواب السموات‪ .‬وقيل ‪ :‬طرق السموات } فَأط ّل ِعَ إ َِلى إ ِل َهِ ُ‬
‫كاذًِبا { ‪ ،‬وهذا من كفره وتمرده ‪ ،‬أنه كذب موسى في أن الله ‪،‬‬ ‫ه َ‬ ‫وَإ ِّني لظ ُن ّ ُ‬
‫ه‬
‫مل ِ ِ‬ ‫سوُء عَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫فْرعَوْ َ‬ ‫ن لِ ِ‬ ‫ك ُزي ّ َ‬ ‫عز وجل ‪ ،‬أرسله إليه ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ل { أي ‪ :‬بصنيعه هذا الذي أراد أن يوهم به الرعية أنه يعمل‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫صد ّ ع َ ِ‬ ‫وَ ُ‬
‫ما‬ ‫شيئا يتوصل به إلى تكذيب موسى ‪ ،‬عليه السلم ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ب { قال ابن عباس ]رضي الله عنهما[ )‪ ، (1‬ومجاهد ‪:‬‬ ‫ن ِإل ِفي ت ََبا ٍ‬ ‫ك َي ْد ُ فِْرعَوْ َ‬
‫يعني إل في خسار‪.‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ما هَذِ ِ‬ ‫شادِ )‪َ (38‬يا قَوْم ِ إ ِن ّ َ‬ ‫ل الّر َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن أهْدِك ْ‬ ‫ن َيا قَوْم ِ ات ّب ُِعو ِ‬ ‫م َ‬ ‫ذي آ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫} وََقا َ‬
‫جَزى‬ ‫ة َفل ي ُ ْ‬ ‫سي ّئ َ ً‬‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرارِ )‪َ (39‬‬ ‫ْ‬
‫ي َداُر ال َ‬ ‫خَرة َ هِ َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫مَتاع ٌ وَإ ِ ّ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫جن ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ك ي َد ْ ُ‬ ‫ن فَأول َئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مث ْل ََها وَ َ‬ ‫ِإل ِ‬
‫ب )‪{ (40‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِفيَها ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ي ُْرَزقو َ‬
‫يقول المؤمن لقومه ممن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا ‪ ،‬ونسي الجبار‬
‫العلى ‪ ،‬فقال لهم ‪ } :‬يا قَوم اتبعو َ‬
‫شاد ِ {‬ ‫ل الّر َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أهْدِك ُ ْ‬ ‫ْ ِ ُِّ ِ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من س‪.‬‬

‫) ‪(7/144‬‬

‫َ‬
‫شادِ {‪.‬‬ ‫سِبي َ‬
‫ل الّر َ‬ ‫م ِإل َ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫ما أهْ ِ‬ ‫ل كما كذب فرعون في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ثم زهدهم في الدنيا التي ]قد[ )‪ (1‬آثروها على الخرى ‪ ،‬وصدتهم عن‬
‫التصديق برسول الله موسى ]صلى الله عليه وسلم[ )‪ ، (2‬فقال ‪َ } :‬يا قَوْم ِ‬
‫مَتاعٌ { أي ‪ :‬قليلة زائلة فانية عن قريب تذهب ]وتزول[‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا َ‬ ‫ما هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫قَرارِ { أي ‪ :‬الدار التي ل زوال لها ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ي َداُر ال َ‬ ‫خَرةَ هِ َ‬‫ن ال ِ‬ ‫)‪ (3‬وتضمحل ‪ } ،‬وَإ ِ ّ‬
‫ول انتقال منها ول ظعن عنها إلى غيرها ‪ ،‬بل إما نعيم وإما جحيم ‪ ،‬ولهذا قال‬
‫حا‬
‫صال ِ ً‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬‫مث ْل ََها { أي ‪ :‬واحدة مثلها } وَ َ‬ ‫جَزى ِإل ِ‬ ‫ة َفل ي ُ ْ‬ ‫سي ّئ َ ً‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬‫م ْ‬
‫} َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب{‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ة ي ُْرَزُقو َ‬
‫ن ِفيَها ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫جن ّ َ‬
‫ن ال َ‬ ‫خلو َ‬ ‫ن فَأولئ ِك ي َد ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ذ َكرٍ أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫أي ‪ :‬ل يتقدر بجزاء بل يثيبه الله ‪ ،‬ثوابا كثيرا ل انقضاء له ول نفاد‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(7/145‬‬

‫فَر‬ ‫عون َِني ِل َك ْ ُ‬ ‫عون َِني إ َِلى الّنارِ )‪ (41‬ت َد ْ ُ‬ ‫جاةِ وَت َد ْ ُ‬ ‫م إ َِلى الن ّ َ‬ ‫عوك ُ ْ‬ ‫ما ِلي أ َد ْ ُ‬ ‫وََيا قَوْم ِ َ‬
‫فارِ )‪ (42‬لَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِبالل ّهِ وَأ ُ ْ‬
‫زيزِ الغَ ّ‬ ‫ِ‬ ‫م إ ِلى العَ‬ ‫عوك ُ ْ‬‫م وَأَنا أد ْ ُ‬ ‫عل ٌ‬ ‫س ِلي ب ِهِ ِ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫ك ب ِهِ َ‬ ‫شرِ َ‬
‫مَرد َّنا إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫ه د َعْوَة ٌ ِفي الد ّن َْيا وََل ِفي اْل َ ِ‬ ‫جر َ‬
‫ن َ‬ ‫خَرةِ وَأ ّ‬ ‫س لَ ُ‬‫عون َِني إ ِل َي ْهِ ل َي ْ َ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م أن ّ َ‬‫َ َ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م وَأفَوّ ُ‬
‫ض‬ ‫ُ‬
‫ل لك ْ‬ ‫ما أُقو ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫ست َذ ْكُرو َ‬‫ب الّنارِ )‪ (43‬فَ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫مأ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫الل ّهِ وَأ ّ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫حا َ‬ ‫مك َُروا وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫صيٌر ِبال ْعَِباد ِ )‪ (44‬فَوََقاهُ الل ّ ُ‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ري إ َِلى الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫م ِ‬‫أ ْ‬
‫م‬ ‫ن عَل َي َْها غُد ُّوا وَعَ ِ‬ ‫سوُء ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫قو ُ‬ ‫م تَ ُ‬‫شّيا وَي َوْ َ‬ ‫ضو َ‬ ‫ب )‪ (45‬الّناُر ي ُعَْر ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫ب ِآ ِ‬
‫ب )‪(46‬‬ ‫ذا ِ‬‫شد ّ ال ْعَ َ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫خُلوا آ َ َ‬ ‫ة أ َد ْ ِ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫ال ّ‬

‫عون َِني لك ْ ُ‬
‫فَر‬ ‫عون َِني إ َِلى الّنارِ )‪ (41‬ت َد ْ ُ‬ ‫جاةِ وَت َد ْ ُ‬ ‫م إ َِلى الن ّ َ‬ ‫عوك ُ ْ‬ ‫ما ِلي أ َد ْ ُ‬ ‫} وََيا قَوْم ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِبالل ّهِ وَأ ُ ْ‬
‫فارِ )‪ (42‬ل‬ ‫زيزِ الغَ ّ‬ ‫ِ‬ ‫م إ ِلى العَ‬ ‫عوك ُ ْ‬ ‫م وَأَنا أد ْ ُ‬ ‫عل ٌ‬ ‫س ِلي ب ِهِ ِ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫ك ب ِهِ َ‬ ‫شرِ َ‬
‫مَرد َّنا إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫جر َ‬
‫ن َ‬ ‫خَرةِ وَأ ّ‬ ‫ه د َعْوَة ٌ ِفي الد ّن َْيا َول ِفي ال ِ‬ ‫س لَ ُ‬‫عون َِني إ ِل َي ْهِ ل َي ْ َ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م وَأفَوّ ُ‬
‫ض‬ ‫ُ‬
‫ل لك ْ‬ ‫ما أُقو ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫ست َذ ْكُرو َ‬ ‫ب الّنارِ )‪ (43‬فَ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫الل ّهِ وَأ ّ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫حا َ‬ ‫مك َُروا وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫صيٌر ِبال ْعَِباد ِ )‪ (44‬فَوََقاهُ الل ّ ُ‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ري إ َِلى الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫م ِ‬‫أ ْ‬
‫م‬
‫قو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫شّيا وَي َوْ َ‬ ‫ن عَل َي َْها غُد ُّوا وَعَ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫ب )‪ (45‬الّناُر ي ُعَْر ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫سوُء ال ْعَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫ِبآ ِ‬
‫ب )‪{ (46‬‬ ‫ْ‬
‫شد ّ العَ َ‬ ‫َ‬
‫نأ َ‬ ‫خلوا آ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫ة أد ْ ِ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫يقول لهم المؤمن ‪ :‬ما بالي أدعوكم إلى النجاة ‪ ،‬وهي عبادة الله وحده ل‬
‫عون َِني لك ْ ُ‬
‫فَر‬ ‫عون َِني إ َِلى الّناِر‪ .‬ت َد ْ ُ‬ ‫شريك له وتصديق رسوله الذي بعثه } وَت َد ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِبالل ّهِ وَأ ُ ْ‬
‫عوك ُْ‬
‫م‬ ‫د‬
‫َ َ ْ ُ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫دليل‬ ‫بل‬ ‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫)‬ ‫جهل‬ ‫م { أي ‪:‬‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫س ِلي ب ِهِ ِ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ك ب ِهِ َ‬ ‫شرِ َ‬
‫فارِ { أي ‪ :‬هو في عزته وكبريائه يغفر ذنب من تاب إليه ‪ } ،‬ل‬ ‫زيزِ ال ْغَ ّ‬ ‫إ َِلى ال ْ َعَ ِ‬
‫عون َِني إ ِل َي ْهِ { يقول ‪ :‬حقا‪.‬‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫جَر َ‬ ‫َ‬
‫م { حقا‪.‬‬ ‫ر‬
‫َ َ َ‬‫ج‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫معنى‬ ‫‪:‬‬ ‫جرير‬ ‫وابن‬ ‫السدي‬ ‫قال‬
‫م { ل كذب‪.‬‬ ‫جَر َ‬ ‫وقال الضحاك ‪ } :‬ل َ‬
‫م { يقول ‪ :‬بلى ‪ ،‬إن‬ ‫جَر َ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ل َ‬
‫ه د َعْوَة ٌ ِفي الد ّن َْيا َول ِفي‬ ‫س لَ ُ‬‫الذي تدعونني إليه من الصنام والنداد } ل َي ْ َ‬
‫خَرةِ {‬ ‫ال ِ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬الوثن ليس بشيء‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يعني الوثن ل ينفع ول يضر‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬ل يجيب داعيه ‪ ،‬ل في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬
‫هَ‬ ‫وهذا كقوله تعالى ‪ } :‬وم َ‬
‫بل ُ‬ ‫جي ُ‬‫ست َ ِ‬‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫عو ِ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫كانوا ل َه َ‬ ‫ُ‬
‫داءً‬
‫م أعْ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬
‫َِ‬ ‫و‬ ‫ن‪.‬‬‫َ‬ ‫لو‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫غا‬ ‫م‬
‫ِ ْ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫عا‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ن‬
‫م عَ ْ‬‫مةِ وَهُ ْ‬ ‫قَيا َ‬‫إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬
‫مُعوا‬ ‫س َ‬‫م ل يَ ْ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ن { ]الحقاف ‪ } ، [6 ، 5 :‬إ ِ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫م َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫كاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬‫وَ َ‬
‫م { ]فاطر ‪.[14 :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫جاُبوا لك ْ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ا ْ‬‫مُعوا َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫م وَلوْ َ‬ ‫ُ‬
‫عاَءك ْ‬ ‫دُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬على جهل"‪.‬‬

‫) ‪(7/145‬‬

‫مَرد َّنا إ َِلى الل ّهِ { أي ‪ :‬في الدار الخرة ‪ ،‬فيجازي كل بعمله ؛‬ ‫َ‬
‫ن َ‬‫وقوله ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫ب الّنارِ { أي ‪ :‬خالدين فيها بإسرافهم‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬وأ َن ال ْمسرفين هُ َ‬
‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ ِ ِ َ‬ ‫َ ّ‬
‫‪ ،‬وهو شركهم بالله‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬سوف تعلمون صدق ما أمرتكم به‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ما أ َُقو ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ست َذ ْك ُُرو َ‬ ‫} فَ َ‬
‫ونهيتكم عنه ‪ ،‬ونصحتكم ووضحت لكم ‪ ،‬وتتذكرونه ‪ ،‬وتندمون حيث ل ينفعكم‬
‫ري إ َِلى الل ّهِ { أي ‪ :‬وأتوكل على الله وأستعينه ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫الندم ‪ } ،‬وَأفَوّ ُ‬
‫صيٌر ِبال ْعَِبادِ { أي ‪ :‬هو بصير بهم ‪ ،‬فيهدي‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وأقاطعكم وأباعدكم ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫من يستحق الهداية ‪ ،‬ويضل من يستحق الضلل ‪ ،‬وله الحجة البالغة ‪،‬‬
‫والحكمة التامة ‪ ،‬والقدر النافذ‪.‬‬
‫مكُروا { أي ‪ :‬في الدنيا والخرة‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫وقوله ]تعالى[ )‪ } : (1‬فَوََقاهُ الل ُ‬
‫‪ ،‬أما في الدنيا فنجاه الله مع موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وأما في الخرة فبالجنة‬
‫ب { وهو ‪ :‬الغرق في اليم ‪ ،‬ثم النقلة منه‬ ‫ذا ِ‬ ‫سوُء ال ْعَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫حاقَ ِبآ ِ‬ ‫} وَ َ‬
‫إلى الجحيم‪ .‬فإن أرواحهم تعرض على النار صباحا ومساًء إلى قيام الساعة ‪،‬‬
‫فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫ب { أي ‪ :‬أشده ألما‬ ‫ذا ِ‬‫شد ّ ال ْعَ َ‬‫ن أَ َ‬‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫خُلوا آ َ‬ ‫ة أ َد ْ ِ‬‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م تَ ُ‬
‫} وَي َوْ َ‬
‫وأعظمه نكال‪ .‬وهذه الية أصل كبير في استدلل أهل السنة على عذاب‬
‫ن عَل َي َْها غُد ُّوا وَعَ ِ‬
‫شّيا {‪.‬‬ ‫ضو َ‬ ‫البرزخ في القبور ‪ ،‬وهي قوله ‪ } :‬الّناُر ي ُعَْر ُ‬
‫ولكن هاهنا سؤال ‪ ،‬وهو أنه ل شك أن هذه الية مكية ‪ ،‬وقد استدلوا بها على‬
‫عذاب القبر في البرزخ ‪ ،‬وقد قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا هاشم ‪ -‬هو ابن القاسم أبو النضر ‪ -‬حدثنا إسحاق بن سعيد )‪ - (2‬هو‬
‫ابن عمرو بن سعيد بن العاص ‪ -‬حدثنا سعيد ‪ -‬يعني أباه ‪ -‬عن عائشة ؛ أن‬
‫يهودية كانت تخدمها فل تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف إل قالت لها‬
‫اليهودية ‪ :‬وقاك الله عذاب القبر‪ .‬قالت ‪ :‬فدخل رسول الله صلى الله عليه‬
‫ي فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة ؟ قال ‪:‬‬ ‫وسلم عل ّ‬
‫"ل وعم ذلك ؟" قالت ‪ :‬هذه اليهودية ‪ ،‬ل نصنع إليها شيئا من المعروف إل‬
‫قالت ‪ :‬وقاك الله عذاب القبر‪ .‬قال ‪" :‬كذبت يهود )‪ .(3‬وهم على الله أكذب ‪،‬‬
‫ل عذاب دون يوم القيامة"‪ .‬ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث ‪ ،‬فخرج‬
‫ذات يوم نصف النهار مشتمل بثوبه ‪ ،‬محمرة عيناه ‪ ،‬وهو ينادي بأعلى صوته ‪:‬‬
‫"القبر كقطع الليل المظلمز أيها الناس ‪ ،‬لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا‬
‫وضحكتم قليل‪ .‬أيها الناس ‪ ،‬استعيذوا بالله من عذاب القبر ‪ ،‬فإن عذاب القبر‬
‫حق" )‪.(4‬‬
‫وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ‪ ،‬ولم يخرجاه‪.‬‬
‫وروى أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن‬
‫عائشة ‪ -‬قال ‪ :‬سألتها امرأة يهودية فأعطتها ‪ ،‬فقالت لها ‪ :‬أعاذك الله من‬
‫عذاب القبر‪ .‬فأنكرت عائشة ذلك ‪ ،‬فلما رأت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قالت له ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل"‪ .‬قالت عائشة ‪ :‬ثم قال لنا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بعد ذلك ‪" :‬وإنه أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يهودية"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(6/81‬‬

‫) ‪(7/146‬‬

‫وهذا أيضا على شرطهما )‪.(1‬‬


‫فيقال ‪ :‬فما الجمع بين هذا وبين كون الية مكية ‪ ،‬وفيها الدليل على عذاب‬
‫البرزخ ؟ والجواب ‪ :‬أن الية دلت على عرض الرواح إلى النار غدوا وعشيا‬
‫في البرزخ ‪ ،‬وليس فيها دللة على اتصال تألمها بأجسادها في القبور ‪ ،‬إذ قد‬
‫يكون ذلك مختصا بالروح ‪ ،‬فأما حصول ذلك للجسد وتألمه بسببه ‪ ،‬فلم يدل‬
‫عليه إل السنة في الحاديث المرضية التي ذكرها‪.‬‬
‫وقد يقال إن هذه الية إنما دلت على عذاب الكفار في البرزخ ‪ ،‬ول يلزم من‬
‫ذلك أن يعذب المؤمن في قبره بذنب ‪ ،‬ومما يدل على هذا ما رواه المام‬
‫أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عثمان بن عمر ‪ ،‬حدثنا يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة‬
‫رضي الله عنها ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها‬
‫امرأة من اليهود ‪ ،‬وهي تقول ‪ :‬أشعرت أنكم تفتنون في قبوركم ؟ فارتاع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ‪" :‬إنما يفتن يهود" قالت عائشة ‪:‬‬
‫فلبثنا ليالي ‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أشعرت أنه أوحي‬
‫إلي أنكم تفتنون في القبور ؟" وقالت عائشة ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بعد يستعيذ من عذاب القبر‪.‬‬
‫وهكذا رواه مسلم ‪ ،‬عن هارون بن سعيد وحرملة ‪ ،‬كلهما عن ابن وهب ‪،‬‬
‫عن يونس بن يزيد اليلي ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫وقد يقال ‪ :‬إن هذه الية دلت على عذاب الرواح في البرزخ ‪ ،‬ول يلزم من‬
‫ذلك أن يتصل بالجساد في قبورها ‪ ،‬فلما أوحي إليه في ذلك بخصوصّيته‬
‫استعاذ منه ‪ ،‬والله ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬أعلم‪.‬‬
‫وقد روى البخاري من حديث شعبة ‪ ،‬عن أشعث بن أبي الشعثاء ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن مسروق ‪ ،‬عن عائشة )‪ ، (3‬رضي الله عنها ‪ ،‬أن يهودية دخلت عليها‬
‫فقالت ‪ :‬أعاذك الله من عذاب القبر )‪ .(4‬فسألت عائشة )‪ (5‬رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر ؟ فقال ‪" :‬نعم عذاب القبر حق"‪.‬‬
‫قالت عائشة ‪ :‬فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ُ صلى صلة إل‬
‫وذ من عذاب القبر )‪.(6‬‬
‫تع ّ‬
‫فهذا يدل على أنه بادر إلى تصديق اليهودية في هذا الخبر ‪ ،‬وقرر عليه‪ .‬وفي‬
‫الخبار المتقدمة ‪ :‬أنه أنكر ذلك حتى جاءه الوحي ‪ ،‬فلعلهما قضيتان ‪ ،‬والله‬
‫أعلم ‪ ،‬وأحاديث عذاب القبر كثيرة جدا‪.‬‬
‫شّيا { صباحا ومساء ‪ ،‬ما بقيت الدنيا ‪ ،‬يقال‬ ‫وقال قتادة في قوله ‪ } :‬غُد ُّوا وَعَ ِ‬
‫صَغارا لهم‪.‬‬‫لهم ‪ :‬يا آل فرعون ‪ ،‬هذه منازلكم ‪ ،‬توبيخا ونقمة و َ‬
‫دى بهم ويراح إلى أن تقوم الساعة‪.‬‬ ‫وقال ابن زيد ‪ :‬هم فيها اليوم ُيغ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(6/238‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (6/248‬وصحيح مسلم برقم )‪.(584‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وقد روى البخاري بإسناده من عائشة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬القبور" وفي أ ‪" :‬وقاك الله من عذاب القبر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬عائشة رضي الله عنها"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪.(1372‬‬

‫) ‪(7/147‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد ‪ ،‬حدثنا المحاربي ‪ ،‬حدثنا ليث ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن ثروان ‪ ،‬عن هذيل ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود )‪ ، (1‬رضي الله عنه‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح بهم في الجنة حيث‬
‫شاءوا ‪ ،‬وإن أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة‬
‫حيث شاءت ‪ ،‬فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش ‪ ،‬وإن أرواح آل فرعون‬
‫في أجواف طير سود تغدو على جهنم وتروح عليها ‪ ،‬فذلك عرضها‪.‬‬
‫وقد رواه الثوري عن أبي قيس عن الهَُزيل ابن شرحبيل ‪ ،‬من كلمه في‬
‫أرواح آل فرعون‪ .‬وكذلك قال السدي‪.‬‬
‫وفي حديث السراء من رواية أبي هارون العبدي ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه ‪" :‬ثم انطلق‬
‫ل رجل منهم بطنه مثل البيت‬ ‫لك ّ‬ ‫بي إلى خلق كثير من خلق الله ‪ ،‬رجا ٌ‬
‫الضخم ‪ ،‬مصفدون على سابلة آل فرعون ‪ ،‬وآل فرعون يعرضون على النار‬
‫ب { وآل‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن أَ َ‬
‫شد ّ ال ْعَ َ‬ ‫خُلوا آ َ‬
‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫ة أ َد ْ ِ‬
‫ساعَ ُ‬
‫م ال ّ‬
‫قو ُ‬
‫م تَ ُ‬
‫غدوا وعشيا‪ } .‬وَي َوْ َ‬
‫فرعون كالبل المسومة )‪ (2‬يخبطون الحجارة والشجر ول يعقلون" )‪.(3‬‬
‫خَرم ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا زيد بن أ ْ‬
‫مد ِْرك الحارثي ‪ ،‬حدثنا عتبة ‪ -‬يعني ابن يقظان ‪ -‬عن قيس بن‬ ‫عامر بن ُ‬
‫مسلم ‪ ،‬عن طارق ‪ ،‬عن )‪ (4‬شهاب ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬ما أحسن محسن من مسلم أو كافر إل أثابه الله"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫قلنا ‪ :‬يا رسول الله ما إثابة الكافر ؟ فقال ‪" :‬إن كان قد وصل رحما أو‬
‫تصدق بصدقة أو عمل حسنة ‪ ،‬أثابه الله المال والولد والصحة وأشباه ذلك"‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬فما إثابته في الخرة ؟ قال ‪" :‬عذابا دون العذاب" وقرأ ‪ } :‬أ َد ْ ِ‬
‫خُلوا آ َ‬
‫ل‬
‫خَرم ‪ ،‬ثم‬ ‫ب { ورواه البزار في مسنده ‪ ،‬عن زيد بن أ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫شد ّ ال ْعَ َ‬‫ن أَ َ‬
‫فِْرعَوْ َ‬
‫قال ‪ :‬ل نعلم له إسناًدا غير هذا )‪.(5‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير ‪ ،‬حدثنا حماد بن محمد‬
‫الفزاري البلخي قال ‪ :‬سمعت )‪ (6‬الوزاعي وسأله رجل فقال ‪ :‬رحمك الله‪.‬‬
‫رأينا طيوًرا تخرج من البحر ‪ ،‬تأخذ ناحية الغرب بيضا ‪ ،‬فوجا فوجا ‪ ،‬ل يعلم‬
‫عددها إل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فإذا كان العشي رجع مثلها سودا‪ .‬قال ‪ :‬وفطنتم‬
‫إلى ذلك ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬إن تلك )‪ (7‬الطير في حواصلها أرواح آل‬
‫فرعون ‪ ،‬تعرض على النار غدوا وعشيا ‪ ،‬فترجع إلى وكورها وقد احترقت‬
‫شها وصارت سودا ‪ ،‬فينبت عليها من الليل ريش أبيض ‪ ،‬ويتناثر السود ‪،‬‬ ‫رَيا ُ‬
‫ثم تغدو على النار غدوا وعشيا ‪ ،‬ثم ترجع إلى وكورها‪ .‬فذلك دأبهم في‬
‫شد ّ‬‫ن أَ َ‬ ‫الدنيا ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى ‪ } :‬أ َد ْ ِ‬
‫خُلوا آ َ‬
‫ل فِْرعَوْ َ‬
‫ب { قال ‪ :‬وكانوا‬‫ذا ِ‬‫ال ْعَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن مسعود"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في س ‪" :‬المنسومة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر تخريج هذا الحديث عند تفسير الية الولى من سورة السراء‪.‬‬
‫)‪ (4‬في س ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند البزار برقم )‪" (945‬كشف الستار" ورواه الحاكم في المستدرك‬
‫)‪ (2/253‬من طريق علي بن الحسين به ‪ ،‬وقال ‪" :‬صحيح السناد ولم‬
‫يخرجاه" وتعقبه الذهب‪ .‬قلت ‪ :‬فيه عتبة بن يقظان وهو واه‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بإسناده إلي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬

‫) ‪(7/148‬‬

‫م ت َب ًَعا فَهَ ْ‬
‫ل‬ ‫ست َك ْب َُروا إ ِّنا ك ُّنا ل َك ُ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫فاُء ل ِل ّ ِ‬
‫ضعَ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن ِفي الّنارِ فَي َ ُ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫وَإ ِذ ْ ي َت َ َ‬
‫هّ‬ ‫ست َك ْب َُروا إ ِّنا ك ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن الّنارِ )‪َ (47‬قا َ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫ل ِفيَها إ ِ ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫صيًبا ِ‬‫ن عَّنا ن َ ِ‬ ‫مغُْنو َ‬ ‫م ُ‬ ‫أن ْت ُ ْ‬
‫ف‬
‫ف ْ‬ ‫خ ّ‬‫م يُ َ‬ ‫عوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫خَزن َةِ َ‬ ‫ن ِفي الّنارِ ل ِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ن ال ْعَِباد ِ )‪ (48‬وََقا َ‬ ‫حك َ َ‬
‫م ب َي ْ َ‬ ‫قَد ْ َ‬
‫ب )‪(49‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن العَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫عَّنا ي َوْ ً‬

‫يقولون إنهم ستمائة ألف مقاتل )‪.(1‬‬


‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسحاق ‪ ،‬أخبرنا مالك ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر )‪(2‬‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن أحدكم إذا مات عرض‬
‫عليه مقعده بالغداة والعشي ‪ ،‬إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ‪ ،‬وإن‬
‫كان من أهل النار فمن أهل النار‪ .‬فيقال ‪ :‬هذا مقعدك حتى يبعثك الله ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪ ،‬إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك ‪ ،‬به )‪.(3‬‬
‫م ت َب ًَعا فَهَ ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ست َكب َُروا إ ِّنا كّنا لك ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫فاُء ل ِل ّ ِ‬
‫ضعَ َ‬‫ل ال ّ‬ ‫قو ُ‬‫ن ِفي الّنارِ فَي َ ُ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫} وَإ ِذ ْ ي َت َ َ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ست َكب َُروا إ ِّنا ك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن الّنارِ )‪َ (47‬قا َ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫ل ِفيَها إ ِ ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ِ‬ ‫م َ‬‫صيًبا ِ‬
‫ن عَّنا ن َ ِ‬ ‫مغُْنو َ‬ ‫م ُ‬ ‫أن ْت ُ ْ‬
‫ف‬‫ف ْ‬ ‫خ ّ‬
‫م يُ َ‬ ‫عوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫م اد ْ ُ‬
‫جهَن ّ َ‬
‫خَزن َةِ َ‬‫ن ِفي الّنارِ ل ِ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ْعَِباد ِ )‪ (48‬وََقا َ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك َ َ‬ ‫قَد ْ َ‬
‫ب )‪{ (49‬‬ ‫ن ال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫عَّنا ي َوْ ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(24/46‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ابن عمر رضي الله عنهما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (2/113‬وصحيح البخاري برقم )‪ (1379‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2866‬‬

‫) ‪(7/149‬‬
‫َقاُلوا أ َول َم ت ُ ْ‬
‫عاُء‬
‫ما د ُ َ‬ ‫ت َقاُلوا ب ََلى َقاُلوا َفاد ْ ُ‬
‫عوا وَ َ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫سل ُك ُ ْ‬
‫م ُر ُ‬‫ك ت َأِتيك ُ ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ل )‪(50‬‬ ‫ل‬
‫َ ٍ‬‫َ‬ ‫ض‬ ‫في‬ ‫ن إِ ّ ِ‬
‫ل‬ ‫ري َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬
‫} َقاُلوا أ َو ل َم ت ُ ْ‬
‫عاُء‬‫ما د ُ َ‬
‫عوا وَ َ‬‫ت َقاُلوا ب ََلى َقاُلوا َفاد ْ ُ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل ُك ُ ْ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ك ت َأِتيك ُ ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ل )‪{ (50‬‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِإل ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫يخبر تعالى عن تحاج أهل النار في النار ‪ ،‬وتخاصمهم ‪ ،‬وفرعون وقومه من‬
‫ست َك ْب َُروا { وهم ‪ :‬القادة‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫فاُء { وهم ‪ :‬التباع } ل ِل ّ ِ‬ ‫ضعَ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫جملتهم } فَي َ ُ‬
‫م ت َب ًَعا { أي ‪ :‬أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في‬ ‫والسادة والكبراء ‪ } :‬إ ِّنا ك ُّنا ل َك ُ ْ‬
‫ن الّنارِ { أي ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫الدنيا من الكفر والضلل ‪ } ،‬فَهَ ْ‬
‫م َ‬ ‫صيًبا ِ‬ ‫ن عَّنا ن َ ِ‬ ‫مغُْنو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬
‫قسطا تتحملونه عنا‪.‬‬
‫ل ِفيَها { أي ‪ :‬ل نتحمل عنكم شيئا ‪ ،‬كفى بنا ما‬ ‫ست َك ْب َُروا إ ِّنا ك ُ ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫} َقا َ‬
‫ن ال ْعَِبادِ { أي ‪:‬‬ ‫م ب َي ْ َ‬‫حك َ َ‬ ‫ه قَد ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عندنا ‪ ،‬وما حملنا من العذاب والنكال‪ } .‬إ ِ ّ‬
‫ل‬‫يقسم )‪ (1‬بيننا العذاب بقدر ما يستحقه كل منا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬قا َ‬
‫ن { ]العراف ‪.[38 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ف وَل َك ِ ْ‬ ‫ضعْ ٌ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل ِك ُ ّ‬
‫ب{‬ ‫ذا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن العَ َ‬ ‫م َ‬‫ما ِ‬‫ف عَّنا ي َوْ ً‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ّ‬‫م يُ َ‬ ‫عوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫خَزن َةِ َ‬ ‫ن ِفي الّنارِ ل ِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ال ِ‬ ‫} وََقا َ‬
‫لما علموا أن الله ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬ل يستجيب منهم ول يستمع لدعائهم ‪ ،‬بل قد‬
‫ن { ]المؤمنون ‪ [108 :‬سألوا الخزنة ‪ -‬وهم‬ ‫مو ِ‬ ‫ؤوا ِفيَها َول ت ُك َل ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫خ َ‬ ‫قال ‪ } :‬ا ْ‬
‫كالبوابين )‪ (2‬لهل النار ‪ -‬أن يدعوا لهم الله أن يخفف عن الكافرين ولو يوما‬
‫واحدا من العذاب ‪ ،‬فقالت لهم الخزنة رادين عليهم ‪ } : :‬أ َو ل َم ت ُ ْ‬
‫ك ت َأِتيك ُ ْ‬
‫م‬ ‫َ ْ َ‬
‫ت { أي ‪ :‬أوما قامت عليكم الحجج في الدنيا على ألسنة‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل ُك ُ ْ‬ ‫ُر ُ‬
‫عوا { أي ‪ :‬أنتم لنفسكم ‪ ،‬فنحن ل ندعو لكم‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الرسل ؟ } قالوا ب َلى قالوا فاد ْ ُ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ول نسمع منكم ول نود خلصكم ‪ ،‬ونحن منكم برآء ‪ ،‬ثم نخبركم أنه سواء‬
‫ما‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫دعوتم أو لم تدعوا ل يستجاب لكم ول يخفف عنكم ؛ ولهذا قالوا )‪: (3‬‬
‫ل { أي ‪ :‬إل من ذهاب ‪ ،‬ل يتقبل ول يستجاب‪.‬‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِإل ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫عاُء ال ْ َ‬ ‫دُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فقسم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كالسجانين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫) ‪(7/149‬‬

‫م َل‬ ‫شَهاد ُ )‪ (51‬ي َوْ َ‬ ‫م اْل َ ْ‬‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬
‫سل ََنا َوال ّ ِ َ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫دار )‪ (52‬ول َ َ َ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫َ‬ ‫سوُء ال ّ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ة وَل َهُ ْ‬ ‫م الل ّعْن َ ُ‬ ‫م وَل َهُ ُ‬ ‫معْذَِرت ُهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫فعُ ال ّ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب )‪(54‬‬ ‫دى وَذِكَرى ِلوِلي اللَبا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب )‪ (53‬هُ ً‬ ‫ل الك َِتا َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫دى وَأوَْرث َْنا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ال ْهُ َ‬
‫كارِ )‬ ‫ي َواْل ِب ْ َ‬ ‫ش ّ‬ ‫ك ِبال ْعَ ِ‬
‫مد ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫ك وَ َ‬‫فْر ل ِذ َن ْب ِ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫حقّ َوا ْ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫صب ِْر إ ِ ّ‬ ‫َفا ْ‬
‫م إ ِّل‬ ‫َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫َ‬
‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ن أَتاهُ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ت الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُ‬ ‫ن ِفي آَيا ِ‬ ‫جادُِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ (55‬إ ِ ّ‬
‫صيُر )‪(56‬‬ ‫ب‬‫ْ‬
‫ّ ِ ُ َ ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫مي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫ْ َ ِ ِ ِ ِّ ُ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ما ُ ْ ِ َ ِ ِ ِ‬
‫ه‬ ‫غي‬ ‫ل‬‫با‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ك ِب ٌْر َ‬

‫م‬
‫شَهاد ُ )‪ (51‬ي َوْ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫قو ُ‬
‫م يَ ُ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬‫صُر ُر ُ‬ ‫} إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫قد ْ آت َي َْنا‬ ‫دارِ )‪ (52‬وَل َ َ‬ ‫سوُء ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ة وَل َهُ ْ‬‫م الل ّعْن َ ُ‬‫م وَل َهُ ُ‬‫معْذَِرت ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫فعُ ال ّ‬ ‫ل ي َن ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب)‬ ‫دى وَذِكَرى لوِلي اللَبا ِ‬ ‫ب )‪ (53‬هُ ً‬ ‫ل الك َِتا َ‬ ‫دى وَأوَْرث َْنا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫سى الهُ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫ش ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مد ِ َرب ّك ِبالعَ ِ‬ ‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫َ‬
‫فْر ل ِذ َن ْب ِك وَ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫حقّ َوا ْ‬ ‫ّ‬
‫ن وَعْد َ اللهِ َ‬ ‫صب ِْر إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫‪ (54‬فا ْ‬
‫طا َ‬
‫ن ِفي‬ ‫م إِ ْ‬
‫ن أَتاهُ ْ‬ ‫سل ْ َ ٍ‬‫ت الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُ‬ ‫ن ِفي آَيا ِ‬ ‫جادُِلو َ‬‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫كارِ )‪ (55‬إ ِ ّ‬ ‫َوالب ْ َ‬
‫صيُر )‪{ (56‬‬ ‫ميعُ ال ْب َ ِ‬
‫س ِ‬
‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬‫م ب َِبال ِِغيهِ َفا ْ‬‫ما هُ ْ‬ ‫م ِإل ك ِب ٌْر َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ُ‬
‫صُر‬ ‫َ‬
‫قد أورد أبو جعفر بن جرير ‪ ،‬رحمه الله تعالى ‪ ،‬عند قوله تعالى ‪ } :‬إ ِّنا لن َن ْ ُ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا { سؤال فقال ‪ :‬قد عُِلم أن بعض‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ُر ُ‬
‫النبياء ‪ ،‬عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬قتله قومه بالكلية كيحيى وزكريا )‪(1‬‬
‫وشعياء ‪ ،‬ومنهم من خرج من بين أظهرهم إما مهاجرا كإبراهيم )‪ ، (2‬وإما‬
‫إلى السماء كعيسى )‪ ، (3‬فأين النصرة في الدنيا ؟ ثم أجاب عن ذلك‬
‫بجوابين )‪.(4‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن يكون الخبر خرج عاما ‪ ،‬والمراد به البعض ‪ ،‬قال ‪ :‬وهذا سائغ‬
‫في اللغة‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يكون المراد بالنصر النتصار لهم ممن آذاهم ‪ ،‬وسواء كان ذلك‬
‫ل بقتلة يحيى وزكريا )‪(5‬‬ ‫بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم ‪ ،‬كما فُعِ َ‬
‫وشعياء ‪ ،‬سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماءهم ‪ ،‬وقد ذكر أن‬
‫النمروذ أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ‪ ،‬وأما الذين راموا صلب المسيح ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬من اليهود ‪ ،‬فسلط الله عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم ‪ ،‬وأظهرهم‬
‫الله عليهم‪ .‬ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى ابن مريم إماما عادل وحكما‬
‫مقسطا ‪ ،‬فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود ‪ ،‬ويقتل الخنزير ‪ ،‬ويكسر‬
‫الصليب ‪ ،‬ويضع الجزية فل يقبل إل السلم‪ .‬وهذه نصرة عظيمة ‪ ،‬وهذه سنة‬
‫الله في خلقه في قديم الدهر وحديثه ‪ :‬أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ‪،‬‬
‫ويقر أعينهم ممن آذاهم ‪ ،‬ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬يقول الله تعالى ‪ :‬من‬
‫عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب" )‪ (6‬وفي الحديث الخر ‪" :‬إني لثأر‬
‫لوليائي كما يثأر الليث الحرب" )‪ (7‬؛ ولهذا أهلك تعالى قوم نوح وعاد وثمود‬
‫‪ ،‬وأصحاب الرس ‪ ،‬وقوم لوط ‪ ،‬وأهل )‪ (8‬مدين ‪ ،‬وأشباههم وأضرابهم ممن‬
‫كذب الرسل وخالف الحق‪ .‬وأنجى الله من بينهم المؤمنين ‪ ،‬فلم يهلك منهم‬
‫دا وعذب الكافرين ‪ ،‬فلم يفلت منهم أحدا )‪.(9‬‬ ‫أح ً‬
‫قال السدي ‪ :‬لم يبعث الله رسول قط إلى قوم فيقتلونه ‪ ،‬أو قوما من‬
‫المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلون ‪ ،‬فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله لهم‬
‫من ينصرهم ‪ ،‬فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا‪ .‬قال ‪ :‬فكانت )‬
‫‪ (10‬النبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا ‪ ،‬وهم منصورون فيها‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كيحيى بن زكريا"‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬كإبراهيم عليه السلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬كعيسى عليه السلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(24/48‬‬
‫)‪ (5‬في ت "يحيى بن زكريا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪.(6502‬‬
‫)‪ (7‬لم أجده بهذا اللفظ وقد رواه أبو نعيم في الحلية )‪ (1/11‬موقوفا على‬
‫ابن عباس ‪" :‬وأنا الثائر لوليائي يوم القيامة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬وأصحاب"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في س ‪" :‬واحدا"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬وكانت"‪.‬‬

‫) ‪(7/150‬‬
‫وهكذا نصر الله ]سبحانه[ )‪ (1‬نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه‬
‫على من خالفه وناوأه ‪ ،‬وكذبه وعاداه ‪ ،‬فجعل كلمته هي العليا ‪ ،‬ودينه هو‬
‫الظاهر على سائر الديان‪ .‬وأمره بالهجرة من بين ظهراني قومه إلى المدينة‬
‫النبوية ‪ ،‬وجعل له فيها أنصارا وأعوانا ‪ ،‬ثم منحه أكتاف المشركين يوم بدر ‪،‬‬
‫فنصره عليهم وخذلهم له ‪ ،‬وقتل صناديدهم ‪ ،‬وأسر سراتهم ‪ ،‬فاستاقهم‬
‫مقرنين في الصفاد ‪ ،‬ثم من عليهم بأخذه الفداء منهم ‪ ،‬ثم بعد مدة قريبة‬
‫فتح ]عليه[ )‪ (2‬مكة ‪ ،‬فقرت عينه ببلده ‪ ،‬وهو البلد المحرم الحرام المشرف‬
‫المعظم ‪ ،‬فأنقذه الله به مما كان فيه من الشرك والكفر ‪ ،‬وفتح له اليمن ‪،‬‬
‫ودانت له جزيرة )‪ (3‬العرب بكمالها ‪ ،‬ودخل الناس في دين الله أفواجا‪ .‬ثم‬
‫قبضه الله ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬إليه لما له عنده من الكرامة العظيمة ‪ ،‬فأقام الله‬
‫أصحابه خلفاء بعده ‪ ،‬فبلغوا عنه دين الله ‪ ،‬ودعوا عباد الله إلى الله‪ .‬وفتحوا‬
‫البلد والّرساتيق والقاليم والمدائن والقرى والقلوب ‪ ،‬حتى انتشرت الدعوة‬
‫المحمدية في مشارق الرض ومغاربها‪ .‬ثم ل يزال هذا الدين قائما منصورا‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫ظاهرا إلى قيام )‪ (4‬الساعة ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫شَهاد ُ { أي ‪ :‬يوم القيامة تكون النصرة‬ ‫م ال ْ‬‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫آ َ‬
‫أعظم وأكبر وأجل‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬الشهاد ‪ :‬الملئكة‪.‬‬
‫م‬
‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م { بدل من قوله ‪ } :‬وَي َوْ َ‬ ‫معْذَِرت ُهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫فعُ ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ل ي َن ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫شَهاد ُ {‪.‬‬ ‫ال ْ‬
‫ع‬
‫ف ُ‬ ‫م ل ي َن ْ َ‬ ‫شَهاد ُ ي َوْ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬‫م" بالرفع ‪ ،‬كأنه فسره به } وَي َوْ َ‬ ‫وقرأ آخرون ‪" :‬ي َوْ ُ‬
‫معْذَِرت ُُهم { أي ‪ :‬ل يقبل منهم عذر ول‬ ‫مين { ‪ ،‬وهم المشركون } َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫سوُء‬ ‫م ُ‬ ‫ة { أي ‪ :‬البعاد والطرد من الرحمة ‪ } ،‬وَل َهُ ْ‬ ‫م الل ّعْن َ ُ‬ ‫فدية ‪ } ،‬وَل َهُ ُ‬
‫دارِ { وهي النار‪ .‬قاله السدي ‪ ،‬بئس المنزل والمقيل‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫دارِ { أي ‪ :‬سوء‬ ‫سوُء ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَلهُ ْ‬
‫العاقبة‪.‬‬
‫دى { وهو ما بعثه الله به من الهدى والنور ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫سى الهُ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَل َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب { أي ‪ :‬جعلنا لهم العاقبة ‪ ،‬وأورثناهم )‪ (5‬بلد‬ ‫سَراِئيل الك َِتا َ‬ ‫} وَأوَْرث َْنا ب َِني إ ِ ْ‬
‫فرعون وأمواله وحواصله وأرضه ‪ ،‬بما صبروا على طاعة الله واتباع رسوله‬
‫دى‬ ‫موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وفي الكتاب الذي أورثوه ‪ -‬وهو التوراة ‪ } -‬هُ ً‬
‫ب { وهي ‪ :‬العقول الصحيحة السليمة‪.‬‬ ‫وَذِك َْرى لوِلي الل َْبا ِ‬
‫ن وَعْد َ الل ّهِ { أي ‪ :‬وعدناك أنا سنعلي‬ ‫صب ِْر { أي ‪ :‬يا محمد ‪ } ،‬إ ِ ّ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فا ْ‬
‫كلمتك ‪ ،‬ونجعل العاقبة لك ولمن اتبعك ‪ ،‬والله ل يخلف الميعاد‪ .‬وهذا الذي‬
‫أخبرناك به حق ل مرية فيه ول شك‪.‬‬
‫مد ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬‫ك { هذا تهييج للمة على الستغفار ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫فْر ل ِذ َن ْب ِ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫وقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫َ‬
‫ي { أي ‪ :‬في أواخر النهار وأوائل الليل ‪َ } ،‬والب ْكارِ { وهي أوائل‬ ‫ش ّ‬ ‫ك ِبال ْعَ ِ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫النهار وأواخر الليل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫ن أَتاهُ ْ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ت اللهِ ب ِغَي ْرِ ُ‬ ‫ن ِفي آَيا ِ‬ ‫جادِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫يدفعون الحق بالباطل ‪ ،‬ويردون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة بل برهان‬
‫م ب َِبال ِِغيهِ {‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م ِإل ك ِب ٌْر َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫ول حجة من الله ‪ } ،‬إ ِ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬جزائر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يوم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وأورثنا بني إسرائيل"‪.‬‬

‫) ‪(7/151‬‬

‫خل ْق الناس ول َك َ‬ ‫َ‬ ‫ت َواْل َْر‬


‫ن)‬
‫مو َ‬‫س َل ي َعْل َ ُ‬‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬
‫ن َ ِ ّ ِ َ ِ ّ‬ ‫ض أك ْب َُر ِ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫خل ْقُ ال ّ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سيءُ‬ ‫ت وََل ال ْ ُ‬
‫م ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫صيُر َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مى َوال ْب َ ِ‬‫وي اْلعْ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫‪ (57‬وَ َ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫ما ت َت َذ َك ُّرو َ‬‫قَِليًل َ‬

‫أي ‪ :‬ما في صدورهم إل كبر على اتباع الحق ‪ ،‬واحتقار لمن جاءهم به ‪،‬‬
‫وليس ما يرومونه من إخمال الحق وإعلء الباطل بحاصل لهم ‪ ،‬بل الحق هو‬
‫ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ { أي ‪ :‬من حال‬ ‫المرفوع ‪ ،‬وقولهم وقصدهم هو الموضوع ‪َ } ،‬فا ْ‬
‫صيُر { أو )‪ (1‬من شر )‪ (2‬مثل هؤلء‬ ‫ميعُ ال ْب َ ِ‬ ‫س ِ‬‫مثل هؤلء ‪ } ،‬إ ِّنه هُوَ ال ّ‬
‫المجادلين في آيات الله بغير سلطان‪ .‬هذا تفسير ابن جرير‪.‬‬
‫ن ِفي‬ ‫ُ‬
‫جادِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫وقال كعب وأبو العالية ‪ :‬نزلت هذه الية في اليهود ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫طا َ‬
‫م ب َِبال ِِغيهِ { قال أبو‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م ِإل ك ِب ٌْر َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ن أَتاهُ ْ‬ ‫سل ْ َ ٍ‬ ‫ت الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ُ‬‫آَيا ِ‬
‫العالية ‪ :‬وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم ‪ ،‬وأنهم يملكون به الرض‪ .‬فقال‬
‫الله لنبيه صلى الله عليه وسلم آمرا له أن يستعيذ من فتنة الدجال ‪ ،‬ولهذا‬
‫صيُر {‪.‬‬ ‫ميعُ ال ْب َ ِ‬ ‫س ِ‬‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬‫قال ‪َ } :‬فا ْ‬
‫وهذا قول غريب ‪ ،‬وفيه تعسف بعيد ‪ ،‬وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في‬
‫كتابه ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل ُ‬ ‫ْ‬
‫ن أكث ََر الّنا ِ‬ ‫س وَلك ِ ّ‬ ‫ق الّنا ِ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ض أكب َُر ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫سم َ‬ ‫خل ْقُ ال ّ‬ ‫} لَ َ‬
‫ت َول‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صيُر َوال ّ ِ‬ ‫مى َوال ْب َ ِ‬ ‫وي العْ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫)‪ (57‬وَ َ‬
‫ن )‪{ (58‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما ت َت َذكُرو َ‬ ‫َ‬
‫سيُء قِليل َ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬شك"‪.‬‬

‫) ‪(7/152‬‬

‫ة َل ريب فيها ول َك َ‬ ‫ة َل َت ِي َ ٌ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫س َل ي ُؤْ ِ‬‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫َ ْ َ ِ َ َ ِ ّ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫إِ ّ‬
‫ة ل ريب فيها ول َك َ‬
‫ن )‪{ (59‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫س ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫َ ْ َ ِ َ َ ِ ّ‬ ‫ة لت ِي َ ٌ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫} إِ ّ‬
‫يقول تعالى منبها على أنه يعيد الخلئق يوم القيامة ‪ ،‬وأن ذلك سهل عليه ‪،‬‬
‫يسير لديه ‪ -‬بأنه خلق السموات والرض ‪ ،‬وخلقهما أكبر من خلق الناس بدأة‬
‫وإعادة ‪ ،‬فمن قدر على ذلك فهو قادر على ما دونه بطريق الولى والحرى ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫م ي َعْ َ‬‫ض وَل َ ْ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ي ََرْوا أ ّ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬أوَل َ ْ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر { ]الحقاف‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫موَْتى ب ََلى إ ِن ّ ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫حي ِ َ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫قادِرٍ عََلى أ ْ‬ ‫ن بِ َ‬
‫قهِ ّ‬ ‫خل ْ ِ‬‫بِ َ‬
‫س‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق الّنا ِ‬ ‫خل ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ض أكب َُر ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خلقُ ال ّ‬ ‫‪ .(1) [33 :‬وقال هاهنا ‪ } :‬ل َ‬
‫ول َك َ‬
‫ن { ؛ فلهذا ل يتدبرون هذه الحجة ول يتأملونها ‪،‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫َ ِ ّ‬
‫كما كان كثير من العرب يعترفون بأن الله خلق السموات والرض ‪ ،‬وينكرون‬
‫المعاد ‪ ،‬استبعادا وكفرا وعنادا ‪ ،‬وقد اعترفوا بما هو أولى مما أنكروا‪.‬‬
‫ت َول‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫صيُر َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مى َوال ْب َ ِ‬ ‫وي العْ َ‬ ‫ست َ ِ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫سيُء { أي كما ل يستوي العمى الذي ل يبصر شيئا ‪ ،‬والبصير الذي يرى‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ما انتهى إليه بصره ‪ ،‬بل بينهما فرق عظيم ‪ ،‬كذلك ل يستوي المؤمنون‬
‫ن { أي ‪ :‬ما أقل ما يتذكر كثير من‬ ‫ما ت َت َذ َك ُّرو َ‬
‫البرار والكفرة الفجار ‪ } ،‬قَِليل َ‬
‫الناس‪.‬‬
‫ب ِفيَها وَل َك ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ة { )‪ (2‬أي لكائنة وواقعة } ل َري ْ َ‬ ‫ة لت ِي َ ٌ‬
‫ساعَ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يصدقون بها ‪ ،‬بل يكذبون بوجودها‪.‬‬ ‫س ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫أك ْث ََر الّنا ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أو ليس الذي خلق السموات والرض بقادر على أن يحيي‬
‫الموتى بلى إنه على كل شيء قدير" وهو خطأ والصواب ما أثبتناه حيث إن‬
‫ناسخا المخطوطتين ت ‪ ،‬أ قد خلطا بين الية الحادية والثمانين من سورة‬
‫يس وبين الية الثالثة والثلثين من سورة الحقاف‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬آتية وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(7/152‬‬

‫َ‬
‫خُلو َ‬
‫ن‬ ‫سي َد ْ ُ‬
‫عَباد َِتي َ‬
‫ن ِ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫ن عَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ج ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫عوِني أ ْ‬
‫م اد ْ ُ‬‫ل َرب ّك ُ ُ‬‫وََقا َ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬ ‫م َدا ِ‬‫جهَن ّ َ‬
‫َ‬

‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ‪ ،‬حدثنا أشهب ‪،‬‬
‫حدثنا مالك ‪ ،‬عن )‪ (1‬شيخ قديم من أهل اليمن ‪ -‬قدم من ثم ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت‬
‫أن الساعة إذا دنت اشتد البلء على الناس ‪ ،‬واشتد حر الشمس‪.‬‬
‫َ‬
‫عَباد َِتي‬
‫ن ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫م إِ ّ‬‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫ج ْ‬‫ست َ ِ‬‫عوِني أ ْ‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫ل َرب ّك ُ ُ‬
‫} وََقا َ‬
‫ن )‪{ (60‬‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬‫م َدا ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬‫سي َد ْ ُ‬‫َ‬
‫هذا من فضله ‪ ،‬تبارك وتعالى ‪ ،‬وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه ‪ ،‬وتكفل لهم‬
‫ن سأله‬ ‫م ْ‬
‫ب عباده إليه َ‬ ‫ن أح ّ‬ ‫م ْ‬
‫بالجابة ‪ ،‬كما كان سفيان الثوري يقول ‪ :‬يا َ‬
‫فأكثر سؤاله ‪ ،‬ويا من أبغض عباده إليه من لم يسأله ‪ ،‬وليس كذلك )‪(2‬‬
‫غيرك يا رب‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وفي هذا المعنى يقول الشاعر ‪:‬‬
‫ب‪...‬‬ ‫ض ُ‬ ‫ل ي َغْ َ‬ ‫م حين ُيسأ ُ‬ ‫ي آد َ‬ ‫ه‪ ...‬وَُبن ّ‬ ‫ؤال ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ب إن ترك ْ َ‬ ‫ه ي َْغض ُ‬ ‫الل ُ‬
‫وقال قتادة ‪ : :‬قال كعب الحبار ‪ :‬أعطيت هذه المة ثلثا لم ُتعطُهن )‪ (3‬أمة‬
‫قبلهم إل نبي ‪ :‬كان إذا أرسل الله نبيا قيل له ‪" :‬أنت شاهد على أمتك" ‪،‬‬
‫جعلُتكم )‪ (4‬شهداء على الناس‪ .‬وكان يقال له ‪" :‬ليس عليك في الدين من‬ ‫و َ‬
‫حَرٍج { ]الحج ‪:‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬
‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫ل عَلي ْك ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حرج"‪ .‬وقال لهذه المة ‪ } :‬وَ َ‬
‫عوِني‬‫‪ .[78‬وكان يقال له ‪" :‬ادعني )‪ (5‬أستجب لك "وقال لهذه المة ‪ } :‬اد ْ ُ‬
‫َ‬
‫م { رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬‫ج ْ‬‫ست َ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫وقال )‪ (6‬المام الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في‬
‫مسنده ‪ :‬حدثنا أبو إبراهيم الترجماني ‪ ،‬حدثنا صالح المري قال ‪ :‬سمعت‬
‫الحسن يحدث عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فيما يروي عن ربه عز وجل ‪ -‬قال ‪" :‬أربع خصال ‪ ،‬واحدة منهن لي ‪،‬‬
‫وواحدة لك ‪ ،‬وواحدة فيما بيني وبينك ‪ ،‬وواحدة فيما بينك وبين عبادي )‪: (7‬‬
‫ي فما عملت من‬ ‫فأما التي لي فتعبدني ل تشرك بي شيئا ‪ ،‬وأما التي لك عل ّ‬
‫خير جزيتك به ‪ ،‬وأما التي بيني وبينك ‪ :‬فمنك الدعاء وعلي الجابة ‪ ،‬وأما التي‬
‫بينك وبين عبادي فارض لهم ما )‪ (8‬ترضى لنفسك" )‪.(9‬‬
‫وقال )‪ (10‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن ذر ‪ ،‬عن‬
‫ُيسيع الكندي ‪ ،‬عن النعمان بن بشير ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫ج ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫عوِني أ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الدعاء هو العبادة" ثم قرأ ‪ } :‬اد ْ ُ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬
‫م َدا ِ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫خُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫سي َد ْ ُ‬
‫عَباد َِتي َ‬
‫ن ِ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫ن عَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي حاتم عن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وليس أحد كذلك"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في س ‪" :‬يعطهن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في س ‪" :‬ادعوني"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬العباد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بما"‪.‬‬
‫)‪ (9‬مسند أبي يعلى )‪ (5/143‬ورواه البزار في مسنده برقم )‪" (19‬كشف‬
‫الستار" من طريق الحجاج بن المنهال عن صالح المري به وقال ‪" :‬تفرد به‬
‫صالح المري" قال الهيثمي في المجمع )‪" (1/51‬في إسناده صالح المري‬
‫وهو ضعيف وتدليس الحسن أيضا‪ .‬والمحمل هنا على صالح بن بشير المري‬
‫فهو ضعيف جدا وقد تفرد به‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫) ‪(7/153‬‬

‫وهكذا رواه أصحاب السنن ‪ :‬الترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬وابن أبي‬
‫حاتم ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬كلهم من حديث العمش ‪ ،‬به )‪ .(1‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن صحيح‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن جرير أيضا ‪ ،‬من حديث شعبة ‪،‬‬
‫عن منصور ‪ ،‬عن ذر ‪ ،‬به )‪ .(2‬وأخرجه الترمذي أيضا من حديث الثوري ‪ ،‬عن‬
‫منصور والعمش ‪ ،‬كلهما عن ذر ‪ ،‬به )‪.(3‬‬
‫ورواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما ‪ ،‬وقال الحاكم ‪ :‬صحيح السناد )‪.(4‬‬
‫وقال )‪ (5‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثني أبو مليح المدني ‪ -‬شيخ من أهل‬
‫المدينة ‪ -‬سمعه عن أبي صالح ‪ ،‬وقال مرة ‪ :‬سمعت أبا صالح يحدث عن أبي‬
‫هريرة ]رضي الله عنه[ )‪ (6‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"من لم يدع الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬غضب عليه"‪.‬‬
‫تفرد به أحمد )‪ ، (7‬وهذا إسناد ل بأس به‪.‬‬
‫صبيح أبو المليح ‪:‬‬
‫وقال )‪ (8‬المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا مروان الفزاري ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫سمعت أبا صالح يحدث عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬من ل يسأله يغضب عليه" )‪.(9‬‬
‫صب َْيح‪ .‬كذا قيده بالضم عبد الغني بن‬
‫قال ابن معين ‪ :‬أبو المليح هذا اسمه ‪ُ :‬‬
‫شَعب الخوز )‪.(12‬‬ ‫خوزي )‪ ، (11‬سكن ِ‬ ‫سعيد‪ .‬وأما أبو صالح هذا فهو )‪ (10‬ال ُ‬
‫قاله البزار في مسنده‪ .‬وكذا وقع في روايته أبو المليح الفارسي ‪ ،‬عن أبي‬
‫خوزي ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫صالح ال ُ‬
‫"من ل يسأل الله يغضب عليه" )‪.(13‬‬
‫وقال )‪ (14‬الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهُْرمزي ‪ :‬حدثنا‬
‫همام ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن الحسن ‪ ،‬حدثنا نائل بن نجيح ‪ ،‬حدثني عائذ بن حبيب‬
‫‪ ،‬عن محمد بن سعيد قال ‪ :‬لما مات محمد بن مسلمة النصاري ‪ ،‬وجدنا في‬
‫ذؤابة )‪ (15‬سيفه كتابا ‪" :‬بسم الله الرحمن الرحيم ‪ ،‬سمعت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إن لربكم في بقية دهركم نفحات )‪، (16‬‬
‫فتعرضوا له ‪ ،‬لعل دعوة أن توافق رحمة فيسعد )‪ (17‬بها صاحبها سعادة ل‬
‫يخسر بعدها أبدا" )‪.(18‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (4/271‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3372‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم )‪ (11464‬وسنن ابن ماجه برقم )‪ (3828‬وتفسير الطبري )‬
‫‪.(24/51‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود برقم )‪ (1479‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2969‬والنسائي‬
‫في السنن الكبرى برقم )‪ (11446‬وتفسير الطبري )‪.(24/51‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪.(3247‬‬
‫)‪ (4‬صحيح ابن حبان برقم )‪" (2396‬موارد" والمستدرك )‪.(1/491‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (2/477‬وتفرد به أحمد بهذا اللفظ وإل فقد رواه ابن ماجه في‬
‫السنن برقم )‪ (3827‬من طريق وكيع بهذا السناد بلفظ ‪" :‬من لم يسأل الله‬
‫يغضب عليه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(2/442‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬وهو"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬الجزري"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في أ ‪" :‬الجزر"‪.‬‬
‫)‪ (13‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3373‬وقال ‪" :‬أبو المليح اسمه‬
‫صبيح ‪ ،‬وسمعت محمدا يقوله وقال له ‪ :‬فارسي"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (15‬في ت ‪" :‬رواية"‪.‬‬
‫)‪ (16‬في ت ‪" :‬في بقية أيام نفحات" وفي س ‪ ،‬أ ‪" :‬في بقية أيام دهركم‬
‫نفحات"‪.‬‬
‫)‪ (17‬في ت ‪" :‬يسعد"‪.‬‬
‫)‪ (18‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (19/233‬من وجه آخر‪.‬‬

‫) ‪(7/154‬‬

‫ل عََلى‬ ‫ض ٍ‬ ‫ذو فَ ْ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫صًرا إ ِ ّ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫سك ُُنوا ِفيهِ َوالن َّهاَر ُ‬ ‫ل ل ِت َ ْ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬
‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫الل ّ ُ‬
‫يٍء َل‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خال ِقُ ك ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن )‪ (61‬ذ َل ِك ُ ُ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫س َل ي َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا‬ ‫س وَل َك ِ ّ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬‫ت اللهِ ي َ ْ‬ ‫ن كاُنوا ب ِآَيا ِ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (62‬كذ َل ِك ي ُؤْفَك ال ِ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ فَأّنى ت ُؤْفَكو َ‬
‫ُ‬ ‫إ ِل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صوََرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫صوَّرك ُ ْ‬ ‫ماَء ب َِناًء وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ض قََراًرا َوال ّ‬ ‫م اْلْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫‪ (63‬الل ّ ُ‬
‫و‬
‫ن )‪ (64‬هُ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫م فَت ََباَر َ‬‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ت ذ َل ِك ُ ُ‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫وََرَزقَك ُ ْ‬
‫ن )‪(65‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دي َ‬
‫ه ال ّ‬‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عوه ُ ُ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ َفاد ْ ُ‬ ‫ي َل إ ِل َ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عَباد َِتي { أي ‪ :‬عن دعائي وتوحيدي ‪،‬‬ ‫ن ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬صاغرين حقيرين ‪ ،‬كما قال )‪ (1‬المام‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َدا ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫سي َد ْ ُ‬ ‫} َ‬
‫أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن ابن عجلن ‪ ،‬حدثني عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫شر المتكبرون يوم‬ ‫ح َ‬ ‫عن جده ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ي ُ ْ‬
‫القيامة أمثال الذ ّّر ‪ ،‬في صور الناس ‪ ،‬يعلوهم كل شيء من الصغار حتى‬
‫يدخلوا )‪ (2‬سجنا في جهنم ‪ -‬يقال له ‪ :‬بولس ‪ -‬تعلوهم نار النيار ‪ ،‬يسقون‬
‫من طينة الخبال ‪ :‬عصارة أهل النار" )‪.(3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن محمد بن‬
‫هيب )‪ (4‬بن الورد ‪ :‬حدثني رجل‬ ‫خن َْيس ‪ :‬سمعت أبي يحدث عن وُ َ‬ ‫يزيد بن ُ‬
‫قال ‪ :‬كنت أسير ذات يوم في أرض الروم ‪ ،‬فسمعت هاتفا من فوق رأس‬
‫جبل وهو يقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬عجبت لمن عرفك كيف يرجو أحدا غيرك! يا رب ‪،‬‬
‫عجبت لمن عرفك كيف يطلب حوائجه إلى أحد غيرك ‪ -‬قال ‪ :‬ثم ذهبت ‪ ،‬ثم‬
‫جاءت الطامة الكبرى ‪ -‬قال ‪ :‬ثم عاد الثانية فقال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬عجبت لمن‬
‫عرفك كيف يتعرض لشيء من سخطك ُيرضي )‪ (5‬غيرك‪ .‬قال وهيب ‪ :‬وهذه‬
‫الطامة الكبرى‪ .‬قال ‪ :‬فناديته ‪ :‬أجني أنت أم إنسي ؟ قال ‪ :‬بل إنسي ‪،‬‬
‫أشغل نفسك بما ي َْعنيك عما ل يعنيك‪.‬‬
‫ل‬
‫ض ٍ‬ ‫ذو فَ ْ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صًرا إ ِ ّ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫سك ُُنوا ِفيهِ َوالن َّهاَر ُ‬ ‫ل ل ِت َ ْ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫} الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ل‬‫خال ِقُ ك ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن )‪ (61‬ذ َل ِك ُ ُ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫س ل يَ ْ‬ ‫ن أك ْ َث ََر الّنا ِ‬ ‫س وَل َك ِ ّ‬ ‫عَلى الّنا ِ‬
‫َ‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫كاُنوا ِبآَيا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ك ي ُؤْفَ ُ‬ ‫ن )‪ (62‬ك َذ َل ِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ه ِإل هُوَ فَأّنى ت ُؤْفَ ُ‬ ‫يٍء ل إ ِل َ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫صوَّرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ماَء ب َِناًء وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ض قََراًرا َوال ّ‬ ‫م الْر َ‬ ‫َ‬
‫ل لك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (63‬الل ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ه َر ّ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫م فَت ََباَر َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ت ذ َل ِك ُ ُ‬ ‫ن الطي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م وََرَزقَك ُ ْ‬ ‫صوََرك ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫فَأ ْ‬
‫ب‬ ‫ّ‬
‫مد ُ ل ِلهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عوه ُ ُ‬ ‫ه ِإل هُوَ َفاد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ي ل إ ِل َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪ (64‬هُوَ ال َ‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (65‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫يقول تعالى ممتنا على خلقه ‪ ،‬بما جعل لهم من الليل الذي يسكنون فيه‬
‫ويستريحون من حركات ترددهم في المعايش بالنهار ‪ ،‬وجعل النهار مبصرا ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬مضيئا ‪ ،‬ليتصرفوا فيه بالسفار ‪ ،‬وقطع القطار ‪ ،‬والتمكن من الصناعات‬
‫ذو فَضل عََلى الناس ول َك َ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ن { )‪ (6‬أي ‪ :‬ل‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫س ل يَ ْ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ّ ِ َ ِ ّ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫‪ } ،‬إِ ّ‬
‫يقومون بشكر نعم )‪ (7‬الله عليهم‪.‬‬
‫ه ِإل هُوَ { أي ‪ :‬الذي فعل‬ ‫يٍء ل إ ِل ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫خال ِقُ ك‬ ‫م َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ذ َل ِك ُ ُ‬
‫هذه الشياء هو الله الواحد الحد ‪ ،‬خالق الشياء ‪ ،‬الذي ل إله غيره ‪ ،‬ول رب‬
‫ن { أي ‪ :‬فكيف تعبدون غيره من الصنام ‪ ،‬التي ل‬ ‫كو َ‬ ‫سواه ‪ } ،‬فَأ َّنى ت ُؤْفَ ُ‬
‫تخلق شيئا ‪ ،‬بل هي مخلوقة منحوتة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يدخلون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(2/179‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده عن وهيب"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬يرضى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬ولكن أكثرهم"‪ .‬وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬ما أنعم"‪.‬‬

‫) ‪(7/155‬‬
‫ل إني نهيت أ َ َ‬
‫ن َرّبي‬
‫م ْ‬ ‫ي ال ْب َي َّنا ُ‬
‫ت ِ‬ ‫جاَءن ِ َ‬ ‫ن الل ّهِ ل َ ّ‬
‫ما َ‬ ‫ن ُدو ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫عو َ‬
‫ن ت َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن أعْب ُد َ ال ّ ِ‬
‫قُ ْ ِ ّ ُ ِ ُ ْ‬
‫وأ ُمرت أ َ ُ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫م ل َِر ّ‬‫سل ِ َ‬
‫نأ ْ‬‫َ ِ ْ ُ ْ‬

‫ن { أي ‪ :‬كما ضل هؤلء‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت الل ّهِ ي َ ْ‬ ‫كاُنوا ِبآَيا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ك ي ُؤْفَ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫بعبادة غير الله ‪ ،‬كذلك أفك الذين من قبلهم ‪ ،‬فعبدوا غيره بل دليل ول برهان‬
‫بل بمجرد الجهل والهوى ‪ ،‬وجحدوا حجج الله وآياته‪.‬‬
‫ض قََراًرا { أي ‪ :‬جعلها مستقرا لكم ‪،‬‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫بساطا مهادا تعيشون عليها ‪ ،‬وتتصرفون فيها ‪ ،‬وتمشون في مناكبها ‪،‬‬
‫ماَء ب َِناًء { أي ‪ :‬سقفا للعالم‬ ‫س َ‬ ‫وأرساها بالجبال لئل تميد بكم ‪َ } ،‬وال ّ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬فخلقكم في أحسن الشكال ‪،‬‬ ‫صوََرك ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫صوَّرك ُ ْ‬ ‫محفوظا ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ت { أي ‪ :‬من‬ ‫با‬
‫َّ ِ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ط‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ْ ِ َ‬‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫ََ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫تقويم‬ ‫أحسن‬ ‫في‬ ‫الصور‬ ‫ومنحكم أكمل‬
‫المآكل والمشارب في الدنيا‪ .‬فذكر أنه خلق الدار ‪ ،‬والسكان ‪ ،‬والرزاق ‪-‬‬
‫َ‬
‫دوا َرب ّك ُ ُ‬
‫م‬ ‫س اعْب ُ ُ‬ ‫فهو الخالق الرازق ‪ ،‬كما قال في سورة البقرة ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫شا‬ ‫ض فَِرا ً‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن‪ .‬ال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َفل‬ ‫ت رِْزًقا لك ُ ْ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ج ب ِهِ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ماَء ب َِناًء وَأنز َ‬ ‫س َ‬‫َوال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]البقرة ‪ (1) [ 20 ، 21 :‬وقال هاهنا بعد‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل ُ‬ ‫داًدا وَأن ْت ُ ْ‬ ‫جعَُلوا ل ِلهِ أن ْ َ‬
‫ّ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ب الَعال ِ‬‫ْ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ّ‬
‫ك الل ُ‬ ‫م فَت ََباَر َ‬ ‫ُ‬
‫ه َرب ّك ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫خلق هذه الشياء ‪ } :‬ذ َل ِك ُ‬
‫فتعالى وتقدس وتنزه رب العالمين كلهم‪.‬‬
‫دا ‪ ،‬لم يزل ول‬ ‫ه ِإل هُوَ { أي ‪ :‬هو الحي أزل وأب ً‬ ‫ي ل إ ِل َ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬هُوَ ال ْ َ‬
‫ه ِإل هُوَ { أي ‪ :‬ل نظير‬ ‫يزال ‪ ،‬وهو الول والخر ‪ ،‬والظاهر والباطن ‪ } ،‬ل إ ِل َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬موحدين له مقرين بأنه‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عوه ُ ُ‬ ‫له ول عديل له ‪َ } ،‬فاد ْ ُ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫ْ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل إله إل هو } ال ْ َ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬كان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال ‪" :‬ل إله إل الله"‬
‫أن يتبعها بالحمد لله رب العالمين ‪ ،‬عمل بهذه الية‪.‬‬
‫ثم روى عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن الحسين بن‬
‫واقد ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس )‪ (2‬قال ‪ :‬من قال ‪" :‬ل إله‬
‫إل الله" فليقل على أثرها ‪" :‬الحمد لله رب العالمين" فذلك )‪ (3‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عوه ُ ُ‬ ‫} َفاد ْ ُ‬
‫وقال أبو أسامة وغيره ‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن سعيد بن جبير‬
‫ن { ]غافر ‪ ، [14 :‬فقل ‪" :‬ل‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫عوا الل ّ َ‬ ‫قال ‪ :‬إذا قرأت ‪َ } :‬فاد ْ ُ‬
‫إله إل الله" وقل على أثرها ‪" :‬الحمد لله رب العالمين" ثم قرأ هذه الية ‪:‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عوه ُ ُ‬ ‫} َفاد ْ ُ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫} قُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ي الب َي َّنا ُ‬ ‫جاَءن ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن اللهِ ل ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن أعْب ُد َ ال ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ل إ ِّني ن ُِهي ُ‬
‫ن )‪{ (66‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫م ل َِر ّ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫َرّبي وَأ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في س ‪" :‬اتقوا" وهوز خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ثم روى بإسناده عن ابن عباس"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬وذلك"‪.‬‬

‫) ‪(7/156‬‬

‫فًل ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫م طِ ْ‬‫جك ُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬‫م يُ ْ‬ ‫ن عَل َ َ‬
‫قةٍ ث ُ ّ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫فةٍ ث ُ ّ‬ ‫ن ن ُط ْ َ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬‫ب ثُ ّ‬
‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫جًل‬ ‫َ‬ ‫ل ِت َب ْل ُُغوا أ َ ُ‬
‫ل وَل ِت َب ْل ُُغوا أ َ‬‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ن ي ُت َوَّفى ِ‬
‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫خا وَ ِ‬
‫شُيو ً‬‫كوُنوا ُ‬ ‫م ل ِت َ ُ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫شد ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫مًرا فَإ ِن ّ َ‬
‫ما‬ ‫ت فَإ َِذا قَ َ‬
‫ضى أ ْ‬ ‫مي ُ‬
‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ن )‪ (67‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ذي ي ُ ْ‬ ‫قُلو َ‬ ‫مى وَل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َعْ ِ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(68‬‬ ‫ُ‬
‫ن في َكو ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هك ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قول ل ُ‬ ‫يَ ُ‬

‫فل ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫م طِ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬‫م يُ ْ‬‫قةٍ ث ُ ّ‬‫ن عَل َ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫فةٍ ث ُ ّ‬‫ن ن ُط ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ثُ ّ‬
‫ن ت َُرا ٍ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬‫خل َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫} هُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ل ِت َب ْل ُُغوا أ َ ُ‬
‫جل‬ ‫ل وَل ِت َب ْل ُُغوا أ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ن ي ُت َوَّفى ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫خا وَ ِ‬ ‫شُيو ً‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫م ل ِت َ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫شد ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫مًرا فَإ ِن ّ َ‬
‫ما‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫ت فَإ َِذا قَ َ‬ ‫مي ُ‬
‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ن )‪ (67‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬‫مى وَل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪{ (68‬‬ ‫ُ‬
‫ن فَي َكو ُ‬ ‫ُ‬
‫هك ْ‬ ‫َ‬
‫لل ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬قل يا محمد لهؤلء المشركين ‪ :‬إن الله ينهى أن ي ُعَْبد أحد سواه‬
‫من الصنام والنداد‬

‫) ‪(7/156‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ك َذ ُّبوا‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (69‬ال ّ ِ‬ ‫صَرُفو َ‬ ‫ت الل ّهِ أّنى ي ُ ْ‬ ‫ن ِفي آ ََيا ِ‬ ‫جادُِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ن )‪ (70‬إ ِذِ اْل َغَْل ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ل ِفي أعَْناقِهِ ْ‬ ‫مو َ‬‫ف ي َعْل َ ُ‬‫سو ْ َ‬ ‫سل ََنا فَ َ‬ ‫سل َْنا ب ِهِ ُر ُ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ب وَب ِ َ‬ ‫ِبال ْك َِتا ِ‬
‫م ِقي َ‬
‫ل‬ ‫ن )‪ (72‬ث ُ ّ‬ ‫جُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي الّنارِ ي ُ ْ‬ ‫ميم ِ ث ُ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪ِ (71‬في ال َ‬ ‫حُبو َ‬ ‫س َ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫سَل ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫عو‬ ‫م ن َك ُ ْ‬
‫ن ن َد ْ ُ‬ ‫لل ْ‬ ‫ضلوا عَّنا ب َ ْ‬ ‫ن اللهِ َقالوا َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ِ (73‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ن ِفي‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن )‪ (74‬ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫كافِ‬‫ه ال ْ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬‫ك يُ ِ‬ ‫شي ًْئا ك َذ َل ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن ِفيَها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫ب َ‬ ‫وا َ‬ ‫خلوا أب ْ َ‬ ‫ن )‪ (75‬اد ْ ُ‬ ‫حو َ‬ ‫مَر ُ‬‫م تَ ْ‬ ‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫حقّ وَب ِ َ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ن )‪(76‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫مت َكب ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫وى ال ُ‬ ‫مث ْ َ‬‫س َ‬ ‫فَب ِئ ْ َ‬

‫و‬
‫والوثان‪ .‬وقد بين تعالى أنه ل يستحق العبادة أحد سواه ‪ ،‬في قوله ‪ } :‬هُ َ‬
‫م ل ِت َب ْل ُُغوا‬‫فل ث ُ ّ‬ ‫م طِ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫قةٍ ث ُ ّ‬ ‫ن عَل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫فةٍ ث ُ ّ‬ ‫ن ن ُط ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫خا { أي ‪ :‬هو الذي يقلبكم في هذه الطوار كلها ‪،‬‬ ‫شُيو ً‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫م ل ِت َ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫شد ّك ُ ْ‬ ‫أَ ُ‬
‫م‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫وحده ل شريك له ‪ ،‬وعن أمره وتدبيره وتقديره يكون ذلك كله ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫ل { أي ‪ :‬من قبل أن يوجد ويخرج إلى هذا العالم ‪ ،‬بل‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي ُت َوَّفى ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫تسقطه أمه سقطا ‪ ،‬ومنهم من يتوفى صغيرا ‪ ،‬وشابا ‪ ،‬وكهل قبل‬
‫َ‬
‫ل‬‫ج ٍ‬ ‫شاُء إ َِلى أ َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫حام ِ َ‬ ‫قّر ِفي الْر َ‬ ‫م وَن ُ ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫الشيخوخة ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ل ِن ُب َي ّ َ‬
‫ن { قال ابن جريج ‪،‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مى { ]الحج ‪ [5 :‬وقال هاهنا ‪ } :‬وَلعَلك ْ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫تتذكرون البعث‪.‬‬
‫ت { أي ‪ :‬هو المتفرد بذلك ‪ ،‬ل يقدر على‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ثم قال ‪ } :‬هُوَ ال ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يخالف‬ ‫ن في َكو ُ‬ ‫هك ْ‬ ‫قول ل ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫مًرا فإ ِن ّ َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫ذلك أحد سواه ‪ } ،‬فإ َِذا ق َ‬
‫ول يمانع ‪ ،‬بل ما شاء كان ]ل محالة[ )‪.(1‬‬
‫ن ك َذ ُّبوا‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫(‬ ‫‪69‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫نى‬ ‫} أ َل َم تر إَلى ال ّذين يجادُلون في آيات الل ّه أ َ‬
‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ّ ُ ْ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ َ ُ َ ِ َ ِ‬ ‫ْ ََ ِ‬
‫ل في أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫َ ِ ِ ْ‬ ‫ق‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫غل‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ذ‬
‫ِِ‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪70‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مو‬
‫َ ْ َ َْ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫نا‬
‫ب وَب ِ َ ْ َ َ ِ ِ ُ ُ َ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ِبال ْك َِتا ِ‬
‫ل‬‫م ِقي َ‬ ‫ن )‪ (72‬ث ُ ّ‬ ‫جُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي الّنارِ ي ُ ْ‬ ‫ميم ِ ث ُ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن )‪ِ (71‬في ال ْ َ‬ ‫حُبو َ‬ ‫س َ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫سل ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫عو‬
‫ن ن َد ْ ُ‬ ‫م ن َك ُ ْ‬ ‫لل ْ‬ ‫ضلوا عَّنا ب َ ْ‬ ‫ن اللهِ َقالوا َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ِ (73‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ن ِفي‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن )‪ (74‬ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫كافِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ك يُ ِ‬ ‫شي ًْئا ك َذ َل ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ِفيَها‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫وا َ‬ ‫خلوا أب ْ َ‬ ‫ن )‪ (75‬اد ْ ُ‬ ‫حو َ‬ ‫مَر ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫حقّ وَب ِ َ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ن )‪{ (76‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫مت َكب ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫وى ال ُ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫فَب ِئ ْ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬أل تعجب يا محمد من هؤلء المكذبين بآيات الله ‪ ،‬ويجادلون‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫في الحق والباطل ‪ ،‬كيف ُتصّرف عقولهم عن الهدى إلى الضلل ‪ } ،‬ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ف‬
‫سو ْ َ‬ ‫سل ََنا { أي ‪ :‬من الهدى والبيان ‪ } ،‬فَ َ‬ ‫سل َْنا ب ِهِ ُر ُ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ب وَب ِ َ‬ ‫ك َذ ُّبوا ِبال ْك َِتا ِ‬
‫ن { هذا تهديد شديد ‪ ،‬ووعيد أكيد ‪ ،‬من الرب ‪ ،‬جل جلله ‪ ،‬لهؤلء ‪ ،‬كما‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ن { ]المرسلت ‪.[15 :‬‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ِل ْ ُ‬ ‫ل ي َوْ َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬وَي ْ ٌ‬
‫سل { أي ‪ :‬متصلة بالغلل ‪ ،‬بأيدي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِذِ ال ْ‬
‫سل ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫غلل ِفي أعَْناقِهِ ْ‬
‫الزبانية يسحبونهم على وجوههم ‪ ،‬تارة إلى الحميم وتارة إلى الجحيم ؛ ولهذا‬
‫ه‬
‫ن { ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬هَذِ ِ‬ ‫جُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي الّنارِ ي ُ ْ‬ ‫ميم ِ ث ُ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن‪ِ .‬في ال ْ َ‬ ‫حُبو َ‬ ‫س َ‬ ‫قال ‪ } :‬ي ُ ْ‬
‫ن { ]الرحمن ‪:‬‬ ‫ميم ٍ آ ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ‬ ‫طوُفو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ب َِها ال ْ ُ‬ ‫م ال ِّتي ي ُك َذ ّ ُ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫ّ ِ ّ َ ْ ِ َ ُ ْ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الحميم‬ ‫وشربهم‬ ‫الزقوم‬ ‫أكلهم‬ ‫كره‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫بعد‬ ‫وقال‬ ‫[‪.‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪43‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫ما أ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حيم ِ { ]الصافات ‪ [68 :‬وقال } وَأ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫لَلى ال ْ َ‬
‫ريم ٍ { إلى أن قال‬ ‫م‪ .‬ل َبارِدٍ َول ك َ ِ‬ ‫مو ٍ‬ ‫ح ُ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م‪ .‬وَظ ِ ّ‬ ‫مي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫موم ٍ وَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ل‪ِ .‬في َ‬
‫َ‬
‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ال ّ‬
‫مال ُِئو َ‬ ‫م‪ .‬فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫مك َذ ُّبو َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫ن َزّقو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫جرٍ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن‪ .‬لك ِلو َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ضالو َ‬ ‫م أي َّها ال ّ‬ ‫‪ } :‬ثُ ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ذا نزلهُ ْ‬ ‫م‪ .‬هَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م‪ .‬فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‪ .‬فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ب الِهي ِ‬ ‫شْر َ‬ ‫شارُِبو َ‬ ‫مي ِ‬ ‫ح ِ‬‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَلي ْهِ ِ‬ ‫شارُِبو َ‬ ‫من َْها الب ُطو َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م‪.‬‬
‫م الِثي ِ‬ ‫م‪ .‬طَعا ُ‬ ‫جَرةَ الّزّقو ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن { ]الواقعة ‪ .[56 - 41 :‬وقال } إ ِ ّ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذوه ُ َفاعْت ِلوه ُ إ ِلى َ‬‫ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫كال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫حي ِ‬ ‫ج ِ‬‫واِء ال َ‬ ‫س َ‬
‫َ‬
‫م‪ُ .‬‬ ‫مي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ن‪ .‬كغَل ِ‬ ‫ل ي َغِْلي ِفي الب ُطو ِ‬
‫ْ‬
‫مهْ ِ‬
‫ما‬‫ذا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م‪ .‬إ ِ ّ‬ ‫ري ُ‬ ‫زيُز ال ْك َ ِ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫م‪ .‬ذ ُقْ إ ِن ّ َ‬ ‫مي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ ِ‬ ‫صّبوا فَوْقَ َرأ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن { ]الدخان ‪، [50 - 43 :‬‬ ‫مت َُرو َ‬ ‫م ب ِهِ ت َ ْ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/157‬‬

‫م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ‬
‫ك فَإ ِل َي َْنا‬ ‫ض ال ّ ِ‬
‫ذي ن َعِد ُهُ ْ‬ ‫ما ن ُرِي َن ّ َ‬
‫ك ب َعْ َ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬
‫حقّ فَإ ِ ّ‬ ‫َفا ْ‬
‫صب ِْر إ ِ ّ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي ُْر َ‬

‫أي ‪ :‬يقال لهم ذلك على وجه التقريع والتوبيخ ‪ ،‬والتحقير والتصغير ‪ ،‬والتهكم‬
‫والستهزاء بهم‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أحمد بن منيع ‪ ،‬حدثنا‬
‫منصور بن عمار ‪ ،‬حدثنا بشير )‪ (1‬بن طلحة الخزامي ‪ ،‬عن خالد بن د َُرْيك ‪،‬‬
‫من َْيه ‪ -‬رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‬ ‫عن يعلى بن ُ‬
‫‪" :‬ينشئ الله سحابة لهل النار سوداء مظلمة ‪ ،‬ويقال ‪ :‬يا أهل النار ‪ ،‬أي‬
‫شيء تطلبون ؟ فيذكرون بها سحاب الدنيا فيقولون ‪ :‬نسأل ب َْرد الشراب ‪،‬‬
‫فتمطرهم أغلل تزيد في أغللهم ‪ ،‬وسلسل تزيد في سلسلهم ‪ ،‬وجمرا‬
‫ب النار عليهم"‪ .‬هذا حديث غريب )‪.(2‬‬ ‫ي ُل ْهِ ُ‬
‫ن الل ّهِ { أي ‪ :‬قيل لهم ‪:‬‬ ‫َ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن‪ِ .‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬‫م ِقي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ُ‬
‫أين الصنام التي كنتم تعبدونها من دون الله ؟ هل ينصرونكم اليوم ؟ } َقالوا‬
‫شي ًْئا { أي ‪:‬‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ن ن َد ْ ُ‬ ‫م ن َك ُ ْ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫ضّلوا عَّنا { أي ‪ :‬ذهبوا فلم ينفعونا ‪ } ،‬ب َ ْ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ن قالوا َواللهِ َرب َّنا َ‬ ‫م ِإل أ ْ‬ ‫ن فِت ْن َت ُهُ ْ‬ ‫م ت َك ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫جحدوا عبادتهم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫ه الكافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ضل الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]النعام ‪ [23 :‬؛ ولهذا قال ‪ } :‬كذ َل ِك ي ُ ِ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ك ُّنا ُ‬
‫ن{‬ ‫حو َ‬ ‫مَر ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫حقّ وَب ِ َ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬‫م بِ َ‬‫وقوله ‪ } :‬ذ َل ِك ُ ْ‬
‫أي ‪ :‬تقول لهم الملئكة ‪ :‬هذا الذي أنتم فيه جزاء على فرحكم في الدنيا بغير‬
‫َ‬
‫ن ِفيَها فَب ِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫وا َ‬‫خُلوا أب ْ َ‬ ‫الحق ‪ ،‬ومرحكم وأشركم وبطركم ‪ } ،‬اد ْ ُ‬
‫ل الذي فيه الهوان والعذاب‬ ‫قي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل وال َ‬ ‫منز ُ‬ ‫ن { أي ‪ :‬فبئس ال ْ‬ ‫ري َ‬ ‫مت َك َب ّ ِ‬‫وى ال ْ ُ‬ ‫مث ْ َ‬‫َ‬
‫حججه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫دلئله‬ ‫واتباع‬ ‫‪،‬‬ ‫الله‬ ‫آيات‬ ‫عن‬ ‫استكبر‬ ‫لمن‬ ‫‪،‬‬ ‫الشديد‬
‫ك فَإ ِل َي َْنا‬ ‫م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ‬ ‫ذي ن َعِد ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫ك ب َعْ َ‬ ‫ما ن ُرِي َن ّ َ‬ ‫حقّ فَإ ِ ّ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫صب ِْر إ ِ ّ‬‫} َفا ْ‬
‫ن )‪{ (77‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي ُْر َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬بشر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه الطبراني في الوسط برقم )‪ (4846‬وابن عدي في الكامل )‬
‫‪ (6/394‬من طريق أحمد بن منيع عن منصور به ‪ ،‬وقال الطبراني ‪" :‬ل يروى‬
‫إل بهذا السناد تفرد به منصور"‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/390‬فيه‬
‫من فيه ضعف قليل ‪ ،‬وفيه من لم أعرفه"‪.‬‬

‫) ‪(7/158‬‬

‫ول َ َ َ‬
‫ص‬
‫ص ْ‬ ‫ق ُ‬‫نَ ْ‬ ‫م‬‫ن لَ ْ‬‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫صَنا عَل َي ْ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ن قَ َ‬‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫سًل ِ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َأت ِي بآ َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ض َ‬‫قُ ِ‬ ‫مُر الل ّهِ‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫جا‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ِ‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬‫إ‬
‫ِ ِِ ِ‬‫ب‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ل‬‫ٍ‬ ‫سو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫سَر هَُنال ِ َ‬ ‫خ ِ‬‫حق ّ و َ َ‬‫ِبال ْ َ‬
‫} ول َ َ َ‬
‫ص‬
‫ص ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫صَنا عَل َي ْ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ن قَ َ‬‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫سل ِ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫كان ل ِرسول أ َن يأ ْت ِي بآية إل بإذ ْن الل ّه فَإَذا جاَء أ َ‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ر‬ ‫ْ ُ‬‫م‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ َ ُ ٍ ْ َ َ ِ َ ِ ِِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ما‬‫َ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫عَل َي ْ‬
‫ن )‪{ (78‬‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬‫سَر هَُنال ِ َ‬ ‫خ ِ‬‫حق ّ و َ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫يقول تعالى آمرا رسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬بالصبر على تكذيب من‬
‫كذبه من قومه ؛ فإن الله سينجز لك ما وعدك من النصر والظفر على قومك‬
‫ض ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫ك ب َعْ َ‬ ‫ما ن ُرِي َن ّ َ‬ ‫‪ ،‬وجعل العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والخرة ‪ } ،‬فَإ ِ ّ‬
‫م { أي ‪ :‬في الدنيا‪ .‬وكذلك وقع ‪ ،‬فإن الله أقر أعينهم من كبرائهم‬ ‫ن َعِد ُهُ ْ‬
‫وعظمائهم ‪ ،‬أبيدوا في يوم بدر‪ .‬ثم فتح الله عليه مكة وسائر جزيرة العرب‬
‫في أيام حياته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬فنذيقهم العذاب الشديد في‬ ‫جُعو َ‬ ‫ك فَإ ِل َي َْنا ي ُْر َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ‬
‫الخرة‪.‬‬
‫صَنا عَل َي ْ َ‬
‫ك‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫سل‬
‫َ ْ ْ َ َ ُ ُ ِ ْ ِْ‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫له‬ ‫مسليا‬ ‫ثم قال‬
‫َ ْ‬ ‫ِ ُْ ْ َ ْ‬
‫ك { كما قال في "سورة النساء" سواء ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ص عَل َي ْ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫منهم من أوحينا إليك خبرهم وقصصهم مع قومهم كيف كذبوهم ثم كانت‬
‫ك { وهم أكثر ممن‬ ‫ص عَل َي ْ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م نَ ْ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫للرسل العاقبة والنصرة ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫ذكر‬

‫) ‪(7/158‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫مَنافِعُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ن )‪ (79‬وَل َك ُ ْ‬ ‫من َْها ت َأك ُُلو َ‬ ‫من َْها وَ ِ‬ ‫م ل ِت َْرك َُبوا ِ‬ ‫م اْلن َْعا َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ريك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن )‪ (80‬وَي ُ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك تُ ْ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫م وَعَل َي َْها وَعََلى ال ْ ُ‬ ‫دورِك ُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ة ِفي ُ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫وَل ِت َب ْل ُُغوا عَل َي َْها َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫سيُروا ِفي اْلْر‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ن )‪ (81‬أفَل َ ْ‬ ‫ت الل ّهِ ت ُن ْك ُِرو َ‬ ‫آ ََيات ِهِ فَأيّ آ ََيا ِ‬
‫ما أ َغَْنى‬ ‫ض فَ َ‬
‫َْ‬
‫شد ّ قُوّة ً وَآَثاًرا ِفي الْر ِ‬
‫َ‬ ‫م وَأ َ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫كاُنوا أك ْث ََر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫حوا ب ِ َ‬ ‫ت فرِ ُ‬‫َ‬ ‫م ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫ْ‬ ‫سلهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (82‬فل ّ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ْ‬
‫ما كاُنوا ي َك ِ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫مّنا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫سَنا قالوا آ َ‬ ‫ما َرأْوا ب َأ َ‬ ‫ن )‪ (83‬فل ّ‬ ‫ست َهْزِئو َ‬ ‫ما كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫ن العِلم ِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ما َرأ َْوا‬ ‫م ل َّ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫إي‬ ‫م‬
‫ْ َ َْ ُ ُ ْ ِ َ ُُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪84‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫كي‬ ‫ر‬
‫ّ ِ ِ ُ ِ ِ َ‬‫ْ‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬
‫ِ ِ َ ْ َ ُ َ ْ َ ِ َ‬‫ك‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بال‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(85‬‬ ‫ِ ُ َ‬‫رو‬ ‫ف‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ه‬ ‫ر‬
‫ِ َ ِ ِ َ ِ َ َُ ِ‬ ‫س‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫د‬‫با‬ ‫ع‬ ‫في‬ ‫ْ ِ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ة الل ّهِ ال ِّتي ْ‬
‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫سن ّ َ‬‫سَنا ُ‬ ‫ب َأ َ‬

‫بأضعاف أضعاف ‪ ،‬كما تقدم التنبيه على ذلك في سورة النساء )‪ ، (1‬ولله‬
‫الحمد والمنة‪.‬‬
‫ن الل ّهِ { أي ‪ :‬ولم يكن لواحد‬ ‫ْ‬ ‫كان ل ِرسو َ‬
‫ي ِبآي َةٍ ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫ن ي َأت ِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ما َ َ َ ُ ٍ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫من الرسل أن يأتي قومه بخارق للعادات ‪ ،‬إل أن يأذن الله )‪ (2‬له في ذلك ‪،‬‬
‫مُر الل ّهِ { وهو عذابه‬ ‫َ‬
‫جاَء أ ْ‬ ‫فيدل ذلك على صدقه فيما جاءهم به ‪ } ،‬فَإ َِذا َ‬
‫حقّ { فينجو المؤمنون ‪ ،‬ويهلك‬ ‫ي ِبال ْ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ونكاله المحيط بالمكذبين } قُ ِ‬
‫ن{‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫سَر هَُنال ِ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫الكافرون ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ْ‬
‫م ِفيَها‬ ‫ن )‪ (79‬وَل َك ُ ْ‬ ‫من َْها ت َأك ُُلو َ‬ ‫من َْها وَ ِ‬ ‫م ل ِت َْرك َُبوا ِ‬ ‫م الن َْعا َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫} الل ّ ُ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ح َ‬‫ك تُ ْ‬ ‫ْ‬
‫فل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م وَعَلي َْها وَعَلى ال ُ‬ ‫َ‬ ‫دورِك ُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ة ِفي ُ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مَنافِعُ وَل ِت َب ْلُغوا عَلي َْها َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ريك ُْ‬
‫ن )‪{ (81‬‬ ‫ت اللهِ ت ُن ْك ُِرو َ‬ ‫م آَيات ِهِ فَأيّ آَيا ِ‬ ‫وَي ُِ‬
‫يقول تعالى ممتنا على عباده ‪ ،‬بما خلق لهم من النعام ‪ ،‬وهي البل والبقر‬
‫ْ‬
‫ن { ]يس ‪ ، [72 :‬فالبل تركب وتؤكل‬ ‫من َْها ي َأك ُُلو َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫كوب ُهُ ْ‬ ‫من َْها َر ُ‬ ‫والغنم } فَ ِ‬
‫وتحلب ‪ ،‬ويحمل عليها الثقال في السفار والرحال إلى البلد النائية ‪،‬‬
‫والقطار الشاسعة‪ .‬والبقر تؤكل ‪ ،‬ويشرب لبنها ‪ ،‬وتحرث عليها الرض‪.‬‬
‫والغنم تؤكل ‪ ،‬ويشرب لبنها ‪ ،‬والجميع تجز أصوافها وأشعارها وأوبارها ‪،‬‬
‫ن في أماكن تقدم ذكرها في‬ ‫صل وب َي ّ َ‬ ‫فيتخذ منها الثاث والثياب والمتعة كما فَ ّ‬
‫"سورة النعام" )‪ ، (3‬و "سورة النحل" )‪ ، (4‬وغير ذلك ؛ ولهذا قال هاهنا ‪} :‬‬
‫ْ‬
‫دورِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ص ُ‬ ‫ة ِفي ُ‬ ‫ج ً‬‫حا َ‬ ‫مَنافِعُ وَل ِت َب ْل ُُغوا عَل َي َْها َ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ن‪ .‬وَل َك ُ ْ‬ ‫من َْها ت َأك ُُلو َ‬ ‫من َْها وَ ِ‬ ‫ل ِت َْرك َُبوا ِ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك تُ ْ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫وَعَل َي َْها وَعََلى ال ْ ُ‬
‫م آَيات ِهِ { أي ‪ :‬حججه وبراهينه في الفاق وفي أنفسكم ‪،‬‬ ‫ريك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل تقدرون على إنكار شيء من آياته ‪ ،‬إل أن‬ ‫ت الل ّهِ ت ُن ْك ُِرو َ‬ ‫} فَأيّ آَيا ِ‬
‫تعاندوا وتكابروا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ض فَي َن ْظُروا ك َي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫سيُروا ِفي الْر‬ ‫م يَ ِ‬ ‫} أفَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫م وَأ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ما أغَْنى عَن ْهُ ْ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫شد ّ قُوّة ً َوآَثاًرا ِفي الْر ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫أك ْث ََر ِ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫ن ال ْعِل ْم ِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫حوا ب ِ َ‬ ‫ت فَرِ ُ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل ُهُ ْ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما ك ُّنا ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫فْرَنا ب ِ َ‬ ‫حد َه ُ وَك َ َ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَ ْ‬ ‫سَنا َقاُلوا آ َ‬ ‫ما َرأْوا ب َأ َ‬ ‫ن )‪ (83‬فَل َ ّ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫ب ِهِ ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫خل ْ‬ ‫ة اللهِ الِتي قَد ْ َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫سَنا ُ‬ ‫ما َرأْوا ب َأ َ‬ ‫مل ّ‬ ‫مان ُهُ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫فعُهُ ْ‬ ‫م ي َك ي َن ْ َ‬ ‫ن )‪ (84‬فَل ْ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪{ (85‬‬ ‫َ‬
‫سَر هَُنال ِك الكافُِرو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫خ ِ‬ ‫عَبادِهِ وَ َ‬ ‫ِفي ِ‬
‫يخبر تعالى عن المم المكذبة بالرسل في قديم الدهر ‪ ،‬وماذا حل بهم من‬
‫العذاب الشديد ‪ ،‬مع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬راجع تفسير الية ‪ 164 :‬من سورة النساء‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬إل بإذن الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬راجع تفسير اليات ‪ 144 - 141 :‬من سورة النعام‪.‬‬
‫)‪ (4‬راجع تفسير اليات ‪ 8 - 5 :‬من سورة النحل‪.‬‬

‫) ‪(7/159‬‬

‫شدة قواهم ‪ ،‬وما أ َّثروه في الرض ‪ ،‬وجمعوه من الموال ‪ ،‬فما أغنى عنهم‬
‫ذلك شيئا ‪ ،‬ول رد عنهم ذرة من بأس الله ؛ وذلك لنهم لما جاءتهم الرسل )‬
‫‪ (1‬بالبينات ‪ ،‬والحجج القاطعات ‪ ،‬والبراهين الدامغات ‪ ،‬لم يلتفتوا إليهم ‪ ،‬ول‬
‫أقبلوا عليهم ‪ ،‬واستغنوا بما عندهم من العلم في زعمهم عما جاءتهم به‬
‫الرسل‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬قالوا ‪ :‬نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬فرحوا بما عندهم من العلم بجهالتهم ‪ ،‬فأتاهم من بأس الله‬
‫ما ل قَِبل لهم به‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يكذبون‬ ‫ُ‬
‫ست َهْزِئو َ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫م { أي ‪ :‬أحاط بهم } َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫ويستبعدون وقوعه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫َ ّ ِ ِ َ ْ َ ُ‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫لوا‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫بهم‬ ‫العذاب‬ ‫وقوع‬ ‫عاينوا‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫سَنا‬ ‫ما َرأْوا ب َأ َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬وحدوا الله وكفروا بالطاغوت ‪ ،‬ولكن حيث‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ما ك ُّنا ب ِهِ ُ‬ ‫فْرَنا ب ِ َ‬ ‫وَك َ َ‬
‫قال العثرات ‪ ،‬ول تنفع المعذرة‪ .‬وهذا كما قال فرعون حين أدركه الغرق ‪:‬‬ ‫ل تُ َ‬
‫ن{‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ل وَأَنا ِ‬ ‫ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْ‬‫من َ ْ‬
‫ذي آ َ‬ ‫ه ِإل ال ِ‬ ‫ه ل إ ِل َ‬ ‫ت أن ّ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫}آ َ‬
‫ل وَك ُن ْ َ‬
‫ت‬ ‫ت قَب ْ ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ن وَقَد ْ عَ َ‬ ‫]يونس ‪ ، [90 :‬قال الله ]تبارك و[ )‪ (2‬تعالى ‪ } :‬آل َ‬
‫ن { ]يونس ‪ [91 :‬أي ‪ :‬فلم يقبل الله منه ؛ لنه قد استجاب‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫حّتى‬ ‫مُنوا َ‬ ‫م َفل ي ُؤْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شد ُد ْ عَلى قُلوب ِهِ ْ‬ ‫لنبيه موسى دعاءه عليه حين قال ‪َ } :‬وا ْ‬
‫م ي َكُ‬ ‫َ‬
‫م { ]يونس ‪ .[88 :‬و]هكذا[ )‪ (3‬هاهنا قال ‪ } :‬فَل ْ‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ي ََرُوا ال ْعَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫عَبادِهِ { أي ‪ :‬هذا‬ ‫ت ِفي ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ة الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ‬ ‫سن ّ َ‬
‫سَنا ُ‬ ‫ما َرأْوا ب َأ َ‬ ‫م لَ ّ‬ ‫مان ُهُ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫فعُهُ ْ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫ن تاب عند معاينة العذاب ‪ :‬أنه ل يقبل ؛ ولهذا جاء‬ ‫م ْ‬ ‫حكم الله في جميع )‪َ (4‬‬
‫في الحديث ‪" :‬إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" )‪ (5‬أي ‪ :‬فإذا غرغر‬
‫سَر‬ ‫خ ِ‬ ‫وبلغت الروح الحنجرة ‪ ،‬وعاين الملك ‪ ،‬فل توبة حينئذ ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن{‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫هَُنال ِ َ‬
‫آخر تفسير "سورة غافر )‪ ، (6‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬رسلهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬في جميع عباده"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3537‬وابن ماجه في السنن برقم )‬
‫‪ (4253‬من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (6‬في س ‪" :‬المؤمن"‪.‬‬

‫) ‪(7/160‬‬

‫قوْم ٍ‬ ‫ه قُْرآ ًَنا عََرب ِّيا ل ِ َ‬ ‫َ‬


‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫صل َ ْ‬
‫ب فُ ّ‬ ‫حيم ِ )‪ (2‬ك َِتا ٌ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫زي ٌ‬‫حم )‪ (1‬ت َن ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن )‪ (4‬وَقالوا قلوب َُنا‬ ‫َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫َ‬
‫م فهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض أكثُرهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ذيًرا فأعَْر َ‬ ‫شيًرا وَن َ ِ‬ ‫ن )‪ (3‬ب َ ِ‬ ‫مو َ‬‫ي َعْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِن َّنا‬ ‫م ْ‬ ‫ب َفاعْ َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ح َ‬‫ك ِ‬ ‫ن ب َي ْن َِنا وَب َي ْن ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫عوَنا إ ِل َي ْهِ وَِفي آَذان َِنا وَقٌْر وَ ِ‬
‫ما ت َد ْ ُ‬
‫م ّ‬‫ِفي أك ِن ّةٍ ِ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫عا ِ‬‫َ‬

‫تفسير سورة فصلت )‪(1‬‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫} حم )‪َ (1‬تنزي ٌ‬
‫قوْم ٍ‬ ‫ه قْرآًنا عََرب ِّيا ل ِ َ‬ ‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫صل ْ‬ ‫بف ّ‬ ‫حيم ِ )‪ (2‬ك َِتا ٌ‬
‫َ‬
‫ن الّر ِ‬ ‫م َِ‬
‫ح َ‬‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬
‫ل ِ‬
‫ن )‪ (4‬وََقاُلوا قُُلوب َُنا‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ض أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ذيًرا فَأعَْر َ‬ ‫شيًرا وَن َ ِ‬ ‫ن )‪ (3‬ب َ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ل إ ِن َّنا‬‫م ْ‬ ‫ب َفاعْ َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ب َي ْن َِنا وَب َي ْن ِ َ‬‫م ْ‬ ‫عوَنا إ ِل َي ْهِ وَِفي آَذان َِنا وَقٌْر وَ ِ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬
‫م ّ‬
‫ِفي أك ِن ّةٍ ِ‬
‫ن )‪{ (5‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫عا ِ‬‫َ‬
‫حيم ِ { يعني ‪ :‬القرآن منزل من‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬‫يقول تعالى ‪ } :‬حم َتنزي ٌ‬
‫حق ّ {‬ ‫ْ‬
‫ك ِبال َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الرحمن الرحيم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫قد ُ ِ‬ ‫ح ال ُ‬ ‫ه ُرو ُ‬ ‫ل نزل ُ‬
‫ن‬‫مي ُ‬ ‫ح ال ِ‬ ‫ل ب ِهِ الّرو ُ‬ ‫ن نز َ‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ب الَعال ِ‬‫ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ه ل ََتنزي ُ‬ ‫]النحل ‪ ، [102 :‬وقوله ‪ } :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫ن { ]الشعراء ‪.[194 - 192 :‬‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ك ل ِت َ ُ‬ ‫عََلى قَل ْب ِ َ‬
‫ه { أي ‪ُ :‬بينت معانيه وأحكمت أحكامه )‪، (2‬‬ ‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫ب فُ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َِتا ٌ‬
‫} قُْرآًنا عََرب ِّيا { أي ‪ :‬في حال كونه لفظا عربيا ‪ ،‬بينا واضحا ‪ ،‬فمعانيه مفصلة‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫صل َ ْ‬
‫م فُ ّ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حك ِ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫‪ ،‬وألفاظه واضحة غير مشكلة ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ك َِتا ٌ‬
‫خِبيرٍ { ]هود ‪ [1 :‬أي ‪ :‬هو معجز من حيث لفظه ومعناه ‪ } ،‬ل‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬‫ل َد ُ ْ‬
‫ميد ٍ { ]فصلت ‪:‬‬ ‫ح ِ‬‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫فهِ َتنزي ٌ‬ ‫خل ْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ي َد َي ْهِ َول ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫‪.[42‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما يعرف هذا البيان والوضوح العلماُء‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ٍ ي َعْل ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ِ َ‬
‫ذيًرا { أي ‪ :‬تارة يبشر المؤمنين ‪ ،‬وتارة ينذر‬ ‫شيًرا وَن َ ِ‬ ‫الراسخون ‪ } ،‬ب َ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أكثر قريش ‪ ،‬فهم ل‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬
‫م ل يَ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ض أكث َُرهُ ْ‬ ‫الكافرين ‪ } ،‬فَأعَْر َ‬
‫يفهمون منه شيئا مع بيانه ووضوحه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عوَنا إ ِلي ْهِ وَِفي‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬‫م ّ‬ ‫} وََقاُلوا قُُلوب َُنا ِفي أك ِن ّةٍ { أي ‪ :‬في غلف مغطاة } ِ‬
‫ب { فل يصل‬ ‫جا ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ب َي ْن َِنا وَب َي ْن ِ َ‬‫م ْ‬ ‫آَذان َِنا وَقٌْر { أي ‪ :‬صمم عما جئتنا به ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬اعمل أنت على طريقتك‬ ‫مُلو َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ل إ ِن َّنا َ‬ ‫إلينا شيء مما تقول ‪َ } ،‬فاعْ َ‬
‫‪ ،‬ونحن على طريقتنا ل نتابعك‪.‬‬
‫ميد في مسنده ‪ :‬حدثني ابن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا‬ ‫ح َ‬ ‫قال المام العََلم عبد بن ُ‬
‫ملة السدي عن جابر بن عبد‬ ‫حْر َ‬ ‫سِهر عن الجلح ‪ ،‬عن الذ ّّيال بن َ‬ ‫م ْ‬ ‫علي بن ُ‬
‫الله ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬اجتمعت قريش يوما فقالوا ‪ :‬انظروا أعَْلمكم‬
‫بالسحر والكهانة والشعر ‪ ،‬فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا ‪ ،‬وشتت‬
‫أمرنا ‪ ،‬وعاب ديننا ‪ ،‬فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه ؟ فقالوا ‪ :‬ما نعلم أحدا‬
‫غير عتبة ابن ربيعة‪ .‬فقالوا ‪ :‬أنت يا أبا الوليد‪ .‬فأتاه عتبة فقال ‪ :‬يا محمد ‪،‬‬
‫أنت خير أم عبد الله ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪:‬‬
‫ت ‪ ،‬وإن كنت‬ ‫عب ْ َ‬ ‫فإن كنت تزعم أن هؤلء خير منك ‪ ،‬فقد عبدوا اللهة التي ِ‬
‫تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في س ‪" :‬تفسير حم السجدة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬آياته"‪.‬‬

‫) ‪(7/161‬‬

‫ة قط أشأم على قومك )‪ (1‬منك ؛ فرقت‬ ‫خل ً‬


‫س ْ‬
‫قولك ‪ ،‬إنا والله ما رأينا َ‬
‫جماعتنا ‪ ،‬وشتت أمرنا ‪ ،‬وعبت ديننا ‪ ،‬وفضحتنا في العرب ‪ ،‬حتى لقد طار‬
‫فيهم أن في قريش ساحرا ‪ ،‬وأن في قريش كاهنا! والله ما ننظر )‪ (2‬إل‬
‫حْبلى أن يقوم بعضنا إلى )‪ (3‬بعض بالسيوف ‪ ،‬حتى نتفانى! أيها‬ ‫مثل صيحة ال ُ‬
‫الرجل ‪ ،‬إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجل )‪(4‬‬
‫وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش ]شئت[ )‪ (5‬فلنزوجك عشرا‪.‬‬
‫ت ؟" قال ‪ :‬نعم فقال رسول‬ ‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬فََرغْ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ .‬حم‪َ .‬تنزي ٌ‬
‫ق ْ َ‬ ‫حيم { حتى بلغ ‪ } :‬فَإ َ‬
‫مث ْ َ‬
‫ل‬ ‫ة ِ‬
‫ق ً‬
‫ع َ‬
‫صا ِ‬ ‫ل أن ْذ َْرت ُك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ضوا فَ ُ‬
‫ن أعَْر ُ‬
‫ِ ْ‬ ‫ن الّر ِ ِ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬ ‫الّر ْ‬
‫مود َ { فقال عتبة ‪ :‬حسبك! حسبك! ما عندك غير هذا ؟ قال ‪:‬‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬
‫قةِ َ‬‫ع َ‬
‫صا ِ‬‫َ‬
‫"ل" فرجع إلى قريش فقالوا ‪ :‬ما وراءك ؟ قال ‪ :‬ما تركت شيئا أرى أنكم‬
‫تكلمونه به إل كلمته‪ .‬قالوا ‪ :‬فهل أجابك ؟ ]قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فما قال ؟[ )‬
‫ت شيئا مما قال ‪ ،‬غير أنه أنذركم‬ ‫م ُ‬‫ة ما فَهِ ْ‬ ‫‪ (6‬قال ‪ :‬ل والذي نصبها َبني ّ ً‬
‫صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود‪ .‬قالوا ‪ :‬ويلك! يكلمك الرجل بالعربية ما تدري‬
‫ما قال ؟! قال ‪ :‬ل والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة‪.‬‬
‫وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة‬
‫بإسناده ‪ ،‬مثله سواء )‪.(7‬‬
‫ضيل ‪ ،‬عن الجلح ‪ -‬وهو‬ ‫وقد ساقه البغوي في تفسيره بسنده عن محمد بن فُ َ‬
‫ف بعض الشيء عن الذ ّّيال بن‬ ‫ضعّ َ‬ ‫ابن عبد الله الكندي ]الكوفي[ )‪ - (8‬وقد ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل أن ْذ َْرت ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ضوا فَ ُ‬
‫ق ْ‬ ‫حرملة ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬فذكر الحديث إلى قوله ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن أعَْر ُ‬
‫مود َ { فأمسك عتبة على فيه ‪ ،‬وناشده بالرحم ‪،‬‬ ‫عادٍ وَث َ ُ‬
‫قةِ َ‬ ‫ع َ‬‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ة ِ‬
‫ق ً‬
‫ع َ‬‫صا ِ‬
‫َ‬
‫ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم‪ .‬فقال أبو جهل ‪ :‬يا‬
‫صَبا إلى محمد ‪ ،‬وأعجبه طعامه ‪،‬‬ ‫معشر قريش ‪ ،‬والله ما نرى عتبة إل قد َ‬
‫وما ذاك إل من حاجة ]قد[ )‪ (9‬أصابته ‪ ،‬فانطلقوا بنا إليه‪ .‬فانطلقوا إليه فقال‬
‫أبو جهل ‪ :‬يا عتبة ‪ ،‬ما حبسك عنا إل أنك صبوت إلى محمد وأعجبك طعامه ‪،‬‬
‫فإن كانت لك )‪ (10‬حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد‪.‬‬
‫فغضب عتبة ‪ ،‬وأقسم أل يكلم محمدا أبدا ‪ ،‬وقال ‪ :‬والله ‪ ،‬لقد علمتم أني من‬
‫أكثر قريش مال ولكني أتيته وقصصت عليه ]القصة[ )‪ (11‬فأجابني بشيء‬
‫والله ما هو بشعر ول كهانة ول سحر ‪ ،‬وقرأ السورة إلى قوله ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن‬
‫ق ْ َ‬ ‫َ‬
‫مود َ { فأمسكت بفيه ‪،‬‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬
‫قةِ َ‬
‫ع َ‬
‫صا ِ‬‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ة ِ‬‫ق ً‬ ‫ع َ‬‫صا ِ‬
‫م َ‬ ‫ل أن ْذ َْرت ُك ُ ْ‬ ‫ضوا فَ ُ‬ ‫أعَْر ُ‬
‫وناشدته بالرحم أن يكف ‪ ،‬وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ‪،‬‬
‫فخشيت أن ينزل بكم العذاب )‪.(12‬‬
‫وهذا السياق أشبه من سياق البزار وأبي يعلى ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقد أورد هذه القصة المام محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة‬
‫على خلف هذا النمط ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في س ‪" :‬جماعته"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في س ‪" :‬ننتظر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬رجل واحدا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬المنتخب لعبد بن حميد برقم )‪ (1121‬ومسند أبي يعلى )‪ (3/349‬وفي‬
‫إسناده الجلح الكندي ضعفه النسائي وغيره‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬بك"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬معالم التنزيل للبغوي )‪.(7/167‬‬

‫) ‪(7/162‬‬

‫حد ّث ْ ُ‬
‫ت أن عتبة بن‬ ‫قَرظي قال ‪ُ :‬‬
‫حدثني يزيد بن زياد ‪ ،‬عن محمد بن كعب ال ُ‬
‫ربيعة ‪ -‬وكان سيدا ‪ -‬قال يوما وهو جالس في نادي قريش ‪ ،‬ورسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده ‪ :‬يا معشر قريش أل أقوم‬
‫إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها ‪ ،‬فنعطيه أّيها شاء‬
‫ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة ‪ ،‬ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يزيدون ويكثرون ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬بلى يا أبا الوليد ‪ ،‬فقم إليه فكلمه )‬
‫‪.(1‬فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا‬
‫طة في العشيرة ‪ ،‬والمكان في‬ ‫س َ‬ ‫ابن أخي ‪ ،‬إنك منا حيث قد علمت من ال ّ‬
‫النسب ‪ ،‬وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ‪ ،‬فرقت به جماعتهم ‪ ،‬وسفهت به‬
‫أحلمهم ‪ ،‬وعبت به آلهتهم ودينهم ‪ ،‬وكفرت به من مضى من آبائهم ‪ ،‬فاسمع‬
‫مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها‪ .‬قال ‪ :‬فقال له‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬قل يا أبا الوليد ‪ ،‬أسمع"‪ .‬قال ‪ :‬يا ابن‬
‫ت به من )‪ (2‬هذا المر مال جمعنا لك من‬ ‫أخي ‪ ،‬إن كنت إنما تريد ُ بما جئ َ‬
‫أموالنا حتى تكون من أكثرنا أموال )‪ .(3‬وإن كنت تريد به شرفا سودناك‬
‫علينا ‪ ،‬حتى ل نقطع أمًرا دونك‪ .‬وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا‪ .‬وإن‬
‫كان هذا الذي يأتيك َرئ ِّيا تراه ل تستطيع رده عن نفسك ‪ ،‬طلبنا لك الطب ‪،‬‬
‫وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ‪ ،‬فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى‬
‫داَوى منه ‪ -‬أو كما قال له ‪ -‬حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه‬ ‫يُ َ‬
‫وسلم يستمع منه قال ‪" :‬أفرغت يا أبا الوليد ؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬فاستمع‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ل ِ‬‫مني" قال ‪ :‬أفعل‪ .‬قال ‪ } :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ .‬حم‪َ .‬تنزي ٌ‬
‫ذيًرا‬
‫شيًرا وَن َ ِ‬‫ن‪ .‬ب َ ِ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ه قُْرآًنا عََرب ِّيا ل ِ َ‬
‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫ب فُ ّ‬
‫م‪ .‬ك َِتا ٌ‬
‫حي ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫الّر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ثم مضى رسول الله صلى الله عليه‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫م ل يَ ْ‬‫م فَهُ ْ‬ ‫ض أك ْث َُرهُ ْ‬
‫فَأعَْر َ‬
‫وسلم فيها يقرؤها عليه‪ .‬فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره‬
‫معتمدا عليهما يسمع منه ‪ ،‬ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫السجدة منها ‪ ،‬فسجد ثم قال ‪" :‬قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ‪ ،‬فأنت‬
‫وذاك )‪ (4‬فقام عتبة إلى أصحابه ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬أقسم ‪ -‬يحلف )‪(5‬‬
‫بالله ‪ -‬لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به‪ .‬فلما جلس إليهم‬
‫قالوا ‪ :‬ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال ‪ :‬ورائي أني قد سمعت قول والله ما‬
‫سمعت مثله قط ‪ ،‬والله ما هو بالسحر ول بالشعر ول بالكهانة‪ .‬يا معشر‬
‫قريش ‪ ،‬أطيعوني واجعلوها لي ‪ ،‬خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه ‪،‬‬
‫ن لقوله الذي سمعت نبأ ‪ ،‬فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم‬ ‫فوالله ليكون َ ّ‬
‫ه ملككم ‪ ،‬وعزه عزكم ‪ ،‬وكنتم أسعد الناس‬ ‫ُ‬
‫ملك ُ‬‫ْ‬ ‫‪ ،‬وإن يظهر على العرب ف ُ‬
‫به‪ .‬قالوا ‪ :‬سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه! قال ‪ :‬هذا رأيي فيه ‪ ،‬فاصنعوا ما‬
‫بدا لكم )‪.(6‬‬
‫وهذا السياق أشبه من الذي قبله ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وكلمه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في س ‪" :‬مال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وحالك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في س ‪" :‬نحلف"‪.‬‬
‫)‪ (6‬انظر السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/293‬‬

‫) ‪(7/163‬‬
‫شر مث ْل ُك ُم يوحى إل َ َ‬ ‫َ‬
‫موا إ ِل َي ْهِ‬ ‫قي ُ‬ ‫حد ٌ َفا ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ه َوا ِ‬‫م إ ِل َ ٌ‬‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬
‫ي أن ّ َ‬‫ِ ّ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ما أَنا ب َ َ ٌ ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫م‬
‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫م ِباْل َ ِ‬ ‫كاةَ وَهُ ْ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫ن َل ي ُؤُْتو َ‬ ‫ن )‪ (6‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫فُروهُ وَوَي ْ ٌ‬‫ست َغْ ِ‬ ‫َوا ْ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُنو ٍ‬ ‫م ْ‬
‫جٌر غي ُْر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ت لهُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫ملوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ن )‪ (7‬إ ِ ّ‬‫كافُِرو َ‬
‫شر مث ْل ُك ُم يوحى إل َ َ‬ ‫َ‬
‫موا إ ِل َي ْهِ‬ ‫قي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫حد ٌ َفا ْ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬ ‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬ ‫ي أن ّ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ما أَنا ب َ َ ٌ ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫} قُ ْ‬
‫م‬
‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫م ِبال ِ‬ ‫ن الّزكاةَ وَهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ل ي ُؤُْتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (6‬ال ِ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ل ل ِل ُ‬ ‫فُروهُ وَوَي ْ ٌ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫َوا ْ‬
‫ن )‪{ (8‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُنو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫جٌر غي ُْر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ت لهُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ن )‪ (7‬إ ِ ّ‬ ‫كافُِرو َ‬
‫شٌر‬ ‫ما أَنا ب َ َ‬ ‫َ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل { يا محمد لهؤلء المكذبين المشركين ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫مث ْل ُك ُم يوحى إل َ َ‬
‫حد ٌ { ل كما تعبدونه )‪ (1‬من الصنام‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬ ‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬ ‫ي أن ّ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ِ‬
‫موا إ ِلي ْهِ { أي ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫َ‬
‫والنداد والرباب المتفرقين ‪ ،‬إنما الله إله واحد ‪ } ،‬فا ْ‬
‫أخلصوا له العبادة على منوال ما أمركم به على ألسنة الرسل ‪،‬‬
‫ن { أي ‪ :‬دمار لهم‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫فُروه ُ { أي ‪ :‬لسالف الذنوب ‪ } ،‬وَوَي ْ ٌ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫} َوا ْ‬
‫وهلك عليهم ‪،‬‬
‫كاة َ { قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني ‪:‬‬ ‫ن الّز َ‬ ‫ن ل ي ُؤُْتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫الذين ل يشهدون أن ل إله إل الله‪ .‬وكذا قال عكرمة‪.‬‬
‫َ‬
‫ها { ]الشمس ‪:‬‬ ‫سا َ‬ ‫ن دَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫ها وَقَد ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َز ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫وهذا كقوله تعالى ‪ } :‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫صّلى { ]العلى ‪:‬‬ ‫َ‬
‫م َرب ّهِ فَ َ‬ ‫س َ‬ ‫كى وَذ َك ََر ا ْ‬ ‫ن ت ََز ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫‪ ، [10 ، 9‬وكقوله ‪ } :‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫َ‬
‫كى { ] النازعات ‪ [ 18 :‬والمراد‬ ‫ن ت ََز ّ‬ ‫ك إ َِلى أ ْ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫‪ ، [15 ، 14‬وقوله } فَ ُ‬
‫بالزكاة هاهنا ‪ :‬طهارة النفس من الخلق الرذيلة ‪ ،‬ومن أهم ذلك طهارة‬
‫النفس من الشرك‪ .‬وزكاة المال إنما سميت زكاة لنها تطهره من الحرام ‪،‬‬
‫وتكون سببا لزيادته وبركته وكثرة نفعه ‪ ،‬وتوفيقا إلى استعماله في الطاعات‪.‬‬
‫دينون‬ ‫كاة َ { أي ‪ :‬ل ي َ ِ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫ن ل ي ُؤُْتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫وقال السدي ‪ } :‬وَوَي ْ ٌ‬
‫بالزكاة‪.‬‬
‫وقال معاوية بن قرة ‪ :‬ليس هم من أهل الزكاة‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يمنعون زكاة أموالهم‪.‬‬
‫وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪ .‬وفيه نظر ؛ لن‬
‫إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة ‪ ،‬على ما‬
‫ذكره غير واحد وهذه الية مكية ‪ ،‬اللهم إل أن يقال ‪ :‬ل يبعد أن يكون أصل‬
‫ه‬‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫الزكاة الصدقة كان مأمورا به في ابتداء البعثة ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ } :‬وآُتوا َ‬
‫صادِهِ { ]النعام ‪ ، [141 :‬فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما ب َّين‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫أمرها بالمدينة ‪ ،‬ويكون هذا جمعا بين القولين ‪ ،‬كما أن أصل الصلة كان‬
‫واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة ‪ ،‬فلما كان ليلة‬
‫السراء قبل الهجرة بسنة ونصف ‪ ،‬فرض الله على رسوله ]صلى الله عليه‬
‫وسلم[ )‪ (2‬الصلوات الخمس ‪ ،‬وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد‬
‫ذلك ‪ ،‬شيئا فشيئا ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن{‬ ‫مُنو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫جٌر غي ُْر َ‬ ‫َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ت لهُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ثم قال بعد ذلك ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫دا {‬ ‫َ‬
‫ن ِفيهِ أب َ ً‬ ‫ماك ِِثي َ‬ ‫قال مجاهد وغيره ‪ :‬ل مقطوع ول مجبوب )‪ ، (3‬كقوله ‪َ } :‬‬
‫ذوذ ٍ { ]هود ‪.[108 :‬‬ ‫ج ُ‬ ‫طاًء غَي َْر َ‬
‫م ْ‬ ‫]الكهف ‪ ، [3 :‬وكقوله تعالى } عَ َ‬
‫وقال السدي ‪ :‬غير ممنون عليهم‪ .‬وقد رد عليه بعض الئمة هذا التفسير ‪،‬‬
‫ن‬ ‫فإن المنة لله على أهل الجنة ؛ قال الله تعالى ‪ } :‬بل الل ّه يمن عَل َيك ُ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ َ ُ ّ‬ ‫َ ِ‬
‫ه عَل َي َْنا‬ ‫ن الل ُّ‬ ‫َ ّ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫ن { ]الحجرات ‪ ، [17 :‬وقال أهل الجنة‬ ‫ما ِ‬ ‫م ِللي َ‬ ‫داك ُ ْ‬ ‫هَ َ‬
‫موم ِ { ]الطور ‪ ، [27 :‬وقال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫س ُ‬‫ب ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَوََقاَنا عَ َ‬
‫وسلم ‪" :‬إل أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في س ‪" :‬يعبدونه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬غير مقطوع ول محسوب"‪.‬‬

‫) ‪(7/164‬‬

‫خل َق اْل َرض في يومين وتجعُلون ل َ َ‬ ‫قُ ْ َ‬


‫ب‬
‫ك َر ّ‬ ‫داًدا ذ َل ِ َ‬ ‫ه أن ْ َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ ََ ْ َ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫ذي َ َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬‫فُرو َ‬ ‫م ل َت َك ْ ُ‬‫ل أئ ِن ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫وات ََها ِفي‬ ‫ك ِفيَها وَقَد َّر ِفيَها أقْ َ‬ ‫ن فَوْقَِها وََباَر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫جعَ َ‬‫ن )‪ (9‬وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫ل ل ََها‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫خا ٌ‬‫ي دُ َ‬‫ماِء وَهِ َ‬ ‫وى إ َِلى ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ن )‪ (10‬ث ُ ّ‬ ‫سائ ِِلي َ‬‫واًء ِلل ّ‬ ‫س َ‬‫أْرب َعَةِ أّيام ٍ َ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫طائ ِِعي َ‬ ‫ها َقال ََتا أ َت َي َْنا َ‬
‫عا أ َوْ ك َْر ً‬ ‫ض ا ِئ ْت َِيا ط َوْ ً‬ ‫َْ‬
‫وَل ِلْر ِ‬
‫خل َق الرض في يومين وتجعُلون ل َ َ‬ ‫} قُ ْ َ‬
‫داًدا ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ه أن ْ َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ ََ ْ َ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫ذي َ َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬‫فُرو َ‬ ‫م ل َت َك ْ ُ‬‫ل أئ ِن ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫وات ََها‬‫ك ِفيَها وَقَد َّر ِفيَها أقْ َ‬ ‫ن فَوْقَِها وََباَر َ‬ ‫م ْ‬
‫ي ِ‬ ‫س َ‬
‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫جعَ َ‬‫ن )‪ (9‬وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫َر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫قا َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫خا ٌ‬
‫ي دُ َ‬ ‫ماِء وَهِ َ‬
‫س َ‬‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ن )‪ (10‬ث ُ ّ‬ ‫سائ ِِلي َ‬‫واًء ِلل ّ‬ ‫س َ‬
‫ِفي أْرب َعَةِ أّيام ٍ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عا أوْ ك َْر ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (11‬‬ ‫ها َقالَتا أت َي َْنا طائ ِِعي َ‬ ‫ض ا ِئ ْت َِيا طوْ ً‬ ‫لَها وَِللْر ِ‬
‫) ‪(7/165‬‬

‫ماَء‬ ‫َ‬ ‫حى ِفي ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬


‫س َ‬
‫ها وََزي ّّنا ال ّ‬
‫مَر َ‬
‫ماءٍ أ ْ‬
‫س َ‬‫ل َ‬ ‫ن وَأوْ َ‬‫مي ْ ِ‬‫ت ِفي ي َوْ َ‬ ‫وا ٍ‬
‫م َ‬
‫س َ‬‫سب ْعَ َ‬‫ن َ‬‫ضاهُ ّ‬ ‫ق َ‬
‫ْ‬
‫زيزِ العَِليم ِ )‪(12‬‬ ‫ْ‬
‫ديُر العَ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫حفْظا ذ َل ِك ت َ ْ‬ ‫ح وَ ِ‬
‫صاِبي َ‬
‫م َ‬‫الد ّن َْيا ب ِ َ‬

‫ماَء‬ ‫َ‬ ‫حى ِفي ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫} فَ َ‬


‫س َ‬ ‫ها وََزي ّّنا ال ّ‬ ‫مَر َ‬ ‫ماءٍ أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن وَأوْ َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫ت ِفي ي َوْ َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫سب ْعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضاهُ ّ‬ ‫ق َ‬
‫زيزِ ال ْعَِليم ِ )‪{ (12‬‬ ‫ديُر ال ْعَ ِ‬ ‫ق ِ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫ظا ذ َل ِ َ‬ ‫ف ً‬ ‫ح ْ‬ ‫ح وَ ِ‬ ‫صاِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫الد ّن َْيا ب ِ َ‬
‫هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا معه غيره ‪ ،‬وهو الخالق لكل‬
‫م ل َت َك ْ ُ‬ ‫شيء ‪ ،‬القاهر لكل شيء ‪ ،‬المقدر لكل شيء ‪ ،‬فقال ‪ } :‬قُ ْ َ‬
‫ن‬
‫فُرو َ‬ ‫ل أئ ِن ّك ُ ْ‬
‫خل َق الرض في يومين وتجعُلون ل َ َ‬
‫داًدا { أي ‪ :‬نظراء وأمثال‬ ‫ه أن ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ ََ ْ َ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫ذي َ َ‬ ‫ِبال ّ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬الخالق للشياء هو رب‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ك َر ّ‬ ‫تعبدونها )‪ (1‬معه } ذ َل ِ َ‬
‫العالمين كلهم‪.‬‬
‫ة‬
‫ست ّ ِ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خلقَ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫أ َّيام ٍ { ]العراف ‪ ، [54 :‬ففصل هاهنا ما يختص بالرض مما اختص بالسماء ‪،‬‬
‫فذكر أنه خلق الرض أول لنها كالساس ‪ ،‬والصل أن ي ُب ْد َأ َ بالساس ‪ ،‬ثم‬
‫م‬‫ميًعا ث ُ ّ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫خل َقَ ل َك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫بعده بالسقف ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ت { الية ]البقرة ‪. ، [29 :‬‬ ‫وا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫سب ْعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫واهُ ّ‬ ‫س ّ‬‫ماِء فَ َ‬ ‫س َ‬ ‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها وَأغْط َ َ‬
‫ش‬ ‫وا َ‬ ‫س ّ‬‫مك ََها فَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ها َرفَعَ َ‬ ‫ماُء ب ََنا َ‬ ‫س َ‬ ‫قا أم ِ ال ّ‬ ‫خل ْ ً‬ ‫شد ّ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫فأما قوله ‪ } :‬أأن ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ل َي ْل ََها وَأ َ ْ‬
‫جَبا َ‬
‫ل‬ ‫ها َوال ْ ِ‬ ‫عا َ‬
‫مْر َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ماَء َ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫ض ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ها َوالْر َ‬ ‫حا َ‬ ‫ض َ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬
‫َ‬
‫م { ] النازعات ‪ [ 33 - 27 :‬ففي هذه الية أن‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫م َولن َْعا ِ‬ ‫عا ل َك ُ ْ‬ ‫مَتا ً‬‫ها َ‬ ‫سا َ‬ ‫أْر َ‬
‫ج‬‫خَر َ‬ ‫ي هو مفسر بقوله ‪ } :‬أ َ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫حى الرض كان بعد خلق السماء )‪ ، (2‬فالد ّ ْ‬ ‫دَ ْ‬
‫ها { ‪ ،‬وكان هذا بعد خلق السماء ‪ ،‬فأما خلق الرض فقبل‬ ‫عا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ماَء َ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ِ‬
‫خلق السماء بالنص ‪ ،‬وبهذا أجاب ابن عباس فيما ذكره البخاري عند تفسير‬
‫هذه الية من صحيحه ‪ ،‬فإنه قال ‪:‬‬
‫وقال المنهال ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬قال رجل لبن عباس ‪ :‬إني أجد في‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫مئ ِذ ٍ َول ي َت َ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫ي قال ‪َ } :‬فل أن ْ َ‬ ‫القرآن أشياء تختلف عل ّ‬
‫ن { ]الصافات ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫]المؤمنون ‪ } ، [101 :‬وَأقْب َ َ‬
‫ساَءلو َ‬ ‫ض ي َت َ َ‬ ‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬
‫ما ك ُّنا‬ ‫ديًثا { ]النساء ‪َ } ، [42 :‬والل ّهِ َرب َّنا َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مو َ‬‫‪َ } ، [27‬ول ي َك ْت ُ ُ‬
‫ماُء )‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬
‫س َ‬ ‫ن { ]النعام ‪ ، [23 :‬فقد كتموا في هذه الية ؟ وقال ‪ } :‬أم ِ ال ّ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ها { ]النازعات ‪ ، [30 - 27 :‬فذكر خلق السماء‬ ‫حا َ‬ ‫ها { إلى قوله ‪ } :‬د َ َ‬ ‫‪ (3‬ب ََنا َ‬
‫ض ِفي‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ثم‬ ‫الرض‬ ‫(‬ ‫‪4‬‬ ‫)‬ ‫]خلق[‬ ‫قبل‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ ْ َ ُ َ ِ ِ‬
‫ن { فذكر في هذه خلق الرض قبل خلق‬ ‫طائ ِِعي َ‬ ‫مي ْن { إلى قوله ‪َ } :‬‬
‫ي َوْ َ ِ‬
‫ما‬
‫كي ً‬
‫ح ِ‬ ‫زيًزا َ‬ ‫ما { ]النساء ‪ } ، [96 :‬عَ ِ‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫السماء ؟ وقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫صيًرا { ]النساء ‪ ، [58 :‬فكأنه كان ثم مضى‪.‬‬ ‫ميًعا ب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫{ ]النساء ‪َ } ، [56 :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { في‬ ‫ساَءلو َ‬ ‫مئ ِذ ٍ َول ي َت َ َ‬‫م ي َوْ َ‬ ‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫قال ‪ -‬يعني ابن عباس ‪َ } : -‬فل أن ْ َ‬
‫ن ِفي‬ ‫م ْ‬‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫صعِقَ َ‬ ‫النفخة الولى ‪ ،‬ثم ينفخ في الصور ‪ } ،‬فَ َ‬
‫ه { ]الزمر ‪ ، [68 :‬فل أنساب بينهم عند‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ض ِإل َ‬ ‫الْر ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في س ‪" :‬يعبدونها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬السموات"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في س ‪" :‬والسماء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من س‪.‬‬

‫) ‪(7/165‬‬

‫ض‬ ‫ضهُ ْ َ‬
‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫ذلك ول يتساءلون ‪ ،‬ثم في النفخة الخرى } وَأ َقْب َ َ‬
‫ن{‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ديًثا { ‪ ،‬فإن الله يغفر‬ ‫ح ِ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن { } َول ي َك ْت ُ ُ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬‫وأما قوله ‪َ } :‬‬
‫لهل الخلص ذنوبهم فقال المشركون ‪ :‬تعالوا نقول ‪" :‬لم نكن مشركين" ‪،‬‬
‫فيختم على أفواههم ‪ ،‬فتنطق أيديهم ‪ ،‬فعند ذلك يعرف )‪ (1‬أن الله ل يكتم‬
‫فُروا { الية ]الحجر ‪.[2 :‬‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫حديثا ‪ ،‬وعنده } ي َوَد ّ ال ّ ِ‬
‫وخلق الرض في يومين ‪ ،‬ثم خلق السماء ‪ ،‬ثم استوى إلى السماء ‪،‬‬
‫حُيها ‪ :‬أن أخرج منها الماء‬ ‫حى الرض ‪ ،‬ود َ ْ‬ ‫فسواهن في يومين آخرين ‪ ،‬ثم د َ َ‬
‫والمرعى ‪ ،‬وخلق الجبال والجماد والكام وما بينهما في يومين آخرين ‪ ،‬فذلك‬
‫خِلقت الرض وما فيها‬ ‫ن { فَ ُ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫ض ِفي ي َوْ َ‬ ‫خل َقَ الْر َ‬ ‫ها { وقوله } َ‬ ‫حا َ‬‫قوله ‪ } :‬د َ َ‬
‫من شيء في أربعة أيام ‪ ،‬وخلقت السماوات في يومين‪.‬‬
‫ما { ]النساء ‪ ، [96 :‬سمى نفسه بذلك ‪ ،‬وذلك قوله ‪،‬‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫} وَ َ‬
‫أي ‪ :‬لم يزل كذلك ؛ فإن الله لم يرد شيئا إل أصاب به الذي أراد ‪ ،‬فل يختلفن‬
‫عليك القرآن ‪ ،‬فإن كل من عند الله عز وجل‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنيه يوسف بن عدي ‪ ،‬حدثنا عبيد الله بن عمرو ‪ ،‬عن زيد‬
‫سة )‪ ، (2‬عن المنهال ‪ -‬هو ابن عمرو ‪ -‬بالحديث )‪.(3‬‬ ‫ُ‬
‫بن أبي أن َي ْ َ‬
‫ن { يعني ‪ :‬يوم الحد ويوم الثنين‪.‬‬ ‫مي ْ ِ‬
‫ض ِفي ي َوْ َ‬ ‫خل َقَ الْر َ‬ ‫فقوله ‪َ } :‬‬
‫ك ِفيَها { أي ‪ :‬جعلها مباركة قابلة للخير‬ ‫ن فَوْقَِها وََباَر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫س َ‬‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫َ‬
‫وات ََها { ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما يحتاج )‪ (4‬أهلها إليه من‬ ‫والبذر والغراس ‪ } ،‬وَقَد َّر ِفيَها أقْ َ‬
‫الرزاق والماكن التي تزرع وتغرس ‪ ،‬يعني ‪ :‬يوم الثلثاء والربعاء ‪ ،‬فهما مع‬
‫واًء‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س َ‬
‫اليومين السابقين أربعة ؛ ولهذا قال تعالى ‪ِ } :‬في أْرب َعَةِ أّيام ٍ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬لمن أراد السؤال عن ذلك ليعلمه‪.‬‬ ‫سائ ِِلي َ‬‫ِلل ّ‬
‫وات ََها { جعل في كل أرض ما‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال مجاهد وعكرمة في قوله ‪ } :‬وَقد َّر ِفيَها أق َ‬
‫ل يصلح في غيرها ‪ ،‬ومنه ‪ :‬العصب باليمن ‪ ،‬والسابري بسابور والطيالسة‬
‫بالّري‪.‬‬
‫ن { أي‬ ‫سائ ِِلي َ‬‫واًء ِلل ّ‬‫س َ‬‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي في قوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫‪ :‬لمن أراد السؤال عن ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي‬ ‫سائ ِِلي َ‬‫واًء ِلل ّ‬‫س َ‬ ‫وقال ابن زيد ‪ :‬معناه } وَقَد َّر ِفيَها أق َ‬
‫وات ََها ِفي أْرب َعَةِ أّيام ٍ َ‬ ‫ْ‬
‫‪ :‬على وفق مراد من له حاجة إلى رزق أو حاجة ‪ ،‬فإن الله قدر له ما هو‬
‫محتاج إليه‪.‬‬
‫َ‬
‫سأل ْت ُ ُ‬
‫موه ُ {‬ ‫ما َ‬‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫وهذا القول يشبه ما ذكروه في قوله تعالى ‪َ } :‬وآَتاك ُ ْ‬
‫م ِ‬
‫]إبراهيم ‪ ، [34 :‬والله أعلم‪.‬‬
‫ن { ‪ ،‬وهو ‪ :‬بخار الماء المتصاعد‬ ‫خا ٌ‬‫ي دُ َ‬‫ماِء وَهِ َ‬ ‫وى إ َِلى ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ما ْ‬
‫منه حين خلقت الرض ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عرفوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬شيبة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري )‪" (8/556‬فتح"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في س ‪" :‬ما تحتاج"‪.‬‬

‫) ‪(7/166‬‬

‫ها { أي ‪ :‬استجيبا لمري ‪ ،‬وانفعل لفعلي‬ ‫عا أ َوْ ك َْر ً‬‫ض ا ِئ ْت َِيا ط َوْ ً‬‫ل لَها وَِللْر ِ‬
‫قا َ َ‬ ‫} فَ َ‬
‫طائعتين أو مكرهتين‪.‬‬
‫قال الثوري ‪ ،‬عن ابن جريج ‪ ،‬عن سليمان بن موسى ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن‬
‫ها { قال ‪:‬‬ ‫عا أ َوْ ك َْر ً‬
‫ض ا ِئ ْت َِيا ط َوْ ً‬ ‫قا َ َ‬
‫ل لَها وَِللْر ِ‬ ‫عباس في قوله ]تعالى[ )‪ } (1‬فَ َ‬
‫قال الله تعالى للسموات ‪ :‬أطلعي شمسي وقمري ونجومي‪ .‬وقال للرض ‪:‬‬
‫ن{‬ ‫طائ ِِعي َ‬‫شققي أنهارك ‪ ،‬وأخرجي ثمارك‪ .‬فقالتا ‪ } :‬أ َت َي َْنا َ‬
‫واختاره ابن جرير ‪ -‬رحمه الله‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬بل نستجيب لك مطيعين بما فينا ‪ ،‬مما تريد خلقه‬ ‫طائ ِِعي َ‬‫} َقال ََتا أ َت َي َْنا َ‬
‫من الملئكة والنس والجن جميعا مطيعين )‪ (2‬لك‪ .‬حكاه ابن جرير عن بعض‬
‫أهل العربية قال ‪ :‬وقيل ‪ :‬تنزيل لهن معاملة من يعقل بكلمهما‪.‬‬
‫وقيل )‪ (3‬إن المتكلم من الرض بذلك هو مكان الكعبة ‪ ،‬ومن السماء ما‬
‫يسامته منها ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬لو أبيا عليه أمره لعذبهما عذابا يجدان ألمه‪ .‬رواه ابن‬
‫أبي حاتم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ففرغ من تسويتهن سبع سموات‬ ‫مي ْ ِ‬
‫ت ِفي ي َوْ َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫سب ْعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضاهُ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫} فَ َ‬
‫في يومين ‪ ،‬أي ‪ :‬آخرين ‪ ،‬وهما يوم الخميس ويوم الجمعة‪.‬‬
‫ها { أي ‪ :‬ورتب مقررا في كل سماء ما تحتاج‬ ‫مَر َ‬ ‫َ‬ ‫حى ِفي ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ماٍء أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫} وَأوْ َ‬
‫ماَء‬
‫س َ‬
‫إليه من الملئكة ‪ ،‬وما فيها من الشياء التي ل يعلمها إل هو ‪ } ،‬وََزي ّّنا ال ّ‬
‫ح { وهن الكواكب المنيرة المشرقة على أهل الرض ‪،‬‬ ‫صاِبي َ‬‫م َ‬ ‫الد ّن َْيا ب ِ َ‬
‫فظا { أي ‪ :‬حرسا من الشياطين أن تستمع إلى المل العلى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ح ْ‬‫} وَ ِ‬
‫زيزِ العَِليم ِ { أي ‪ :‬العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ديُر العَ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫َ‬
‫} ذ َل ِك ت َ ْ‬
‫‪ ،‬العليم بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا هَّناد بن السري ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد )‪ (4‬البقال ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬قال هناد ‪ :‬قرأت سائر‬
‫الحديث ‪ -‬أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق‬
‫السماوات والرض ‪ ،‬فقال ‪" :‬خلق الله الرض يوم الحد ويوم الثنين ‪ ،‬وخلق‬
‫الجبال يوم الثلثاء وما فيهن من منافع ‪ ،‬وخلق يوم الربعاء الشجر والماء‬
‫َ‬ ‫والمدائن والعمران والخراب ‪ ،‬فهذه أربعة ‪ } :‬قُ ْ َ‬
‫ق‬
‫خل َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬‫فُرو َ‬‫م ل َت َك ْ ُ‬
‫ل أئ ِن ّك ُ ْ‬
‫الرض في يومين وتجعُلون ل َ َ‬
‫ي‬
‫س َ‬‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ك َر ّ‬‫داًدا ذ َل ِ َ‬ ‫ه أن ْ َ‬‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ ََ ْ َ‬ ‫ْ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { لمن‬ ‫لي‬ ‫ئ‬ ‫سا‬ ‫لل‬ ‫ً‬ ‫ء‬‫وا‬
‫ْ ََ ِ ّ ٍ َ َ ِ ّ ِِ َ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫في‬ ‫ها‬
‫َ ََ ِ‬ ‫ت‬‫وا‬ ‫ق‬ ‫أ‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ر‬‫د‬ ‫ق‬
‫ِ َ َ َّ ِ َ‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ك‬ ‫ن فَوْقِ َ َ َ َ‬
‫ر‬ ‫با‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫سأل ‪ ،‬قال ‪" :‬وخلق يوم الخميس السماء ‪ ،‬وخلق يوم الجمعة النجوم‬
‫والشمس والقمر والملئكة إلى ثلث ساعات بقيت منه ‪ ،‬فخلق في أول‬
‫ساعة من هذه الثلثة الجال ‪ ،‬حين يموت من مات ‪ ،‬وفي الثانية ألقى الفة‬
‫على كل شيء مما ينتفع به الناس ‪ ،‬وفي الثالثة آدم ‪ ،‬وأسكنه الجنة ‪ ،‬وأمر‬
‫إبليس بالسجود له ‪ ،‬وأخرجه منها في آخر ساعة"‪ .‬ثم قالت اليهود ‪ :‬ثم ماذا‬
‫يا محمد ؟ قال ‪" :‬ثم استوى على العرش"‪ .‬قالوا ‪ :‬قد أصبت لو أتممت!‬
‫قالوا ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من س‪.‬‬
‫)‪ (2‬في س ‪" :‬مطيعون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬ويقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في س ‪" :‬سعد"‪.‬‬

‫) ‪(7/167‬‬

‫ق ْ َ‬ ‫فَإ َ‬
‫م‬‫جاَءت ْهُ ُ‬ ‫مود َ )‪ (13‬إ ِذ ْ َ‬ ‫عادٍ وَث َ ُ‬ ‫قةِ َ‬ ‫ع َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ق ً‬‫ع َ‬‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل أن ْذ َْرت ُك ُ ْ‬ ‫ضوا فَ ُ‬ ‫ن أعَْر ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫ل‬‫شاَء َرب َّنا َل َن َْز َ‬ ‫ه َقاُلوا ل َوْ َ‬ ‫دوا إ ِّل الل َّ‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫خل ْفهم أ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫دي‬ ‫ي‬ ‫ل من بين أ َ‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫ُْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ْ َْ ِ ْ ِ ْ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الّر ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ر‬
‫ض ب ِغَي ْ ِ‬ ‫ست َكب َُروا ِفي َالْر ِ‬
‫عاد ٌ َفا ْ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (14‬فَأ ّ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫سلت ُ ْ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫ة فَإ ِّنا ب ِ َ‬ ‫مَلئ ِك َ ً‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫شد منا قُوة ً أ َول َم يروا أ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْحق وَقاُلوا من أ َ‬
‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬
‫كانوا بآ َيات ِنا يجحدون )‪ (15‬فَأ َرسل ْنا عَل َيهم ريحا صرصرا في أ َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ َ ً‬ ‫ً‬ ‫ِ ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫قُوّة ً وَ‬
‫م لَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَلعَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م عَ َ‬
‫خَزى وَهُ ْ‬ ‫خَرةِ أ ْ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ي ِفي ال َ‬ ‫خْز ِ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ل ِن ُ ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫نَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خذ َت ْهُ ْ‬
‫م‬ ‫دى فَأ َ‬ ‫مى عَلى الهُ َ‬ ‫حّبوا العَ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫مود ُ فَهَد َي َْناهُ ْ‬ ‫ما ث َ ُ‬ ‫ن )‪ (16‬وَأ ّ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي ُن ْ َ‬
‫َ‬
‫مُنوا وَكاُنوا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ة العَ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي َْنا ال ِ‬ ‫ن )‪ (17‬وَن َ ّ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َك ِ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ب الُهو ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ع َ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫قو َ‬ ‫ي َت ّ ُ‬

‫قد ْ‬‫ثم استراح‪ .‬فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ‪ ،‬فنزل ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫َ‬
‫صب ِْر‬‫ب‪َ.‬فا ْ‬ ‫ن ل ُُغو ٍ‬
‫م ْ‬
‫سَنا ِ‬‫م ّ‬ ‫ما َ‬‫ست ّةِ أّيام ٍ وَ َ‬
‫ما ِفي ِ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن { ]ق ‪.(1) [ 38 :‬‬ ‫قولو َ‬‫ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫عَلى َ‬ ‫َ‬
‫هذا الحديث فيه غرابة‪ .‬فأما حديث ابن جريج ‪ ،‬عن إسماعيل بن أمية ‪ ،‬عن‬
‫أيوب بن خالد ‪ ،‬عن عبد الله بن رافع ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬أخذ رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بيدي فقال ‪" :‬خلق الله التربة يوم السبت ‪ ،‬وخلق فيها‬
‫الجبال يوم الحد ‪ ،‬وخلق الشجر يوم الثنين ‪ ،‬وخلق المكروه يوم الثلثاء ‪،‬‬
‫وخلق النور يوم الربعاء ‪ ،‬وبث فيها الدواب يوم الخميس ‪ ،‬وخلق آدم بعد‬
‫العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة ‪ ،‬فيما بين‬
‫العصر إلى الليل" فقد رواه مسلم ‪ ،‬والنسائي في كتابيهما ‪ ،‬عن حديث ابن‬
‫جريج ‪ ،‬به )‪ .(2‬وهو من غرائب الصحيح ‪ ،‬وقد عَّلله البخاري في التاريخ فقال‬
‫‪ :‬رواه بعضهم عن أبي هريرة ]رضي الله عنه[ )‪ (3‬عن كعب الحبار ‪ ،‬وهو‬
‫الصح‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جاَءت ْهُ ُ‬‫مود َ )‪ (13‬إ ِذ ْ َ‬‫عادٍ وَث َ ُ‬‫قةِ َ‬ ‫ع َ‬
‫صا ِ‬‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ة ِ‬
‫ق ً‬
‫ع َ‬ ‫صا ِ‬‫م َ‬ ‫ل أن ْذ َْرت ُك ُ ْ‬ ‫ضوا فَ ُ‬
‫ق ْ‬ ‫ن أعَْر ُ‬ ‫} فَإ ِ ْ‬
‫ه َقاُلوا ل َوْ َ‬ ‫خل ْفه َ‬ ‫ل من بي َ‬
‫ل‬‫شاَء َرب َّنا لنز َ‬ ‫دوا ِإل الل ّ َ‬ ‫م أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫ن َ ِ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫م وَ ِ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫س ُ ِ ْ َْ ِ‬ ‫الّر ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ب ِغَي ْرِ‬ ‫ست َكب َُروا ِفي َالْر ِ‬ ‫عاد ٌ فا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (14‬فأ ّ‬
‫َ‬
‫م ب ِهِ كافُِرو َ‬
‫َ‬
‫سلت ُ ْ‬ ‫ما أْر ِ‬
‫َ‬
‫ة فإ ِّنا ب ِ َ‬ ‫ملئ ِك ً‬ ‫َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫م هُوَ أشد ّ ِ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫خل َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م ي ََرْوا أ ّ‬ ‫َ‬
‫مّنا قوّة ً أوَل ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن أشد ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫حقّ وَقالوا َ‬ ‫َ‬ ‫ال َ‬ ‫ْ‬
‫كانوا بآيات ِنا يجحدون )‪ (15‬فَأ َرسل ْنا عَل َيهم ريحا صرصرا في أ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫يا‬
‫ِْ ْ ِ ً َ ْ َ ً ِ َ ّ ٍ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫قُوّ ً َ ُ ِ َ َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫مل‬ ‫خَزى وَهُ ْ‬ ‫خَرةِ أ ْ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ذا ُ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وَل َعَ َ‬ ‫ي ِفي ال ْ َ‬ ‫خْز ِ‬ ‫ب ال ْ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ل ِن ُ ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫نَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خذ َت ْهُ ْ‬
‫م‬ ‫دى فَأ َ‬ ‫مى عََلى ال ْهُ َ‬ ‫حّبوا ال ْعَ َ‬ ‫ست َ َ‬‫م َفا ْ‬ ‫مود ُ فَهَد َي َْناهُ ْ‬ ‫ما ث َ ُ‬ ‫ن )‪ (16‬وَأ ّ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي ُن ْ َ‬
‫كاُنوا‬‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫جي َْنا ال ِ‬ ‫ن )‪ (17‬وَن َ ّ‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ب الُهو ِ‬ ‫ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ة العَ َ‬‫ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ع َ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (18‬‬ ‫قو َ‬ ‫ي َت ّ ُ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬قل يا محمد لهؤلء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق‬
‫‪ :‬إن أعرضتم عما جئتكم به من عند الله فإني أنذركم حلول نقمة الله بكم ‪،‬‬
‫ة‬
‫ق ِ‬‫ع َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ة ِ‬ ‫ق ً‬ ‫ع َ‬‫صا ِ‬ ‫كما حلت بالمم الماضين من المكذبين بالمرسلين } َ‬
‫مود َ { أي ‪ :‬ومن شاكلهما )‪ (4‬ممن فعل كفعلهما‪.‬‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬
‫م { ]الحقاف ‪ ، [21 :‬كقوله‬ ‫فهِ ْ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ُ‬ ‫} إ ِذ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫ن ي َد َي ْ ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ت الن ّذ ُُر ِ‬ ‫خل ِ‬ ‫ف وَقد ْ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ِبال ْ‬ ‫م ُ‬‫عاد ٍ إ ِذ ْ أن ْذ ََر قوْ َ‬ ‫خا َ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬واذ ْكْر أ َ‬
‫فهِ { ]الحقاف ‪ [21 :‬أي ‪ :‬في القرى المجاورة لبلدهم ‪ ،‬بعث الله‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫إليهم الرسل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪ (24/31‬ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم ‪878‬‬
‫والحاكم في المستدرك )‪ (2/543‬من طريق هناد به ‪ ،‬وقال الحاكم صحيح‬
‫السناد وتعقبه الذهبي فقال ‪ :‬أبو سعيد البقال قال ابن معين ‪ :‬ل يكتب‬
‫حديثه‪".‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪ (2789‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪.(11010‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬شاكلهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/168‬‬

‫يأمرون بعبادة الله وحده ل شريك له ‪ ،‬ومبشرين ومنذرين ورأوا ما أحل الله‬
‫بأعدائه من النقم ‪ ،‬وما ألبس )‪ (1‬أولياءه من النعم ‪ ،‬ومع هذا ما آمنوا ول‬
‫ة { أي ‪ :‬لو‬ ‫ملئ ِك َ ً‬ ‫ل َ‬ ‫شاَء َرب َّنا لنز َ‬ ‫صدقوا ‪ ،‬بل كذبوا وجحدوا ‪ ،‬وقالوا ‪ } :‬ل َوْ َ‬
‫ُ‬
‫م ب ِهِ { أي ‪:‬‬ ‫سل ْت ُ ْ‬‫ما أْر ِ‬ ‫أرسل الله رسل )‪ (2‬لكانوا ملئكة من عنده ‪ } ،‬فَإ ِّنا ب ِ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل نتبعكم وأنتم بشر مثلنا‪.‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫أيها البشر } َ‬
‫عاد ٌ َفا ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ق[ { )‪ (3‬أي ‪:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ض ]ب ِغَي ْرِ ال َ‬ ‫ست َ َكبَرُوا ِفي الْر ِ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬فَأ ّ‬
‫ما َ‬
‫مّنا قُوّة ً { أي ‪ :‬منوا بشدة تركيبهم‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫بغوا وعتوا وعصوا ‪ } ،‬وََقالوا َ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ال ِ‬
‫ن الل َ‬
‫م ي ََرْوا أ ّ‬ ‫وقواهم ‪ ،‬واعتقدوا أنهم يمتنعون به من بأس الله! } أوَل ْ‬
‫م قُوّة ً { أي ‪ :‬أفما يتفكرون )‪ (4‬فيمن يبارزون بالعداوة ؟‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫شد ّ ِ‬ ‫م هُوَ أ َ َ‬‫قهُ ْ‬‫خل َ َ‬
‫َ‬
‫فإنه العظيم الذي خلق الشياء وركب فيها قواها الحاملة لها ‪ ،‬وإن بطشه‬
‫َ‬
‫ن { ]الذاريات ‪:‬‬ ‫سُعو َ‬ ‫مو ِ‬ ‫ها ب ِأي ْد ٍ وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ماَء ب َن َي َْنا َ‬
‫س َ‬‫شديد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬وال ّ‬
‫‪ ، [47‬فبارزوا الجبار بالعداوة ‪ ،‬وجحدوا بآياته وعصوا رسوله ‪ ،‬فلهذا قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫صًرا { قال بعضهم ‪ :‬وهي الشديدة الهبوب‪.‬‬ ‫صْر َ‬‫حا َ‬ ‫م ِري ً‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫} فَأْر َ‬
‫وقيل ‪ :‬الباردة‪ .‬وقيل ‪ :‬هي التي لها صوت‪.‬‬
‫والحق أنها متصفة بجميع ذلك ‪ ،‬فإنها كانت ريحا شديدة قوية ؛ لتكون‬
‫عقوبتهم من جنس ما اغتروا به من قواهم ‪ ،‬وكانت باردة شديدة البرد جدا ‪،‬‬
‫عات ِي َةٍ { ]الحاقة ‪ ، [ 6 :‬أي ‪ :‬باردة شديدة ‪،‬‬ ‫صرٍ َ‬ ‫صْر َ‬ ‫ريٍح َ‬ ‫كقوله تعالى ‪ } :‬ب ِ ِ‬
‫وكانت ذات صوت مزعج ‪ ،‬ومنه سمي النهر المشهور ببلد المشرق "صرصرا‬
‫)‪ (5‬لقوة صوت جريه‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬في أ َّيام ٍ ن َ ِ‬
‫ة أّيام ٍ‬ ‫مان ِي َ َ‬ ‫ل وَث َ َ‬ ‫سب ْعَ ل ََيا ٍ‬‫ت { أي ‪ :‬متتابعات ‪َ } ،‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬
‫مّر { ]القمر ‪، [19 :‬‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ٍ‬ ‫ما { ] الحاقة ‪ ، [ 7 :‬كقوله } ِفي ي َوْم ِ ن َ ْ‬ ‫سو ً‬ ‫ح ُ‬ ‫ُ‬
‫أي ‪ :‬ابتدئوا بهذا العذاب في يوم نحس عليهم ‪ ،‬واستمر بهم هذا النحس سبع‬
‫ليال وثمانية أيام حتى أبادهم عن آخرهم ‪ ،‬واتصل بهم خزي الدنيا بعذاب‬
‫ب‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَل َعَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ي ِفي ال ْ َ‬ ‫خْز ِ‬‫ب ال ْ ِ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫قهُ ْ‬
‫ذي َ‬‫الخرة ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ل ِن ُ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬في‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ي ُن ْ َ‬ ‫خَزى { ]أي[ )‪ (6‬أشد خزيا لهم ‪ } ،‬وَهُ ْ‬ ‫خَرةِ أ َ ْ‬ ‫ال ِ‬
‫الخرى )‪ ، (7‬كما لم ينصروا في الدنيا ‪ ،‬وما كان لهم من الله من واق يقيهم‬
‫العذاب ويدرأ عنهم النكال‪.‬‬
‫َ‬
‫م { قال ابن عباس ‪ ،‬وأبو العالية ‪ ،‬وسعيد بن‬ ‫مود ُ فَهَد َي َْناهُ ْ‬ ‫ما ث َ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫جبير ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن زيد ‪ :‬بينا لهم )‪.(8‬‬
‫وقال الثوري ‪ :‬دعوناهم‪.‬‬
‫دى { أي ‪ :‬بصرناهم ‪ ،‬وبينا لهم ‪ ،‬ووضحنا لهم‬ ‫مى عََلى الهُ َ‬
‫ْ‬ ‫حّبوا ال ْعَ َ‬ ‫ست َ َ‬‫} َفا ْ‬
‫الحق على لسان نبيهم صالح صلى الله عليه وسلم )‪ ، (9‬فخالفوه وكذبوه ‪،‬‬
‫َ‬
‫خذ َت ْهُ ْ‬
‫م‬ ‫وعقروا ناقة الله التي جعلها آية وعلمة على صدق نبيهم ‪ } ،‬فَأ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬بعث الله عليهم صيحة ورجفة وذل وهوانا‬ ‫ب ال ُْهو ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ة ال ْعَ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ع َ‬
‫صا ِ‬‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬من التكذيب والجحود‪.‬‬ ‫ُ َ‬ ‫بو‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫نوا‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫}‬ ‫ونكال‬ ‫وعذابا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في س ‪" :‬ألبس الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬رسول"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬أفما يفكرون" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فيما يتفكرون"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬صرصر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬الخرة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وسعيد بن جبير وغيرهم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬

‫) ‪(7/169‬‬

‫ويوم يح َ َ‬
‫ها َ‬
‫شهِد َ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬
‫ما َ‬ ‫ن )‪َ (19‬‬ ‫عو َ‬ ‫م ُيوَز ُ‬ ‫داُء الل ّهِ إ َِلى الّنارِ فَهُ ْ‬ ‫شُر أعْ َ‬ ‫ََ ْ َ ُ ْ‬
‫عَل َيهم سمعهم وأ َ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫مُلو َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫نوا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫ب‬
‫ْ ِ َ‬‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫د‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ر‬ ‫صا‬ ‫ب‬
‫ِْ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬

‫ن[ )‪ { (1‬أي ‪ :‬من بين أظهرهم ‪ ،‬لم‬ ‫قو َ‬ ‫مُنوا ]وَ َ‬


‫كاُنوا ي َت ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫جي َْنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫} وَن َ ّ‬
‫يمسهم سوء ‪ ،‬ول نالهم من ذلك ضرر ‪ ،‬بل نجاهم الله مع نبيهم صالح ]عليه‬
‫السلم[ )‪ (2‬بإيمانهم ‪ ،‬وتقواهم لله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫} ويوم يح َ َ‬
‫ها‬
‫جاُءو َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬
‫ما َ‬ ‫ن )‪َ (19‬‬ ‫عو َ‬ ‫داُء الل ّهِ إ َِلى الّنارِ فَهُ ْ‬
‫م ُيوَز ُ‬ ‫شُر أعْ َ‬ ‫ََ ْ َ ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫شهد عَل َيهم سمعهم وأ َ‬
‫ن )‪{ (20‬‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ي‬
‫ُ َْ َ‬‫نوا‬ ‫كا‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫د‬‫لو‬ ‫ج‬‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ر‬‫صا‬ ‫ب‬
‫ِْ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ُ ُ ْ ِ َ‬ ‫َ ِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/170‬‬

‫و‬
‫يٍء وَهُ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ذي أ َن ْط َقَ ك ُ ّ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قَنا الل ّ ُ‬ ‫م عَل َي َْنا َقاُلوا أ َن ْط َ َ‬ ‫شهِد ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م لِ َ‬ ‫جُلودِهِ ْ‬ ‫وََقاُلوا ل ِ ُ‬
‫َ‬ ‫م أ َوّ َ‬
‫شهَد َ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ست َت ُِرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن )‪ (21‬وَ َ‬ ‫جُعو َ‬ ‫مّرةٍ وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫قك ُ ْ‬‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬ ‫م ك َِثيًرا ِ‬ ‫ه ل ي َعْل ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ن ظن َن ْت ُ ْ‬ ‫م وَلك ِ ْ‬ ‫جلود ُك ُ ْ‬ ‫م وَل ُ‬ ‫صاُرك ُ ْ‬ ‫م وَل أب ْ َ‬ ‫معُك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫دا‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪22‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫ست َعْت ُِبوا فَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫وى لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫مث ْ ً‬ ‫صب ُِروا َفالّناُر َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن )‪ (23‬فَإ ِ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫معْت َِبي َ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫يءٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ذي أ َن ْط َقَ ك ُ ّ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قَنا الل ّ ُ‬ ‫م عَل َي َْنا َقاُلوا أ َن ْط َ َ‬ ‫شهِد ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م لِ َ‬ ‫جُلودِهِ ْ‬ ‫} وََقاُلوا ل ِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫شهَد َ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ست َت ُِرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن )‪ (21‬وَ َ‬ ‫جُعو َ‬ ‫مّرةٍ وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫م أوّ َ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫وَهُوَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫م ّ‬ ‫م ك َِثيًرا ِ‬ ‫ه ل ي َعْل ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ن ظن َن ْت ُ ْ‬ ‫م وَلك ِ ْ‬ ‫جلود ُك ُ ْ‬ ‫م َول ُ‬ ‫صاُرك ُ ْ‬ ‫م َول أب ْ َ‬ ‫معُك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫دا‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪22‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫ست َعْت ُِبوا فَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫وى لهُ ْ‬‫َ‬ ‫مث ْ ً‬ ‫صب ُِروا َفالّناُر َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن )‪ (23‬فَإ ِ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن )‪{ (24‬‬ ‫معْت َِبي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬اذكر‬ ‫عو َ‬ ‫م ُيوَز ُ‬ ‫داُء الل ّهِ إ َِلى الّنارِ فَهُ ْ‬ ‫شُر أعْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫ن { ‪ ،‬أي ‪ :‬تجمع‬ ‫عو َ‬ ‫لهؤلء المشركين يوم يحشرون إلى النار )‪ُ } (1‬يوَز ُ‬
‫م‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫ن إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫سوقُ ال ُ‬ ‫الزبانية أولهم على آخرهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَن َ ُ‬
‫وِْرًدا { ]مريم ‪ ، [86 :‬أي ‪ :‬عطاشا‪.‬‬
‫م‬‫معُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫شهِد َ عَلي ْهِ ْ‬ ‫ها { أي ‪ :‬وقفوا عليها ‪َ } ،‬‬ ‫جاُءو َ‬ ‫ما َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫ن { )‪ (2‬أي ‪ :‬بأعمالهم مما قدموه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ملو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫جلود ُهُ ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫صاُرهُ ْ‬ ‫وَأب ْ َ‬
‫وأخروه ‪ ،‬ل ي ُك َْتم منه حرف‪.‬‬
‫م عَل َي َْنا { أي ‪ :‬لموا أعضاءهم وجلودهم حين‬ ‫شهِد ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م لِ َ‬ ‫جُلودِهِ ْ‬ ‫} وََقاُلوا ل ِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي أن ْط َ َ‬
‫ق‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قَنا الل ّ ُ‬ ‫شهدوا عليهم ‪ ،‬فعند ذلك أجابتهم العضاء ‪َ } :‬قاُلوا أن ْط َ َ‬
‫مّرةٍ { أي ‪ :‬فهو ل يخالف ول يمانع ‪ ،‬وإليه‬ ‫ل َ‬ ‫م أ َوّ َ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫يٍء وَهُوَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ترجعون‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الرحيم ‪ ،‬حدثنا علي بن قادم‬
‫مك َْتب ‪ ،‬عن الشعبي )‪ ، (3‬عن أنس بن مالك ‪،‬‬ ‫‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن عبيد ال ُ‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم‬
‫وتبسم )‪ ، (4‬فقال ‪" :‬أل تسألوني عن أي شيء ضحكت ؟" قالوا ‪ :‬يا رسول‬
‫الله من أي شيء ضحكت ؟ قال ‪" :‬عجبت من مجادلة العبد ربه يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬يقول ‪ :‬أي ربي ‪ ،‬أليس وعدتني أل تظلمني ؟ قال ‪ :‬بلى فيقول ‪:‬‬
‫ي شاهدا إل من نفسي‪ .‬فيقول الله تبارك وتعالى ‪ :‬أو ليس‬ ‫فإني ل أقبل عل ّ‬
‫كفى بي شهيدا ‪ ،‬وبالملئكة الكرام الكاتبين ؟! قال ‪ :‬فيردد هذا الكلم‬
‫دا‬
‫مرارا"‪ .‬قال ‪" :‬فيختم على فيه ‪ ،‬وتتكلم أركانه بما كان يعمل ‪ ،‬فيقول ُ ْ ً‬
‫ع‬ ‫ب‬ ‫‪:‬‬
‫سحقا ‪ ،‬عنكن كنت أجادل"‪.‬‬ ‫نو ُ‬ ‫لك ُ ّ‬
‫ثم رواه )‪ (5‬هو وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث أبي عامر السدي ‪ ،‬عن الثوري ‪،‬‬
‫مك َْتب ‪ ،‬عن ُفضيل بن عمرو ‪ ،‬عن الشعبي )‪ (6‬ثم قال ‪" :‬ل نعلم‬ ‫عبيد ال ُ‬ ‫عن ُ‬
‫رواه عن أنس غير الشعبي"‪ .‬وقد أخرجه مسلم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جهنم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يكسبون" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى الحافظ أبو بكر البزار بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أو تبسم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬ورواه ابن أبي الدنيا في التوبة برقم )‪ (18‬من طريق مهران بن أبي‬
‫عمر عن سفيان الثوري بنحوه‪.‬‬

‫) ‪(7/170‬‬

‫والنسائي جميعا عن أبي بكر بن أبي النضر ‪ ،‬عن أبي النضر ‪ ،‬عن عَُبيد الله‬
‫بن عبد الرحمن الشجعي ‪ ،‬عن الثوري به )‪ .(1‬ثم قال النسائي ‪" :‬ل أعلم‬
‫أحدا رواه عن الثوري غير الشجعي"‪ .‬وليس كما قال كما رأيت ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن‬
‫حميد بن هلل قال ‪ :‬قال أبو ب ُْرَدة ‪ :‬قال أبو‬ ‫عُّلية ‪ ،‬عن يونس ابن عُب َْيد ‪ ،‬عن ُ‬
‫موسى ‪ :‬ويدعى الكافر والمنافق للحساب ‪ ،‬فيعرض عليه ربه ‪ -‬عز وجل ‪-‬‬
‫عمله ‪ ،‬فيجحد ويقول ‪ :‬أي رب ‪ ،‬وعزتك لقد كتب على هذا الملك ما لم‬
‫أعمل! فيقول له الملك ‪ :‬أما عملت كذا ‪ ،‬في يوم كذا ‪ ،‬في مكان كذا ؟‬
‫خِتم على‬ ‫فيقول ‪ :‬ل وعزتك ‪ ،‬أي رب ما عملته‪] .‬قال[ )‪ (2‬فإذا فعل ذلك ُ‬
‫فيه ‪ -‬قال الشعري ‪ :‬فإني لحسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا ُزهَْير حدثنا حسن ‪ ،‬عن ابن ل َِهيعة ‪ :‬قال د َّراج‬
‫عن أبي الهيثم )‪ (3‬عن أبى سعيد الخدري ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬إذا كان يوم القيامة عُّرف الكافر بعمله ‪ ،‬فجحد وخاصم ‪ ،‬فيقال ‪:‬‬
‫هؤلء جيرانك ‪ ،‬يشهدون عليك ؟ فيقول ‪ :‬كذبوا‪ .‬فيقول ‪ :‬أهلك ]و[ )‪(4‬‬
‫عشيرتك ؟ فيقول ‪ :‬كذبوا‪ .‬فيقول ‪ :‬احلفوا فيحلفون ‪ ،‬ثم يصمتهم الله‬
‫وتشهد عليهم ألسنتهم ‪ ،‬ويدخلهم النار" )‪.(5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا عبد الصمد‬
‫صبْيح أبي‬ ‫بن عبد الوارث ‪ :‬سمعت أبي ‪ :‬حدثنا علي بن زيد ‪ ،‬عن مسلم بن ُ‬
‫ضحى ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنه قال لبن الزرق ‪ :‬إن يوم القيامة يأتي على‬ ‫ال ّ‬
‫الناس منه حين ‪ ،‬ل ينطقون ول يعتذرون ول يتكلمون حتى يؤذن لهم ‪ ،‬ثم‬
‫يؤذن لهم فيختصمون ‪ ،‬فيجحد الجاحد بشركه بالله ‪ ،‬فيحلفون له كما‬
‫يحلفون لكم ‪ ،‬فيبعث الله عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم ‪ ،‬جلودهم‬
‫وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم ‪ ،‬ويختم على أفواههم ‪ ،‬ثم يفتح لهم الفواه‬
‫خل َ َ‬
‫قك ُ ْ‬
‫م‬ ‫يٍء وَهُوَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ذي أ َن ْط َقَ ك ُ ّ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫قَنا الل ّ ُ‬‫فتخاصم الجوارح ‪ ،‬فتقول ‪ } :‬أ َن ْط َ َ‬
‫ن { فتقر اللسنة بعد الجحود‪.‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫مّرةٍ وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬
‫ل َ‬ ‫أ َوّ َ‬
‫وقال )‪ (6‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عبدة بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪ ،‬حدثنا‬
‫صفوان بن عمرو ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن جبير الحضرمي ‪ ،‬عن رافع أبي‬
‫الحسن ‪ -‬وصف رجل جحد ‪ -‬قال ‪ :‬فيشير الله إلى لسانه ‪ ،‬فيربو في فمه )‬
‫‪ (7‬حتى يمله ‪ ،‬فل يستطيع أن ينطق بكلمة ‪ ،‬ثم يقول لرابه )‪ (8‬كلها ‪:‬‬
‫تكلمي واشهدي عليه‪ .‬فيشهد عليه سمعه وبصره وجلده ‪ ،‬وفرجه ويداه‬
‫ورجله ‪ :‬صنعنا ‪ ،‬عملنا ‪ ،‬فعلنا‪.‬‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫وقد تقدم أحاديث كثيرة ‪ ،‬وآثار عند قوله تعالى في سورة يس ‪ } :‬الي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]يس ‪:‬‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬
‫سُبو َ‬ ‫ما َ‬ ‫جل ُهُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫شهَد ُ أْر ُ‬ ‫م وَت َ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫م وَت ُك َل ّ ُ‬
‫مَنا أي ْ ِ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫م عََلى أفْ َ‬ ‫خت ِ ُ‬
‫نَ ْ‬
‫‪ ، [65‬بما أغنى عن إعادته هاهنا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪ ، (2969‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪.(11653‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وقال الحافظ أبو يعلى بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند أبي يعلى )‪ ، (5262‬ودراج عن أبي الهيثم ‪ ،‬ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬لركانه"‪.‬‬

‫) ‪(7/171‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ -‬رحمه الله ‪ : -‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سويد بن سعيد ‪ ،‬حدثنا‬
‫خث َْيم ‪ ،‬عن أبي الزبير )‪ ، (1‬عن جابر بن‬ ‫سَليم الطائفي ‪ ،‬عن ابن ُ‬ ‫يحيى بن ُ‬
‫عبد الله قال ‪ :‬لما رجعت إلى النبي )‪ (2‬صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر‬
‫قال ‪" :‬أل تحدثون بأعاجيب )‪ (3‬ما رأيتم بأرض الحبشة ؟" فقال فتية منهم ‪:‬‬
‫بلى يا رسول الله ‪ ،‬بينا )‪ (4‬نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من عجائز‬
‫رهابينهم ‪ ،‬تحمل على رأسها قلة من ماء ‪ ،‬فمرت بفتى منهم فجعل إحدى‬
‫يديه بين كتفيها ‪ ،‬ثم دفعها فخرت على ركبتيها ‪ ،‬فانكسرت قلتها‪ .‬فلما‬
‫در ‪ ،‬إذا وضع الله الكرسي ‪،‬‬ ‫ارتفعت التفتت إليه فقالت ‪ :‬سوف تعلم يا غُ َ‬
‫وجمع الولين والخرين ‪ ،‬وتكلمت اليدي والرجل بما كانوا يكسبون ‪ ،‬فسوف‬
‫تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا ؟ قال ‪ :‬يقول رسول الله صلى الله عليه‬
‫ت ]و[ )‪ (5‬صدقت ‪ ،‬كيف ُيقدس الله قوما ل يؤخذ لضعيفهم‬ ‫صد َقَ ْ‬ ‫وسلم ‪َ " :‬‬
‫من شديدهم ؟"‪.‬‬
‫هذا حديث غريب من هذا الوجه‪ .‬ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الهوال ‪:‬‬
‫أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال ‪ :‬أخبرنا يحيى بن سليم ‪ ،‬به )‪(6‬‬
‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وما ك ُنتم تستت ِرو َ‬
‫م َول‬ ‫ُ‬
‫صاُرك ْ‬‫م َول أب ْ َ‬ ‫معُك ُ ْ‬ ‫س ْ‬‫م َ‬ ‫شهَد َ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫ُْ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫م { أي ‪ :‬تقول لهم العضاء والجلود حين يلومونها على الشهادة عليهم‬ ‫جُلود ُك ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫‪ :‬ما كنتم تتكتمون )‪ (7‬منا الذي كنتم تفعلونه بل كنتم تجاهرون الله بالكفر‬
‫والمعاصي ‪ ،‬ول تبالون منه في زعمكم ؛ لنكم كنتم ل تعتقدون أنه يعلم‬
‫جميع أفعالكم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ول َكن ظ َننت َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫م ّ‬ ‫ه ل ي َعْل َ ُ‬
‫م ك َِثيًرا ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫مأ ّ‬ ‫َُْ ْ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬هذا الظن الفاسد ‪ -‬وهو‬ ‫م أ َْرَداك ُْ‬ ‫م ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫ذي ظ َن َن ْت ُ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫م ظ َن ّك ُ ُ‬ ‫وَذ َل ِك ُ ْ‬
‫اعتقادكم أن الله ل يعلم كثيرا مما تعملون ‪ -‬هو الذي أتلفكم وأرداكم عند‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في مواقف القيامة خسرتم‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬
‫حت ُ ْ‬ ‫ربكم ‪ } ،‬فَأ ْ‬
‫صب َ ْ‬
‫أنفسكم وأهليكم‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ -‬رحمه الله ‪ : -‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن‬
‫عمارة ‪ ،‬عن عبد الرحمن ابن يزيد )‪ ، (8‬عن عبد الله قال ‪ :‬كنت مستتًرا‬
‫بأستار الكعبة فجاء ثلثة نفر ‪ :‬قرشي ‪ ،‬وختناه ثقفيان ‪ -‬أو ثقفي وختناه‬
‫قرشيان ‪ -‬كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم ‪ ،‬فتكلموا بكلم لم أسمعه ‪،‬‬
‫فقال أحدهم ‪ :‬أترون أن الله يسمع كلمنا هذا ؟ فقال الخر ‪ :‬إنا إذا رفعنا‬
‫أصواتنا سمعه )‪ ، (9‬وإذا لم نرفعه لم يسمعه ‪ ،‬فقال الخر ‪ :‬إن سمع منه‬
‫شيئا سمعه كله‪ .‬قال ‪ :‬فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأنزل الله‬
‫َ‬ ‫عز وجل ‪ } :‬وما ك ُنتم تستت ِرو َ‬
‫صاُرك ُ ْ‬
‫م َول‬ ‫معُك ُ ْ‬
‫م َول أب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫شهَد َ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫ُْ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬‫م َ‬
‫م { إلى قوله ‪ِ } :‬‬ ‫جُلود ُك ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫وكذا رواه الترمذي عن هناد ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪ ،‬بإسناده نحوه )‪ .(10‬وأخرجه‬
‫أحمد ومسلم والترمذي أيضا ‪ ،‬من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬
‫عمارة بن عمير ‪ ،‬عن وهب بن‬ ‫ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬بأعجب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬بينما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬الهوال لبن أبي الدنيا برقم )‪ (243‬ورواه ابن ماجه في السنن برقم )‬
‫‪ (4010‬حدثنا سويد بن سعيد فذكره‪ .‬قال البوصيري في زوائد ابن ماجه ‪:‬‬
‫"هذا إسناد حسن ‪ ،‬سويد مختلف فيه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬تكتمون"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬رواه المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬يسمعه"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪ (1/381‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3249‬‬

‫) ‪(7/172‬‬

‫ربيعة ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬بنحوه )‪ .(1‬ورواه البخاري‬
‫ومسلم أيضا ‪ ،‬من حديث السفيانين ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن أبي‬
‫خبرة ‪ ،‬عن ابن مسعود به )‪.(2‬‬ ‫س ْ‬
‫معمر عبد الله بن َ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن بهز بن حكيم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪،‬‬
‫َ‬
‫م َول‬ ‫معُك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫شهَد َ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫ما على أفواهكم بالفدام ‪،‬‬ ‫فد ّ ً‬ ‫م َ‬‫عون ُ‬ ‫م { قال ‪" :‬إنكم ُتد َ‬ ‫جُلود ُك ُ ْ‬ ‫م َول ُ‬ ‫صاُرك ُ ْ‬ ‫أب ْ َ‬
‫فأول شيء يبين )‪ (3‬عن أحدكم فخذه وكفه )‪." (5) (4‬‬
‫َ‬
‫م { ثم‬ ‫ُ‬
‫م أْرَداك ْ‬ ‫ُ‬
‫م ب َِرب ّك ْ‬ ‫ذي ظ َن َن ْت ُ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ظ َن ّك ُ ُ‬ ‫قال معمر ‪ :‬وتل الحسن ‪ } :‬وَذ َل ِك ُ ْ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬قال الله أنا مع عبدي عند‬
‫ظنه بي ‪ ،‬وأنا معه إذا دعاني" ثم أفتّر الحسن ينظر في هذا فقال ‪ :‬أل إنما‬
‫عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم ‪ ،‬فأما المؤمن فأحسن الظن بربه‬
‫فأحسن العمل ‪ ،‬وأما الكافر والمنافق فأساءا الظن بالله فأساءا العمل‪ .‬ثم‬
‫قال ‪ :‬قال الله تعالى ‪ } :‬وما ك ُنتم تستت ِرو َ‬
‫م َول‬ ‫معُك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫شهَد َ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُْ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫حت ُْ‬‫صب َ ْ‬
‫ْ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ك‬ ‫دا‬‫َ‬ ‫ر‬
‫ْ ْ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ب‬
‫ْ َِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ظ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ظ‬ ‫م { إلى قوله ‪ } :‬وَذ َ ْ‬
‫م‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫صاُرك ُ ْ‬ ‫أب ْ َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬‫س ِ‬
‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا النضر بن إسماعيل القاص )‪ - (6‬وهو أبو المغيرة ‪-‬‬
‫حدثنا ابن أبي ليلى ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر )‪ (7‬قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يموتن أحد منكم إل وهو يحسن بالله الظن ‪ ،‬فإن‬
‫ذي‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ظ َن ّك ُ ُ‬ ‫قوما قد أرداهم سوء ظنهم بالله ‪ ،‬فقال الله تعالى ‪ } :‬وَذ َل ِك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ظ َننتم بربك ُ َ‬
‫ن { )‪.(8‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬
‫صب َ ْ‬ ‫م أْرَداك ُ ْ‬ ‫َُْ ْ َِ ّ ْ‬
‫ن{‬ ‫معْت َِبي َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫َ‬
‫ست َعْت ُِبوا ف َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫وى لهُ ْ‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫مث ً‬ ‫َ‬
‫صب ُِروا فالّناُر َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫أي ‪ :‬سواء عليهم أصبروا أم لم يصبروا هم في النار ‪ ،‬ل محيد لهم عنها ‪ ،‬ول‬
‫خروج لهم منها‪ .‬وإن طلبوا أن يستعتبوا ويبدوا أعذارا )‪ (9‬فما لهم أعذار ‪ ،‬ول‬
‫قال لهم عثرات‪.‬‬ ‫تُ َ‬
‫ست َعْت ُِبوا { أي ‪ :‬يسألوا الرجعة إلى‬ ‫ي‬
‫َِ ْ َ ْ‬‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫ومعنى‬ ‫‪:‬‬ ‫جرير‬ ‫ابن‬ ‫قال‬
‫الدنيا ‪ ،‬فل جواب لهم ‪ -‬قال ‪ :‬وهذا كقوله تعالى إخبارا عنهم ‪َ } :‬قاُلوا َرب َّنا‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫ن عُد َْنا فَإّنا َ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫من َْها فَإ ِ ْ‬
‫جَنا ِ‬ ‫ن َرب َّنا أ َ ْ‬
‫خرِ ْ‬ ‫ضاّلي َ‬
‫ما َ‬ ‫قوَت َُنا وَك ُّنا قَوْ ً‬ ‫ت عَل َي َْنا ِ‬
‫ش ْ‬ ‫غَل َب َ ْ‬
‫ن { ]المؤمنون ‪.[108 - 106 :‬‬ ‫مو ِ‬ ‫ّ‬
‫سُئوا ِفيَها َول ت ُك َل ُ‬ ‫خ َ‬ ‫لا ْ‬‫َقا َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/408‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2775‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪.(3249‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ ، (4817‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2775‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬ينطق"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وكتفه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير عبد الرزاق )‪ ، (2/151‬والمصنف )‪ ، (20115‬ورواه النسائي في‬
‫السنن )‪ (5/4‬وابن ماجه في السنن برقم )‪ (2536‬من طريق عن بهز بن‬
‫حكيم بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬القاضي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد عن جابر"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(3/390‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أعذارهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/173‬‬

‫م ال ْ َ‬ ‫وقَيضنا ل َهم قُرناَء فَزينوا ل َهم ما بي َ‬


‫ل ِفي‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فهُ ْ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ُ ْ َ َْ َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ ّ ْ َ ُ ْ َ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (25‬وََقا َ‬
‫ل‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫م كاُنوا َ‬ ‫َ‬ ‫س إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن َوال ِن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫مم ٍ قَد ْ َ‬ ‫أ َ‬
‫ن )‪ (26‬فَل َن ُ ِ‬ ‫ذا ال ْ ُ َ‬
‫ن‬
‫ق ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت َغْل ُِبو َ‬ ‫وا ِفيهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ن َوال ْغَ ْ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫مُعوا ل ِهَ َ‬ ‫س َ‬‫فُروا َل ت َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جَزاُء‬‫ك َ‬ ‫ن )‪ (27‬ذ َل ِ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سوَأ ال ّ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جزِي َن ّهُ ْ‬ ‫دا وَل َن َ ْ‬ ‫دي ً‬‫ش ِ‬ ‫ذاًبا َ‬ ‫فُروا عَ َ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (28‬وََقا َ‬
‫ل‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫كاُنوا ب ِآَيات َِنا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫خل ْد ِ َ‬ ‫م ِفيَها َداُر ال ْ ُ‬ ‫داِء الل ّهِ الّناُر ل َهُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫َ‬ ‫فروا ربنا أ َرنا ال ّذ َي َ‬
‫مَنا‬
‫دا ِ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫جعَل ْهُ َ‬‫س نَ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ِن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ضّلَنا ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ َّ َِ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫فِلي َ‬ ‫س َ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫كوَنا ِ‬ ‫ل ِي َ ُ‬

‫م ال ْ َ‬ ‫} وقَيضنا ل َهم قُرناَء فَزينوا ل َهم ما بي َ‬


‫قو ْ ُ‬
‫ل‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فهُ ْ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ُ ْ َ َْ َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ ّ ْ َ ُ ْ َ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (25‬وََقا َ‬
‫ل‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫م كاُنوا َ‬ ‫َ‬ ‫س إ ِن ّهُ ْ‬‫ن َوالن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫مم ٍ قَد ْ َ‬ ‫ِفي أ َ‬
‫ن‬
‫ق ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (26‬فَل َن ُ ِ‬ ‫م ت َغْل ُِبو َ‬ ‫وا ِفيهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ن َوال ْغَ ْ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫مُعوا ل ِهَ َ‬ ‫س َ‬ ‫فُروا ل ت َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جَزاءُ‬ ‫ك َ‬ ‫ن )‪ (27‬ذ َل ِ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سوَأ ال ّ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جزِي َن ّهُ ْ‬ ‫دا وَل َن َ ْ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ذاًبا َ‬ ‫فُروا عَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ن )‪ (28‬وََقا َ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫كاُنوا ِبآَيات َِنا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫خل ْد ِ َ‬ ‫م ِفيَها َداُر ال ْ ُ‬ ‫داِء الل ّهِ الّناُر ل َهُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫َ‬ ‫فروا ربنا أ َرنا ال ّذ َي َ‬
‫مَنا‬ ‫دا ِ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫جعَل ْهُ َ‬ ‫س نَ ْ‬ ‫ن َوالن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ضلَنا ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ َّ َِ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن )‪{ (29‬‬ ‫فِلي َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫كوَنا ِ‬ ‫ل ِي َ ُ‬
‫يذكر تعالى أنه هو الذي أضل المشركين ‪ ،‬وأن ذلك بمشيئته وكونه وقدرته ‪،‬‬
‫وهو الحكيم في أفعاله ‪ ،‬بما قَّيض لهم من القرناء من شياطين النس والجن‬
‫سنوا لهم أعمالهم في‬ ‫خل ْ َ‬ ‫‪ } :‬فَزينوا ل َهم ما بي َ‬
‫ح ّ‬ ‫م { أي ‪َ :‬‬ ‫فهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ُ ْ َ َْ َ‬ ‫َ ُّ‬
‫الماضي ‪ ،‬وبالنسبة إلى المستقبل فلم يروا أنفسهم إل محسنين ‪ ،‬كما قال‬
‫م‬
‫ن وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ه قَ ِ‬ ‫طاًنا فَهُوَ ل َ ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض لَ ُ‬ ‫قي ّ ْ‬ ‫ن نُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ذِك ْرِ الّر ْ‬ ‫ش عَ ْ‬ ‫ن ي َعْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ]الزخرف ‪.[37 ، 36 :‬‬ ‫ل َيصدونهم عَن السبيل ويحسبو َ‬
‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ّ ِ ِ ََ ْ َ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ّ َُ ْ‬
‫قوْل { أي ‪ :‬كلمة العذاب كما حق على أمم‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫َ‬
‫حقّ عَلي ْهِ ُ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫م كاُنوا‬ ‫َ‬ ‫قد خلت من قبلهم ‪ ،‬ممن فعل كفعلهم ‪ ،‬من الجن والنس ‪ } ،‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬استوََوا هم وإياهم في الخسار والدمار‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫َ‬
‫وا ِفيهِ { أي ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫ن‬ ‫رآ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫عوا‬
‫َ ْ َ ُ َِ‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقوله‬
‫وا‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫)‬ ‫لوامره‬ ‫ينقادوا‬ ‫ول‬ ‫‪،‬‬ ‫للقرآن‬ ‫يطيعوا‬ ‫أل‬ ‫تواصوا فيما بينهم‬
‫وا ِفيهِ { يعني ‪:‬‬ ‫ْ‬
‫ِفيهِ { أي ‪ :‬إذا تلي ل تسمعوا له‪ .‬كما قال مجاهد ‪َ } :‬والغَ ْ‬
‫بالمكاء )‪ (2‬والصفير والتخليط في المنطق على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إذا قرأ القرآن قريش تفعله‪.‬‬
‫وا ِفيهِ { عيبوه )‪.(3‬‬ ‫ْ‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬والغَ ْ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬اجحدوا به ‪ ،‬وأنكروه وعادوه‪.‬‬
‫ن { هذا حال هؤلء الجهلة من الكفار ‪ ،‬ومن سلك مسلكهم‬ ‫م ت َغْل ُِبو َ‬ ‫} ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫عند سماع القرآن‪ .‬وقد أمر الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬عباده المؤمنين بخلف ذلك فقال‬
‫َ‬
‫ن { ]العراف ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫صُتوا ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ه وَأن ْ ِ‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫ن َفا ْ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫‪ } :‬وَإ َِذا قُرِئَ ال ْ ُ‬
‫‪.[204‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ :‬منتصرا للقرآن ‪ ،‬ومنتقما ممن عاداه من أهل الكفران ‪:‬‬
‫دا { أي ‪ :‬في مقابلة ما اعتمدوه في‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ذاًبا َ‬ ‫فُروا عَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ق ّ‬‫ذي َ‬ ‫} فَل َن ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شّر‬ ‫ن { أي ‪ :‬ب َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سوَأ ال ّ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جزِي َن ّهُ ْ‬ ‫القرآن وعند سماعه ‪ } ،‬وَل َن َ ْ‬
‫َ‬
‫جَزاًء‬‫خل ْد ِ َ‬ ‫م ِفيَها َداُر ال ْ ُ‬ ‫داِء الل ّهِ الّناُر ل َهُ ْ‬ ‫جَزاُء أعْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫أعمالهم وسّيئ أفعالهم } ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬‫ضلَنا ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ّ‬
‫فُروا َرب َّنا أرَِنا الذ َي ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ن وََقا َ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫كاُنوا ِبآَيات َِنا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫مَنا ل ِي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن{‬ ‫فِلي َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫كوَنا ِ‬ ‫دا ِ‬‫ت أقْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫جعَلهُ َ‬ ‫س نَ ْ‬ ‫َوالن ْ ِ‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن سلمة بن ك ُهَْيل ‪ ،‬عن مالك بن الحصين الفزاري ‪،‬‬
‫عن أبيه )‪ ، (4‬عن علي ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬لمره"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بالمكاء والتصدية"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬قعوا فيه ‪ ،‬عيبوه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬عن أبيه روى"‪.‬‬

‫) ‪(7/174‬‬

‫ضلَنا { قال ‪ :‬إبليس وابن آدم الذي‬ ‫رضي الله عنه ‪ ،‬في قوله ‪ } :‬ال ّذ َي َ‬
‫نأ َ‬ ‫ْ ِ‬
‫قتل أخاه‪.‬‬
‫وهكذا روى حبة العَُرِني عن علي ‪ ،‬مثل ذلك‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ ،‬عن علي ‪ :‬فإبليس يدعو به كل صاحب شرك ‪ ،‬وابن آدم يدعو‬
‫به كل صاحب كبيرة ‪ ،‬فإبليس ‪ -‬لعنه الله ‪ -‬هو الداعي إلى كل شر من شرك‬
‫فما دونه ‪ ،‬وابن آدم الول‪ .‬كما ثبت في الحديث ‪" :‬ما قتلت نفس ظلما إل‬
‫كان على ابن آدم الول كفل من دمها ؛ لنه أول من سن القتل" )‪.(1‬‬
‫َ‬
‫مَنا { أي ‪ :‬أسفل منا في العذاب ليكونا أشد‬ ‫ت أقْ َ‬
‫دا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جعَل ْهُ َ‬
‫ما ت َ ْ‬ ‫وقوله )‪ } (2‬ن َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬في الدرك السفل من‬ ‫فِلي َ‬‫س َ‬‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫عذابا منا ؛ ولهذا قالوا ‪ } :‬ل ِي َكوَنا ِ‬
‫النار ‪ ،‬كما تقدم في "العراف" من سؤال التباع من الله أن يعذب قادتهم‬
‫ن { ]العراف ‪[38 :‬‬ ‫ن ل ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ف وَل َك ِ ْ‬‫ضعْ ٌ‬ ‫ل ِ‬ ‫أضعاف عذابهم ‪ ،‬قال ‪ } :‬ل ِك ُ ّ‬
‫أي ‪ :‬إنه تعالى قد أعطى كل منهم ما يستحقه من العذاب والنكال ‪ ،‬بحسب‬
‫ل الل ّهِ‬
‫سِبي ِ‬
‫ن َ‬‫دوا عَ ْ‬
‫ص ّ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا وَ َ‬ ‫ذي َ‬‫عمله وإفساده ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ن { ]النحل ‪.[88 :‬‬ ‫دو َ‬‫س ُ‬
‫ف ِ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذاًبا فَوْقَ ال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م عَ َ‬
‫زِد َْناهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الحديث أخرجه الجماعة سوى أبي داود ‪ ،‬وانظر تخريجه عند الية ‪29 :‬‬
‫من سورة المائدة‪.‬‬
‫)‪ (2‬في س ‪" :‬وقولهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/175‬‬

‫خاُفوا وََل‬ ‫ة أ َّل ت َ َ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫موا ت َت َن َّز ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حَياةِ‬ ‫م ِفي ال َ‬ ‫ن أوْل َِياؤُك ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن )‪ (30‬ن َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫جن ّةِ الِتي كن ْت ُ ْ‬ ‫شُروا ِبال َ‬ ‫حَزُنوا وَأب ْ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عو َ‬ ‫ما ت َد ّ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫م وَلك ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أن ْ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫خَرةِ وَلك ْ‬ ‫الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬
‫حيم ٍ )‪(32‬‬ ‫فورٍ َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُُزًل ِ‬

‫خاُفوا َول‬ ‫ة َأل ت َ َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫موا ت ََتنز ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫حَيا ِ‬ ‫م ِفي ال َ‬ ‫ن أوْل َِياؤُك ُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن )‪ (30‬ن َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫جن ّةِ الِتي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫شُروا ِبال َ‬ ‫حَزُنوا وَأب ْ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ّ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫م وَلك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫خَرةِ وَلك ُ ْ‬ ‫الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬
‫حيم ٍ )‪{ (32‬‬ ‫فورٍ َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫نزل ِ‬
‫موا { أي ‪ :‬أخلصوا العمل‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ّ‬
‫ن َقالوا َرب َّنا الل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫لله ‪ ،‬وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا الجراح ‪ ،‬حدثنا سلم )‪ (1‬بن قتيبة أبو‬
‫شِعيري ‪ ،‬حدثنا سهيل )‪ (2‬بن أبي حزم ‪ ،‬حدثنا ثابت )‪ (3‬عن أنس بن‬ ‫قتيبة ال ّ‬
‫ن‬
‫مالك قال ‪ :‬قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الية ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫موا { قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم )‪ ، (4‬فمن‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫قالها حتى )‪ (5‬يموت فقد )‪ (6‬استقام عليها‪.‬‬
‫وكذا رواه النسائي في تفسيره ‪ ،‬والبزار وابن جرير ‪ ،‬عن عمرو بن علي‬
‫الفلس ‪ ،‬عن سلم )‪ (7‬بن قتيبة ‪ ،‬به )‪ .(8‬وكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن الفلس ‪ ،‬به‪ .‬ثم قال ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫عامر بن سعد )‪(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬مسلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬سهل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬قال الحافظ أبو يعلى الموصلي بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ثم كفروا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬حين"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬فهو ممن"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬مسلم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬مسند أبي يعلى ‪ ، (06/213‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪ (11470‬وتفسير الطبري )‪.(24/73‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬

‫) ‪(7/175‬‬
‫‪ ،‬عن سعيد )‪ (1‬بن نمران )‪ (2‬قال ‪ :‬قرأت )‪ (3‬عند أبي بكر الصديق هذه‬
‫موا { قال ‪ :‬هم الذين لم يشركوا‬ ‫قا ُ‬‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫الية ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫بالله شيئا‪.‬‬
‫ثم روي من حديث السود بن هلل قال ‪ :‬قال أبو بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬ما‬
‫موا { ؟ قال ‪:‬‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫تقولون في هذه الية ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫موا { من ذنب‪ .‬فقال ‪ :‬لقد حملتموها على غير‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫فقالوا ‪َ } :‬رب َّنا الل ّ ُ‬
‫موا { فلم يلتفتوا إلى إله غيره‪.‬‬ ‫قا ُ‬‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫المحمل ‪َ } ،‬قاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير واحد )‪.(4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو عبد الله الظهراني )‪ ، (5‬أخبرنا حفص بن عمر‬
‫العدني ‪ ،‬عن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة قال ‪ :‬سئل ابن عباس )‪ ، (6‬رضي‬
‫ن َقاُلوا َرب َّنا‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الله عنهما ‪ :‬أي آية في كتاب الله أرخص ؟ قال قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫موا { على شهادة أن ل إله إل الله‪.‬‬ ‫قا ُ‬‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه ثُ ّ‬
‫وقال الزهري ‪ :‬تل عمر هذه الية على المنبر ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬استقاموا ‪ -‬والله ‪-‬‬
‫لله بطاعته ‪ ،‬ولم يروغوا روغان الثعالب‪.‬‬
‫موا {‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ُ ّ ْ َ ُ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫ب‬
‫َ َّ‬‫ر‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫عباس‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن‬
‫على أداء فرائضه‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان الحسن يقول ‪ :‬اللهم أنت‬
‫ربنا ‪ ،‬فارزقنا الستقامة‪.‬‬
‫موا { أخلصوا له العمل والدين‪.‬‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫وقال أبو العالية ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫شْيم ‪ ،‬حدثنا يعلى بن عطاء ‪ ،‬عن عبد الله بن‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هُ َ‬
‫سفيان الثقفي ‪ ،‬عن أبيه )‪ (7‬؛ أن رجل قال ‪ :‬يا رسول الله مرني بأمر في‬
‫السلم ل أسأل عنه أحدا بعدك‪ .‬قال ‪" :‬قل آمنت بالله ‪ ،‬ثم استقم" قلت ‪:‬‬
‫فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه‪.‬‬
‫ورواه النسائي من حديث شعبة ‪ ،‬عن يعلى بن عطاء ‪ ،‬به )‪.(8‬‬
‫ثم قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا إبراهيم بن سعد ‪ ،‬حدثني‬
‫ابن شهاب ‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز الغامدي ‪ ،‬عن سفيان )‪(9‬‬
‫بن عبد الله الثقفي قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬حدثني بأمر أعتصم به‪.‬‬
‫قال ‪" :‬قل ربي الله ‪ ،‬ثم استقم" قلت ‪ :‬يا رسول الله ما أكثر ما تخاف‬
‫علي ؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف لسان نفسه ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫وهكذا )‪ (10‬رواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث الزهري ‪ ،‬به )‪ .(11‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬رواه ابن جرير عن سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬مهران"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬قرنت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬مجاهد وغيره"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الطبراني"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي الدنيا بسنده عن ابن عباس أنه سئل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (4/384‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11489‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬وروى أحمد عن سفيان"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬هكذا وكذا"‪.‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪ ، (3/413‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2410‬وسنن ابن ماجه‬
‫برقم )‪.(3972‬‬

‫) ‪(7/176‬‬

‫وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي ‪ ،‬من حديث هشام بن عروة ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬قل لي في‬
‫السلم قول ل أسأل عنه أحدا بعدك‪ .‬قال ‪" :‬قل آمنت بالله ‪ ،‬ثم استقم"‬
‫وذكر تمام الحديث )‪.(1‬‬
‫ة { قال مجاهد ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪،‬‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ت ََتنز ُ‬
‫خاُفوا { قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وزيد‬ ‫َ‬
‫وابنه ‪ :‬يعني عند الموت قائلين ‪ } :‬أل ت َ َ‬
‫حَزُنوا { ]أي[ )‪(2‬‬ ‫بن أسلم ‪ :‬أي مما تقدمون عليه من أمر الخرة ‪َ } ،‬ول ت َ ْ‬
‫على ما خلفتموه من أمر الدنيا ‪ ،‬من ولد وأهل ‪ ،‬ومال أو دين ‪ ،‬فإنا نخلفكم‬
‫َ‬
‫ن { فيبشرونهم بذهاب الشر‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫جن ّةِ ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫شُروا ِبال ْ َ‬ ‫فيه ‪ } ،‬وَأب ْ ِ‬
‫وحصول الخير‪.‬‬
‫وهذا كما في حديث البراء )‪ ، (3‬رضي الله عنه ‪" :‬إن الملئكة تقول لروح‬
‫المؤمن ‪ :‬اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ‪،‬‬
‫اخرجي إلى روح وريحان ‪ ،‬ورب غير غضبان"‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إن الملئكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم‪ .‬حكاه ابن جرير‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬والسدي‪.‬‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا عبد السلم بن مطهر ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫جعفر بن سليمان ‪ :‬سمعت ثابتا قرأ سورة "حم السجدة" )‪ (4‬حتى بلغ ‪:‬‬
‫ة { فوقف فقال ‪:‬‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ل عَل َي ْهِ ُ‬‫موا ت ََتنز ُ‬ ‫قا ُ‬‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫} إِ ّ‬
‫بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله من قبره ‪ ،‬يتلقاه الملكان اللذان كانا‬
‫َ‬
‫جن ّةِ ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫شُروا ِبال ْ َ‬ ‫معه في الدنيا ‪ ،‬فيقولن له ‪ :‬ل تخف ول تحزن ‪ } ،‬وَأب ْ ِ‬
‫ن { )‪ (5‬قال ‪ :‬فيؤمن الله خوفه ‪ ،‬ويقر عينه فما عظيمة يخشى‬ ‫دو َ‬‫ُتوعَ ُ‬
‫الناس يوم القيامة إل هي للمؤمن قرة عين ‪ ،‬لما هداه الله ‪ ،‬ولما كان يعمل‬
‫له في الدنيا‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪ :‬يبشرونه عند موته ‪ ،‬وفي قبره ‪ ،‬وحين يبعث‪ .‬رواه ابن‬
‫أبي حاتم‪.‬‬
‫وهذا القول يجمع القوال كلها ‪ ،‬وهو حسن جدا ‪ ،‬وهو الواقع‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬نح َ‬
‫خَرةِ { أي ‪ :‬تقول الملئكة‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫ن أوْل َِياؤُك ُ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫للمؤمنين عند الحتضار ‪ :‬نحن كنا أولياءكم ‪ ،‬أي ‪ :‬قرناءكم في الحياة الدنيا ‪،‬‬
‫نسددكم ونوفقكم ‪ ،‬ونحفظكم بأمر الله ‪ ،‬وكذلك نكون معكم في الخرة‬
‫نؤنس منكم الوحشة في القبور ‪ ،‬وعند النفخة في الصور ‪ ،‬ونؤمنكم يوم‬
‫البعث والنشور ‪ ،‬ونجاوز بكم الصراط المستقيم ‪ ،‬ونوصلكم إلى جنات‬
‫م { أي ‪ :‬في الجنة من جميع ما‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أ َن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫النعيم‪ } .‬وَل َك ُ ْ‬
‫ما‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫تختارون )‪ (6‬مما تشتهيه النفوس ‪ ،‬وتقر به العيون ‪ } ،‬وَل َك ُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬مهما طلبتم وجدتم ‪ ،‬وحضر بين أيديكم ‪] ،‬أي[ )‪ (7‬كما اخترتم‬ ‫عو َ‬ ‫ت َد ّ ُ‬
‫‪،‬‬
‫حيم ٍ { أي ‪ :‬ضيافة وعطاء وإنعاما من غفور لذنوبكم ‪،‬‬ ‫فورٍ َر ِ‬ ‫َ‬
‫نغ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫} نزل ِ‬
‫رحيم بكم رءوف ‪ ،‬حيث غفر ‪ ،‬وستر ‪ ،‬ورحم ‪ ،‬ولطف‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(38‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬حديث البراء سبق تخريجه عند تفسير الية ‪ 40 :‬من سورة العراف إل‬
‫أن هذا اللفظ هو لفظ حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو مخرج في نفس‬
‫الموضع‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ :‬وروى ابن أبي حاتم عن ثابت أنه قرأ السجدة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬وأبشر" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬تختارونه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(7/177‬‬

‫وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديث "سوق الجنة" عند قوله تعالى ‪ } :‬وَل َك ُ ْ‬
‫م‬
‫حيم ٍ { ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫ن غَ ُ‬
‫فورٍ َر ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن نزل ِ‬
‫عو َ‬
‫ما ت َد ّ ُ‬ ‫م وَل َك ُ ْ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ُ‬‫شت َِهي أ َن ْ ُ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫ِفيَها َ‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا عبد الحميد بن حبيب )‪ (1‬بن أبي‬
‫العشرين أبي سعيد ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬حدثني حسان بن عطية ‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن المسيب ‪ :‬أنه لقي أبا هريرة ]رضي الله عنه[ )‪ (2‬فقال أبو هريرة ‪:‬‬
‫نسأل )‪ (3‬الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة‪ .‬فقال سعيد ‪ :‬أو فيها‬
‫سوق ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة‬
‫إذا دخلوا فيها ‪ ،‬نزلوا بفضل أعمالهم ‪ ،‬فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة في‬
‫أيام الدنيا فيزورون الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ويبرز لهم عرشه ‪ ،‬ويتبدى لهم في‬
‫روضة من رياض الجنة ‪ ،‬وتوضع لهم منابر من نور ‪ ،‬ومنابر من لؤلؤ ‪ ،‬ومنابر‬
‫من ياقوت ‪ ،‬ومنابر من زبرجد ‪ ،‬ومنابر من ذهب ‪ ،‬ومنابر من فضة ‪ ،‬ويجلس‬
‫]فيه[ )‪ (4‬أدناهم وما فيهم دنيء على كثبان المسك والكافور ‪ ،‬ما يرون بأن‬
‫أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا‪.‬‬
‫قال أبو هريرة ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وهل نرى ربنا ]يوم القيامة[ )‪ (5‬؟‬
‫قال ‪" :‬نعم هل تتمارون )‪ (6‬في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟" قلنا ‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬فكذلك ل تتمارون في رؤية ربكم تعالى ‪ ،‬ول‬
‫يبقى في ذلك المجلس أحد إل حاضره الله محاضرة ‪ ،‬حتى إنه ليقول للرجل‬
‫كره ببعض غدراته‬ ‫منهم ‪ :‬يا فلن بن فلن ‪ ،‬أتذكر يوم عملت كذا وكذا ؟ ‪ -‬يذ ّ‬
‫في الدنيا ‪ -‬فيقول ‪ :‬أي رب ‪ ،‬أفلم تغفر لي ؟ فيقول ‪ :‬بلى فبسعة مغفرتي‬
‫بلغت منزلتك هذه‪ .‬قال ‪ :‬فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم ‪،‬‬
‫فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط"‪ .‬قال ‪ :‬ثم يقول ربنا ‪-‬‬
‫عز وجل ‪ : -‬قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة ‪ ،‬وخذوا ما اشتهيتم"‪ .‬قال‬
‫فت به الملئكة ‪ ،‬فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله ‪ ،‬ولم‬ ‫ح ّ‬‫‪" :‬فنأتي سوقا قد َ‬
‫تسمع الذان ‪ ،‬ولم يخطر على القلوب‪ .‬قال ‪ :‬فيحمل لنا ما اشتهينا ‪ ،‬ليس‬
‫يباع فيه شيء ول يشترى ‪ ،‬وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة ‪ ،‬فيلقى من هو دونه ‪ -‬وما فيهم‬
‫دنيء فيروعه ما يرى عليه من اللباس ‪ ،‬فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل‬
‫عليه أحسن منه ؛ وذلك لنه ل ينبغي لحد أن يحزن فيها‪.‬‬
‫حّبنا ‪ ،‬لقد جئت‬ ‫ثم ننصرف إلى منازلنا ‪ ،‬فيتلقانا أزواجنا فيقلن ‪ :‬مرحبا وأهل ب ِ ِ‬
‫وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه‪ .‬فيقول ‪ :‬إنا جالسنا‬
‫اليوم ربنا الجبار ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وبحقنا أن ننقلب بمثل )‪ (7‬ما انقلبنا به"‪.‬‬
‫وقد رواه الترمذي في "صفة الجنة" من جامعه ‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل ‪،‬‬
‫عن هشام بن عمار ‪ ،‬ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار ‪ ،‬به نحوه )‪ .(8‬ثم‬
‫قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من هذا الوجه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الوليد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬أسأل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬تمارون"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (8‬سنن الترمذي برقم )‪ (2549‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(4336‬‬

‫) ‪(7/178‬‬

‫وم َ‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِن ِّني ِ‬ ‫حا وََقا َ‬ ‫صال ِ ً‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫عا إ َِلى الل ّهِ وَعَ ِ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن قَوًْل ِ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ذي ب َي ْن َ َ‬
‫ك‬ ‫ن فَإَذا ال ِّ‬ ‫س‬ ‫ح‬‫ة ادفَع بال ِّتي هي أ َ‬ ‫َ‬ ‫ئ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫وي‬ ‫َ‬
‫ِ َ ْ َ ُ ِ‬ ‫ّ ّ ُ ْ ْ ِ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫‪ِ َ ْ َ َ (33‬‬
‫ت‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ها إ ِّل ُذو‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫صب َُروا وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها إ ِّل ال ّ ِ‬
‫قا َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬
‫م )‪ (34‬وَ َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫ي َ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫داوَة ٌ ك َأن ّ ُ‬‫ه عَ َ‬ ‫وَب َي ْن َ ُ‬
‫ع‬
‫مي ُ‬‫س ِ‬‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫ن ن َْزغ ٌ َفا ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما ي َن َْزغَن ّ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ظيم ٍ )‪ (35‬وَإ ِ ّ‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫م )‪(36‬‬ ‫ا َ ُ‬
‫لي‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬

‫دي ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ابن أبي عَ ِ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ‪،‬‬
‫ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"‪ .‬قلنا )‪ (1‬يا رسول الله كلنا نكره‬
‫ضر جاءه‬ ‫ح ِ‬ ‫الموت ؟ قال ‪" :‬ليس ذلك كراهية الموت ‪ ،‬ولكن المؤمن إذا ُ‬
‫البشير من الله بما هو صائر إليه ‪ ،‬فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد‬
‫ضر )‪(2‬‬ ‫ح ِ‬ ‫لقي الله فأحب الله لقاءه" قال ‪" :‬وإن الفاجر ‪ -‬أو الكافر ‪ -‬إذا ُ‬
‫جاءه بما هو صائر إليه من الشر ‪ -‬أو ‪ :‬ما يلقى من الشر ‪ -‬فكره لقاء الله‬
‫فكره الله لقاءه"‪.‬‬
‫وهذا حديث صحيح )‪ ، (3‬وقد ورد في الصحيح من غير هذا الوجه )‪.(4‬‬
‫} وم َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِن ِّني ِ‬ ‫حا وََقا َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫عا إ َِلى الل ّهِ وَعَ ِ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ول ِ‬ ‫ن قَ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬
‫ذي ب َي ْن َ َ‬
‫ك‬ ‫ن فَإ َِذا ال ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫با‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ئ‬‫ّ‬ ‫ي‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫س‬‫َ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫وي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫)‪َ (33‬‬
‫ها ِإل ُذو‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬ ‫ما ي ُل ّ‬ ‫صب َُروا وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ِإل ال ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل ّ‬ ‫م )‪ (34‬وَ َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫داوَة ٌ كأن ّ ُ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫وَب َي ْن َ ُ‬
‫ع‬
‫مي ُ‬‫س ِ‬‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ست َعِذ ْ ِباللهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ن نزغ َفا ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ما َينزغن ّك ِ‬‫َ‬ ‫ظيم ٍ )‪ (35‬وَإ ِ ّ‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫م )‪{ (36‬‬ ‫العَِلي ُ‬ ‫ْ‬
‫عا إ ِلى اللهِ { أي ‪ :‬دعا عباد الله إليه‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ول ِ‬ ‫نق ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬وهو في نفسه مهتد بما‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫حا وَقال إ ِن ِّني ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫‪ } ،‬وَعَ ِ‬
‫مت َعَد ٍ ‪ ،‬وليس هو من الذين يأمرون‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫لزم‬ ‫ولغيره‬ ‫لنفسه‬ ‫فنفعه‬ ‫يقوله ‪،‬‬
‫بالمعروف ول يأتونه ‪ ،‬وينهون عن المنكر ويأتونه ‪ ،‬بل يأتمر بالخير ويترك‬
‫الشر ‪ ،‬ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى‪ .‬وهذه عامة في كل من دعا‬
‫إلى خير ‪ ،‬وهو في نفسه مهتد ‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى‬
‫الناس بذلك ‪ ،‬كما قال محمد بن سيرين ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بها المؤذنون الصلحاء ‪ ،‬كما ثبت في صحيح مسلم ‪" :‬المؤذنون‬
‫أطول الناس أعناقا يوم القيامة" )‪ (5‬وفي السنن مرفوعا ‪" :‬المام ضامن ‪،‬‬
‫والمؤذن مؤتمن ‪ ،‬فأرشد الله الئمة ‪ ،‬وغفر للمؤذنين" )‪.(6‬‬
‫وقال )‪ (7‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن عَُروَبة‬
‫الهروي ‪ ،‬حدثنا غسان قاضي هراة وقال أبو زرعة ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن طهمان‬
‫‪ ،‬عن مطر ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن سعد بن أبي وقاص أنه قال ‪" :‬سهام المؤذنين‬
‫عند الله يوم القيامة كسهام المجاهدين ‪ ،‬وهو بين الذان والقامة كالمتشحط‬
‫في سبيل الله في دمه"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقال ابن مسعود ‪" :‬لو كنت مؤذنا ما باليت أل أحج ول أعتمر ول‬
‫أجاهد"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬احتضر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(3/107‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (6507‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪ (2683‬من طريق قتادة عن أنس عن عبادة بن الصامت بنحو الحديث‬
‫المتقدم‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪ (387‬من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (6‬رواه أحمد في مسنده )‪ (2/232‬وأبو داود في السنن برقم )‪(8/5‬‬
‫والترمذي في السنن برقم )‪.(207‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫) ‪(7/179‬‬

‫قال ‪ :‬وقال عمر بن الخطاب ‪ :‬لو كنت مؤذنا لكمل أمري ‪ ،‬وما باليت أل‬
‫أنتصب لقيام الليل ول لصيام النهار ‪ ،‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬اللهم اغفر للمؤذنين" ثلثا ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫تركتنا ‪ ،‬ونحن نجتلد على الذان بالسيوف‪ .‬قال ‪" :‬كل يا عمر ‪ ،‬إنه يأتي )‪(1‬‬
‫على الناس زمان يتركون الذان على ضعفائهم ‪ ،‬وتلك لحوم حرمها الله على‬
‫النار ‪ ،‬لحوم المؤذنين" )‪.(2‬‬
‫َ‬
‫عا إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن دَ َ‬
‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫ن قَ ْ‬
‫ول ِ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫م ْ‬
‫قال ‪ :‬وقالت عائشة ‪ :‬ولهم هذه الية ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { قالت ‪ :‬فهو المؤذن إذا قال ‪" :‬حي‬ ‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫حا وََقا َ‬
‫ل إ ِن ِّني ِ‬ ‫صال ِ ً‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬‫وَعَ ِ‬
‫على الصلة" فقد دعا إلى الله‪.‬‬
‫وهكذا قال ابن عمر ‪ ،‬وعكرمة ‪ :‬إنها نزلت في المؤذنين‪.‬‬
‫وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أنه قال في قوله ‪:‬‬
‫حا { قال ‪ :‬يعني صلة ركعتين بين الذان والقامة‪.‬‬ ‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫م َ‬
‫} وَعَ ِ‬
‫ثم أورد البغوي حديث "عبد الله بن المغفل" قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬بين كل أذانين صلة"‪ .‬ثم قال في الثالثة ‪" :‬لمن شاء" )‪(3‬‬
‫وقد أخرجه الجماعة في كتبهم ‪ ،‬من حديث عبد الله بن بريدة ‪ ،‬عنه )‪(4‬‬
‫وحديث الثوري ‪ ،‬عن زيد العمي ‪ ،‬عن أبي إياس معاوية بن قرة ‪ ،‬عن أنس‬
‫بن مالك ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال الثوري ‪ :‬ل أراه إل وقد رفعه إلى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬الدعاء ل يرد بين الذان والقامة"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬والنسائي في "اليوم والليلة" كلهم من حديث‬
‫الثوري ‪ ،‬به )‪ .(5‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫ورواه النسائي أيضا من حديث سليمان التيمي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬به )‬
‫‪.(6‬‬
‫والصحيح أن الية عامة في المؤذنين وفي غيرهم ‪ ،‬فأما حال نزول هذه الية‬
‫فإنه لم يكن الذان مشروعا بالكلية ؛ لنها مكية ‪ ،‬والذان إنما شرع بالمدينة‬
‫بعد الهجرة ‪ ،‬حين أريه عبد الله بن زيد بن عبد ربه النصاري في منامه ‪،‬‬
‫فقصه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأمره أن يلقيه على بلل‬
‫فإنه أندى صوتا ‪ ،‬كما هو مقرر في موضعه ‪ ،‬فالصحيح إًذا أنها عامة ‪ ،‬كما‬
‫قال عبد الرزاق ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن الحسن البصري ‪ :‬أنه تل هذه الية ‪:‬‬
‫} وم َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫حا وََقا َ‬
‫ل إ ِن ِّني ِ‬ ‫صال ِ ً‬
‫ل َ‬ ‫عا إ َِلى الل ّهِ وَعَ ِ‬
‫م َ‬ ‫ن دَ َ‬
‫م ْ‬
‫م ّ‬ ‫ن قَ ْ‬
‫ول ِ‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫َ َ ْ‬
‫خي ََرة الله ‪،‬‬ ‫{ فقال ‪ :‬هذا حبيب الله ‪ ،‬هذا ولي الله ‪ ،‬هذا صفوة الله ‪ ،‬هذا ِ‬
‫هذا أحب أهل الرض إلى الله ‪ ،‬أجاب الله في دعوته ‪ ،‬ودعا الناس إلى ما‬
‫أجاب الله فيه من دعوته ‪ ،‬وعمل صالحا في إجابته ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬سيأتي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه السماعيلي في مسنده كما في مسند عمر لبن كثير )‪(1/144‬‬
‫من طريق إبراهيم بن طهمان عن مطر عن الحسن البصري عن عمر به‬
‫والحسن لم يسمع من عمر‪.‬‬
‫)‪ (3‬معالم التنزيل للبغوي )‪.(7/174‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (627‬وصحيح مسلم برقم )‪ (838‬وسنن أبي داود‬
‫برقم )‪ (2283‬وسنن الترمذي برقم )‪ (185‬وسنن النسائي )‪ (2/28‬وسنن‬
‫ابن ماجه برقم )‪.(1162‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود برقم )‪ (521‬وسنن الترمذي برقم )‪ (212‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم )‪.(9896‬‬
‫)‪ (6‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(9899‬‬

‫) ‪(7/180‬‬

‫إنني من المسلمين ‪ ،‬هذا خليفة الله‪.‬‬


‫ة { أي ‪ :‬فرق عظيم بين هذه وهذه ‪،‬‬ ‫سي ّئ َُ‬
‫ة َول ال ّ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ َ ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ت َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬من أساء إليك فادفعه عنك بالحسان إليه ‪،‬‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫} اد ْفَعْ ِبال ِّتي هِ َ‬
‫كما قال عمر ]رضي الله عنه[ )‪ (1‬ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن‬
‫تطيع الله فيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫م { وهو الصديق ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫مي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫ي َ‬ ‫داوَة ٌ ك َأن ّ ُ‬
‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ه عَ َ‬
‫ك وَب َي ْن َ ُ‬‫ذي ب َي ْن َ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَإ َِذا ال ِ‬
‫إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك‬
‫ومحبتك ‪ ،‬والحنو عليك ‪ ،‬حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي ‪ :‬قريب إليك من‬
‫)‪ (2‬الشفقة عليك والحسان إليك‪.‬‬
‫صب َُروا { أي ‪ :‬وما يقبل )‪ (3‬هذه الوصية‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ِإل ال ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ها ِإل‬
‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ما ي ُل ّ‬
‫ويعمل بها إل من صبر على ذلك ‪ ،‬فإنه يشق على النفوس ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ظيم ٍ { أي ‪ :‬ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والخرى‪.‬‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ُذو َ‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في تفسير هذه الية ‪ :‬أمر الله‬
‫المؤمنين بالصبر عند الغضب ‪ ،‬والحلم عند الجهل ‪ ،‬والعفو عند الساءة ‪ ،‬فإذا‬
‫فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان ‪ ،‬وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم‪.‬‬
‫ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ { أي ‪ :‬إن شيطان‬ ‫ن نزغ ٌ َفا ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫ما َينزغَن ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫النس ربما ينخدع بالحسان إليه ‪ ،‬فأما شيطان الجن فإنه ل حيلة فيه إذا‬
‫وسوس إل الستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك ‪ ،‬فإذا استعذت بالله ولجأت‬
‫إليه ‪ ،‬كفه عنك ورد كيده‪ .‬وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إذا‬
‫قام إلى الصلة يقول ‪" :‬أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من‬
‫همزه ونفخه ونفثه" )‪.(4‬‬
‫وقد قدمنا أن هذا المقام ل نظير له في القرآن إل في "سورة العراف" عند‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما َينزغَن ّ َ‬ ‫ن وَإ ِ ّ‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ض عَ ِ‬ ‫ف وَأعْرِ ْ‬ ‫مْر ِبال ْعُْر ِ‬ ‫فوَ وَأ ُ‬ ‫خذِ ال ْعَ ْ‬ ‫قوله ‪ُ } :‬‬
‫م { ]العراف ‪، [200 ، 199 :‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ست َعِذ ْ ِباللهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ن نزغ ٌ َفا ْ‬ ‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سي ّئ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬‫ن أعْل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة نَ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫يأ ْ‬ ‫وفي سورة المؤمنين عند قوله ‪ } :‬اد ْفَعْ ِبالِتي هِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عوذ ُ ب ِ َ‬‫ب أَ ُ‬ ‫ن وَقُ ْ‬
‫ن‬
‫بأ ْ‬ ‫عوذ ُ ب ِك َر ّ‬ ‫ن وَأ ُ‬ ‫طي ِ‬‫شَيا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫مَزا ِ‬‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬‫ما ي َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ن { ]المؤمنون ‪.[98 - 96 :‬‬ ‫ضُرو ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫]لكن الذي ذكر في العراف أخف على النفس مما ذكر في سورة السجدة ؛‬
‫لن العراض عن الجاهل وتركه أخف على النفس من الحسان إلى المسيء‬
‫فتتلذذ النفس من ذلك ول انتقاد له إل بمعالجة ويساعدها الشيطان في هذه‬
‫الحال ‪ ،‬فتنفعل له وتستعصى على صاحبها ‪ ،‬فتحتاج إلى مجاهدة وقوة إيمان‬
‫ست َعِذ ْ ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫؛ فلهذا أكد ذلك هاهنا بضمير الفصل والتعريف باللم فقال ‪َ } :‬فا ْ‬
‫م { [ )‪.(5‬‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬س‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يتقبل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 97 :‬من سورة "المؤمنون"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬س‪.‬‬

‫) ‪(7/181‬‬

‫مرِ‬‫ق َ‬‫س وََل ل ِل ْ َ‬


‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫دوا ِلل ّ‬
‫ج ُ‬ ‫مُر َل ت َ ْ‬
‫س ُ‬ ‫ق َ‬‫س َوال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َوالن َّهاُر َوال ّ‬ ‫ن آ ََيات ِهِ الل ّي ْ ُ‬‫م ْ‬‫وَ ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ست َكب َُروا فال ِ‬ ‫ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫َ‬
‫ن َ )‪ (37‬فإ ِ ِ‬ ‫دو َ‬‫م إ ِّياه ُ ت َعْب ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬
‫قهُ ّ‬ ‫َ‬
‫خل َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دوا ل ِلهِ ال ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬‫َوا ْ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫مو‬
‫َ ْ ُ َ‬‫أ‬‫س‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫م‬ ‫وال‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫ّ‬
‫عن ْد َ َ ّ ُ َ ّ ُ َ ُ ِ ْ ِ َ ّ َ ِ َ ُ ْ‬
‫ه‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫حو‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ِ‬

‫ر‬
‫م ِ‬‫ق َ‬ ‫س َول ل ِل ْ َ‬ ‫م ِ‬‫ش ْ‬‫دوا ِلل ّ‬ ‫ج ُ‬‫س ُ‬
‫مُر ل ت َ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َوالن َّهاُر َوال ّ‬ ‫ن آَيات ِهِ الل ّي ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫} وَ ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ست َكب َُروا َفال ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ن َ )‪ (37‬فَإ ِ ِ‬ ‫دو َ‬‫م إ ِّياه ُ ت َعْب ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬‫قهُ ّ‬ ‫َ‬
‫خل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دوا ل ِلهِ ال ِ‬ ‫ج ُ‬‫س ُ‬‫َوا ْ‬
‫ن )‪{ (38‬‬ ‫مو َ‬ ‫سأ ُ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ل َوالن َّهارِ وَهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ه ِباللي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ َرب ّك ي ُ َ‬
‫ِ‬

‫) ‪(7/182‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن آ ََيات ِهِ أ َن ّ َ‬


‫ن‬
‫ت إِ ّ‬
‫ت وََرب َ ْ‬ ‫ة فَإ َِذا أن َْزل َْنا عَل َي َْها ال ْ َ‬
‫ماَء اهْت َّز ْ‬ ‫شعَ ً‬
‫خا ِ‬ ‫ك ت ََرى اْلْر َ‬
‫ض َ‬ ‫م ْ‬‫وَ ِ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر )‪(39‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫حِيي ال ْ َ‬
‫موَْتى إ ِن ّ ُ‬ ‫ها ل َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫حَيا َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ َن ّ َ‬
‫ن‬
‫ت إِ ّ‬
‫ت وََرب َ ْ‬ ‫ة فَإ َِذا أنزل َْنا عَل َي َْها ال ْ َ‬
‫ماَء اهْت َّز ْ‬ ‫شعَ ً‬ ‫خا ِ‬
‫ض َ‬ ‫ك ت ََرى الْر َ‬ ‫م ْ‬‫} وَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ديٌر )‪{ (39‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَلى ك ّ‬ ‫موَْتى إ ِن ّ ُ‬
‫حِيي ال َ‬‫م ْ‬
‫ها ل ُ‬ ‫حَيا َ‬
‫ذي أ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫يقول تعالى منبها خلقه على قدرته العظيمة ‪ ،‬وأنه الذي ل نظير له وأنه على‬
‫مُر { أي ‪ :‬أنه خلق‬ ‫ق َ‬‫س َوال ْ َ‬‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َوالن َّهاُر َوال ّ‬ ‫ن آَيات ِهِ الل ّي ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما يشاء قادر ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫الليل بظلمه ‪ ،‬والنهار بضيائه ‪ ،‬وهما متعاقبان ل يقران ‪ ،‬والشمس ونورها‬
‫وإشراقها ‪ ،‬والقمر وضياءه وتقدير منازله في فلكه ‪ ،‬واختلف سيره في‬
‫سمائه ‪ ،‬لُيعرف باختلف سيره وسير الشمس مقادير الليل والنهار ‪ ،‬والجمع‬
‫والشهور والعوام ‪ ،‬ويتبين بذلك حلول الحقوق ‪ ،‬وأوقات العبادات‬
‫والمعاملت‪.‬‬
‫ثم لما كان الشمس والقمر أحسن الجرام المشاهدة في العالم العلوي‬
‫والسفلي ‪ ،‬نبه تعالى على أنهما مخلوقان عبدان من عبيده ‪ ،‬تحت قهره‬
‫ذي‬ ‫دوا ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬‫مرِ َوا ْ‬ ‫ق َ‬ ‫س َول ل ِل ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬‫دوا ِلل ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬‫وتسخيره ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ل ت َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ول تشركوا به فما تنفعكم عبادتكم له مع‬ ‫دو َ‬ ‫م إ ِّياه ُ ت َعْب ُ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬‫قهُ ّ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫ست َكب َُروا {‬ ‫ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫عبادتكم لغيره ‪ ،‬فإنه ل يغفر أن يشرك به ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَإ ِ ِ‬
‫عن ْد َ‬
‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫أي ‪ :‬عن إفراد العبادة له وأبوا إل أن يشركوا معه غيره ‪َ } ،‬فال ِ‬
‫َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫مو َ‬ ‫سأ ُ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ل َوالن َّهارِ وَهُ ْ‬ ‫ه ِبالل ّي ْ ِ‬ ‫ن لَ ُ‬‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫ك { يعني ‪ :‬الملئكة ‪ } ،‬ي ُ َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫سوا ب َِها ب ِ َ‬ ‫ما ل َي ْ ُ‬ ‫قد ْ وَك ّل َْنا ب َِها قَوْ ً‬ ‫ؤلِء فَ َ‬ ‫فْر ب َِها هَ ُ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫كقوله } فَإ ِ ْ‬
‫]النعام ‪.[89 :‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ -‬يعني ابن وكيع ‪ -‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ابن‬
‫أبي ليلى ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر )‪ (1‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬ل تسبوا الليل ول النهار ‪ ،‬ول الشمس ول القمر ‪ ،‬ول الرياح‬
‫فإنها ترسل رحمة لقوم ‪ ،‬وعذابا لقوم" )‪.(2‬‬
‫ك ت ََرى‬ ‫َ‬
‫ن آَيات ِهِ { أي ‪ :‬على قدرته على إعادة الموتى } أن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة { أي ‪ :‬هامدة ل نبات فيها ‪ ،‬بل هي ميتة } فَإ َِذا أنزلَنا عَلي َْها‬ ‫شعَ ً‬ ‫خا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر َ‬
‫ن‬‫ت { أي ‪ :‬أخرجت من جميل ألوان الزروع والثمار ‪ } ،‬إ ِ ّ‬ ‫ت وََرب َ ْ‬ ‫ماَء اهْت َّز ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر {‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫موَْتى إ ِن ّ ُ‬ ‫حِيي ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ل َ ُ‬ ‫حَيا َ‬‫ذي أ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬روى الحافظ أبو يعلى عن جابر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسند أبي يعلى )‪ ، (4/139‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (8/71‬إسناده‬
‫ضعيف"‪.‬‬

‫) ‪(7/182‬‬

‫َ‬ ‫ن ي ُل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي آ ََيات َِنا َل ي َ ْ‬


‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫قى ِفي الّنارِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عَل َي َْنا أفَ َ‬ ‫فو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن ي ُل ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫صيٌر )‪ (40‬إ ِ ّ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫شئ ْت ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫مُلوا َ‬ ‫مةِ اعْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫مًنا ي َوْ َ‬ ‫ي َأِتي آ ِ‬
‫ن ي َد َي ْهِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫زيٌز )‪َ (41‬ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ه ل َك َِتا ٌ‬ ‫م وَإ ِن ّ ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فُروا ِبالذ ّك ْرِ ل َ ّ‬ ‫كَ َ‬
‫ل‬
‫س ِ‬ ‫ل ِللّر ُ‬ ‫ما قَد ْ ِقي َ‬ ‫ّ‬
‫ك إ ِل َ‬ ‫لل َ‬ ‫َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ميد ٍ )‪َ (42‬‬ ‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫زي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫فهِ ت َن ْ‬ ‫خل ِ‬‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وََل ِ‬
‫ب أ َِليم ٍ )‪(43‬‬ ‫قا ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫فَرةٍ وَُذو ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ن ي ُل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫قى ِفي الّنارِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عَل َي َْنا أفَ َ‬ ‫فو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ِفي آَيات َِنا ل ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن ي ُل ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ْ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫صيٌر )‪ (40‬إ ِ ّ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫شئ ْت ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫مُلوا َ‬ ‫مةِ اعْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫مًنا ي َوْ َ‬ ‫ي َأِتي آ ِ‬
‫ه‬
‫ن ي َد َي ْ ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫زيٌز )‪ (41‬ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ه ل َك َِتا ٌ‬ ‫م وَإ ِن ّ ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فُروا ِبالذ ّك ْرِ ل َ ّ‬ ‫كَ َ‬
‫ل‬‫س ِ‬ ‫ل ِللّر ُ‬ ‫ما قَد ْ ِقي َ‬ ‫ك ِإل َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ميد ٍ )‪َ (42‬‬ ‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫فهِ َتنزي ٌ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َول ِ‬
‫ب أِليم ٍ )‪{ (43‬‬ ‫َ‬ ‫فَرةٍ وَُذو ِ‬ ‫كل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫قا ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن ِفي آَيات َِنا { ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬اللحاد ‪ :‬وضع‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ي ُل ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫الكلم على غير مواضعه‪.‬‬
‫وقال قتادة وغيره ‪ :‬هو الكفر والعناد‪.‬‬
‫ن عَل َي َْنا { أي ‪ :‬فيه تهديد شديد ‪ ،‬ووعيد أكيد ‪ ،‬أي ‪ :‬إنه‬ ‫فو ْ َ‬ ‫خ َ‬‫وقوله ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫تعالى عالم بمن يلحد في آياته وأسمائه وصفاته ‪ ،‬وسيجزيه على ذلك‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ي ُل ْ َ‬ ‫َ‬
‫مًنا‬‫ن ي َأِتي آ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫قى ِفي الّنارِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫بالعقوبة والنكال ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أفَ َ‬
‫مةِ { ؟ أي ‪ :‬أيستوي هذا وهذا ؟ ل يستويان‪.‬‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫م { قال مجاهد ‪،‬‬ ‫شئ ْت ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ملوا َ‬ ‫ُ‬ ‫دا )‪ (1‬للكفرة ‪ } :‬اعْ َ‬ ‫ثم قال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬تهدي ً‬
‫م { ‪ :‬وعيد ‪ ،‬أي ‪ :‬من خير‬ ‫شئ ْت ُ ْ‬‫ما ِ‬ ‫ملوا َ‬ ‫ُ‬ ‫والضحاك ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ } :‬اعْ َ‬
‫ن‬
‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬‫أو شر ‪ ،‬إنه عليم بكم وبصير بأعمالكم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫صيٌر {‬ ‫بَ ِ‬
‫م { قال الضحاك ‪ ،‬والسدي ‪،‬‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ِبالذ ّكرِ ل ّ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫زيٌز { أي ‪ :‬منيع الجناب ‪ ،‬ل يرام أن‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫َ‬
‫ه لك َِتا ٌ‬ ‫وقتادة ‪ :‬وهو القرآن } وَإ ِن ّ ُ‬
‫يأتي أحد بمثله ‪،‬‬
‫فهِ { أي ‪ :‬ليس للبطلن إليه سبيل ؛‬ ‫ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ َول ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫} ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫ميدٍ { أي ‪:‬‬ ‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫لنه منزل من رب العالمين ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬تنزي ٌ‬
‫حكيم في أقواله وأفعاله ‪ ،‬حميد بمعنى محمود ‪ ،‬أي ‪ :‬في جميع ما يأمر به‬
‫وينهى عنه الجميع محمودة عواقبه وغاياته‪.‬‬
‫ك { قال قتادة ‪،‬‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫س ِ‬‫ل ِللّر ُ‬ ‫ما قَد ْ ِقي َ‬ ‫ك ِإل َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ثم قال ‪َ } :‬‬
‫والسدي ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬ما يقال لك من التكذيب إل كما قد قيل للرسل من‬
‫قبلك ‪ ،‬فكما قد كذبت فقد كذبوا ‪ ،‬وكما صبروا على أذى قومهم لهم ‪ ،‬فاصبر‬
‫أنت على أذى قومك لك‪ .‬وهذا اختيار ابن جرير ‪ ،‬ولم يحك هو ‪ ،‬ول ابن أبي‬
‫حاتم غيره‪.‬‬
‫س[ { )‪ (2‬أي ‪ :‬لمن تاب إليه } وَُذو‬ ‫َ‬
‫كل ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫فَرةٍ ]ِللّنا ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ب أ َِليم ٍ { أي ‪ :‬لمن استمر على كفره ‪ ،‬وطغيانه ‪ ،‬وعناده ‪ ،‬وشقاقه‬ ‫قا ٍ‬ ‫ع َ‬
‫ِ‬
‫ومخالفته‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن‬
‫ن‬
‫علي بن زيد )‪ (3‬عن سعيد بن المسيب قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫فر )‪ (4‬الله‬ ‫فَرةٍ { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لول غَ ْ‬ ‫مغْ ِ‬‫ذو َ‬ ‫ك لَ ُ‬‫َرب ّ َ‬
‫ش ‪ ،‬ولول وعيده وعقابه لتكل كل أحد" )‪.(5‬‬ ‫وتجاوزه ما هََنأ أحدا العي ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬مهددا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬عفو"‪.‬‬
‫)‪ (5‬إسناده مرسل ‪ ،‬وعلي بن زيد متفق على ضعفه‪.‬‬

‫) ‪(7/183‬‬

‫قاُلوا ل َوَل فُصل َت آ َيات َ َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫ذي َ‬‫ل هُوَ ل ِل ّ ِ‬‫ي قُ ْ‬‫ي وَعََرب ِ ّ‬ ‫م ّ‬‫ج ِ‬‫ه أأعْ َ‬ ‫ّ ْ َ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫مّيا ل َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫جعَل َْناه ُ قُْرآ ًَنا أعْ َ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫ُ‬
‫مى أول َئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م عَ ً‬‫م وَقٌْر وَهُوَ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن َل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫فاٌء َوال ّ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫دى وَ ِ‬ ‫مُنوا هُ ً‬ ‫آ َ‬
‫َ‬
‫ة‬ ‫ف ِفيهِ وَل َوَْل ك َل ِ َ‬
‫م ٌ‬ ‫خت ُل ِ َ‬‫ب َفا ْ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫ن ب َِعيد ٍ )‪ (44‬وَل َ َ‬ ‫كا ٍ‬‫م َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ي َُناد َوْ َ‬
‫ب )‪(45‬‬ ‫ري ٍ‬‫م ِ‬‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫شك ِ‬‫ّ‬ ‫في َ‬ ‫َ‬
‫مل ِ‬ ‫م وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ل ُ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬‫سب َ َ‬‫َ‬
‫قاُلوا ل َول فُصل َت آيات َ َ‬ ‫مّيا ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ل هُوَ‬ ‫ي قُ ْ‬ ‫ي وَعََرب ِ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه أأعْ َ‬ ‫ّ ْ َ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫جعَل َْناه ُ قُْرآًنا أعْ َ‬ ‫} وَل َوْ َ‬
‫مى‬ ‫م عَ ً‬ ‫م وَقٌْر وَهُوَ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫فاٌء َوال ّ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫دى وَ ِ‬ ‫مُنوا هُ ً‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ول‬ ‫ف ِفيهِ وَل َ ْ‬ ‫خت ُل ِ َ‬‫ب َفا ْ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫ن ب َِعيد ٍ )‪ (44‬وَل َ َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك ي َُناد َوْ َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ب )‪{ (45‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫م وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ك َل ِ َ‬
‫لما ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلغته ‪ ،‬وإحكامه في لفظه ومعناه ‪ ،‬ومع‬
‫هذا لم يؤمن به المشركون ‪ ،‬نبه على أن كفرهم به كفر عناد وتعنت ‪ ،‬كما‬
‫قال ‪ } :‬ول َو نزل ْناه عََلى بعض العْجمين فَ َ َ‬
‫ن{‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫قَرأه ُ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫َْ ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫]الشعراء ‪ .[199 ، 198 :‬وكذلك لو أنزل القرآن كله بلغة العجم ‪ ،‬لقالوا‬
‫ي { أي ‪ :‬لقالوا ‪:‬‬ ‫على وجه التعنت والعناد ‪ } :‬ل َول فُصل َت آيات َ َ‬
‫ي وَعََرب ِ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه أأعْ َ‬ ‫ّ ْ َ ُ ُ‬ ‫ْ‬
‫هل أنزل مفصل بلغة العرب ‪ ،‬ولنكروا ذلك وقالوا ‪ :‬أعجمي وعربي ؟ أي ‪:‬‬
‫كيف ينزل كلم أعجمي على مخاطب عربي ل يفهمه‪.‬‬
‫هكذا ُروي هذا المعنى عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪،‬‬
‫والسدي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ي { أي ‪ :‬هل أنزل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي وَعََرب ِ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه أأعْ َ‬ ‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫صل ْ‬ ‫ول ف ّ‬ ‫وقيل ‪ :‬المراد بقولهم ‪ } :‬ل ْ‬
‫بعضها بالعجمي ‪ ،‬وبعضها بالعربي‪.‬‬
‫هذا قول الحسن البصري ‪ ،‬وكان يقرؤها كذلك بل استفهام في قوله‬
‫ي { وهو رواية عن سعيد بن جبير وهو في ]التعنت و[ )‪ (1‬العناد‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫} أعْ َ‬
‫أبلغ‪.‬‬
‫فاٌء { أي ‪ :‬قل يا محمد ‪ :‬هذا‬ ‫ش َ‬ ‫دى وَ ِ‬ ‫مُنوا هُ ً‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل هُوَ ل ِل ّ ِ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫القرآن لمن آمن به هدى لقلبه وشفاء لما في الصدور من الشكوك )‪(2‬‬
‫م وَقٌْر { أي ‪ :‬ل يفهمون ما فيه ‪،‬‬ ‫ن ِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫والريب ‪َ } ،‬وال ّ ِ‬
‫مى { أي ‪ :‬ل يهتدون إلى ما فيه من البيان كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫م عَ ً‬ ‫} وَهُوَ عَل َي ْهِ ْ‬
‫ن ِإل‬ ‫مي َ‬ ‫زيد ُ ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ن َول ي َ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫فاٌء وََر ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما هُوَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫} وَُننز ُ‬
‫ساًرا { ]السراء ‪.[82 :‬‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َِعيد ٍ { قال مجاهد ‪ :‬يعني بعيد من قلوبهم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مكا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫} أولئ ِك ي َُناد َوْ َ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬معناه ‪ :‬كأن من يخاطبهم يناديهم )‪ (3‬من مكان بعيد ‪ ،‬ل‬
‫يفهمون ما يقول )‪.(4‬‬
‫معُ‬‫س َ‬ ‫ما ل ي َ ْ‬ ‫ذي ي َن ْعِقُ ب ِ َ‬ ‫ّ‬
‫ل ال ِ‬ ‫مث ِ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫فُروا ك َ‬ ‫نك َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مثل ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قلت ‪ :‬وهذا كقوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ]البقرة ‪.[171 :‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ل ي َعْ ِ‬ ‫ي فَهُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫م ب ُك ْ ٌ‬ ‫ص ّ‬ ‫داًء ُ‬ ‫عاًء وَن ِ َ‬ ‫ِإل د ُ َ‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬كان عمر بن الخطاب ]رضي الله عنه[ )‪ (5‬جالسا عند رجل‬
‫م تلبي ؟ هل رأيت‬ ‫من المسلمين يقضي ‪ ،‬إذ قال ‪ :‬يا لّبيكاه‪ .‬فقال عمر ‪ :‬ل ِ َ‬
‫أحدا ‪ ،‬أو دعاك أحد ؟ قال ‪ :‬دعاني داع من وراء )‪ (6‬البحر‪ .‬فقال عمر ‪:‬‬
‫أولئك ينادون من مكان بعيد‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫ف ِفيهِ { أي ‪ :‬كذب وأوذي ‪،‬‬ ‫خت ُل ِ َ‬ ‫ب َفا ْ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫م ٌ‬ ‫ول ك َل ِ َ‬ ‫ل { ]الحقاف ‪ } .[35 :‬وَل َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫صب ََر أوُلو ال ْعَْزم ِ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫صب ِْر ك َ َ‬ ‫} َفا ْ‬
‫مى { ]الشورى ‪ [14 :‬بتأخير‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن َرب ّك إ ِلى أ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬س‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الشرك"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يدعوهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(24/81‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬خلف"‪.‬‬
‫) ‪(7/184‬‬

‫ك ب ِظ َّلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ )‪(46‬‬ ‫فسه وم َ‬


‫ساَء فَعَل َي َْها وَ َ‬
‫ما َرب ّ َ‬ ‫نأ َ‬‫حا فَل ِن َ ْ ِ ِ َ َ ْ‬
‫صال ِ ً‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ن عَ ِ‬
‫م ْ‬
‫َ‬

‫م { أي ‪ :‬لعجل لهم العذاب ‪ ،‬بل لهم‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬‫ض َ‬‫ق ِ‬‫الحساب إلى يوم المعاد ‪ } ،‬ل َ ُ‬
‫ب { أي ‪ :‬وما كان‬ ‫ري ٍ‬‫م ِ‬
‫ه ُ‬
‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫م لَ ِ‬‫موعد لن يجدوا من دونه موئل } وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا ‪ ،‬بل كانوا شاكين فيما قالوا )‪ ، (1‬غير‬
‫محققين لشيء كانوا فيه‪ .‬هكذا وجهه ابن جرير ‪ ،‬وهو محتمل ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ظلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ )‪{ (46‬‬‫ك بِ َ‬ ‫فسه وم َ‬
‫ما َرب ّ َ‬‫ساَء فَعَل َي َْها وَ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫حا فَل ِن َ ْ ِ ِ َ َ ْ‬
‫صال ِ ً‬
‫ل َ‬‫م َ‬
‫ن عَ ِ‬
‫م ْ‬
‫} َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬قالوه"‪.‬‬

‫) ‪(7/185‬‬

‫ن أ ُن َْثى‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬‫م ُ‬‫ح ِ‬‫ما ت َ ْ‬‫مَها وَ َ‬ ‫ما ِ‬
‫خرج من ث َمرات م َ‬
‫ن أك ْ َ‬
‫ما ت َ ْ ُ ُ ِ ْ َ َ ٍ ِ ْ‬ ‫ساعَةِ وَ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عل ْ ُ‬‫إ ِل َي ْهِ ي َُرد ّ ِ‬
‫َ‬
‫كاِئي َقاُلوا آذ َّنا َ‬ ‫َ‬
‫شِهيد ٍ )‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫مّنا ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ك َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن ُ‬‫م أي ْ َ‬ ‫م ي َُناِديهِ ْ‬‫مهِ وَي َوْ َ‬‫ضعُ إ ِّل ب ِعِل ْ ِ‬ ‫وََل ت َ َ‬
‫ص )‪(48‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ل وَظ َّنوا َ‬
‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫عو َ‬‫كاُنوا ي َد ْ ُ‬‫ما َ‬ ‫م َ‬‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ّ‬‫‪ (47‬وَ َ‬

‫ن أ ُن َْثى‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫مَها وَ َ‬ ‫ما ِ‬


‫خرج من ث َمرات م َ‬
‫ن أك ْ َ‬ ‫ما ت َ ْ ُ ُ ِ ْ َ َ ٍ ِ ْ‬ ‫ساعَةِ وَ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫} إ ِل َي ْهِ ي َُرد ّ ِ‬
‫كاِئي َقاُلوا آذ َّنا َ‬ ‫َ‬
‫شِهيد ٍ )‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ك َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫م ي َُناِديهِ ْ‬ ‫مهِ وَي َوْ َ‬ ‫ضعُ ِإل ب ِعِل ْ ِ‬ ‫َول ت َ َ‬
‫ص )‪{ (48‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ض ّ‬
‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لهُ ْ‬ ‫ل وَظّنوا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َد ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫‪ (47‬وَ َ‬
‫سهِ { أي ‪ :‬إنما يعود نفع ذلك على‬ ‫ف ِ‬ ‫حا فَل ِن َ ْ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫يقول تعالى ‪َ } :‬‬
‫ما َرب ّكَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نفسه ‪ } ،‬وم َ‬
‫ساَء فعَلي َْها { أي ‪ :‬إنما يرجع وبال ذلك عليه ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ظلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ { أي ‪ :‬ل يعاقب أحدا إل بذنب ‪ ،‬ول يعذب أحدا إل بعد قيام‬ ‫بِ َ‬
‫الحجة عليه ‪ ،‬وإرسال الرسول إليه‪.‬‬
‫ساعَةِ { أي ‪ :‬ل يعلم ذلك أحد سواه ‪ ،‬كما قال‬ ‫م ال ّ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬إ ِل َي ْهِ ي َُرد ّ ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهو سيد البشر لجبريل وهو من سادات الملئكة ‪-‬‬
‫حين سأله عن الساعة ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما المسئول عنها بأعلم من السائل" ‪ ،‬وكما‬
‫جّليَها‬ ‫ها { ]النازعات ‪ ، [44 :‬وقال } ل ي ُ َ‬ ‫من ْت ََها َ‬ ‫ك ُ‬ ‫)‪ (1‬قال تعالى ‪ } :‬إ َِلى َرب ّ َ‬
‫ل ِوَقْت َِها ِإل هُوَ { ]العراف ‪.[187 :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضعُ ِإل‬ ‫ن أن َْثى َول ت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫مَها وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن أك ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مَرا ٍ‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫مهِ { أي ‪ :‬الجميع بعلمه ‪ ،‬ل يعزب عن علمه )‪ (2‬مثقال ذرة في الرض‬ ‫ب ِعِل ْ ِ‬
‫مَها { ]النعام‬ ‫ن وََرقَةٍ ِإل ي َعْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫س ُ‬‫ما ت َ ْ‬ ‫ول في السماء‪ .‬وقد قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ُ‬
‫ما‬
‫م وَ َ‬ ‫حا ُ‬‫ض الْر َ‬ ‫ما ت َِغي ُ‬ ‫ل أن َْثى وَ َ‬ ‫ُ‬
‫لك ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫‪ ، [59 :‬وقال جلت عظمته ‪ } :‬ي َعْل َ ُ‬
‫ر‬
‫م ٍ‬ ‫معَ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مُر ِ‬ ‫ما ي ُعَ ّ‬ ‫دارٍ { ]الرعد ‪ ، [8 :‬وقال } وَ َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ْد َه ُ ب ِ ِ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت َْزَداد ُ وَك ُ ّ‬
‫سيٌر { ]فاطر ‪.[11 :‬‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫مرِهِ ِإل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ن عُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫َول ي ُن ْ َ‬
‫شَركاِئي { أي ‪ :‬يوم القيامة ينادي الله‬ ‫َ‬ ‫ن ُ‬ ‫َ‬
‫م أي ْ َ‬ ‫م ي َُناِديهِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫المشركين على رءوس الخلئق ‪ :‬أين شركائي الذين عبدتموهم معي ؟‬
‫شِهيد ٍ { أي ‪ :‬ليس أحد منا‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ك { أي ‪ :‬أعلمناك ‪َ } ،‬‬ ‫} َقاُلوا آذ َّنا َ‬
‫اليوم يشهد أن معك شريكا ‪،‬‬
‫ل { أي ‪ :‬ذهبوا فلم ينفعوهم ‪ } ،‬وَظ َّنوا‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫كاُنوا ي َد ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫} وَ َ‬
‫ص { أي ‪ :‬وظن المشركون يوم القيامة ‪ ،‬وهذا بمعنى‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ص { أي ‪ :‬ل محيد لهم عن عذاب الله ‪ ،‬كقوله‬ ‫حي‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫َ ُ ْ‬‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫اليقين‬
‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صرًِفا‬
‫م ْ‬
‫دوا عَن َْها َ‬
‫ج ُ‬ ‫ها وَل َ ْ‬
‫م يَ ِ‬ ‫واقُِعو َ‬
‫م َ‬ ‫ن الّناَر فَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫مو َ‬
‫جرِ ُ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وََرأى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫{ ]الكهف ‪.[53 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ولهذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬عمله"‪.‬‬

‫) ‪(7/185‬‬

‫َل ي َ‬
‫ط )‪ (49‬وَل َئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫س قَُنو ٌ‬ ‫شّر فَي َُئو ٌ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫خي ْرِ وَإ ِ ْ‬ ‫عاِء ال ْ َ‬ ‫ن دُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫م اْل ِن ْ َ‬ ‫سأ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ة َقائ ِ َ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما أظ ّ‬ ‫ذا ِلي وَ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫قول ّ‬ ‫ه لي َ ُ‬ ‫ست ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّراَء َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫أذ َقَْناه ُ َر ْ‬
‫مُلوا‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سَنى فَل َن ُن َب ّئ َ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫عن ْد َه ُ ل َل ْ ُ‬ ‫ن ِلي ِ‬ ‫ت إ َِلى َرّبي إ ِ ّ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫ن ُر ِ‬ ‫وَل َئ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جان ِب ِهِ‬ ‫ض وَن َأى ب ِ َ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫سا ِ‬ ‫مَنا عََلى اْل ِن ْ َ‬ ‫ظ )‪ (50‬وَإ َِذا أن ْعَ ْ‬ ‫ب غَِلي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قن ّهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَل َن ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫ض )‪ (51‬قُ ْ‬ ‫ري ٍ‬ ‫عاٍء عَ ِ‬ ‫ذو د ُ َ‬ ‫شّر فَ ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫وَإ َِذا َ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫كَ َ‬
‫م آَيات َِنا ِفي الفا ِ‬ ‫ريهِ ْ‬
‫َ‬ ‫سن ُ ِ‬ ‫ق ب َِعيد ٍ )‪َ (52‬‬
‫َ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫ن هُوَ ِفي ِ‬
‫َ‬
‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ َ‬
‫َ‬
‫فْرت ُ ْ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ك أن ّ ُ‬ ‫ف ب َِرب ّ َ‬ ‫م ي َك ْ ِ‬ ‫حقّ أوَل َ ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫حّتى ي َت َب َي ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وَِفي أن ْ ُ‬
‫حيط )‪(54‬‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ب ِكل َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يٍء ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م أل إ ِن ّ ُ‬ ‫قاِء َرب ّهِ ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مْري َةٍ ِ‬ ‫م ِفي ِ‬ ‫شِهيد ٌ )‪ (53‬أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫}لي َ‬
‫ط )‪ (49‬وَل َئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫س قَُنو ٌ‬ ‫شّر فَي َُئو ٌ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫خي ْرِ وَإ ِ ْ‬ ‫عاِء ال ْ َ‬ ‫ن دُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫م الن ْ َ‬ ‫سأ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫م ً‬ ‫ة َقائ ِ َ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما أظ ّ‬ ‫ذا ِلي وَ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫قول ّ‬ ‫ه لي َ ُ‬ ‫ست ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّراَء َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫أذ َقَْناه ُ َر ْ‬
‫مُلوا‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سَنى فَل َن ُن َب ّئ َ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫عن ْد َه ُ ل َل ْ ُ‬ ‫ن ِلي ِ‬ ‫ت إ َِلى َرّبي إ ِ ّ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫ن ُر ِ‬ ‫وَل َئ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جان ِب ِهِ‬ ‫ض وَن َأى ب ِ َ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫سا ِ‬ ‫مَنا عََلى الن ْ َ‬ ‫ظ )‪ (50‬وَإ َِذا أن ْعَ ْ‬ ‫ب غَِلي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قن ّهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَل َن ُ ِ‬
‫ض )‪{ (51‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫عاٍء عَ ِ‬ ‫ذو د ُ َ‬ ‫شّر فَ ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫وَإ َِذا َ‬
‫مل النسان من دعائه رّبه بالخير ‪ -‬وهو ‪ :‬المال ‪ ،‬وصحة‬ ‫ّ‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬ل ي َ َ‬
‫س‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الجسم ‪ ،‬وغير ذلك ‪ -‬وإن مسه الشر ‪ -‬وهو البلء أو الفقر ‪ } -‬في َئو ٌ‬
‫ط { أي ‪ :‬يقع في ذهنه أنه ل يتهيأ له بعد هذا خير‪.‬‬ ‫قَُنو ٌ‬
‫َ‬
‫ذا ِلي { أي ‪ :‬إذا أصابه‬ ‫ن هَ َ‬ ‫قول َ ّ‬ ‫ه ل َي َ ُ‬ ‫ست ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّراَء َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن أذ َقَْناه ُ َر ْ‬ ‫} وَل َئ ِ ْ‬
‫خير ورزق بعد ما كان في شدة ليقولن ‪ :‬هذا لي ‪ ،‬إني كنت أستحقه عند ربي‬
‫َ‬
‫ول‬ ‫خ ّ‬ ‫ة { أي ‪ :‬يكفر بقيام الساعة ‪ ،‬أي ‪ :‬لجل أنه ُ‬ ‫م ً‬ ‫ة َقائ ِ َ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما أظ ُ ّ‬ ‫‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫نعمة يفخر ‪ ،‬ويبطر ‪ ،‬ويكفر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫ن لي َطَغى أ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫كل إ ِ ّ‬
‫ست َغَْنى { ]العلق ‪.[7 ، 6 :‬‬ ‫َرآهُ ا ْ‬
‫م معاد‬ ‫سَنى { أي ‪ :‬ولئن كان ث َ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫عن ْد َه ُ لل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ِلي ِ‬ ‫ت إ ِلى َرّبي إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫ن ُر ِ‬ ‫} وَل َئ ِ ْ‬
‫ن إلي ربي ‪ ،‬كما أحسن إلي في هذه الدار ‪ ،‬يتمنى على الله ‪ ،‬عز‬ ‫فلُيحسن َ ّ‬
‫فُروا‬ ‫نك َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وجل ‪ ،‬مع إساءته العمل وعدم اليقين‪ .‬قال تعالى ‪ } :‬فَلن ُن َب ّئ َ ّ‬
‫ظ { يتهدد تعالى من كان هذا عمله‬ ‫ب غَِلي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قن ّهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُلوا وَل َن ُ ِ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫واعتقاده بالعقاب والنكال‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جان ِب ِهِ { أي ‪ :‬أعرض عن‬ ‫ض وَن َأى ب ِ َ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫سا ِ‬ ‫مَنا عََلى الن ْ َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَإ َِذا أن ْعَ ْ‬
‫الطاعة ‪ ،‬واستكبر عن النقياد لوامر الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬فَت َوَّلى‬
‫ب ُِرك ْن ِهِ { ]الذاريات ‪.[39 :‬‬
‫ض { أي ‪ :‬يطيل المسألة‬ ‫ري ٍ‬ ‫عاٍء عَ ِ‬ ‫ذو د ُ َ‬ ‫شّر { أي ‪ :‬الشدة ‪ } ،‬فَ ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫} وَإ َِذا َ‬
‫في الشيء الواحد فالكلم العريض ‪ :‬ما طال لفظه وقل معناه ‪ ،‬والوجيز ‪:‬‬
‫عاَنا‬ ‫ضّر د َ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سا َ‬ ‫س الن ْ َ‬ ‫م َّ‬ ‫عكسه ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما قل ودل‪ .‬وقد قال تعالى ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جن ْب ِهِ أ َوْ َقا ِ‬
‫ضّر‬ ‫م ي َد ْعَُنا إ ِلى ُ‬ ‫نل ْ‬ ‫مّر ك َأ ْ‬ ‫ضّرهُ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫فَنا عَن ْ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ما )‪ (1‬فَل َ ّ‬ ‫دا أوْ َقائ ِ ً‬ ‫ع ً‬ ‫لِ َ‬
‫ه { ]يونس ‪.[12 :‬‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫فرتم به م َ‬ ‫} قُ ْ َ َ‬
‫ق‬‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬
‫ن هُوَ ِفي ِ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬
‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬‫نأ َ‬ ‫م كَ َ ْ ُ ْ ِ ِ َ ْ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫فسهم حتى يتبين ل َه َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬‫ق وَِفي أن ْ ُ ِ ِ ْ َ ّ َ َ َ ّ َ ُ ْ‬ ‫م آَيات َِنا ِفي الَفا ِ‬ ‫ريهِ ْ‬ ‫سن ُ ِ‬ ‫ب َِعيد ٍ )‪َ (52‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قاِء‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مْري َةٍ ِ‬‫م ِفي ِ‬ ‫يٍء شِهيد ٌ )‪ (53‬أل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه عَلى كل ش ْ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف ب َِرب ّك أن ّ ُ‬ ‫م ي َك ْ ِ‬‫أوَل َ ْ‬
‫ط )‪{ (54‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ربه َ‬
‫يٍء ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م أل إ ِن ّ ُ‬ ‫َ ِّ ْ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫يقول تعالى ‪ :‬قل يا محمد لهؤلء المشركين المكذبين بالقرآن ‪ } :‬أ َرأ َ‬
‫َ ُْ ْ ِ ْ‬
‫م ب ِهِ { أي ‪ :‬كيف ت َُرون حالكم عند‬ ‫م كَ َ‬
‫فْرت ُ ْ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن} ِ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ن { هَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ق ب َِعيد ٍ {‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬
‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫ن هُوَ ِفي ِ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬‫م ْ‬‫الذي أنزله على رسوله ؟ ولهذا قال ‪َ } :‬‬
‫؟‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬أو قائما أو قاعدا" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(7/186‬‬

‫سَلك بعيد من الهدى‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫أي ‪ :‬في كفر وعناد ومشاقة للحق ‪ ،‬و َ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬سنظهر لهم دللتنا‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ق وَِفي أن ْ ُ‬ ‫م آَيات َِنا ِفي الَفا ِ‬ ‫ريهِ ْ‬ ‫سن ُ ِ‬ ‫ثم قال ‪َ } :‬‬
‫ججنا على كون القرآن حقا منزل من عند الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬على رسوله‬ ‫ح َ‬ ‫و ُ‬
‫ق { ‪ ،‬من الفتوحات وظهور‬ ‫ِ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫}‬ ‫خارجية‬ ‫بدلئل‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬
‫السلم على القاليم وسائر الديان‪.‬‬
‫در‬‫قال )‪ (1‬مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والسدي ‪ :‬ودلئل في أنفسهم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وقعة ب َ ْ‬
‫حّلت بهم ‪ ،‬نصر الله فيها محمدا‬ ‫‪ ،‬وفتح مكة ‪ ،‬ونحو ذلك من الوقائع التي َ‬
‫حْزَبه‪.‬‬ ‫وصحبه ‪ ،‬وخذل فيها الباطل و ِ‬
‫ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما النسان مركب منه وفيه وعليه من‬
‫المواد والخلط والهيئات العجيبة ‪ ،‬كما هو مبسوط في علم التشريح الدال‬
‫على حكمة الصانع تبارك وتعالى‪ .‬وكذلك ما هو مجبول عليه من الخلق‬
‫المتباينة ‪ ،‬من حسن وقبيح وبين ذلك ‪ ،‬وما هو متصرف فيه تحت القدار التي‬
‫حَيله ‪ ،‬وحذره أن يجوزها ‪ ،‬ول يتعداها ‪ ،‬كما أنشده‬ ‫ل يقدر بحوله ‪ ،‬وقوته ‪ ،‬و ِ‬
‫ابن أبي الدنيا في كتابه "التفكر والعتبار" ‪ ،‬عن شيخه أبي جعفر القرشي ‪:‬‬
‫معْت َب َُر‪...‬‬ ‫ك ُ‬ ‫في َ‬ ‫ك فَ ِ‬ ‫معْت ََبرا‪َ ...‬فانظ ُْر إلي ْ َ‬ ‫ت ُتريد ُ ُ‬ ‫َوإَذا ن َظ َْر َ‬
‫موره عب َُر‪...‬‬ ‫لأ ُ‬ ‫ح في‪ ...‬الدنيا وك ُ ّ‬ ‫صب ُ‬ ‫سي وَي ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت الذي ي ُ ْ‬ ‫أن َ‬
‫صك الك ِب َُر‪...‬‬ ‫َ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫قل ب ِش ْ‬ ‫ّ‬ ‫م است َ َ‬ ‫ُ‬
‫ر‪ ...‬ث ّ‬ ‫صغَ ٍ‬ ‫ن في ِ‬ ‫ف كا َ‬ ‫ت المصّر ُ‬ ‫أن َ‬
‫شُر‪...‬‬ ‫شعُْر والب َ َ‬ ‫قُته‪ ...‬ي َْنعاه منه ال ّ‬ ‫ت الذي ت َن َْعاه خل ْ َ‬ ‫أن َ‬
‫حذ َُر‪...‬‬ ‫ب ال َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫سَلب ل‪ ...‬ي ُْنجيه من أ ْ‬ ‫طى وَت ُ ْ‬ ‫ت الذي ت ُعْ َ‬ ‫أن َ‬
‫قد َُر‪...‬‬ ‫ماله ال َ‬ ‫حقّ مْنه ب ِ َ‬ ‫ه‪َ ...‬وأ َ‬ ‫شيَء مْنه ل َ ُ‬ ‫ت الذي ل َ‬ ‫أن ْ َ‬
‫َ‬
‫ه عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يٍء‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك أن ّ ُ‬ ‫ف ب َِرب ّ َ‬ ‫م ي َك ْ ِ‬ ‫حقّ أوَل ْ‬ ‫ه ال َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫حّتى ي َت َب َي ّ َ‬ ‫وقوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫شِهيد ٌ { ؟ أي ‪ :‬كفى بالله )‪ (2‬شهيدا على أفعال عباده وأقوالهم ‪ ،‬وهو يشهد‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ما أنز َ‬
‫ل‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫شهَد ُ ب ِ َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫دا صادق فيما أخبر به عنه ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬لك ِ ِ‬ ‫أن محم ً‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫إل َي َ َ‬
‫ن { ]النساء ‪.[166 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫مهِ َوال َ‬ ‫ه ب ِعِل ِ‬ ‫ك أنزل َ ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬في شك من قيام‬ ‫َ‬
‫قاِء َرب ّهِ ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مْري َةٍ ِ‬ ‫م ِفي ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫الساعة ؛ ولهذا ل يتفكرون فيه ‪ ،‬ول يعملون له ‪ ،‬ول يحذرون منه ‪ ،‬بل هو‬
‫عندهم هَد ٌَر ل يعبئون به وهو واقع ل ريب فيه وكائن ل محالة‪.‬‬
‫قال ابن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا أحمد بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا خلف بن تميم ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫صعد المنبر ‪،‬‬ ‫الله بن محمد بن سعيد النصاري ‪ :‬أن عمر بن عبد العزيز َ‬
‫فحمد الله وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬أيها الناس ‪ ،‬فإني لم أجمعكم لمر‬
‫أحدثه فيكم ‪ ،‬ولكن فكرت في هذا المر الذي أنتم إليه صائرون ‪ ،‬فعلمت أن‬
‫المصدق بهذا المر أحمق ‪ ،‬والمكذب به هالك ثم نزل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قاله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬به"‪.‬‬

‫) ‪(7/187‬‬

‫ومعنى قوله ‪ ،‬رضي الله عنه ‪" :‬أن المصدق به أحمق" أي ‪ :‬لنه ل يعمل له‬
‫عمل مثله ‪ ،‬ول يحذر منه ول يخاف من هوله ‪ ،‬وهو مع ذلك مصدق به موقن‬
‫بوقوعه ‪ ،‬وهو مع ذلك يتمادى في لعبه وغفلته وشهواته وذنوبه ‪ ،‬فهو أحمق‬
‫بهذا العتبار ‪ ،‬والحمق في اللغة ‪ :‬ضعيف العقل‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬والمكذب به هالك" هذا واضح ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ -‬مقررا على أنه على كل شيء قدير ‪ ،‬وبكل شيء محيط ‪،‬‬
‫يٍء‬ ‫ل َ‬‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬ ‫وإقامة الساعة لديه يسير سهل عليه تبارك وتعالى ‪ } : -‬أل إ ِن ّ ُ‬
‫ط { أي ‪ :‬المخلوقات كلها تحت قهره وفي قبضته ‪ ،‬وتحت طي علمه ‪،‬‬ ‫حي ٌ‬
‫م ِ‬
‫ُ‬
‫وهو المتصرف فيها كلها بحكمه ‪ ،‬فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‪] .‬آخر‬
‫تفسير سورة فصلت[ )‪.(1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/188‬‬

‫م‬
‫كي ُ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ه ال ْعَ ِ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك وَإ َِلى ال ّ ِ‬ ‫حي إ ِل َي ْ َ‬ ‫ك ُيو ِ‬ ‫حم )‪ (1‬عسق )‪ (2‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ي ال ْعَ ِ‬ ‫َْ‬
‫كاد ُ‬‫م )‪ (4‬ت َ َ‬ ‫ظي ُ‬ ‫ض وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬‫)‪ (3‬ل َ ُ‬
‫ن‬‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫مد ِ َرب ّهِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن بِ َ‬‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫ن فَوْقِهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فط ّْر َ‬ ‫ت ي َت َ َ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫ه‬ ‫خ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ُدون ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ذوا ِ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (5‬وال ِ‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه هُوَ الغَ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ض أل إ ِ ّ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬‫لِ َ‬
‫ل )‪(6‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫كي ٍ‬ ‫م ب ِوَ ِ‬ ‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فيظ عَلي ْهِ ْ‬ ‫ح ِ‬‫ه َ‬ ‫أوْل َِياَء الل ُ‬

‫تفسير سورة الشورى‬


‫وهي مكية‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫زيُز‬ ‫ْ‬
‫ه العَ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن قَب ْل ِك الل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حي إ ِلي ْك وَإ ِلى ال ِ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫} حم )‪ (1‬عسق )‪ (2‬ك َذ َل ِك ُيو ِ‬
‫َ‬
‫م )‪ (4‬ت َ َ‬
‫كاد ُ‬ ‫ظي ُ‬ ‫ي ال ْعَ ِ‬ ‫ض وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م )‪ (3‬ل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬‫ال ْ َ‬
‫ن‬
‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬‫مد ِ َرب ّهِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن بِ َ‬
‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬‫ة يُ َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫ن فَوْقِهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫فط ّْر َ‬ ‫ت ي َت َ َ‬ ‫وا ُ‬‫م َ‬
‫س َ‬‫ال ّ‬
‫ه‬ ‫خ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ُدون ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ذوا ِ‬ ‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (5‬وال ِ‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه هُوَ الغَ ُ‬ ‫ن الل َ‬‫ض أل إ ِ ّ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫ل )‪{ (6‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫كي ٍ‬ ‫م ب ِوَ ِ‬ ‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫م وَ َ‬
‫فيظ عَلي ْهِ ْ‬ ‫ح ِ‬‫ه َ‬ ‫أول َِياَء الل ُ‬
‫قد تقدم الكلم على الحروف المقطعة‪ .‬وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا‬
‫عجيبا منكرا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫وطي ‪ ،‬حدثنا أبو‬ ‫ح ْ‬ ‫جد َةَ ال َ‬ ‫هير ‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب بن ن َ ْ‬ ‫حدثنا أحمد بن ُز َ‬
‫المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ‪ ،‬عن أرطاة بن المنذر )‪ (1‬قال ‪ :‬جاء رجل‬
‫حذيفة بن اليمان ‪ : -‬أخبرني عن تفسير قول‬ ‫إلى ابن عباس فقال له ‪ -‬وعنده ُ‬
‫الله ‪ } :‬حم عسق { قال ‪ :‬فأطرق ثم أعرض عنه ‪ ،‬ثم كرر مقالته فأعرض‬
‫حْر إليه شيئا‪.‬‬
‫عنه ‪ ،‬فلم يجبه بشيء وكره مقالته ‪ ،‬ثم كررها الثالثة فلم ي ُ ِ‬
‫فقال حذيفة )‪ : (2‬أنا أنبئك بها ‪ ،‬قد عرفت لم كرهها ؟ نزلت في رجل من‬
‫أهل بيته يقال له "عبد الله" ‪ -‬أو ‪ :‬عبد الله ‪ -‬ينزل على نهر من أنهار‬
‫المشرق ت ُب َْنى عليه مدينتان )‪ ، (3‬يشق النهر بينهما شقا ‪ ،‬فإذا أذن الله في‬
‫زوال ملكهم وانقطاع دولتهم ومدتهم ‪ ،‬بعث الله على إحداهما نارا ليل فتصبح‬
‫سوداء مظلمة وقد احترقت ‪ ،‬كأنها لم تكن مكانها ‪ ،‬وتصبح صاحبتها متعجبة ‪:‬‬
‫كيف أفلتت ؟ فما هو إل بياض يومها ذلك ‪ ،‬حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد‬
‫منهم ‪ ،‬ثم يخسف الله بها وبهم جميعا ‪ ،‬فذلك قوله ‪ } :‬حم عسق { يعني ‪:‬‬
‫م ‪ } :‬حم { عين ‪ :‬يعني عدل منه ‪،‬‬ ‫ح ّ‬
‫عزيمة من الله تعالى وفتنة وقضاء ُ‬
‫سين ‪ :‬يعني سيكون ‪ ،‬ق ‪ :‬يعني واقع بهاتين المدينتين )‪.(4‬‬
‫وأغرب منه ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في الجزء الثاني من مسند‬
‫ابن عباس ‪ ،‬وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ‪ ،‬ولكن‬
‫إسناده ضعيف جدا ومنقطع ‪ ،‬فإنه قال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم ‪ ،‬حدثنا أبو عبد الملك الحسن بن يحيى‬
‫شني الدمشقي ‪ ،‬عن أبي معاوية قال ‪ :‬صعد عمر بن الخطاب المنبر‬ ‫خ َ‬
‫ال ُ‬
‫فقال ‪ :‬أيها الناس هل سمع منكم أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يفسر } حم عسق { ؟ فوثب ابن عباس فقال ‪ :‬أنا ‪ :‬قال ‪ } " :‬حم { اسم‬
‫من أسماء الله تعالى" قال ‪ :‬فعين ؟ قال ‪" :‬عاين المولون عذاب يوم بدر"‬
‫قال ‪ :‬فسين ؟ قال ‪" :‬سيعلم الذين ظلموا أي منقلب‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فقال له حذيفة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬مدينتين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪ (25/5‬ورواه نعيم بن حماد في الفتن برقم )‪ (568‬من‬
‫طريق أبي المغيرة عن أرطأة بن المنذر عمن حدثه عن ابن عباس فذكره‪.‬‬

‫) ‪(7/189‬‬

‫ينقلبون" قال ‪ :‬فقاف ؟ فسكت فقام أبو ذر ‪ ،‬ففسر كما قال ابن عباس ‪،‬‬
‫رضي الله عنهما ‪ ،‬وقال ‪ :‬قاف ‪ :‬قارعة من السماء تغشى الناس )‪.(1‬‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬‫زيُز ال ْ َ‬
‫ه ال ْعَ ِ‬
‫ك الل ّ ُ‬‫ن قَب ْل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك وَإ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حي إ ِل َي ْ َ‬ ‫ك ُيو ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫كما أنزل إليك هذا القرآن ‪ ،‬كذلك أنزل الكتب والصحف على النبياء قبلك‪.‬‬
‫م { في أقواله وأفعاله‪.‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬‫زيُز { أي ‪ :‬في انتقامه ‪ } ،‬ال ْ َ‬ ‫ه ال ْعَ ِ‬‫وقوله ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫قال ‪ :‬المام مالك ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬عن هشام بن عُْرَوة عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪:‬‬
‫أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أحياًنا‬
‫عيت ما قال‪.‬‬ ‫ي فيفصم عني قد وَ َ‬ ‫جَرس ‪ ،‬وهو أشده عَل َ ّ‬ ‫صل َةِ ال َ‬‫صل ْ َ‬‫يأتيني مثل َ‬
‫جل فيكلمني ‪ ،‬فأعي ما يقول" قالت عائشة )‪ (2‬فلقد‬ ‫وأحيانا يأتيني الملك ر ُ‬
‫رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ‪ ،‬فيفصم عنه ‪ ،‬وإن جبينه‬
‫صد عرقا‪.‬‬ ‫ليتف ّ‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬ولفظه للبخاري )‪.(3‬‬
‫وقد )‪ (4‬رواه الطبراني عن عبد الله ابن المام أحمد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عامر‬
‫بن صالح ‪ ،‬عن هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬عن الحارث بن‬
‫هشام ؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬كيف ينزل عليك‬
‫ت ما قاله"‬ ‫عي ُ‬ ‫م عني وقد و َ‬ ‫الوحي ؟ فقال ‪" :‬مثل )‪ (5‬صلصلة الجرس فيفص ُ‬
‫قال ‪" :‬وهو أشده علي" قال ‪" :‬وأحيانا يأتيني الملك فيتمثل لي فيكلمني‬
‫فأعي ما يقول" )‪.(6‬‬
‫وقال ‪ :‬المام )‪ (7‬أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬عن يزيد بن أبي‬
‫حبيب ‪ ،‬عن عمرو بن الوليد ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو )‪ ، (8‬رضي الله عنهما ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬هل‬
‫تحس بالوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬أسمع صلصل ثم‬
‫ي إل ظننت أن نفسي ُتقَبض" تفرد‬ ‫أسكت عند ذلك ‪ ،‬فما من مرة يوحى إل ّ‬
‫به أحمد )‪.(9‬‬
‫وقد ذكرنا كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول‬
‫شرح البخاري ‪ ،‬بما أغنى عن إعادته هاهنا ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫ض { أي ‪ :‬الجميع عبيد له‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬ل َ ُ‬
‫م { كقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ظي ُ‬‫ي ال ْعَ ِ‬
‫وملك له ‪ ،‬تحت قهره وتصريفه ‪ } ،‬وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ‬
‫ي ال ْك َِبيُر { ] سبأ ‪ [ 23 :‬واليات‬ ‫ل { ] الرعد ‪ } [9 :‬وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ‬ ‫مت ََعا ِ‬ ‫} ال ْك َِبيُر ال ْ ُ‬
‫في هذا كثيرة‪.‬‬
‫ن { قال ابن عباس ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫ْ َ ِ ْ ْ ِ ِ ّ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ت‬
‫ّ َ َ ُ ََ‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫وقوله ‪ } :‬ت َ َ‬
‫كا ُ‬
‫د‬
‫ملئ ِك َ ُ‬
‫ة‬ ‫وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وكعب الحبار ‪ :‬أي فرًقا ‪ ،‬من العظمة } َوال ْ َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ح ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض { كقوله ‪ } :‬ال ّ ِ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫م وَي َ ْ‬ ‫مد ِ َرب ّهِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬
‫يُ َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫ن ب ِهِ وَي َ ْ‬
‫مُنو َ‬‫م وَي ُؤْ ِ‬ ‫مد ِ َرب ّهِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫حوْل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ش وَ َ‬ ‫ال ْعَْر َ‬
‫ما { ]غافر ‪.[7 :‬‬ ‫عل ً‬‫ْ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬
‫يٍء َر ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سعْ َ‬ ‫َرب َّنا وَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه ابن عساكر في تاريخه كما في الدر المنثور )‪.(7/336‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬عائشة رضي الله عنها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬الموطأ )‪ (1/202‬وصحيح البخاري برقم )‪ (2‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2333‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ولقد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فقال ‪ :‬في مثل"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المعجم الكبير )‪.(3/259‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ :‬عمر"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(2/222‬‬

‫) ‪(7/190‬‬

‫ُ‬ ‫وك َذ َل ِ َ َ‬
‫مِع َل‬ ‫ج ْ‬ ‫م ال ْ َ‬‫حوْل ََها وَت ُن ْذَِر ي َوْ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫قَرى وَ َ‬ ‫ك قُْرآ ًَنا عََرب ِّيا ل ِت ُن ْذَِر أ ّ‬
‫م ال ْ ُ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ك أوْ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫شاَء الل ّه ل َجعل َهم أ ُ‬ ‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫(‬ ‫‪7‬‬ ‫)‬ ‫ر‬‫عي‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ق‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ق‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫َر‬
‫ُ ْ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ر‬
‫صي ٍ‬‫ي وَل ن َ ِ‬‫َ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ما لهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫مت ِهِ َوالظال ِ ُ‬ ‫ح َ‬‫شاُء ِفي َر ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬‫خ ُ‬ ‫ن ي ُد ْ ِ‬ ‫َ‬
‫حد َة ً وَلك ِ ْ‬ ‫َوا ِ‬
‫)‪(8‬‬

‫‪.‬‬
‫م { إعلم بذلك وتنويه به‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه هُوَ الغَ ُ‬‫ن الل َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أل إ ِ ّ‬
‫فيظٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬
‫ه َ‬
‫ن ُدون ِهِ أوْل َِياَء { يعني ‪ :‬المشركين ‪ } ،‬الل ُ‬‫م ْ‬ ‫خ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫دا ‪ ،‬وسيجزيهم بها أوفر‬ ‫م { أي ‪ :‬شهيد على أعمالهم ‪ ،‬يحصيها ويعدها ع ّ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬
‫ل { أي ‪ :‬إنما أنت نذير والله على كل شيء‬ ‫كي ٍ‬ ‫م ب ِوَ ِ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫الجزاء‪ } .‬وَ َ‬
‫وكيل‪.‬‬
‫مِع‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫رى‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ك قُرآنا عَربيا ل ِتنذر أ ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫و‬‫ك أَ‬ ‫َ‬ ‫} وَك َ ِ‬
‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ َُْ َِ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ ُْ َِ ّ‬ ‫ْ ً‬ ‫ْ َ َْ ِ ْ‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫سِعيرِ )‪ (7‬وَل َوْ َ‬ ‫ريقٌ ِفي ال ّ‬ ‫جن ّةِ وَفَ ِ‬ ‫ريقٌ ِفي ال ْ َ‬ ‫ب ِفيهِ فَ ِ‬ ‫ل َري ْ َ‬
‫ر‬
‫صي ٍ‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬‫مت ِهِ َوال ّ‬ ‫ح َ‬‫شاُء ِفي َر ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ي ُد ْ ِ‬ ‫حد َة ً وَل َك ِ ْ‬ ‫َوا ِ‬
‫)‪{ (8‬‬
‫ك قُْرآًنا عََرب ِّيا { أي ‪:‬‬ ‫َ‬
‫حي َْنا إ ِلي ْ َ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكما أوحينا إلى النبياء قبلك ‪ } ،‬أوْ َ‬
‫حوْلَها { أي ‪ :‬من‬ ‫َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرى { وهي مكة ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫واضحا جليا بينا ‪ } ،‬ل ِت ُن ْذَِر أ ّ‬
‫سائر البلد شرقا وغربا ‪ ،‬وسميت مكة "أم القرى" ؛ لنها أشرف من سائر‬
‫البلد ‪ ،‬لدلة كثيرة مذكورة في مواضعها‪ .‬ومن أوجز ذلك وأدله ما قال )‪(1‬‬
‫المام أحمد ‪:‬‬
‫ري ‪ ،‬أخبرنا أبو سلمة بن عبد‬ ‫حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬حدثنا شعيب ‪ ،‬عن الّزهْ ِ‬
‫دي بن الحمراء الزهري أخبره ‪ :‬أنه سمع رسول‬ ‫الرحمن أن عبد الله بن عَ ِ‬
‫حْزوََرة في سوق مكة ‪: -‬‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم يقول )‪ - (2‬وهو واقف بال َ‬
‫ت‬ ‫ُ‬
‫ج ُ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫"والله ‪ ،‬إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ‪ ،‬ولول أني أ ْ‬
‫منك ما خرجت" )‪.(3‬‬
‫وهكذا رواية الترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من حديث الزهري ‪ ،‬به )‪(4‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫مِع { ‪ ،‬وهو يوم القيامة ‪ ،‬يجمع الله الولين والخرين‬ ‫ج ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت ُن ْذَِر ي َوْ َ‬
‫في صعيد واحد‪.‬‬
‫ب ِفيهِ { أي ‪ :‬ل شك في وقوعه ‪ ،‬وأنه كائن ل محالة‪ .‬وقوله ‪:‬‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َري ْ َ‬
‫مِع‬ ‫ج ْ‬ ‫ْ‬
‫م ل ِي َوْم ِ ال َ‬ ‫ُ‬
‫معُك ْ‬ ‫ج َ‬‫م يَ ْ‬ ‫سِعيرِ { ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬ ‫ريقٌ ِفي ال ّ‬ ‫جن ّةِ وَفَ ِ‬ ‫ريقٌ ِفي ال ْ َ‬ ‫} فَ ِ‬
‫ن { ]التغابن ‪ [9 :‬أي ‪ :‬ي َغَْبن أهل الجنة أهل النار ‪ ،‬وكقوله‬ ‫م الت َّغاب ُ ِ‬ ‫ك ي َوْ ُ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ل‬
‫ج ٍ‬ ‫خُرهُ ِإل ل َ‬ ‫ما ن ُؤَ ّ‬ ‫شُهود ٌ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ي َوْ ٌ‬ ‫س وَذ َل ِ َ‬ ‫ه الّنا ُ‬ ‫موع ٌ ل َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ي َوْ ٌ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫ْ‬
‫سِعيد ٌ { ]هود ‪- 103 :‬‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ق ّ‬‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫س ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ فَ ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ت ل ت َك َل ّ ُ‬ ‫م ي َأ ِ‬ ‫دودٍ ي َوْ َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫َ‬
‫‪.(5) [105‬‬
‫َ‬
‫قال )‪ (6‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا هاشم بن القاسم ‪ ،‬حدثنا لْيث ‪ ،‬حدثني أبو قبيل‬
‫ي )‪(7‬‬ ‫ف ّ‬ ‫ش َ‬ ‫المعافري ‪ ،‬عن ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ما رواه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(4/305‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي برقم )‪ (3925‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪(4252‬‬
‫وسنن ابن ماجه برقم )‪.(3108‬‬
‫)‪ (5‬قبلها في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪)" :‬إن في ذلك لية لمن خاف عذاب الخرة("‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬شقيق"‪.‬‬

‫) ‪(7/191‬‬

‫الصبحي ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬قال ‪ :‬خرج علينا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان ‪ ،‬فقال ‪" :‬أتدرون ما هذان‬
‫الكتابان ؟" قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬ل إل أن تخبرنا يا رسول الله قال للذي في يده‬
‫اليمينى ‪" :‬هذا كتاب من رب العالمين ‪ ،‬بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم‬
‫وقبائلهم ‪ ،‬ثم أجمل على آخرهم ‪ -‬ل يزاد فيهم ول ينقص منهم أبدا" ثم قال‬
‫للذي في يساره ‪" :‬هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ‪ ،‬ثم‬
‫أجمل على آخرهم ‪ -‬ل يزاد فيهم ول ينقص منهم أبدا" فقال أصحاب رسول‬
‫رغ منه‬‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬فلي شيء إًذا نعمل إن كان هذا أمر قد فُ ِ‬
‫سد ُّدوا وقاربوا ‪ ،‬فإن صاحب‬ ‫؟ فقال )‪ (1‬رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪َ " :‬‬
‫عمل ‪ ،‬وإن صاحب النار يختم‬ ‫ل أي َ‬‫م َ‬
‫الجنة يختم له بعمل الجنة )‪ ، (2‬وإن عَ ِ‬
‫له بعمل النار )‪ ، (3‬وإن عمل أي عمل" ثم قال بيده فقبضها ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫"فرغ ربكم عز وجل من العباد" ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال ‪" :‬فريق في‬
‫الجنة" ‪ ،‬ونبذ باليسرى فقال ‪" :‬فريق في السعير"‬
‫وهكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا ‪ ،‬عن قتيبة عن الليث بن سعد وبكر بن‬
‫ي بن ماتع )‪ (4‬الصبحي ‪ ،‬عن عبد الله‬ ‫ف ّ‬‫ش َ‬‫مضر ‪ ،‬كلهما عن أبي قبيل ‪ ،‬عن ُ‬
‫بن عمرو ‪ ،‬به )‪.(5‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫وساقه البغوي في تفسيره من طريق بشر بن بكر )‪ ، (6‬عن سعيد بن‬
‫عثمان ‪ ،‬عن أبي الزاهرية ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فذكره بنحوه‪ .‬وعنده زيادات منها ‪ :‬ثم قال ‪" :‬فريق في الجنة وفريق‬
‫في السعير ‪ ،‬عدل من الله عز وجل" )‪.(7‬‬
‫ورواه )‪ (8‬ابن أبي حاتم عن أبيه ‪ ،‬عن عبد الله بن صالح ‪ -‬كاتب الليث ‪ -‬عن‬
‫الليث ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير عن يونس ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن أبي‬
‫قَِبيل ‪ ،‬عن شفي ‪ ،‬عن رجل من الصحابة ‪ ،‬فذكره )‪.(9‬‬
‫وة بن )‪(10‬‬ ‫حي ْ َ‬
‫هب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث و َ‬ ‫ثم روي عن يونس ‪ ،‬عن ابن وَ ْ‬
‫شَرْيح ‪ ،‬عن يحيى بن أبي أسيد ؛ أن أبا فراس )‪ (11‬حدثه ‪ :‬أنه سمع عبد‬ ‫ُ‬
‫الله بن عمرو يقول ‪ :‬إن الله لما خلق آدم نفضه نفض المْزَود )‪ ، (12‬وأخرج‬
‫منه كل ذريته ‪ ،‬فخرج أمثال الن َّغف ‪ ،‬فقبضهم قبضتين ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬شقي‬
‫وسعيد ‪ ،‬ثم ألقاهما ‪ ،‬ثم قبضهما فقال ‪ :‬فريق في الجنة ‪ ،‬وفريق في السعير‬
‫)‪.(13‬‬
‫وهذا الموقوف أشبه بالصواب ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬بعمل أهل الجنة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بعمل أهل النار"‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬رافع"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (2/167‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2141‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم )‪.(11473‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬بكير"‪.‬‬
‫)‪ (7‬معالم التنزيل للبغوي )‪.(7/185‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪.(25/7‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬عن أبي فراس"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في م ‪" :‬المرود"‪.‬‬
‫)‪ (13‬تفسير الطبري )‪.(25/7‬‬

‫) ‪(7/192‬‬

‫موَْتى وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫أ َم ِ ات ّ َ‬


‫ل‬ ‫حِيي ال ْ َ‬‫ي وَهُوَ ي ُ ْ‬‫ه هُوَ ال ْوَل ِ ّ‬
‫ن ُدون ِهِ أوْل َِياَء َفالل ّ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬
‫ه َرّبي‬‫م الل ّ ُ‬
‫ه إ َِلى الل ّهِ ذ َل ِك ُ ُ‬ ‫حك ْ ُ‬
‫م ُ‬ ‫يٍء فَ ُ‬‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِفيهِ ِ‬ ‫خت َل َ ْ‬
‫فت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ديٌر )‪ (9‬وَ َ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب )‪(10‬‬ ‫ت وَإ ِلي ْهِ أِني ُ‬‫عَلي ْهِ ت َوَك ّل ُ‬

‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا عبد الصمد ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ -‬يعني ابن‬
‫سلمة ‪ -‬أخبرنا الجريري ‪ ،‬عن أبي نضرة ‪ ،‬أن رجل من أصحاب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يقال له ‪ :‬أبو عبد الله ‪ -‬دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي‬
‫‪ ،‬فقالوا له ‪ :‬ما يبكيك ؟ ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬خذ‬
‫من شاربك ثم أقره حتى تلقاني" قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬ولكن سمعت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إن الله قبض بيمينه قبضة ‪ ،‬وأخرى باليد الخرى ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬هذه لهذه ‪ ،‬وهذه لهذه ول أبالي" فل أدري في أي القبضتين أنا )‪.(1‬‬
‫وأحاديث القدر في الصحاح والسنن والمسانيد كثيرة جدا ‪ ،‬منها حديث علي ‪،‬‬
‫وابن مسعود ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬وجماعة جمة‪.‬‬
‫حد َةً { أي ‪ :‬إما على الهداية أو على‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫شاَء الل ّه ل َجعل َه ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َوْ َ‬
‫مأ ّ‬ ‫ُ َ َ ُ ْ‬
‫الضللة ‪ ،‬ولكنه تعالى فاوت بينهم ‪ ،‬فهدى من يشاء )‪ (2‬إلى الحق ‪ ،‬وأضل‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل َ‬‫خ ُ‬ ‫من يشاء عنه ‪ ،‬وله الحكمة والحجة البالغة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَل َك ِ ْ‬
‫ن ي ُد ْ ِ‬
‫صيرٍ {‬
‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫مت ِهِ َوال ّ‬ ‫ح َ‬‫شاُء ِفي َر ْ‬ ‫يَ َ‬
‫وقال ‪ :‬ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني عمرو بن‬
‫الحارث ‪ ،‬عن أبي سويد ‪ ،‬حدثه عن ابن حجيرة ‪ :‬أنه بلغه )‪ (3‬أن موسى ‪،‬‬
‫قك الذين )‪ (4‬خلقتهم ‪ ،‬جعلت منهم فريقا‬ ‫خل ُ‬ ‫عليه السلم ‪ ،‬قال ‪ : :‬يا رب َ‬
‫في الجنة وفريقا في النار ‪ ،‬لو ما أدخلتهم كلهم الجنة ؟! فقال ‪ :‬يا موسى ‪،‬‬
‫ارفع ذ َْرعك‪ .‬فرفع ‪ ،‬قال ‪ :‬قد رفعت‪ .‬قال ‪ :‬ارفع‪ .‬فرفع ‪ ،‬فلم يترك شيئا ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬يا رب قد رفعت ‪ ،‬قال ‪ :‬ارفع‪ .‬قال ‪ :‬قد رفعت ‪ ،‬إل ما ل خير فيه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة ‪ ،‬إل ما ل خير فيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫} أ َم ِ ات ّ َ‬
‫ل‬‫موَْتى وَهُوَ عَلى ك ُ ّ‬ ‫حِيي ال َ‬ ‫ي وَهُوَ ي ُ ْ‬ ‫ه هُوَ ال ْوَل ِ ّ‬ ‫ن ُدون ِهِ أوْل َِياَء َفالل ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬
‫ه َرّبي‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ه إ َِلى الل ّهِ ذ َل ِك ُ ُ‬‫م ُ‬‫حك ْ ُ‬
‫يٍء فَ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِفيهِ ِ‬ ‫خت َل َ ْ‬
‫فت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬‫ديٌر )‪ (9‬وَ َ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ب )‪{ (10‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت وَإ ِلي ْهِ أِني ُ‬ ‫عَلي ْهِ ت َوَكل ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(4/1769‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬شاء"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬الذي"‪.‬‬

‫) ‪(7/193‬‬

‫َ‬ ‫فسك ُ َ‬ ‫ل ل َك ُم م َ‬
‫جا‬‫ن اْل َن َْعام ِ أْزَوا ً‬‫م َ‬ ‫جا وَ ِ‬
‫م أْزَوا ً‬‫ن أن ْ ُ ِ ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫جعَ َ‬‫ض َ‬ ‫َْ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫َفاط ُِر ال ّ‬
‫س َ‬
‫ت‬
‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬‫قاِليد ُ ال ّ‬ ‫م َ‬
‫ه َ‬‫صيُر )‪ (11‬ل َ ُ‬ ‫ميعُ ال ْب َ ِ‬ ‫س ِ‬‫يٌء وَهُوَ ال ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ِفيهِ ل َي ْ َ‬
‫س كَ ِ‬
‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫ي َذ َْرؤُك ُ ْ‬
‫م )‪(12‬‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫يٍء عَِلي ٌ‬
‫ش ْ‬ ‫قدُِر إ ِن ّ ُ‬
‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫م ْ‬‫سط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ض ي َب ْ ُ‬
‫َوالْر ِ‬
‫َ‬ ‫فسك ُ َ‬ ‫ل ل َك ُم م َ‬
‫جا‬‫ن الن َْعام ِ أْزَوا ً‬ ‫م َ‬ ‫جا وَ ِ‬ ‫م أْزَوا ً‬ ‫ن أن ْ ُ ِ ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ض َ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬
‫م َ‬ ‫} َفاط ُِر ال ّ‬
‫س َ‬
‫ت‬‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫قاِليد ُ ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫صيُر )‪ (11‬ل َ ُ‬ ‫ميعُ ال ْب َ ِ‬ ‫س ِ‬
‫يٌء وَهُوَ ال ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬‫س كَ ِ‬ ‫م ِفيهِ ل َي ْ َ‬ ‫ي َذ َْرؤُك ُ ْ‬
‫م )‪{ (12‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫قدُِر إ ِن ّ ُ‬‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ض ي َب ْ ُ‬
‫َوالْر ِ‬
‫يقول تعالى منكًرا على المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ‪ ،‬ومخبرا‬
‫أنه هو الولي الحق الذي ل تنبغي العبادة إل له وحده ‪ ،‬فإنه القادر على إحياء‬
‫الموتى وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫ه إ ِلى اللهِ { أي ‪ :‬مهما اختلفتم‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫يٍء فَ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫م ِفيهِ ِ‬ ‫خت َل َ ْ‬
‫فت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬‫ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ه إ ِلى اللهِ { أي ‪ :‬هو‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫حك ْ ُ‬
‫فيه من المور وهذا عام في جميع الشياء ‪ } ،‬فَ ُ‬
‫م‬
‫ن ت ََناَزعْت ُ ْ‬‫الحاكم فيه بكتابه ‪ ،‬وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫ل { ]النساء ‪..[59 :‬‬ ‫سو ِ‬ ‫يٍء فَُرّدوه ُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ِفي َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ب{‬ ‫ت وَإ ِلي ْهِ أِني ُ‬‫ه َرّبي { أي ‪ :‬الحاكم في كل شيء ‪ } ،‬عَلي ْهِ ت َوَكل ُ‬ ‫م الل ُ‬ ‫} ذ َل ِك ُ‬
‫أي ‪ :‬أرجع في جميع المور‪.‬‬

‫) ‪(7/193‬‬

‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬


‫م‬
‫هي َ‬‫صي َْنا ب ِهِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫حا َوال ّ ِ‬ ‫صى ب ِهِ ُنو ً‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫دي َ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫شَرع َ ل َك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن‬ ‫كي‬ ‫ر‬‫ش‬ ‫ْ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫ت‬‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫موا‬ ‫قي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫سى‬ ‫عي‬ ‫و‬ ‫سى‬
‫ُ ِ ِ َ َ‬ ‫ِ ِ َُ َ‬ ‫ّ َ َ ََ ّ‬ ‫ْ ِ ُ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫وَ ُ َ‬
‫مو‬
‫فّرُقوا‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ب )‪ (13‬وَ َ‬ ‫ن ي ُِني ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دي إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫شاُء وَي َهْ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫جت َِبي إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ الل ّ ُ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ج ٍ‬ ‫ك إ َِلى أ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫م وَل َوَْل ك َل ِ َ‬ ‫م ب َغًْيا ب َي ْن َهُ ْ‬‫م ال ْعِل ْ ُ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫إ ِّل ِ‬
‫ُ‬
‫ب‬‫ري ٍ‬‫م ِ‬‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أورُِثوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫مى ل َ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫)‪(14‬‬

‫م‬‫ل ل َك ُ ْ‬‫جعَ َ‬ ‫ض { أي ‪ :‬خالقهما وما بينهما ‪َ } ،‬‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فاط ِرِ ال ّ‬
‫جا { أي ‪ :‬من جنسكم وشكلكم ‪ ،‬منة عليكم وتفضل جعل‬ ‫فسك ُ َ‬ ‫م َ‬
‫م أْزَوا ً‬ ‫ن أن ْ ُ ِ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫جا { أي ‪ :‬وخلق لكم من النعام‬ ‫وا‬ ‫ز‬ ‫من جنسكم ذكرا وأنثى ‪ } ،‬ومن النعام أ َ‬
‫َْ ِ ْ َ ً‬ ‫َ ِ َ‬
‫ثمانية أزواج‪.‬‬
‫م ِفيهِ { أي ‪ :‬يخلقكم فيه ‪ ،‬أي ‪ :‬في ذلك الخلق على هذه‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َذ َْرؤُك ُ ْ‬
‫الصفة ل يزال يذرؤكم )‪ (1‬فيه ذكورا وإناثا ‪ ،‬خلقا من بعد خلق ‪ ،‬وجيل بعد‬
‫جيل ‪ ،‬ونسل بعد نسل ‪ ،‬من الناس والنعام‪.‬‬
‫م ِفيهِ { أي ‪ :‬في الرحم‪ .‬وقيل ‪ :‬في‬ ‫وقال البغوي رحمه الله ‪ } :‬ي َذ َْرؤُك ُ ْ‬
‫البطن‪ .‬وقيل ‪ :‬في هذا الوجه من الخلقة‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬ونسل بعد نسل من الناس والنعام‪.‬‬
‫وقيل ‪" :‬في" بمعنى "الباء" ‪ ،‬أي ‪ :‬يذرؤكم به‪.‬‬
‫يٌء { أي ‪ :‬ليس كخالق الزواج كلها شيء ؛ لنه الفرد‬ ‫ش ْ‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫س كَ ِ‬ ‫} ل َي ْ َ‬
‫صيُر {‬ ‫ميعُ ال ْب َ ِ‬ ‫س ِ‬‫الصمد الذي ل نظير له ‪ } ،‬وَهُوَ ال ّ‬
‫ض { تقدم تفسيره في "سورة الزمر" ‪،‬‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫قاِليد ُ ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َ ُ‬
‫شاُء‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫وحاصل ذلك أنه المتصرف الحاكم فيهما ‪ } ،‬ي َب ْ ُ‬
‫قدُِر { أي ‪ :‬يوسع على من يشاء ‪ ،‬ويضيق على من يشاء ‪ ،‬وله الحكمة‬ ‫وَي َ ْ‬
‫م{‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫والعدل التام ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫صي َْنا ب ِ ِ‬‫ما وَ ّ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫حا َوال ّ ِ‬ ‫صى ب ِهِ ُنو ً‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫شَرع َ ل َك ُ ْ‬ ‫} َ‬
‫فّرُقوا ِفيهِ ك َب َُر عََلى‬ ‫ن َول ت َت َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دي َ‬‫موا ال ّ‬ ‫ن أِقي ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هي َ‬‫إ ِب َْرا ِ‬
‫ب)‬ ‫ن ي ُِني ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫دي إ ِلي ْهِ َ‬ ‫شاُء وَي َهْ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫جت َِبي إ ِلي ْهِ َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِلي ْهِ الل ُ‬ ‫َ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫ة َ‬ ‫م ٌ‬‫ول ك َل ِ َ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫م ب َغًْيا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫م ال ْعِل ْ ُ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فّرُقوا ِإل ِ‬ ‫ما ت َ َ‬‫‪ (13‬وَ َ‬
‫قضي بينهم وإن ال ّذي ُ‬ ‫َ‬
‫في‬ ‫م لَ ِ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ن أورُِثوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫مى ل َ ُ ِ َ َ ْ َ ُ ْ َ ِ ّ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ك إ َِلى أ َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ب )‪{ (14‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫حا َوال ِ‬ ‫صى ب ِهِ ُنو ً‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫يقول تعالى لهذه المة ‪ } :‬شَرع َ لك ْ‬
‫َ‬
‫ك { ‪ ،‬فذكر أول الرسل بعد آدم وهو نوح ‪ ،‬عليه السلم وآخرهم‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫أوْ َ‬
‫وهو محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم ذكر من بين ذلك من أولي العزم‬
‫وهم ‪ :‬إبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ‪ ،‬عليهم السلم‪ .‬وهذه الية‬
‫انتظمت ذكر الخمسة كما اشتملت آية "الحزاب" عليهم في قوله ‪ } :‬وَإ ِذ ْ‬
‫ن‬‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هي َ‬
‫ن ُنوٍح وَإ ِب َْرا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك وَ ِ‬‫من ْ َ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الن ّب ِّيي َ‬ ‫م َ‬ ‫خذ َْنا ِ‬ ‫أَ َ‬
‫م { الية]الحزاب ‪ .[7 :‬والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو ‪ :‬عبادة‬ ‫مْري َ َ‬ ‫َ‬
‫ل ِإل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫له‬ ‫شريك‬ ‫ل‬ ‫وحده‬ ‫الله‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]النبياء ‪ .[25 :‬وفي‬ ‫دو ِ‬ ‫ه ِإل أَنا َفاعْب ُ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫حي إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫ُنو ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬نوعكم"‪.‬‬

‫) ‪(7/194‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫ت بِ َ‬‫من ْ ُ‬
‫مرت وَل ت َت ّبعْ أ َهْواَءهُم وقُ ْ َ‬
‫لآ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ما أ ِ ْ َ َ‬
‫ك َفادع ُ واستقم ك َ ُ‬
‫ْ َ ْ َِ ْ َ‬ ‫فَل ِذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫ج َ‬
‫ح ّ‬‫م َل ُ‬ ‫مال ُك ُ ْ‬
‫م أعْ َ‬ ‫مال َُنا وَل َك ُ ْ‬
‫م ل ََنا أعْ َ‬
‫ه َرب َّنا وََرب ّك ُ ْ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ُ‬‫ت ِلعْدِ َ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ب وَأ ِ‬ ‫ك َِتا ٍ‬
‫صيُر )‪(15‬‬ ‫معُ ب َي ْن ََنا وَإ ِل َي ْهِ ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ج َ‬‫ه يَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ‬

‫الحديث ‪" :‬نحن معشر )‪ (1‬النبياء أولد علت ديننا واحد" أي ‪ :‬القدر‬
‫المشترك بينهم هو عبادة الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وإن اختلفت شرائعهم‬
‫جا { ]المائدة ‪:‬‬ ‫من َْها ً‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫شْرعَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ومناهجهم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬ل ِك ُ ّ‬
‫فّرُقوا ِفيهِ { أي ‪ :‬وصى الله‬ ‫ن َول ت َت َ َ‬ ‫‪ [48‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬أ َ َ‬
‫دي َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ن أِقي ُ‬ ‫ْ‬
‫]سبحانه و[ )‪ (2‬تعالى جميع النبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬بالئتلف والجماعة ‪،‬‬
‫ونهاهم عن الفتراق والختلف‪.‬‬
‫م إ ِل َي ْهِ { أي ‪ :‬شق عليهم وأنكروا ما‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َب َُر عََلى ال ْ ُ‬
‫تدعوهم إليه يا محمد من التوحيد‪.‬‬
‫ب { أي ‪ :‬هو الذي‬ ‫ن ي ُِني ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫دي إ ِلي ْهِ َ‬ ‫شاُء وَي َهْ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جت َِبي إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫در الهداية لمن يستحقها ‪ ،‬ويكتب الضللة على من آثرها على طريق‬ ‫ُيق ّ‬
‫م { أي ‪ :‬إنما‬ ‫ْ‬
‫م العِل ُ‬ ‫ْ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فّرُقوا ِإل ِ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫الرشد ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم ‪ ،‬وقيام الحجة عليهم ‪ ،‬وما حملهم على‬
‫ي والعناد ُ والمشاقة‪.‬‬ ‫ذلك إل البغ ُ‬
‫مى {‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن َرب ّك إ ِلى أ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ول كل ِ َ‬ ‫ثم قال ]الله[ )‪ (3‬تعالى ‪ } :‬وَل ْ‬
‫أي ‪ :‬لول الكلمة السابقة من الله بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم‬
‫المعاد ‪ ،‬لعجل لهم العقوبة في الدنيا سريًعا‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬وإن ال ّذي ُ‬
‫م { يعني ‪ :‬الجيل المتأخر بعد‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أورُِثوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َِ ّ‬
‫ب { أي ‪ :‬ليسوا على يقين‬ ‫ري‬
‫ِ ْ ُ ُ ِ ٍ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫للحق‬ ‫ذب‬ ‫ّ‬ ‫المك‬ ‫القرن الول‬
‫من أمرهم ‪ ،‬وإنما هم مقلدون لبائهم وأسلفهم ‪ ،‬بل دليل ول ُبرهان ‪ ،‬وهم‬
‫في حيرة من أمرهم ‪ ،‬وشك مريب ‪ ،‬وشقاق بعيد‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك َفادع ُ واستقم ك َ ُ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما أنز َ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫لآ َ‬ ‫م وَقُ ْ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ت َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ْ َ ْ َ ِ ْ َ‬ ‫} فَل ِذ َل ِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫مل‬ ‫مالك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫مالَنا وَلك ُ ْ‬ ‫م لَنا أعْ َ‬ ‫ه َرب َّنا وََرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫ت لعْدِ َ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ب وَأ ِ‬ ‫ن ك َِتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫صيُر )‪{ (15‬‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫معُ ب َي ْن ََنا وَإ ِلي ْهِ ال َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ة ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ‬
‫ج َ‬ ‫ح ّ‬
‫ُ‬
‫اشتملت هذه الية الكريمة على عشر كلمات مستقلت ‪ ،‬كل منها منفصلة‬
‫عن التي قبلها ‪] ،‬لها[ )‪ (4‬حكم برأسه ‪ -‬قالوا ‪ :‬ول نظير لها سوى آية‬
‫الكرسي ‪ ،‬فإنها أيضا عشرة )‪ (5‬فصول كهذه‪.‬‬
‫ك َفاد ْعُ { أي ‪ :‬فللذي أوحينا إليك من الدين الذي وصينا به‬ ‫قوله )‪ } (6‬فَل ِذ َل ِ َ‬
‫جميع المرسلين قبلك أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم ‪،‬‬
‫فادعُ الناس إليه‪.‬‬
‫ُ‬
‫ت { أي ‪ :‬واستقم أنت ومن اتبعك على عبادة‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م كَ َ‬‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫وقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫الله ‪ ،‬كما أمركم الله عز وجل‪.‬‬
‫م { يعني ‪ :‬المشركين فيما اختلقوه ‪ ،‬وكذبوه‬ ‫َ‬
‫واَءهُ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬
‫وافتروه من عبادة الوثان‪.‬‬
‫ب { أي ‪ :‬صدقت بجميع الكتب‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما أنز َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَقُ ْ‬
‫ن ك َِتا ٍ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫من ْ ُ‬‫لآ َ‬
‫المنزلة من السماء على‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬معاشر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬عشر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬فقوله"‪.‬‬

‫) ‪(7/195‬‬

‫النبياء ل نفرق )‪ (1‬بين أحد منهم‪.‬‬


‫ُ‬
‫م { أي ‪ :‬في الحكم كما أمرني الله‪.‬‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫ت لعْدِ َ‬ ‫مْر ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬هو المعبود ‪ ،‬ل إله غيره ‪ ،‬فنحن نقر بذلك‬ ‫ه َرب َّنا وََرب ّك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫اختيارا ‪ ،‬وأنتم وإن لم تفعلوه اختيارا ‪ ،‬فله يسجد من في العالمين طوعا‬
‫وإختيارا‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬نحن برآء منكم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مالك ْ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫مالَنا وَلك ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬لَنا أعْ َ‬
‫ريٌء‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك فَ ُ‬ ‫ن ك َذ ُّبو َ‬
‫مل وَأَنا ب َ ِ‬ ‫ما أعْ َ‬ ‫م ّ‬
‫ن ِ‬
‫ريئو َ‬
‫م بَ ِ‬
‫م أن ْت ُ ْ‬
‫ملك ْ‬ ‫م عَ َ‬ ‫مِلي وَلك ْ‬ ‫قل ِلي عَ َ‬ ‫} وَإ ِ ْ‬
‫ن { ]يونس ‪.[41 :‬‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م ّ‬‫ِ‬
‫م { قال مجاهد ‪ :‬أي ل خصومة‪ .‬قال السدي ‪:‬‬ ‫ة ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُُ‬ ‫ُ ّ َ‬‫ج‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫ه لن هذه الية مكية ‪ ،‬وآية السيف بعد‬ ‫ج‬ ‫ت‬
‫ُ ّ َ ٌ‬‫م‬ ‫وهذا‬ ‫السيف‪.‬‬ ‫آية‬ ‫وذلك قبل نزول‬
‫الهجرة‪.‬‬
‫معُ ب َي ْن ََنا َرب َّنا‬ ‫ج َ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫معُ ب َي ْن ََنا { أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬قُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫وقوله ‪ } :‬الل ُ‬
‫م { ]سبأ ‪.[26 :‬‬ ‫ح العَِلي ُ‬‫ْ‬ ‫فّتا ُ‬ ‫ْ‬
‫حقّ وَهُوَ ال َ‬ ‫ْ‬
‫ح ب َي ْن ََنا ِبال َ‬ ‫فت َ ُ‬‫م يَ ْ‬‫ثُ ّ‬
‫صيُر { أي ‪ :‬المرجع والمآب يوم الحساب‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِلي ْهِ ال َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ل يفرق"‪.‬‬

‫) ‪(7/196‬‬
‫م‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬‫ة ِ‬ ‫ض ٌ‬‫ح َ‬ ‫م َدا ِ‬ ‫جت ُهُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جي َ‬ ‫ست ُ ِ‬‫ما ا ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫ن ِفي الل ّهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي أن َْز َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ديد ٌ )‪ (16‬الل ّ ُ‬ ‫ش ِ‬‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ب وَل َهُ ْ‬ ‫ض ٌ‬ ‫م غَ َ‬ ‫وَعَل َي ْهِ ْ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬‫ن َل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ب َِها ال ّ ِ‬ ‫ج ُ‬‫ست َعْ ِ‬‫ب )‪ (17‬ي َ ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ة قَ ِ‬ ‫ساعَ َ‬‫ل ال ّ‬ ‫ك ل َعَ ّ‬‫ما ي ُد ِْري َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫ماُرو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫حقّ أَل إ ِ ّ‬ ‫ن أن َّها ال ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫من َْها وَي َعْل َ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫قو َ‬ ‫م ْ‬
‫شفِ ُ‬ ‫مُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب َِها َوال ّ ِ‬
‫ل ب َِعيد ٍ )‪(18‬‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ساعَةِ ل َ ِ‬ ‫ال ّ‬

‫م‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ض ٌ‬‫ح َ‬ ‫م َدا ِ‬ ‫جت ُهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جي َ‬ ‫ست ُ ِ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِفي الل ّهِ ِ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي أنز َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ديد ٌ )‪ (16‬الل ّ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ب وَل َهُ ْ‬ ‫ض ٌ‬ ‫م غَ َ‬ ‫وَعَل َي ْهِ ْ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ب َِها ال ّ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ب )‪ (17‬ي َ ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ة قَ ِ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ك ل َعَ ّ‬ ‫ما ي ُد ِْري َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫ماُرو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫حقّ أل إ ِ ّ‬ ‫ن أن َّها ال ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫من َْها وَي َعْل َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫قو َ‬ ‫شفِ ُ‬‫م ْ‬ ‫مُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب َِها َوال ّ ِ‬
‫ل ب َِعيد ٍ )‪{ (18‬‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ساعَةِ ل َ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫يقول تعالى ‪ -‬متوعدا الذين يصدون عن سبيل الله من آمن به ‪َ } : -‬وال ّ ِ‬
‫ه { أي ‪ :‬يجادلون المؤمنين‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جي َ‬ ‫ست ُ ِ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِفي الل ّهِ ِ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫يُ َ‬
‫المستجيبين لله ولرسوله ‪ ،‬ليصدوهم عما سلكوه من طريق الهدى ‪،‬‬
‫ب { أي ‪:‬‬ ‫ض ٌ‬ ‫م غَ َ‬ ‫م { أي ‪ :‬باطلة عند الله ‪ } ،‬وَعَل َي ْهِ ْ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ض ٌ‬
‫ح َ‬ ‫م َدا ِ‬ ‫جت ُهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫} ُ‬
‫ديد ٌ { أي ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬
‫منه ‪ } ،‬وَلهُ ْ‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬جادلوا المؤمنين بعد ما استجابوا لله ولرسوله ‪،‬‬
‫ليصدوهم عن الهدى ‪ ،‬وطمعوا أن تعود الجاهلية‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هم اليهود والنصارى ‪ ،‬قالوا لهم ‪ :‬ديننا خير من دينكم ‪ ،‬ونبينا‬
‫قبل نبيكم ‪ ،‬ونحن خير منكم ‪ ،‬وأولى بالله منكم‪ .‬وقد كذبوا في ذلك‪.‬‬
‫حقّ { يعني ‪ :‬الكتب المنزلة من عنده‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َأنز َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫على أنبيائه } والميزان { ‪ ،‬وهو ‪ :‬العدل والنصاف ‪ ،‬قاله مجاهد ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫َ‬ ‫وهذه كقوله تعالى ‪ } :‬ل َ َ َ‬
‫م ال ْك َِتا َ‬
‫ب‬ ‫معَهُ ُ‬ ‫ت وَأنزل َْنا َ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬
‫ماَء َرفَعََها‬ ‫س َ‬ ‫ط { ]الحديد ‪ [25 :‬وقوله ‪َ } :‬وال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِبال ْ ِ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ل ِي َ ُ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سُروا‬ ‫خ ِ‬ ‫ط َول ت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ِبال ْ ِ‬ ‫موا ال ْوَْز َ‬ ‫ن‪ .‬وَأِقي ُ‬ ‫ميَزا ِ‬ ‫وا ِفي ال ْ ِ‬ ‫ن‪ .‬أل ت َط ْغَ ْ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ضعَ ال ْ ِ‬ ‫وَوَ َ‬
‫ن { ]الرحمن ‪.[9 - 7 :‬‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ال ْ ِ‬

‫) ‪(7/196‬‬

‫ث‬
‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫زيُز )‪َ (19‬‬ ‫قوِيّ ال ْعَ ِ‬ ‫شاُء وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ب ِعَِبادِهِ ي َْرُزقُ َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه ِفي‬ ‫ما ل َ ُ‬‫من َْها وَ َ‬ ‫ث الد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬ ‫ن يُ ِ‬‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حْرث ِهِ وَ َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫خَرةِ ن َزِد ْ ل َ ُ‬ ‫اْل َ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن بِ ِ‬‫م ي َأذ َ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عوا ل َهُ ْ‬ ‫شَر ُ‬ ‫كاُء َ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫ب )‪ (20‬أ ْ‬ ‫صي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫اْل َ ِ‬
‫َ‬
‫م )‪ (21‬ت ََرى‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ل لَ ُ‬‫ص ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫م ُ‬‫ه وَل َوَْل ك َل ِ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ذي َ‬
‫ت‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫م َوال ّ ِ َ‬ ‫سُبوا وَهُوَ َواقِعٌ ب ِهِ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫ل ال ْك َِبيُر )‪(22‬‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬‫ن ِ‬ ‫شاُءو َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬‫جّنا ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ِفي َروْ َ‬

‫ب { فيه ترغيب فيها ‪ ،‬وترهيب منها ‪،‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫ة قَ ِ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ك ل َعَ ّ‬


‫ما ي ُد ِْري َ‬‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫وتزهيد في الدنيا‪.‬‬
‫مَتى هَ َ‬
‫ذا‬ ‫ن ب َِها { أي ‪ :‬يقولون ‪َ } :‬‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ج ُ‬
‫ل ب َِها ال ِ‬ ‫ست َعْ ِ‬‫وقوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ن { ]سبأ ‪ ، [29 :‬وإنما يقولون )‪ (1‬ذلك تكذيبا‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫من َْها { أي ‪ :‬خائفون‬
‫ن ِ‬
‫قو َ‬ ‫م ْ‬
‫شفِ ُ‬ ‫مُنوا ُ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫واستبعادا ‪ ،‬وكفرا وعنادا ‪َ } ،‬وال ّ ِ‬
‫وجلون من وقوعها } ويعل َمو َ‬
‫حقّ { أي ‪ :‬كائنة ل محالة ‪ ،‬فهم‬ ‫ن أن َّها ال ْ َ‬ ‫ََْ ُ َ‬
‫مستعدون لها عاملون من أجلها‪.‬‬
‫وقد ُروي من طرق تبلغ درجة التواتر ‪ ،‬في الصحاح والحسان ‪ ،‬والسنن‬
‫والمسانيد ‪ ،‬وفي بعض ألفاظه ؛ أن رجل سأل رسول الله صلى الله عليه‬
‫جهْوَرِيّ ‪ ،‬وهو في بعض أسفاره فناداه فقال ‪ :‬يا محمد‪ .‬فقال‬ ‫وسلم بصوت َ‬
‫له النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من صوته "هاؤم"‪ .‬فقال ‪ :‬متى الساعة ؟‬
‫فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ويحك ‪ ،‬إنها كائنة ‪ ،‬فما أعددت‬
‫حب الله ورسوله‪ .‬فقال ‪" :‬أنت مع من أحببت )‪.(2‬‬ ‫لها ؟" فقال ‪ُ :‬‬
‫فقوله في الحديث ‪" :‬المرء مع من أحب" ‪ ،‬هذا متواتر ل محالة ‪ ،‬والغرض‬
‫أنه لم يجبه عن وقت الساعة ‪ ،‬بل أمره بالستعداد لها‪.‬‬
‫َ‬
‫جون في وجودها‬ ‫ساعَةِ { أي ‪ :‬يحا ّ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫ماُرو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أل إ ِ ّ‬
‫ل ب َِعيد ٍ { أي ‪ :‬في جهل بين ؛ لن الذي خلق‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ويدفعون وقوعها ‪ } ،‬ل َ ِ‬
‫السموات والرض قادر على إحياء الموتى بطريق الولى والحرى ‪ ،‬كما‬
‫ن عَل َي ْهِ { ]الروم ‪.[27 :‬‬ ‫َ‬ ‫ذي ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬
‫م ي ُِعيد ُه ُ وَهُوَ أهْوَ ُ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫قال ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ريد ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫زيُز )‪َ (19‬‬ ‫قوِيّ ال ْعَ ِ‬ ‫شاُء وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ب ِعَِبادِهِ ي َْرُزقُ َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫} الل ّ ُ‬
‫ه ِفي‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ث الد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬ ‫ن يُ ِ‬‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حْرث ِهِ وَ َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫خَرةِ نزد ْ ل َ ُ‬ ‫ث ال ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن بِ ِ‬ ‫م ي َأذ َ ْ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عوا لهُ ْ‬ ‫شَر ُ‬ ‫شَركاُء َ‬ ‫م ُ‬ ‫م لهُ ْ‬ ‫ب )‪ (20‬أ ْ‬ ‫صي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م )‪ (21‬ت ََرى‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫َ‬
‫م عَذا ٌ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫لل ُ‬ ‫ص ِ‬‫ف ْ‬ ‫ة ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ول كل ِ َ‬ ‫ه وَل ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ت‬
‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫سُبوا وَهُوَ َواقِعٌ ب ِهِ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ال ّ‬
‫ل ال ْك َِبيُر )‪{ (22‬‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫شاُءو َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ِفي َروْ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن لطفه بخلقه في رزقه إياهم عن آخرهم ‪ ،‬ل ينسى‬
‫ن َداب ّةٍ ِفي‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫أحدا منهم ‪ ،‬سواء في رزقه البّر والفاجر ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن{‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ست َوْد َعََها ك ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫قّر َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ض ِإل عََلى الل ّهِ رِْزقَُها وَي َعْل َ ُ‬ ‫الْر ِ‬
‫]هود ‪ [6 :‬ولها )‪ (3‬نظائر كثيرة‪.‬‬
‫زيُز‬ ‫ْ‬
‫قوِيّ العَ ِ‬ ‫ْ‬
‫شاُء { أي ‪ :‬يوسع على من يشاء ‪ } ،‬وَهُوَ ال َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َْرُزقُ َ‬
‫{ أي ‪ :‬ل يعجزه شيء‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (6167‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪ (2639‬من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ولهذا"‪.‬‬

‫) ‪(7/197‬‬

‫ه ِفي‬ ‫خَرةِ { أي ‪ :‬عمل الخرة } نزد ْ ل َ ُ‬ ‫ث ال ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ثم قال ‪َ } :‬‬
‫حْرث ِهِ { أي ‪ :‬نقويه ونعينه على ما هو بصدده ‪ ،‬ونكثر نماءه ‪ ،‬ونجزيه بالحسنة‬ ‫َ‬
‫ث‬‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬ ‫ن ي ُِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م‬
‫َ َ ْ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫الله‬ ‫يشاء‬ ‫ما‬ ‫إلى‬ ‫‪،‬‬ ‫ضعف‬ ‫سبعمائة‬ ‫إلى‬ ‫أمثالها‬ ‫عشر‬
‫ب { أي ‪ :‬ومن كان إنما سعيه‬ ‫صي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬‫م ْ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ه ِفي ال ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬‫من َْها وَ َ‬‫الد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ‬
‫مة )‪ (1‬البتة بالكلية ‪،‬‬ ‫ليحصل له شيء من الدنيا ‪ ،‬وليس له إلى الخرة ه ّ‬
‫حَرمه الله الخرة والدنيا إن شاء أعطاه منها ‪ ،‬وإن لم يشأ لم يحصل )‪ (2‬له‬ ‫َ‬
‫ل هذه ول هذه ‪ ،‬وفاز هذا الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫والدليل على هذا أن هذه الية هاهنا مقيدة بالية التي في "سبحان" وهي‬
‫م‬‫ريد ُ ث ُ ّ‬‫ن نُ ِ‬ ‫م ْ‬‫شاُء ل ِ َ‬ ‫ما ن َ َ‬‫ه ِفيَها َ‬‫جل َْنا ل َ ُ‬‫ة عَ ّ‬‫جل َ َ‬ ‫ريد ُ ال َْعا ِ‬‫ن يُ ِ‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سعْي ََها وَهُوَ‬ ‫سَعى لَها َ‬ ‫خَرةَ وَ َ‬ ‫ن أَراد َ ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حوًرا وَ َ‬ ‫مد ْ ُ‬
‫ما َ‬ ‫مو ً‬ ‫ْ‬
‫مذ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫صل َ‬ ‫م يَ ْ‬‫جهَن ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫جعَل َْنا ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ك وَ َ‬ ‫طاِء َرب ّ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ؤلِء ِ‬ ‫ؤلِء وَهَ ُ‬ ‫مد ّ ه َ ُ‬‫كل ن ُ ِ‬ ‫كوًرا ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سعْي ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن فَُأول َئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫خَرةُ أكب َُر‬ ‫ض وَلل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ضلَنا ب َعْ َ‬ ‫فف ّ‬ ‫حظوًرا ان ْظْر كي ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عَطاُء َرب ّك َ‬
‫َ‬
‫كا َ‬
‫ضيل { ]السراء ‪.[21 - 18 :‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ْ‬
‫ت وَأكب َُر ت َ ْ‬ ‫جا ٍ‬ ‫د ََر َ‬
‫مغيرة ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي بن كعب ]رضي الله‬ ‫ُ‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫الثوري‬ ‫وقال‬
‫عنه[ )‪ (3‬قال ‪ :‬قال ‪ :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬بشر هذه المة‬
‫سَناء والرفعة ‪ ،‬والنصر والتمكين في الرض ‪ ،‬فمن عمل منهم عمل‬ ‫بال ّ‬
‫الخرة للدنيا ‪ ،‬لم يكن له في الخرة من نصيب" )‪.(4‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه { أي ‪ :‬هم‬ ‫ن ب ِهِ الل ُ‬ ‫م ي َأذ َ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عوا ل َهُ ْ‬ ‫شَر ُ‬ ‫كاُء َ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫ل يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم ‪ ،‬بل يتبعون ما شرع لهم‬
‫شياطينهم من الجن والنس ‪ ،‬من تحريم ما حرموا عليهم ‪ ،‬من البحيرة‬
‫والسائبة والوصيلة والحام ‪ ،‬وتحليل الميتة والدم والقمار ‪ ،‬إلى نحو ذلك من‬
‫الضللت والجهالة )‪ (5‬الباطلة ‪ ،‬التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم ‪ ،‬من‬
‫التحليل والتحريم ‪ ،‬والعبادات الباطلة ‪ ،‬والقوال الفاسدة‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬رأيت‬
‫صَبه في النار" )‪ (6‬لنه أول من سيب‬ ‫جر قُ ْ‬ ‫مَعة ي َ ُ‬ ‫ي بن قَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫عمرو بن ل ُ َ‬
‫السوائب‪ .‬وكان هذا الرجل أحد ملوك خزاعة ‪ ،‬وهو أول من فعل هذه الشياء‬
‫مل قريشا على عبادة الصنام ‪ ،‬لعنه الله وقبحه ؛ ولهذا قال‬ ‫ح َ‬ ‫‪ ،‬وهو الذي َ‬
‫م { أي ‪ :‬لعوجلوا بالعقوبة ‪ ،‬لول ما‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ول ك َل ِ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫تقدم من النظار إلى يوم المعاد ‪ } ،‬وَإ ِ ّ‬
‫شديد موجع )‪ (7‬في جهنم وبئس المصير‪.‬‬
‫سُبوا { أي ‪ :‬في عرصات‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬‫قي َ‬ ‫ف ِ‬‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ثم قال تعالى ‪ } :‬ت ََرى ال ّ‬
‫م { أي ‪ :‬الذي يخافون منه واقع بهم ل محالة ‪ ،‬هذا‬ ‫القيامة ‪ } ،‬وَهُوَ َواقِعٌ ب ِهِ ْ‬
‫ملوا‬‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫حالهم يوم معادهم ‪ ،‬وهم في هذا الخوف والوجل ‪َ } ،‬وال ِ‬
‫م { فأين هذا من‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫شاُءو َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ت ِفي َروْ َ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫هذا ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يجعل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه البغوي في شرح السنة )‪ (14/335‬من طريق الثوري به‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الجهالت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬انظر تخريج هذا الحديث عند تفسير الية ‪ 103 :‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وجيع"‪.‬‬

‫) ‪(7/198‬‬

‫صات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه ‪،‬‬ ‫أين من هو في العََر َ‬
‫ممن هو في روضات الجنات ‪ ،‬فيما يشاء من مآكل ومشارب وملبس‬
‫ومساكن ومناظر ومناكح وملذ ‪ ،‬فيما ل عين رأت ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر‬
‫على قلب بشر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬الحسن بن عرفة ‪ :‬حدثنا عمر بن عبد الرحمن البار ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫شْرب من أهل الجنة لتظلهم‬‫سعد النصاري )‪ (1‬عن أبي ط َي َْبة ‪ ،‬قال ‪ :‬إن ال ّ‬
‫كم‪ .‬قال ‪ :‬فما يدعو داع من )‪ (2‬القوم بشيء إل‬ ‫مط ُِر ُ‬
‫السحابة فتقول ‪ :‬ما أ ْ‬
‫أمطرتهم ‪ ،‬حتى إن القائل منهم ليقول ‪ :‬أمطرينا كواعب أترابا‪.‬‬
‫رواه ابن جرير ‪ ،‬عن الحسن بن عرفة ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ل ال ْك َِبيُر { أي ‪ :‬الفوز العظيم ‪ ،‬والنعمة‬
‫ض ُ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫التامة السابغة الشاملة العامة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬روى الحسن بن عرفة بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬

‫) ‪(7/199‬‬

‫ل َل أ َ َ‬ ‫ذي َ‬
‫م عَل َي ْهِ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ت قُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫عَباد َهُ ال ّ ِ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫شُر الل ّ ُ‬ ‫ذي ي ُب َ ّ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫سًنا إ ِ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ِفيَها ُ‬ ‫ة ن َزِد ْ ل َ ُ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ف َ‬ ‫قت َرِ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قْرَبى وَ َ‬ ‫موَد ّة َ ِفي ال ْ ُ‬ ‫جًرا إ ِّل ال ْ َ‬ ‫أ ْ‬
‫م عََلى‬ ‫َ‬
‫خت ِ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫شأ ِ الل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َذًِبا فَإ ِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫كوٌر )‪ (23‬أ ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫فوٌر َ‬ ‫غَ ُ‬
‫دورِ )‪(24‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫مات ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫حقّ ب ِك َل ِ َ‬ ‫حقّ ال ْ َ‬ ‫ل وَي ُ ِ‬ ‫ه ال َْباط ِ َ‬ ‫ح الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ك وَي َ ْ‬ ‫قَل ْب ِ َ‬
‫ل ل أَ َ‬
‫م‬‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ت قُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَباد َهُ ال ّ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫شُر الل ّ ُ‬ ‫ذي ي ُب َ ّ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫} ذ َل ِ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫سًنا إ ِ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ِفيَها ُ‬ ‫ة نزد ْ ل ُ‬ ‫سن َ ً‬‫ح َ‬‫ف َ‬ ‫قت َرِ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قْرَبى وَ َ‬ ‫موَد ّة َ ِفي ال ُ‬ ‫جًرا ِإل ال َ‬ ‫عَل َي ْهِ أ ْ‬
‫م عََلى‬ ‫َ‬
‫خت ِ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫شأ ِ الل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َذًِبا فَإ ِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫كوٌر )‪ (23‬أ ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫فوٌر َ‬ ‫غَ ُ‬
‫دورِ )‪{ (24‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫مات ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫حقّ ب ِكل ِ َ‬ ‫ْ‬
‫حقّ ال َ‬ ‫ل وَي ُ ِ‬ ‫ه الَباط ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ح الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫قَل ْب ِك وَي َ ْ‬
‫َ‬
‫يقول تعالى لما ذكر روضات الجنة ‪ ،‬لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ‪} :‬‬
‫ت { أي ‪ :‬هذا حاصل‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَباد َهُ ال ّ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫شُر الل ّ ُ‬ ‫ذي ي ُب َ ّ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫لهم كائن ل محالة ‪ ،‬ببشارة الله لهم به‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل ل أَ َ‬
‫قْرَبى { أي ‪ :‬قل يا محمد‬ ‫موَد ّة َ ِفي ال ُ‬ ‫جًرا ِإل ال َ‬ ‫م عَل َي ْهِ أ ْ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫لهؤلء المشركين من كفار قريش ‪ :‬ل أسألكم على هذا البلغ والنصح لكم ما‬
‫ل تعطونيه ‪ ،‬وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالت )‬
‫‪ (1‬ربي ‪ ،‬إن لم تنصروني فل تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪،‬‬
‫عن عبد الملك بن ميسرة قال ‪ :‬سمعت طاوسا )‪ (2‬عن ابن عباس ‪ :‬أنه‬
‫قْرَبى { فقال سعيد بن جبير ‪:‬‬ ‫موَد ّة َ ِفي ال ْ ُ‬ ‫سئل عن قوله تعالى ‪ِ } :‬إل ال ْ َ‬
‫ت إن النبي صلى الله عليه وسلم لم‬ ‫جل ْ َ‬ ‫قربى آل محمد‪ .‬فقال ابن عباس ‪ :‬عَ ِ‬
‫يكن بطن من قريش إل كان له فيهم قرابة ‪ ،‬فقال ‪ :‬إل أن تصلوا ما بيني‬
‫وبينكم من القرابة‪ .‬انفرد به البخاري )‪.(3‬‬
‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬عن يحيى القطان ‪ ،‬عن شعبة به‪ .‬وهكذا روى عامر‬
‫مْهران‬ ‫وفي ‪ ،‬ويوسف بن ِ‬ ‫الشعبي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعلي بن أبي طلحة ‪ ،‬والعَ ْ‬
‫وغير واحد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬مثله‪ .‬وبه قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫والسدي ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني )‪ (4‬حدثنا هاشم بن يزيد الطبراني‬
‫وجعفر القلنسي قال حدثنا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬رسالة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬روى البخاري بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (4818‬والمسند )‪.(1/229‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى الطبراني"‪.‬‬
‫) ‪(7/199‬‬

‫صيف ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن‬ ‫خ َ‬ ‫آدم بن أبي أياس ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن ُ‬
‫عباس قال ‪ :‬قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل أسألكم عليه‬
‫أجرا إل أن ت َوَّدوني في نفسي لقرابتي منكم ‪ ،‬وتحفظوا القرابة التي بيني‬
‫وبينكم" )‪.(1‬‬
‫ويد ‪-‬‬‫س َ‬
‫عة يعني ابن ُ‬ ‫َ‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬عن حسن بن موسى ‪ :‬حدثنا قَز َ‬
‫َ‬
‫وابن أبي حاتم ‪ -‬عن أبيه ‪ ،‬عن مسلم بن إبراهيم ‪ ،‬عن قَزعة بن سويد ‪ -‬عن‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ابن أبي ن َ ِ‬
‫وادوا الله ‪،‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫إل‬ ‫‪،‬‬ ‫أجرا‬ ‫والهدى‬ ‫البينات‬ ‫من‬ ‫آتيتكم‬ ‫ما‬ ‫على‬ ‫أسألكم‬ ‫قال ‪" :‬ل‬
‫وأن تقربوا إليه بطاعته" )‪.(2‬‬
‫وهكذا روى قتادة عن الحسن البصري ‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫قْرَبى { أي ‪ :‬إل‬ ‫ْ‬
‫موَد ّة َ ِفي ال ُ‬ ‫ْ‬
‫وهذا كأنه تفسير بقول ثان ‪ ،‬كأنه يقول ‪ِ } :‬إل ال َ‬
‫أن تعملوا بالطاعة التي تقربكم عند الله زلفى‪.‬‬
‫وقول ثالث ‪ :‬وهو ما حكاه البخاري وغيره ‪ ،‬رواية عن سعيد بن جبير ‪ ،‬ما‬
‫معناه أنه قال ‪ :‬معنى ذلك أن تودوني في قرابتي ‪ ،‬أي ‪ :‬تحسنوا إليهم‬
‫وتبروهم‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ ،‬عن أبي الديلم قال ‪ :‬لما جيء بعلي بن الحسين أسيرا ‪،‬‬
‫فأقيم على درج دمشق ‪ ،‬قام رجل من أهل الشام فقال ‪ :‬الحمد لله الذي‬
‫قتلكم واستأصلكم ‪ ،‬وقطع قرني الفتنة‪ .‬فقال له علي بن الحسين ‪ :‬أقرأت‬
‫القرآن ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬أقرأت آل حم ؟ قال ‪ :‬قرأت القرآن ‪ ،‬ولم أقرأ‬
‫َ‬ ‫ل ل أَ َ‬
‫جًرا ِإل ال ْ َ‬
‫موَد ّة َ ِفي‬ ‫م عَل َي ْهِ أ ْ‬
‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫آل حم‪ .‬قال ‪ :‬ما قرأت ‪ } :‬قُ ْ‬
‫قْرَبى { ؟ قال ‪ :‬وإنكم أنتم )‪ (3‬هم ؟ قال ‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ي ‪ :‬سألت عمرو بن شعيب عن قوله تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل‬ ‫سِبيع ّ‬ ‫وقال ‪ :‬أبو إسحاق ال ّ‬
‫موَد ّة َ ِفي ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل أَ َ‬
‫قْرَبى { فقال ‪ :‬قربى النبي صلى الله‬ ‫جًرا ِإل ال ْ َ‬ ‫م عَل َي ْهِ أ ْ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬‫ْ‬
‫عليه وسلم‪ .‬رواهما ابن جرير )‪.(4‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو ك َُرْيب ‪ ،‬حدثنا مالك بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫السلم ‪ ،‬حدثني يزيد بن أبي زياد ‪ ،‬عن مقسم ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قالت‬
‫النصار ‪ :‬فعلنا وفعلنا ‪ ،‬وكأنهم فخروا فقال ابن عباس ‪ -‬أو ‪ :‬العباس ‪ ،‬شك‬
‫عبد السلم ‪ : -‬لنا الفضل عليكم‪ .‬فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فأتاهم في مجالسهم فقال ‪" :‬يا معشر النصار ‪ ،‬ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله‬
‫بي ؟" قالوا ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا رسول الله‪ .‬قال ‪ :‬ألم تكونوا ضلل فهداكم الله بي ؟"‬
‫قالوا ‪ :‬بلى يا رسول الله قال ‪" :‬أفل تجيبوني ؟" قالوا ‪ :‬ما نقول يا رسول‬
‫الله ؟ قال ‪" :‬أل تقولون ‪ :‬ألم يخرجك قومك فآويناك ؟ أو لم يكذبوك‬
‫فصدقناك ؟ أو لم يخذلوك فنصرناك" ؟ قال ‪ :‬فما زال يقول حتى جثوا على‬
‫لل‬ ‫الركب ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله‪ .‬قال ‪ :‬فنزلت ‪ } :‬قُ ْ‬
‫موَد ّة َ ِفي ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫أَ َ‬
‫قْرَبى { )‪.(5‬‬ ‫جًرا ِإل ال ْ َ‬‫م عَل َي ْهِ أ ْ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬‫ْ‬
‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن علي بن الحسين ‪ ،‬عن عبد المؤمن بن علي ‪،‬‬
‫عن عبد السلم ‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المعجم الكبير )‪.(11/435‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(1/268‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لنتم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(25/17‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(25/16‬‬

‫) ‪(7/200‬‬

‫يزيد بن أبي زياد ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬بإسناده مثله ‪ ،‬أو قريبا منه‪.‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ -‬في قسم غنائم حنين ‪ -‬قريب من هذا السياق ‪ ،‬ولكن ليس‬
‫فيه ذكر نزول هذه الية‪ .‬وذك ُْر نزولها في المدينة فيه نظر ؛ لن السورة‬
‫مكية ‪ ،‬وليس يظهر بين هذه الية الكريمة وبين السياق مناسبة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا رجل سماه ‪ ،‬حدثنا‬
‫حسين الشقر ‪ ،‬عن قيس ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن سعيد بن جبير )‪ (1‬عن ابن‬
‫َ‬ ‫ل ل أَ َ‬
‫جًرا ِإل ال ْ َ‬
‫موَد ّة َ ِفي‬ ‫م عَل َي ْهِ أ ْ‬
‫سأل ُك ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫عباس قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ } :‬قُ ْ‬
‫قْرَبى { قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬من هؤلء الذين أمر الله بمودتهم ؟ قال ‪:‬‬ ‫ال ْ ُ‬
‫"فاطمة وولدها ‪ ،‬عليهم السلم" )‪.(2‬‬
‫خّرق )‪، (4‬‬ ‫مت َ َ‬
‫وهذا إسناد )‪ (3‬ضعيف ‪ ،‬فيه مبهم ل يعرف ‪ ،‬عن شيخ شيعي ُ‬
‫وهو حسين الشقر ‪ ،‬ول يقبل خبره في هذا المحل‪ .‬وذكر نزول هذه الية في‬
‫المدينة بعيد ؛ فإنها مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أولد بالكلية ‪ ،‬فإنها لم‬
‫تتزوج بعلي إل بعد بدر من )‪ (5‬السنة الثانية من الهجرة‪.‬‬
‫حبُر المة ‪ ،‬وترجمان القرآن ‪ ،‬عبد‬ ‫والحق تفسير الية بما فسرها به المام َ‬
‫الله بن عباس ‪ ،‬كما رواه عنه البخاري ]رحمه الله[ )‪ (6‬ول تنكر الوصاة )‪(7‬‬
‫بأهل البيت ‪ ،‬والمر بالحسان إليهم ‪ ،‬واحترامهم وإكرامهم ‪ ،‬فإنهم من ذرية‬
‫طاهرة ‪ ،‬من أشرف بيت وجد على وجه الرض ‪ ،‬فخًرا وحسًبا ونسًبا ‪ ،‬ول‬
‫سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية ‪ ،‬كما كان عليه‬
‫سلفهم ‪ ،‬كالعباس وبنيه ‪ ،‬وعلي وأهل بيته وذريته ‪ ،‬رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫و ]قد ثبت[ )‪ (8‬في الصحيح ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في‬
‫م ‪" :‬إني تارك فيكم الثقلين ‪ :‬كتاب الله وعترتي ‪ ،‬وإنهما لم‬ ‫خ ّ‬
‫دير ُ‬
‫خطبته بغَ ِ‬
‫يفترقا حتى يردا علي الحوض" )‪.(9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ‪،‬‬
‫عن يزيد بن أبي زياد ‪ ،‬عن عبد الله بن الحارث )‪ ، (10‬عن العباس بن عبد‬
‫المطلب قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن قريشا إذا لقي بعضهم بعضا لقوهم‬
‫ببشر حسن ‪ ،‬وإذا لقونا لقونا بوجوه ل نعرفها ؟ قال ‪ :‬فغضب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم غضبا شديدا ‪ ،‬وقال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يدخل قلب‬
‫الرجل اليمان حتى يحبكم لله ولرسوله" )‪.(11‬‬
‫ثم قال أحمد )‪ (12‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن يزيد بن أبي زياد ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫الحارث ‪ ،‬عن عبد المطلب بن ربيعة قال ‪ :‬دخل العباس على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬إنا لنخرج فنرى قريشا ُتحدث ‪ ،‬فإذا رأونا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (11/444‬من طريق حرب الطحان‬
‫عن حسين الشقر به‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬السناد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬مخترق"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬ول ينكر الوصاية"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح مسلم برقم )‪ (2408‬بنحوه من حديث زيد بن الرقم‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪.(1/207‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬ثم روى المام أحمد"‪.‬‬

‫) ‪(7/201‬‬

‫عْرقُ بين عينه )‪ ، (1‬ثم‬ ‫سكتوا‪ .‬فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ود َّر ِ‬
‫قال ‪" :‬والله ل يدخل قلب امرئ )‪ (2‬إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي" )‪.(3‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ‪ ،‬حدثنا خالد ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪،‬‬
‫دث )‪ (4‬عن ابن عمر ‪ ،‬عن أبي بكر الصديق ‪،‬‬ ‫ت أبي يح ّ‬
‫عن واقد قال ‪ :‬سمع ُ‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته )‪.(5‬‬
‫وفي الصحيح ‪ :‬أن الصديق قال لعلي ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ :‬والله لقرابة رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي )‪.(7) (6‬‬
‫وقال عمر بن الخطاب للعباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ :‬والله لسلمك يوم‬
‫ي من إسلم الخطاب لو أسلم ؛ لن إسلمك كان أحب‬ ‫أسلمت كان أحب إل ّ‬
‫إلى رسول الله من إسلم الخطاب‪.‬‬
‫فحال الشيخين ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬هو الواجب على كل أحد أن يكون‬
‫كذلك ؛ ولهذا كانا أفضل المؤمنين بعد النبيين والمرسلين ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪،‬‬
‫وعن سائر الصحابة أجمعين‪.‬‬
‫حّيان‬‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫سرة ‪ ،‬وعمر‬ ‫مي ْ َ‬
‫سْين بن َ‬
‫ح َ‬ ‫التيمي ‪ ،‬حدثني يزيد ابن حيان قال ‪ :‬انطلقت أنا و ُ‬
‫)‪ (8‬بن مسلم إلى زيد )‪ (9‬بن أرقم ‪ ،‬فلما جلسنا إليه قال له حصين ‪ :‬لقد‬
‫ت يا زيد )‪ (10‬خيرا كثيرا ‪ ،‬رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫لقي َ‬
‫وسمعت حديثه وغزوت معه ‪ ،‬وصليت معه‪ .‬لقد رأيت يا زيد خيرا كثيرا‪ .‬حدثنا‬
‫يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقال ‪ :‬يا ابن أخي ‪،‬‬
‫والله ك َُبرت )‪ (11‬سني ‪ ،‬وقدم عهدي ‪ ،‬ونسيت بعض الذي كنت أعي من‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فما حدثتكم فاقبلوه ‪ ،‬وما ل فل ت ُك َّلفونيه‪.‬‬
‫ما خطيًبا فينا ‪ ،‬بماء يدعى‬ ‫ثم قال ‪ :‬قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يو ً‬
‫ما ‪ -‬بين مكة والمدينة ‪ -‬فحمد الله وأثنى عليه ‪ ،‬وذكر ووعظ ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬ ‫خ ّ‬
‫ُ‬
‫"أما بعد ‪ ،‬أل أيها الناس ‪ ،‬إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ‪،‬‬
‫وإني تارك فيكم الثقلين ‪ ،‬أولهما ‪ :‬كتاب الله ‪ ،‬فيه الهدى والنور ‪ ،‬فخذوا‬
‫بكتاب الله واستمسكوا به" فحث على كتاب الله ورغب فيه ‪ ،‬وقال ‪" :‬وأهل‬
‫بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي" فقال له حصين ‪:‬‬
‫ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال ‪ :‬إن نساءه من أهل‬
‫حرم الصدقة بعده قال ‪ :‬ومن هم ؟ قال ‪ :‬هم آل‬ ‫بيته ‪ ،‬ولكن أهل بيته من ُ‬
‫علي ‪ ،‬وآل عقيل ‪ ،‬وآل جعفر ‪ ،‬وآل العباس ‪ ،‬قال ‪ :‬أكل هؤلء حرم‬
‫الصدقة ؟ قال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫حّيان‬‫وهكذا رواه مسلم ]في فضائل[ )‪ (12‬والنسائي من طرق عن يزيد بن َ‬
‫به )‪.(13‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عينيه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬امرئ مسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(1/207‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى البخاري بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(3713‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬أحب إلي من أن أصل قرابتي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪.(3712‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وعمرو"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والله لقد كبرت"‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (13‬المسند )‪ (4/366‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2408‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم )‪.(8175‬‬

‫) ‪(7/202‬‬

‫وقال أبو عيسى الترمذي )‪ (1‬حدثنا علي بن المنذر الكوفي ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫فضيل ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن عطية ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ -‬والعمش ‪ ،‬عن حبيب‬
‫بن أبي ثابت ‪ ،‬عن زيد بن أرقم ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ‪ ،‬أحدهما أعظم من‬
‫الخر ‪ :‬كتاب الله حبل ممدود من )‪ (2‬السماء إلى الرض ‪ ،‬والخر عترتي ‪:‬‬
‫فّرقا حتى يردا علي الحوض ‪ ،‬فانظروا كيف تخلفوني‬ ‫أهل بيتي ‪ ،‬ولن ي َت َ َ‬
‫فيهما"‬
‫تفرد بروايته الترمذي )‪ (3‬ثم قال ‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫وقال الترمذي أيضا )‪ (4‬حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي ‪ ،‬حدثنا زيد بن‬
‫الحسن ‪ ،‬عن جعفر بن محمد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جابر بن عبد الله )‪ (5‬قال ‪:‬‬
‫رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة ‪ ،‬وهو على ناقته‬
‫القصواء يخطب ‪ ،‬فسمعته يقول ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إني تركت فيكم ما إن‬
‫أخذتم به لن تضلوا ‪ :‬كتاب الله ‪ ،‬وعترتي ‪ :‬أهل بيتي"‬
‫تفرد به الترمذي أيضا )‪ ، (6‬وقال ‪ :‬حسن غريب‪ .‬وفي الباب عن أبي ذر ‪،‬‬
‫وأبي سعيد ‪ ،‬وزيد بن أرقم ‪ ،‬وحذيفة بن أسيد‪.‬‬
‫مِعين ‪،‬‬‫ثم قال الترمذي ‪ :‬حدثنا أبو داود سليمان بن الشعث ‪ ،‬حدثنا يحيى بن َ‬
‫حدثنا هشام بن يوسف ‪ ،‬عن عبد الله بن سليمان النوفلي ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫علي بن عبد الله بن عباس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده عبد الله بن عباس )‪(7‬‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أحبوا الله لما يغذوكم )‪ (8‬من‬
‫نعمه ‪ ،‬وأحبوني )‪ (9‬بحب الله ‪ ،‬وأحبوا أهل بيتي بحبي"‬
‫ثم قال )‪ (10‬حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه )‪.(11‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ب عَن ْك ُ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُذ ْهِ َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬
‫خر عند قوله تعالى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬ ‫وقد أوردنا أحاديث أ ُ َ‬
‫م ت َط ِْهيًرا { ] الحزاب ‪ ، (12) [33 :‬بما أغنى عن‬ ‫ت وَي ُط َهَّرك ُ ْ‬ ‫س أ َهْ َ‬
‫ل ال ْب َي ْ ِ‬ ‫ج َ‬‫الّر ْ‬
‫إعادتها هاهنا ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫سِعيد ‪ ،‬حدثنا مفضل بن عبد الله ‪،‬‬ ‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا سويد بن َ‬
‫حَنش قال ‪ :‬سمعت أبا ذر وهو آخذ بحلقة الباب‬ ‫عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن َ‬
‫يقول ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬من عرفني فقد عرفني ‪ ،‬ومن أنكرني فأنا أبو ذر ‪،‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إنما مثل أهل بيتي فيكم‬
‫مَثل سفينة نوح ‪،‬‬
‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى الترمذي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬بين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪.(3788‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى الترمذي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬عبد الله رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن الترمذي برقم )‪.(3786‬‬
‫)‪ (7‬قي ت ‪" :‬وروى الترمذي أيضا عن ابن عباس"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬يغدوكم به"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬فأحبوني"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (11‬سنن الترمذي برقم )‪.(3789‬‬
‫)‪ (12‬انظر تفسير الية ‪ 33 :‬من سورة لحزاب‪.‬‬

‫) ‪(7/203‬‬

‫ن )‪(25‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬‫م َ‬ ‫ت وَي َعْل َ ُ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫فو عَ ِ‬‫عَبادِهِ وَي َعْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة عَ ْ‬‫ل الت ّوْب َ َ‬ ‫قب َ ُ‬
‫ذي ي َ ْ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫كافُِرو َ‬‫ضل ِهِ َوال ْ َ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫زيد ُهُ ْ‬ ‫ت وَي َ ِ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ب ال ّ ِ َ‬ ‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ن ي ُن َّز ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب َ‬ ‫عَ َ‬
‫ض وَلك ِ ْ‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ه الّرْزقَ ل ِعَِبادِهِ لب َغَ ْ‬ ‫سط الل ُ‬ ‫ديد ٌ )‪ (26‬وَلوْ ب َ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ذا ٌ‬
‫ما‬‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫ْ‬
‫ل الغَي ْ َ‬ ‫ذي ي ُن َّز ُ‬ ‫ّ‬
‫صيٌر )‪ (27‬وَهُوَ ال ِ‬ ‫خِبيٌر ب َ ِ‬ ‫ه ب ِعَِبادِهِ َ‬ ‫شاُء إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫قد َرٍ َ‬ ‫بِ َ‬
‫ميد ُ )‪(28‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ْ‬
‫ه وَهُوَ الوَل ِ ّ‬ ‫مت َ ُ‬‫ح َ‬‫شُر َر ْ‬ ‫ُ‬
‫قَن َطوا وَي َن ْ ُ‬

‫من دخلها نجا ‪ ،‬ومن تخلف عنها هلك" )‪.(1‬‬


‫هذا بهذا السناد ضعيف‪.‬‬
‫سًنا { أي ‪ :‬ومن يعمل حسنة‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ِفيَها ُ‬ ‫َ‬
‫ة نزد ْ ل ُ‬ ‫سن َ ً‬‫ح َ‬‫ف َ‬ ‫قت َرِ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ل ذ َّر ٍ‬
‫ة‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ل ي َظل ِ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫سًنا { أي ‪ :‬أجرا وثوابا ‪ ،‬كقوله } إ ِ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ِفيَها ُ‬ ‫} نزد ْ ل َ ُ‬
‫ما { ]النساء ‪.[40 :‬‬ ‫فها ويؤْت من ل َدن َ‬ ‫ن تَ ُ‬
‫ظي ً‬ ‫جًرا عَ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ع ْ َ َُ ِ ِ ْ ُْ ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫وقال بعض السلف ‪] :‬إن[ )‪ (2‬من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ‪ ،‬ومن جزاء‬
‫السيئة)السيئة( بعدها‪.‬‬
‫شكوٌر { أي ‪ :‬يغفر الكثير من السيئات ‪ ،‬ويكثر‬ ‫ُ‬ ‫فوٌر َ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫القليل من الحسنات ‪ ،‬فيستر ويغفر ‪ ،‬ويضاعف فيشكر‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م عَلى قلب ِك {‬‫َ‬ ‫خت ِ ْ‬‫ه يَ ْ‬ ‫شأ ِ الل ّ ُ‬‫ن يَ َ‬ ‫ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َذًِبا فَإ ِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫ك{‬ ‫م عََلى قَل ْب ِ َ‬ ‫خت ِ ْ‬‫أي ‪ :‬لو افتريت عليه كذبا كما يزعم هؤلء الجاهلون } ي َ ْ‬
‫أي ‪ :‬ل َط َب َعَ على قلبك وسلبك ما كان آتاك من القرآن ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬وَل َْ‬
‫و‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما ِ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ه ال ْوَِتي َ‬ ‫من ْ ُ‬‫قط َعَْنا ِ‬ ‫م لَ َ‬
‫ن ثُ ّ‬ ‫مي ِ‬ ‫ه ِبال ْي َ ِ‬ ‫خذ َْنا ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫لل َ‬ ‫ض الَقاِوي ِ‬ ‫ل عَل َي َْنا ب َعْ َ‬ ‫قو ّ َ‬‫تَ َ‬
‫ن { ]الحاقة ‪ [47 - 44 :‬أي ‪ :‬لنتقمنا منه أشد النتقام ‪،‬‬ ‫َ‬
‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫حد ٍ عَن ْ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫وما قدر أحد من الناس أن يحجز عنه‪.‬‬
‫ل { ليس معطوفا على قوله ‪ } :‬يختم { فيكون‬ ‫ه ال َْباط ِ َ‬ ‫ح الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫مجزوما ‪ ،‬بل هو مرفوع على البتداء ‪ ،‬قاله ابن جرير ‪ ،‬قال ‪ :‬وحذفت من‬
‫كتابته "الواو" في رسم المصحف المام ‪ ،‬كما حذفت في )‪ (3‬قوله ‪:‬‬
‫ر‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫عاَءه ُ ِبال َ‬ ‫شّر د ُ َ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫سا ُ‬ ‫ة { ]العلق ‪ [18 :‬وقوله ‪ } :‬وَي َد ْعُ الن ْ َ‬ ‫سن َد ْعُ الّزَبان ِي َ َ‬ ‫} َ‬
‫{ ]السراء ‪.[11 :‬‬
‫ق‬ ‫ح‬ ‫ي‬
‫ُ َ ِ َُ ِ ّ‬‫و‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫با‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ح‬ ‫م‬
‫ََ ْ ُ‬‫ي‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫على‬ ‫معطوف‬ ‫{‬ ‫َ‬
‫حق ّ ا َ ّ ِ ِ َ ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫ب‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي ُ ِ‬
‫حقّ { أي ‪ :‬يحققه ويثبته ويبينه ويوضحه بكلماته ‪ ،‬أي ‪ :‬بحججه وبراهينه ‪} ،‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫دورِ { أي ‪ :‬بما تكنه الضمائر ‪ ،‬وتنطوي عليه السرائر‪.‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫ُ‬
‫فعَلو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ت وَي َعْل ُ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫ّ‬
‫فو عَ ِ‬ ‫عَبادِهِ وَي َعْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫ل الت ّوْب َ َ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫} وَهُوَ ال ِ‬
‫م‬‫ن لهُ ْ‬‫َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ْ‬
‫ضل ِهِ َوال َ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫زيد ُهُ ْ‬ ‫ت وَي َ ِ‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ب ال ِ‬ ‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ن ُينز ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ض وَلك ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب َ‬ ‫عَ َ‬
‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ه الّرْزقَ ل ِعَِبادِهِ لب َغَ ْ‬ ‫سط الل ُ‬ ‫ديد ٌ )‪ (26‬وَلوْ ب َ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ذا ٌ‬
‫ما‬‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫ل الغَي ْ َ‬‫ْ‬ ‫ذي ُينز ُ‬ ‫ّ‬
‫صيٌر )‪ (27‬وَهُوَ ال ِ‬ ‫خِبيٌر ب َ ِ‬ ‫ه ب ِعَِبادِهِ َ‬ ‫شاُء إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫قد َرٍ َ‬ ‫بِ َ‬
‫ميد ُ )‪{ (28‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ْ‬
‫ه وَهُوَ الوَل ِ ّ‬ ‫مت َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫شُر َر ْ‬ ‫قَن َطوا وَي َن ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫يقول تعالى ممتنا على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا إليه ‪ :‬أنه من‬
‫سوًءا أ َْو‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كرمه وحلمه أنه يعفو ويصفح ويستر ويغفر ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ما { ]النساء ‪ [110 :‬وقد‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫جدِ الل ّ َ‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫فرِ الل ّ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ي َظ ْل ِ ْ‬
‫ثبت في صحيح مسلم ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه الحاكم في المستدرك وصححه )‪ (3/150‬من طريق مفضل بن‬
‫صالح عن أبي إسحاق به ‪ ،‬وتعقبه الذهبي بقوله ‪" :‬فيه مفضل ابن صالح واه"‬
‫‪ ،‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (3/37‬من طريق عبد الله بن داهر‬
‫عن عبد الله بن عبد القدوس عن العمش عن أبي إسحاق به ‪ ،‬وفي إسناده‬
‫عبد الله بن داهر الرازي متروك‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬

‫) ‪(7/204‬‬

‫حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب قال )‪ (1‬حدثنا عمر بن يونس ‪ ،‬حدثنا‬
‫عكرمة بن عمار ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن أبي طلحة ‪ ،‬حدثني أنس بن مالك ‪ -‬وهو‬
‫عمه )‪ - (2‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لله أشد فرحا‬
‫بتوبة عبده حين يتوب إليه ‪ ،‬من أحدكم كان راحلته بأرض فلة فانفلتت منه ‪،‬‬
‫وعليها طعامه وشرابه ‪ ،‬فأيس منها ‪ ،‬فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ‪ ،‬قد‬
‫أيس من راحلته ‪ ،‬فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ‪ ،‬فأخذ بخطامها ثم‬
‫قال من شدة الفرح ‪ :‬اللهم أنت عبدي وأنا ربك ‪ -‬أخطأ من شدة الفرح" )‬
‫‪.(3‬‬
‫وقد ثبت أيضا في الصحيح من رواية عبد الله بن مسعود نحوه )‪.(5) (4‬‬
‫قب َ ُ‬
‫ل‬ ‫ذي ي َ ْ‬‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن الزهري في قوله ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫عَبادِهِ { ‪ :‬إن أبا هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ن ِ‬
‫ة عَ ْ‬
‫الت ّوْب َ َ‬
‫وسلم ‪" :‬لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته )‪ (6‬في المكان‬
‫الذي يخاف أن يقتله العطش فيه" )‪.(7‬‬
‫وقال همام بن الحارث ‪ :‬سئل ابن مسعود عن الرجل يفجر بالمرأة ثم‬
‫عَبادِهِ { الية‬ ‫ن ِ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫قب َ ُ‬
‫ل الت ّوْب َ َ‬ ‫يتزوجها ؟ قال ‪ :‬ل بأس به ‪ ،‬وقرأ ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ذي ي َ ْ‬
‫رواه ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم من حديث شريك القاضي ‪ ،‬عن إبراهيم بن‬
‫مهاجر ‪ ،‬عن إبراهيم النخعي ‪ ،‬عن همام فذكره )‪.(8‬‬
‫ت { أي ‪ :‬يقبل التوبة في المستقبل ويعفو عن‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫فو عَ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َعْ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬هو عالم بجميع ما فعلتم‬ ‫ُ‬
‫فعَلو َ‬‫ما ت َ ْ‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫السيئات في الماضي ‪ } ،‬وَي َعْل ُ‬
‫وصنعتم وقلتم ‪ ،‬ومع هذا يتوب على من تاب إليه‪.‬‬
‫ت { قال السدي ‪ :‬يعني‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫يستجيب لهم‪ .‬وكذا قال ابن جرير ‪ :‬معناه يستجيب الدعاء لهم )‪(9‬‬
‫]لنفسهم[ )‪ (10‬ولصحابهم وإخوانهم‪ .‬وحكاه عن بعض النحاة ‪ ،‬وأنه جعلها‬
‫م { ]آل عمران ‪.[195 :‬‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ب ل َهُ ْ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫كقوله ‪َ } :‬فا ْ‬
‫ثم روى هو وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث العمش ‪ ،‬عن شقيق بن سلمة ‪ ،‬عن‬
‫سلمة بن سبرة قال ‪ :‬خطبنا معاذ بالشام فقال ‪ :‬أنتم المؤمنون ‪ ،‬وأنتم أهل‬
‫الجنة‪ .‬والله إني أرجو أن يدخل الله من تسبون من فارس والروم الجنة ‪،‬‬
‫دهم عمل ‪ -‬قال ‪ :‬أحسنت رحمك )‬ ‫وذلك بأن أحدكم إذا عمل له ‪ -‬يعني أح ُ‬
‫ُ‬
‫ملوا‬‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ب ال ِ‬
‫جي ُ‬
‫ست َ ِ‬
‫‪ (11‬الله ‪ ،‬أحسنت بارك الله فيك ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫ضل ِهِ {‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫زيد ُهُ ْ‬ ‫ت وَي َ ِ‬
‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬
‫ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬عمه رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(2747‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬مثله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(2744‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬راحلته"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير عبد الرزاق )‪ (2/156‬وقد روى متصل ‪ ،‬فرواه مسلم في صحيحه‬
‫برقم )‪ (2675‬من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام ابن منبه عن أبي‬
‫هريرة به‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(25/18‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬لهم الدعاء"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬يرحمك"‪.‬‬

‫) ‪(7/205‬‬

‫وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه جعل )‪] (1‬مثل[ )‪ (2‬قوله ‪:‬‬
‫ل { ]الزمر ‪[18 :‬‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قو ْ َ‬ ‫مُعو َ‬
‫ست َ ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫مُنوا { كقوله ‪ } :‬ال ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫} وَي َ ْ‬
‫ما‬
‫أي ‪ :‬هم الذين يستجيبون للحق ويتبعونه ‪ ،‬كقوله تبارك وتعالى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ه { ]النعام ‪ [36 :‬والمعنى الول‬ ‫م الل ّ ُ‬‫موَْتى ي َب ْعَث ُهُ ُ‬ ‫ن َوال ْ َ‬
‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬ ‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫ضل ِهِ { أي ‪ :‬يستجيب دعاءهم‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫زيد ُهُ ْ‬‫أظهر ؛ لقوله )‪ (3‬تعالى ‪ } :‬وَي َ ِ‬
‫ويزيدهم فوق ذلك ؛ ولهذا قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن المصفى ‪ ،‬حدثنا بقية ‪ ،‬حدثنا‬
‫إسماعيل بن عبد الله الكندي ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن شقيق عن عبد الله )‪(4‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫زيد ُهُ ْ‬ ‫قال ‪ :‬قال ‪ :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله ‪ } :‬وَي َ ِ‬
‫ضل ِهِ { قال ‪" :‬الشفاعة لمن وجبت له النار ‪ ،‬ممن صنع إليهم معروفا )‪(5‬‬ ‫فَ ْ‬
‫في الدنيا" )‪.(6‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ب ال ِ‬ ‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫وقال قتادة عن إبراهيم النخعي اللخمي في قوله تعالى ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫زيد ُهُ ْ‬ ‫ت { قال ‪ :‬يشفعون في إخوانهم ‪ } ،‬وَي َ ِ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫آ َ‬
‫ضل ِهِ { قال ‪ :‬يشفعون في إخوان إخوانهم‪.‬‬ ‫فَ ْ‬
‫ديد ٌ { لما ذكر المؤمنين وما لهم من‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ْ َ‬
‫الثواب الجزيل ‪ ،‬ذكر الكافرين وما لهم عنده يوم القيامة من العذاب الشديد‬
‫الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم‪.‬‬
‫ض { أي ‪ :‬لو أعطاهم‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ه الّرْزقَ ل ِعَِبادِهِ ل َب َغَ ْ‬ ‫ط الل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َوْ ب َ َ‬
‫فوق حاجتهم من الرزق ‪ ،‬لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على‬
‫بعض ‪ ،‬أشرا وبطرا‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان يقال ‪ :‬خير العيش ما ل يلهيك ول يطغيك‪ .‬وذكر قتادة‬
‫حديث ‪" :‬إنما أخاف عليكم ما يخرج الله من زهرة الحياة الدنيا" وسؤال‬
‫السائل ‪ :‬أيأتي الخير بالشر ؟ الحديث‪.‬‬
‫صيٌر { أي ‪ :‬ولكن‬ ‫خِبيٌر ب َ ِ‬ ‫ه ب ِعَِبادِهِ َ‬ ‫شاُء إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬‫قد َرٍ َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ن ُينز ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َك ِ ْ‬
‫يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلحهم ‪ ،‬وهو أعلم بذلك فيغني من‬
‫يستحق الغنى ‪ ،‬ويفقر من يستحق الفقر‪ .‬كما جاء في الحديث المروي ‪" :‬إن‬
‫من عبادي لمن )‪ (7‬ل يصلحه إل الغنى ‪ ،‬ولو أفقرته لفسدت عليه دينه ‪ ،‬وإن‬
‫من عبادي لمن ل يصلحه إل الفقر ‪ ،‬ولو أغنيته لفسدت عليه دينه"‬
‫طوا { أي ‪ :‬من بعد إياس‬ ‫ما قَن َ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫ل ال ْغَي ْ َ‬‫ذي ُينز ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫الناس من نزول المطر ‪ ،‬ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه ‪ ،‬كقوله‬
‫كانوا من قَب َ‬
‫ن { ]الروم ‪.[49 :‬‬ ‫سي َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ل َ ُ‬
‫مب ْل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ُينز َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ِ ْ ْ ِ‬ ‫ن َ ُ‬
‫‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫طر وتلك‬ ‫ق ْ‬
‫ه { أي ‪ :‬يعم بها الوجود على أهل ذلك ال ُ‬ ‫مت َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫شُر َر ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َن ْ ُ‬
‫الناحية‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬جعله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬كقوله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي حاتم بسنده عن عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬المعروف"‪.‬‬
‫)‪ (6‬ورواه أبي عاصم في السنة برقم )‪ (846‬من طريق محمد بن مصفى‬
‫عن بقية به ‪ ،‬وفي إسيناده إسماعيل الكندي‪ .‬قال الذهبي في الميزان )‬
‫‪" : (1/235‬عن العمش ‪ ،‬وعنه بقية ‪ ،‬بخبر عجيب منكر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬

‫) ‪(7/206‬‬

‫م‬
‫معِهِ ْ‬ ‫ن َداب ّةٍ وَهُوَ عََلى َ‬
‫ج ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬‫ث ِفيهِ َ‬ ‫ما ب َ ّ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ت َواْل َْر‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫خل ْقُ ال ّ‬ ‫ن آ ََيات ِهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫فو عَ ْ‬ ‫م وَي َعْ ُ‬‫ديك ُ ْ‬
‫ت أي ْ ِ‬‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬
‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ديٌر )‪ (29‬وَ َ‬ ‫شاُء قَ ِ‬ ‫إ َِذا ي َ َ‬
‫ي وَلَ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن اللهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ما لك ُ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫معْ ِ‬‫م بِ ُ‬ ‫ك َِثيرٍ )‪ (30‬وَ َ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬
‫صيرٍ )‪(31‬‬ ‫نَ ِ‬

‫قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن رجل قال لعمر بن الخطاب ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ُ ،‬قحط‬
‫و‬
‫المطر وقنط الناس ؟ فقال عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬مطرتم ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬وَهُ َ‬
‫ه { )‪.(1‬‬
‫مت َ ُ‬
‫ح َ‬
‫شُر َر ْ‬ ‫ما قَن َ ُ‬
‫طوا وَي َن ْ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ث ِ‬ ‫ل ال ْغَي ْ َ‬ ‫ذي ُينز ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ميد ُ { أي ‪ :‬هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ْ‬
‫} وَهُوَ الوَل ِ ّ‬
‫وأخراهم ‪ ،‬وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله‪.‬‬
‫م‬
‫معِهِ ْ‬ ‫ج ْ‬‫ن َداب ّةٍ وَهُوَ عََلى َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ث ِفيهِ َ‬ ‫ما ب َ ّ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل ْقُ ال ّ‬ ‫ن آَيات ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫} وَ ِ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ َِذا ي َ َ‬
‫فو عَ ْ‬ ‫م وَي َعْ ُ‬ ‫ديك ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ‬ ‫صيب َةٍ فب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫صاب َك ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ديٌر )‪ (29‬وَ َ‬ ‫شاُء ق ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي َول‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن اللهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ك َِثيرٍ )‪ (30‬وَ َ‬
‫صيرٍ )‪{ (31‬‬ ‫نَ ِ‬
‫ن آَيات ِهِ ‪ { :‬الدالة على عظمته وقدرته العظيمة وسلطانه‬ ‫م ْ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ما { أي ‪ :‬ذرأ فيهما ‪ ،‬أي ‪ :‬في‬ ‫ث ِفيهِ َ‬ ‫ما ب َ ّ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫خل ْقُ ال ّ‬ ‫القاهر } َ‬
‫ن َداب ّةٍ { وهذا يشمل الملئكة والجن والنس وسائر‬ ‫م ْ‬ ‫السموات والرض ‪ِ } ،‬‬
‫الحيوانات ‪ ،‬على اختلف أشكالهم وألوانهم ولغاتهم ‪ ،‬وطباعهم وأجناسهم ‪،‬‬
‫وأنواعهم ‪ ،‬وقد فرقهم في أرجاء أقطار الرض والسموات ‪ } ،‬وهو { مع هذا‬
‫ديٌر { أي ‪ :‬يوم القيامة يجمع الولين والخرين‬ ‫شاُء قَ ِ‬ ‫م إ َِذا ي َ َ‬ ‫معِهِ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫كله } عََلى َ‬
‫وسائر الخلئق في صعيد واحد ‪ ،‬يسمعهم الداعي ‪ ،‬وينفذهم البصر ‪ ،‬فيحكم‬
‫فيهم بحكمه العدل الحق‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬مهما أصابكم‬ ‫ديك ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن‬
‫فو عَ ْ‬ ‫أيها الناس من المصائب فإنما هو )‪ (2‬عن سيئات تقدمت لكم } وَي َعْ ُ‬
‫هّ‬
‫خذ ُ الل ُ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫ك َِثيرٍ { أي ‪ :‬من السيئات ‪ ،‬فل يجازيكم عليها بل يعفو عنها ‪ } ،‬وَل َوْ ي ُ َ‬
‫ن َداب ّةٍ { ] فاطر ‪ [ 45 :‬وفي‬ ‫م ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫ك عََلى ظ َهْرِ َ‬ ‫ما ت ََر َ‬ ‫سُبوا َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫الّنا َ‬
‫الحديث الصحيح ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ما يصيب المؤمن من نصب ول‬
‫حَزن ‪ ،‬إل كفر الله عنه بها من خطاياه ‪ ،‬حتى الشوكة )‪(3‬‬ ‫صب ول هم ول ُ‬ ‫وَ َ‬
‫يشاكها" )‪.(4‬‬
‫علّية ‪ ،‬حدثنا أيوب‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن ُ‬
‫خي ًْرا‬‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة قال ‪ :‬نزلت ‪ } :‬فَ َ‬ ‫قال ‪ :‬قرأت في كتاب أبي ِقلب َ َ‬
‫شّرا ي ََره ُ { ]الزلزلة ‪ [8 ، 7 :‬وأبو بكر يأكل ‪،‬‬ ‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬‫م ْ‬ ‫ي ََره ُ وَ َ‬
‫فأمسك وقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني لراء ما عملت من خير وشر ؟ فقال ‪:‬‬
‫"أرأيت ما رأيت مما تكره ‪ ،‬فهو من مثاقيل ذ َّر الشر ‪ ،‬وتدخر مثاقيل الخير‬
‫حتى تعطاه يوم القيامة" قال ‪ :‬قال أبو إدريس ‪ :‬فإني أرى مصداقها في‬
‫ن ك َِثيرٍ { )‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فو عَ ْ‬ ‫م وَي َعْ ُ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫كتاب الله ‪ } :‬وَ َ‬
‫‪.(5‬‬
‫ة ‪ ،‬عن أنس )‪ ، (6‬قال ‪ :‬والول أصح‪.‬‬ ‫ثم رواه من وجه آخر ‪ ،‬عن أبي ِقلب َ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(25/19‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬هي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بالشوكة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (5642 ، 5641‬وصحيح مسلم برقم )‪(2573‬‬
‫"من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(25/20‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(25/21‬‬

‫) ‪(7/207‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ‪ ،‬حدثنا‬
‫ضر بن‬‫خ ْ‬‫فَزاري ‪ ،‬حدثنا الزهر بن راشد الكاهلي ‪ ،‬عن ال َ‬
‫مروان بن معاوية ال َ‬
‫واس البجلي ‪ ،‬عن أبي سخيلة )‪ (1‬عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه قال ‪ :‬أل‬ ‫ق ّ‬
‫ال َ‬
‫أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل ‪ ،‬وحدثنا به رسول الله صلى الله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫فو عَ ْ‬ ‫م وَي َعْ ُ‬ ‫ديك ُ ْ‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬‫ما أ َ‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ك َِثيرٍ {‪ .‬وسأفسرها لك يا علي ‪" :‬ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلء في‬
‫الدنيا ‪ ،‬فبما كسبت أيديكم )‪ (2‬والله تعالى أحلم من أن ي ُث َّنى عليه العقوبة‬
‫في الخرة ‪ ،‬وما عفا الله عنه في الدنيا فالله )‪ (3‬تعالى أكرم من أن يعود‬
‫بعد عفوه"‬
‫خيلة قال ‪:‬‬ ‫س َ‬‫وكذا رواه المام أحمد ‪ ،‬عن مروان بن معاوية وعَْبدة ‪ ،‬عن أبي ُ‬
‫قال علي‪ ...‬فذكر نحوه مرفوعا )‪.(4‬‬
‫ثم روى ابن أبي حاتم ]نحوه[ )‪ (5‬من وجه آخر موقوفا فقال ‪ :‬حدثنا أبي ‪،‬‬
‫حدثنا منصور بن أبي مزاحم ‪ ،‬حدثنا أبو سعيد بن أبي الوضاح ‪ ،‬عن أبي‬
‫فة قال ‪ :‬دخلت على علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله‬ ‫حي َ‬‫ج َ‬ ‫الحسن ‪ ،‬عن أبي ُ‬
‫عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أل أحدثكم بحديث ينبغي لكل مؤمن أن َيعَيه )‪ (6‬؟ قال ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ديك ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬
‫ما أ َ‬ ‫فسألناه فتل )‪ (7‬هذه الية ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن ك َِثيرٍ { قال ‪ :‬ما عاقب الله به في الدنيا فالله أحلم من أن ي ُث َّني‬ ‫فو عَ ْ‬
‫وَي َعْ ُ‬
‫عليه العقوبة يوم القيامة ‪ ،‬وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم من أن‬
‫يعود في عفوه يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال )‪ (8‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا يعلى بن عبيد ‪ ،‬حدثنا طلحة ‪ -‬يعني ابن يحيى ‪-‬‬
‫عن أبي ب ُْرد َة َ ‪ ،‬عن معاوية ‪ -‬هو ابن أبي سفيان ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬ما من شيء يصيب‬
‫فَر الله عنه به من سيئاته" )‪.(9‬‬ ‫المؤمن في جسده يؤذيه إل ك َ ّ‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا حسين ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن مجاهد )‪، (10‬‬
‫عن عائشة قالت ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا كثرت ذنوب‬
‫ن ليكفرها" )‪.(11‬‬ ‫حَز ِ‬ ‫العبد ‪ ،‬ولم يكن له ما يكفرها ‪ ،‬ابتله الله بال َ‬
‫وقال )‪ (12‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمرو بن عبد الله الودي ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫أسامة ‪ ،‬عن إسماعيل بن مسلم ‪ ،‬عن الحسن ‪ -‬هو البصري ‪ -‬قال في‬
‫ن ك َِثيرٍ { قال ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فو عَ ْ‬ ‫م وَي َعْ ُ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬
‫ما أ َ‬‫قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬والذي نفس محمد بيده ‪،‬‬
‫دش عود ‪ ،‬ول اختلج عرق ‪ ،‬ول عَْثرة قدم ‪ ،‬إل بذنب وما يعفو الله‬ ‫خ ْ‬‫ما من َ‬
‫عنه أكثر" )‪.(13‬‬
‫م ‪ ،‬عن منصور‬ ‫شي ْ‬ ‫وقال )‪ (14‬أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمر بن علي ‪ ،‬حدثنا هُ َ‬
‫‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬أيديكم ويعفو عن كثير"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬والله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(1/85‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬يصيبه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬قبل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪ (4/98‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (3/301‬رجال أحمد رجال‬
‫الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬عن مجاهد ‪ ،‬وروى أيضا"‪.‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪.(6/157‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (13‬ورواه هناد بن السري في الزهد برقم )‪ (431‬من طريق إسماعيل بن‬
‫مسلم به مرسل‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫) ‪(7/208‬‬

‫عمران بن حصين ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬دخل عليه بعض أصحابه وقد كان‬
‫س لك لما نرى فيك‪ .‬قال ‪ :‬فل‬ ‫ابتلي في جسده ‪ ،‬فقال له بعضهم إنا ل َن َب ْت َئ ِ ُ‬
‫تبتئس بما ترى ‪ ،‬فإن ما ترى بذنب ‪ ،‬وما يعفو الله عنه أكثر ‪ ،‬ثم تل هذه الية‬
‫ن ك َِثيرٍ {‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فو عَ ْ‬ ‫م وَي َعْ ُ‬‫ديك ُ ْ‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬
‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬
‫م ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫‪ } :‬وَ َ‬
‫ماني ‪ ،‬حدثنا جرير‬ ‫]قال ‪ (1) [ :‬وحدثنا أبي ‪ :‬حدثنا يحيى بن عبد الحميد الح ّ‬
‫َ‬
‫ما‬‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬
‫ما أ َ‬ ‫عن أبي البلد )‪ (2‬قال ‪ :‬قلت للعلء بن بدر ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫م { ‪ ،‬وقد ذهب بصري وأنا غلم ؟ قال ‪ :‬فبذنوب والديك‪.‬‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫ت أي ْ ِ‬ ‫كَ َ‬
‫سب َ ْ‬
‫وحدثنا أبي ‪ :‬حدثنا علي بن محمد الط َّنافسي ‪ ،‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن عبد العزيز‬
‫بن أبي راود ‪ ،‬عن الضحاك )‪ (3‬قال ‪ :‬ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه )‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ديك ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬‫م ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫‪ (4‬إل بذنب ‪ ،‬ثم قرأ الضحاك ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن ك َِثيرٍ {‪ .‬ثم يقول الضحاك ‪ :‬وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن‪.‬‬ ‫فو عَ ْ‬ ‫وَي َعْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬أبي العل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى أيضا عن الضحاك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬سيبه"‪.‬‬

‫) ‪(7/209‬‬

‫كاْل َعَلم )‪ (32‬إن ي َ ْ‬


‫ن َرَواك ِد َ‬ ‫ح فَي َظ ْل َل ْ َ‬ ‫ن الّري َ‬ ‫سك َ ِ ِ‬‫شأ ي ُ ْ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫حرِ َ ْ ِ‬ ‫وارِ ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن آ ََيات ِهِ ال ْ َ‬‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫سُبوا‬ ‫ما ك َ‬ ‫َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ُ‬ ‫صّبارٍ َ‬ ‫ُ‬
‫ت ل ِك ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ذ َل ِك لَيا ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قهُ ّ‬ ‫شكورٍ )‪ (33‬أوْ ُيوب ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ظهْرِهِ إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ص )‪(35‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما لهُ ْ‬ ‫ن ِفي آَيات َِنا َ‬ ‫جادِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ن ك َِثيرٍ )‪ (34‬وَي َعْل َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫وَي َعْ ُ‬
‫كالعلم )‪ (32‬إن ي َ ْ‬
‫ح فَي َظ ْل َل ْ َ‬
‫ن‬ ‫ن الّري َ‬ ‫ِ‬ ‫سك ِ‬ ‫شأ ي ُ ْ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫حرِ َ ْ‬ ‫وار ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫ج َ‬‫ن آَيات ِهِ ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫} وَ ِ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫ش ُ‬ ‫صّبارٍ َ‬ ‫ت ل ِك ُ ّ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن بِ َ‬ ‫قهُ ّ‬ ‫كورٍ )‪ (33‬أوْ ُيوب ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫َرَواك ِد َ عَلى ظهْرِهِ إ ِ ّ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ما لهُ ْ‬ ‫ن ِفي آَيات َِنا َ‬ ‫ُ‬
‫جادِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫َ‬
‫ن ك َِثيرٍ )‪ (34‬وَي َعْل َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫سُبوا وَي َعْ ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ص )‪{ (35‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ومن آياته الدالة على قدرته وسلطانه ‪ ،‬تسخيره البحر لتجري‬
‫فيه الفلك بأمره ‪ ،‬وهي الجواري في البحر كالعلم ‪ ،‬أي ‪ :‬كالجبال ‪ ،‬قاله‬
‫مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬أي ‪ :‬هي )‪ (1‬في البحر كالجبال‬
‫في البر ‪. ،‬‬
‫ح { أي ‪ :‬التي تسير بالسفن )‪ ، (2‬لو شاء لسكنها حتى‬ ‫} إن ي َ ْ‬
‫ن الّري َ‬ ‫سك ِ ِ‬ ‫شأ ي ُ ْ‬ ‫ِ ْ َ‬
‫ل تتحرك )‪ (3‬السفن ‪ ،‬بل تظل راكدة ل تجيء ول تذهب ‪ ،‬بل واقفة على‬
‫صّبارٍ { أي ‪ :‬في‬ ‫ل َ‬ ‫ت ل ِك ُ ّ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ظهره ‪ ،‬أي ‪ :‬على وجه الماء } إ ِ ّ‬
‫الشدائد } شكور { أي ‪ :‬إن في تسخيره البحر وإجرائه الهوى بقدر ما‬
‫صّبارٍ {‬ ‫ل َ‬ ‫يحتاجون إليه لسيرهم ‪ ،‬لدللت على نعمه تعالى على خلقه } ل ِك ُ ّ‬
‫أي ‪ :‬في الشدائد ‪ } ،‬شكور { في الرخاء‪.‬‬
‫سُبوا { أي ‪ :‬ولو شاء لهلك السفن وغرقها بذنوب‬ ‫ما ك َ َ‬
‫ن بِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ َوْ ُيوب ِ ْ‬
‫قهُ ّ‬
‫ن ك َِثيرٍ { أي ‪ :‬من ذنوبهم‪ .‬ولو‬ ‫ف عَ ْ‬‫أهلها الذين هم راكبون عليها )‪ } (4‬وَي َعْ ُ‬
‫أخذهم بجميع ذنوبهم لهلك كل من ركب البحر )‪.(5‬‬
‫سُبوا { أي ‪ :‬لو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫وقال بعض علماء التفسير ‪ :‬معنى قوله ‪ } :‬أ َوْ ُيوب ِ ْ‬
‫قهُ ّ ِ َ‬
‫ب‬ ‫ن‬
‫شاء لرسل الريح قوية عاتية ‪ ،‬فأخذت السفن وأحالتها )‪ (6‬عن سيرها‬
‫المستقيم ‪ ،‬فصرفتها ذات اليمين أو ذات الشمال ‪ ،‬آبقة ل تسير على‬
‫طريق ‪ ،‬ول إلى جهة مقصد‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬هذه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬تسير بها السفن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬يتحرك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬كل من يركب في البحر" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬كل من يركب البحر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فأجالتها"ن وفي م ‪" :‬فاجتالتها"‪.‬‬

‫) ‪(7/209‬‬

‫مُنوا‬ ‫ذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫قى ل ِل ّ ِ َ‬ ‫خي ٌْر وَأ َب ْ َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫مَتاع ُ ال ْ َ‬
‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬
‫ُ‬
‫ما أوِتيت ُ ْ‬‫فَ َ‬
‫ما‬‫ش وَإ َِذا َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ك ََبائ َِر اْل ِث ْم ِ َوال ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫جت َن ُِبو َ‬‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (36‬وال ّ ِ‬ ‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬ ‫وَعََلى َرب ّهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫مُرهُ ْ‬ ‫صَلة َ وَأ ْ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م وَأَقا ُ‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ست َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (37‬وال ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ي َغْ ِ‬ ‫ضُبوا هُ ْ‬ ‫غَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫ي هُ ْ‬ ‫م الب َغْ ُ‬ ‫ن إ َِذا أ َ‬
‫صاب َهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (38‬وال ِ‬ ‫قو َ‬‫م ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬‫م وَ ِ‬ ‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(39‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي َن ْت َ ِ‬

‫وهذا القول هو يتضمن هلكها ‪ ،‬وهو مناسب للول )‪ ، (1‬وهو أنه تعالى لو‬
‫شاء لسكن الريح فوقفت ‪ ،‬أو لقواه فشردت وأبقت وهلكت‪ .‬ولكن من‬
‫لطفه )‪ (2‬ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة ‪ ،‬كما يرسل المطر بقدر الكفاية‬
‫‪ ،‬ولو أنزله كثيرا جدا لهدم البنيان ‪ ،‬أو قليل لما أنبت الزرع )‪ (3‬والثمار ‪ ،‬حتى‬
‫إنه يرسل إلى مثل بلد مصر سيحا من أرض أخرى غيرها )‪ (4‬؛ لنهم ل‬
‫يحتاجون إلى مطر ‪ ،‬ولو أنزل عليهم لهدم بنيانهم ‪ ،‬وأسقط جدرانهم‪.‬‬
‫ص { أي ‪ :‬ل محيد‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ن ِفي آَيات َِنا َ‬ ‫جادُِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َعْل َ َ‬
‫لهم عن بأسنا ونقمتنا ‪ ،‬فإنهم مقهورون بقدرتنا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫قى ل ِل ِ‬ ‫خي ٌْر وَأب ْ َ‬ ‫عن ْد َ اللهِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ْ‬ ‫} فَ َ‬
‫ما‬‫ش وَإ َِذا َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ْ‬
‫ن كَبائ َِر الث ْم ِ َوال َ‬ ‫َ‬ ‫جت َن ُِبو َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪َ (36‬وال ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م ي َت َوَكلو َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا وَعَلى َرب ّهِ ْ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫مُرهُ ْ‬ ‫صلة َ وَأ ْ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م وَأَقا ُ‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ست َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (37‬وال ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ي َغْ ِ‬ ‫ضُبوا هُ ْ‬ ‫غَ ِ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ي هُ ْ‬ ‫م ال ْب َغْ ُ‬ ‫ن إ َِذا أ َ‬
‫صاب َهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (38‬وال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫م ي ُن ْفِ ُ‬‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪{ (39‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي َن ْت َ ِ‬
‫يقول تعالى محقرا بشأن الحياة الدنيا وزينتها ‪ ،‬وما فيها من الزهرة والنعيم‬
‫ُ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا { أي ‪ :‬مهما‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ْ‬ ‫الفاني ‪ ،‬بقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫حصلتم وجمعتم فل تغتروا به ‪ ،‬فإنما هو متاع الحياة الدنيا ‪ ،‬وهي دار دنيئة‬
‫قى { أي ‪ :‬وثواب الله خير من‬ ‫خي ٌْر وَأ َب ْ َ‬‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫فانية زائلة ل محالة ‪ } ،‬وَ َ‬
‫الدنيا ‪ ،‬وهو باق سرمدي ‪ ،‬فل تقدموا الفاني على الباقي ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫مُنوا { أي ‪ :‬للذين صبروا على ترك الملذ في الدنيا ‪ } ،‬وَعََلى َرب ّهِ ْ‬
‫م‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫} ل ِل ّ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬ليعينهم على الصبر في أداء الواجبات وترك المحرمات‪.‬‬ ‫ي َت َوَك ُّلو َ‬
‫ش { وقد قدمنا الكلم على‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬
‫ف َ‬ ‫ن ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ‬
‫جت َن ُِبو َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ثم قال ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬
‫فُرو َ‬
‫م ي َغْ ِ‬ ‫ما غَ ِ‬
‫ضُبوا هُ ْ‬ ‫الثم والفواحش في "سورة العراف" } وَإ َِذا َ‬
‫سجيتهم ]وخلقهم وطبعهم[ )‪ (5‬تقتضي الصفح والعفو عن الناس ‪ ،‬ليس‬
‫سجيتهم النتقام من الناس‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه‬
‫قط ‪ ،‬إل أن تنتهك حرمات الله )‪ (6‬وفي حديث آخر ‪" :‬كان يقول لحدنا )‪(7‬‬
‫عند المعتبة ‪ :‬ما له ؟ تربت جبينه" )‪.(8‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن‬
‫زائدة ‪ ،‬عن منصور )‪ ، (9‬عن إبراهيم قال ‪ :‬كان المؤمنون يكرهون أن‬
‫يستذلوا ‪ ،‬وكانوا إذا قدروا عفوا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬للقول الول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬لطف الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الزروع"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عليها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (6126‬من حديث عائشة بلفظ ‪" :‬وما‬
‫انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط ‪ ،‬إل أن تنتهك‬
‫حرمة الله ‪ ،‬فينتقم بها الله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬للرجل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (6031‬من حديث أنس بن مالك رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬

‫) ‪(7/210‬‬

‫َ‬ ‫فا وأ َ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫جُرهُ عََلى الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ح فَأ ْ‬ ‫صل َ َ‬
‫ْ‬ ‫ن عَ َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مث ْل َُها فَ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫سي ّئ َةٍ َ‬‫جَزاُء َ‬ ‫وَ َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل )‪ (41‬إ ِن ّ َ‬ ‫سِبي ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما عَلي ْهِ ْ‬ ‫مهِ فأولئ ِك َ‬ ‫صَر ب َعْد َ ظل ِ‬ ‫ن ان ْت َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن )‪ (40‬وَل َ‬ ‫مي َ‬ ‫الظال ِ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حقّ أولئ ِك لهُ ْ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫س وَي َب ُْغو َ‬ ‫ن الّنا َ‬‫مو َ‬ ‫ن ي َظل ِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫سِبيل عَلى ال ِ‬ ‫ال ّ‬
‫مورِ )‪(43‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ن عَْزم ِ ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ذل ِك ل ِ‬ ‫فَر إ ِ ّ‬ ‫صب ََر وَغ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م )‪ (42‬وَل َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬

‫م { أي ‪ :‬اتبعوا رسله وأطاعوا أمره ‪،‬‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫صلة َ { وهي أعظم العبادات لله عز وجل ‪،‬‬ ‫موا ال ّ‬ ‫واجتنبوا زجره ‪ } ،‬وَأَقا ُ‬
‫م { أي ‪ :‬ل يبرمون أمرا حتى يتشاوروا )‪ (1‬فيه ‪،‬‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مُرهُ ْ‬
‫} وَأ ْ‬
‫ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ل عََلى الل ّهِ { ]آل عمران ‪[159 :‬‬
‫ت فَت َوَك ّ ْ‬
‫م َ‬ ‫مرِ فَإ َِذا عََز ْ‬ ‫م ِفي ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬‫} وَ َ‬
‫ولهذا كان عليه ]الصلة[ )‪ (2‬السلم ‪ ،‬يشاورهم في الحروب ونحوها ‪،‬‬
‫ليطيب بذلك قلوبهم‪ .‬وهكذا لما حضرت عمر بن الخطاب ]رضي الله عنه[ )‬
‫‪ (3‬الوفاة حين طعن ‪ ،‬جعل المر بعده شورى في ستة نفر ‪ ،‬وهم ‪ :‬عثمان ‪،‬‬
‫وعلي ‪ ،‬وطلحة ‪ ،‬والزبير ‪ ،‬وسعد ‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬رضي الله عنهم‬
‫أجمعين ‪ ،‬فاجتمع رأي الصحابة كلهم على تقديم عثمان عليهم ‪ ،‬رضي الله‬
‫ن { وذلك بالحسان إلى خلق الله ‪ ،‬القرب‬ ‫قو َ‬ ‫م ي ُن ْفِ ُ‬‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫عنهم ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫إليهم منهم فالقرب‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فيهم قوة النتصار‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي َن ْت َ ِ‬ ‫ي هُ ْ‬ ‫م ال ْب َغْ ُ‬ ‫صاب َهُ ُ‬ ‫ن إ َِذا أ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ممن ظلمهم واعتدى عليهم ‪ ،‬ليسوا بعاجزين ول أذلة ‪ ،‬بل يقدرون على‬
‫النتقام ممن بغى عليهم ‪ ،‬وإن كانوا مع هذا إذا قدروا وعفوا ‪ ،‬كما قال‬
‫و‬
‫م َ ُ َ‬
‫ه‬ ‫و‬ ‫]‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬‫فُر الل ّ ُ‬ ‫م ي َغْ ِ‬‫م ال ْي َوْ َ‬
‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫َيوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لخوته ‪ } :‬ل ت َث ْ ِ‬
‫ن[ )‪] { (4‬يوسف ‪ ، [92 :‬مع قدرته على مؤاخذتهم ومقابلتهم‬ ‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م الّرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫أْر َ‬
‫على صنيعهم إليه ‪ ،‬وكما عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولئك‬
‫النفر الثمانين الذين قصدوه عام الحديبية ‪ ،‬ونزلوا من جبل التنعيم ‪ ،‬فلما قدر‬
‫ن عليهم )‪ (5‬مع قدرته على النتقام ‪ ،‬وكذلك عفوه عن غَوَْرث بن‬ ‫م ّ‬‫عليهم َ‬
‫الحارث ‪ ،‬الذي أراد الفتك به ]عليه السلم[ )‪ (6‬حين اخترط سيفه وهو نائم ‪،‬‬
‫صْلتا ‪ ،‬فانتهره فوضعه من يده ‪ ،‬وأخذ‬ ‫فاستيقظ ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وهو في يده َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف من يده ‪ ،‬ودعا أصحابه ‪ ،‬ثم أعلمهم‬
‫بما كان من أمره وأمر هذا الرجل ‪ ،‬وعفا عنه‪ .‬وكذلك عفا عن لبيد بن‬
‫العصم )‪ ، (7‬الذي سحره ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ومع هذا لم يعرض له ‪ ،‬ول عاتبه ‪،‬‬
‫مع قدرته عليه‪ .‬وكذلك عفوه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬عن المرأة اليهودية ‪ -‬وهي‬
‫زينب أخت )‪ (8‬مرحب اليهودي الخيبري الذي قتله محمود بن مسلمة ‪ -‬التي‬
‫سمت الذراع يوم خيبر ‪ ،‬فأخبره الذراع بذلك ‪ ،‬فدعاها فاعترفت فقال ‪" :‬ما‬
‫حملك على ذلك" قالت ‪ :‬أردت إن كنت نبيا لم يضرك ‪ ،‬وإن لم تكن نبيا‬
‫استرحنا منك ‪ ،‬فأطلقها ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ولكن لما مات منه بشر بن‬
‫البراء قتلها به ‪ ،‬والحاديث والثار في هذا كثيرة جدا ‪ ،‬والحمد لله )‪.(9‬‬
‫َ‬ ‫ة مث ْل ُها فَمن ع َ َ َ‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫جُرهُ عََلى الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ح فَأ ْ‬ ‫صل َ َ‬
‫فا وَأ ُْ‬ ‫َ ْ‬ ‫سي ّئ َ ٌ ِ َ‬ ‫سي ّئ َةٍ َ‬ ‫جَزاُء َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ما‬‫ل )‪ (41‬إ ِن ّ َ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ما عَلي ْهِ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫َ‬
‫مهِ فَأولئ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫صَر ب َعْد َ ظل ِ‬ ‫ن ان ْت َ َ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (40‬وَل َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ال ّ‬
‫ِ‬
‫ك ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫حقّ ُأول َئ ِ َ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫س وَي َب ُْغو َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل عََلى ال ّ ِ‬ ‫سِبي ُ‬ ‫ال ّ‬
‫مورِ )‪{ (43‬‬ ‫َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫صب ََر وَغَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ن عَْزم ِ ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كل ِ‬ ‫فَر إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م )‪ (42‬وَل َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬
‫دى‬ ‫ن اعْت َ َ‬ ‫مث ْلَها { كقوله تعالى ‪ } :‬فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬‫سي ّئ َةٍ َ‬
‫م ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫جَزاُء َ‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫م { ]البقرة ‪[194 :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫دى عَلي ْك ْ‬ ‫ما اعْت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫دوا عَل َي ْهِ ب ِ ِ‬ ‫م َفاعْت َ ُ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬يشاورون"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬عنهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أعصم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬بنت"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬ولله الحمد والمنة"‪.‬‬

‫) ‪(7/211‬‬

‫خي ٌْر‬ ‫م ل َهُوَ َ‬


‫صب َْرت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ب ِهِ وَل َئ ِ ْ‬‫عوقِب ْت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫ل َ‬ ‫م فََعاقُِبوا ب ِ ِ‬
‫عاقَب ْت ُ ْ‬
‫ن َ‬
‫وكقوله )‪ } (1‬وَإ ِ ْ‬
‫ن { ]النحل ‪ [129 :‬فشرع العدل وهو القصاص ‪ ،‬وندب إلى الفضل‬ ‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫ِلل ّ‬
‫فاَرةٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صد ّقَ ب ِهِ فهُوَ ك ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫صف َ‬ ‫صا ٌ‬ ‫ح قِ َ‬‫جُرو َ‬ ‫ْ‬
‫وهو العفو ‪ ،‬كقوله ]تعالى[ )‪َ } (2‬وال ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جُرهُ عَلى‬ ‫ح فأ ْ‬ ‫َ‬ ‫صل َ‬ ‫فا وَأ ْ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ه { ]المائدة ‪ [45 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬ف َ‬ ‫لَ ُ‬
‫الل ّهِ { أي ‪ :‬ل يضيع ذلك عند الله كما صح في الحديث ‪" :‬وما زاد الله عبدا‬
‫ن { أي ‪ :‬المعتدين ‪ ،‬وهو المبتدئ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ح ّ‬‫ه ل يُ ِ‬ ‫بعفو إل عزا" وقوله ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫بالسيئة‪.‬‬
‫]وقال بعضهم ‪ :‬لما كانت القسام ثلثة ‪ :‬ظالم لنفسه ‪ ،‬ومقتصد ‪ ،‬وسابق‬
‫بالخيرات ‪ ،‬ذكر القسام الثلثة في هذه الية فذكر المقتصد وهو الذي يفيض‬
‫مث ْل َُها { ‪ ،‬ثم ذكر السابق بقوله ‪:‬‬ ‫ة ِ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬
‫سي ّئ َةٍ َ‬‫جَزاُء َ‬ ‫بقدر حقه لقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫} فَمن ع َ َ َ‬
‫ب‬
‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫جُرهُ عََلى الل ّهِ { ثم ذكر الظالم بقوله ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫ح فَأ ْ‬ ‫صل َ َ‬‫فا وَأ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ن { فأمر بالعدل ‪ ،‬وندب إلى الفضل ‪ ،‬ونهى من الظلم[ )‪.(3‬‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫ل { أي ‪ :‬ليس‬ ‫سِبي ٍ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ك َ‬ ‫مهِ فَُأول َئ ِ َ‬ ‫صَر ب َعْد َ ظ ُل ْ ِ‬ ‫ن ان ْت َ َ‬ ‫م ِ‬‫ثم قال ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫عليهم جناح في النتصار ممن ظلمهم‪.‬‬
‫قال ابن جرير )‪ (4‬حدثنا محمد بن عبد الله بن َبزيع )‪ (5‬حدثنا معاذ بن معاذ ‪،‬‬
‫ه‬
‫م ِ‬‫صَر ب َعْد َ ظ ُل ْ ِ‬ ‫ن ان ْت َ َ‬
‫م ِ‬‫ون قال ‪ :‬كنت أسأل عن النتصار ‪ } :‬وَل َ َ‬ ‫حدثنا )‪ (6‬ابن عَ ْ‬
‫ل { فحدثني علي بن زيد )‪ (7‬بن جدعان عن أم‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫فَُأول َئ ِ َ‬
‫محمد ‪ -‬امرأة أبيه ‪ -‬قال ابن عون ‪ :‬زعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين‬
‫عائشة )‪ - (8‬قالت ‪ :‬قالت أم المؤمنين ‪ :‬دخل علينا رسول الله صلى الله‬
‫طن لها‬ ‫ف ِ‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬وعندنا زينب بنت جحش ‪ ،‬فجعل يصنع بيده شيئا فلم ي َ ْ‬
‫طنته لها ‪ ،‬فأمسك‪ .‬وأقبلت زينب تقحم لعائشة ‪،‬‬ ‫‪ ،‬فقلت بيده حتى )‪ (9‬فَ ّ‬
‫سّبيها" فسبتها فغلبتها ‪ ،‬وانطلقت‬ ‫فنهاها ‪ ،‬فأبت أن تنتهي‪ .‬فقال لعائشة ‪ُ " :‬‬
‫زينب فأتت عليا فقالت ‪ :‬إن عائشة تقع بكم ‪ ،‬وتفعل بكم‪ .‬فجاءت فاطمة‬
‫فقال )‪ (10‬لها "إنها حبة أبيك ورب الكعبة" فانصرفت ‪ ،‬وقالت لعلي ‪ :‬إني‬
‫قلت له كذا وكذا ‪ ،‬فقال لي كذا وكذا‪ .‬قال ‪ :‬وجاء علي إلى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فكلمه في ذلك )‪.(11‬‬
‫هكذا ورد هذا السياق ‪ ،‬وعلي بن زيد بن جدعان يأتي في رواياته بالمنكرات‬
‫غالبا ‪ ،‬وهذا فيه نكارة ‪ ،‬والحديث الصحيح خلف هذا السياق ‪ ،‬كما رواه‬
‫ي‪،‬‬ ‫النسائي وابن ماجه من حديث خالد بن سلمة الفأفاء ‪ ،‬عن عبد الله الب َهِ ّ‬
‫ي‬
‫ت حتى دخلت عل ّ‬ ‫عن عروة قال ‪ :‬قالت عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ :‬ما علم ُ‬
‫زينب بغير إذن وهي غضبى ‪ ،‬ثم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكر ذ َُري ّعََتيَها ثم أقبلت علي فأعرضت عنها ‪،‬‬
‫حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬دونك فانتصري" فأقبلت عليها حتى‬
‫رأيتها وقد يبس ريقها في فمها ‪ ،‬ما )‪ (12‬ترد علي شيئا‪ .‬فرأيت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يتهلل وجهه‪ .‬وهذا لفظ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬سويع"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬عائشة رضي الله عنها"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬فقلت له حتى"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫)‪ (11‬تفسير الطبري )‪.(25/24‬‬
‫)‪ (12‬في م ‪" :‬لم"‪.‬‬
‫) ‪(7/212‬‬

‫النسائي )‪.(1‬‬
‫وقال البزار ‪ :‬حدثنا يوسف بن موسى ‪ ،‬حدثنا أبو غسان ‪ ،‬حدثنا أبو الحوص‬
‫عن أبي حمزة ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن السود )‪ ، (2‬عن عائشة ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من دعا على من‬
‫ظلمه فقد انتصر"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي من حديث أبي الحوص ‪ ،‬عن أبي حمزة ‪ -‬واسمه ميمون ‪ -‬ثم‬
‫قال ‪" :‬ل نعرفه إل من حديثه ‪ ،‬وقد تكلم فيه من قبل حفظه" )‪.(3‬‬
‫ن‬‫ن ي َظ ْ ِ ُ َ‬
‫مو‬ ‫ل‬ ‫ذي َ‬ ‫ل { أي ‪ :‬إنما الحرج والعنت } عََلى ال ّ ِ‬ ‫سِبي ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫حقّ { أي ‪ :‬يبدؤون الناس بالظلم‪ .‬كما جاء‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫س وَي َب ُْغو َ‬ ‫الّنا َ‬
‫في الحديث الصحيح ‪" :‬المستبان ما قال فعلى البادئ ما لم ي َعَْتد المظلوم"‪.‬‬
‫َ‬ ‫} ُأول َئ ِ َ‬
‫م { أي ‪ :‬شديد موجع‪.‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬
‫قال أبو بكر بن أبي شيبة ‪ :‬حدثنا الحسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا سعيد بن زيد ‪-‬‬
‫أخو حماد بن زيد ‪ -‬حدثنا عثمان الشحام ‪ ،‬حدثنا )‪ (4‬محمد بن واسع قال ‪:‬‬
‫من ْظ ََرة ‪ ،‬فأخذت فانطلق بي إلى مروان بن‬ ‫قدمت مكة فإذا على الخندق َ‬
‫المهلب ‪ ،‬وهو أمير على البصرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬حاجتك يا أبا عبد الله‪ .‬قلت حاجتي‬
‫إن استطعت أن تكون كما قال أخو بني عدي‪ .‬قال ‪ :‬ومن أخو بني عدي ؟‬
‫قال ‪ :‬العلء بن زياد ‪ ،‬استعمل صديقا له مرة على عمل ‪ ،‬فكتب إليه ‪ :‬أما‬
‫بعد فإن استطعت أل تبيت إل وظهرك خفيف ‪ ،‬وبطنك خميص ‪ ،‬وكفك نقية‬
‫من دماء المسلمين وأموالهم ‪ ،‬فإنك إذا فعلت )‪ (5‬ذلك لم يكن عليك سبيل ‪،‬‬
‫ق‬
‫ح ّ‬‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫س وَي َب ُْغو َ‬
‫ن الّنا َ‬
‫مو َ‬ ‫ن ي َظ ْل ِ ُ‬
‫ذي َ‬‫ل عََلى ال ّ ِ‬ ‫سِبي ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫م { فقال )‪ (6‬صدق والله ونصح ثم قال ‪ :‬ما حاجتك يا‬ ‫لي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ُ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ُأول َئ ِ‬
‫ٌ ِ ٌ‬
‫أبا عبد الله ؟ قلت ‪ :‬حاجتي أن تلحقني بأهلي‪ .‬قال ‪ :‬نعم رواه ابن أبي حاتم‬
‫)‪.(7‬‬
‫ثم إنه تعالى لما ذم الظلم وأهله وشرع القصاص ‪ ،‬قال نادبا إلى العفو‬
‫ن‬‫فَر { أي ‪ :‬صبر على الذى وستر السيئة ‪ } ،‬إ ِ ّ‬ ‫صب ََر وَغَ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫والصفح ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫مورِ {‬ ‫ن عَْزم ِ ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫قال سعيد بن جبير ‪] :‬يعني[ )‪ (8‬لمن حق المور التي أمر الله بها ‪ ،‬أي ‪ :‬لمن‬
‫المور المشكورة والفعال الحميدة )‪ (9‬التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمران بن موسى الطرسوسي ‪،‬‬
‫حدثنا عبد الصمد بن يزيد ‪ -‬خادم الفضيل بن عياض ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت )‪(10‬‬
‫الفضيل بن عياض يقول )‪ (11‬إذا أتاك رجل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (11476‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪ (1981‬قال البوصيري في الزوائد )‪" : (2/115‬هذا إسناد صحيح على شرط‬
‫مسلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى البزار بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪ (3552‬ورواه ابن أبي شيبة في المصنف )‬
‫‪ (10/347‬وابن عدي في الكامل )‪ (6/412‬من طريق أبي الحوص به ‪ ،‬وقال‬
‫ابن عدي ‪" :‬ل أعلم من يرويه عن أبي حمزة غير أبي الحوص"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬قبلت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال مروان"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المصنف لبن أبي شيبة )‪.(14/63‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬المحمودة"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬وعن"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫) ‪(7/213‬‬

‫ب‬ ‫ما َرأ َُوا ال ْعَ َ‬


‫ذا َ‬ ‫ن لَ ّ‬
‫مي َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ وَت ََرى ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ي ِ‬
‫ن وَل ِ ّ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫ما ل َ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه فَ َ‬ ‫ضل ِ ِ‬
‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ل )‪(44‬‬ ‫سِبي ٍ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫مَرد ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلى َ‬ ‫ن هَ ْ‬ ‫ُ‬
‫قولو َ‬ ‫يَ ُ‬

‫يشكو إليك رجل فقل ‪" :‬يا أخي ‪ ،‬اعف عنه"‪ .‬فإن العفو أقرب للتقوى ‪ ،‬فإن‬
‫قال ‪ :‬ل يحتمل قلبي العفو ‪ ،‬ولكن أنتصر كما أمرني الله )‪ (1‬عز وجل‪ .‬فقل‬
‫له )‪ (2‬إن كنت تحسن أن تنتصر وإل فارجع إلى باب العفو ‪ ،‬فإنه باب واسع ‪،‬‬
‫فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله ‪ ،‬وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل‬
‫‪ ،‬وصاحب النتصار يقلب المور )‪.(3‬‬
‫جلن ‪،‬‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ -‬يعني ابن سعيد القطان ‪ -‬عن ابن عَ ْ‬
‫حدثنا سعيد بن أبي سعيد ‪ (4) ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه أن رجل شتم‬
‫أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس ‪ ،‬فجعل النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يعجب ويتبسم ‪ ،‬فلما أكثر رد عليه بعض قوله ‪ ،‬فغضب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وقام ‪ ،‬فلحقه أبو بكر فقال ‪ :‬يا رسول الله إنه كان يشتمني‬
‫وأنت جالس ‪ ،‬فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت! قال ‪" :‬إنه كان‬
‫معك ملك يرد عنك ‪ ،‬فلما رددت عليه بعض قوله حضر )‪ (5‬الشيطان ‪ ،‬فلم‬
‫أكن لقعد مع الشيطان"‪ .‬ثم قال ‪" :‬يا أبا بكر ‪ ،‬ثلث كلهن حق ‪ ،‬ما من عبد‬
‫صَره ‪ ،‬وما فتح رجل باب‬ ‫ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله ‪ ،‬إل أعز الله بها ن َ ْ‬ ‫ُ‬
‫عطية يريد بها صلة ‪ ،‬إل زاده الله بها كثرة ‪ ،‬وما فتح رجل باب مسألة يريد‬
‫بها كثرة ‪ ،‬إل زاده الله بها قلة"‬
‫وكذا رواه أبو داود ‪ ،‬عن عبد العلى بن حماد ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫جلن )‪ (6‬ورواه من طريق‬ ‫ورواه صفوان بن عيسى ‪ ،‬كلهما عن محمد بن عَ ْ‬
‫ري ‪ ،‬عن بشير بن المحرر ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب‬ ‫قب ُ ِ‬
‫م ْ‬‫الليث ‪ ،‬عن سعيد ال َ‬
‫مرسل )‪.(7‬‬
‫ب سبه للصديق )‪.(8‬‬ ‫وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى ‪ ،‬وهو سب ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب‬ ‫ما َرأُوا العَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫نل ّ‬‫مي َ‬
‫ن ب َعْدِهِ وَت ََرى الظال ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ي ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬
‫م ْ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه فَ َ‬ ‫ضل ِ ِ‬
‫ن يُ ْ‬‫م ْ‬
‫} وَ َ‬
‫ل )‪{ (44‬‬ ‫سِبي ٍ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرد ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلى َ‬ ‫ن هَ ْ‬‫قوُلو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ربي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قال له الفضيل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬بعدها ‪" :‬رواه ابن أبي حاتم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬وقع"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (2/436‬وسنن أبي داود برقم )‪.(4897 ، 4896‬‬
‫)‪ (7‬سنن أبي داود برقم )‪.(4897‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا الحديث في غاية الحسن وهو مناسب للصديق" ‪ ،‬وفي‬
‫م ‪" :‬وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى وهو مناسب للصديق"‪.‬‬

‫) ‪(7/214‬‬

‫ي وََقا َ‬
‫ل‬ ‫ف ّ‬ ‫خ ِ‬‫ف َ‬ ‫ن ط َْر ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ي َن ْظ ُُرو َ‬ ‫ن الذ ّ ّ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬
‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن عَل َي َْها َ‬ ‫ضو َ‬ ‫م ي ُعَْر ُ‬ ‫وَت ََراهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مةِ أَل إ ِ ّ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫م وَأهِْليهِ ْ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف َ‬‫سُروا أن ْ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مُنوا إ ِ ّ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ِفي عَ َ‬ ‫ّ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫صُرون َهُ ْ‬‫ن أوْل َِياَء ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫ن لهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫قيم ٍ )‪ (45‬وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫مي َ‬ ‫الظال ِ ِ‬
‫ل )‪(46‬‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬‫ن يُ ْ‬‫م ْ‬ ‫الل ّهِ وَ َ‬
‫ي وََقا َ‬
‫ل‬ ‫ف ّ‬ ‫خ ِ‬‫ف َ‬ ‫ن ط َْر ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ي َن ْظ ُُرو َ‬ ‫ن الذ ّ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫شِعي َ‬‫خا ِ‬ ‫ن عَل َي َْها َ‬ ‫ضو َ‬ ‫م ي ُعَْر ُ‬‫} وَت ََراهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫أل‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬‫ي‬
‫ْ َ ُ ْ َ ْ ِ ِ ْ َ ْ َ ِ َ َ ِ‬‫م‬ ‫ه‬ ‫لي‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫روا‬ ‫س‬ ‫خ‬
‫ِ َ َ ِ ُ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ري‬
‫َ ِ ِ َ‬ ‫س‬ ‫خا‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬
‫م ُ ِ ّ‬
‫إ‬ ‫نوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صُرون َهُ ْ‬ ‫ن أوْل َِياَء ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫قيم ٍ )‪ (45‬وَ َ‬ ‫م ِ‬‫ب ُ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن ِفي عَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫ل )‪{ (46‬‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬‫ه فَ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬‫الل ّهِ وَ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة ‪ :‬إنه ما شاء )‪ (1‬كان ول راد له ‪ ،‬وما‬
‫ضل له ‪ ،‬ومن يضلل )‪(3‬‬ ‫م ِ‬ ‫لم يشأ لم يكن فل موجد له )‪ (2‬وأنه من هداه فل ُ‬
‫دا { ]الكهف ‪:‬‬ ‫ش ً‬ ‫مْر ِ‬ ‫ه وَل ِّيا ُ‬ ‫جد َ ل َ ُ‬‫ن تَ ِ‬ ‫ل فَل َ ْ‬ ‫ضل ِ ْ‬‫ن يُ ْ‬‫م ْ‬ ‫فل هادي له ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫‪[17‬‬
‫ب{‬ ‫ْ‬
‫ما َرأُوا العَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا َ‬ ‫ثم قال مخبرا عن الظالمين ‪ ،‬وهم المشركون بالله } ل ّ‬
‫أي ‪ :‬يوم القيامة يتمنون‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ما شاء الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فل مؤاخذة له"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬يضلل الله"‪.‬‬

‫) ‪(7/214‬‬

‫ْ‬ ‫استجيبوا ل ِربك ُم من قَب َ‬


‫جأ ٍ‬‫مل ْ َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫مَرد ّ ل َ ُ‬
‫م َل َ‬ ‫ي ي َوْ ٌ‬ ‫ن ي َأت ِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ ّ ْ ِ ْ ْ ِ‬ ‫ْ َ ِ ُ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫ظا‬‫ً‬ ‫في‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫يومئ ِذ وما ل َك ُم من نكير )‪ (47‬فَإن أ َعْرضوا فَما أ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ٍ َ َ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫ة بِ َ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫صب ْهُ ْ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫ح ب َِها وَإ ِ ْ‬ ‫ة فَرِ َ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬‫مّنا َر ْ‬
‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ك إ ِّل الب َلغ ُ وَإ ِّنا إ َِذا أذ َقَْنا ال ِن ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫فوٌر )‪(48‬‬ ‫ن كَ ُ‬‫سا َ‬‫ن اْل ِن ْ َ‬ ‫م فَإ ِ ّ‬‫ديهِ ْ‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫قَد ّ َ‬

‫ل { ‪ ،‬كما قال ]تعالى[ )‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرد ّ ِ‬ ‫ل إ َِلى َ‬ ‫ن هَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫الرجعة إلى الدنيا ‪ } ،‬ي َ ُ‬
‫ت َرب َّنا‬
‫ب ِبآَيا ِ‬ ‫قاُلوا َيا ل َي ْت ََنا ن َُرد ّ َول ن ُك َذ ّ َ‬ ‫فوا عََلى الّنارِ فَ َ‬ ‫‪ } (1‬وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ وُقِ ُ‬
‫ما‬‫ل وَل َوْ ُرّدوا ل ََعاُدوا ل ِ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬‫كاُنوا ي ُ ْ‬‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫دا ل َهُ ْ‬
‫ل بَ َ‬ ‫ن بَ ْ‬‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬‫وَن َ ُ‬
‫ن { ]النعام ‪.[28 ، 27 :‬‬ ‫كاذُِبو َ‬‫م لَ َ‬ ‫ه وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن ُُهوا عَن ْ ُ‬
‫ل{‬ ‫ن الذ ّ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن عَلي َْها { أي ‪ :‬على النار } َ‬ ‫َ‬ ‫ضو َ‬ ‫م ي ُعَْر ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت ََراهُ ْ‬
‫ف‬‫ن طْر ٍ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫أي ‪ :‬الذي قد اعتراهم بما أسلفوا من عصيان الله ‪ } ،‬ي َن ْظُرو َ‬
‫سارَقة خوفا منها ‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫ي { قال مجاهد ‪ :‬يعني ذليل ‪ ،‬أي ينظرون إليها ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫خ ِ‬‫َ‬
‫والذي يحذرون منه واقع بهم ل محالة ‪ ،‬وما هو أعظم مما في نفوسهم ‪،‬‬
‫أجارنا الله من ذلك‪.‬‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫مُنوا { أي ‪ :‬يقولون يوم القيامة ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫} وََقا َ‬
‫مةِ { أي ‪ :‬ذهب‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قَيا َ‬‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫م وَأهِْليهِ ْ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف َ‬‫سُروا أن ْ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫الخسار )‪ (2‬الكبر } ال ِ‬
‫بهم إلى )‪ (3‬النار فعدموا لذتهم في دار البد ‪ ،‬وخسروا أنفسهم ‪ ،‬وفرق‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫بينهم وبين أصحابهم وأحبابهم وأهاليهم وقراباتهم ‪ (4) ،‬فخسروهم ‪ } ،‬أل إ ِ ّ‬
‫قيم ٍ { أي ‪ :‬دائم سرمدي أبدي ‪ ،‬ل خروج لهم منها ول‬ ‫م ِ‬‫ب ُ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن ِفي عَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫محيد لهم عنها‪.‬‬
‫ن الل ّهِ { أي ‪ :‬ينقذونهم‬ ‫َ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صُرون َهُ ْ‬ ‫ن أوْل َِياَء ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ل { أي ‪:‬‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مما هم فيه من العذاب والنكال ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ليس له خلص‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جإ ٍ‬‫مل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ُ ْ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫مَرد ّ ل ُ‬ ‫مل َ‬ ‫ي ي َوْ ٌ‬ ‫ن ي َأت ِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جيُبوا ل َِرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫}ا ْ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫فيظا إ ِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَلي ْهِ ْ‬ ‫سلَنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ضوا فَ َ‬ ‫ن أعَْر ُ‬ ‫كيرٍ )‪ (47‬فَإ ِ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ُ ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ وَ َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫ما‬ ‫ة بِ َ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫صب ْهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫ح ب َِها وَإ ِ ْ‬ ‫ة فَرِ َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫مّنا َر ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ك ِإل الَبلغ ُ وَإ ِّنا إ َِذا أذ َقَْنا الن ْ َ‬
‫ن كَ ُ‬ ‫َ‬
‫فوٌر )‪{ (48‬‬ ‫سا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫م فَإ ِ ّ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قَد ّ َ‬
‫لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الهوال والمور العظام الهائلة‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ذر منه وأمر بالستعداد له ‪ ،‬فقال ‪ } :‬استجيبوا ل ِربك ُم من قَب َ‬ ‫ح ّ‬
‫ي ي َوْ ٌ‬ ‫ن ي َأت ِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ ّ ْ ِ ْ ْ ِ‬ ‫ْ َ ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ { أي ‪ :‬إذا أمر بكونه فإنه كلمح البصر يكون ‪ ،‬وليس له‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫مَرد ّ ل ُ‬ ‫ل َ‬
‫دافع ول مانع‪.‬‬
‫كيرٍ { أي ‪ :‬ليس لكم حصن‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ما لك ْ‬ ‫َ‬ ‫مئ ِذ ٍ وَ َ‬ ‫جإ ٍ ي َوْ َ‬ ‫ْ‬
‫مل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ْ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫تتحصنون فيه ‪ ،‬ول مكان يستركم وتتنكرون فيه ‪ ،‬فتغيبون عن بصره ‪ ،‬تبارك‬
‫وتعالى ‪ ،‬بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته ‪ ،‬فل ملجأ منه إل إليه ‪،‬‬
‫َ‬
‫قّر {‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مئ ِذٍ ال ْ ُ‬ ‫ك ي َوْ َ‬ ‫كل ل وََزَر إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫فّر‪َ .‬‬ ‫م َ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ أي ْ َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ل الن ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫} يَ ُ‬
‫]القيامة ‪.[12 - 10 :‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫سلَنا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَإ َ‬
‫فيظا {‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَلي ْهِ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ضوا { يعني ‪ :‬المشركين } فَ َ‬ ‫ن أعَْر ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م وَلك ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫داهُ ْ‬ ‫ك هُ َ‬ ‫َ‬
‫س عَلي ْ َ‬ ‫َ‬
‫أي ‪ :‬لست عليهم بمصيطر‪ .‬وقال تعالى ‪ } :‬لي ْ َ‬
‫َ‬
‫ك الَبلغ ُ وَعَلي َْنا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما عَلي ْ َ‬ ‫شاُء { ]البقرة ‪ ، [272 :‬وقال تعالى ‪ } :‬فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ي َهْ ِ‬
‫ن عَلي ْك ِإل الَبلغُ { أي ‪ :‬إنما‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب { ]الرعد ‪ [40 :‬وقال هاهنا ‪ } :‬إ ِ ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الخاسر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وأقربائهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/215‬‬

‫َْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ب لِ َ‬ ‫شاُء إ َِناًثا وَي َهَ ُ‬‫ن يَ َ‬‫م ْ‬
‫ب لِ َ‬
‫شاُء ي َهَ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ض يَ ْ‬
‫ت ََوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬
‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ل ِل ّهِ ُ‬
‫م‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ما إ ِن ّ ُ‬
‫قي ً‬
‫شاُء عَ ِ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫م ذ ُك َْراًنا وَإ َِناًثا وَي َ ْ‬
‫جعَ ُ‬ ‫جهُ ْ‬
‫كوَر )‪ (49‬أوْ ي َُزوّ ُ‬ ‫شاُء الذ ّ ُ‬ ‫يَ َ‬
‫ديٌر )‪(50‬‬ ‫قَ ِ‬
‫َ‬
‫ة فَرِ َ‬
‫ح ب َِها { أي ‪ :‬إذا أصابه‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬
‫مّنا َر ْ‬
‫ن ِ‬‫سا َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬وَإ ِّنا إ َِذا أذ َقَْنا الن ْ َ‬
‫م { يعني الناس } سيئة { أي ‪ :‬جدب‬ ‫صب ْهُ ْ‬
‫ن تُ ِ‬
‫رخاء ونعمة فرح بذلك ‪ } ،‬وَإ ِ ْ‬
‫فوٌر { أي ‪ :‬يجحد ما تقدم من النعمة )‬ ‫ن كَ ُ‬ ‫سا َ‬
‫ن الن ْ َ‬ ‫ونقمة وبلء وشدة ‪ } ،‬فَإ ِ ّ‬
‫‪ (1‬ول يعرف إل الساعة الراهنة ‪ ،‬فإن أصابته نعمة أشر وبطر ‪ ،‬وإن أصابته‬
‫محنة يئس وقنط ‪ ،‬كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ]للنساء[ )‪ (2‬يا‬
‫م يا‬
‫معشر النساء ‪ ،‬تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقالت امرأة ‪ :‬ول ِ َ‬
‫رسول الله ؟ قال ‪" :‬لنكن ُتكثرن الشكاية ‪ ،‬وتكفرن العشير ‪ ،‬لو أحسنت‬
‫إلى إحداهن الدهر ثم تركت يوما قالت ‪ :‬ما رأيت منك خيرا قط" )‪ (3‬وهذا‬
‫حال أكثر الناس )‪ (4‬إل من هداه الله وألهمه رشده ‪ ،‬وكان من الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات ‪ ،‬فالمؤمن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن‬
‫أصابته سراء شكر فكان خيرا له ‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ‪،‬‬
‫وليس ذلك لحد إل للمؤمن" )‪.(5‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫شاُء إ َِناًثا وَي َهَ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫شاُء ي َهَ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬‫خل ُقُ َ‬ ‫ض يَ ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫} ل ِل ّهِ ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ما إ ِن ّ ُ‬ ‫قي ً‬‫شاُء عَ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫م ذ ُك َْراًنا وَإ َِناًثا وَي َ ْ‬ ‫جهُ ْ‬
‫كوَر )‪ (49‬أوْ ي َُزوّ ُ‬ ‫شاُء الذ ّ ُ‬ ‫يَ َ‬
‫ديٌر )‪{ (50‬‬ ‫قَ ِ‬
‫يخبر تعالى أنه خالق السموات والرض ومالكهما والمتصرف فيهما ‪ ،‬وأنه ما‬
‫شاء كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬وأنه يعطي من يشاء ‪ ،‬ويمنع من يشاء ‪ ،‬ول‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫مانع لما أعطى ‪ ،‬ول معطي لما منع ‪ ،‬وأنه يخلق ما يشاء ‪ ،‬و } ي َهَ ُ‬
‫شاُء إ َِناًثا { أي ‪ :‬يرزقه البنات فقط ‪ -‬قال البغوي ‪ :‬ومنهم لوط ‪ ،‬عليه‬ ‫يَ َ‬
‫شاُء الذ ّكوَر { أي ‪ :‬يرزقه البنين فقط‪ .‬قال البغوي ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ب لِ َ‬‫السلم } وَي َهَ ُ‬
‫م ذ ُك َْراًنا وَإ َِناثاً‬ ‫َ‬
‫جهُ ْ‬ ‫كإبراهيم الخليل ‪ ،‬عليه السلم ‪ -‬لم يولد له أنثى ‪ } . ،‬أوْ ي َُزوّ ُ‬
‫{ أي ‪ :‬ويعطي من يشاء من الناس الزوجين الذكر والنثى ‪ ،‬أي ‪ :‬من هذا‬
‫شاُء‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ ُ‬‫وهذا )‪ .(6‬قال البغوي ‪ :‬كمحمد ‪ ،‬عليه الصلة والسلم } وَي َ ْ‬
‫ما { أي ‪ :‬ل يولد له‪ .‬قال البغوي ‪ :‬كيحيى وعيسى ‪ ،‬عليهما السلم ‪،‬‬ ‫قي ً‬ ‫عَ ِ‬
‫فجعل الناس أربعة أقسام ‪ ،‬منهم من يعطيه البنات ‪ ،‬ومنهم من يعطيه البنين‬
‫‪ ،‬ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا ‪ ،‬ومنهم من يمنعه هذا وهذا ‪،‬‬
‫م { أي ‪ :‬بمن يستحق كل‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫فيجعله عقيما ل نسل له ول يولد له ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫ديٌر { أي ‪ :‬على من يشاء ‪ ،‬من تفاوت الناس‬ ‫قسم من هذه القسام ‪ } ،‬قَ ِ‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫س { ]مريم ‪:‬‬ ‫َ‬
‫ة ِللّنا ِ‬ ‫ه آي َ ً‬‫جعَل ُ‬ ‫وهذا المقام شبيه بقوله تعالى عن عيسى ‪ } :‬وَل ِن َ ْ‬
‫‪ [21‬أي ‪ :‬دللة لهم على قدرته ‪ ،‬تعالى وتقدس ‪ ،‬حيث خلق الخلق على‬
‫أربعة أقسام ‪ ،‬فآدم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مخلوق من تراب ل من ذكر ول أنثى ‪،‬‬
‫وحواء عليها السلم ‪] ،‬مخلوقة[ )‪ (7‬من ذكر بل أنثى ‪ ،‬وسائر الخلق سوى‬
‫عيسى ]عليه السلم[ )‪ (8‬من ذكر وأنثى ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من أنثى‬
‫بل ذكر فتمت الدللة بخلق عيسى ابن مريم ‪ ،‬عليهما السلم ؛ ولهذا قال ‪} :‬‬
‫س { ‪ ،‬فهذا المقام في الباء ‪ ،‬والمقام الول في البناء ‪،‬‬ ‫ة ِللّنا ِ‬ ‫ه آي َ ً‬ ‫جعَل َ ُ‬‫وَل ِن َ ْ‬
‫وكل منهما أربعة أقسام ‪ ،‬فسبحان العليم القدير‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬النعم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (79‬من حديث عبد الله بن عمر رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬وبرقم )‪ (80‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬النساء"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (299‬من حديث صهيب رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬هذا من هذا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬عيسى ابن مريم عليهما السلم"‪.‬‬

‫) ‪(7/216‬‬
‫سوًل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كان ل ِب َ َ‬
‫س َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ب أوْ ي ُْر ِ‬
‫جا ٍ‬
‫ح َ‬
‫ن وََراِء ِ‬
‫م ْ‬ ‫ه إ ِّل وَ ْ‬
‫حًيا أوْ ِ‬ ‫ه الل ّ ُ‬‫م ُ‬ ‫ن ي ُك َل ّ َ‬
‫شرٍ أ ْ‬ ‫ما َ َ َ‬ ‫وَ َ‬
‫م )‪(51‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬
‫ي َ‬ ‫ه عَل ِ ّ‬‫شاُء إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬
‫ي ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ‬ ‫فَُيو ِ‬
‫ح َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كان ل ِب َ َ‬
‫سول‬ ‫س َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ب أوْ ي ُْر ِ‬
‫جا ٍ‬
‫ح َ‬
‫ن وََراءِ ِ‬
‫م ْ‬‫حًيا أوْ ِ‬
‫ه ِإل وَ ْ‬‫ه الل ّ ُ‬ ‫ن ي ُك َل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫شرٍ أ ْ‬ ‫ما َ َ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫م )‪{ (51‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫ي َ‬ ‫ه عَل ِ ّ‬‫شاُء إ ِن ّ ُ‬‫ما ي َ َ‬
‫ي ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ‬
‫ح َ‬‫فَُيو ِ‬

‫) ‪(7/217‬‬

‫ك روحا م َ‬ ‫وك َذ َل ِ َ َ‬
‫ن‬‫ن وَل َك ِ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ب وََل ا ْ ِ‬
‫لي َ‬ ‫ما ال ْك َِتا ُ‬‫ت ت َد ِْري َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫مرَِنا َ‬‫نأ ْ‬‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ ُ ً ِ ْ‬ ‫ك أوْ َ‬ ‫َ‬
‫قيم ٍ )‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫َ‬
‫دي إ ِلى ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عَبادَِنا وَإ ِن ّك لت َهْ ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن نَ َ‬‫م ْ‬‫دي ب ِهِ َ‬ ‫ْ‬
‫جعَلَناه ُ ُنوًرا ن َهْ ِ‬ ‫َ‬
‫صيُر‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ض أل إ ِلى اللهِ ت َ ِ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬‫ذي ل ُ‬ ‫ط اللهِ ال ِ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫‪ِ (52‬‬
‫ُ‬
‫موُر )‪(53‬‬ ‫اْل ُ‬
‫ك روحا م َ‬ ‫} وك َذ َل ِ َ َ‬
‫ن‬
‫ما ُ‬ ‫ب َول الي َ‬ ‫ما ال ْك َِتا ُ‬ ‫ت ت َد ِْري َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫مرَِنا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ ُ ً ِ ْ‬ ‫ك أوْ َ‬ ‫َ‬
‫ط‬
‫صَرا ٍ‬ ‫دي إ َِلى ِ‬ ‫ك ل َت َهْ ِ‬ ‫عَبادَِنا وَإ ِن ّ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫شا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫را‬ ‫ً‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫ج‬‫َ‬ ‫ن‬‫وَل َك ِ ْ‬
‫ض أل إ َِلى‬ ‫َ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ط الل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫قيم ٍ )‪ِ (52‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫موُر )‪{ (53‬‬ ‫صيُر ال ُ‬ ‫اللهِ ت َ ِ‬ ‫ّ‬
‫هذه مقامات )‪ (1‬الوحي بالنسبة إلى جناب الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وهو أنه تعالى‬
‫تارة يقذف في روع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ل يتمارى فيه أنه من‬
‫الله عز وجل ‪ ،‬كما جاء في صحيح ابن حبان ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫دس نفث في ُروعي ‪ :‬أن نفسا لن تموت حتى‬ ‫ق ُ‬ ‫وسلم أنه قال ‪" :‬إن ُروح ال ُ‬
‫تستكمل رزقها وأجلها ‪ ،‬فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" )‪.(2‬‬
‫ب { كما كلم موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فإنه سأل‬ ‫َ‬
‫جا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ن وََراِء ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أوْ ِ‬
‫الرؤية بعد التكليم ‪ ،‬فحجب عنها‪.‬‬
‫وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله ‪:‬‬
‫"ما كلم الله أحدا إل من وراء حجاب ‪ ،‬وإنه كلم أباك كفاحا" الحديث )‪، (3‬‬
‫وكان ]أبوه[ )‪ (4‬قد قتل يوم أحد ‪ ،‬ولكن هذا في عالم البرزخ ‪ ،‬والية إنما‬
‫هي في الدار )‪ (5‬الدنيا‪.‬‬
‫ما ي َ َ‬ ‫سول فَُيو ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫شاُء { كما ينزل جبريل ]عليه‬ ‫ي ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أوْ ي ُْر ِ‬
‫ي‬
‫ه عَل ِ ّ‬ ‫السلم[ )‪ (6‬وغيره من الملئكة على النبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫م { ‪ ،‬فهو علي عليم خبير حكيم‪.‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫َ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما كن ْ َ‬ ‫مرَِنا { يعني ‪ :‬القرآن ‪َ } ،‬‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫حي َْنا إ ِلي ْك ُرو ً‬ ‫وقوله )‪ } (7‬وَكذل ِك أوْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬على التفصيل الذي شرع لك في القرآن ‪،‬‬ ‫ب َول الي َ ُ‬
‫ما‬ ‫ما ال ْك َِتا ُ‬ ‫ت َد ِْري َ‬
‫عَبادَِنا { ‪ ،‬كقوله‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫شاُء ِ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي ب ِهِ َ‬ ‫جعَل َْناهُ { أي ‪ :‬القرآن } ُنوًرا ن َهْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫} وَل َك ِ ْ‬
‫م وَقٌْر وَهُ َ‬
‫و‬ ‫ن ِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫فاٌء َوال ّ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫دى وَ ِ‬ ‫مُنوا هُ ً‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل هُوَ ل ِل ّ ِ‬ ‫‪ } :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ب َِعيد ٍ { ]فصلت ‪.[44 :‬‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك ي َُناد َوْ َ‬ ‫مى أولئ ِ َ‬ ‫م عَ ً‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫قيم ٍ { ‪ ،‬وهو‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ُ‬‫صَرا ٍ‬ ‫دي إ َِلى ِ‬ ‫ك { ]أي[ )‪ (8‬يا محمد } ل َت َهْ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِن ّ َ‬
‫ذي[ { )‪ (10‬أي ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ط اللهِ ]ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫الخلق )‪ (9‬القويم‪ .‬ثم فسره بقوله ‪ِ } :‬‬
‫ض { أي ‪:‬‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫شرعه الذي أمر به الله ‪ } ،‬ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ربهما ومالكهما ‪ ،‬والمتصرف فيهما ‪ ،‬الحاكم الذي ل معقب لحكمه ‪ } ،‬أل إ َِلى‬
‫موُر { ‪ ،‬أي ‪ :‬ترجع المور ‪ ،‬فيفصلها ويحكم فيها‪.‬‬ ‫صيُر ال ُ‬ ‫الل ّهِ ت َ ِ‬
‫آخر تفسير سورة "]حم[ )‪ (11‬الشورى" والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬مقدمات"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه البغوي في شرح السنة )‪ (14/304‬من طريق إسماعيل بن أبي‬
‫خالد عن زبيد اليامي عمن أخبره عن ابن مسعود به‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3010‬وقال ‪" :‬هذا حديث حسن غريب‬
‫من هذا الوجه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬دار"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فقوله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬الحق"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/217‬‬

‫قُلو َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ن )‪ (3‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫جعَل َْناه ُ قُْرآًنا عََرب ِّيا ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (2‬إ ِّنا َ‬ ‫مِبي ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫حم )‪َ (1‬وال ْك َِتا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب ل َد َي َْنا ل َعَل ِ‬ ‫م ال ْك َِتا‬ ‫ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫حا أ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫ص ْ‬ ‫َ‬ ‫م الذ ّك َْر‬ ‫ب عَن ْك ُ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬‫م )‪ (4‬أفَن َ ْ‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِفي أ ّ‬
‫ي إ ِّل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قَوما مسرفين )‪ (5‬وك َ َ‬
‫ن ن َب ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأِتيهِ ْ‬ ‫ن )‪ (6‬وَ َ‬ ‫ي ِفي اْلوِّلي َ‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬
‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫م أْر َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ً ُ ْ ِ ِ َ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫لي‬ ‫و‬‫ل اْل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ضى‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫شا‬‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ستهزُئون )‪ (7‬فَأ َهْل َك ْنا أ َ‬ ‫َ‬
‫ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ّ ِ ُْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ َ ْ ِ َ‬

‫تفسير سورة الزخرف‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪3‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫يا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫رآ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪2‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫} حم )‪َ (1‬وال ْك َِتا ِ‬
‫َ ِّ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ِّ َ َ َ ُ ْ ً َ َ ِّ َ ْ َ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫مِبي ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫حا أ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫ص ْ‬ ‫َ‬ ‫م الذ ّك َْر‬ ‫ب عَن ْك ُ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫م )‪ (4‬أفَن َ ْ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ّ‬ ‫ب ل َد َي َْنا ل َعَل ِ‬ ‫ِ‬ ‫م ال ْك َِتا‬ ‫ِفي أ ّ‬
‫ْ‬ ‫قَوما مسرفين )‪ (5‬وك َ َ‬
‫ي ِإل‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأِتيهِ ْ‬ ‫ن )‪ (6‬وَ َ‬ ‫ي ِفي الوِّلي َ‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫م أْر َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ً ُ ْ ِ ِ َ‬
‫ن )‪{ (8‬‬ ‫لي‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ضى‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫شا‬‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ستهزُئون )‪ (7‬فَأ َهْل َك ْنا أ َ‬ ‫َ‬
‫ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ َ ْ ِ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬البين )‪ (1‬الواضح الجلي المعاني‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مِبي ِ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬حم‪َ .‬والك َِتا ِ‬
‫واللفاظ ؛ لنه نزل )‪ (2‬بلغة العرب التي هي أفصح اللغات للتخاطب )‪(3‬‬
‫جعَل َْناه ُ { أي ‪ :‬أنزلناه } قُْرآًنا عََرب ِّيا { أي ‪:‬‬ ‫بين الناس ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِّنا َ‬
‫ن { أي ‪ :‬تفهمونه وتتدبرونه ‪ ،‬كما‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫بلغة العرب فصيحا واضحا ‪ } ،‬لعَلك ْ‬
‫ن { ]الشعراء ‪.[195 :‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ي ُ‬ ‫ن عََرب ِ ّ‬ ‫سا ٍ‬ ‫قال ‪ } :‬ب ِل ِ َ‬
‫م { بين شرفه في المل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ب لد َي َْنا لعَل ِ ّ‬ ‫م الك َِتا ِ‬ ‫ه ِفي أ ّ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫العلى ‪ ،‬ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الرض ‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬وإنه { أي ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ب { أي ‪ :‬اللوح المحفوظ ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬ ‫القرآن } ِفي أ ّ‬
‫} لدينا { أي ‪ :‬عندنا ‪ ،‬قاله قتادة وغيره ‪ } ،‬لعلي { أي ‪ :‬ذو مكانة عظيمة‬
‫وشرف وفضل ‪ ،‬قاله قتادة } حكيم { أي ‪ :‬محكم بريء من اللبس والزيغ‪.‬‬
‫ب‬ ‫م‪ِ .‬في ك َِتا ٍ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن كَ ِ‬ ‫قْرآ ٌ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫ن { ]الواقعة ‪- 77 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن‪َ .‬تنزي ٌ‬ ‫مط َهُّرو َ‬ ‫ه ِإل ال ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن‪ .‬ل ي َ َ‬ ‫مك ُْنو ٍ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ة‪.‬‬ ‫م‬
‫ُ ُ ٍ ُ ّ َ ٍ َ ْ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ف‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫في‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫ه‪.‬‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬
‫ِّ َ َ ِ َ‬ ‫ت‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫كل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫[‬‫‪80‬‬
‫َ‬
‫ة‪ .‬ك َِرام ٍ ب ََرَرةٍ { ]عبس ‪ [16 - 11 :‬؛ ولهذا استنبط‬ ‫فَر ٍ‬ ‫س َ‬‫دي َ‬ ‫ة‪ .‬ب ِأي ْ ِ‬‫مط َهَّر ٍ‬ ‫ُ‬
‫ث ل يمس المصحف ‪،‬‬ ‫محدِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫أن‬ ‫‪:‬‬ ‫اليتين‬ ‫هاتين‬ ‫من‬ ‫‪،‬‬ ‫الله‬ ‫رحمهم‬ ‫‪،‬‬ ‫العلماء‬
‫كما ورد به الحديث إن صح ؛ لن )‪ (4‬الملئكة يعظمون المصاحف المشتملة‬
‫على القرآن في المل العلى ‪ ،‬فأهل الرض بذلك أولى وأحرى ‪ ،‬لنه نزل‬
‫عليهم ‪ ،‬وخطابه متوجه إليهم ‪ ،‬فهم أحق أن يقابلوه بالكرام والتعظيم ‪،‬‬
‫ُ‬
‫م‬
‫ي َ ِ ٌ‬
‫كي‬ ‫ح‬ ‫ب ل َد َي َْنا ل َعَل ِ ّ‬
‫م ال ْك َِتا ِ‬‫ه ِفي أ ّ‬ ‫والنقياد له بالقبول والتسليم ‪ ،‬لقوله ‪ } :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫{‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { اختلف‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫م قَوْ ً‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫حا أ ْ‬‫ف ً‬
‫ص ْ‬‫م الذ ّك َْر َ‬‫ب عَن ْك ُ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أفَن َ ْ‬
‫ضرِ ُ‬
‫المفسرون في معناها ‪ ،‬فقيل ‪ :‬معناها ‪ :‬أتحسبون أن نصفح عنكم فل نعذبكم‬
‫ولم تفعلوا ما أمرتم به ؟ قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد وأبو صالح ‪ ،‬والسدي ‪،‬‬
‫واختاره ابن جرير‪(5) .‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حا { ‪ :‬والله لو أن هذا‬ ‫ف ً‬‫ص ْ‬ ‫م الذ ّكَر َ‬ ‫ب عَن ْك ُ‬ ‫وقال قتادة في قوله ‪ } : :‬أفَن َ ْ‬
‫ضرِ ُ‬
‫القرآن رفع حين ردته‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬النير"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬منزل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬المتخاطب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إن صح ‪ ،‬وقوله ‪" :‬ل تمس المصحف إل وانت طاهر" لن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ومجاهد وغيرهما"‪.‬‬

‫) ‪(7/218‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫زيُز ال ْعَِلي ُ‬
‫م )‪(9‬‬ ‫ن ال ْعَ ِ‬ ‫قهُ ّ‬ ‫خل َ َ‬
‫ن َ‬‫قول ُ ّ‬
‫ض ل َي َ ُ‬
‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬‫ال ّ‬ ‫خل َقَ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬‫ن َ‬‫وَل َئ ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫دو َ‬ ‫سب ُل لعَلك ُ ْ‬
‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫م ِفيَها ُ‬ ‫ل لك ُ ْ‬‫جعَ َ‬
‫دا وَ َ‬
‫مهْ ً‬
‫َ‬ ‫م اْلْر َ‬
‫ض‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫أوائل )‪ (1‬هذه المة لهلكوا ‪ ،‬ولكن الله عاد بعائدته ورحمته ‪ ،‬وكرره عليهم‬
‫ودعاهم إليه عشرين سنة ‪ ،‬أو ما شاء الله من ذلك‪.‬‬
‫وقول قتادة لطيف المعنى جدا ‪ ،‬وحاصله أنه يقول في معناه ‪ :‬أنه تعالى من‬
‫لطفه ورحمته بخلقه ل يترك دعاءهم إلى الخير والذكر )‪ (2‬الحكيم ‪ -‬وهو‬
‫القرآن ‪ -‬وإن كانوا مسرفين معرضين عنه ‪ ،‬بل أمر )‪ (3‬به ليهتدي من قَ ّ‬
‫در‬
‫هدايته ‪ ،‬وتقوم الحجة على من كتب شقاوته‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ -‬مسليا لنبيه في تكذيب من كذبه من قومه ‪ ،‬وآمرا له بالصبر‬
‫عليهم ‪ } : -‬وك َ َ‬
‫ما‬
‫ن { أي ‪ :‬في شيع الولين ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫ي ِفي الوِّلي َ‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫م أْر َ‬ ‫َ ْ‬
‫ي ِإل َ‬ ‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬يكذبونه ويسخرون به‪.‬‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ن ن َب ِ َ ّ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ي َأِتيهِ ْ‬
‫شا { أي ‪ :‬فأهلكنا المكذبين بالرسل ‪ ،‬وقد‬ ‫م ب َط ْ ً‬ ‫من ْهُ ْ‬‫شد ّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأهْل َك َْنا أ َ َ‬
‫َ‬
‫سيُروا ِفي‬ ‫م يَ ِ‬ ‫كانوا أشد بطشا من هؤلء المكذبين لك يا محمد‪ .‬كقوله ‪ } :‬أفَل َ ْ‬
‫شد ّ‬‫م وَأ َ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫كاُنوا أك ْث ََر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫قُوّة ً { ]غافر ‪ [82 :‬واليات في ذلك كثيرة‪.‬‬
‫ن { قال مجاهد ‪ :‬سنتهم‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬عقوبتهم‪.‬‬ ‫ل الوِّلي َ‬ ‫مث َ ُ‬‫ضى َ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫وقال غيرهما ‪ :‬عبرتهم ‪ ،‬أي ‪ :‬جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن‬
‫مَثل‬‫فا وَ َ‬ ‫سل َ ً‬‫م َ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫يصيبهم ما أصابهم ‪ ،‬كقوله في آخر هذه السورة ‪ } :‬فَ َ‬
‫عَبادِهِ {‬‫ت ِفي ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ت الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫ن { ]الزخرف ‪ .[56 :‬وكقوله ‪ُ } :‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ِلل ِ‬
‫ديل { ]الحزاب ‪.[62 :‬‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫‪ [85‬وقال ‪ } :‬وَل َ ْ‬ ‫]غافر ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م )‪(9‬‬ ‫زيُز العَِلي ُ‬ ‫ن العَ ِ‬ ‫قهُ ّ‬ ‫خل َ‬ ‫ن َ‬ ‫قول ّ‬ ‫ض لي َ ُ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خلقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سألت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫} وَل َئ ِ ْ‬
‫ن )‪{ (10‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫سُبل ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م ِفيَها ُ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫دا وَ َ‬ ‫مهْ ً‬ ‫ض َ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬إلى الخير وإلى الذكر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬يأمر"‪.‬‬

‫) ‪(7/219‬‬

‫ن )‪(11‬‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ك تُ ْ‬ ‫مي ًْتا ك َذ َل ِ َ‬ ‫شْرَنا ب ِهِ ب َل ْد َة ً َ‬ ‫قد َرٍ فَأ َن ْ َ‬ ‫ماًء ب ِ َ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ذي ن َّز َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫خل َقَ اْل َْزَوا َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫ما ت َْرك َُبو َ‬ ‫ك َواْلن َْعام ِ َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ج ك ُل َّها وَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ن‬
‫حا َ‬‫سب ْ َ‬‫قوُلوا ُ‬ ‫م عَل َي ْهِ وَت َ ُ‬ ‫ست َوَي ْت ُ ْ‬ ‫م إ َِذا ا ْ‬ ‫ة َرب ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ت َذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ووا عََلى ظ ُُهورِهِ ث ُ ّ‬ ‫ست َ ُ‬ ‫ل ِت َ ْ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (13‬وَإ ِّنا إ ِلى َرب َّنا ل ُ‬ ‫قرِِني َ‬ ‫م ْ‬‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫ما كّنا ل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫خَر لَنا هَ َ‬ ‫َ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫ن )‪(11‬‬ ‫جو َ‬‫خَر ُ‬ ‫ك تُ ْ‬ ‫مي ًْتا ك َذ َل ِ َ‬ ‫شْرَنا ب ِهِ ب َل ْد َة ً َ‬ ‫قد َرٍ فَأ َن ْ َ‬ ‫ماًء ب ِ َ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ذي نز َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫ما ت َْرك َُبو َ‬ ‫ك َوالن َْعام ِ َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ج ك ُل َّها وَ َ‬ ‫خل َقَ الْزَوا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ن‬‫حا َ‬‫سب ْ َ‬‫قولوا ُ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫م عَلي ْهِ وَت َ ُ‬ ‫ست َوَي ْت ُ ْ‬ ‫م إ َِذا ا ْ‬ ‫ة َرب ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ت َذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ووا عَلى ظُهورِهِ ث ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ست َ ُ‬ ‫ل ِت َ ْ‬
‫ن )‪{ (14‬‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (13‬وَإ ِّنا إ ِلى َرب َّنا ل ُ‬ ‫قرِِني َ‬ ‫م ْ‬‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫ما ك ُّنا ل ُ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫خَر لَنا هَ َ‬ ‫َ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولئن سألت ‪ -‬يا محمد ‪ -‬هؤلء المشركين بالله العابدين معه‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫زيُز ال ْعَِلي ُ‬ ‫ن ال ْعَ ِ‬ ‫قهُ ّ‬ ‫خل َ َ‬
‫ن َ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫ض ل َي َ ُ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫غيره ‪َ } :‬‬
‫ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله ]تعالى[ )‪ (1‬وحده ل شريك له ‪ ،‬وهم مع‬
‫هذا يعبدون معه غيره من الصنام والنداد‪.‬‬
‫شا قراًرا ثابتة ‪ ،‬يسيرون‬ ‫دا { أي ‪ :‬فرا ً‬ ‫مهْ ً‬ ‫ض َ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫عليها ويقومون وينامون وينصرفون ‪ ،‬مع أنها مخلوقة على تيار الماء ‪ ،‬لكنه‬
‫سُبل { أي ‪ :‬طرقا‬ ‫م ِفيَها ُ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جعَ َ‬‫أرساها بالجبال لئل تميد هكذا ول هكذا ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في سيركم من بلد إلى بلد ‪،‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫بين الجبال والودية } ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/219‬‬

‫وقطر إلى قطر ‪ ،‬وإقليم إلى إقليم‪.‬‬


‫قد َرٍ { أي ‪ :‬بحسب الكفاية لزروعكم )‪(1‬‬ ‫ماًء ب ِ َ‬ ‫ماِء َ‬‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ذي نز َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫مي ًْتا { أي‬ ‫شْرَنا ب ِهِ ب َل ْد َة ً َ‬‫وثماركم وشربكم ‪ ،‬لنفسكم ولنعامكم‪ .‬وقوله ‪ } :‬فَأن ْ َ‬
‫‪ :‬أرضا ميتة ‪ ،‬فلما جاءها الماء اهتزت وربت ‪ ،‬وأنبتت من كل زوج بهيج‪.‬‬
‫ثم نبه بإحياء الرض على إحياء الجساد يوم المعاد بعد موتها ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ن{‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ك تُ ْ‬‫} ك َذ َل ِ َ‬
‫ج ك ُل َّها { أي ‪ :‬مما تنبت الرض من سائر‬ ‫خل َقَ الْزَوا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ثم قال ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫الصناف ‪ ،‬من نبات وزروع وثمار وأزاهير ‪ ،‬وغير ذلك ]أي[ )‪ (2‬من الحيوانات‬
‫ك { أي ‪ :‬السفن‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬‫ل ل َك ُ ْ‬‫جعَ َ‬‫على اختلف أجناسها وأصنافها ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ذللها لكم وسخرها ويسرها لكلكم لحومها ‪،‬‬ ‫ما ت َْرك َُبو َ‬ ‫} َوالن َْعام ِ َ‬
‫ووا عََلى ظ ُُهورِهِ { )‬ ‫ست َ ُ‬ ‫وشربكم ألبانها وركوبكم ظهورها ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل ِت َ ْ‬
‫‪ (3‬أي ‪ :‬لتستووا )‪ (4‬متمكنين مرتفقين } عََلى ظ ُُهورِهِ { أي ‪ :‬على ظهور‬
‫م‬‫ست َوَي ْت ُ ْ‬‫م { أي ‪ :‬فيما سخر لكم } إ َِذا ا ْ‬ ‫ة َرب ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ت َذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬
‫هذا الجنس ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬مقاومين‪.‬‬ ‫قرِِني َ‬ ‫م ْ‬‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫ما ك ُّنا ل ُ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫َ‬
‫خَر لَنا هَ َ‬ ‫س ّ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫قوُلوا ُ‬ ‫عَل َي ْهِ وَت َ ُ‬
‫ولول تسخير )‪ (5‬الله لنا هذا ما قدرنا عليه‪.‬‬
‫قال ابن عباس )‪ ، (6‬وقتادة ‪ ،‬والسدي وابن زيد ‪ } :‬مقرنين { أي ‪:‬‬
‫مطيقين‪(7) .‬‬
‫ن { أي ‪ :‬لصائرون إليه بعد مماتنا ‪ ،‬وإليه سيرنا الكبر‪.‬‬ ‫} وَإ ِّنا إ َِلى َرب ّ َ ُ ْ ِ ُ َ‬
‫بو‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬
‫وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الخرة ‪ ،‬كما نبه بالزاد الدنيوي‬
‫وى {‬ ‫ق َ‬ ‫خي َْر الّزادِ الت ّ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫على ]الزاد[ )‪ (8‬الخروي في قوله ‪ } :‬وَت ََزوُّدوا فَإ ِ ّ‬
‫شا‬‫]البقرة ‪ [197 :‬وباللباس الدنيوي على الخروي في قوله تعالى ‪ } :‬وَِري ً‬
‫ت الل ّهِ [ { ]العراف ‪.[26 :‬‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬‫خي ٌْر ]ذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫وى ذ َل ِ َ‬ ‫ق َ‬‫س الت ّ ْ‬‫وَل َِبا ُ‬
‫ذكر الحاديث الواردة عند ركوب الدابة ‪:‬‬
‫حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا شريك بن عبد الله ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪،‬‬
‫عن علي بن ربيعة قال ‪ :‬رأيت عليا ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أتى )‪ (9‬بدابة ‪ ،‬فلما‬
‫وضع رجله في الّركاب قال ‪ :‬باسم الله‪ .‬فلما استوى عليها قال ‪ :‬الحمد لله ‪،‬‬
‫ن { ثم‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِّنا إ َِلى َرب َّنا ل َ ُ‬
‫من ْ َ‬ ‫قرِِني َ‬
‫م ْ‬
‫ه ُ‬‫ما ك ُّنا ل َ ُ‬ ‫خَر ل ََنا هَ َ‬
‫ذا وَ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫حا َ‬‫سب ْ َ‬
‫} ُ‬
‫حمد الله ثلثا ‪ ،‬وكبر ثلثا ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬سبحانك ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬قد ظلمت‬
‫نفسي فاغفر لي‪ .‬ثم ضحك فقلت له ‪ :‬من أي شيء ضحكت )‪ (10‬يا أمير‬
‫ت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت )‬ ‫المؤمنين ؟ فقال ‪ :‬رأي ُ‬
‫‪ ، (11‬ثم ضحك‪ .‬فقلت ‪ :‬مم ضحكت يا رسول الله ؟ فقال ‪" :‬يعجب الرب )‬
‫‪ (12‬من عبده إذا قال ‪ :‬رب اغفر لي‪ .‬ويقول ‪ :‬علم عبدي أنه ل يغفر الذنوب‬
‫غيري"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬لزرعكم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ظهره"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬لتستقروا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬ولول ما يسخر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬عياض"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬مطيعين"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬أنه أتى"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬مم ضحكت"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬فعل مثل ما فعلت"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الرب عز وجل"‪.‬‬

‫) ‪(7/220‬‬

‫وهكذا رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث أبي الحوص ‪ -‬زاد‬
‫سِبيعي ‪ ،‬عن علي بن ربيعة السدي‬ ‫النسائي ‪ :‬ومنصور ‪ -‬عن أبي إسحاق ال ّ‬
‫الوالبي ‪ ،‬به )‪ .(2) (1‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫سِبيعي ‪:‬‬
‫مهْدِيّ ‪ ،‬عن شعبة ‪ :‬قلت لبي إسحاق ال ّ‬
‫وقد قال عبد الرحمن بن َ‬
‫ممن سمعت هذا الحديث ؟ قال ‪ :‬من يونس بن خباب‪ .‬فلقيت يونس بن‬
‫خباب فقلت ‪ :‬ممن سمعته ؟ فقال ‪ :‬من رجل سمعه من علي بن ربيعة‪.‬‬
‫ورواه بعضهم عن يونس بن خباب ‪ ،‬عن شقيق بن عقبة السدي ‪ ،‬عن علي‬
‫بن ربيعة الوالبي ‪ ،‬به‪(3) .‬‬
‫حديث عبد الله بن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن عبد الله ‪ ،‬عن علي‬
‫بن أبي طلحة ‪ ،‬عن عبد الله بن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أردفه على دابته ‪ ،‬فلما استوى عليها كّبر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ثلثا ‪ ،‬وحمد )‪ (4‬ثلثا ‪ ،‬وهلل الله واحدة‪ .‬ثم استلقى عليه فضحك ‪ ،‬ثم أقبل‬
‫عليه فقال ‪" :‬ما من امرئ مسلم يركب دابة فيصنع كما صنعت ‪ ،‬إل أقبل‬
‫الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬عليه ‪ ،‬فضحك إليه كما ضحكت إليك"‪ .‬تفرد به أحمد‪(5) .‬‬
‫حديث عبد الله بن عمر ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن‬
‫علي بن عبد الله البارقي ‪ ،‬عن عبد الله بن عمر ‪ ،‬رضي الله عنهما ؛ أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته كبر ثلثا ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫ن {‪ .‬ثم‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِّنا إ َِلى َرب َّنا ل َ ُ‬
‫من ْ َ‬ ‫قرِِني َ‬
‫م ْ‬ ‫ما ك ُّنا ل َ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫خَر ل ََنا هَ َ‬
‫ذا وَ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حا َ‬‫سب ْ َ‬
‫} ُ‬
‫يقول ‪" :‬اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ‪ ،‬ومن العمل ما‬
‫ترضى‪ .‬اللهم ‪ ،‬هون علينا السفر واطو لنا البعيد‪ .‬اللهم ‪ ،‬أنت الصاحب في‬
‫السفر ‪ ،‬والخليفة في الهل‪ .‬اللهم ‪ ،‬اصحبنا في سفرنا ‪ ،‬واخلفنا في أهلنا"‪.‬‬
‫وكان إذا رجع إلى أهله قال ‪" :‬آيبون تائبون إن شاء الله ‪ ،‬عابدون ‪ ،‬لربنا‬
‫حامدون"‪.‬‬
‫وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي ‪ ،‬من حديث ابن جريج ‪ ،‬والترمذي من‬
‫حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬كلهما عن أبي الزبير ‪ ،‬به‪(6) .‬‬
‫حديث آخر ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن عبيد ‪ ،‬حدثنا محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن محمد‬
‫بن إبراهيم ‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬رواه المام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (1/97‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2602‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (3446‬والنسائي في السنن الكبري برقم )‪.(8800‬‬
‫)‪ (3‬تحفة الشراف للمزي )‪.(7/436‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وحمد الله ثلثا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (2/330‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/131‬فيه أبو بكر بن‬
‫أبي مريم وهو ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (2/144‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1342‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (2599‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (10382‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪.(3447‬‬

‫) ‪(7/221‬‬

‫خل ُقُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ن )‪ (15‬أ َم ِ ات ّ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫فوٌر ُ‬ ‫ن ل َك َ ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ن اْل ِن ْ َ‬ ‫جْزًءا إ ِ ّ‬ ‫عَبادِهِ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جعَُلوا ل َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫مث َل ظ ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (16‬وَإ َِذا ب ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِللّر ْ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬‫حد ُهُ ْ‬ ‫شَر أ َ‬ ‫م ِبالب َِني َ‬ ‫فاك ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ت وَأ ْ‬ ‫ب ََنا ٍ‬
‫َ‬
‫صام ِ غي ُْر‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن ي ُن َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خ َ‬ ‫حلي َةِ وَهُوَ ِفي ال ِ‬ ‫شأ ِفي ال ِ‬ ‫م ْ‬‫م )‪ (17‬أوَ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫سوَّدا وَهُوَ ك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫جهُ ُ‬ ‫وَ ْ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن إ َِناًثا أ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قهُ ْ‬ ‫خل َ‬ ‫دوا َ‬ ‫شهِ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عَباد ُ الّر ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ِ‬ ‫ملئ ِك َ‬ ‫جعَلوا ال َ‬ ‫ن )‪ (18‬وَ َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (19‬وَقالوا لوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب َ‬ ‫ْ‬
‫ما لهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما عَب َد َْناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬‫ح َ‬ ‫شاَء الّر ْ‬ ‫سألو َ‬ ‫م وَي ُ ْ‬ ‫شَهاد َت ُهُ ْ‬ ‫ست ُكت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل ي َ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫علم ٍ إ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ب ِذل ِك ِ‬ ‫َ‬
‫عمرو بن الحكم بن ثوبان )‪ ، (1‬عن أبي لس الخزاعي قال ‪ :‬حملنا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة إلى الحج‪ .‬فقلنا ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬ما نرى )‪ (2‬أن تحملنا هذه! فقال ‪" :‬ما من بعير إل في ذروته‬
‫شيطان ‪ ،‬فاذكروا اسم الله عليها إذا ركبتموها كما آمركم )‪ ، (3‬ثم امتهنوها‬
‫لنفسكم ‪ ،‬فإنما يحمل الله عز وجل"‪(4) .‬‬
‫خَلف‪.‬‬ ‫أبو لس اسمه ‪ :‬محمد بن السود بن َ‬
‫حديث آخر في معناه ‪:‬‬
‫قال أحمد ‪ :‬حدثنا عَّتاب ‪ ،‬أخبرنا عبد الله)ح( وعلي بن إسحاق ‪ ،‬أخبرنا عبد‬
‫الله ‪ -‬يعني ابن المبارك ‪ -‬أخبرنا أسامة بن زيد ‪ ،‬أخبرني محمد بن حمزة ؛‬
‫أنه سمع أباه يقول ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬على‬
‫ظهر كل بعير شيطان ‪ ،‬فإن ركبتموها فسموا الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ثم ل تقصروا‬
‫عن حاجاتكم"‪(5) .‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خلقُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ن )‪ (15‬أم ِ ات ّ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫فوٌر ُ‬ ‫َ‬
‫ن لك ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫جْزًءا إ ِ ّ‬ ‫عَبادِهِ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جعَُلوا ل َ ُ‬ ‫} وَ َ‬
‫ل‬ ‫مَثل ظ ّ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (16‬وَإ َِذا ب ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِللّر ْ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حد ُهُ ْ‬ ‫شَر أ َ‬ ‫م ِبالب َِني َ‬ ‫فاك ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ت وَأ ْ‬ ‫ب ََنا ٍ‬
‫َ‬
‫صام ِ غي ُْر‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن ي ُن َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خ َ‬ ‫حلي َةِ وَهُوَ ِفي ال ِ‬ ‫شأ ِفي ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م )‪ (17‬أوَ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫سوَّدا وَهُوَ ك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫جهُ ُ‬ ‫وَ ْ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قهُ ْ‬ ‫خل َ‬ ‫دوا َ‬ ‫ن إ َِناثا أشهِ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عَباد ُ الّر ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ِ‬ ‫ملئ ِك َ‬ ‫جعَلوا ال َ‬ ‫ن )‪ (18‬و َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ء‬
‫َ‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪19‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫شها َدتهم ويسأ َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ّ ْ َ ُ َ ََ َْ ُ ْ َ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُُ ْ َُ ْ‬ ‫َ ُ َ ُ‬
‫ن )‪{ (20‬‬ ‫ك ِ ْ ِ ٍ ِ ْ ُ ْ ِ َ ُ ُ َ‬
‫صو‬ ‫ر‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫إل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ب ِذ َل ِ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض‬
‫النعام لطواغيتهم وبعضها لله ‪ ،‬كما ذكر الله عنهم في سورة "النعام" ‪ ،‬في‬
‫َ‬
‫ذا ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫قاُلوا هَ َ‬ ‫صيًبا فَ َ‬ ‫ث َوالن َْعام ِ ن َ ِ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ذ ََرأ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫جعَُلوا ل ِل ّهِ ِ‬ ‫قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن ل ِلهِ فَهُ َ‬
‫و‬ ‫ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ّ‬
‫ل إ ِلى اللهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ص ُ‬ ‫م َفل ي َ ِ‬ ‫كائ ِهِ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫كائ َِنا فَ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ذا ل ِ ُ‬ ‫م وَهَ َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫ب َِزعْ ِ‬
‫ن { ]النعام ‪ .[136 :‬وكذلك جعلوا له من‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫شَركائ ِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل إ ِلى ُ‬ ‫َ‬ ‫ص ُ‬ ‫يَ ِ‬
‫سهما وأردأهما وهو البنات ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫قسمي )‪ (6‬البنات والبنين أخ ّ‬
‫ه الن َْثى‪ .‬ت ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ضيَزى { ]النجم ‪ .[22 ، 21 :‬وقال‬ ‫ة ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫س َ‬ ‫ك إ ًِذا قِ ْ‬ ‫م الذ ّك َُر وَل َ ُ‬ ‫} أل َك ُ ُ‬
‫ن{‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫فوٌر ُ‬ ‫ن ل َك َ ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫جْزًءا إ ِ ّ‬ ‫عَبادِهِ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جعَُلوا ل َ ُ‬ ‫هاهنا ‪ } :‬وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { وهذا إنكار عليهم غاية‬ ‫م ِبالب َِني َ‬ ‫فاك ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ت وَأ ْ‬ ‫خلقُ ب ََنا ٍ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬أم ِ ات ّ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫النكار‪ .‬ثم ذكر تمام النكار فقال ‪ } :‬وَإ َِذا ب ُ ّ‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِللّر ْ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حد ُهُ ْ‬ ‫شَر أ َ‬
‫م { أي ‪ :‬إذا بشر أحد هؤلء بما جعلوه لله‬ ‫ظي ٌ‬ ‫سوَّدا وَهُوَ ك َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫جهُ ُ‬ ‫ل وَ ْ‬ ‫مَثل ظ َ ّ‬ ‫َ‬
‫من البنات يأنف من ذلك غاية النفة ‪ ،‬وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬رواه المام أحمد بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬ما ترى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬أمرتم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (4/221‬ورجاله ثقات‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (3/494‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/131‬رجاله رجال‬
‫الصحيح غير محمد بن حمزة وهو ثقة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬من كل قسم"‪.‬‬

‫) ‪(7/222‬‬

‫ويتوارى من القوم من خجله من ذلك ‪ ،‬يقول تعالى ‪ :‬فكيف تأنفون أنتم من‬
‫ذلك ‪ ،‬وتنسبونه إلى الله عز وجل ؟‪.‬‬
‫ثم قال ‪ } :‬أ َومن ين ّ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬المرأة‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫صام ِ غَي ُْر ُ‬ ‫خ َ‬ ‫حل ْي َةِ وَهُوَ ِفي ال ْ ِ‬ ‫شأ ِفي ال ْ ِ‬ ‫َ َ ْ َُ‬
‫ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة ‪ ،‬وإذا خاصمت فل عبارة‬
‫ن يكون هكذا ينسب إلى جناب الله عز وجل )‬ ‫م ْ‬ ‫لها ‪ ،‬بل هي عاجزة عَي ِّية ‪ ،‬أوَ َ‬
‫‪ (1‬؟! فالنثى ناقصة الظاهر والباطن ‪ ،‬في الصورة والمعنى ‪ ،‬فيكمل نقص‬
‫ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه ‪ ،‬ليجبر ما فيها من نقص ‪ ،‬كما‬
‫قال بعض شعراء العرب ‪:‬‬
‫صرا‪...‬‬ ‫سن قَ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫سن إذا ال ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫م من ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ة‪ ...‬يت ّ‬ ‫ة من نقيص ٍ‬ ‫حْلي إل زين َ ٌ‬ ‫ما ال َ‬ ‫وَ َ‬
‫ج إلى أن يَزّورا‪...‬‬ ‫حت َ ْ‬ ‫سنك ‪ ،‬لم ي َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل موّفرا‪ ...‬ك ُ‬ ‫ما إَذا كان الجما ُ‬ ‫وأ ّ‬
‫وأما نقص معناها ‪ ،‬فإنها ضعيفة عاجزة عن النتصار عند النتصار ‪ ،‬ل عبارة‬
‫لها ول همة ‪ ،‬كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت ‪" :‬ما هي بنعم الولد ‪:‬‬
‫نصرها بالبكاء ‪ ،‬وبرها سرقة"‪.‬‬
‫ن إ َِناًثا { أي ‪ :‬اعتقدوا فيهم‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫عَباد ُ الّر ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ة ال ّ ِ‬ ‫ملئ ِك َ َ‬ ‫جعَُلوا ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذلك ‪ ،‬فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك ‪ ،‬فقال ‪ } :‬أ َ‬
‫قهُ ْ‬
‫خل َ‬ ‫دوا َ‬ ‫شهِ ُ‬
‫م { أي ‪ :‬بذلك ‪،‬‬ ‫شَهاد َت ُهُ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ست ُك ْت َ ُ‬ ‫شاهدوه وقد خلقهم الله إناثا ‪َ } ،‬‬
‫} ويسألون { عن ذلك يوم القيامة‪ .‬وهذا تهديد شديد ‪ ،‬ووعيد أكيد‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬لو أراد الله لحال بيننا وبين‬ ‫ما عَب َد َْناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫شاَء الّر ْ‬ ‫} وََقاُلوا ل َوْ َ‬
‫عبادة هذه الصنام ‪ ،‬التي هي على صور )‪ (2‬الملئكة التي هي بنات الله ‪،‬‬
‫فإنه عالم بذلك وهو يقررنا عليه ‪ ،‬فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ ‪:‬‬
‫جعُْلهم لله ولدا ‪ ،‬تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬ ‫أحدها ‪َ :‬‬
‫الثاني ‪ :‬دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين ‪ ،‬فجعلوا الملئكة الذين هم‬
‫عباد الرحمن إناثا‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬عبادتهم لهم مع ذلك كله ‪ ،‬بل دليل ول برهان ‪ ،‬ول إذن من الله عز‬
‫وجل ‪ ،‬بل بمجرد الراء والهواء ‪ ،‬والتقليد للسلف والكبراء والباء ‪ ،‬والخبط‬
‫في الجاهلية الجهلء‪.‬‬
‫درا ]والحجة إنما تكون بالشرع[ )‬ ‫الرابع ‪ :‬احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قَ َ‬
‫‪ ، (3‬وقد جهلوا في هذا الحتجاج جهل كبيًرا ‪ ،‬فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم‬
‫أشد النكار ‪ ،‬فإنه منذ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده ل شريك‬
‫قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫له ‪ ،‬وينهى عن عبادة ما سواه ‪ ،‬قال ]تعالى[ )‪ } ، (4‬وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ه وَ ِ‬‫دى الل ّ ُ‬ ‫ن هَ َ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت فَ ِ‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن ا ُعْب ُ ُ‬ ‫سول أ ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ن{‬ ‫بي‬‫ّ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬
‫َ َ َِ ُ ُ ِ َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ة‬ ‫ب‬‫ق‬ ‫عا‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ف‬
‫ْ َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫روا‬ ‫ْ ُ‬‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫روا‬ ‫سي‬
‫ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫َ‬
‫ّ ُ‬ ‫ل‬ ‫ضل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ق ْ َ ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ح ّ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ِ‬
‫جعَل َْنا‬ ‫أ‬ ‫نا‬
‫ِ ْ ُ ُ َِ َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬
‫َ ْ ْ َ َ ِ ْ ِْ‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫َ ْ‬ ‫وا‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪36‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]النحل‬
‫ن { ]الزخرف ‪.[45 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫ة ي ُعْب َ ُ‬ ‫ن آل ِهَ ً‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬الله تعالى" ‪ ،‬وفي م ‪ ،‬أ ‪" :‬الله العظيم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬صورة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/223‬‬

‫جد َْنا آ ََباَءَنا‬


‫ل َقاُلوا إ ِّنا وَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫أَ ْ َ‬
‫ن )‪ (21‬ب َ ْ‬
‫كو َ‬ ‫م ِ‬
‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬
‫م ب ِهِ ُ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ فَهُ ْ‬‫م ْ‬
‫م ك َِتاًبا ِ‬
‫م آت َي َْناهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫دو َ‬
‫مهْت َ ُ‬‫م ُ‬ ‫مةٍ وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬ ‫عََلى أ ّ‬
‫عل ْم ٍ {‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬
‫م ب ِذ َل ِ َ‬ ‫وقال في هذه الية ‪ -‬بعد أن ذكر حجتهم هذه ‪َ } : -‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يكذبون‬ ‫صو َ‬‫خُر ُ‬
‫م ِإل ي َ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫أي ‪ :‬بصحة ما قالوه واحتجوا به } إ ِ ْ‬
‫ويتقولون‪.‬‬
‫ن { أي )‬ ‫صو‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫إل‬ ‫م‬
‫ِ ْ ِ ٍ ِ ْ ُ ْ ِ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ب‬
‫َ ُ ْ ِ ِ‬‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫مجاهد‬ ‫وقال‬
‫‪ (1‬ما يعلمون قدرة الله على ذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫جد َْنا آَباءََنا‬‫ل َقاُلوا إ ِّنا وَ َ‬ ‫ن )‪ (21‬ب َ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫س ُ‬
‫م ِ‬‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ فَهُ ْ‬
‫م ب ِهِ ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ك َِتاًبا ِ‬
‫م آت َي َْناهُ ْ‬
‫}أ ْ‬
‫ُ‬
‫ن )‪{ (22‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫مةٍ وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬
‫م ُ‬ ‫عََلى أ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬يعني"‪.‬‬

‫) ‪(7/224‬‬

‫جد َْنا آ ََباَءَنا‬ ‫ذيرٍ إ ِّل َقا َ‬ ‫َ‬


‫ها إ ِّنا وَ َ‬ ‫مت َْرُفو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن نَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ك ِفي قَْري َةٍ ِ‬
‫م‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫م‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫جد ْت ُ ْ‬
‫ما وَ َ‬ ‫م ّ‬‫دى ِ‬ ‫م ب ِأهْ َ‬‫جئ ْت ُك ُ ْ‬ ‫ل أوَل َوْ ِ‬‫ن )‪َ (23‬قا َ‬ ‫دو َ‬ ‫قت َ ُ‬‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫مةٍ وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬ ‫عََلى أ ّ‬
‫م َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫مَنا ِ‬‫ق ْ‬ ‫ن )‪َ (24‬فان ْت َ َ‬ ‫م ب ِهِ َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫سل ْت ُ ْ‬‫ما أْر ِ‬ ‫م َقاُلوا إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫عَل َي ْهِ آَباَءك ُ ْ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬‫ة ال ْ ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫جد َْنا‬ ‫ها إ ِّنا وَ َ‬ ‫مت َْرُفو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ذيرٍ ِإل َقا َ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِفي قَْري َةٍ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫} وَك َذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫م ّ‬ ‫دى ِ‬ ‫م ب ِأهْ َ‬ ‫جئ ْت ُك ُ ْ‬ ‫ل أوَل َوْ ِ‬ ‫ن )‪َ (23‬قا َ‬ ‫دو َ‬ ‫قت َ ُ‬
‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫مةٍ وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬ ‫آَباَءَنا عََلى أ ّ‬
‫ُ‬
‫م‬‫من ْهُ ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن )‪َ (24‬فان ْت َ َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫سل ْت ُ ْ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫م َقاُلوا إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫م عَل َي ْهِ آَباَءك ُ ْ‬ ‫جد ْت ُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪{ (25‬‬ ‫مكذ ِّبي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َفان ْظْر كي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫يقول تعالى منكرا على المشركين في عبادتهم غير الله بل برهان ول دليل‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ { أي ‪ :‬من قبل شركهم ‪ } ،‬فَهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ك َِتاًبا ِ‬ ‫م آت َي َْناهُ ْ‬ ‫ول حجة ‪ } :‬أ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬فيما هم فيه ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس المر كذلك ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬أ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن { ]الروم ‪ [35 :‬أي ‪ :‬لم‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫أنز‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ ِ ِ ُ ِ‬ ‫ً ُ َ ََ ُ ِ َ‬ ‫َ َ ِْ ْ ُ‬
‫يكن ذلك‪.‬‬
‫ُ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مةٍ وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬ ‫جد َْنا آَباَءَنا عََلى أ ّ‬ ‫ل َقاُلوا إ ِّنا وَ َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫ليس لهم مستند )‪ (1‬فيما هم فيه من الشرك سوى تقليد الباء والجداد ‪،‬‬
‫ُ‬
‫مت ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن هَذِهِ أ ّ‬ ‫بأنهم كانوا على أمة ‪ ،‬والمراد بها الدين هاهنا ‪ ،‬وفي قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫حد َة ً { ]النبياء ‪.[92 :‬‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫ُ‬
‫أ ّ‬
‫م { أي ‪ :‬ورائهم } مهتدون { ‪ ،‬دعوى منهم بل‬ ‫وقولهم ‪ } :‬وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬
‫دليل‪.‬‬
‫ثم بين تعالى أن مقالة هؤلء قد سبقهم إليها أشباههم ونظراؤهم من المم‬
‫ما‬ ‫ك َ‬ ‫السالفة المكذبة للرسل ‪ ،‬تشابهت قلوبهم ‪ ،‬فقالوا مثل مقالتهم ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫حر أ َو مجنو َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ل هُ ْ‬ ‫وا ب ِهِ ب َ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫ن أت َ َ‬ ‫سا ِ ٌ ْ َ ْ ُ ٌ‬ ‫ل ِإل َقاُلوا َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫أَتى ال ّ ِ‬
‫سل َْنا‬ ‫َ‬ ‫ن { ]الذاريات ‪ ، [53 ، 52 :‬وهكذا قال هاهنا ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫م َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫غو َ‬ ‫قَوْ ٌ‬
‫ُ‬
‫مةٍ وَإ ِّنا‬ ‫جد َْنا آَباَءَنا عََلى أ ّ‬ ‫ها إ ِّنا وَ َ‬ ‫مت َْرُفو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ذيرٍ ِإل َقا َ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِفي قَْري َةٍ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن{‬ ‫دو‬
‫ِ ْ ُ َ ُ َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ثا‬‫َ‬ ‫آ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫جئ ْت ُك ُْ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ثم قال ِتعالى ‪ } :‬قل { أي ‪ :‬يا محمد لهؤلء المشركين ‪ } :‬أ َ‬
‫َ ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ولو‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫سل ْت ُ ْ‬‫ما أْر ِ‬ ‫م َقاُلوا إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫م عَل َي ْهِ آَباَءك ُ ْ‬ ‫جد ْت ُ ْ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫دى ِ‬ ‫ب ِأهْ َ‬
‫علموا وتيقنوا صحة ما جئتهم به ‪ ،‬لما انقادوا لذلك بسوء قصدهم ومكابرتهم‬
‫للحق وأهله‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬من المم المكذبة بأنواع من العذاب‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫قال الله تعالى ‪َ } :‬فان ْت َ َ‬
‫ن{؟‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬‫كا َ‬ ‫‪ ،‬كما فصله تعالى في قصصهم ‪َ } ،‬فان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫ف َ‬
‫أي ‪ :‬كيف بادوا وهلكوا ‪ ،‬وكيف نجى الله المؤمنين ؟‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬سند"‪.‬‬

‫) ‪(7/224‬‬

‫ذي فَط ََرِني‬ ‫ن )‪ (26‬إ ِّل ال ّ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫مهِ إ ِن ِّني ب ََراٌء ِ‬ ‫م ِل َِبيهِ وَقَوْ ِ‬ ‫هي ُ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ن )‪ (28‬ب َ ْ‬
‫ل‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫ّ‬
‫قب ِهِ لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ة ِفي عَ ِ‬ ‫ة َباقِي َ ً‬ ‫م ً‬‫جعَلَها ك َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (27‬وَ َ‬ ‫فَإ ِن ّ ُ‬
‫دي ِ‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫ه َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬
‫م ال َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (29‬وَل ّ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫حقّ وََر ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫حّتى َ‬ ‫م َ‬ ‫ت هَؤُلِء وَآَباَءهُ ْ‬ ‫مت ّعْ ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ج‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪30‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫رو‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ر‬‫ح‬ ‫ْ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫َ ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ َِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫مَنا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة َرب ّك ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫مو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ظيم ٍ )‪ (31‬أهُ ْ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫قْري َت َي ْ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫م‬
‫ضهُ ْ‬
‫ُ‬
‫خذ َ ب َعْ ُ‬ ‫ت ل ِي َت ّ ِ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ض د ََر َ‬
‫َ‬ ‫م فَوْقَ ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وََرفَعَْنا ب َعْ َ‬ ‫م ِفي ال َ‬ ‫شت َهُ ْ‬ ‫مِعي َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫ن ي َكو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (32‬وَلوْل أ ْ‬ ‫َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫ة َرب ّك َ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫خرِّيا وََر ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ضا ُ‬ ‫ب َعْ ً‬
‫َ‬
‫ج عَلي َْها‬ ‫مَعارِ َ‬ ‫ضةٍ وَ َ‬ ‫ن فِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فا ِ‬ ‫ق ً‬ ‫س ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل ِب ُُيوت ِهِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫فُر ِبالّر ْ‬ ‫ن ي َك ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جعَلَنا ل ِ َ‬ ‫حد َة ً ل َ‬ ‫َوا ِ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫ي َظ ْهَُرو َ‬

‫ذي فَط ََرِني‬ ‫ن )‪ِ (26‬إل ال ّ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫مهِ إ ِن ِّني ب ََراٌء ِ‬ ‫م لِبيهِ وَقَوْ ِ‬ ‫هي ُ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫} وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ن )‪ (28‬ب َ ْ‬
‫ل‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫ّ‬
‫قب ِهِ لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ة ِفي عَ ِ‬ ‫ة َباقِي َ ً‬ ‫م ً‬ ‫َ‬
‫جعَلَها كل ِ َ‬‫َ‬ ‫ن )‪ (27‬وَ َ‬ ‫فَإ ِن ّ ُ‬
‫دي ِ‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫ه َ‬
‫حقّ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (29‬وَل ّ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫سو ٌ‬ ‫حقّ وََر ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫حّتى َ‬ ‫م َ‬ ‫ؤلِء َوآَباَءهُ ْ‬ ‫ت هَ ُ‬ ‫مت ّعْ ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ج ٍ‬ ‫ن عَلى َر ُ‬ ‫َ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫ْ‬
‫ذا ال ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ول نز َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (30‬وََقالوا ل ْ‬ ‫َ‬
‫حٌر وَإ ِّنا ب ِهِ كافُِرو َ‬ ‫س ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫َقالوا هَ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مَنا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫نق َ‬ ‫ح ُ‬‫ة َرب ّك ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫مو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ظيم ٍ )‪ (31‬أهُ ْ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫قْري َت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م‬
‫ضهُ ْ‬ ‫خذ َ ب َعْ ُ‬ ‫ت ل ِي َت ّ ِ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ض د ََر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مِعي َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م فوْقَ ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وََرفعَْنا ب َعْ َ‬ ‫م ِفي ال َ‬ ‫شت َهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ي َكو َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (32‬وَل ْ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫َ‬
‫ة َرب ّك َ‬ ‫م ُ‬‫ح َ‬ ‫خرِّيا وََر ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ضا ُ‬ ‫ب َعْ ً‬
‫ج عَل َي َْها‬ ‫ر‬ ‫عا‬
‫ّ ٍ َ َ َ ِ َ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ِ ْ‬ ‫م‬ ‫فا‬‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫س‬
‫ح َ ً َ َ َ ِ َ ْ َ ُ ِ ّ ْ َ ِ ُُِ ِِ ْ ُ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫يو‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫بال‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫َوا ِ‬
‫ن )‪{ (33‬‬ ‫ي َظ ْهَُرو َ‬

‫) ‪(7/225‬‬

‫ول ِبيوت ِه َ‬
‫مَتاعُ‬ ‫ك لَ ّ‬
‫ما َ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫خُرًفا وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪ (34‬وَُز ْ‬ ‫سُرًرا عَل َي َْها ي َت ّك ُِئو َ‬
‫واًبا وَ ُ‬
‫م أب ْ َ‬‫َ ُُ ِ ْ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫ْ‬ ‫عن ْد َ َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قي َ‬
‫مت ّ ِ‬
‫ك ل ِل ُ‬ ‫خَرةُ ِ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫} ول ِبيوت ِه َ‬
‫مَتاعُ‬
‫ما َ‬‫ك لَ ّ‬
‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫خُرًفا وَإ ِ ْ‬‫ن )‪ (34‬وَُز ْ‬ ‫سُرًرا عَل َي َْها ي َت ّك ُِئو َ‬ ‫واًبا وَ ُ‬ ‫م أب ْ َ‬ ‫َ ُُ ِ ْ‬
‫ن )‪{ (35‬‬ ‫قي‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫حَياةِ الد ّن ْ َ َ ِ َ ُ ِ ْ َ َ ّ ِ ُ ّ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ن‬‫ع‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫وال‬ ‫يا‬ ‫ال ْ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء ‪ ،‬ووالد من بعث‬
‫بعده من النبياء ‪ ،‬الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها ‪ :‬أنه تبرأ من‬
‫ذي‬‫ن‪ِ .‬إل ال ّ ِ‬‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫م ّ‬
‫أبيه وقومه في عبادتهم الوثان ‪ ،‬فقال ‪ } :‬إ ِن ِّني ب ََراٌء ِ‬
‫قب ِهِ { أي ‪ :‬هذه الكلمة ‪ ،‬وهي‬ ‫ة ِفي عَ ِ‬ ‫ة َباقِي َ ً‬‫م ً‬ ‫جعَل ََها ك َل ِ َ‬ ‫ن‪ .‬وَ َ‬ ‫دي ِ‬‫سي َهْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫فَط ََرِني فَإ ِن ّ ُ‬
‫عبادة الله تعالى وحده ل شريك له ‪ ،‬وخلع ما سواه من الوثان ‪ ،‬وهي "ل إله‬
‫إل الله" أي ‪ :‬جعلها دائمة في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرية‬
‫ن { أي ‪ :‬إليها‪.‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ } ،‬ل َعَل ّهُ ْ‬
‫وقال عكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم )‪ (1‬في‬
‫قب ِهِ { يعني ‪ :‬ل إله إل الله ‪ ،‬ل يزال‬ ‫ة ِفي عَ ِ‬ ‫ة َباقِي َ ً‬ ‫م ً‬ ‫جعَل ََها ك َل ِ َ‬‫قوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫في ذريته من يقولها‪ .‬وُروي نحوه عن ابن عباس‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬كلمة السلم‪ .‬وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة‪.‬‬
‫ؤلِء { يعني ‪ :‬المشركين ‪ } ،‬وآباءهم { أي ‪:‬‬ ‫ت هَ ُ‬ ‫مت ّعْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫ن{‬‫مِبي ٌ‬
‫ل ُ‬ ‫سو ٌ‬ ‫حقّ وََر ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫جاَءهُ ُ‬ ‫حّتى َ‬‫فتطاول عليهم العمر في ضللهم )‪َ } ، (2‬‬
‫أي ‪ :‬بين الرسالة والنذارة‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬كابروه وعاندوه‬ ‫كافُِرو َ‬‫حٌر وَإ ِّنا ب ِهِ َ‬
‫س ْ‬
‫ذا ِ‬ ‫حقّ َقاُلوا هَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬‫} وَل َ ّ‬
‫ودفعوا )‪ (3‬بالصدور والراح كفرا وحسدا وبغيا ‪ } ،‬وقالوا { ]أي[ )‪(4‬‬
‫َ‬
‫ن عَلى‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫قْرآ ُ‬ ‫ل هَ َ‬‫ول نز َ‬ ‫كالمعترضين على الذي أنزله تعالى وتقدس ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫ظيم ٍ { أي ‪ :‬هل كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قْري َت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬‫َر ُ‬
‫كبير في أعينهم من القريتين ؟ يعنون مكة والطائف‪ .‬قاله ابن عباس ‪،‬‬
‫وعكرمة ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬وقتادة والسدي ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وغيرهما"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬ضللتهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬ودفعوه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬

‫) ‪(7/225‬‬

‫وقد ذكر غير واحد منهم )‪ : (1‬أنهم أرادوا بذلك الوليد بن المغيرة ‪ ،‬وعروة‬
‫بن مسعود الثقفي‪.‬‬
‫وقال مالك عن زيد بن أسلم ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ :‬يعنون الوليد بن‬
‫المغيرة ‪ ،‬ومسعود بن عمرو الثقفي‪.‬‬
‫وعن مجاهد ‪ :‬عمير بن عمرو بن مسعود الثقفي‪ .‬وعنه أيضا ‪ :‬أنهم يعنون‬
‫الوليد بن المغيرة ‪ ،‬وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي‪.‬‬
‫وعن مجاهد ‪ :‬يعنون عتبة بن ربيعة بمكة ‪ ،‬وابن عبد يا ليل بالطائف‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬عنوا ]بذلك[ )‪ (2‬الوليد بن المغيرة ‪ ،‬وكنانة بن عمرو بن عمير‬
‫الثقفي‪.‬‬
‫والظاهر ‪ :‬أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان‪.‬‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫مو َ‬ ‫س ُ‬
‫ق ِ‬‫م يَ ْ‬‫قال الله تعالى رادا عليهم في هذا العتراض ‪ } :‬أهُ ْ‬
‫ك { ؟ أي ‪ :‬ليس المر مردودا إليهم ‪ ،‬بل إلى الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬والله أعلم‬ ‫َرب ّ َ‬
‫حيث يجعل رسالته ‪ ،‬فإنه ل ينزلها إل على أزكى الخلق قلبا ونفسا ‪،‬‬
‫وأشرفهم بيتا وأطهرهم أصل‪.‬‬
‫ثم قال تعالى مبينا أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الموال والرزاق‬
‫ن‬‫ح ُ‬
‫والعقول والفهوم ‪ ،‬وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ن َ ْ‬
‫ت{‬ ‫جا ٍ‬ ‫ض د ََر َ‬‫م فَوْقَ ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وََرفَعَْنا ب َعْ َ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫شت َهُ ْ‬ ‫مِعي َ‬ ‫م َ‬ ‫مَنا ب َي ْن َهُ ْ‬
‫س ْ‬‫قَ َ‬
‫خرِّيا { قيل ‪ :‬معناه ليسخر )‪ (3‬بعضهم بعضا‬ ‫س ْ‬ ‫ضا ُ‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫خذ َ ب َعْ ُ‬‫وقوله ‪ } :‬ل ِي َت ّ ِ‬
‫في العمال ‪ ،‬لحتياج هذا إلى هذا ‪ ،‬وهذا إلى هذا ‪ ،‬قاله السدي وغيره‪.‬‬
‫وقال قتادة والضحاك ‪ :‬ليملك بعضهم بعضا‪ .‬وهو )‪ (4‬راجع إلى الول‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬رحمة الله بخلقه خير لهم‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫م ّ‬‫خي ٌْر ِ‬
‫ك َ‬ ‫ت َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬
‫ثم قال ‪ } :‬وََر ْ‬
‫مما بأيديهم من الموال ومتاع الحياة الدنيا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫حد َة ً { أي ‪ :‬لول أن يعتقد كثير‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫سأ ّ‬‫ن الّنا ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫ول أ ْ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه ‪،‬‬
‫فيجتمعوا على الكفر لجل المال ‪ -‬هذا معنى قول ابن عباس ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫فا ِ‬
‫ق ً‬
‫س ُ‬
‫م ُ‬ ‫ن ل ِب ُُيوت ِهِ ْ‬
‫م ِ‬‫ح َ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬
‫فُر ِبالّر ْ‬ ‫جعَل َْنا ل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم ‪ } -‬ل َ َ‬
‫ن[ { )‪ (5‬أي ‪ :‬سللم ودرجا من فضة ‪ -‬قاله ابن‬ ‫ج ]عَل َي َْها ي َظ ْهَُرو َ‬ ‫مَعارِ َ‬ ‫ضةٍ وَ َ‬ ‫فَ ّ‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ :‬وابن زيد ‪ ،‬وغيرهم ‪ } -‬عَل َي َْها‬
‫ن { ‪ ،‬أي ‪ :‬يصعدون‪.‬‬ ‫ي َظ ْهَُرو َ‬
‫َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫سُرًرا عَل َي َْها ي َت ّك ُِئو َ‬‫واًبا { )‪ (6‬أي ‪ :‬أغلقا على أبوابهم } وَ ُ‬ ‫م أب ْ َ‬‫} وَل ِب ُُيوت ِهِ ْ‬
‫أي ‪ :‬جميع ذلك يكون فضة ‪ } ،‬وزخرفا { ‪ ،‬أي ‪ :‬وذهبا‪ .‬قاله ابن عباس ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن زيد‪(7) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬منهم وقتادة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬لتسخير"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪) :‬أبوابا وسررا(‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬ابن عباس وغيرهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/226‬‬

‫حَياةِ الد ّن َْيا { أي ‪ :‬إنما ذلك من الدنيا‬‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ما َ‬‫ك لَ ّ‬ ‫ن كُ ّ‬


‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫الفانية الزائلة الحقيرة عند الله ]تعالى[ )‪ (1‬أي ‪ :‬يعجل )‪ (2‬لهم بحسناتهم‬
‫التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب ‪ ،‬ليوافوا الخرة وليس لهم عند الله‬
‫حسنة يجزيهم بها ‪ ،‬كما ورد به الحديث الصحيح )‪] .(3‬وقد[ )‪ (4‬ورد في‬
‫حديث آخر ‪" :‬لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ‪ ،‬ما سقى منها كافرا‬
‫شربة ماء" ‪ ،‬أسنده البغوي من رواية زكريا بن منظور ‪ ،‬عن أبى حازم ‪ ،‬عن‬
‫سهل بن سعد ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره )‪ (5‬ورواه الطبراني‬
‫من طريق زمعة بن صالح ‪ ،‬عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬لو عدلت الدنيا جناح بعوضة ‪ ،‬ما أعطى كافرا منها شيئا"‪.‬‬
‫)‪(6‬‬
‫ن { أي ‪ :‬هي لهم خاصة ل يشاركهم ‪:‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ َرب ّك ل ِل ُ‬
‫خَرةُ ِ‬‫ثم قال ‪َ } :‬وال ِ‬
‫فيها ]أحد[ )‪ (7‬غيرهم ولهذا لما قال عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم حين صعد إليه في تلك المشربه لما آلى من نسائه ‪ ،‬فرآه ]عمر[‬
‫)‪ (8‬على رمال حصير قد أثر بجنبه )‪ (9‬فابتدرت عيناه بالبكاء وقال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه‪ .‬وكان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس وقال ‪" :‬أوَ في )‪ (10‬شك‬
‫أنت يا ابن الخطاب ؟" ثم قال ‪" :‬أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم‬
‫الدنيا" وفي رواية ‪" :‬أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الخرة ؟" )‪(11‬‬
‫وفي الصحيحين أيضا وغيرهما ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"ل تشربوا في آنية الذهب والفضة ‪ ،‬ول تأكلوا في صحافها ‪ ،‬فإنها لهم في‬
‫الدنيا ولنا في الخرة"‪ .‬وإنما خولهم الله تعالى في الدنيا لحقارتها ‪ ،‬كما روى‬
‫الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من طريق أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة‬
‫‪ ،‬ما سقى منها كافرا شربة ماء أبدا" ‪ ،‬قال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح )‪.(12‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يجعل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2808‬من حديث أنس بن مالك رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (5‬معالم التنزيل للبغوي )‪.(7/213‬‬
‫)‪ (6‬المعجم الكبير )‪ (6/178‬وفي إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬بجلده"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬أفي"‪.‬‬
‫)‪ (11‬انظر تخريج هذا الحديث عند تفسير الية ‪ 131 :‬من سورة طه‪.‬‬
‫)‪ (12‬سنن الترمذي برقم )‪ (2320‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(4110‬‬

‫) ‪(7/227‬‬

‫م‬
‫ن )‪ (36‬وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ه قَ ِ‬ ‫طاًنا فَهُوَ ل َ ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض لَ ُ‬ ‫قي ّ ْ‬ ‫ن نُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ذِك ْرِ الّر ْ‬ ‫ش عَ ْ‬ ‫ن ي َعْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ل َيا‬ ‫جاَءَنا َقا َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ن )‪َ (37‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل وَي َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫دون َهُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ل َي َ ُ‬
‫م إ ِذ ْ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫فعَك ُ ُ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫ن )‪ (38‬وَل َ ْ‬ ‫ري َ ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫ن فَب ِئ ْ َ‬ ‫شرِقَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ب ُعْد َ ال ْ َ‬ ‫ت ب َي ِْني وَب َي ْن َ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫م َ‬ ‫دي العُ ْ‬ ‫م أوْ ت َهْ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫معُ ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ت تُ ْ‬ ‫ن )‪ (39‬أفَأن ْ َ‬ ‫كو َ‬ ‫شت َرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ِفي العَ َ‬ ‫م أن ّك ُ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ظ َل َ ْ‬
‫ن )‪ (41‬أ َْو‬ ‫مو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ك فَإ ِّنا ِ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ما ن َذ ْهَب َ ّ‬ ‫ن )‪ (40‬فَإ ِ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مِبي‬ ‫ل ُ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ي إ ِلي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُرِي َن ّ َ‬
‫ك‬ ‫ح َ‬ ‫ذي أو ِ‬ ‫ك ِبال ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ن )‪َ (42‬فا ْ‬ ‫قت َدُِرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م فَإ ِّنا عَلي ْهِ ْ‬ ‫ذي وَعَد َْناهُ ْ‬ ‫ك ال ِ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫سألو َ‬ ‫ف تُ ْ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫مك و َ َ‬ ‫قو ْ ِ‬
‫ه لذِكٌر لك وَل ِ َ‬ ‫قيم ٍ )‪ (43‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬‫صَرا ٍ‬ ‫ك عَلى ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫دو َ‬ ‫ة ي ُعْب َ ُ‬ ‫ن آ َل ِهَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫سل َِنا أ َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬‫ن أْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫‪(45‬‬

‫م‬
‫ن )‪ (36‬وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ه قَ ِ‬ ‫طاًنا فَهُوَ ل َ ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض لَ ُ‬ ‫قي ّ ْ‬ ‫ن نُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ذِك ْرِ الّر ْ‬ ‫ش عَ ْ‬ ‫ن ي َعْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫َ‬
‫ل َيا‬ ‫جاَءَنا َقا َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ن )‪َ (37‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل وَي َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫دون َهُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ل َي َ ُ‬
‫م إ ِذ ْ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫فعَك ُ ُ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫ن )‪ (38‬وَل َ ْ‬ ‫ري َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫س ال ْ َ‬
‫ق‬ ‫ن فَب ِئ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫شرِقَي ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ب ُعْد َ ال ْ َ‬ ‫ت ب َي ِْني وَب َي ْن َ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫كون )‪ (39‬أ َفَأنت تسمع الص َ‬ ‫ظ َل َمت َ‬
‫ي‬‫م َ‬ ‫دي ال ْعُ ْ‬ ‫م أوْ ت َهْ ِ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ْ َ ُ ْ ِ ُ‬ ‫شت َرِ ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ِفي ال ْعَ َ‬ ‫م أن ّك ُ ْ‬ ‫ْ ُ ْ‬
‫ك فَإنا منهم منتقمون )‪ (41‬أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ِّ ِ ْ ُ ْ ُ َْ ِ ُ َ‬ ‫ن بِ‬ ‫ما ن َذ ْهَب َ ّ‬ ‫ن )‪ (40‬فَإ ِ ّ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ي إ ِل َي ْكَ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫ذي أو ِ‬ ‫سك ِبال ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ن )‪َ (42‬فا ْ‬ ‫قت َدُِرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م فَإ ِّنا عَلي ْهِ ْ‬ ‫ذي وَعَد َْناهُ ْ‬ ‫ن ُرِي َن ّك ال ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫سألو َ‬ ‫ف تُ ْ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫مك و َ َ‬ ‫َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ه لذِكٌر لك وَل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫قيم ٍ )‪ (43‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ك عََلى ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫دو َ‬ ‫ة ي ُعْب َ ُ‬ ‫ن آل ِهَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫سل َِنا أ َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫‪{ (45‬‬
‫رْ‬
‫ن ذِك ِ‬ ‫ش { أي ‪ :‬يتعامى ويتغافل ويعرض ‪ } ،‬عَ ْ‬ ‫ن ي َعْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { والعشا في العين ‪ :‬ضعف بصرها‪ .‬والمراد هاهنا ‪ :‬عشا البصيرة ‪،‬‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫الّر ْ‬
‫ن ب َعْدِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الّر ُ‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬‫ن { كقوله ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ه قَ ِ‬ ‫طاًنا فَهُوَ ل َ ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض لَ ُ‬ ‫قي ّ ْ‬ ‫} نُ َ‬
‫م‬‫جهَن ّ َ‬ ‫صل ِهِ َ‬ ‫ما ت َوَّلى وَن ُ ْ‬ ‫ن ن ُوَل ّهِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دى وَي َت ّب ِعْ غَي َْر َ‬ ‫ه ال ْهُ َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫غوا أَزاغَ الل ُّ‬ ‫َ‬ ‫ما َزا ُ‬ ‫صيًرا { ]النساء ‪ ، [115 :‬وكقوله ‪ } :‬فَل َّ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫سا‬
‫ْ َ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬
‫ما ب َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫م قَُرَناَء فََزي ُّنوا لهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ضَنا لهُ ْ‬ ‫م { ]الصف ‪ ، [5 :‬وكقوله ‪ } :‬وَقَي ّ ْ‬ ‫قُُلوب َهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫مم ٍ قَد ْ َ‬ ‫ل ِفي أ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فهُ ْ‬ ‫خل ْ َ‬‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫أي ْ ِ‬
‫م‬
‫ن { ]فصلت ‪ [25 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫م َ‬ ‫س إ ِن ّهُ ْ‬ ‫َوالن ْ ِ‬
‫َ‬
‫جاَءَنا { أي ‪ :‬هذا‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ن‪َ .‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬‫ل وَي َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫دون َهُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ل َي َ ُ‬
‫الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ‪ ،‬ويهديه إلى صراط‬
‫ل َيا‬‫الجحيم‪ .‬فإذا وافى الله يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكل به ‪َ } ،‬قا َ‬
‫ن { ]أي ‪ :‬فبئس القرين كنت لي‬ ‫ري ُ‬ ‫ق ِ‬‫س ال ْ َ‬
‫ن فَب ِئ ْ َ‬ ‫شرِقَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ب ُعْد َ ال ْ َ‬‫ت ب َي ِْني وَب َي ْن َ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫في الدنيا[ )‪ (1‬وقرأ بعضهم ‪" :‬حتى إذا جاءانا" يعني ‪ :‬القرين والمقارن‪.‬‬
‫جَريري قال ‪ :‬بلغنا أن الكافر إذا‬ ‫قال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن سعيد ال ُ‬
‫فع بيده شيطان فلم يفارقه ‪ ،‬حتى يصيرهما الله‬ ‫س َ‬ ‫بعث من قبره يوم القيامة َ‬
‫ْ‬ ‫ت ب َي ِْني وَب َي ْن َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫شرِقَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ب ُعْد َ ال َ‬ ‫تعالى إلى النار ‪ ،‬فذلك حين يقول ‪َ } :‬يا لي ْ َ‬
‫ن { )‪(2‬‬ ‫ري ُ‬ ‫ق ِ‬‫س ال ْ َ‬‫فَب ِئ ْ َ‬
‫والمراد بالمشرقين هنا )‪ (3‬هو ما بين المشرق والمغرب‪ .‬وإنما استعمل‬
‫هاهنا تغليبا ‪ ،‬كما يقال )‪ (4‬القمران ‪ ،‬والعمران ‪ ،‬والبوان ‪] ،‬والعسران[ )‪.(5‬‬
‫قاله ابن جرير وغيره‪.‬‬
‫]ولما كان الشتراك في المصيبة في الدنيا يحصل به تسلية لمن شاركه في‬
‫مصيبته ‪ ،‬كما قالت الخنساء تبكي أخاها ‪:‬‬
‫فسي‪...‬‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫ولي‪ ...‬عََلى قَْتلهم لقتل ُ‬ ‫ح ْ‬‫ول كثرة ُ الباكين َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫ُ‬
‫سي‪...‬‬ ‫س عنه بالتأ ّ‬ ‫سّلي النف َ‬ ‫ل أخي ولكن‪ ...‬أ َ‬ ‫كون مث َ‬ ‫وما ي َب ْ ُ‬
‫قطع الله بذلك بين أهل النار ‪ ،‬فل يحصل لهم بذلك تأسي وتسلية ول‬
‫تخفيف[‪(6) .‬‬
‫م ِفي ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫كو َ‬ ‫شت َرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ب ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م أن ّك ُ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬‫م إ ِذ ْ ظ َل َ ْ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫فعَك ُ ُ‬‫ن ي َن ْ َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫أي ‪ :‬ل يغني عنكم اجتماعكم في النار واشتراككم في العذاب الليم‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬أ َفَأ َنت تسمع الص َ‬
‫ن{‬ ‫مِبي ٍ‬‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫دي ال ْعُ ْ‬ ‫م أوْ ت َهْ ِ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ْ َ ُ ْ ِ ُ‬
‫أي ‪ :‬ليس ذلك إليك ‪ ،‬إنما عليك البلغ ‪ ،‬وليس عليك هداهم ‪ ،‬ولكن الله‬
‫يهدي من يشاء ‪ ،‬ويضل من يشاء ‪ ،‬وهو الحكم العدل )‪ (7‬في ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير عبد الرزاق )‪.(2/161‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬هاهنا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬قيل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬الحاكم العادل"‪.‬‬

‫) ‪(7/228‬‬

‫ن { أي ‪ :‬ل بد أن ننتقم منهم‬ ‫مو َ‬ ‫ق ُ‬


‫من ْت َ ِ‬
‫م ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ك فَإ ِّنا ِ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬فَإ ِ ّ‬
‫ما ن َذ ْهَب َ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ونعاقبهم ‪ ،‬ولو ذهبت أنت ‪ } ،‬أوْ )‪ (1‬ن ُرِي َن ّ َ‬
‫م فَإ ِّنا عَلي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ذي وَعَد َْناهُ ْ‬ ‫ك ال ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬نحن قادرون على هذا وعلى هذا‪ .‬ولم يقبض الله رسوله‬ ‫قت َدُِرو َ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫حتى أقر عينه من أعدائه ‪ ،‬وحكمه في نواصيهم ‪ ،‬وملكه ما تضمنته‬
‫صياصيهم‪ .‬هذا معنى قول السدي ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال ابن جرير )‪ (2‬حدثنا ابن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن )‪ (3‬ثور ‪ ،‬عن معمر‬
‫ن { فقال ‪ :‬ذهب النبي‬ ‫مو َ‬‫ق ُ‬
‫من ْت َ ِ‬‫م ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ك فَإ ِّنا ِ‬ ‫ن بِ َ‬‫ما ن َذ ْهَب َ ّ‬‫قال ‪ :‬تل قتادة ‪ } :‬فَإ ِ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة ‪ ،‬ولم ي ُرِ الله )‪ (4‬نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم في أمته شيئا يكرهه ‪ ،‬حتى مضى )‪ ، (5‬ولم يكن نبي قط إل ورأى )‬
‫‪ (6‬العقوبة في أمته ‪ ،‬إل نبيكم صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬وُذكر لنا أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أرِيَ ما يصيب أمته من بعده ‪ ،‬فما ُرِئي‬
‫ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله عز وجل‪(7) .‬‬
‫وذكر من رواية سعيد بن أبي عروبة ‪ ،‬عن قتادة نحوه‪ .‬ثم روى ابن جرير عن‬
‫الحسن نحو ذلك أيضا‪.‬‬
‫وفي الحديث ‪" :‬النجوم أمنة للسماء ‪ ،‬فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما ُتوعَد ُ‬
‫مَنة لصحابي ‪ ،‬فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون"‪(8) .‬‬ ‫‪ ،‬وأنا أ َ‬
‫َ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ي إ ِلي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫س ْ‬
‫قيم ٍ {‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ك عَلى ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ذي أو ِ‬ ‫ك ِبال ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫ثم قال تعالى ‪َ } :‬فا ْ‬
‫أي ‪ :‬خذ بالقرآن المنزل على قلبك ‪ ،‬فإنه هو الحق ‪ ،‬وما يهدي إليه هو الحق‬
‫المفضي إلى صراط الله المستقيم ‪ ،‬الموصل إلى جنات النعيم ‪ ،‬والخير‬
‫الدائم المقيم‪.‬‬
‫مك { قيل ‪ :‬معناه لشرف )‪ (9‬لك ولقومك ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه لذِكٌر لك وَل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن زيد‪ .‬واختاره ابن جرير ‪،‬‬
‫ولم يحك سواه‪.‬‬
‫وأورد البغوي هاهنا حديث الزهري ‪ ،‬عن محمد بن جبير بن مطعم ‪ ،‬عن‬
‫معاوية قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إن هذا المر‬
‫في قريش ل ينازعهم فيه أحد إل أك َّبه الله على وجهه ما أقاموا الدين"‪ .‬رواه‬
‫البخاري‪(10) .‬‬
‫و]قيل[ )‪ (11‬معناه ‪ :‬أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم ‪ ،‬فهم أفهم‬
‫الناس له ‪ ،‬فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫خّلص من المهاجرين السابقين الولين ‪ ،‬ومن‬ ‫خيارهم وصفوتهم من ال ُ‬
‫شابههم وتابعهم‪.‬‬
‫مك { أي ‪ :‬لتذكير لك ولقومك ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه لذِكٌر لك وَل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وقيل ‪ :‬معناه ‪ } :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ك َِتاًبا ِفي ِ‬ ‫قد ْ أنزلَنا إ ِلي ْك ْ‬‫وتخصيصهم بالذكر ل ينفي من سواهم ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ل َ‬
‫َ‬ ‫ذك ْرك ُ َ‬
‫ن{‬ ‫َ‬
‫شيَرت َك القَْرِبي َ‬ ‫ن { ]النبياء ‪ ، [10 :‬وكقوله ‪ } :‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬ ‫قُلو َ‬ ‫م أَفل ت َعْ ِ‬‫ِ ُ ْ‬
‫]الشعراء ‪.[214 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وإما" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى هو قال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الله تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬قبض"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬إل وقد رأى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪.(25/45‬‬
‫)‪ (8‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2531‬من حديث أبي موسى الشعري‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬الشرف"‪.‬‬
‫)‪ (10‬معالم التنزيل للبغوي )‪ (7/215‬وصحيح البخاري برقم )‪.(3500‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬

‫) ‪(7/229‬‬
‫ول َ َ َ‬
‫ن)‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫سو ُ‬
‫ل َر ّ‬ ‫ل إ ِّني َر ُ‬ ‫مل َئ ِهِ فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫ن وَ َ‬‫سى ب ِآ ََيات َِنا إ َِلى فِْرعَوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل َْنا ُ‬
‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫حكو َ‬ ‫ض َ‬
‫من َْها ي َ ْ‬ ‫م ب ِآَيات َِنا إ َِذا هُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫جاَءهُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫‪ (46‬فل ّ‬
‫} وس و ف ت َ‬
‫ن { أي ‪ :‬عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به‬ ‫سأُلو َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ ْ‬
‫والستجابة له‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬
‫ن الّر ْ‬
‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬
‫جعَلَنا ِ‬ ‫سل َِنا أ َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل ِك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سلَنا ِ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫ن { ؟ أي ‪ :‬جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة‬ ‫دو َ‬‫ة ي ُعْب َ ُ‬ ‫آل ِهَ ً‬
‫قد ْ‬ ‫َ‬
‫الله وحده ل شريك له ‪ ،‬ونهوا عن عبادة الصنام والنداد ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَل َ‬
‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫َ‬ ‫بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫ت { ]النحل ‪.[36 :‬‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن ا ُعْب ُ ُ‬ ‫سول أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ََ َ ِ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬في قراءة عبد الله بن مسعود ‪" :‬واسأل الذين أرسلنا إليهم‬
‫قبلك رسلنا"‪ .‬وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي ‪ ،‬عن ابن مسعود‪ .‬وهذا‬
‫كأنه تفسير ل تلوة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬واسألهم ليلة السراء ‪ ،‬فإن النبياء‬
‫معوا له‪ .‬واختار ابن جرير الول ‪] ،‬والله أعلم[ )‪.(1‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫يا‬ ‫بآ‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬
‫َ ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ْ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ َ‬
‫ن )‪{ (47‬‬ ‫كو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض َ‬ ‫من َْها ي َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫بآ‬
‫ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬
‫َ‬ ‫ما‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪46‬‬ ‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/230‬‬

‫ن)‬ ‫جُعو َ‬
‫م ي َْر ِ‬‫ب ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ذا ِ‬‫م ِبال ْعَ َ‬ ‫خت َِها وَأ َ َ‬
‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫ن أُ ْ‬‫م ْ‬
‫َ‬
‫ي أك ْب َُر ِ‬ ‫م َ‬
‫ن آي َةٍ إ ِّل هِ َ‬‫م ِ ْ‬ ‫ريهِ ْ‬ ‫ما ن ُ ِ‬
‫وَ َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (49‬فل ّ‬ ‫دو َ‬‫مهْت َ ُ‬ ‫عن ْد َك إ ِن َّنا ل ُ‬‫ما عَهِد َ ِ‬ ‫حُر اد ْع ُ لَنا َرب ّك ب ِ َ‬ ‫سا ِ‬‫‪ (48‬وَقالوا َيا أي َّها ال ّ‬
‫ن )‪(50‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م ي َن ْكثو َ‬ ‫َ‬
‫ب إ ِذا هُ ْ‬
‫ذا َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬
‫فَنا عَن ْهُ ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ش ْ‬

‫ن)‬ ‫جُعو َ‬ ‫ب ل َعَل ّهُ ْ‬


‫م ي َْر ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ِبال ْعَ َ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬‫خت َِها وَأ َ َ‬‫ن أُ ْ‬‫م ْ‬
‫َ‬
‫ي أك ْب َُر ِ‬‫ن آي َةٍ ِإل هِ َ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ريهِ ْ‬ ‫ما ن ُ ِ‬
‫} وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (49‬فَل ّ‬
‫ما‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫عن ْد َك إ ِن َّنا ل ُ‬ ‫ما عَهِد َ ِ‬ ‫حُر اد ْع ُ لَنا َرب ّك ب ِ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫‪ (48‬وََقالوا َيا أي َّها ال ّ‬
‫ن )‪{ (50‬‬ ‫ُ‬
‫م ي َن ْكُثو َ‬
‫ب إ َِذا هُ ْ‬ ‫م ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫فَنا عَن ْهُ ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ش ْ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه ابتعثه إلى‬
‫فرعون وملئه من المراء والوزراء والقادة ‪ ،‬والتباع والرعايا ‪ ،‬من القبط‬
‫وبني إسرائيل ‪ ،‬يدعوهم إلى عبادة الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وينهاهم عن‬
‫عبادة ما سواه ‪ ،‬وأنه بعث معه آيات عظاما ‪ ،‬كيده وعصاه ‪ ،‬وما أرسل معه‬
‫من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ‪ ،‬ومن نقص الزروع والنفس‬
‫والثمرات ‪ ،‬ومع هذا كله استكبروا عن اتباعها والنقياد لها ‪ ،‬وكذبوها وسخروا‬
‫خت َِها {‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ي أك ْب َُر ِ‬ ‫ن آي َةٍ ِإل هِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ريهِ ْ‬‫ما ن ُ ِ‬ ‫منها ‪ ،‬وضحكوا ممن جاءهم بها‪ } .‬وَ َ‬
‫ومع هذا ما رجعوا عن غيهم وضللهم ‪ ،‬وجهلهم وخبالهم‪ .‬وكلما جاءتهم آية‬
‫من هذه اليات يضرعون إلى موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ويتلطفون له في‬
‫حُر { أي ‪ :‬العالم ‪ ،‬قاله ابن جرير‪ .‬وكان علماء‬ ‫سا ِ‬ ‫َ‬
‫العبارة بقولهم ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ‬
‫زمانهم هم السحرة‪ .‬ولم يكن السحر عندهم في زمانهم مذموما ‪ ،‬فليس هذا‬
‫منهم على سبيل النتقاص منهم ؛ لن الحال حال ضرورة منهم إليه ل تناسب‬
‫دون موسى ]عليه‬ ‫ذلك ‪ ،‬وإنما هو تعظيم في زعمهم ‪ ،‬ففي كل مرة ي َعِ ُ‬
‫السلم[ )‪ (1‬إن كشف عنهم هذا أن يؤمنوا ويرسلوا معه بني إسرائيل‪ .‬وفي‬
‫َ‬
‫سل َْنا عَل َي ْهِ ُ‬
‫م‬ ‫كل مرة ينكثون ما عاهدوا عليه ‪ ،‬وهذا كقوله ]تعالى[ )‪ } (2‬فَأْر َ‬
‫ست َك ْب َُروا وَ َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ت َفا ْ‬ ‫صل ٍ‬ ‫ف ّ‬ ‫م َ‬
‫ت ُ‬ ‫م آَيا ٍ‬ ‫فادِعَ َوالد ّ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫م َ‬
‫ق ّ‬‫جَراد َ َوال ْ ُ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫طوَفا َ‬ ‫ال ّ‬
‫ما‬ ‫سى )‪ (3‬اد ْع ُ ل ََنا َرب ّ َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫جُز َقاُلوا َيا ُ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫ما وَقَعَ عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ن‪ .‬وَل َ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ما ُ‬ ‫قَوْ ً‬
‫سَراِئي َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ك ب َِني إ ِ ْ‬ ‫معَ َ‬
‫ن َ‬ ‫سل َ ّ‬‫ك وَل َن ُْر ِ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫جَز ل َن ُؤْ ِ‬
‫من َ ّ‬ ‫ت عَّنا الّر ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ك ل َئ ِ ْ‬‫عن ْد َ َ‬ ‫عَهِد َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]العراف ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ثو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫غو‬
‫َ ٍ ُ ْ َ ِ ُ ُ ِ ُ ْ َْ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫إ‬ ‫ز‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ال‬
‫َ َُْ ُ ّ ْ َ ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ش‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫فَل َ ّ‬
‫‪.[135 - 133‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬يا أيها الساحر" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(7/230‬‬

‫َ‬
‫ري‬ ‫ج ِ‬‫صَر وَهَذِهِ اْل َن َْهاُر ت َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫س ِلي ُ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ أل َي ْ َ‬ ‫مهِ َقا َ‬ ‫ن ِفي قَوْ ِ‬ ‫وََناَدى فِْرعَوْ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫َ‬
‫ن وَل ي َكاد ُ ي ُِبي ُ‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ذي هُوَ َ‬ ‫ذا ال ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫م أَنا َ‬ ‫ن )‪ (51‬أ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫حِتي أفََل ت ُب ْ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫قت َرِِني َ‬ ‫م ْ‬‫ة ُ‬ ‫ملئ ِك ُ‬ ‫ه ال َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ب أوْ َ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬‫سوَِرة ٌ ِ‬ ‫ي عَلي ْهِ أ ْ‬
‫َ‬ ‫ق َ‬ ‫‪ (52‬فلوْل أل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَنا‬
‫ق ْ‬‫فوَنا ان ْت َ َ‬ ‫س ُ‬‫ما آ َ‬ ‫ن )‪ (54‬فل ّ‬ ‫قي َ‬‫س ِ‬ ‫ما فا ِ‬ ‫م كاُنوا قوْ ً‬ ‫عوه ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه فأطا ُ‬ ‫ف قَوْ َ‬
‫م ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫ست َ َ‬‫َفا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫مث ًَل ل ِْل َ ِ‬‫فا وَ َ‬ ‫سل َ ً‬
‫م َ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫ن )‪ (55‬فَ َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫م فَأغَْرقَْناهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫مل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫صَر وَهَذِهِ الن َْهاُر‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫س ِلي ُ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ أل َي ْ َ‬ ‫مهِ َقا َ‬ ‫ن ِفي قَوْ ِ‬ ‫} وََناَدى فِْرعَوْ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َول ي َكاد ُ‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ذي هُوَ َ‬ ‫ذا ال ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫م أَنا َ‬ ‫ن )‪ (51‬أ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫حِتي أَفل ت ُب ْ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫قت َرِِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ة ُ‬ ‫ملئ ِك ُ‬ ‫ه ال َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ب أوْ َ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫سوَِرة ٌ ِ‬ ‫ي عَلي ْهِ أ ْ‬
‫َ‬ ‫ق َ‬ ‫ول أل ِ‬ ‫ن )‪ (52‬فَل ْ‬ ‫ي ُِبي ُ‬
‫فوَنا‬ ‫س ُ‬ ‫ما آ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (54‬فل ّ‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ما فا ِ‬ ‫َ‬
‫م كاُنوا قوْ ً‬ ‫َ‬ ‫عوه ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه فأطا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ف قوْ َ‬ ‫َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ست َ َ‬‫‪ (53‬فا ْ‬‫َ‬
‫ن )‪.{ (56‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫مثل ِلل ِ‬ ‫فا وَ َ‬ ‫سل ً‬ ‫م َ‬ ‫جعَلَناهُ ْ‬ ‫ن )‪ (55‬ف َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م فأغَرقَناهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ان ْت َ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده ‪ :‬أنه جمع‬
‫َ‬
‫س ِلي‬ ‫قومه ‪ ،‬فنادى فيهم متبجحا مفتخرا بملك مصر وتصرفه فيها ‪ } :‬أل َي ْ َ‬
‫حِتي { ‪ ،‬قال قتادة قد كانت لهم جنان‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫صَر وَهَذِهِ الن َْهاُر ت َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن { ؟ أي ‪ :‬أفل ترون ما أنا فيه من العظمة والملك‬ ‫رو‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫ماء‬ ‫وأنهار‬
‫ُْ ِ ُ َ‬
‫شَر‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫كقوله‬ ‫وهذا‬ ‫ضعفاء‪.‬‬ ‫فقراء‬ ‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫‪ ،‬يعني ‪ :‬وموسى وأتباعه )‬
‫َ‬ ‫ه نَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ َ‬
‫خَرةِ َوالولى { ]النازعات ‪:‬‬ ‫ل ال ِ‬ ‫كا َ‬ ‫خذ َهُ الل ُ‬ ‫م العْلى‪ .‬فَأ َ‬ ‫ل أَنا َرب ّك ُ ُ‬ ‫فََناَدى‪ .‬فَ َ‬
‫‪.[25 - 23‬‬
‫ن { قال السدي ‪ :‬يقول ‪ :‬بل أنا‬ ‫ّ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مِهي ٌ‬ ‫ذي هُوَ َ‬ ‫ذا ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫م أَنا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫خير من هذا الذي هو مهين‪ .‬وهكذا قال بعض نحاة البصرة ‪ :‬إن "أم" هاهنا‬
‫بمعنى "بل"‪ .‬ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها ‪" :‬أما أنا‬
‫خير من هذا الذي هو مهين"‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬ولو صحت هذه القراءة لكان‬
‫م أ ََنا‬ ‫َ‬
‫معناها صحيحا واضحا ‪ ،‬ولكنها خلف قراءة المصار ‪ ،‬فإنهم قرؤوا ‪ } :‬أ ْ‬
‫ن { ؟ على الستفهام‪.‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ذي هُوَ َ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫َ‬
‫قلت ‪ :‬وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون ‪ -‬عليه اللعنة )‪ - (2‬أنه خير من‬
‫موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وقد كذب في قوله هذا كذبا بينا واضحا ‪ ،‬فعليه لعائن‬
‫الله المتتابعة إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫ويعني بقوله ‪ } :‬مهين { كما قال سفيان ‪ :‬حقير‪ .‬وقال قتادة والسدي ‪ :‬يعني‬
‫‪ :‬ضعيف‪ .‬وقال ابن جرير ‪ :‬يعني ‪ :‬ل ملك له ول سلطان ول مال‪.‬‬
‫ن { يعني ‪ :‬ل يكاد يفصح عن كلمه )‪ ، (3‬فهو عيي حصر‪(4) .‬‬ ‫كاد ُ ي ُِبي ُ‬ ‫} َول ي َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يكاد يفهم‪ .‬وقال قتادة ‪ ،‬والسدي ‪،‬‬ ‫كاد ُ ي ُِبي ُ‬ ‫قال السدي ‪َ } :‬ول ي َ َ‬
‫وابن جرير ‪ :‬يعني عيي اللسان‪ .‬وقال سفيان ‪ :‬يعني في لسانه شيء من‬
‫الجمرة حين )‪ (5‬وضعها في فيه وهو صغير‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله فرعون ‪ -‬لعنه الله ‪ -‬كذب واختلق ‪ ،‬وإنما حمله على هذا‬
‫الكفر والعناد ‪ ،‬وهو ينظر إلى موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بعين كافرة شقية ‪ ،‬وقد‬
‫كان موسى )‪ ، (6‬عليه السلم ‪ ،‬من الجللة والعظمة والبهاء في صورة يبهر‬
‫)‪ (7‬أبصار ذوي ]البصار و[ )‪ (8‬اللباب‪ .‬وقوله ‪ } :‬مهين { كذب ‪ ،‬بل هو‬
‫ة وخلقا ودينا‪ .‬وموسى ]عليه السلم[ )‪ (9‬هو الشريف‬ ‫خْلق ً‬
‫المهين الحقير ِ‬
‫الرئيس الصادق البار‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ومن معه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬لعنة الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬بكلمه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حصير"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬التي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬الموسى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬تبهر"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬

‫) ‪(7/231‬‬

‫ن { افتراء أيضا ‪ ،‬فإنه وإن كان قد أصاب‬ ‫كاد ُ ي ُِبي ُ‬ ‫الراشد )‪ .(1‬وقوله ‪َ } :‬ول ي َ َ‬
‫لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة ‪ ،‬فقد سأل الله ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪ ،‬أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله ‪ ،‬وقد استجاب الله )‪ (2‬له في‬
‫سؤْل َ َ‬ ‫ُ‬
‫سى { ]طه ‪، [26 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫ل قَد ْ أوِتي َ‬ ‫]ذلك في[ )‪ (3‬قوله ‪َ } :‬قا َ‬
‫وبتقدير أن يكون قد بقى شيء لم يسأل إزالته ‪ ،‬كما قاله الحسن البصري ‪،‬‬
‫وإنما سأل زوال ما يحصل معه البلغ والفهام ‪ ،‬فالشياء الخلقية )‪ (4‬التي‬
‫ليست من فعل العبد ل يعاب بها ول يذم عليها ‪ ،‬وفرعون وإن كان يفهم وله‬
‫عقل فهو يدري هذا ‪ ،‬وإنما أراد الترويج على رعيته ‪ ،‬فإنهم كانوا جهلة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب { أي ‪ :‬وهي‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ساوَِرة ٌ )‪ِ (5‬‬ ‫ي عَل َي ْهِ أ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ول أل ْ ِ‬‫أغبياء ‪ ،‬وهكذا كقوله ‪ } :‬فَل َ ْ‬
‫جاءَ‬ ‫َ‬
‫ما يجعل في اليدي من الحلي ‪ ،‬قاله ابن عباس وقتادة وغير واحد ‪ } ،‬أوْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يكتنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه ‪ ،‬نظر )‬ ‫قت َرِِني َ‬
‫م ْ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬
‫ة ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫معَ ُ‬
‫َ‬
‫‪ (6‬إلى الشكل الظاهر ‪ ،‬ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر‬
‫عوه ُ { أي ‪:‬‬ ‫طا ُ‬‫ه فَأ َ َ‬ ‫م ُ‬‫ف قَوْ َ‬‫خ ّ‬ ‫ست َ َ‬‫إليه ‪ ،‬لو كان يعلم ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ } :‬فا ْ‬
‫ما‬ ‫م َ‬
‫كاُنوا قَوْ ً‬ ‫استخف عقولهم ‪ ،‬فدعاهم إلى الضللة فاستجابوا له ‪ } ،‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫َفا ِ‬
‫س ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬قال‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م فَأغَْرقَْناهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫مَنا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫فوَنا ان ْت َ َ‬ ‫س ُ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬فَل ّ‬
‫ما آ َ‬
‫علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬آسفونا { أسخطونا‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عنه ‪ :‬أغضبونا‪ .‬وهكذا قال ابن عباس أيضا ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪،‬‬
‫وغيرهم )‪ (7‬من المفسرين‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو عبيد الله )‪ (8‬ابن أخي ابن وهب ‪ ،‬حدثنا‬
‫عمي ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬عن عقبة بن مسلم التجيبي )‪ (9‬عن عقبة بن عامر‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إذا رأيت الله عز وجل يعطي‬
‫العبد ما شاء ‪ ،‬وهو مقيم على معاصيه ‪ ،‬فإنما ذلك استدراج منه له" ثم تل‬
‫م { )‪.(10‬‬ ‫من ْهُ ْ‬‫مَنا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫فوَنا ان ْت َ َ‬ ‫س ُ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫ما آ َ‬
‫ماني ‪ ،‬حدثنا قيس بن الربيع ‪،‬‬ ‫ح ّ‬‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عبد الحميد ال ِ‬
‫عن قيس بن مسلم )‪ ، (11‬عن طارق بن شهاب قال ‪ :‬كنت عند عبد الله‬
‫فذكر عنده موت الفجأة ‪ ،‬فقال ‪ :‬تخفيف على المؤمن ‪ ،‬وحسرة على‬
‫م {‪.‬‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫مَنا ِ‬‫ق ْ‬ ‫فوَنا ان ْت َ َ‬‫س ُ‬‫ما آ َ‬ ‫الكافر‪ .‬ثم قرأ ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ‪ :‬وجدت النقمة مع الغفلة ‪ ،‬يعني‬
‫قمنا منهم فَأ َغْرقْناهُ َ‬
‫ن {‪.‬‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫مأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫فوَنا ان ْت َ َ ْ َ ِ ْ ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ما آ َ‬ ‫قوله ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫فا { لمثل‬‫سل َ ً‬
‫ن { ‪ :‬قال أبو مجلز ‪َ } :‬‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬ ‫مَثل ِلل ِ‬ ‫فا وَ َ‬ ‫سل َ ً‬‫م َ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫من عمل بعملهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬الرشيد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬استجاب الله دعاءه له"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬الخلقية" ‪ ،‬وفي م ‪" :‬الخلقة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أسورة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نظرا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬غير واحد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (10‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )‪" (4926‬مجمع البحرين" ‪،‬‬
‫والبيهقي في شعب اليمان برقم )‪ (4540‬من طريق عبد الله ابن صالح عن‬
‫حرملة بن عمران به ‪ ،‬ورواه أحمد في مسنده )‪ (4/145‬عن رشدين بن سعد‬
‫‪ ،‬والدولبي في الكنى )‪ (1/111‬عن حجاج بن سليمان كلهما عن حرملة بن‬
‫عمران به ‪ ،‬وقد حسنه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الحياء‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬وروى أيضا"‪.‬‬

‫) ‪(7/232‬‬

‫َ‬ ‫ن )‪ (57‬وََقاُلوا أ َآ َل ِهَت َُنا َ‬


‫م‬
‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫دو َ‬‫ص ّ‬
‫ه يَ ِ‬
‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫مث ًَل إ َِذا قَوْ ُ‬
‫م َ‬‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫ب اب ْ ُ‬
‫ضرِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ن هُوَ إ ِّل عَب ْد ٌ أن ْعَ ْ‬
‫مَنا‬ ‫ن )‪ (58‬إ ِ ْ‬
‫مو َ‬ ‫ص ُ‬
‫خ ِ‬‫م َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬‫جد ًَل ب َ ْ‬
‫ك إ ِّل َ‬ ‫ضَرُبوه ُ ل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫هُوَ َ‬
‫ل )‪(59‬‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫مث ًَل ل ِب َِني إ ِ ْ‬
‫جعَل َْناه ُ َ‬‫عَل َي ْهِ وَ َ‬

‫وقال هو ومجاهد ‪ } :‬ومثل { أي ‪ :‬عبرة لمن بعدهم‪.‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫ن )‪ (57‬وَقالوا أآل ِهَت َُنا َ‬ ‫َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫مَثل إ َِذا قَوْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ب اب ْ ُ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫} وَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫ضَرُبوه ُ ل َ َ‬
‫مَنا‬ ‫ن هُوَ ِإل عَب ْد ٌ أن ْعَ ْ‬ ‫ن )‪ (58‬إ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫دل ب َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ك ِإل َ‬ ‫ما َ‬ ‫هُوَ َ‬
‫ة ِفي‬ ‫ملئ ِك ًَ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫َ َ َ ِ ْ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ء‬
‫ُ‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ ْ َ‬‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪59‬‬ ‫)‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ئي‬ ‫را‬ ‫س‬
‫َِِ ِ ْ َ ِ‬ ‫إ‬ ‫ني‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ثل‬ ‫َ‬ ‫عَل َي ْهِ َ َ َ َ ُ َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫و‬
‫صَرا ٌ‬
‫ط‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ن ب َِها َوات ّب ُِعو ِ‬ ‫مت َُر ّ‬ ‫ساعَةِ َفل ت َ ْ‬ ‫م ِلل ّ‬ ‫ه ل َعِل ْ ٌ‬ ‫ن )‪ (60‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫فو َ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫ض يَ ْ‬‫الْر ِ‬
‫جاَء‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (62‬وَل َ ّ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫م عَد ُوّ ُ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫صد ّن ّك ُ ُ‬ ‫م )‪َ (61‬ول ي َ ُ‬ ‫قي ٌ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫في‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫خ‬
‫ِ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ض‬
‫ْ َْ َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ول‬
‫َ ِ َ َّ َ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫م‬
‫ْ ِ ُ ْ ِ‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ج‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫نا‬
‫ِ ََّ ِ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫سى‬ ‫َ‬ ‫عي‬
‫ِ‬
‫صَرا ٌ‬
‫ط‬ ‫دوه ُ هَ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫قوا الل ّه وأ َ‬ ‫َفات ّ ُ‬
‫ذا ِ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫فا‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ََ ّ ْ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫بي‬ ‫ر‬
‫َ َ َ ّ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪63‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ُ ِ‬ ‫عو‬ ‫طي‬
‫ِ‬ ‫َ َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م فَوَي ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫م )‪َ (64‬فا ْ‬
‫ب ي َوْم ٍ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ْ‬‫موا ِ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ِ‬ ‫ن ب َي ْن ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حَزا ُ‬ ‫ف ال ْ‬ ‫خت َل َ‬ ‫قي ٌ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫أ َِليم ٍ )‪.{ (65‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن تعنت قريش في كفرهم وتعمدهم العناد والجدل ‪:‬‬
‫ن { قال غير واحد ‪ ،‬عن ابن‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫م َ‬
‫مَثل إ َِذا قَوْ ُ‬‫م َ‬‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬‫ب اب ْ ُ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫} وَل َ ّ‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ :‬يضحكون )‪ ، (1‬أي ‪:‬‬
‫أعجبوا بذلك‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يجزعون ويضحكون‪ .‬وقال إبراهيم النخعي ‪ :‬يعرضون‪.‬‬
‫وكان السبب في ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق في السيرة حيث قال ‪:‬‬
‫وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فيما بلغني ‪ -‬يوما مع الوليد بن‬
‫المغيرة في المسجد ‪ ،‬فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم ‪ ،‬وفي‬
‫المجلس غير واحد من رجال قريش ‪ ،‬فتكلم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فعرض له النضر بن الحارث ‪ ،‬فكلمه رسول الله صلى الله عليه‬
‫هّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م وَ َ‬‫وسلم حتى أفحمه ‪ ،‬ثم تل عليه وعليهم ‪ } :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫حصب جهن َ‬
‫ن { اليات ]النبياء ‪ .[98 :‬ثم قام رسول الله‬ ‫م ل ََها َوارُِدو َ‬‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫َ َ ُ َ َ ّ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأقبل عبد الله بن الّزبَعرى التميمي )‪ (2‬حتى جلس ‪،‬‬
‫فقال الوليد بن المغيرة له ‪ :‬والله ما قام النضر بن الحارث لبن عبد المطلب‬
‫وما قعد ‪ ،‬وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم ‪ ،‬فقال عبد‬
‫ل ما‬ ‫مُته ‪ ،‬سلوا )‪ (3‬محمدا ‪ :‬أك ّ‬ ‫ص ْ‬‫خ َ‬ ‫الله بن الزبعرى ‪ :‬أما والله لو وجدته ل َ َ‬
‫يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده ‪ ،‬فنحن نعبد الملئكة ‪ ،‬واليهود تعبد‬
‫عزيرا ‪ ،‬والنصارى تعبد المسيح ]عيسى[ )‪ (4‬ابن مريم ؟ فعجب الوليد ومن‬
‫كان معه في المجلس من قول عبد الله بن الزبعرى ‪ ،‬ورأوا أنه قد احتج‬
‫كر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬كل من أحب‬ ‫وخاصم ‪ ،‬فذ ُ ِ‬
‫أن يعبد من دون الله ‪ ،‬فهو مع من عبده ‪ ،‬فإنهم إنما يعبدون الشيطان ومن‬
‫سَنى‬ ‫ح ْ‬ ‫مّنا ال ْ ُ‬‫م ِ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫أمرهم بعبادته" فأنزل الله عز وجل ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن { ]النبياء ‪ [101 :‬أي ‪ :‬عيسى وعزير ومن عبد )‪(5‬‬ ‫دو َ‬‫مب ْعَ ُ‬ ‫ك عَن َْها ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫معهما من الحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فاتخذهم‬
‫من يعبدهم من أهل الضللة أربابا من دون الله‪ .‬ونزل فيما يذكرون أنهم‬
‫ل‬‫ه بَ ْ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬‫دا ُ‬‫ن وَل َ ً‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫خذ َ الّر ْ‬ ‫يعبدون الملئكة وأنهم بنات الله ‪ } :‬وََقاُلوا ات ّ َ‬
‫ن { اليات ]النبياء ‪ ، [26 :‬ونزل‬ ‫مو َ‬ ‫مك َْر ُ‬
‫عَباد ٌ ُ‬ ‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وعكرمة وغيرهم يعني يعجبون"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬السهمي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فسلوا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬عبدوا"‪.‬‬

‫) ‪(7/233‬‬

‫فيما يذكر من أمر عيسى وأنه يعبد من دون الله‪ .‬وعجب )‪ (1‬الوليد ومن‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫مَثل إ َِذا قَوْ ُ‬
‫م َ‬‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ب اب ْ ُ‬‫ضرِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫حضره من حجته وخصومته ‪ } :‬وَل َ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬يصدون عن أمرك بذلك من قوله‪ .‬ثم ذكر عيسى فقال ‪:‬‬ ‫دو َ‬‫ص ّ‬‫يَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَلَنا‬‫شاُء ل َ‬ ‫ل‪ .‬وَلوْ ن َ َ‬ ‫مَثل ل ِب َِني إ ِ ْ‬‫جعَلَناه ُ َ‬ ‫مَنا عَلي ْهِ وَ َ‬
‫ن هُوَ ِإل عَب ْد ٌ أن ْعَ ْ‬‫} إِ ْ‬
‫ساعَةِ { أي ‪ :‬ما وضعت على‬ ‫م ِلل ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه لعِل ٌ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫فو َ‬ ‫ُ‬
‫خل ُ‬‫ض يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ة ِفي الْر ِ‬ ‫ملئ ِك ً‬
‫م َ‬ ‫ِ‬
‫يديه من اليات من إحياء الموتى وإبراء السقام ‪ ،‬فكفى به دليل على علم‬
‫م { )‪.(2‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٌ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ن ب َِها َوات ّب ُِعو ِ‬ ‫مت َُر ّ‬‫الساعة ‪ ،‬يقول ‪َ } :‬فل ت َ ْ‬
‫ن‬
‫ب اب ْ ُ‬ ‫ضرِ َ‬‫ما ُ‬ ‫وذكر ابن جرير من رواية الَعوفي ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ } :‬وَل َ ّ‬
‫ن { قال ‪ :‬يعني قريشا ‪ ،‬لما قيل لهم ‪ } :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫ه يَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫مَثل إ َِذا قَوْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مْري َ َ‬
‫َ‬
‫ن { ]النبياء ‪ [98 :‬إلى‬ ‫دو‬ ‫ر‬ ‫وا‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ت‬‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ َ َ ُ َ َ ّ َ ُْ ْ َ َ ِ ُ َ‬ ‫وَ َ َ ْ ُ ُ َ ِ ْ ُ ِ‬
‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬
‫آخر اليات ‪ ،‬فقالت له قريش ‪ :‬فما ابن مريم ؟ قال ‪" :‬ذاك عبد الله‬
‫ورسوله"‪ .‬فقالوا ‪ :‬والله ما يريد هذا إل أن نتخذه ربا ‪ ،‬كما اتخذت النصارى‬
‫م‬
‫ل هُ ْ‬ ‫دل ب َ ْ‬‫ج َ‬ ‫ك ِإل َ‬ ‫ضَرُبوه ُ ل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫عيسى ابن مريم ربا ‪ ،‬فقال الله تعالى )‪َ } (3‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬
‫خ ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَوْ ٌ‬
‫وقال )‪ (4‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا هاشم بن القاسم ‪ ،‬حدثنا شيبان ‪ ،‬عن عاصم‬
‫جود ‪ ،‬عن أبي َرِزين ‪ ،‬عن أبي يحيى ‪ -‬مولى ابن عقيل النصاري ‪-‬‬ ‫بن أبي الن ّ ُ‬
‫قال ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬لقد علمت آية من القرآن ما سألني عنها رجل قط ‪،‬‬
‫فما أدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها ‪ ،‬أم لم يفطنوا لها فيسألوا عنها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم طفق يحدثنا ‪ ،‬فلما قام تلومنا أل نكون سألناه عنها‪ .‬فقلت ‪ :‬أنا لها‬
‫إذا راح غدا‪ .‬فلما راح الغد قلت ‪ :‬يا ابن عباس ‪ ،‬ذكرت أمس أن آية من‬
‫القرآن لم يسألك عنها رجل قط ‪ ،‬فل تدري أعلمها الناس )‪ (5‬أم لم يفطنوا‬
‫لها ؟ فقلت ‪ :‬أخبرني عنها وعن اللتي قرأت قبلها‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬إن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش ‪" :‬يا معشر قريش ‪ ،‬إنه ليس أحد‬
‫يعبد من دون الله فيه خير" ‪ ،‬وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن‬
‫مريم ‪ ،‬وما تقول في محمد ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ألست تزعم أن عيسى كان‬
‫نبيا وعبدا من عباد الله صالحا ‪ ،‬فإن كنت صادقا كان )‪ (6‬آلهتهم كما‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬‫م َ‬ ‫مَثل إ َِذا قَوْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ب اب ْ ُ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫تقولون ؟ قال ‪ :‬فأنزل الله ‪ } :‬وَل َ ّ‬
‫ساعَةِ {‬ ‫م ِلل ّ‬ ‫ه ل َعِل ْ ٌ‬‫صدون ؟ قال ‪ :‬يضحكون ‪ } ،‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ن {‪ .‬قلت ‪ :‬ما ي َ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫يَ ِ‬
‫قال ‪ :‬هو خروج عيسى ابن مريم قبل القيامة‪(7) .‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن يعقوب الدمشقي ‪ ،‬حدثنا آدم ‪ ،‬حدثنا‬
‫جود ‪ ،‬عن أبي أحمد مولى النصار )‪ ، (8‬عن‬ ‫شيبان ‪ ،‬عن عاصم بن أبي الن ّ ُ‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا معشر قريش ‪،‬‬
‫إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير"‪ .‬فقالوا له ‪ :‬ألست تزعم أن عيسى‬
‫كان نبيا وعبدا من عباد الله صالحا ‪ ،‬فقد كان ُيعبد من دون الله ؟ فأنزل الله‬
‫ن {‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫ه يَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫مَثل إ َِذا قَوْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫ب اب ْ ُ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫عز وجل ‪ } :‬وَل َ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وتعجب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/358‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أعلمها الناس فلم يسألوا عنها"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فإن"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(1/318‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬النصاريين"‪.‬‬

‫) ‪(7/234‬‬

‫)‪(1‬‬
‫ن{‬
‫دو َ‬
‫ص ّ‬
‫ه يَ ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫َ‬
‫مك ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مثل إ ِذا قوْ ُ‬‫م َ‬
‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫ب اب ْ ُ‬
‫ضرِ َ‬
‫ما ُ‬ ‫َ‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ } :‬وَل ّ‬
‫‪ :‬قالت قريش ‪ :‬إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى‪ .‬ونحو‬
‫هذا قال قتادة‪.‬‬
‫م هُوَ { ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬يقولون ‪ :‬آلهتنا خير منه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬وََقالوا أآل ِهَت َُنا َ‬
‫خي ٌْر أ ْ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قرأ ابن مسعود ‪" :‬وقالوا أآلهتنا خير أم هذا" ‪ ،‬يعنون محمدا‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫دل { أي ‪ :‬مراء ‪ ،‬وهم يعلمون أنه ليس بوارد‬ ‫ج َ‬ ‫ك ِإل َ‬ ‫ضَرُبوه ُ ل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫هّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫دو َ‬
‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫م وَ َ‬‫على الية ؛ لنها لما ل يعقل ‪ ،‬وهي قوله ‪ } :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م { ]النبياء ‪ .[98 :‬ثم هي خطاب لقريش ‪ ،‬وهم إنما كانوا‬ ‫جهَن ّ َ‬‫ب َ‬ ‫ص ُ‬‫ح َ‬
‫َ‬
‫يعبدون الصنام والنداد ‪ ،‬ولم يكونوا يعبدون المسيح حتى يوردوه ‪ ،‬فتعين أن‬
‫مقالتهم إنما كانت جدل منهم ‪ ،‬ليسوا يعتقدون صحتها‪.‬‬
‫وقد قال )‪ (2‬المام أحمد ‪ ،‬رحمه الله تعالى ‪ :‬حدثنا ابن نمير ‪ ،‬حدثنا حجاج‬
‫بن دينار ‪ ،‬عن أبي غالب ‪ ،‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه ‪ ،‬إل أورثوا الجدل" ‪ ،‬ثم تل‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬‫خ ِ‬‫م َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬‫دل ب َ ْ‬
‫ج َ‬‫ك ِإل َ‬ ‫ضَرُبوه ُ ل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫هذه الية ‪َ } :‬‬
‫وقد رواه الترمذي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬من حديث حجاج بن دينار ‪ ،‬به‬
‫)‪ .(3‬ثم قال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح ل نعرفه إل من حديثه كذا قال‪.‬‬
‫وقد روي من وجه آخر عن أبي أمامة بزيادة فقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا حميد‬
‫مل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬أخبرنا ابن مخزوم ‪ ،‬عن‬ ‫بن عياش الرملي ‪ ،‬حدثنا مؤ ّ‬
‫القاسم أبي عبد الرحمن الشامي ‪ ،‬عن أبي أمامة ‪ -‬قال حماد ‪ :‬ل أدري رفعه‬
‫)‪ (4‬أم ل ؟ ‪ -‬قال ‪ :‬ما ضلت أمة بعد نبيها إل كان أول ضللها التكذيب‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ضَرُبوه ُ ل َ‬ ‫ما َ‬ ‫بالقدر ‪ ،‬وما ضلت أمة بعد نبيها إل أعطوا الجدل ‪ ،‬ثم قرأ ‪َ } :‬‬
‫ن { )‪(5‬‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫دل ب َ ْ‬
‫ج َ‬‫ِإل َ‬
‫وقال ابن جرير أيضا ‪ :‬حدثنا أبو كريب ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن‬
‫عباد بن عباد ‪ ،‬عن جعفر ‪ ،‬عن القاسم )‪ ، (6‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬إن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن ‪،‬‬
‫فغضب غضبا شديدا حتى كأنما صب على وجهه الخل ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ل تضربوا‬
‫كتاب الله بعضه ببعض ‪ ،‬فإنه ما ضل قوم قط إل أوتوا )‪ (7‬الجدل" ‪ ،‬ثم تل }‬
‫ن{‬‫مو َ‬ ‫ص ُ‬‫خ ِ‬ ‫م َ‬‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫دل ب َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ك ِإل َ‬ ‫ضَرُبوه ُ ل َ َ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪.(12/154‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (5/256‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3253‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪ (48‬وتفسير الطبري )‪.(25/53‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أرفعه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬وفي إسناده القاسم بن عبد الرحمن الشامي ‪ ،‬ضعفه ابن حبان ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"كان يروى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعضلت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬جعفر بن القاسم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أورثوا"‪.‬‬

‫) ‪(7/235‬‬

‫)‪(1‬‬
‫َ‬
‫مَنا عَلي ْهِ { يعني ‪ :‬عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ما هو‬ ‫َ‬
‫ن هُوَ ِإل عَب ْد ٌ أن ْعَ ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫مَثل‬‫جعَل َْناه ُ َ‬ ‫إل عبد ]من عباد الله[ )‪ (2‬أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ل { أي ‪ :‬دللة وحجة وبرهانا على قدرتنا على ما نشاء‪.‬‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ل ِب َِني إ ِ ْ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة ِفي الْر ِ‬ ‫ملئ ِك ً‬ ‫م { أي ‪ :‬بدلكم )‪َ } (3‬‬ ‫من ْك ْ‬ ‫جعَلَنا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَلوْ ن َشاُء ل َ‬
‫ن { ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬يخلفونك فيها‪ .‬وقال ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬يخلف‬ ‫فو َ‬ ‫خل ُ ُ‬‫يَ ْ‬
‫بعضهم بعضا ‪ ،‬كما يخلف بعضكم بعضا‪ .‬وهذا القول يستلزم الول‪ .‬وقال‬
‫مجاهد ‪ :‬يعمرون الرض بدلكم‪.‬‬
‫ساعَةِ { ‪ :‬تقدم تفسير ابن إسحاق ‪ :‬أن المراد من‬ ‫م ِلل ّ‬ ‫ه ل َعِل ْ ٌ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫ذلك ‪ :‬ما ُبعث به عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من إحياء الموتى وإبراء الكمه‬
‫والبرص ‪ ،‬وغير ذلك من السقام‪ .‬وفي هذا نظر‪ .‬وأبعد منه ما حكاه قتادة ‪،‬‬
‫عن الحسن البصري وسعيد بن جبير ‪ :‬أي الضمير في } وإنه { ‪ ،‬عائد على‬
‫القرآن ‪ ،‬بل الصحيح أنه عائد على عيسى ]عليه السلم[ )‪ ، (4‬فإن السياق‬
‫في ذكره ‪ ،‬ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة ‪ ،‬كما قال تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫} وإن م َ‬
‫موْت ِهِ { أي ‪ :‬قبل موت عيسى ‪،‬‬ ‫ن ب ِهِ قَب ْ َ‬
‫ل َ‬ ‫من َ ّ‬ ‫ب ِإل ل َي ُؤْ ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫َِ ْ ِ ْ‬
‫دا { ]النساء ‪:‬‬ ‫شِهي ً‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫ُ‬
‫مةِ ي َكو ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ثم } وَي َوْ َ‬
‫َ‬
‫‪ ، [159‬ويؤيد هذا المعنى القراءة الخرى ‪" :‬وإنه لعَلم للساعة" أي ‪ :‬أمارة‬
‫ساعَةِ { أي ‪ :‬آية‬ ‫م ِلل ّ‬ ‫ه ل َعِل ْ ٌ‬‫ودليل على وقوع الساعة ‪ ،‬قال مجاهد ‪ } :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة‪ .‬وهكذا روي عن أبي هريرة‬
‫]رضي الله عنه[ )‪ ، (5‬وابن عباس ‪ ،‬وأبي العالية ‪ ،‬وأبي مالك ‪ ،‬وعكرمة ‪،‬‬
‫والحسنن وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد تواترت الحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول‬
‫عيسى ]ابن مريم[ )‪ ، (6‬عليه السلم قبل يوم القيامة إماما عادل وحكما‬
‫مقسطا‪.‬‬
‫ن ب َِها { أي ‪ :‬ل تشكوا )‪ (7‬فيها ‪ ،‬إنها واقعة وكائنة ل‬ ‫مت َُر ّ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فل ت َ ْ‬
‫م‪َ .‬ول‬ ‫قي ٌ‬‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٌ‬
‫صَراط ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫محالة ‪ } ،‬واتبعون { أي ‪ :‬فيما أخبركم به } هَ َ‬
‫جاَء‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬وَل ّ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫م عَد ُوّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ه لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ن { أي ‪ :‬عن اتباع الحق } إ ِن ّ ُ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫صد ّن ّك ُ ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ض‬
‫م ب َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ن لك ْ‬ ‫َ‬ ‫مةِ { أي ‪ :‬بالنبوة } َولب َي ّ َ‬ ‫ْ‬
‫حك َ‬ ‫ْ‬
‫م ِبال ِ‬ ‫ُ‬
‫جئ ْت ُك ْ‬‫ل قَد ْ ِ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫ْ‬
‫سى ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ِ‬
‫ن ِفيهِ {‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫ذي ت َ ْ‬ ‫ّ‬
‫ال ِ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يعني من المور الدينية ل الدنيوية )‪ .(8‬وهذا الذي قاله حسن‬
‫جيد ‪ ،‬ثم رد قول من زعم أن "بعض" هاهنا بمعنى "كل" ‪ ،‬واستشهد بقول‬
‫لبيد الشاعر ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(25/53‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬بدل منكم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬تشكون"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(25/55‬‬

‫) ‪(7/236‬‬
‫ساعَةِ فََل‬ ‫َْ‬
‫م ِلل ّ‬ ‫ه ل َعِل ْ ٌ‬ ‫ن )‪ (60‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫فو َ‬ ‫خل ُ ُ‬
‫ض يَ ْ‬ ‫ة ِفي الْر ِ‬ ‫مَلئ ِك َ ً‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫جعَل َْنا ِ‬ ‫شاُء ل َ َ‬ ‫وَل َوْ ن َ َ‬
‫ه ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫صد ّن ّك ُ ُ‬ ‫م )‪ (61‬وََل ي َ ُ‬ ‫قي ٌ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬
‫ط ُ‬‫صَرا ٌ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ن ب َِها َوات ّب ُِعو ِ‬ ‫مت َُر ّ‬ ‫تَ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن لك ْ‬ ‫مةِ وَِلب َي ّ َ‬ ‫حك َ‬ ‫م ِبال ِ‬ ‫جئت ُك ْ‬ ‫ت قال قد ْ ِ‬ ‫سى ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫عي َ‬ ‫جاَء ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (62‬وَل ّ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫عَد ُوّ ُ‬
‫ه هُوَ َرّبي وََرب ّك ُْ‬
‫م‬ ‫ن الل َّ‬ ‫إ‬ ‫(‬‫‪63‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫طي‬ ‫قوا الل ّه وأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ض ِ َ ْ َِ‬
‫ل‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫ِ ّ‬ ‫َ َ ِ ُ ِ‬ ‫َ ِ ِ ّ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫ن‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫م فَوَي ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫ف اْل ْ‬ ‫خت َل َ َ‬
‫م )‪َ (64‬فا ْ‬ ‫صَرا ٌ‬ ‫دوه ُ هَ َ‬ ‫َفاعْب ُ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ب َي ْن ِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حَزا ُ‬ ‫قي ٌ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫ذا ِ‬
‫َ‬
‫ب ي َوْم ٍ أِليم ٍ )‪(65‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫موا ِ‬ ‫ظ َل َ ُ‬

‫مها )‪(3‬‬ ‫ما ُ‬ ‫ض النفوس ح َ‬ ‫ضها )‪ (1‬أو ي َعَْتلق )‪ (2‬ب َعْ َ‬ ‫مكَنة إَذا لم أْر َ‬ ‫ت َّراك أ ْ‬
‫وأولوه على أنه أراد جميع النفوس‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬وإنما أراد نفسه فقط ‪،‬‬
‫وعبر بالبعض عنها‪ .‬وهذا الذي قاله محتمل‪.‬‬
‫ه { أي ‪] :‬فيما[ )‪ (4‬أمركم به ‪ } ،‬وأطيعون { ‪ ،‬فيما‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فات ّ ُ‬
‫م { أي ‪ :‬أنا‬ ‫قي ٌ‬
‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬‫ط ُ‬‫صَرا ٌ‬‫ذا ِ‬ ‫دوه ُ هَ َ‬ ‫م َفاعْب ُ ُ‬ ‫ه هُوَ َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫جئتكم به ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫وأنتم عبيد له ‪ ،‬فقراء إليه ‪ ،‬مشتركون في عبادته وحده ل شريك له ‪ } ،‬هَ َ‬
‫ذا‬
‫م { أي ‪ :‬هذا الذي جئتكم به هو الصراط المستقيم ‪ ،‬وهو‬ ‫قي ٌ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬‫ط ُ‬ ‫صَرا ٌ‬ ‫ِ‬
‫عبادة الرب ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وحده‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬اختلفت الفرق وصاروا شيعا‬ ‫ن ب َي ْن ِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حَزا ُ‬ ‫ف ال ْ‬ ‫خت َل َ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فا ْ‬
‫فيه ‪ ،‬منهم من يقر بأنه عبد الله ورسوله ‪ -‬وهو الحق ‪ -‬ومنهم من يدعي أنه‬
‫ولد الله ‪ ،‬ومنهم من يقول ‪ :‬إنه الله ‪ -‬تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ‪-‬‬
‫ب ي َوْم ٍ أ َِليم ٍ {‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫موا ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬‫ذي َ‬‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬فَوَي ْ ٌ‬
‫ن )‪{ (60‬‬ ‫فو َ‬ ‫ُ‬
‫خل ُ‬‫ض يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫شاُء ل َ َ‬ ‫} وَل َوْ ن َ َ‬
‫ة ِفي الْر ِ‬ ‫ملئ ِك ً‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أرمنها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يقتلوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬البيت في تفسير الطبري )‪ (25/55‬وديوان لبيد العامري )ص ‪.(313‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/237‬‬

‫ْ‬ ‫ل ينظ ُرون إّل الساعَ َ َ‬


‫مئ ِذٍ‬ ‫خّلُء ي َوْ َ‬ ‫ن )‪ (66‬اْل َ ِ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫م ب َغْت َ ً‬ ‫ن ت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫هَ ْ َ ْ ُ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫م وَل أن ْت ُ ْ‬ ‫م الي َوْ َ‬ ‫ف عَلي ْك ُ ُ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫عَباد ِ ل َ‬ ‫ن )‪َ (67‬يا ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ض عَد ُوّ إ ِل ال ُ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة أن ْت ُ ْ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خلوا ال َ‬ ‫ن )‪ (69‬اد ْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مُنوا ب ِآَيات َِنا وَكاُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (68‬ال ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ب وَِفيَها َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ب وَأك َ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬‫ف ِ‬ ‫حا ٍ‬ ‫ص َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫ن )‪ (70‬ي ُطا ُ‬ ‫حب َُرو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫جك ْ‬ ‫وَأْزَوا ُ‬
‫ة ال ِّتي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شت َِهيهِ اْل َن ْ ُ‬
‫جن ّ ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن )‪ (71‬وَت ِل ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ن وَأن ْت ُ ْ‬ ‫س وَت َل َذ ّ اْلعْي ُ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(73‬‬ ‫من َْها ت َأكلو َ‬ ‫ة كِثيَرة ٌ ِ‬ ‫م ِفيَها َفاك ِهَ ٌ‬ ‫ن )‪ (72‬لك ْ‬ ‫ملو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫ها ب ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫أورِث ْت ُ ُ‬
‫ْ‬ ‫ل ينظ ُرون إل الساعَ َ َ‬
‫مئ ِذٍ‬
‫خلُء ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (66‬ال ِ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫م ب َغْت َ ً‬ ‫ن ت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫} هَ ْ َ ْ ُ َ ِ‬
‫م‬ ‫م َول أن ْت ُ ْ‬ ‫م الي َوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ف عَلي ْك ُ ُ‬‫َ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫عَباد ِ ل َ‬ ‫ن )‪َ (67‬يا ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ض عَد ُوّ ِإل ال ُ‬
‫َ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫م‬ ‫ة أن ْت ُ ْ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خلوا ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن )‪ (69‬اد ْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫مُنوا ِبآَيات َِنا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (68‬ال ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ب وَِفيَها َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ب وَأك َ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬‫ف ِ‬ ‫حا ٍ‬ ‫ص َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫ن )‪ (70‬ي ُطا ُ‬ ‫حب َُرو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫جك ْ‬ ‫وَأْزَوا ُ‬
‫ة ال ِّتي‬ ‫َ‬
‫جن ّ ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن )‪ (71‬وَت ِل ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ن وَأن ْت ُ ْ‬ ‫س وَت َل َذ ّ العْي ُ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهيهِ الن ْ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪.{ (73‬‬ ‫من َْها ت َأكلو َ‬ ‫ة كِثيَرة ٌ ِ‬ ‫م ِفيَها َفاك ِهَ ٌ‬ ‫ن )‪ (72‬لك ْ‬ ‫ملو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫ها ب ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫أورِث ْت ُ ُ‬
‫ن‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬هل ينتظر هؤلء المشركون المكذبون للرسل } إل الساعَ َ َ‬
‫ةأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ن { ؟ أي ‪ :‬فإنها كائنة ل محالة وواقعة ‪ ،‬وهؤلء‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ْ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫م ب َغْت َ ً‬ ‫ت َأت ِي َهُ ْ‬
‫غافلون عنها غير مستعدين ]لها[ )‪ (1‬فإذا جاءت إنما تجيء وهم ل يشعرون‬
‫بها ‪ ،‬فحينئذ يندمون كل الندم ‪ ،‬حيث ل ينفعهم ول يدفع عنهم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬كل صداقة‬ ‫قي َ‬ ‫ض عَد ُوّ ِإل ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ ب َعْ ُ‬‫خلُء ي َوْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ال ِ‬
‫وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إل ما كان لله ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫ما‬
‫فإنه دائم بدوامه‪ .‬وهذا كما قال إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لقومه ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫مةِ ي َك ْ ُ‬
‫فُر‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬
‫م ي َوْ َ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا ث ُ ّ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫موَد ّة َ ب َي ْن ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ أوَْثاًنا َ‬ ‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬‫ات ّ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ُ ْ‬ ‫م الّناُر وَ َ‬ ‫مأَواك ُ ُ‬ ‫ضا وَ َ‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ُ ْ‬
‫ن ب َعْ ُ‬ ‫ض وَي َلعَ ُ‬ ‫ضك ُ ْ‬
‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫] العنكبوت ‪.[ 25 :‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن الحارث )‪ ، (2‬عن‬
‫علي ‪ ،‬رضي الله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم عن علي"‪.‬‬

‫) ‪(7/237‬‬

‫ن { قال ‪ :‬خليلن مؤمنان ‪،‬‬ ‫قي َ‬ ‫ض عَد ُوّ ِإل ال ْ ُ‬


‫مت ّ ِ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬
‫مئ ِذ ٍ ب َعْ ُ‬
‫خلُء ي َوْ َ‬ ‫عنه ‪ } :‬ال ِ‬
‫وخليلن كافران ‪ ،‬فتوفي أحد المؤمنين وبشر بالجنة فذكر خليله ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫اللهم ‪ ،‬إن فلنا خليلي كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ‪ ،‬ويأمرني بالخير‬
‫وينهاني عن الشر ‪ ،‬وينبئني أني ملقيك ‪ ،‬اللهم فل تضله بعدي حتى تريه مثل‬
‫ما أريتني ‪ ،‬وترضى عنه كما رضيت عني‪ .‬فيقال له ‪ :‬اذهب فلو تعلم ما له‬
‫عندي لضحكت كثيرا وبكيت قليل‪ .‬قال ‪ :‬ثم يموت الخر ‪ ،‬فتجتمع أرواحهما ‪،‬‬
‫فيقال ‪ :‬ليثن أحدكما )‪ (1‬على صاحبه ‪ ،‬فيقول كل واحد منهما لصاحبه ‪ :‬نعم‬
‫الخ ‪ ،‬ونعم الصاحب ‪ ،‬ونعم الخليل‪ .‬وإذا مات أحد الكافرين ‪ ،‬وبشر بالنار‬
‫ذكر خليله فيقول ‪ :‬اللهم إن خليلي فلنا كان يأمرني بمعصيتك ومعصية‬
‫رسولك ‪ ،‬ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ‪ ،‬ويخبرني أني غير ملقيك ‪،‬‬
‫اللهم فل تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني ‪ ،‬وتسخط عليه كما )‪(2‬‬
‫سخطت علي‪ .‬قال ‪ :‬فيموت الكافر الخر ‪ ،‬فيجمع بين أرواحهما فيقال ‪ :‬ليثن‬
‫كل واحد منكما على صاحبه‪ .‬فيقول كل واحد منهما لصاحبه ‪ :‬بئس الخ ‪،‬‬
‫وبئس الصاحب ‪ ،‬وبئس الخليل‪ .‬رواه ابن أبي حاتم )‪.(3‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬صارت كل خلة عداوة يوم القيامة إل‬
‫المتقين‪.‬‬
‫وروى الحافظ ابن عساكر ‪ -‬في ترجمة هشام بن أحمد ‪ -‬عن هشام بن عبد‬
‫الله بن كثير ‪ :‬حدثنا أبو جعفر محمد بن الخضر بالرقة ‪ ،‬عن معافي ‪ :‬حدثنا‬
‫حكيم بن نافع ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لو أن رجلين تحابا في‬
‫الله ‪ ،‬أحدهما بالمشرق والخر بالمغرب ‪ ،‬لجمع الله بينهما يوم القيامة ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬هذا الذي أحببته في" )‪.(4‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن { ثم بشرهم‪.‬‬ ‫حَزُنو َ‬‫م تَ ْ‬ ‫م َول أن ْت ُ ْ‬ ‫م الي َوْ َ‬‫ف عَل َي ْك ُ ُ‬‫خو ْ ٌ‬‫عَبادِ ل َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬يا ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬آمنت قلوبهم وبواطنهم ‪،‬‬ ‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ِبآَيات َِنا وَكاُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫فقال ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وانقادت لشرع الله جوارحهم وظواهرهم‪.‬‬
‫قال المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬إذا كان يوم القيامة فإن الناس حين‬
‫ف عَل َي ْك ُ ُ‬
‫م‬ ‫خو ْ ٌ‬
‫عَباد ِ ل َ‬‫يبعثون ل يبقى أحد منهم إل فزع ‪ ،‬فينادي مناد ‪َ } :‬يا ِ‬
‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن { فيرجوها الناس كلهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فيتبُعها ‪ } :‬ال ّ ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م تَ ْ‬‫م َول أن ْت ُ ْ‬ ‫ال ْي َوْ َ‬
‫خُلوا‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪ :‬فييأس الناس منها غير المؤمنين‪ } .‬اد ْ ُ‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ِبآَيات َِنا وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬نظراؤكم‬ ‫جك ُ ْ‬
‫م وَأْزَوا ُ‬
‫ة { أي ‪ :‬يقال لهم ‪ :‬ادخلوا الجنة } أن ْت ُ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬تنعمون وتسعدون ‪ ،‬وقد تقدم تفسيرها في سورة الروم‪.‬‬ ‫حب َُرو َ‬ ‫} تُ ْ‬
‫َ‬
‫ب{‬ ‫وا ٍ‬‫ب { أي ‪ :‬زبادي آنية الطعام ‪ } ،‬وَأك ْ َ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬
‫م ْ‬
‫ف ِ‬
‫حا ٍ‬ ‫ص َ‬
‫م بِ ِ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫طا ُ‬‫} يُ َ‬
‫ما‬ ‫وهي ‪ :‬آنية الشراب ‪ ،‬أي ‪ :‬من ذهب ل خراطيم لها ول عَُرى ‪ } ،‬وَِفيَها َ‬
‫س { ‪ -‬وقرأ بعضهم ‪" :‬تشتهيه‬ ‫ف ُ‬ ‫شِهي الن ْ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أحدهما"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬مثل ما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير عبد الرزاق )‪.(2/164‬‬
‫)‪ (4‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور )‪.(27/79‬‬

‫) ‪(7/238‬‬

‫ن { أي ‪ :‬طيب الطعم والريح وحسن المنظر‪.‬‬ ‫النفس" ‪ } -‬وَت َل َذ ّ العْي ُ ُ‬


‫مر ‪ ،‬أخبرني إسماعيل بن أبي سعيد )‪ ، (1‬عن )‬ ‫معْ َ‬ ‫قال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َ‬
‫‪ (2‬عكرمة ‪ -‬مولى ابن عباس ‪ -‬أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم درجة لرجل ل يدخل الجنة بعده‬
‫أحد ‪ ،‬يفسح له في بصره مسيرة مائة عام في قصور من ذهب ‪ ،‬وخيام من‬
‫لؤلؤ ‪ ،‬ليس فيها موضع شبر إل معمور يغدى عليه ويراح بسبعين ألف صحفة‬
‫من ذهب ‪ ،‬ليس فيها صحفة إل فيها لون ليس في الخرى ‪ ،‬مثله شهوته في‬
‫آخرها كشهوته في أولها ‪ ،‬لو نزل به جميع أهل الرض لوسع عليهم مما‬
‫أعطي ‪ ،‬ل ينقص ذلك مما أوتي شيئا" )‪.(3‬‬
‫وقال )‪ (4‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد ‪ ،‬حدثنا عمرو بن‬
‫سواد السرحي ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن وهب ‪ ،‬عن ابن لهيعة ‪ ،‬عن عقيل بن خالد‬
‫‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ :‬أن أبا أمامة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬حدث أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم ‪ -‬وذكر الجنة ‪ -‬فقال ‪" :‬والذي نفس‬
‫محمد بيده ‪ ،‬ليأخذن أحدكم اللقمة فيجعلها في فيه ‪ ،‬ثم يخطر على باله‬
‫طعام آخر ‪ ،‬فيتحول الطعام الذي في فيه على الذي اشتهى" ثم قرأ ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن { )‪.(6‬‬‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫ن وَأن ْت ُ ْ‬‫س وَت َل َذ ّ العْي ُ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫شت َِهيهِ )‪ (5‬الن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬
‫} وَِفيَها َ‬
‫سك َْين بن عبد‬
‫وقال )‪ (7‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ -‬هو ابن موسى ‪ -‬حدثنا ُ‬
‫شب ‪ ،‬عن أبي هريرة )‪(8‬‬ ‫حو ْ َ‬‫العزيز ‪ ،‬حدثنا الشعث الضرير ‪ ،‬عن شهر بن َ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن أدنى أهل الجنة منزلة إن‬
‫له لسبع درجات ‪ ،‬وهو على السادسة وفوقه السابعة ‪ ،‬وإن له ثلثمائة خادم ‪،‬‬
‫ويغدى عليه ويراح كل يوم بثلثمائة صحفة ‪ -‬ول أعلمه إل قال ‪ :‬من ذهب ‪-‬‬
‫في كل صحفة لون ليس في الخرى ‪ ،‬وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره ‪ ،‬ومن‬
‫الشربة ثلثمائة إناء ‪ ،‬في كل إناء لون ليس في الخر ‪ ،‬وإنه ليلذ أوله كما يلذ‬
‫آخره ‪ ،‬وإنه يقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬لو أذنت لي لطعمت أهل الجنة وسقيتهم ‪ ،‬لم‬
‫ينقص مما عندي شيء ‪ ،‬وإن له من الحور العين لثنين وسبعين زوجة ‪،‬‬
‫سوى أزواجه من الدنيا ‪ ،‬وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من‬
‫الرض" )‪.(9‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ل تخرجون منها ول تبغون‬ ‫َ‬
‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها { أي ‪ :‬في الجنة } َ‬ ‫} وَأن ْت ُ ْ‬
‫ة ال ِّتي‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫جن ّ ُ‬ ‫عنها حول‪ .‬ثم قيل لهم على وجه التفضل والمتنان ‪ } :‬وَت ِل ْ َ‬
‫ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬أعمالكم الصالحة كانت سببا لشمول‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫ها ب ِ َ‬ ‫أورِث ْت ُ ُ‬
‫مو َ‬
‫دا عمله الجنة ‪ ،‬ولكن بفضل من الله‬ ‫رحمة الله إياكم ‪ ،‬فإنه ل يدخل أح ً‬
‫ورحمته‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير عبد الرزاق )‪.(2/165‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ما تشتهي" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (6‬وفي إسناده الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬أبي هريرة رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(2/537‬‬

‫) ‪(7/239‬‬

‫وإنما الدرجات تفاوتها )‪ (1‬بحسب عمل الصالحات‪.‬‬


‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الفضل بن شاذان المقرئ ‪ ،‬حدثنا يوسف بن‬
‫يعقوب ‪ -‬يعني الصفار ‪ -‬حدثنا أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي‬
‫صالح )‪ ، (2‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫وَ‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬كل أهل النار يرى منزله من الجنة حسرة ‪ ،‬فيقول ‪ } :‬ل ْ‬
‫َ‬
‫ن { ]الزمر ‪ [57 :‬وكل أهل الجنة يرى منزله‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫داِني ل َك ُن ْ ُ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫أ ّ‬
‫َ‬
‫ه { ]العراف ‪، [43 :‬‬ ‫داَنا الل ّ ُ‬
‫ن هَ َ‬‫ول أ ْ‬ ‫ما ك ُّنا ل ِن َهْت َدِيَ ل َ ْ‬ ‫من النار فيقول ‪ } :‬وَ َ‬
‫ليكون )‪ (3‬له شكرا"‪ .‬قال ‪ :‬وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما‬
‫ن منزلهَ‬ ‫من أحد إل وله منزل في الجنة ومنزل في النار ‪ ،‬فالكافر يرث المؤم َ‬
‫من النار ‪ ،‬والمؤمن يرث الكافَر منزله من الجنة" وذلك )‪ (4‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ن { )‪.(5‬‬ ‫مُلو َ‬‫م ت َعْ َ‬‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬‫ها ب ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ة ال ِّتي أورِث ْت ُ ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫جن ّ ُ‬ ‫} وَت ِل ْ َ‬
‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬من جميع النواع ‪،‬‬ ‫من َْها ت َأك ُُلو َ‬ ‫ة ك َِثيَرة ٌ ِ‬ ‫م ِفيَها َفاك ِهَ ٌ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َك ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬مهما اخترتم وأردتم‪ .‬ولما ذكر ]الله تعالى[ )‪ (6‬الطعام‬ ‫من َْها ت َأك ُُلو َ‬ ‫} ِ‬
‫والشراب ‪ ،‬ذكر بعده الفاكهة لتتم ]هذه[ )‪ (7‬النعمة والغبطة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وإنما الدرجات ينال تفاوتها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فيكون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فيكون"‪.‬‬
‫)‪ (5‬ورواه أحمد في مسنده )‪ (2/512‬من طريق أبي بكر بن عياش به‬
‫مختصرا‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(7/240‬‬
‫ن)‬‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬‫م ِفيهِ ُ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫فت ُّر عَن ْهُ ْ‬ ‫ن )‪َ (74‬ل ي ُ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ِفي عَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫ض عَلي َْنا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق ِ‬ ‫مال ِك ل ِي َ ْ‬ ‫ن )‪ (76‬وََناد َْوا َيا َ‬
‫َ‬
‫مي َ‬ ‫م الظال ِ ِ‬ ‫ن كاُنوا هُ ُ‬ ‫م وَلك ِ ْ‬ ‫مَناهُ ْ‬‫ما ظل ْ‬ ‫‪ (75‬وَ َ‬
‫ن)‬ ‫هو َ‬ ‫َ‬
‫حقّ كارِ ُ‬ ‫ْ‬
‫م ل ِل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن أكثَرك ْ‬ ‫َ‬
‫حقّ وَلك ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫م ِبال َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫جئَناك ْ‬ ‫قد ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (77‬ل َ‬ ‫ُ‬
‫ماك ِثو َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ك َقال إ ِن ّك ْ‬‫َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سّرهُ ْ‬ ‫مع ُ ِ‬ ‫س َ‬‫ن أّنا َل ن َ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬‫م يَ ْ‬ ‫ن )‪ (79‬أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مب ْرِ ُ‬ ‫مًرا فَإ ِّنا ُ‬ ‫موا أ ْ‬ ‫م أب َْر ُ‬ ‫‪ (78‬أ ْ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫م ي َك ْت ُُبو َ‬ ‫سل َُنا ل َد َي ْهِ ْ‬‫م ب ََلى وَُر ُ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ج َ‬‫وَن َ ْ‬

‫م ِفيهِ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫فت ُّر عَن ْهُ ْ‬ ‫ن )‪ (74‬ل ي ُ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ِفي عَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫} إِ ّ‬
‫مال ِكُ‬ ‫ن )‪ (76‬وََناد َْوا َيا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫ن كاُنوا هُ ُ‬ ‫َ‬ ‫م وَلك ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫مَناهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ما ظل ْ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (75‬وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أكثَرك ْ‬ ‫حقّ وَلك ِ ّ‬ ‫م ِبال َ‬ ‫جئَناك ْ‬ ‫قد ْ ِ‬ ‫ن )‪ (77‬ل َ‬ ‫ماك ِثو َ‬ ‫م َ‬ ‫ض عَلي َْنا َرب ّك قال إ ِن ّك ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أّنا ل‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن )‪ (79‬أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مب ْرِ ُ‬ ‫َ‬
‫مًرا فإ ِّنا ُ‬ ‫موا أ ْ‬ ‫م أب َْر ُ‬ ‫ن )‪ (78‬أ ْ‬ ‫هو َ‬ ‫حقّ كارِ ُ‬‫َ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫ن )‪.{ (80‬‬ ‫م ي َك ْت ُُبو َ‬ ‫سل َُنا ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫م ب ََلى وَُر ُ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫سّرهُ ْ‬ ‫مع ُ ِ‬ ‫س َ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن‬‫لما ذكر ]تعالى[ )‪ (1‬حال السعداء ‪ ،‬ثنى بذكر الشقياء ‪ ،‬فقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م‬
‫م { أي ‪ :‬ساعة واحدة } وَهُ ْ‬ ‫فت ُّر عَن ْهُ ْ‬ ‫ن‪ .‬ل ي ُ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ِفي عَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م‬‫كاُنوا هُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫مَناهُ ْ‬ ‫ما ظ َل َ ْ‬ ‫ن { أي ‪ :‬آيسون من كل خير ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫ِفيهِ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬بأعمالهم السيئة بعد قيام الحجج عليهم وإرسال الرسل‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫إليهم ‪ ،‬فكذبوا وعصوا ‪ ،‬فجوزوا بذلك جزاء وفاقا ‪ ،‬وما ربك بظلم للعبيد‪.‬‬
‫ك { وهو ‪ :‬خازن النار‪.‬‬ ‫مال ِ ُ‬‫} وََناد َْوا َيا َ‬
‫مْنهال ‪ ،‬حدثنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن عمرو بن‬ ‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا حجاج بن ِ‬
‫عطاء )‪ ، (2‬عن صفوان بن يعلى ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى‬
‫ك{‬ ‫ض عَل َي َْنا َرب ّ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك ل ِي َ ْ‬ ‫مال ِ ُ‬ ‫الله عليه وسلم يقرأ على المنبر ‪ } :‬وََناد َْوا َيا َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬روى البخاري بإسناده"‪.‬‬

‫) ‪(7/240‬‬

‫ت‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن )‪ُ (81‬‬ ‫دي َ‬ ‫ل ال َْعاب ِ ِ‬ ‫ن وَل َد ٌ فَأ ََنا أ َوّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫ن ِللّر ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫حّتى ي َُلُقوا‬ ‫ضوا وَي َل ْعَُبوا َ‬ ‫َواْلْرض َر ّ ْ‬ ‫َ‬
‫خو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن )‪ (82‬فَذ َْرهُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬‫ما ي َ ِ‬ ‫ش عَ ّ‬ ‫ب العَْر ِ‬ ‫ِ‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪83‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ع‬ ‫يو‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬
‫ُ‬
‫ْ ِ ِ ٌ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٌ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مل ُ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م )‪ (84‬وَت ََباَر َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل ُ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫م العَِلي ُ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬
‫ه‬
‫ن ُدون ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ن )‪ (85‬وََل ي َ ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ساعَةِ وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫عن ْد َه ُ ِ‬ ‫وَ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬ ‫ال ّ‬
‫قهُ ْ‬ ‫خل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سألت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن )‪ (86‬وَلئ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل ُ‬ ‫حقّ وَهُ ْ‬ ‫شهِد َ ِبال َ‬ ‫مَ ْ‬
‫ة إ ِل َ‬ ‫فاعَ َ‬ ‫ش َ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ل ي ُؤْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن هَؤُلِء قَوْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ن )‪ (87‬وَِقيل ِهِ َيا َر ّ‬ ‫ُ‬
‫ه فَأّنى ي ُؤْفَكو َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ُ‬
‫قول ّ‬ ‫ل َي َ ُ‬
‫ن )‪(89‬‬ ‫مو َ‬ ‫ف ي َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سَل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫م وَقُ ْ‬ ‫ح عَن ْهُ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫ص َ‬ ‫َفا ْ‬

‫)‪ (1‬أي ‪ :‬ليقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه ‪ ،‬فإنهم كما قال تعالى ‪ } :‬ل‬
‫ذاب َِها { ]فاطر ‪ .[36 :‬وقال ‪:‬‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬‫ف ُ‬ ‫خ ّ‬
‫موُتوا َول ي ُ َ‬ ‫ضى عَل َي ْهِ ْ‬
‫م فَي َ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ت ِفيَها َول‬
‫مو ُ‬
‫م ل يَ ُ‬ ‫ْ‬
‫صلى الّناَر الك ُب َْرى‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫قى‪ .‬ال ِ‬ ‫جن ّب َُها )‪ (2‬ال ْ‬
‫ش َ‬ ‫} وَي َت َ َ‬
‫حَيى { ]العلى ‪ ، [13 - 11 :‬فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك ‪َ } ،‬قا َ‬
‫ل‬ ‫يَ ْ‬
‫ن { ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬مكث ألف سنة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إنكم ماكثون‪.‬‬ ‫ماك ُِثو َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫إ ِن ّك ْ‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫أي ‪ :‬ل خروج لكم منها ول محيد لكم عنها‪.‬‬
‫قد ْ‬ ‫َ‬
‫ثم ذكر سبب شقوتهم وهو مخالفتهم للحق ومعاندتهم له فقال ‪ } :‬ل َ‬
‫جئ ْناك ُم بال ْحق { أي ‪ :‬بيناه لكم ووضحناه وفسرناه ‪ } ،‬ول َك َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫م ل ِل ْ َ‬ ‫ن أك ْث ََرك ُ ْ‬ ‫َ ِ ّ‬ ‫ِ َ ْ ِ َ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬ولكن كانت سجاياكم ل تقبله ول تقبل عليه ‪ ،‬وإنما تنقاد‬ ‫هو َ‬ ‫كارِ ُ‬ ‫َ‬
‫للباطل وتعظمه ‪ ،‬وتصد عن الحق وتأباه ‪ ،‬وتبغض أهله ‪ ،‬فعودوا على‬
‫أنفسكم بالملمة ‪ ،‬واندموا حيث ل تنفعكم )‪ (3‬الندامة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬أ َ َ‬
‫ن { قال مجاهد ‪ :‬أرادوا كيد شر‬ ‫مو َ‬ ‫مب ْرِ ُ‬ ‫مًرا فَإ ِّنا ُ‬ ‫موا أ ْ‬ ‫م أب َْر ُ‬ ‫ْ‬
‫فكدناهم‪.‬‬
‫مل‬ ‫مك ًْرا وَهُ ْ‬ ‫مك َْرَنا َ‬ ‫مك ًْرا وَ َ‬ ‫مك َُروا َ‬ ‫وهذا الذي قاله مجاهد كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ]النمل ‪ ، [50 :‬وذلك لن المشركين كانوا يتحيلون في رد الحق‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫بالباطل بحيل ومكر يسلكونه ‪ ،‬فكادهم الله ‪ ،‬ورد وبال ذلك عليهم ؛ ولهذا‬
‫م { أي ‪ :‬سرهم وعلنيتهم ‪،‬‬ ‫قال ‪ } :‬أ َم يحسبو َ‬
‫واهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫سّرهُ ْ‬ ‫مع ُ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن أّنا ل ن َ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬نحن نعلم ما هم عليه ‪ ،‬والملئكة أيضا‬ ‫ْ‬
‫م ي َكت ُُبو َ‬ ‫سل َُنا ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫} ب ََلى وَُر ُ‬
‫يكتبون أعمالهم ‪ ،‬صغيرها وكبيرها‪.‬‬
‫ت‬
‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن )‪ُ (81‬‬ ‫دي َ‬ ‫ل الَعاب ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن وَل َد ٌ فَأ ََنا أ َوّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِللّر ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ُ‬
‫حّتى ُيلقوا‬ ‫ضوا وَي َلعَُبوا َ‬ ‫ْ‬ ‫خو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن )‪ (82‬فذ َْرهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ش عَ ّ‬ ‫ْ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫ض َر ّ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫و‬
‫ه وَهُ َ‬ ‫َ‬
‫ض إ ِل ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ه وَِفي الْر ِ‬ ‫ماِء إ ِل ٌ‬ ‫س َ‬ ‫ذي ِفي ال ّ‬ ‫ن )‪ (83‬وَهُوَ ال ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ذي ُيوعَ ُ‬ ‫م ال ِ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫عن ْد َهُ‬ ‫ما وَ ِ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ملك ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل ُ‬ ‫م )‪ (84‬وَت ََباَرك ال ِ‬ ‫م العَِلي ُ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬
‫ة ِإل‬ ‫فاعَ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ُدون ِهِ ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ن )‪َ (85‬ول ي َ ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ساعَةِ وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ه فَأّنى‬ ‫ن الل ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫س‬ ‫ن‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫(‬ ‫‪86‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫د‬ ‫ه‬‫ش‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ْ َ َُ ْ َ ْ‬ ‫ِ َ ِ َ ّ َ ُ ْ َْ ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫م وَقُ ْ‬ ‫ه‬
‫ْ ْ ُْ ْ‬‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ص‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫(‬ ‫‪88‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫نو‬
‫ُ ِ ُ َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ْ ٌ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ؤل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ب‬
‫َ ِ ِ َ َ ّ ِ ّ‬ ‫ر‬ ‫يا‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫قي‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪87‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫يُ‬
‫ن )‪{ (89‬‬ ‫مو َ‬ ‫ف ي َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ٌ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫دي‬ ‫ب‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫لل‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫محمد‬ ‫يا‬ ‫{‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ َ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫أي ‪ :‬لو فرض هذا لعبدته‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(4819‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬وسيجنبها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬ل تنفع"‪.‬‬

‫) ‪(7/241‬‬

‫على ذلك لني عبد من عبيده ‪ ،‬مطيع لجميع ما يأمرني به ‪ ،‬ليس عندي‬
‫استكبار ول إباء عن عبادته ‪ ،‬فلو فرض كان هذا ‪ ،‬ولكن هذا ممتنع في حقه‬
‫تعالى ‪ ،‬والشرط ل يلزم منه الوقوع ول الجواز أيضا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫و‬
‫أ َراد الل ّ َ‬
‫حد ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫ه هُوَ الل ّ ُ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬‫شاُء ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫م ّ‬‫فى ِ‬ ‫صط َ َ‬
‫دا ل ْ‬‫خذ َ وَل َ ً‬
‫ن ي َت ّ ِ‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫قّهاُر { ]الزمر ‪.[4 :‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬النفين‪.‬‬ ‫دي َ‬ ‫ل ال َْعاب ِ ِ‬‫]و[ )‪ (1‬قال بعض المفسرين في قوله ‪ } :‬فَأ ََنا أ َوّ ُ‬
‫ن{‬ ‫دي َ‬ ‫ومنهم سفيان الثوري ‪ ،‬والبخاري حكاه فقال ‪ :‬ويقال ‪ } :‬أ َوّ ُ‬
‫ل ال َْعاب ِ ِ‬
‫الجاحدين ‪ ،‬من عبد يعبد‪.‬‬
‫وذكر ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن يونس بن عبد العلى ‪،‬‬
‫سْيط )‪ ، (2‬عن ب ََعجة بن زيد‬ ‫عن ابن وهب ‪ ،‬حدثني ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن أبي قُ َ‬
‫الجهني ؛ أن امرأة منهم دخلت على زوجها ‪ -‬وهو رجل منهم أيضا ‪ -‬فولدت‬
‫له في ستة أشهر ‪ ،‬فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫فأمر بها أن ترجم ‪ ،‬فدخل عليه علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫شهًْرا { ]الحقاف ‪، [15 :‬‬ ‫ن َ‬ ‫ه َثلُثو َ‬ ‫صال ُ ُ‬
‫ه وَفِ َ‬ ‫مل ُ ُ‬
‫ح ْ‬
‫إن الله يقول في كتابه ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ]لقمان ‪ ، [14 :‬قال ‪ :‬فوالله ما عبد عثمان ‪،‬‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫عا َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫صال ُ ُ‬
‫وقال } وَفِ َ‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬أن بعث إليها ‪ :‬ترد ‪ -‬قال يونس ‪ :‬قال ابن وهب ‪ :‬عبد ‪:‬‬
‫استنكف‪(3) .‬‬
‫]و[ )‪ (4‬قال الشاعر ‪:‬‬
‫ما )‪(5‬‬ ‫ظال ً‬‫حاَلة َ‬ ‫خليله‪ ...‬وي َعْب َد ُ عََليه ل ِ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫صرِ ْ‬ ‫شأ ُذو الوُد ّ ي ْ‬ ‫ما ي َ َ‬
‫مَتى َ‬ ‫َ‬
‫وهذا القول فيه نظر ؛ لنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره ‪ :‬إن كان هذا‬
‫فأنا ممتنع منه ؟ هذا فيه نظر ‪ ،‬فليتأمل‪ .‬اللهم إل أن يقال ‪" :‬إن" ليست‬
‫شرطا ‪ ،‬وإنما هي نافية كما قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في‬
‫ن وَل َد ٌ { ‪ ،‬يقول ‪ :‬لم يكن للرحمن ولد فأنا أول‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫ن ِللّر ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫قوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫الشاهدين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن وَلد ٌ فَأَنا أوّ ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬هي كلمة من كلم العرب ‪ } :‬قُ ْ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬ ‫ن ِللّر ْ‬ ‫ن كا َ‬ ‫ل إِ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬إن ذلك لم يكن فل ينبغي‪.‬‬ ‫دي َ‬‫ال َْعاب ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فأنا أول‬ ‫دي َ‬ ‫ل ال َْعاب ِ ِ‬‫ن وَل َد ٌ فَأَنا أوّ ُ‬‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ن ِللّر ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫وقال أبو صخر ‪ } :‬قُ ْ‬
‫من عبده بأن ل ولد له ‪ ،‬وأول من وحده‪ .‬وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬أول من عبده ووحده وكذبكم‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دي َ‬‫وقال مجاهد ‪ } :‬فأَنا أوّل الَعاب ِ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ما رواه بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(25/61‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (5‬البيت في تفسير الطبري )‪.(25/60‬‬

‫) ‪(7/242‬‬

‫ن { النفين‪ .‬وهما لغتان ‪ ،‬رجل عابد وعبد )‬ ‫دي َ‬ ‫ل ال َْعاب ِ ِ‬ ‫وقال البخاري ‪ } :‬فَأ ََنا أ َوّ ُ‬
‫‪.(1‬‬
‫والول أقرب على أنه شرط وجزاء ‪ ،‬ولكن هو ممتنع‪.‬‬
‫ن{‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫وقال السدي ]في قوله[ )‪ } (2‬قُ ْ‬
‫دي َ‬
‫ن وَلد ٌ فأَنا أوّل الَعاب ِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬
‫ن ِللّر ْ‬‫كا َ‬ ‫ل إِ ْ‬
‫يقول ‪ :‬لو كان له ولد كنت أول من عبده ‪ ،‬بأن له ولدا ‪ ،‬لكن ل ولد له‪ .‬وهو‬
‫اختيار ابن جرير ‪ ،‬ورد ّ قول من زعم أن "إن" نافية‪.‬‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ي َ ِ‬ ‫ش عَ ّ‬ ‫ت َوالْرض َر ّ ْ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ولهذا قال ‪ُ } :‬‬
‫تعالى وتقدس وتنزه خالق الشياء عن أن يكون له ولد ‪ ،‬فإنه فرد أحد صمد ‪،‬‬
‫ل نظير له ول كفء له ‪ ،‬فل )‪ (3‬ولد له‪.‬‬
‫ْ‬
‫ضوا { أي ‪ :‬في جهلهم وضللهم } وَي َلعَُبوا { في‬ ‫خو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَذ َْرهُ ْ‬
‫ن { وهو يوم القيامة ‪ ،‬أي ‪ :‬فسوف‬ ‫دو َ‬
‫ذي ُيوعَ ُ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫مهُ ُ‬‫حّتى ُيلُقوا ي َوْ َ‬ ‫دنياهم } َ‬
‫يعلمون كيف يكون مصيرهم ‪ ،‬ومآلهم ‪ ،‬وحالهم في ذلك اليوم‪.‬‬
‫ه { أي ‪ :‬هو إله من في‬ ‫ض إ ِل َ ٌ‬‫ه وَِفي الْر ِ‬ ‫ماِء إ ِل َ ٌ‬ ‫س َ‬‫ذي ِفي ال ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫السماء ‪ ،‬وإله من في الرض ‪ ،‬يعبده أهلهما ‪ ،‬وكلهم خاضعون له ‪ ،‬أذلء بين‬
‫م{‬‫م ال ْعَِلي ُ‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫يديه ‪ } ،‬وَهُوَ ال ْ َ‬
‫سّرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ِ‬ ‫ض ي َعْل َ ُ‬‫ت وَِفي الْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬
‫ه ِفي ال ّ‬ ‫وهذه الية كقوله تعالى ‪ } :‬وَهُوَ الل ّ ُ‬
‫ن { ]النعام ‪ [3 :‬أي ‪ :‬هو المدعو الله في‬ ‫سُبو َ‬ ‫ما ت َك ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م وَي َعْل َ ُ‬
‫جهَْرك ُ ْ‬
‫وَ َ‬
‫السموات والرض‪.‬‬
‫ما { أي ‪ :‬هو خالقهما‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫} وَت ََباَر َ‬
‫ومالكهما والمتصرف فيهما ‪ ،‬بل مدافعة ول ممانعة ‪ ،‬فسبحانه وتعالى عن‬
‫الولد ‪ ،‬وتبارك ‪ :‬أي استقر له السلمة من العيوب والنقائص ؛ لنه الرب‬
‫العلي العظيم ‪ ،‬المالك للشياء ‪ ،‬الذي بيده أزمة المور نقضا وإبراما ‪،‬‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ساعَةِ { أي ‪ :‬ل يجليها لوقتها إل هو ‪ } ،‬وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫عن ْد َه ُ ِ‬
‫} وَ ِ‬
‫فيجازي كل بعمله ‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا فشر‪.‬‬
‫ن ُدون ِهِ { أي ‪ :‬من الصنام‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫ثم قال تعالى ‪َ } :‬ول ي َ ْ‬
‫ن َ‬
‫شهِد َ‬ ‫م ْ‬‫ة { أي ‪ :‬ل يقدرون على الشفاعة لهم ‪ِ } ،‬إل َ‬ ‫فاعَ َ‬ ‫ش َ‬ ‫والوثان } ال ّ‬
‫ن { هذا استثناء منقطع ‪ ،‬أي ‪ :‬لكن من شهد بالحق على‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ي َعْل ُ‬ ‫حقّ وَهُ ْ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫بصيرة وعلم ‪ ،‬فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ولئن‬ ‫ُ‬
‫ه فَأّنى ي ُؤْفَكو َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫قول ُ ّ‬
‫م ل َي َ ُ‬ ‫قهُ ْ‬‫خل َ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫ه{‬‫ن الل ّ ُ‬‫قول ُ ّ‬
‫م ل َي َ ُ‬‫قهُ ْ‬ ‫خل َ َ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫سألت هؤلء المشركين بالله العابدين معه غيره } َ‬
‫أي ‪ :‬هم يعترفون )‪ (4‬أنه الخالق للشياء جميعها ‪ ،‬وحده ل شريك له في ذلك‬
‫‪ ،‬ومع هذا يعبدون معه غيره ‪ ،‬ممن ل يملك شيئا ول يقدر على شيء ‪ ،‬فهم‬
‫في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري )‪" (8/568‬فتح الباري"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يعرفون"‪.‬‬

‫) ‪(7/243‬‬

‫ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَأ َّنى‬
‫ن{‬ ‫كو َ‬‫ي ُؤْفَ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬وقال ‪ :‬محمد ‪:‬‬ ‫م ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ؤلِء قَوْ ٌ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَِقيل ِهِ )‪َ (1‬يا َر ّ‬
‫قيله ‪ ،‬أي ‪ :‬شكا إلى ربه شكواه من قومه الذين كذبوه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إن‬
‫ل َيا‬‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫هؤلء قوم ل يؤمنون ‪ ،‬كما أخبر تعالى في الية الخرى ‪ } :‬وََقا َ‬
‫جوًرا { ]الفرقان ‪ [30 :‬وهذا الذي قلناه‬ ‫مهْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫قْرآ َ‬‫ذا ال ْ ُ‬‫ذوا هَ َ‬ ‫خ ُ‬‫مي ات ّ َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬
‫ب إِ ّ‬‫َر ّ‬
‫هو ]معنى[ )‪ (2‬قول ابن مسعود ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعليه فسر ابن جرير )‬
‫‪.(3‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬وقرأ عبد الله ‪ -‬يعني ابن مسعود ‪" : -‬وقال الرسول يا رب"‪) .‬‬
‫‪(4‬‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫مُنو َ‬‫م ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ؤلِء قَوْ ٌ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫وقال مجاهد في قوله ‪ } :‬وَِقيل ِهِ َيا َر ّ‬
‫فأبر الله قول محمد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هو قول نبيكم صلى الله عليه وسلم يشكو قومه إلى ربه عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫ب { قراءتين ‪ ،‬إحداهما النصب ‪،‬‬ ‫ثم حكى ابن جرير في قوله ‪ } :‬وَِقيل ِهِ َيا َر ّ‬
‫م{‬ ‫واهُ ْ‬
‫ج َ‬
‫م وَن َ ْ‬‫سّرهُ ْ‬
‫مع ُ ِ‬ ‫س َ‬‫ولها توجيهان ‪ :‬أحدهما أنه معطوف على قوله ‪ } :‬ن َ ْ‬
‫]الزخرف ‪ [80 :‬والثاني ‪ :‬أن يقدر فعل ‪ ،‬وقال ‪ :‬قيَله‪ .‬والثانية ‪ :‬الخفض ‪،‬‬
‫علم قيله‪.‬‬ ‫ساعَةِ { تقديره ‪ :‬و ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫عن ْد َه ُ ِ‬
‫وقيل ِهِ ‪ ،‬عطفا على قوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬ل تجاوبهم‬ ‫سل ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م { أي ‪ :‬المشركين ‪ } ،‬وَقل َ‬ ‫ح عَن ْهُ ْ‬‫ف ْ‬ ‫ص َ‬‫وقوله ‪َ } :‬فا ْ‬
‫بمثل ما يخاطبونك به من الكلم السيئ ‪ ،‬ولكن تألفهم واصفح عنهم فعل‬
‫ن )‪ ، { (5‬هذا تهديد منه تعالى لهم ‪ ،‬ولهذا أحل بهم‬ ‫ف ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫وقول } فَ َ‬
‫سو ْ َ‬
‫بأسه الذي ل يرد ‪ ،‬وأعلى دينه وكلمته ‪ ،‬وشرع بعد ذلك الجهاد والجلد ‪ ،‬حتى‬
‫دخل الناس في دين الله أفواجا ‪ ،‬وانتشر السلم في المشارق والمغارب‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة الزخرف‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وقيل هو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(25/62‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري )‪" (8/568‬فتح الباري"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬تعلمون"‪.‬‬

‫) ‪(7/244‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫من ْذِِري َ‬‫مَباَرك َةٍ إ ِّنا ك ُّنا ُ‬ ‫ن )‪ (2‬إ ِّنا أن َْزل َْناه ُ ِفي ل َي ْل َةٍ ُ‬ ‫مِبي ِ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫حم )‪َ (1‬وال ْك َِتا ِ‬
‫َ‬ ‫فرقُ ك ُ ّ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫ن )‪َ (5‬ر ْ‬ ‫سِلي َ‬‫مْر ِ‬ ‫عن ْدَِنا إ ِّنا ك ُّنا ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫مًرا ِ‬ ‫كيم ٍ )‪ (4‬أ ْ‬ ‫ح ِ‬‫مرٍ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ِفيَها ي ُ ْ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ما إ ِ ْ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬‫ض وَ َ‬ ‫ت َوال َْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫م )‪َ (6‬ر ّ‬ ‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ك إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫م اْلوِّلي َ‬ ‫ب آَبائ ِك ُ ُ‬ ‫م وََر ّ‬ ‫ت َرب ّك ُ ْ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬‫ه إ ِّل هُوَ ي ُ ْ‬ ‫ن )‪َ (7‬ل إ ِل َ َ‬ ‫موقِِني َ‬ ‫ُ‬

‫تفسير سورة الدخان‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫مر بن‬ ‫كيع ‪ ،‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬عن عُ َ‬ ‫قال الترمذي ‪ :‬حدثنا سفيان بن وَ ِ‬
‫خث َْعم ‪ ،‬عن يحيى بن أبى كثير ‪ ،‬عن أبي سلمة )‪ ، (1‬عن أبي هريرة ‪،‬‬ ‫أبي َ‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من قرأ)حم‬
‫الدخان( في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك"‪.‬‬
‫مر )‪ (2‬بن أبي خثعم يضعف‪.‬‬ ‫ثم قال ‪ :‬غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ‪ ،‬وع َ‬
‫قال البخاري ‪ :‬منكر الحديث )‪.(3‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي ‪ ،‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬عن‬
‫هشام أبي المقدام ‪ ،‬عن الحسن )‪ ، (4‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من قرأ)حم الدخان( في ليلة‬
‫الجمعة ‪ ،‬غفر له"‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ‪ ،‬وهشام )‪ (5‬أبو المقدام يضعف ‪،‬‬
‫والحسن لم يسمع من أبي هريرة كذا قال أيوب ‪ ،‬ويونس بن عبيد ‪ ،‬وعلي‬
‫بن زيد )‪.(6‬‬
‫وفي مسند البزار من رواية أبي الطفيل عامر بن واثلة ‪ ،‬عن زيد بن حارثة ؛‬
‫صّياد ‪" :‬إني قد خبأت خبأ فما‬ ‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبن َ‬
‫هو ؟" وخبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الدخان ‪ ،‬فقال ‪ :‬هو‬
‫دخ‪ .‬فقال ‪" :‬اخسأ ما شاء الله كان"‪ .‬ثم انصرف )‪.(7‬‬ ‫ال ّ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫َ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫مَباَرك َةٍ إ ِّنا ك ُّنا ُ‬ ‫ن )‪ (2‬إ ِّنا أنزل َْناه ُ ِفي ل َي ْل َةٍ ُ‬ ‫مِبي ِ‬‫ب ال ْ ُ‬
‫} حم )‪َ (1‬وال ْك َِتا ِ‬
‫َ‬ ‫فرقُ ك ُ ّ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬‫ن )‪َ (5‬ر ْ‬ ‫سِلي َ‬
‫مْر ِ‬ ‫عن ْدَِنا إ ِّنا ك ُّنا ُ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫مًرا ِ‬ ‫كيم ٍ )‪ (4‬أ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫مرٍ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ِفيَها ي ُ ْ َ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما إ ِ ْ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫م )‪َ (6‬ر ّ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ك إ ِن ّ ُ‬
‫ن )‪{ (8‬‬ ‫م الوِّلي َ‬ ‫ب آَبائ ِك ُ ُ‬ ‫م وََر ّ‬ ‫ت َرب ّك ُ ْ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬‫ه ِإل هُوَ ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (7‬ل إ ِل َ‬ ‫موقِِني َ‬ ‫ُ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن القرآن العظيم ‪ :‬إنه أنزله في ليلة مباركة ‪ ،‬وهي ليلة‬
‫قد ْرِ { ] القدر ‪ [ 1 :‬وكان‬ ‫القدر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬إ ِّنا َأنزل َْناه ُ ِفي ل َي ْل َةِ ال ْ َ‬
‫ذي ُأنز َ‬
‫ل ِفيهِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ضا َ‬
‫م َ‬
‫شهُْر َر َ‬ ‫ذلك في شهر رمضان ‪ ،‬كما قال ‪ :‬تعالى ‪َ } :‬‬
‫ن { ] البقرة ‪[ 185 :‬‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قْرآ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬روى الترمذي بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬الوجه ‪ ،‬وفي إسناده عمر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪.(2888‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى الترمذي بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬الوجه ‪ ،‬وفي إسناده هشام"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن الترمذي برقم )‪.(2889‬‬
‫)‪ (7‬مسند البزار برقم )‪" (3399‬كشف الستار" ورواه الطبراني في المعجم‬
‫الكبير )‪ (5/88‬من طريق زياد بن الفرات عن أبي الطفيل به‪ .‬قال الهيثمي‬
‫في المجمع )‪" : (8/4‬فيه زياد بن الحسن بن فرات ‪ ،‬ضعفه أبو حاتم ووثقه‬
‫ابن حبان"‪.‬‬

‫) ‪(7/245‬‬

‫ْ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫خا ٍ‬ ‫ماُء ب ِد ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ت َأِتي ال ّ‬ ‫ب ي َوْ َ‬‫ق ْ‬ ‫ن )‪َ (9‬فاْرت َ ِ‬ ‫ك ي َل ْعَُبو َ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫بَ ْ‬
‫ف عَّنا ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ب إ ِّنا ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م )‪َ (11‬رب َّنا اك ْ ِ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ذا عَ َ‬ ‫س هَ َ‬ ‫شى الّنا َ‬ ‫ي َغْ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫معَل ّ ٌ‬‫ه وََقاُلوا ُ‬ ‫وا عَن ْ ُ‬ ‫م ت َوَل ّ ْ‬‫ن )‪ (13‬ث ُ ّ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ل ُ‬‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫م الذ ّك َْرى وَقَد ْ َ‬ ‫أّنى ل َهُ ُ‬
‫ة‬
‫ش َ‬‫ش ال ْب َط ْ َ‬‫م ن َب ْط ِ ُ‬
‫ن )‪ (15‬ي َوْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫عائ ِ ُ‬
‫م َ‬ ‫ب قَِليًل إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫فوا ال ْعَ َ‬ ‫ش ُ‬‫كا ِ‬‫ن )‪ (14‬إ ِّنا َ‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬
‫ِ ُ‬‫ّ‬ ‫إ‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬

‫وقد ذكرنا الحاديث )‪ (1‬الواردة في ذلك في "سورة البقرة" بما أغنى عن‬
‫إعادته‪.‬‬
‫ومن قال ‪ :‬إنها ليلة النصف من شعبان ‪ -‬كما روي عن عكرمة ‪ -‬فقد أبعد‬
‫جَعة فإن نص القرآن أنها في رمضان‪ .‬والحديث الذي رواه عبد الله بن‬ ‫الن ّ ْ‬
‫صالح ‪ ،‬عن الليث ‪ ،‬عن عقيل عن الزهري ‪ :‬أخبرني عثمان بن محمد بن‬
‫المغيرة بن الخنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬تقطع الجال‬
‫من شعبان إلى شعبان ‪ ،‬حتى إن الرجل لينكح ويولد له ‪ ،‬وقد أخرج اسمه‬
‫في الموتى" )‪ (2‬فهو حديث مرسل ‪ ،‬ومثله ل يعارض به النصوص‪.‬‬
‫عا ‪،‬‬ ‫ن { أي ‪ :‬معلمين الناس ما ينفعهم ويضرهم شر ً‬ ‫من ْذِِري َ‬‫وقوله ‪ } :‬إ ِّنا ك ُّنا ُ‬
‫لتقوم حجة الله على عباده‪.‬‬
‫كيم ٍ { أي ‪ :‬في ليلة القدر يفصل من اللوح‬ ‫فرقُ ك ُ ّ َ‬
‫ح ِ‬
‫مرٍ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬فيَها ي ُ ْ َ‬
‫المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة ‪ ،‬وما يكون فيها من الجال والرزاق ‪ ،‬وما‬
‫يكون فيها إلى آخرها‪ .‬وهكذا روي عن ابن عمر ‪ ،‬وأبي مالك ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وغير واحد من السلف‪.‬‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫را‬ ‫م‬ ‫وقوله ‪ } :‬حكيم { أي ‪ :‬محكم ل يبدل ول يغير ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أ َ‬
‫ْ ً ِ ْ‬
‫عن ْدَِنا { أي ‪ :‬جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه )‪ (3‬فبأمره وإذنه‬ ‫ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬إلى الناس رسول يتلو عليهم آيات الله‬ ‫لي‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫ِّ ّ ُ ْ ِ ِ َ‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫وعلمه‬
‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫ك‬‫َ‬
‫َ ْ َ ِ ْ َ ّ ِّ ُ َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬‫ً‬ ‫م‬‫ح‬‫ر‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ولهذا‬ ‫؛‬ ‫إليه‬ ‫ماسة‬ ‫كانت‬ ‫مبينات ‪ ،‬فإن الحاجة‬
‫ما { أي ‪ :‬الذي أنزل هذا‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫م َر ّ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫س ِ‬‫ال ّ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫القرآن هو رب السموات والرض وخالقهما ومالكهما وما فيهما ‪ } ،‬إ ِ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬إن كنتم متحققين‪.‬‬ ‫موقِِني َ‬ ‫ُ‬
‫ن { وهذه الية‬ ‫م الوِّلي َ‬ ‫ُ‬
‫ب آَبائ ِك ُ‬ ‫م وََر ّ‬ ‫ُ‬
‫ت َرب ّك ْ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ه ِإل هُوَ ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ثم قال ‪ } :‬ل إ ِل َ‬
‫مل ْكُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ذي ل ُ‬ ‫ميًعا ال ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫سول اللهِ إ ِلي ْك ْ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫كقوله تعالى ‪ } :‬قل َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫سول ِهِ [ { )‪(4‬‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫نوا‬ ‫م‬ ‫فآ‬‫َ‬ ‫]‬ ‫ت‬ ‫مي‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫يي‬ ‫ح ِ‬ ‫ه ِإل هُوَ ي ُ ْ‬ ‫ض ل إ ِل َ َ‬
‫ِ ُ ِ ِ ََ ُ‬ ‫َُ ِ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫الية ] العراف ‪.[ 158 :‬‬
‫ْ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫خا ٍ‬ ‫ماُء ب ِد ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ت َأِتي ال ّ‬ ‫ب ي َوْ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن )‪َ (9‬فاْرت َ ِ‬ ‫ك ي َل ْعَُبو َ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫} بَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ب إ ِّنا ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ف عَّنا العَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م )‪َ (11‬رب َّنا اك ْ ِ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ذا عَ َ‬ ‫س هَ َ‬ ‫شى الّنا َ‬ ‫ي َغْ َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫معَل ٌ‬ ‫ه وََقالوا ُ‬ ‫وا عَن ْ ُ‬ ‫م ت َوَل ْ‬ ‫ن )‪ (13‬ث ُ ّ‬ ‫مِبي ٌ‬‫ل ُ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫م الذ ّك َْرى وَقَد ْ َ‬ ‫أّنى لهُ ُ‬
‫ة‬
‫ش َ‬‫ش ال ْب َط ْ َ‬ ‫م ن َب ْط ِ ُ‬ ‫ن )‪ (15‬ي َوْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫عائ ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب قَِليل إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ذا ِ‬‫فوا ال ْعَ َ‬ ‫ش ُ‬‫كا ِ‬ ‫ن )‪ (14‬إ ِّنا َ‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (16‬‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬
‫ِ ُ‬‫ّ‬ ‫إ‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫يقول تعالى ‪ :‬بل هؤلء المشركون في شك يلعبون ‪ ،‬أي ‪ :‬قد جاءهم اليقين )‬
‫‪ ، (5‬وهم يشكون فيه ‪ ،‬ويمترون ول يصدقون به ‪ ،‬ثم قال متوعدا لهم‬
‫ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫خا ٍ‬ ‫ماُء ب ِد ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ت َأِتي ال ّ‬ ‫ب ي َوْ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ومتهدًدا ‪َ } :‬فاْرت َ ِ‬
‫صب َْيح )‪ ، (6‬عن‬ ‫حى مسلم بن ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مهَْران العمش ‪ ،‬عن أبي ال ّ‬ ‫قال سليمان بن ِ‬
‫مسروق قال ‪ :‬دخلنا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ألثار"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه الطبراني في تفسيره )‪ (25/65‬والبيهقي في شعب اليمان برقم )‬
‫‪ (3839‬من طريق الليث عن عقيل به‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يوجبه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬المبين"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬روى البخاري ومسلم في صحيحيهما"‪.‬‬

‫) ‪(7/246‬‬

‫المسجد ‪ -‬يعني مسجد الكوفة ‪ -‬عند أبواب كندة ‪ ،‬فإذا رجل يقص على‬
‫ن { تدرون ما ذلك الدخان ؟ ذلك‬ ‫ْ‬
‫مِبي ٍ‬
‫ن ُ‬ ‫خا ٍ‬‫ماُء ب ِد ُ َ‬
‫س َ‬‫م ت َأِتي ال ّ‬ ‫أصحابه ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫دخان يأتي يوم القيامة ‪ ،‬فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ‪ ،‬ويأخذ المؤمنين‬
‫منه شبه الزكام‪ .‬قال ‪ :‬فأتينا ابن مسعود فذكرنا ذلك له ‪ ،‬وكان مضطجًعا‬
‫ففزع فقعد ‪ ،‬وقال )‪ (1‬إن الله عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ل ما أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه م َ‬
‫ن { ] ص ‪ ، [ 86 :‬إن من‬ ‫في َ‬ ‫مت َك َل ّ ِ‬
‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫ما أَنا ِ‬ ‫جرٍ وَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫} قُ ْ َ‬
‫العلم أن يقول الرجل لما ل يعلم ‪" :‬الله أعلم" سأحدثكم عن ذلك ‪ ،‬إن‬
‫قريشا لما أبطأت عن السلم واستعصت )‪ (2‬على رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬دعا عليهم بسنين كسني يوسف ‪ ،‬فأصابهم من الجهد والجوع‬
‫حتى أكلوا العظام والميتة ‪ ،‬وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فل يرون إل‬
‫الدخان ‪ -‬وفي رواية ‪ :‬فجعل الرجل ينظر إلى السماء ‪ ،‬فيرى ما بينه وبينها‬
‫م ت َأ ِْتي‬‫ب ي َوْ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫كهيئة الدخان من الجهد ‪] -‬قال[ )‪ (3‬قال الله تعالى ‪َ } :‬فاْرت َ ِ‬
‫م { ‪ ،‬فأتى رسول الله صلى‬ ‫َ‬ ‫ذا عَ َ‬ ‫س هَ َ‬ ‫ن ي َغْ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫شى الّنا َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫خا ٍ‬ ‫ماُء ب ِد ُ َ‬
‫س َ‬‫ال ّ‬
‫الله عليه وسلم فقيل ‪ :‬يا رسول الله استسق الله لمضر ‪ ،‬فإنها قد هلكت‪.‬‬
‫ب قَِليل إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ذا ِ‬‫فوا ال ْعَ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫كا ِ‬‫قوا فأنزل الله ‪ } :‬إ ِّنا َ‬ ‫س ُ‬‫فاستسقى لهم فَ ُ‬
‫ن { قال ‪ :‬ابن مسعود ‪ :‬فيكشف العذاب عنهم يوم القيامة ‪ ،‬فلما‬ ‫دو َ‬‫عائ ِ ُ‬
‫َ‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ش الب َطش َ‬ ‫ْ‬ ‫م ن َب ْط ِ ُ‬ ‫أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪ :‬يعني يوم بدر‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ال ْك ُب َْرى إ ِّنا ُ‬
‫من ْت َ ِ‬
‫قال ابن مسعود ‪ :‬فقد مضى خمسة ‪ :‬الدخان ‪ ،‬والروم ‪ ،‬والقمر ‪ ،‬والبطشة ‪،‬‬
‫والّلزام‪ .‬وهذا الحديث مخرج في الصحيحين‪ (4) .‬ورواه المام أحمد في‬
‫مسنده ‪ ،‬وهو عند الترمذي والنسائي في تفسيرهما )‪ ، (5‬وعند ابن جرير‬
‫وابن أبي حاتم من طرق متعددة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به )‪ (6‬وقد وافق ابن‬
‫مسعود على تفسير الية بهذا ‪ ،‬وأن الدخان مضى ‪ ،‬جماعة من السلف‬
‫كمجاهد ‪ ،‬وأبي العالية ‪ ،‬وإبراهيم النخعي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعطية العوفي ‪ ،‬وهو‬
‫اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا جعفر بن مسافر ‪ ،‬حدثنا يحيى بن‬
‫حسان ‪ ،‬حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬حدثنا )‪ (7‬عبد الرحمن العرج في قوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫م‬
‫ن { قال ‪ :‬كان يوم فتح مكة‪.‬‬ ‫ْ‬
‫مِبي ٍ‬‫ن ُ‬ ‫خا ٍ‬
‫ماُء ب ِد ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ت َأِتي ال ّ‬
‫دا بل منكر‪.‬‬ ‫وهذا القول غريب ج ً‬
‫وقال آخرون ‪ :‬لم يمض الدخان بعد ‪ ،‬بل هو من أمارات )‪ (8‬الساعة ‪ ،‬كما‬
‫ريحة )‪ (9‬حذيفة بن أسيد الغفاري ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬ ‫س ِ‬
‫تقدم من حديث أبي َ‬
‫قال ‪ :‬أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر‬
‫الساعة ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات ‪ :‬طلوع الشمس من‬
‫مغربها ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬والدابة ‪ ،‬وخروج يأجوج ومأجوج ‪ ،‬وخروج عيسى ابن‬
‫مريم ‪ ،‬والدجال ‪ ،‬وثلثة خسوف ‪ :‬خسف بالمشرق ‪ ،‬وخسف بالمغرب ‪،‬‬
‫وخسف بجزيرة العرب ‪ ،‬ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬واستصعبت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (4820‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2798‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬تفسيريهما"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (431 ، 1/380‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3254‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم )‪ (11481‬وتفسير الطبري )‪(25/66‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬آيات"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬أبي سريحة في"‪.‬‬

‫) ‪(7/247‬‬

‫‪ -‬أو ‪ :‬تحشر الناس ‪ : -‬تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا" تفرد‬
‫بإخراجه مسلم في صحيحه )‪.(1‬‬
‫وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبن الصياد ‪" :‬إني‬
‫دخ‪ .‬فقال له ‪" :‬اخسأ فلن تعدو قدرك" قال ‪ :‬وخبأ‬ ‫خْبأ" قال ‪ :‬هو ال ّ‬
‫خبأت لك َ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫خا ٍ‬
‫ماُء ب ِد ُ َ‬
‫س َ‬
‫م ت َأِتي ال ّ‬
‫ب ي َوْ َ‬ ‫له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪َ } :‬فاْرت َ ِ‬
‫ق ْ‬
‫ن { )‪.(2‬‬
‫مِبي ٍ‬
‫ُ‬
‫وهذا فيه إشعار بأنه من المنتظر المرتقب ‪ ،‬وابن صياد كاشف على طريقة‬
‫دخ" يعني ‪:‬‬ ‫قرطمون العبارة ؛ ولهذا قال ‪" :‬هو ال ّ‬ ‫الكهان بلسان الجان ‪ ،‬وهم ي ُ َ‬
‫الدخان‪ .‬فعندها عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مادته وأنها‬
‫شيطانية ‪ ،‬فقال له ‪" :‬اخسأ فلن تعدو قدرك"‪.‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬وحدثني عصام بن َرّواد بن الجراح ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا‬
‫حَراش‬ ‫سفيان بن سعيد الثوري ‪ ،‬حدثنا منصور بن المعتمر ‪ ،‬عن رِب ِْعي بن ِ‬
‫قال ‪ :‬سمعت حذيفة بن اليمان يقول )‪ : (3‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إن أول اليات الدجال ‪ ،‬ونزول عيسى ابن مريم ‪ ،‬ونار تخرج من‬
‫قعر عدن أبين ‪ ،‬تسوق الناس إلى المحشر ‪ ،‬تقيل معهم إذا قالوا ‪ ،‬والدخان ‪-‬‬
‫قال حذيفة ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وما الدخان ؟ فتل رسول الله صلى الله عليه‬
‫ْ‬
‫س هَ َ‬
‫ذا‬ ‫شى الّنا َ‬ ‫ن ي َغْ َ‬
‫مِبي ٍ‬
‫ن ُ‬
‫خا ٍ‬
‫ماُء ب ِد ُ َ‬
‫س َ‬
‫م ت َأِتي ال ّ‬
‫ب ي َوْ َ‬ ‫وسلم هذه الية ‪َ } :‬فاْرت َ ِ‬
‫ق ْ‬
‫ما وليلة ‪ ،‬أما‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫م { ‪ -‬يمل ما بين المشرق والمغرب ‪ ،‬يمكث أربعين يو ً‬ ‫ب أِلي ٌ‬
‫ذا ٌ‬
‫المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة )‪ ، (4‬وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران ‪،‬‬
‫يخرج من منخريه وأذنيه ودبره" )‪.(5‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬لو صح هذا الحديث لكان فاصل وإنما لم أشهد له بالصحة ؛‬
‫لن محمد بن خلف العسقلني حدثني أنه سأل روادا عن هذا الحديث ‪ :‬هل‬
‫سمعه من سفيان ؟ فقال له ‪ :‬ل قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬أقرأته عليه ؟ قال ‪ :‬ل قال ‪:‬‬
‫فقلت له ‪ :‬فقرئ عليه وأنت حاضر فأقر به ؟ فقال ‪ :‬ل فقلت له ‪ :‬فمن أين‬
‫جئت به ؟ فقال ‪ :‬جاءني به قوم فعرضوه علي ‪ ،‬وقالوا لي ‪ :‬اسمعه منا‪.‬‬
‫ي ثم ذهبوا به ‪ ،‬فحدثوا به عني ‪ ،‬أو كما قال )‪.(6‬‬ ‫فقرءوه عل ّ‬
‫وقد أجاد ابن جرير في هذا الحديث هاهنا ‪ ،‬فإنه موضوع بهذا السند ‪ ،‬وقد‬
‫أكثر ابن جرير من سياقه في أماكن من هذا التفسير ‪ ،‬وفيه منكرات كثيرة‬
‫دا ‪ ،‬ول سيما في أول سورة "بني إسرائيل" في ذكر المسجد القصى ‪،‬‬ ‫ج ً‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زرعة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا‬
‫خليل ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬يهيج الدخان بالناس ‪ ،‬فأما المؤمن فيأخذه‬
‫كالزكمة ‪ ،‬وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(2901‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (3055‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2930‬من حديث‬
‫عبد الله بن عمر ‪ ،‬رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم عن حذيفة قال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الزكام"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪ (25/68‬ومن طريقه رواه الثعلبي في تفسيره كما في‬
‫تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي )‪ (1174‬والبغوي في معالم التنزيل )‬
‫‪.(7/230‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(25/68‬‬

‫) ‪(7/248‬‬

‫ورواه سعيد بن أبي عَُروبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري‬
‫موقوًفا‪ .‬ورواه عوف ‪ ،‬عن الحسن قوله‪.‬‬
‫ضا ‪ :‬حدثني محمد بن عوف ‪ ،‬حدثنا محمد بن إسماعيل بن‬ ‫وقال ابن جرير أي ً‬
‫عة ‪ ،‬عن ُ‬
‫شريح بن عبيد ‪ ،‬عن أبي‬ ‫ضم بن ُزر َ‬‫م َ‬
‫ض ْ‬
‫عياش ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬حدثني َ‬
‫مالك الشعري قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن ربكم‬
‫أنذركم ثلثا ‪ :‬الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ‪ ،‬ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج‬
‫من كل مسمع منه والثانية الدابة والثالثة الدجال"‪.‬‬
‫ورواه الطبراني عن هاشم بن يزيد ‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل بن عياش ‪ ،‬به )‬
‫‪ (1‬وهذا‬
‫إسناد جيد‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم ‪ ،‬حدثنا‬
‫إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن الحارث ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫لم تمض آية الدخان بعد ‪ ،‬يأخذ المؤمن كهيئة الزكام ‪ ،‬وتنفخ الكافر حتى‬
‫ينفذ‪.‬‬
‫وروى ابن جرير من حديث الوليد بن جميع ‪ ،‬عن عبد الملك بن المغيرة ‪ ،‬عن‬
‫عبد الرحمن بن البيلماني ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬يخرج الدخان فيأخذ المؤمن‬
‫كهيئة الزكام ‪ ،‬ويدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬المشوي على الّرضف‪.‬‬
‫َ‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُلّية عن ابن جريج )‪ ، (2‬عن‬
‫عبد الله بن أبي مليكة قال ‪ :‬غدوت على ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬ذات‬
‫يوم فقال ‪ :‬ما نمت الليلة حتى أصبحت‪ .‬قلت ‪ :‬لم ؟ قال ‪ :‬قالوا طلع‬
‫الكوكب ذو الذنب ‪ ،‬فخشيت أن يكون الدخان قد طرق ‪ ،‬فما نمت حتى‬
‫أصبحت )‪ (3‬وهكذا رواه ابن أبي حاتم )‪ ، (4‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬عن‬
‫سفيان ‪ ،‬عن عبد الله بن أبي يزيد ‪ ،‬عن عبد الله بن أبي مليكة ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس فذكره‪ .‬وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس حبر المة وترجمان القرآن‪.‬‬
‫وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين أجمعين ‪ ،‬مع الحاديث‬
‫المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما ‪ ،‬التي أوردناها مما فيه مقنع ودللة‬
‫ظاهرة على أن الدخان من اليات المنتظرة ‪ ،‬مع أنه ظاهر القرآن‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬بين واضح‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ن ُ‬
‫خا ٍ‬‫ماُء ب ِد ُ َ‬
‫س َ‬
‫م ت َأِتي ال ّ‬
‫ب ي َوْ َ‬ ‫قال الله تعالى ‪َ } :‬فاْرت َ ِ‬
‫ق ْ‬
‫يراه كل أحد‪ .‬وعلى ما فسر به ابن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬إنما هو خيال‬
‫س { أي‬‫شى الّنا َ‬‫رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد‪ .‬وهكذا قوله ‪ } :‬ي َغْ َ‬
‫‪ :‬يتغشاهم وي َُعمهم )‪ ، (5‬ولو كان أمرا خيالّيا يخص أهل مكة المشركين لما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪ (25/68‬والمعجم الكبير )‪ (3/292‬وقول الحافظ ابن‬
‫كثير هنا ‪" :‬هذا إسناد جيد" متعقب فإن لهذه النسخة ثلث علل ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬محمد بن إسماعيل بن عياش قال أبو حاتم ‪" :‬لم يسمع من أبيه‬
‫شيئا ‪ ،‬حملوه على أن يحدث فحدث"‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬ضمضم بن زرعة ‪ ،‬ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن معين ومحمد بن‬
‫إسماعيل بن عياش قال أبو داود ‪" :‬لم يكن بذاك"‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬شريح بن عبيد ‪ ،‬قد كلم في سماعه من أبي مالك الشعري قال أبو‬
‫حاتم ‪" :‬شريح بن عبيد ‪ ،‬عن أبي مالك الشعري مرسل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(25/68‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ورواه ابن جرير هكذا" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬وهكذا رواه ابن جرير"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ويغمهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/249‬‬
‫س{‬ ‫شى الّنا َ‬ ‫قيل فيه ‪ } :‬ي َغْ َ‬
‫خا ‪ ،‬كقوله تعالى‬ ‫م { أي ‪ :‬يقال لهم ذلك تقريًعا وتوبي ً‬ ‫َ‬ ‫ذا عَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬هَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬
‫ن { ] الطور ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ب َِها ت ُكذُبو َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫عا هَذِهِ الّناُر الِتي كن ْت ُ ْ‬ ‫م دَ ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن إ ِلى َنارِ َ‬ ‫َ‬ ‫عو َ‬ ‫م ي ُد َ ّ‬ ‫‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫‪ ، [14 ، 13‬أو يقول بعضهم لبعض ذلك‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يقول الكافرون إذا‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ب إ ِّنا ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ف عَّنا ال ْعَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬رب َّنا اك ْ ِ‬
‫عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ت َرب َّنا وَن َ ُ‬ ‫ب ِبآَيا ِ‬ ‫قاُلوا َيا ل َي ْت ََنا ن َُرد ّ َول ن ُك َذ ّ َ‬ ‫فوا عََلى الّنارِ فَ َ‬ ‫وُقِ ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ذا ُ‬ ‫م العَ َ‬ ‫م ي َأِتيهِ ُ‬ ‫س ي َوْ َ‬ ‫ن { ] النعام ‪ .[ 27 :‬وكذا قوله ‪ } :‬وَأن ْذِرِ الّنا َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ك ونتبع الرس َ َ‬ ‫َ‬ ‫موا َرب َّنا أ َ ّ‬
‫ل أوَل َ ْ‬
‫م‬ ‫ب د َعْوَت َ َ َ َ ّ ِ ِ ّ ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ب نُ ِ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ل قَ ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫خْرَنا إ َِلى أ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫تَ ُ‬
‫ل { ] إبراهيم ‪ ، [ 44 :‬وهكذا قال‬ ‫ن َزَوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫كوُنوا أقْ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫معَل ّ ٌ‬ ‫ه وََقاُلوا ُ‬ ‫وا عَن ْ ُ‬ ‫م ت َوَل ّ ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫م الذ ّك َْرى وَقَد ْ َ‬ ‫هاهنا ‪ } :‬أّنى ل َهُ ُ‬
‫ن{‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫يقول ‪ :‬كيف لهم بالتذكر ‪ ،‬وقد أرسلنا إليهم رسول بين الرسالة والنذارة ‪،‬‬
‫ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه ‪ ،‬بل كذبوه وقالوا ‪ :‬معلم مجنون‪ .‬وهذا كقوله‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫م ُ‬ ‫ل َيا ل َي ْت َِني قَد ّ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه الذ ّك َْرى ي َ ُ‬ ‫ن وَأّنى ل َ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َت َذ َك ُّر الن ْ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫عوا فل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حَياِتي { ] الفجر ‪ ، [24 ، 23 :‬وقوله )‪ (1‬تعالى ‪ } :‬وَلوْ ت ََرى إ ِذ فزِ ُ‬ ‫لِ َ‬
‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ش‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نى‬ ‫كان قَريب وَقاُلوا آمنا به وأ َ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ذوا‬ ‫ُ‬ ‫فَوت وأ ُِ‬
‫خ‬
‫ُ ُ َّ ُ ُ ِ ْ َ ٍ‬ ‫َ ّ ِ ِ َ ّ‬ ‫ِ ْ َ ٍ ِ ٍ َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ََُْ ْ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫حي‬ ‫و‬ ‫د‪.‬‬ ‫عي‬
‫َ ِ ْ ِ ِ ْ َ ٍ َِ ٍ َ ِ‬‫ب‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ي‬
‫ِ ِ ِ ْ ْ ََ ِ‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫د‪ .‬وَ ْ‬
‫د‬ ‫ق‬ ‫ب َِعي ٍ‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ب{‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫كاُنوا ِفي َ‬ ‫ل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عهِ ْ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ل ب ِأ ْ‬ ‫ما فُعِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شت َُهو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وَب َي ْ َ‬
‫] سبأ ‪.[ 54 - 51 :‬‬
‫ن { )‪ (2‬يحتمل معنيين ‪:‬‬ ‫دو َ‬ ‫عائ ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب قَِليل إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫فوا العَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫كا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِّنا َ‬
‫أحدهما ‪ :‬أنه يقوله )‪ (3‬تعالى ‪ :‬ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار‬
‫م‬ ‫مَناهُ ْ‬ ‫ح ْ‬‫الدنيا ‪ ،‬لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَل َوْ َر ِ‬
‫ن { ] المؤمنون ‪، [ 75 :‬‬ ‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫جوا ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬ ‫ضّر ل َل َ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ب ِهِ ْ‬ ‫فَنا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫وَك َ َ‬
‫ن { ] النعام ‪.[28 :‬‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ه وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ما ن ُُهوا عَن ْ ُ‬ ‫وكقوله ‪ } :‬وَل َوْ ُرّدوا ل ََعاُدوا ل ِ َ‬
‫والثاني ‪ :‬أن يكون المراد ‪ :‬إنا مؤخرو العذاب عنكم قليل بعد انعقاد أسبابه )‬
‫‪ (4‬ووصوله إليكم ‪ ،‬وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلل ‪ ،‬ول‬
‫س‬‫م ُيون ُ َ‬ ‫يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ِ } :‬إل قَوْ َ‬
‫ن{‬ ‫حي ٍ‬ ‫م إ َِلى ِ‬ ‫مت ّعَْناهُ ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫ي ِفي ال ْ َ‬ ‫خْز ِ‬ ‫ب ال ْ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فَنا عَن ْهُ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫مُنوا ك َ َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫لَ ّ‬
‫] يونس ‪ ، [ 98 :‬ولم يكن العذاب باشرهم ‪ ،‬واتصل بهم بل كان قد انعقد‬
‫ضا أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم‬ ‫سببه ]ووصوله[ )‪ (5‬عليهم ‪ ،‬ول يلزم أي ً‬
‫ثم عادوا إليه ‪ ،‬قال الله تعالى إخباًرا عن شعيب أنه قال لقومه حين قالوا ‪:‬‬
‫مل ّت َِنا َقا َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن ِفي ِ‬ ‫ن قَْري َت َِنا أوْ ل َت َُعود ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫معَ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب َوال ّ ِ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫} ل َن ُ ْ‬
‫جاَنا اللهّ‬ ‫م ب َعْد َ إ ِذ ْ ن َ ّ‬ ‫ّ‬
‫ملت ِك ُ ْ‬ ‫ن عُد َْنا ِفي ِ‬ ‫ّ‬
‫ن قَدِ افْت ََري َْنا عَلى اللهِ ك َذًِبا إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫هي َ‬ ‫كارِ ِ‬ ‫أ َوَل َوْ ك ُّنا َ‬
‫من َْها { ] العراف ‪ ، [ 89 ، 88 :‬وشعيب ]عليه السلم[ )‪ (6‬لم يكن قط على‬ ‫ِ‬
‫ملتهم وطريقتهم‪.‬‬
‫ن { إلى عذاب الله‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫عائ ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫وقال قتادة ‪ } :‬إ ِن ّك ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وكقوله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬كاشف"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬سببه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫) ‪(7/250‬‬

‫ل ك َريم )‪ (17‬أ َ َ‬
‫عَباد َ الل ّهِ‬ ‫ن أّدوا إ ِل َ ّ‬
‫ي ِ‬ ‫ْ‬ ‫سو ٌ ِ ٌ‬ ‫م َر ُ‬
‫جاَءهُ ْ‬
‫ن وَ َ‬ ‫م قَوْ َ‬
‫م فِْرعَوْ َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا قَب ْل َهُ ْ‬
‫وَل َ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫مي ٌ‬‫لأ ِ‬‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫إ ِّني ل َك ُ ْ‬

‫ن { فسر ذلك ابن‬ ‫مو َ‬


‫ق ُ‬
‫من ْت َ ِ‬‫ة ال ْك ُب َْرى إ ِّنا ُ‬ ‫ش ال ْب َط ْ َ‬
‫ش َ‬ ‫م ن َب ْط ِ ُ‬‫وقوله تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫مسعود بيوم بدر‪ .‬وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود على تفسيره‬
‫ضا عن ابن عباس ]وجماعة[ )‪ (1‬من رواية‬ ‫الدخان بما تقدم ‪ ،‬وروي أي ً‬
‫العوفي ‪ ،‬عنه‪ .‬وعن أبي بن كعب وجماعة ‪ ،‬وهو محتمل‪.‬‬
‫ضا‪.‬‬‫والظاهر أن ذلك يوم القيامة ‪ ،‬وإن كان يوم بدر يوم بطشة أي ً‬
‫قال )‪ (2‬ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن علية ‪ ،‬حدثنا خالد الحذاء عن‬
‫عكرمة قال ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬قال ابن مسعود ‪ :‬البطشة الكبرى ‪ :‬يوم بدر ‪،‬‬
‫وأنا أقول ‪ :‬هي يوم القيامة )‪.(3‬‬
‫وهذا إسناد صحيح عنه ‪ ،‬وبه يقول الحسن البصري ‪ ،‬وعكرمة في أصح‬
‫الروايتين )‪ ، (4‬عنه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عَباد َ‬
‫ي ِ‬‫ن أّدوا إ ِل ّ‬‫م )‪ (17‬أ ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫َ‬
‫سول ك ِ‬ ‫ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫م فِْرعَوْ َ‬ ‫م قَوْ َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا قَب ْل َهُ ْ‬
‫} وَل َ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (18‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫لأ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫الل ّهِ إ ِّني ل َك ُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(25/70‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬القولين"‪.‬‬

‫) ‪(7/251‬‬

‫سل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ت ب َِرّبي وََرب ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن )‪ (19‬وَإ ِّني عُذ ْ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫مِبي‬‫ن ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ن َل ت َعُْلوا عََلى الل ّهِ إ ِّني آِتيك ُ ْ‬ ‫وَأ ْ‬
‫عا رب َ‬ ‫َ‬
‫ن هَؤَُلِء قَوْ ٌ‬
‫م‬ ‫هأ ّ‬ ‫ن )‪ (21‬فَد َ َ َ ّ ُ‬ ‫مُنوا ِلي َفاعْت َزُِلو ِ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن )‪ (20‬وَإ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫مو‬ ‫ج ُ‬‫ن ت َْر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م‬
‫وا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫حَر َرهْ ً‬ ‫ك ال ْب َ ْ‬ ‫ن )‪َ (23‬وات ُْر ِ‬ ‫مت ّب َُعو َ‬ ‫م ُ‬ ‫سرِ ب ِعَِباِدي ل َي ًْل إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (22‬فَأ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ريم ٍ )‬ ‫َ‬
‫قام ٍ ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (25‬وَُزُروٍع وَ َ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م ت ََركوا ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (24‬ك ْ‬ ‫مغَْرقو َ‬ ‫ُ‬ ‫جن ْد ٌ ُ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (27‬كذ َل ِك وَأوَْرثَنا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (28‬ف َ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬‫ما آ َ‬ ‫ها قوْ ً‬ ‫مةٍ كاُنوا ِفيَها فاك ِِهي َ‬ ‫‪ (26‬وَن َعْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سَراِئي َ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫ني‬ ‫ب‬
‫َ ْ َ ّ َْ َِ ِ ْ‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪29‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ري‬
‫ُ ْ ِ َ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫و‬
‫َ ْ ُ َ َ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫س‬
‫ّ َ‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ت عَل َي ْ ِ ُ‬
‫ه‬ ‫ب َك َ ْ‬
‫قد ِ‬ ‫ن )‪ (31‬وَل َ َ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عال ًِيا ِ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ِ (30‬‬ ‫مِهي ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن)‬ ‫بي‬ ‫م‬ ‫ٌ‬ ‫ء‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ما‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪32‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ُ ِ ٌ‬ ‫َ ِ َ ِ ِ َ‬ ‫َ ََْ ُ ْ ِ َ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ا َْ َ ُ ْ‬
‫ه‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ْ‬
‫‪(33‬‬
‫سل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ت ب َِرّبي‬ ‫ن )‪ (19‬وَإ ِّني عُذ ْ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫مِبي‬‫ن ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ن ل ت َعُْلوا عََلى الل ّهِ إ ِّني آِتيك ُ ْ‬ ‫} وَأ ْ‬
‫عا رب َ‬ ‫وربك ُ َ‬
‫ن‬
‫هأ ّ‬ ‫ن )‪ (21‬فَد َ َ َ ّ ُ‬ ‫مُنوا ِلي َفاعْت َزُِلو ِ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬‫ن )‪ (20‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫مو‬ ‫ج ُ‬‫ن ت َْر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ََ ّ ْ‬
‫حَر‬ ‫ْ‬
‫ك الب َ ْ‬ ‫ن )‪َ (23‬وات ُْر ِ‬ ‫مت ّب َُعو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سرِ ب ِعَِباِدي لْيل إ ِن ّك ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (22‬فأ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ؤلِء قوْ ٌ‬ ‫هَ ُ‬
‫قام ٍ‬ ‫م َ‬‫ن )‪ (25‬وَُزُروٍع وَ َ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫كوا ِ‬ ‫م ت ََر ُ‬ ‫ن )‪ (24‬ك َ ْ‬ ‫مغَْرُقو َ‬ ‫جن ْد ٌ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫َرهْ ً‬
‫َ‬ ‫ن )‪ (27‬ك َذ َل ِ َ‬ ‫مةٍ َ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما آ َ‬ ‫ها قَوْ ً‬ ‫ك وَأوَْرث َْنا َ‬ ‫كاُنوا ِفيَها َفاك ِِهي َ‬ ‫ريم ٍ )‪ (26‬وَن َعْ َ‬ ‫كَ ِ‬
‫جي َْنا ب َِني‬ ‫قد ْ ن َ ّ‬‫ن )‪ (29‬وَل َ َ‬ ‫ري َ‬ ‫من ْظ َ ِ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ماُء َوالْر ُ‬ ‫س َ‬‫م ال ّ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ما ب َك َ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ن)‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عال ًِيا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ِ (30‬‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مِهي ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ه‬
‫ما ِفي ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ن الَيا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن )‪َ (32‬وآت َي َْناهُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫علم ٍ عَلى الَعال ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م عَلى ِ‬ ‫خت َْرَناهُ ْ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫َ‬
‫‪ (31‬وَل َ‬
‫ن )‪{ (33‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫َبلٌء ُ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولقد اختبرنا قبل هؤلء المشركين قوم فرعون ‪ ،‬وهم قبط‬
‫م { يعني ‪ :‬موسى كليمه ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫َ‬
‫ري ٌ‬ ‫ل كَ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫مصر ‪ } ،‬وَ َ‬
‫} أَ َ‬
‫ل َول‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫إ‬ ‫ني‬
‫َ َ َ َِ ِ ْ‬‫ب‬ ‫نا‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫)‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫س‬
‫ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫كقوله‬ ‫‪،‬‬ ‫{‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن أّدوا إ ِل َ ّ ِ َ َ‬
‫د‬ ‫با‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫دى { ] طه ‪.[ 47 :‬‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫َ ِ َّ َ ُ َ‬‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬‫سل‬
‫َ ّ ُ‬‫وال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ َ ٍ ِ ْ َ ّ‬ ‫ة‬ ‫ي‬‫بآ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ج‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ت ُعَذ ّب ْ ُ ْ ْ ِ َ‬
‫ق‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬مأمون على ما أبلغكموه‪.‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫لأ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِّني ل َك ُ ْ‬
‫ن ل ت َعْلوا عَلى اللهِ { أي ‪ :‬ل تستكبروا عن اتباع آياته ‪ ،‬والنقياد‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫عَباد َِتي‬‫ن ِ‬‫ن عَ ْ‬‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫لحججه واليمان ببراهينه )‪ ، (2‬كقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن { ] غافر ‪.[ 60 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َدا ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫سي َد ْ ُ‬‫َ‬
‫ن [ { )‪ (3‬أي ‪ :‬بحجة ظاهرة واضحة ‪ ،‬وهي ما‬ ‫بي‬ ‫م‬ ‫]‬ ‫ن‬ ‫طا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬‫ُ‬ ‫ب‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫آ‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫} ِ‬
‫إ‬
‫ُ ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ ِ‬
‫أرسله الله به من اليات البينات والدلة القاطعة )‪.(4‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬وأن أرسل" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬بألوهيته"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬من أ ‪" :‬القاطعات"‪.‬‬

‫) ‪(7/251‬‬

‫ن { قال ابن عباس ‪ ،‬وأبو صالح ‪ :‬هو‬ ‫} وإني عُذ ْت بربي وربك ُ َ‬
‫مو ِ‬ ‫ج ُ‬‫ن ت َْر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ََ ّ ْ‬ ‫ُ َِ ّ‬ ‫َ ِّ‬
‫الرجم باللسان وهو الشتم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪] :‬هو[ )‪ (1‬الرجم بالحجارة‪.‬‬
‫ي بسوء من‬ ‫أي )‪ (2‬أعوذ بالله الذي خلقني وخلقكم ]من[ )‪ (3‬أن تصلوا إل ّ‬
‫قول أو فعل‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬ودعوا المر‬ ‫ن { أي ‪ :‬فل تتعرضوا )‪ (4‬إل ّ‬ ‫ُ‬
‫مُنوا ِلي َفاعْت َزِلو ِ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬‫} وَإ ِ ْ‬
‫بيني وبينكم مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا‪ .‬فلما طال مقامه بين أظهرهم ‪،‬‬
‫وأقام حجج الله عليهم ‪ ،‬كل ذلك وما زادهم ذلك إل كفًرا وعناًدا ‪ ،‬دعا ربه‬
‫ت‬‫ك آت َي ْ َ‬ ‫سى َرب َّنا إ ِن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫عليهم دعوة نفذت فيهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وََقا َ‬
‫فرعَون ومله زين ً َ‬
‫ك َرب َّنا‬ ‫سِبيل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضّلوا عَ ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َرب َّنا ل ِي ُ ِ‬ ‫وال ِفي ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَأ ْ‬ ‫ِ ْ ْ َ َ َ ُ ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ب الِلي َ‬ ‫َ‬
‫حّتى ي ََرُوا العَذا َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫ْ‬
‫م فل ي ُؤ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م َواشد ُد ْ عَلى قلوب ِهِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬‫س عََلى أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫اط ْ ِ‬
‫ُ‬
‫ما { ] يونس ‪ .[ 89 ، 88 :‬وهكذا قال هاهنا ‪:‬‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬‫ما َفا ْ‬ ‫ت د َعْوَت ُك ُ َ‬ ‫جيب َ ْ‬ ‫ل قَد ْ أ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ن { فعند ذلك أمره الله تعالى أن يخرج‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ؤلِء قَوْ ٌ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫عا َرب ّ ُ‬ ‫} فَد َ َ‬
‫ببني إسرائيل من بين أظهرهم من غير أمر فرعون ومشاورته واستئذانه ؛‬
‫َ‬
‫حي َْنا إ ِلى‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬فَأ َسر بعِبادي ل َيل إنك ُم متبعون { كما قال ‪ } :‬ول َ َ َ‬
‫قد ْ أوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِّ ْ ُ َّ ُ َ‬ ‫ْ ِ ِ َ ِ‬
‫ف د ََر ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫موسى أ َ َ‬
‫كا َول‬ ‫خا ُ‬ ‫سا ل ت َ َ‬ ‫حرِ ي َب َ ً‬ ‫قا ِفي الب َ ْ‬ ‫ري ً‬ ‫مط ِ‬ ‫ب لهُ ْ‬ ‫ضرِ ْ‬ ‫سرِ ب ِعَِباِدي َفا ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫شى { ] طه ‪.[77 :‬‬ ‫خ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن { وذلك أن موسى ‪،‬‬ ‫مغَْرُقو َ‬ ‫جن ْد ٌ ُ‬‫م ُ‬ ‫وا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫حَر َرهْ ً‬ ‫ك الب َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫وقوله هاهنا ‪َ } :‬وات ُْر ِ‬
‫عليه السلم ‪ ،‬لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر ‪ ،‬أراد موسى أن يضربه‬
‫بعصاه حتى يعود كما كان ‪ ،‬ليصير حائل بينهم وبين فرعون ‪ ،‬فل يصل إليهم‪.‬‬
‫فأمره الله )‪ (5‬أن يتركه على حاله ساكًنا ‪ ،‬وبشره بأنهم جند مغرقون فيه )‬
‫كا ول يخشى‪.‬‬ ‫‪ ، (6‬وأنه ل يخاف در ً‬
‫ه‪ .‬وقال مجاهد‬ ‫ض ْ‬‫وا { كهيئته وام ِ‬ ‫حَر َرهْ ً‬ ‫ك ال ْب َ ْ‬ ‫قال ابن عباس ‪َ } :‬وات ُْر ِ‬
‫سا كهيئته ‪ ،‬يقول ‪ :‬ل تأمره يرجع ‪ ،‬اتركه حتى يرجع‬ ‫قا يب ً‬ ‫} رهوا { طري ً‬
‫آخرهم‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد‬
‫ماك بن حرب ‪ ،‬وغير واحد )‪.(7‬‬ ‫س َ‬
‫وكعب الحبار و ِ‬
‫ن وَُزُروٍع {‬
‫ت { وهي البساتين } وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م ت ََركوا ِ‬ ‫َ‬
‫ثم قال تعالى ‪ } :‬ك ْ‬
‫ريم ٍ { وهي المساكن الكريمة النيقة‬ ‫قام ٍ ك َِ‬‫م َ‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫والبار‬ ‫والمراد بها النهار‬
‫والماكن الحسنة‪.‬‬
‫قام ٍ ك َ ِ‬
‫ريم ٍ { المنابر‪.‬‬ ‫م َ‬‫وقال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ } :‬وَ َ‬
‫وقال ابن ل َِهيعة ‪ ،‬عن وهب )‪ (8‬بن عبد الله المعافري ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫عمرو قال ‪ :‬نيل مصر سيد النهار ‪ ،‬سخر الله له كل نهر بين المشرق‬
‫ه له ‪ ،‬فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده ‪،‬‬ ‫والمغرب ‪ ،‬وذل ّل َ ُ‬
‫فأمدته النهار بمائها ‪ ،‬وفجر الله له الرض عيوًنا ‪ ،‬فإذا انتهى جريه إلى ما‬
‫أراد الله ‪ ،‬أوحى الله إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬إني"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬تعترضوا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬أي في البحر" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬أي فيه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وغيرهما"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬ولهب"‪.‬‬

‫) ‪(7/252‬‬

‫قام ٍ‬ ‫م َ‬
‫ن‪ .‬وَُزُروٍع وَ َ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫كوا )‪ِ (1‬‬ ‫م ت ََر ُ‬ ‫وقال في قوله تعالى ‪ } :‬ك َ ْ‬
‫ن { قال ‪ ، :‬كانت الجنان بحافتي هذا النيل من‬ ‫كاُنوا ِفيَها َفاك ِِهي َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫م‪ .‬وَن َعْ َ‬ ‫ري ٍ‬ ‫كَ ِ‬
‫أوله إلى آخره في الشقين جميًعا ‪ ،‬ما بين أسوان إلى رشيد ‪ ،‬وكان له تسعة‬
‫)‪ (2‬خلج ‪ :‬خليج السكندرية ‪ ،‬وخليج دمياط ‪ ،‬وخليج سردوس ‪ ،‬وخليج منف ‪،‬‬
‫وخليج الفيوم ‪ ،‬وخليج المنهى ‪ ،‬متصلة ل ينقطع منها شيء عن شيء ‪،‬‬
‫وزروع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخر ما يبلغه الماء ‪ ،‬وكانت‬
‫عا ‪ ،‬لما قدروا ودبروا من قناطرها‬ ‫جميع أرض مصر تروى من ستة عشر ذرا ً‬
‫وجسورها وخلجها‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬عيشة كانوا يتفكهون فيها فيأكلون ما‬ ‫كاُنوا ِفيَها َفاك ِِهي َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫} وَن َعْ َ‬
‫شاؤوا ويلبسون ما أحبوا مع الموال والجاهات والحكم في البلد ‪ ،‬فسلبوا‬
‫ذلك جميعه في صبيحة واحدة ‪ ،‬وفارقوا الدنيا وصاروا إلى جهنم وبئس‬
‫المصير ‪ ،‬واستولى على البلد المصرية وتلك الحواصل الفرعونية والممالك‬
‫ل{‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ها ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ك وَأ َوَْرث َْنا َ‬ ‫القبطية بنو إسرائيل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ن كاُنوا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫] الشعراء ‪ [ 59 :‬وقال في موضع أخر )‪ } : (3‬وَأوَْرث َْنا ال َ‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫قو ْ َ‬
‫ة َرب ّكَ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ت كل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَغارِب ََها ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها وَت َ ّ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫شارِقَ الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫ضعَ ُ‬‫ست َ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫ه‬
‫م ُ‬‫ن وَقَوْ ُ‬ ‫صن َعُ فِْرعَوْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫مْرَنا َ‬ ‫صب َُروا وَد َ ّ‬
‫ما َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫َ‬
‫سَنى عَلى ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ها‬ ‫َ‬
‫ك وَأوَْرث َْنا َ‬ ‫ن { ] العراف ‪ .[ 137 :‬وقال هاهنا ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬ ‫كاُنوا ي َعْرِ ُ‬ ‫ما َ‬
‫شو َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن { وهم بنو إسرائيل ‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما آ َ‬ ‫قَوْ ً‬
‫ض { أي ‪ :‬لم تكن لهم أعمال صالحة‬ ‫ماُء َوالْر ُ‬ ‫س َ‬
‫م ال ّ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ما ب َك َ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم ‪ ،‬ول لهم في الرض بقاع عبدوا‬
‫الله فيها فقدتهم ؛ فلهذا استحقوا أل ينظروا ول يؤخروا لكفرهم وإجرامهم ‪،‬‬
‫وعتوهم وعنادهم‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده ‪ :‬حدثنا أحمد بن إسحاق‬
‫البصري ‪ ،‬حدثنا مكي بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا موسى بن عبيدة ‪ ،‬حدثني يزيد‬
‫الرقاشي ‪ ،‬حدثني أنس بن مالك )‪ ، (4‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"ما من عبد إل وله في السماء بابان ‪ :‬باب يخرج منه رزقه ‪ ،‬وباب يدخل منه‬
‫ت‬‫ما ب َك َ ْ‬
‫)‪ (5‬عمله وكلمه ‪ ،‬فإذا مات فقداه وبكيا عليه" وتل هذه الية ‪ } :‬فَ َ‬
‫ض { وُذكر أنهم لم يكونوا عملوا )‪ (6‬على الرض عمل‬ ‫ماُء َوالْر ُ‬
‫س َ‬ ‫عَل َي ْهِ ُ‬
‫م ال ّ‬
‫صالحا يبكي عليهم‪ .‬ولم يصعد لهم إلى السماء من كلمهم ول من عملهم‬
‫كلم طيب ‪ ،‬ول عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم )‪.(7‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم من حديث موسى بن عبيدة وهو الربذي‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يحيى بن طلحة ‪ ،‬حدثني عيسى بن يونس ‪ ،‬عن‬
‫صفوان بن عمرو ‪ ،‬عن شريح بن عبيد الحضرمي قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم )‪ (8‬إن السلم بدأ غريًبا وسيعود غريًبا‪ .‬أل ل غربة على‬
‫مؤمن ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إل بكت عليه السماء‬
‫والرض"‪ .‬ثم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فأخرجناهم" وهو خطأ ولعل الناسخ أراد الية ‪ 75 :‬من‬
‫سورة الشعراء‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬تسع"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي بإسناده عن أنس بن مالك‬
‫رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬يعملون"‪.‬‬
‫)‪ (7‬مسند أبي يعلى )‪ (7/160‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3255‬من‬
‫طريق موسى بن عبيدة به مختصر ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب ل‬
‫نعرفه مرفوعا إل من هذا الوجه ‪ ،‬وموسى بن عبيدة ويزيد بن أبان الرقاشي‬
‫يضعفان في الحديث"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"‪.‬‬

‫) ‪(7/253‬‬

‫ض{‬‫ماءُ َوالْر ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬


‫م ال ّ‬ ‫ما ب َك َ ْ‬
‫قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬فَ َ‬
‫ثم قال ‪" :‬إنهما ل يبكيان على الكافر" )‪.(1‬‬
‫وقال )‪ (2‬ابن أبى حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو أحمد ‪ -‬يعني‬
‫الزبيري ‪ -‬حدثنا العلء بن صالح ‪ ،‬عن المنهال بن عمرو ‪ ،‬عن عباد بن عبد‬
‫الله قال ‪ :‬سأل رجل علّيا رضي الله عنه ‪ :‬هل تبكي السماء والرض على‬
‫أحد ؟ فقال له ‪ :‬لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ‪ ،‬إنه ليس‬
‫]من[ )‪ (3‬عبد إل له مصلى في الرض ‪ ،‬ومصعد عمله من السماء‪ .‬وإن آل‬
‫فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الرض ‪ ،‬ول عمل يصعد في السماء ‪ ،‬ثم‬
‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ض وَ َ‬
‫ماُء َوالْر ُ‬ ‫س َ‬‫م ال ّ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬
‫ما ب َك َ ْ‬
‫قرأ علي ‪ ،‬رضي الله عنه } فَ َ‬
‫ن{‬ ‫من ْظ َ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ُ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كريب ‪ ،‬حدثنا طلق بن غَّنام ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬عن‬
‫ل فقال ‪ :‬يا‬ ‫ن عباس رج ٌ‬ ‫منصور ‪ ،‬عن منهال ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬أتى اب َ‬
‫َ‬
‫ما كاُنوا‬ ‫ض وَ َ‬‫ماُء َوالْر ُ‬‫س َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫ما ب َك َ ْ‬
‫أبا عباس أرأيت قول الله ‪ } :‬فَ َ‬
‫ن { فهل تبكي السماء والرض على أحد ؟ قال ‪ :‬نعم إنه ليس أحد‬ ‫من ْظ َ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ُ‬
‫من الخلئق إل وله باب في السماء منه ينزل رزقه ‪ ،‬وفيه يصعد عمله ‪ ،‬فإذا‬
‫مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه‬
‫رزقه بكى عليه ‪ ،‬وإذا فقد مصله من الرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله‬
‫فيها بكت عليه ‪ ،‬وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الرض آثار صالحة ‪ ،‬ولم‬
‫يكن يصعد إلى الله منهم خير ‪ ،‬فلم تبك عليهم السماء والرض )‪.(4‬‬
‫وروى العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬نحو هذا‪.‬‬
‫قّتات ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن )‪ (5‬ابن‬ ‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي يحيى ال َ‬
‫عباس ]رضي الله عنهما[ )‪ (6‬قال ‪ :‬كان يقال ‪ :‬تبكي الرض على المؤمن‬
‫حا‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬ ‫أربعين صبا ً‬
‫وقال مجاهد أيضا ‪ :‬ما مات مؤمن إل بكت عليه السماء والرض أربعين‬
‫حا ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت له ‪ :‬أتبكي الرض ؟ فقال ‪ :‬أتعجب ؟ وما للرض ل تبكي‬ ‫صبا ً‬
‫على عبد ‪ ،‬كان يعمرها بالركوع والسجود ؟ وما للسماء ل تبكي على عبد‬
‫كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ؟‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كانوا أهون على الله من أن تبكي عليهم السماء والرض‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا عبد السلم بن عاصم ‪،‬‬
‫حدثنا إسحاق بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا المستورد بن سابق ‪ ،‬عن عبيد المكتب ‪،‬‬
‫عن إبراهيم قال ‪ :‬ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إل على اثنين قلت لعبيد ‪:‬‬
‫أليس السماء والرض تبكي على المؤمن ؟ قال ‪ :‬ذاك مقامه حيث يصعد‬
‫عمله‪ .‬قال ‪ :‬وتدري ما بكاء السماء ؟ قلت )‪ (7‬ل قال ‪ :‬تحمر وتصير وردة‬
‫كالدهان ‪ ،‬إن يحيى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪ (25/75‬ورواه ابن أبي الدنيا في ذكر الموت كما في‬
‫الدر المنثور )‪ (7/412‬وهو مرسل‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(25/74‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وعن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫) ‪(7/254‬‬

‫ما‪ .‬وإن حسين بن علي لما قتل‬ ‫بن زكريا لما قتل احمرت السماء وقطرت د ً‬
‫احمرت السماء‪.‬‬
‫وحدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو ‪ُ -‬زَنيج ‪ -‬حدثنا‬
‫جرير ‪ ،‬عن يزيد بن أبي زياد قال ‪ :‬لما قتل حسين )‪ (1‬بن علي ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنهما ‪ ،‬احمرت آفاق السماء أربعة أشهر‪ .‬قال يزيد ‪ :‬واحمرارها بكاؤها‪.‬‬
‫وهكذا قال السدي الكبير‪.‬‬
‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬بكاؤها ‪ :‬أن تحمر أطرافها‪.‬‬
‫ضا في مقتل الحسين أنه ما قلب حجر يومئذ إل وجد تحته دم‬ ‫وذكروا )‪ (2‬أي ً‬
‫عَِبيط ‪ ،‬وأنه كسفت الشمس ‪ ،‬واحمر الفق ‪ ،‬وسقطت حجارة‪ .‬وفي كل من‬
‫خف الشيعة وكذبهم ‪ ،‬ليعظموا المر ‪ -‬ول شك‬ ‫س ْ‬ ‫ذلك نظر ‪ ،‬والظاهر أنه من ُ‬
‫أنه عظيم ‪ -‬ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه ‪ ،‬وقد وقع ما هو أعظم‬
‫من ]ذلك[ )‪ - (3‬قتل الحسين رضي الله عنه ‪ -‬ولم يقع شيء مما ذكروه ‪،‬‬
‫فإنه قد قتل أبوه علي بن أبي طالب ‪ ،‬وهو أفضل منه بالجماع ولم يقع )‪(4‬‬
‫ما ‪ ،‬ولم يكن‬ ‫]شيء من[ )‪ (5‬ذلك ‪ ،‬وعثمان بن عفان قتل محصوًرا مظلو ً‬
‫شيء من ذلك‪ .‬وعمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قتل في المحراب في‬
‫صلة الصبح ‪ ،‬وكأن المسلمين لم تطرقهم مصيبة قبل ذلك ‪ ،‬ولم يكن شيء‬
‫من ذلك‪ .‬وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر في الدنيا‬
‫والخرة يوم مات لم يكن شيء مما ذكروه‪ .‬ويوم مات إبراهيم ابن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم خسفت الشمس فقال الناس ‪] :‬الشمس[ )‪ (6‬خسفت‬
‫لموت إبراهيم ‪ ،‬فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلة‬
‫الكسوف ‪ ،‬وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر ل ينخسفان لموت أحد ول‬
‫لحياته )‪.(7‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬‫ن فِْرعَوْ َ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مِهي ِ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ن العَذا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سَراِئيل ِ‬ ‫جي َْنا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫قد ْ ن َ ّ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَل َ‬
‫ن { يمتن عليهم تعالى بذلك ‪ ،‬حيث أنقذهم مما كانوا فيه‬ ‫م ْ ِ ِ َ‬
‫في‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬
‫عال ًِيا ِ‬
‫َ‬
‫من إهانة فرعون وإذلله لهم ‪ ،‬وتسخيره إياهم في )‪ (8‬العمال المهينة‬
‫الشاقة‪.‬‬
‫ن [ { )‪ (9‬أي ‪ :‬مستكبًرا‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عال ًِيا ] ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬
‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬‬
‫شي ًَعا [ )‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬
‫ل أهْلَها ِ‬ ‫ض ]وَ َ‬ ‫عل ِفي الْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫دا ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫جباًرا عني ً‬
‫‪ ] { (10‬القصص ‪.[ 4 :‬‬
‫ن { ] المؤمنون ‪] ، [ 46 :‬وقوله‬ ‫عاِلي َ‬ ‫ما َ‬ ‫ست َك ْب َُروا وَكاُنوا قَوْ ً‬
‫َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فا ْ‬
‫ن { [ )‪ ] (11‬العنكبوت ‪، [ 39 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫ساب ِ ِ‬ ‫ما كاُنوا َ‬ ‫َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫} َفا ْ ْ‬
‫ست َكب َُروا ِفي الْر ِ‬
‫سرًفا )‪ (12‬في أمره ‪ ،‬سخيف الرأي على نفسه‪.‬‬ ‫] فكان فرعون [ ِ‬
‫م‬
‫خت َْرَناهُ ْ‬‫ن { قال مجاهد ‪ } :‬ا ْ‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫علم ٍ عَلى الَعال ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م عَلى ِ‬ ‫َ‬ ‫خت َْرَناهُ ْ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن { على من هم بين ظهريه‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬اختيروا‬ ‫مي َ‬‫عل ْم ٍ عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫عََلى ِ‬
‫على أهل زمانهم ذلك‪ .‬وكان يقال ‪ :‬إن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الحسين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وذكر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يكن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬خسفت الشمس"‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (1043‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪.(915‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪] (11‬فكان فرعون[ زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مسرفا"‪.‬‬

‫) ‪(7/255‬‬
‫ُ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫ري َ‬ ‫من ْ َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫موْت َت َُنا اْلوَلى وَ َ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫ي إ ِّل َ‬
‫ن هِ َ‬‫ن )‪ (34‬إ ِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن هَؤَُلِء ل َي َ ُ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ه‬‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ع‬ ‫ب‬
‫ُ ْ َ ٌْ ْ ْ ُ ٍُّ َ ِ َ ِ ْ ِِْ ْ‬‫ت‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ر‬‫ي‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫(‬‫‪36‬‬ ‫)‬ ‫فَأ ُ ِ َ ِ َ ِ ْ ْ ُ ْ َ ِ ِ َ‬
‫ن‬ ‫قي‬ ‫د‬ ‫صا‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫ئ‬ ‫با‬ ‫آ‬‫ب‬ ‫توا‬
‫َ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫مي َ‬‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬
‫كاُنوا ُ‬ ‫م َ‬‫م إ ِن ّهُ ْ‬‫أهْل َك َْناهُ ْ‬

‫ك‬ ‫صط َ َ‬
‫في ْت ُ َ‬ ‫سى إ ِّني ا ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل َيا ُ‬ ‫لكل زمان عالما‪ .‬وهذه )‪ (1‬كقوله تعالى ‪َ } :‬قا َ‬
‫س { ] العراف ‪ [ 144 :‬أي ‪ :‬أهل زمانه ‪ ،‬وكقوله لمريم ‪:‬‬ ‫َ‬
‫عَلى الّنا ِ‬
‫ن { ] آل عمران ‪ [ 42 :‬أي ‪ :‬في زمانها ؛‬ ‫ساِء ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ك عََلى ن ِ َ‬ ‫فا ِ‬ ‫صط َ َ‬ ‫} َوا ْ‬
‫فإن خديجة أفضل منها ‪ ،‬وكذا آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ‪ ،‬أو مساوية‬
‫لها في الفضل ‪ ،‬وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام‪.‬‬
‫ت { أي ‪] :‬من[ )‪ (2‬الحجج والبراهين وخوارق‬ ‫ن الَيا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وآت َي َْناهُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬اختبار ظاهر جلي لمن اهتدى به‪.‬‬ ‫مِبي ٌ‬‫ما ِفيهِ َبلٌء ُ‬ ‫العادات } َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫ري َ‬‫ش ِ‬ ‫من ْ َ‬
‫ن بِ ُ‬‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫موْت َت َُنا الوَلى وَ َ‬‫ي ِإل َ‬ ‫ن هِ َ‬‫ن )‪ (34‬إ ِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ؤلِء ل َي َ ُ‬ ‫ن هَ ُ‬‫} إِ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫م ت ُب ٍّع َوال ِ‬ ‫م قَوْ ُ‬‫خي ٌْر أ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن )‪ (36‬أهُ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫فَأُتوا ِبآَبائ َِنا إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (37‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫م َ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫أهْل َك َْناهُ ْ‬
‫يقول تعالى منكًرا على المشركين في إنكارهم البعث والمعاد ‪ ،‬وأنه ما ثم إل‬
‫هذه الحياة الدنيا ‪ ،‬ول حياة بعد الممات ‪ ،‬ول بعث ول نشور‪ .‬ويحتجون بآبائهم‬
‫ْ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫قا } فَأُتوا ِبآَبائ َِنا إ ِ ْ‬ ‫الماضين الذين ذهبوا فلم يرجعوا ‪ ،‬فإن كان البعث ح ً‬
‫ن { وهذه حجة باطلة وشبهة فاسدة ‪ ،‬فإن المعاد إنما هو يوم القيامة‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫َ‬
‫ل في هذه الدار ‪] ،‬بل[ )‪ (3‬بعد انقضائها وذهابها وفراغها يعيد الله العالمين‬
‫دا ‪ ،‬ويجعل الظالمين لنار جهنم وقوًدا ‪ ،‬يوم تكون )‪ (4‬شهداء على‬ ‫قا جدي ً‬ ‫خل ً‬
‫دا‪.‬‬ ‫الناس ويكون الرسول عليكم شهي ً‬
‫دا ومنذًرا لهم بأسه الذي ل يرد ‪ ،‬كما حل‬ ‫ثم قال تعالى متهدًدا لهم ‪ ،‬ومتوع ً‬
‫بأشباههم )‪ (5‬ونظرائهم من المشركين والمنكرين للبعث وكقوم تبع ‪ -‬وهم‬
‫خّرب بلدهم ‪ ،‬وشردهم في البلد ‪ ،‬وفرقهم شذر‬ ‫سبأ ‪ -‬حيث أهلكهم الله و َ‬
‫درة بإنكار المشركين للمعاد‪.‬‬ ‫ص ّ‬
‫م َ‬ ‫مذر ‪ ،‬كما تقدم ذلك في سورة سبأ ‪ ،‬وهي ُ‬
‫وكذلك هاهنا شبههم بأولئك ‪ ،‬وقد كانوا عرًبا من قحطان كما أن هؤلء عرب‬
‫من عدنان ‪ ،‬وقد كانت حمير ‪ -‬وهم سبأ ‪ -‬كلما ملك فيهم رجل سموه ت ُب ًّعا ‪،‬‬
‫كما يقال ‪ :‬كسرى لمن ملك الفرس ‪ ،‬وقيصر لمن ملك الروم ‪ ،‬وفرعون‬
‫لمن ملك مصر كافرا ‪ ،‬والنجاشي لمن ملك الحبشة ‪ ،‬وغير ذلك من أعلم‬
‫الجناس‪ .‬ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن وسار في البلد حتى‬
‫وصل إلى سمرقند ‪ ،‬واشتد )‪ (6‬ملكه وعظم سلطانه وجيشه ‪ ،‬واتسعت‬
‫مّر بالمدينة‬ ‫صر الحيرة فاتفق أنه َ‬ ‫م ّ‬ ‫مملكته وبلده ‪ ،‬وكثرت رعاياه وهو الذي َ‬
‫النبوية وذلك في أيام الجاهلية ‪ ،‬فأراد قتال أهلها فمانعوه وقاتلوه بالنهار ‪،‬‬
‫قُرونه بالليل ‪ ،‬فاستحيا منهم وكف عنهم ‪ ،‬واستصحب معه حبرين‬ ‫وجعلوا ي َ ْ‬
‫من أحبار يهود كانا قد نصحاه وأخبراه أنه ل سبيل له على هذه البلدة ؛ فإنها‬
‫جُر نبي يكون في آخر الزمان ‪ ،‬فرجع عنها وأخذهما معه إلى بلد اليمن ‪،‬‬ ‫مَها َ‬ ‫ُ‬
‫ضا ‪ ،‬وأخبراه بعظمة‬ ‫ً‬ ‫أي‬ ‫(‬ ‫‪7‬‬ ‫)‬ ‫ذلك[‬ ‫]عن‬ ‫فنهياه‬ ‫الكعبة‬ ‫هدم‬ ‫أراد‬ ‫بمكة‬ ‫اجتاز‬ ‫فلما‬
‫هذا البيت ‪ ،‬وأنه من بناية إبراهيم الخليل وأنه سيكون له شأن عظيم على‬
‫يدي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫في ت ‪" :‬تكونوا" وفي م ‪" :‬تكونون"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في ت ‪" :‬بأشياعهم"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في أ ‪" :‬واستمد"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫زيادة من أ‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬

‫) ‪(7/256‬‬

‫ذلك النبي المبعوث في آخر الزمان ‪ ،‬فعظمها وطاف بها )‪ ، (1‬وكساها الملء‬
‫والوصائل والحبير‪ .‬ثم كر راجًعا إلى اليمن ودعا أهلها إلى التهود معه ‪ ،‬وكان‬
‫إذ ذاك دين موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيه من يكون على الهداية قبل بعثة‬
‫المسيح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فتهود معه عامة أهل اليمن‪ .‬وقد ذكر القصة بطولها‬
‫المام محمد بن إسحاق في كتابه السيرة )‪ (2‬وقد ترجمه الحافظ ابن‬
‫عساكر في تاريخه ترجمة حافلة ‪ ،‬أورد فيها أشياء كثيرة مما ذكرنا وما لم‬
‫فت له من‬ ‫ص ّ‬
‫نذكر )‪ .(3‬وذكر أنه ملك دمشق ‪ ،‬وأنه كان إذا استعرض الخيل ُ‬
‫دمشق إلى اليمن ‪ ،‬ثم ساق من طريق عبد الرزاق ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫ذئب )‪ ، (4‬عن المقبري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪" :‬ما أدري الحدود طهارة لهلها أم ل ؟ ول أدري تبع‬
‫لعيًنا )‪ (5‬كان أم ل ؟ ول أدري ذو القرنين نبّيا كان أم ملكا ؟" وقال غيره ‪:‬‬
‫"أعزيًرا كان نبّيا أم ل ؟"‪ .‬وكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن محمد بن حماد‬
‫الظهراني ‪ (6) ،‬عن عبد الرزاق )‪.(7‬‬
‫قال الدارقطني ‪ :‬تفرد به عبد الرزاق )‪ .(8‬ثم روى ابن عساكر من طريق‬
‫محمد بن ك َُرْيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬مرفوعا ‪:‬‬
‫عزيُر ل أدري أنبّيا كان أم ل ؟ ول أدري ألعين ت ُّبع أم ل ؟" )‪.(9‬‬‫" ُ‬
‫ثم أورد ما جاء في النهي عن سبه ولعنته ‪ ،‬كما سيأتي‪ .‬وكأنه ‪ -‬والله أعلم ‪-‬‬
‫كان كافًرا ثم أسلم وتابع دين الكليم )‪ (10‬على يدي من كان من أحبار اليهود‬
‫في ذلك الزمان على الحق قبل بعثة المسيح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وحج البيت في‬
‫هميين ‪ ،‬وكساه الملء والوصائل من الحرير والحبر ونحر عنده ستة‬ ‫جر ُ‬
‫زمن ال ُ‬
‫آلف بدنة وعظمه وأكرمه‪ .‬ثم عاد إلى اليمن‪ .‬وقد ساق قصته بطولها‬
‫الحافظ ابن عساكر ‪ ،‬من طرق متعددة مطولة )‪ (11‬مبسوطة ‪ ،‬عن أبي بن‬
‫كعب وعبد الله بن سلم ‪ ،‬وعبد الله بن عباس وكعب الحبار‪ .‬وإليه المرجع‬
‫ضا ‪ ،‬وهو أثبت وأكبر وأعلم‪ .‬وكذا‬ ‫في ذلك كله ‪ ،‬وإلى عبد الله بن سلم أي ً‬
‫من َّبه ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق في السيرة كما هو مشهور‬ ‫روى قصته وهب بن ُ‬
‫فيها‪ .‬وقد اختلط على الحافظ ابن عساكر في بعض السياقات ترجمة ت ُّبع هذا‬
‫بترجمة آخر متأخر عنه بدهر طويل ‪ ،‬فإن ت ُب ًّعا هذا المشار إليه في القرآن‬
‫أسلم قومه على يديه ‪ ،‬ثم لما مات )‪ (12‬عادوا بعده إلى عبادة الصنام‬
‫والنيران ‪ ،‬فعاقبهم الله تعالى كما ذكره في سورة سبأ ‪ ،‬وقد بسطنا قصتهم‬
‫هنالك ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬كسا تبع الكعبة ‪ ،‬وكان سعيد ينهى عن سبه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فمعظم الكعبة فطاف بها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/19‬‬
‫)‪ (3‬تاريخ دمشق )‪" 3/500‬القسم المخطوط"(‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ذؤيب"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬أمينا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬الطبراني"‪.‬‬
‫)‪ (7‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (1/36‬من طريق عبد الرزاق به ‪ ،‬ورواه‬
‫أبو داود في سننه برقم )‪ (4674‬من طريق عبد الرزاق به إل أنه قال ‪:‬‬
‫"عزيز" بدل ‪" :‬ذو القرنين"‪.‬‬
‫)‪ (8‬قال الحافظ ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله )‪" : (2/50‬وحديث‬
‫عبادة بن الصامت ‪" :‬إن الحدود كفارة لهلها" أصح وأثبت سندا" ثم ساقه‬
‫من طريق البخاري بسنده إلى عبادة بن الصامت‪.‬‬
‫)‪ (9‬تاريخ دمشق )‪" 3/501‬القسم المخطوط"(‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬الخليل"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في م ‪" :‬طويلة"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬توفي"‪.‬‬

‫) ‪(7/257‬‬

‫مْلكيكرب )‪(2‬‬ ‫وت ُّبع هذا هو ت ُّبع الوسط ‪ ،‬واسمه أسعد أبو )‪ (1‬ك َُرْيب بن َ‬
‫اليماني ذكروا أنه ملك على قومه ثلثمائة سنة وستا )‪ (3‬وعشرين سنة ‪،‬‬
‫ولم يكن في حمير أطول مدة منه ‪ ،‬وتوفي قبل مبعث رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بنحو من سبعمائة عام‪ .‬وذكروا أنه لما ذكر له الحبران من يهود‬
‫جُر نبي آخر في الزمان )‪ ، (4‬اسمه أحمد ‪ ،‬قال‬ ‫مَها َ‬ ‫المدينة أن هذه البلدة ُ‬
‫فا عن‬‫في ذلك شعرا واستودعه عند أهل المدينة‪ .‬وكانوا يتوارثونه ويروونه خل ً‬
‫سلف‪ .‬وكان ممن يحفظه أبو أيوب خالد بن زيد الذي نزل رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في داره ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫َ‬
‫م‪...‬‬‫س ْ‬ ‫ن اللهِ َباري الن ّ َ‬‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مد َ أّنه‪َ ...‬ر ُ‬ ‫ت عََلى أ ْ‬
‫ح َ‬ ‫شهِد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‪...‬‬‫ه‪ ...‬لكْنت َوزيرا له وابن عَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مرِ ِ‬
‫مري إلى عُ ْ‬ ‫مد ّ ع ُ ْ‬‫فَلو ُ‬ ‫َ‬
‫ل غَ ْ‬
‫م‪...‬‬ ‫ُ‬
‫صد ِْره ك ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ت عَ ْ‬‫ه‪َ ...‬وفّرج ُ‬ ‫داَء ُ‬‫ف أعْ َ‬‫سي ِ‬ ‫ت بال ّ‬ ‫جاهَد ْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫فر قبر بصنعاء في السلم ‪ ،‬فوجدوا فيه امرأتين‬ ‫ح ِ‬
‫وذكر ابن أبي الدنيا أنه ُ‬
‫صحيحتين ‪ ،‬وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب ‪" :‬هذا قبر حبي‬
‫ولميس ‪ -‬وروي ‪ :‬حبي وتماضر ‪ -‬ابنتي ت ُّبع ماتتا ‪ ،‬وهما تشهدان أن ل إله إل‬
‫الله ول تشركان به شيًئا ‪ ،‬وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما‪.‬‬
‫ضا‪.‬‬ ‫وقد ذكرنا في "سورة سبأ" شعر سبأ في ذلك أي ً‬
‫قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن كعًبا كان يقول في تبع ‪ :‬ن ُِعت ن َْعت الرجل الصالح ‪ ،‬ذم‬
‫الله تعالى قومه ولم يذمه ‪ ،‬قال ‪ :‬وكانت عائشة تقول ‪ :‬ل تسبوا ت ُب ًّعا ؛ فإنه‬
‫حا‪.‬‬
‫قد كان رجل صال ً‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫عة ‪ -‬يعني عمرو بن جابر الحضرمي ‪ -‬قال ‪:‬‬ ‫عبد الله بن ل َِهيَعة عن أبي ُزْر َ‬
‫سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ل تسبوا ت ُب ًّعا ؛ فإنه قد كان أسلم"‪.‬‬
‫َ‬
‫ورواه المام أحمد في مسنده عن حسن بن موسى ‪ ،‬عن ابن لِهيعة ‪ ،‬به )‬
‫‪.(5‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن علي البار ‪ ،‬حدثنا أحمد بن محمد بن أبي‬
‫ماك بن حرب ‪ ،‬عن‬ ‫ب َّزة ‪ ،‬حدثنا مؤمل ابن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن س َ‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل تسبوا‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫تبعا ؛ فإنه قد أسلم" )‪.(6‬‬
‫قُبري ‪ ،‬عن أبي‬
‫مر ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن الم ْ‬‫معْ َ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َ‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ما‬
‫أدري ‪ ،‬ت ُّبع نبّيا كان أم غير نبي" )‪.(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬مليكرب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬وستة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬نبي في آخر الزمان"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (5/340‬قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف ‪" :‬فيه ابن‬
‫لهيعة ‪ ،‬وعمرو بن جابر ‪ ،‬وهما ضعيفان"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المعجم الكبير )‪ (11/296‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : 8/769‬فيه‬
‫أحمد بن أبي بزة المكي ‪ ،‬ولم أعرفه ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (7‬ورواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج الكشاف للزيلعي )‪(3/270‬‬
‫من طريق عبد الرزاق بهذا اللفظ‪.‬‬

‫) ‪(7/258‬‬

‫ما إ ِّل ِبال ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َل ِ‬ ‫َ‬


‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫قَناهُ َ‬ ‫ما َ‬
‫ن )‪َ (38‬‬
‫عِبي َ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ت َواْلْر َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫قَنا ال ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(39‬‬ ‫مو َ‬‫م َل ي َعْل َ ُ‬‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫وتقدم بهذا السند من رواية ابن أبي حاتم كما أورده ابن عساكر ‪" :‬ل أدري‬
‫ت ُّبع كان لعيًنا )‪ (1‬أم ل ؟"‪ .‬فالله أعلم‪.‬‬
‫ورواه ابن عساكر من طريق زكريا بن يحيى البدي )‪ ، (2‬عن عكرمة ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس موقوًفا‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا عمران أبو الهذيل ‪ ،‬أخبرني تميم بن عبد الرحمن‬
‫قال ‪ :‬قال عطاء بن أبي رباح ‪ :‬ل تسبوا ت ُب ًّعا ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم نهى )‪ (3‬عن سبه )‪.(4‬‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫ما ِإل ِبال َ‬
‫قَناهُ َ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬‫ما َ‬
‫ن )‪َ (38‬‬
‫عِبي َ‬
‫ما ل ِ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر َ‬‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَنا ال ّ‬ ‫ما َ‬‫} وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (39‬‬ ‫مو َ‬‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬نبيا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬المدني"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قد نهى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير عبد الرزاق )‪.(2/171‬‬

‫) ‪(7/259‬‬

‫شي ًْئا وََل‬‫موًْلى َ‬ ‫قاته َ‬


‫ن َ‬ ‫موًْلى عَ ْ‬ ‫م َل ي ُغِْني َ‬ ‫ن )‪ (40‬ي َوْ َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬
‫مأ ْ‬ ‫مي َ ُ ُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫ص ِ‬
‫ف ْ‬‫م ال ْ َ‬‫ن ي َوْ َ‬‫إِ ّ‬
‫جَرةَ‬‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫م )‪ (42‬إ ِ ّ‬ ‫حي ُ‬
‫زيُز الّر ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ح َ‬‫ن َر ِ‬ ‫ن )‪ (41‬إ ِّل َ‬
‫م ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬‫هُ ْ‬
‫ي ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ميم ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫‪ (45‬ك َغَل ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن)‬‫طو ِ‬‫ل ي َغِْلي ِفي ال ْب ُ ُ‬ ‫مهْ ِ‬ ‫كال ْ ُ‬
‫م اْلِثيم ِ )‪َ (44‬‬ ‫الّزّقوم ِ )‪ (43‬ط ََعا ُ‬
‫ب‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫سهِ ِ‬ ‫صّبوا فَوْقَ َرأ ِ‬ ‫م ُ‬‫حيم ِ )‪ (47‬ث ُ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫واِء ال ْ َ‬
‫س َ‬ ‫ذوهُ َفاعْت ُِلوه ُ إ َِلى َ‬ ‫خ ُ‬‫)‪ُ (46‬‬
‫ال ْحميم )‪ (48‬ذ ُقْ إن َ َ‬
‫ن)‬
‫مت َُرو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ب ِهِ ت َ ْ‬ ‫ن هَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫م )‪ (49‬إ ِ ّ‬ ‫زيُز ال ْك َ ِ‬
‫ري ُ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬
‫ك أن ْ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫‪(50‬‬

‫موًْلى َ‬ ‫قاته َ‬
‫شي ًْئا‬ ‫ن َ‬ ‫موًْلى عَ ْ‬ ‫م ل ي ُغِْني َ‬ ‫ن )‪ (40‬ي َوْ َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مي َ ُ ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫م )‪{ (42‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ العَ ِ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ِ (41‬إل َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬ ‫َول هُ ْ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن عدله وتنزيهه نفسه عن اللعب والعبث والباطل ‪،‬‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ك ظَ ّ‬ ‫طل ذ َل ِ َ‬ ‫ما َبا ِ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ماَء َوالْر َ‬ ‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫كقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫قَناك ْ‬ ‫خل ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ن الّنارِ { ] ص ‪ ، [27 :‬وقال } أف َ‬ ‫م َ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫فَوَي ْ ٌ‬
‫ه ِإل هُوَ َر ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫حقّ ل إ ِل َ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ن فَت ََعاَلى الل ّ ُ‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي َْنا ل ت ُْر َ‬ ‫عَب ًَثا وَأن ّك ُ ْ‬
‫ريم ِ { ] المؤمنون ‪.[ 116 ، 115 :‬‬ ‫ال ْك َ ِ‬
‫ل { وهو يوم القيامة ‪ ،‬يفصل الله فيه بين الخلئق ‪،‬‬ ‫ص ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫فيعذب الكافرين ويثيب المؤمنين‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يجمعهم كلهم أولهم وآخرهم‪.‬‬ ‫قاته َ‬
‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مي َ ُ ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬‬
‫شي ًْئا { أي ‪ :‬ل ينفع قريب قريًبا ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬ ‫موًْلى َ‬ ‫ن َ‬ ‫موًْلى عَ ْ‬ ‫م ل ي ُغِْني َ‬ ‫} ي َوْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { ] المؤمنون ‪:‬‬ ‫ساَءلو َ‬ ‫مئ ِذ ٍ َول ي َت َ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫صورِ َفل أن ْ َ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫ف َ‬ ‫} فَإ َِذا ن ُ ِ‬
‫م { ] المعارج ‪11 ، 10 :‬‬ ‫سأ ُ‬ ‫َ‬
‫صُرون َهُ ْ‬ ‫ما‪ .‬ي ُب َ ّ‬ ‫مي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل َ‬ ‫‪ ، [ 101‬وكقوله } َول ي َ ْ‬
‫خا له عن حاله وهو يراه عياًنا‪.‬‬ ‫[ أي ‪ :‬ل يسأل أ ً‬
‫ن { أي ‪ :‬ل ينصر القريب قريبه ‪ ،‬ول يأتيه نصره من‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول هُ ْ‬
‫خارج‪.‬‬
‫ه { أي ‪ :‬ل ينفع يومئذ إل من رحمه الله ‪ ،‬عز وجل‬ ‫م الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ثم قال ‪ِ } :‬إل َ‬
‫م { أي ‪ :‬هو عزيز ذو رحمة واسعة‪.‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ العَ ِ‬ ‫‪ ،‬لخلقه )‪ } (1‬إ ِن ّ ُ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ل ي َغِْلي ِفي الب ُطو ِ‬ ‫مهْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م الِثيم ِ )‪ (44‬كال ُ‬ ‫َ‬
‫جَرةَ الّزّقوم ِ )‪ (43‬طَعا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫صّبوا فوْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫حيم ِ )‪ (47‬ث ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ْ‬
‫واِء ال َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ذوهُ فاعْت ِلوه ُ إ ِلى َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ميم ِ )‪ُ (46‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ك َ ْغَل ْ ِ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ذا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م )‪ (49‬إ ِ ّ‬ ‫ري ُ‬ ‫زيُز ال ْك َ ِ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ميم ِ )‪ (48‬ذ ُقْ إ ِن ّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ ِ‬ ‫َرأ ِ‬
‫ن )‪{ (50‬‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ ِ ِ َ ْ َ ُ َ‬
‫رو‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫يقول تعالى مخبًرا عما يعذب به ]عباده[ )‪ (2‬الكافرين الجاحدين للقائه ‪:‬‬
‫م الِثيم ِ {‬ ‫جَرةَ الّزّقوم ِ ط ََعا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬إل رحمة الله بخلقه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/259‬‬

‫والثيم أي ‪ :‬في قوله وفعله ‪ ،‬وهو الكافر‪ .‬وذكر غير واحد أنه أبو جهل ‪ ،‬ول‬
‫شك في دخوله في هذه الية ‪ ،‬ولكن ليست خاصة به‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن إبراهيم )‪ (1‬عن همام بن الحارث ‪ ،‬أن أبا الدرداء كان يقرئ‬
‫م الِثيم ِ { فقال ‪ :‬طعام اليتيم فقال أبو الدرداء‬ ‫جَرةَ الّزّقوم ِ ط ََعا ُ‬‫ش َ‬ ‫ن َ‬‫رجل } إ ِ ّ‬
‫قل ‪ :‬إن شجرة الزقوم طعام الفاجر‪ .‬أي ‪ :‬ليس له طعام غيرها‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬ولو وقعت منها قطرة في )‪ (2‬الرض لفسدت على أهل‬
‫الرض معايشهم‪ .‬وقد تقدم نحوه مرفوعا‪.‬‬
‫ي‬ ‫ْ‬
‫ن‪ .‬ك َغَل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ل { قالوا ‪ :‬كعكر الزيت } ي َغِْلي ِفي الب ُطو ِ‬ ‫كال ْ ُ‬
‫مهْ ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫ميم ِ { أي ‪ :‬من حرارتها ورداءتها‪.‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح ِ‬
‫ذوهُ َفاعْت ُِلوه ُ { أي ‪] :‬خذوا[ )‪ (3‬الكافر ‪ ،‬وقد ورد أنه تعالى إذا‬ ‫خ ُ‬‫وقوله ‪ُ } :‬‬
‫فا منهم‪.‬‬ ‫ذوه ُ { ابتدره سبعون أل ً‬ ‫خ ُ‬ ‫قال للزبانية } ُ‬
‫} َفاعْت ُِلوهُ { أي ‪ :‬سوقوه سحبا ودفعا في ظهره‪.‬‬
‫ذوه ُ َفاعْت ُِلوه ُ { أي ‪ :‬خذوه فادفعوه‪.‬‬ ‫خ ُ‬ ‫قال مجاهد ‪ُ } :‬‬
‫وقال الفرزدق ‪:‬‬
‫َ‬
‫ل )‪(5) (4‬‬ ‫عطّية ت ُعْت َ ُ‬ ‫حّتى ت َُرد ّ إلى َ‬ ‫م‪َ ...‬‬ ‫ك أَباهُ ُ‬ ‫حِلي َ‬ ‫م ب َِنا ِ‬ ‫س الك َِرا ُ‬‫َلي َ‬
‫حيم ِ { أي ‪ :‬وسطها‪.‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ْ‬
‫واِء ال َ‬ ‫س َ‬‫} إ َِلى َ‬
‫ْ‬
‫م‬
‫سهِ ُ‬ ‫ق ُرُءو ِ‬ ‫ن فَوْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫ميم ِ { كقوله } ي ُ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ ِ‬ ‫صّبوا فَوْقَ َرأ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫} ثُ ّ‬
‫جلود ُ { ] الحج ‪.[ 20 ، 19 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م َوال ُ‬ ‫ُ‬
‫ما ِفي ب ُطون ِهِ ْ‬ ‫صهَُر ب ِهِ َ‬ ‫م‪ .‬ي ُ ْ‬‫مي ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح ِ‬
‫وقد تقدم أن الملك يضربه بمقمعة من حديد ‪ ،‬تفتح )‪ (6‬دماغه ‪ ،‬ثم يصب‬
‫الحميم على رأسه فينزل في بدنه ‪ ،‬فيسلت ما في بطنه من أمعائه ‪ ،‬حتى‬
‫تمرق )‪ (7‬من كعبيه ‪ -‬أعاذنا الله تعالى من ذلك‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬ذ ُقْ إن َ َ‬
‫م { أي ‪ :‬قولوا له ذلك على وجه التهكم‬ ‫ري ُ‬ ‫زيُز ال ْك َ ِ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ِّ‬
‫والتوبيخ‪.‬‬
‫وقال الضحاك عن ابن عباس ‪ :‬أي لست بعزيز ول كريم‪.‬‬
‫وقد قال )‪ (8‬الموي في مغازيه ‪ :‬حدثنا أسباط ‪ ،‬حدثنا أبو بكر الهذلي ‪ ،‬عن‬
‫عكرمة قال ‪ :‬لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل ‪ -‬لعنه الله ‪-‬‬
‫م أ َوَْلى ل َ َ‬ ‫فقال ‪" :‬إن الله تعالى أمرني أن أقول لك ‪ } :‬أ َوَلى ل َ َ َ‬
‫ك‬ ‫ك فَأوَْلى‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫ْ‬
‫فَأ َوَْلى { ] القيامة ‪ [ 35 ، 34 :‬قال ‪ :‬فنزع ثوبه من يده )‪ (9‬وقال ‪ :‬ما‬
‫تستطيع لي أنت ول صاحبك من شيء‪ .‬ولقد علمت أني أمنع )‪ (10‬أهل‬
‫البطحاء ‪ ،‬وأنا العزيز الكريم‪ .‬قال ‪ :‬فقتله الله تعالى يوم بدر وأذله وعيره‬
‫بكلمته ‪ ،‬وأنزل ‪ } :‬ذ ُقْ إن َ َ‬
‫م { )‪.(11‬‬ ‫زيُز ال ْك َ ِ‬
‫ري ُ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ِّ‬
‫م‬‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلى َنارِ َ‬ ‫عو َ‬ ‫م ي ُد َ ّ‬ ‫ن { ‪ ،‬كقوله } ي َوْ َ‬ ‫مت َُرو َ‬ ‫م ب ِهِ ت َ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن{‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ت ُب ْ ِ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫ذا أ ْ‬ ‫حٌر هَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن أفَ ِ‬ ‫م ب َِها ت ُكذ ُّبو َ‬ ‫عا‪ .‬هَذِهِ الّناُر الِتي كن ْت ُ ْ‬ ‫دَ ّ‬
‫] الطور ‪، [ 15 - 13 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬مقتل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬البيت في تفسير الطبري )‪.(25/80‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬فيفتح"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬يمزق"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بدنه"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬أني من أمنع"‪.‬‬
‫)‪ (11‬ذكره السيوطي في الدر المنثور )‪ (7/418‬وهو مرسل‪.‬‬

‫) ‪(7/260‬‬

‫َ‬
‫س‬
‫سن ْد ُ ٍ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ن )‪ (52‬ي َل ْب َ ُ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬
‫ن )‪ِ (51‬في َ‬ ‫مي ٍ‬
‫قام ٍ أ ِ‬‫م َ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫قي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن ِفيَها ب ِك ُلّ‬ ‫عو َ‬ ‫ن )‪ (54‬ي َد ْ ُ‬ ‫عي ٍ‬ ‫حورٍ ِ‬ ‫م بِ ُ‬
‫جَناهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (53‬كذ َل ِك وََزوّ ْ‬ ‫قاب ِِلي َ‬
‫مت َ َ‬
‫ق ُ‬ ‫ست َب َْر ٍ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫م عَذا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َفاك ِهَةٍ آ ِ‬
‫ة الولى وَوَقاهُ ْ‬ ‫موْت َ َ‬‫ت إ ِل ال َ‬‫مو ْ َ‬
‫ن ِفيَها ال َ‬‫ن )‪ (55‬ل ي َذوقو َ‬ ‫مِني َ‬
‫سْرَناهُ‬ ‫م )‪ (57‬فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ي َ ّ‬ ‫ظي ُ‬‫فوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫ك ذ َل ِ َ‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫ضًل ِ‬
‫م ْ‬ ‫حيم ِ )‪ (56‬فَ ْ‬ ‫ج ِ‬‫ال ْ َ‬
‫ن )‪(59‬‬
‫قُبو َ‬
‫مْرت َ ِ‬
‫م ُ‬‫ب إ ِن ّهُ ْ‬‫ق ْ‬‫ن )‪َ (58‬فاْرت َ ِ‬ ‫ك ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫سان ِ َ‬‫ب ِل ِ َ‬

‫ن{‬ ‫مت َُرو َ‬ ‫م ب ِهِ ت َ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ن )‪ (52‬ي َلب َ ُ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن )‪ِ (51‬في َ‬ ‫مي ٍ‬ ‫قام ٍ أ ِ‬ ‫م َ‬‫ن ِفي َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ن‬
‫عو َ‬ ‫ن )‪ (54‬ي َد ْ ُ‬ ‫عي ٍ‬ ‫حورٍ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫جَناهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (53‬كذ َل ِك وََزوّ ْ‬ ‫َ‬ ‫قاب ِِلي َ‬ ‫مت َ َ‬‫ق ُ‬ ‫ست َب َْر ٍ‬‫س وَإ ِ ْ‬ ‫سن ْد ُ ٍ‬ ‫ُ‬
‫ة الولى وَوََقاهُ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫موْت َ َ‬ ‫ْ‬
‫ت ِإل ال َ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ِفيَها ال َ‬ ‫ذوُقو َ‬ ‫ن )‪ (55‬ل ي َ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫ل َفاك ِهَةٍ آ ِ‬ ‫ُ‬
‫ِفيَها ب ِك ّ‬
‫سْرَناهُ‬‫ما ي َ ّ‬ ‫َ‬
‫م )‪ (57‬فإ ِن ّ َ‬ ‫ظي ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ذ َل ِك هُوَ ال َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضل ِ‬ ‫َ‬
‫حيم ِ )‪ (56‬ف ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬
‫ن )‪{ (59‬‬ ‫قُبو َ‬ ‫مْرت َ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ب إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن )‪ (58‬فاْرت َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م ي َت َذ َكُرو َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سان ِك لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ب ِل ِ َ‬
‫مي‬ ‫س ّ‬ ‫لما ذكر تعالى حال الشقياء عطف بذكر ]حال[ )‪ (1‬السعداء ‪ -‬ولهذا ُ‬
‫قام ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ن { أي ‪ :‬لله في الدنيا } ِفي َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫القرآن مثاني ‪ -‬فقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬في الخرة وهو الجنة ‪ ،‬قد أمنوا فيها من الموت والخروج ‪ ،‬ومن‬ ‫َ‬
‫مي ٍ‬ ‫أ ِ‬
‫كل هم وحزن وجزع )‪ (2‬وتعب ونصب ‪ ،‬ومن الشيطان وكيده ‪ ،‬وسائر‬
‫الفات والمصائب‪.‬‬
‫ن { وهذا في مقابلة ما أولئك فيه من شجر )‪ (3‬الزقوم ‪،‬‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫} ِفي َ‬
‫وشرب الحميم‪.‬‬
‫ق { وهو ‪ :‬رفيع الحرير ‪،‬‬ ‫ست َب َْر ٍ‬ ‫س وَإ ِ ْ‬ ‫ْ‬
‫سن ْد ُ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سو َ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬ي َلب َ ُ‬
‫ق { وهو ما فيه بريق ولمعان وذلك‬ ‫ست َب َْر ٍ‬ ‫كالقمصان ونحوها )‪ } (4‬وَإ ِ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬على السرر ل‬ ‫قاب ِِلي َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫كالرياش ‪ ،‬وما يلبس على أعالي القماش ‪ُ } ،‬‬
‫يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬هذا العطاء مع ما قد منحناهم‬ ‫عي ٍ‬ ‫حورٍ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫جَناهُ ْ‬ ‫ك وََزوّ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫م َول‬ ‫س قَب ْل َهُ ْ‬ ‫ن إ ِن ْ ٌ‬ ‫مث ْهُ ّ‬ ‫م ي َط ْ ِ‬ ‫من الزوجات الحور العين الحسان اللتي } ل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن { ] الرحمن ‪:‬‬ ‫جا ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫ن ال َْياُقو ُ‬ ‫ن { ] الرحمن ‪ }[ 74 ، 56 :‬ك َأن ّهُ ّ‬ ‫جا ّ‬ ‫َ‬
‫ن { ] الرحمن ‪.[ 60 :‬‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِإل ال ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جَزاُء ال ْ‬ ‫ْ‬
‫‪ }[ 58‬هَل َ‬
‫قال )‪ (5‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا نوح بن حبيب ‪ ،‬حدثنا نصر بن‬
‫مزاحم العطار ‪ ،‬حدثنا عمر بن سعد ‪ ،‬عن رجل عن أنس ‪ -‬رفعه نوح ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫ب ذلك الماء لعذوبة ريقها )‪.(6‬‬ ‫جي ‪ ،‬لعَذ ُ َ‬ ‫لو أن حوراء ب ََزَقت في بحر ل ُ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬مهما طلبوا من أنواع الثمار‬ ‫مِني َ‬ ‫ل َفاك ِهَةٍ آ ِ‬ ‫ن ِفيَها ب ِك ُ ّ‬ ‫عو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َد ْ ُ‬
‫أحضر لهم ‪ ،‬وهم آمنون من انقطاعه وامتناعه ‪ ،‬بل يحضر إليهم )‪ (7‬كلما‬
‫أرادوا‪.‬‬
‫ة الولى { هذا استثناء يؤكد النفي ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫موْت َ َ‬ ‫ْ‬
‫ت ِإل ال َ‬ ‫موْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ِفيَها ال َ‬ ‫ذوُقو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ي َ ُ‬
‫دا ‪ ،‬كما ثبت في‬ ‫فإنه استثناء منقطع ومعناه ‪ :‬أنهم ل يذوقون فيها الموت أب ً‬
‫الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬يؤتى بالموت في‬
‫صورة كبش أملح ‪ ،‬فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح ‪ ،‬ثم يقال ‪ :‬يا أهل الجنة‬
‫خلود فل )‪ (8‬موت ‪ ،‬ويا أهل النار خلود فل )‪ (9‬موت" وقد تقدم الحديث في‬
‫سورة مريم )‪.(10‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬وجوع"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬شرب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وغيرها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم )‪ (386‬من وجه آخر ‪ ،‬فرواه من‬
‫طريق محمد بن إسماعيل الحساني ‪ ،‬عن منصور الواسطي ‪ ،‬عن أبي النصر‬
‫البار ‪ ،‬عن أنس مرفوعا بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬بل"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬بل"‪.‬‬
‫)‪ (10‬انظر ‪ :‬تخريج الحديث عند الية ‪ 39 :‬من سورة مريم‪.‬‬

‫) ‪(7/261‬‬

‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬حدثنا سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي مسلم‬
‫الغر ‪ ،‬عن أبي سعيد وأبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬قال قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يقال لهل الجنة ‪ :‬إن لكم أن تصحوا فل تسقموا‬
‫دا ‪ ،‬وإن لكم أن تنعموا فل ت َْبأسوا‬
‫دا ‪ ،‬وإن لكم أن تعيشوا فل تموتوا أب ً‬ ‫أب ً‬
‫دا"‪ .‬رواه مسلم عن إسحاق بن راهويه‬ ‫دا ‪ ،‬وإن لكم أن تشبوا فل تهرموا أب ً‬ ‫أب ً‬
‫وعبد بن حميد ‪ ،‬كلهما عن عبد الرزاق به )‪.(1‬‬
‫هكذا يقول أبو إسحاق وأهل العراق "أبو مسلم الغر" ‪ ،‬وأهل المدينة يقولون‬
‫‪" :‬أبو عبد الله الغر" )‪.(2‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي داود السجستاني ‪ :‬حدثنا أحمد بن حفص ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫مان ‪ ،‬عن الحجاج ‪ -‬هو ابن حجاج )‪ - (3‬عن عبادة )‪، (4‬‬ ‫عن إبراهيم بن ط َهْ َ‬
‫عن عبيد الله بن عمرو ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من اتقى الله دخل الجنة ‪ ،‬ينعم فيها ول يبأس ‪،‬‬
‫ويحيا فيها فل يموت ‪ ،‬ل تبلى ثيابه ‪ ،‬ول يفنى شبابه" )‪.(5‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن يحيى ‪ ،‬حدثنا عمرو بن محمد‬
‫الناقد ‪ ،‬حدثنا سليمان بن عبيد الله الرقي ‪ ،‬حدثنا مصعب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا‬
‫عمران بن الربيع الكوفي ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد النصاري ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫سئل نبي الله صلى الله عليه‬ ‫در ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ُ :‬‬ ‫من ْك َ ِ‬
‫ال ُ‬
‫وسلم ‪ :‬أينام أهل الجنة ؟ فقال ‪" :‬النوم أخو الموت ‪ ،‬وأهل الجنة ل ينامون"‬
‫)‪.(6‬‬
‫مْرَدويه في تفسيره ‪ :‬حدثنا أحمد بن القاسم بن‬ ‫وهكذا رواه أبو بكر بن ُ‬
‫صدقة المصري ‪ ،‬حدثنا المقدام بن داود ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن المغيرة ‪ ،‬حدثنا‬
‫در ‪ ،‬عن جابر بن عبد الله قال ‪ :‬قال‬ ‫سفيان الثوري ‪ ،‬عن محمد بن اْلمنك َ ِ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬النوم أخو الموت ‪ ،‬وأهل الجنة ل‬
‫ينامون" )‪.(7‬‬
‫وقال أبو بكر البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا الفضل بن يعقوب ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫فريابي ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن محمد بن المنكدر ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬قيل ‪:‬‬ ‫يوسف ال ِ‬
‫يا رسول الله ‪ ،‬هل ينام أهل الجنة ؟ قال ‪" :‬ل النوم أخو الموت" ثم قال ‪:‬‬
‫دا أسنده عن ابن المنكدر ‪ ،‬عن جابر إل الثوري ‪ ،‬ول عن الثوري ‪،‬‬ ‫"ل نعلم أح ً‬
‫إل الفريابي" )‪ (8‬هكذا قال ‪ ،‬وقد تقدم خلف ذلك ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫حيم ِ { أي ‪ :‬مع هذا النعيم العظيم المقيم قد‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ج ِ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَوََقاهُ ْ‬
‫وقاهم ‪ ،‬وسلمهم ونجاهم وزحزحهم من )‪ (9‬العذاب الليم في دركات‬
‫الجحيم ‪ ،‬فحصل لهم المطلوب ‪ ،‬ونجاهم من المرهوب ؛‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(2837‬‬
‫)‪ (2‬والول هو الصواب كما بين ذلك المام المزي في تهذيب الكمال‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬الحجاج"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬قتادة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )‪" (4895‬مجمع البحرين"‬
‫من طريق أحمد بن حفص به‪.‬‬
‫)‪ (6‬المعجم الوسط برقم )‪" (4875‬مجمع البحرين" وفي إسناده مصعب بن‬
‫إبراهيم العبسي ‪ ،‬منكر الحديث‪.‬‬
‫)‪ (7‬ورواه أبو نعيم في الحلية )‪ (7/90‬من طريق أحمد بن القاسم عن‬
‫المقدام بن داود به ‪ ،‬وقال ‪" :‬غريب من حديث الثوري ‪ ،‬تفرد به عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬مسند البزار برقم )‪" (3517‬كشف الستار" قال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (10/415‬رجال البزار رجال الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬

‫) ‪(7/262‬‬

‫م { أي ‪ :‬إنما كان هذا )‪(1‬‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬


‫ظي ُ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫ك ذ َل ِ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضل ِ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬فَ ْ‬
‫بفضله عليهم وإحسانه إليهم كما ثبت في الصحيح )‪ (2‬عن رسول الله صلى‬
‫دا لن‬‫الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬اعملوا وسددوا وقاربوا ‪ ،‬واعلموا أن أح ً‬
‫ُيدخله عمله الجنة" قالوا ‪ :‬ول أنت يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬ول أنا إل أن‬
‫مدني الله برحمة منه وفضل" )‪.(3‬‬ ‫يتغ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما يسرنا هذا‬ ‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ك ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫سان ِ َ‬ ‫سْرَناهُ ب ِل ِ َ‬ ‫ما ي َ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَإ ِن ّ َ‬
‫حا بيًنا جلًيا بلسانك الذي هو أفصح اللغات‬ ‫القرآن الذي أنزلناه سهل واض ً‬
‫ن { أي ‪ :‬يتفهمون ويعملون‪ .‬ثم لما‬ ‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫وأجلها وأحلها وأعلها } ل َعَل ّهُ ْ‬
‫كان مع هذا البيان والوضوح من الناس من كفر وخالف وعاند ‪ ،‬قال الله‬
‫دا لمن كذبه بالعطب‬ ‫دا له بالنصر ‪ ،‬ومتوع ً‬ ‫تعالى لرسوله مسليا له وواع ً‬
‫ن { أي ‪ :‬فسيعلمون )‪(4‬‬ ‫قُبو َ‬ ‫مْرت َ ِ‬‫م ُ‬ ‫ب { أي ‪ :‬انتظر } إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫والهلك ‪َ } :‬فاْرت َ ِ‬
‫لمن يكون النصر والظفر وعُلو الكلمة في الدنيا والخرة ‪ ،‬فإنها لك يا محمد‬ ‫ُ‬
‫ولخوانك من النبيين والمرسلين ومن اتبعكم من المؤمنين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫} ك َتب الل ّه لغْل ِب َ‬
‫زيٌز { ] المجادلة ‪ ، [ 21 :‬وقال‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫شَهاد ُ‬‫م ال ْ‬‫قو ُ‬
‫م يَ ُ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا ِفي ال َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫سلَنا َوال ِ‬ ‫َ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫َ‬
‫تعالى ‪ } :‬إ ِّنا لن َن ْ ُ‬
‫دارِ { ] غافر ‪، 51 :‬‬ ‫سوُء ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ة وَلهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م اللعْن َ ُ‬ ‫َ‬
‫م وَلهُ ُ‬ ‫معْذَِرت ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫فعُ ال ّ‬ ‫م ل ي َن ْ َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫‪.[ 52‬‬
‫آخر تفسير سورة الدخان ‪ ،‬ولله الحمد والمنة ‪ ،‬وبه التوفيق والعصمة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الصحيحين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (6467‬من حديث عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬فستعلمون"‪.‬‬

‫) ‪(7/263‬‬

‫َْ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬
‫ض‬
‫ت َوالْر ِ‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ن ِفي ال ّ‬ ‫كيم ِ )‪ (2‬إ ِ ّ‬‫ح ِ‬ ‫ن الل ّهِ ال ْعَ ِ‬
‫م َ‬
‫ب ِ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫زي ُ‬‫حم )‪ (1‬ت َن ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َل ََيا ٍ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬
‫ت لِ َ‬
‫ن َداب ّةٍ آَيا ٌ‬
‫م ْ‬
‫ث ِ‬‫ما ي َب ُ ّ‬
‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫قك ْ‬ ‫خل ِ‬‫ن )‪ (3‬وَِفي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ض ب َعْد َ‬‫حَيا ب ِهِ اْلْر َ‬ ‫ق فَأ ْ‬ ‫ن رِْز ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ل َوالن َّهارِ وَ َ‬ ‫ف الل ّي ْ ِ‬ ‫خت َِل ِ‬ ‫َوا ْ‬
‫ها عَل َي ْكَ‬ ‫ُ‬
‫ت اللهِ ن َت ْلو َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (5‬ت ِلك آَيا ُ‬ ‫قلو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْ ِ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ف الّرَياِح آَيا ٌ‬ ‫ري ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫موْت َِها وَت َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ع‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ُ‬‫س َ‬‫ك أِثيم ٍ )‪ (7‬ي َ ْ‬ ‫ن )‪ (6‬وَي ْل ل ِكل أفا ٍ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ث ب َعْد َ اللهِ وآَيات ِهِ ي ُؤ ِ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫حقّ فب ِأي َ‬ ‫ِبال َ‬
‫ب أ َِليم ٍ )‪(8‬‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ر‬‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ها‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫آ َيات الل ّه تت َّلى عل َيه ث ُم يصر َمستك ْبرا ك َأ َ‬
‫ٍ‬ ‫َ ْ ُ َِ‬ ‫ْ ْ َ ْ َ ْ َ‬ ‫َ ْ ِ ّ ُ ِ ّ ُ ْ َ ًِ‬ ‫ِ ُْ‬ ‫َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ئ‬ ‫را‬
‫ِ ْ ََ ِِ ْ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫(‬ ‫‪9‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫ٌ ُ ِ ٌ‬ ‫هي‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫وا‬ ‫ز‬
‫َ ُ ُ ً‬ ‫ه‬ ‫ها‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫ْ ّ‬ ‫ا‬ ‫ئا‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫وَإ َِذا ِ َ ِ ْ َ ِ َ‬
‫نا‬ ‫ت‬‫يا‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬
‫ن الل ّهِ أوْل َِياَء وَل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫شي ًْئا وََل َ‬ ‫سُبوا َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م َ‬ ‫م وََل ي ُغِْني عَن ْهُ ْ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ز‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ب‬ ‫روا‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫دى‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫(‬ ‫‪10‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫ظي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ ِ ْ ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ِّ ْ ُ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫َ‬
‫م )‪(11‬‬ ‫أِلي ٌ‬

‫تفسير سورة الجاثية‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ت‬‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫كيم ِ )‪ (2‬إ ِ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ ال ْعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫} حم )‪َ (1‬تنزي ُ‬
‫ن‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ن َداب ّةٍ آَيا ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫ما ي َب ُ ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫ن )‪ (3‬وَِفي َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬ ‫ض لَيا ٍ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ض‬
‫حَيا ب ِهِ الْر َ‬ ‫ق فَأ ْ‬ ‫ن رِْز ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أنز َ‬ ‫ل َوالن َّهارِ وَ َ‬ ‫ف اللي ْ ِ‬ ‫خِتل ِ‬ ‫)‪َ (4‬وا ْ‬
‫ن )‪{ (5‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْ ِ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ف الّرَياِح آَيا ٌ‬ ‫ري ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫موْت َِها وَت َ ْ‬ ‫ب َعْد َ َ‬
‫ُيرشد تعالى خلقه إلى التفكر في آلئه ونعمه ‪ ،‬وقدرته العظيمة التي خلق بها‬
‫السموات الرض ‪ ،‬وما فيهما من المخلوقات المختلفة الجناس والنواع من‬
‫الملئكة والجن والنس ‪ ،‬والدواب والطيور والوحوش والسباع والحشرات ‪،‬‬
‫وما في البحر من الصناف المتنوعة ‪ ،‬واختلف الليل والنهار في تعاقبهما‬
‫دائبين ل يفتران ‪ ،‬هذا بظلمه وهذا بضيائه ‪ ،‬وما أنزل الله تعالى من السحاب‬
‫من المطر في وقت الحاجة إليه ‪ ،‬وسماه رزًقا ؛ لن به يحصل الرزق ‪،‬‬
‫َ‬
‫موْت َِها { أي ‪ :‬بعد ما كانت هامدة ل نبات فيها ول‬ ‫ض ب َعْد َ َ‬ ‫حَيا ب ِهِ الْر َ‬ ‫} فَأ ْ‬
‫شيء‪.‬‬
‫ف الّرَياِح { أي ‪ :‬جنوبا وشآما )‪ ، (1‬ودبوًرا وصًبا ‪ ،‬بحرية‬ ‫ََ ْ ِ ِ‬ ‫ري‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫وبرية ‪ ،‬ليلية ونهارية‪ .‬ومنها ما هو للمطر ‪ ،‬ومنها ما هو للقاح ‪ ،‬ومنها ما هو‬
‫غذاء للرواح ‪ ،‬ومنها ما هو عقيم ]ل ينتج[ )‪.(2‬‬
‫ق‬
‫ن { )‪ ، (3‬ثم } يوقنون { ثم } يعقلون { وهو ت ََر ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬ ‫وقال أول } لَيا ٍ‬
‫من حال شريف إلى ما هو أشرف منه وأعلى‪ .‬وهذه اليات شبيهة بآية‬
‫ل َوالن َّهاِر‬ ‫ف الل ّي ْ ِ‬ ‫خِتل ِ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫ِ‬
‫خل ْ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫"البقرة" وهي قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أنز َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫فعُ الّنا َ‬ ‫ما ي َن ْ َ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬ ‫ري ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك ال ِّتي ت َ ْ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫ن كُ ّ‬ ‫َ‬
‫ف الّرَياِح‬ ‫ري ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ل َداب ّةٍ وَت َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِفيَها ِ‬ ‫موْت َِها وَب َ ّ‬ ‫ض ب َعْد َ َ‬ ‫حَيا ب ِهِ الْر َ‬ ‫ماٍء فَأ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ] البقرة ‪164 :‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْ ِ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ض لَيا ٍ‬ ‫ْ‬
‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫خرِ ب َي ْ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫س َ‬ ‫َوال ّ‬
‫من َّبه أثرا طويل غريًبا في خلق‬ ‫[‪ .‬وقد أورد ابن أبي حاتم هاهنا عن وهب بن ُ‬
‫النسان من الخلط الربعة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ها عَل َي ْ َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ث ب َعْد َ اللهِ َوآَيات ِهِ ي ُؤْ ِ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫حقّ فب ِأيّ َ‬ ‫َ‬ ‫ك ِبال َ‬ ‫ت الل ّهِ ن َت ُْلو َ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫} ت ِل ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن لَ ْ‬ ‫ست َك ْب ًِرا ك َأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صّر ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ت الل ّهِ ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ث ُ ّ‬ ‫معُ آَيا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك أِثيم ٍ )‪ (7‬ي َ ْ‬ ‫ل أّفا ٍ‬ ‫ل ل ِك ُ ّ‬ ‫وَي ْ ٌ‬
‫ُ‬
‫ها هُُزًوا أول َئ ِ َ‬ ‫خذ َ َ‬ ‫شي ًْئا ات ّ َ‬ ‫ن آَيات َِنا َ‬ ‫َ‬ ‫معَْها فَب َ ّ‬
‫ك‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ب أِليم ٍ )‪ (8‬وَإ َِذا عَل ِ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫شْرهُ ب ِعَ َ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ما‬ ‫شي ًْئا َول َ‬ ‫سُبوا َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م َ‬ ‫م َول ي ُغِْني عَن ْهُ ْ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن وََرائ ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ِ (9‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫َ‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫دى َوال ّ ِ‬ ‫ذا هُ ً‬ ‫م )‪ (10‬هَ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن الل ّهِ أوْل َِياَء وَل َهُ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ات ّ َ‬
‫َ‬
‫م )‪{ (11‬‬ ‫جزٍ أِلي ٌ‬ ‫ن رِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫ِبآَيا ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وشمال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لقوم يؤمنون" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(7/264‬‬

‫َ‬
‫ضل ِهِ وَل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫مرِهِ وَل ِت َب ْت َُغوا ِ‬‫ك ِفيهِ ب ِأ ْ‬‫فل ْ ُ‬
‫جرِيَ ال ْ ُ‬
‫حَر ل ِت َ ْ‬‫م ال ْب َ ْ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬‫س ّ‬
‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ه إِ ّ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ميًعا ِ‬
‫ج ِ‬
‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ن )‪ (12‬وَ َ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫ِفي ذ َل ِ َ‬

‫يقول تعالى ‪ :‬هذه آيات الله ‪ -‬يعني القرآن بما فيه من الحجج والبينات ‪-‬‬
‫حقّ { أي ‪ :‬متضمنة الحق من الحق ‪ ،‬فإذا كانوا ل يؤمنون‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫ها عَل َي ْ َ‬ ‫} ن َت ُْلو َ‬
‫بها ول ينقادون لها ‪ ،‬فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ؟!‬
‫ك أ َِثيم ٍ { أي ‪ :‬أفاك في قوله كذاب ‪ ،‬حلف مهين‬ ‫ل أّفا ٍ‬
‫ل ل ِك ُ ّ َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَي ْ ٌ‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫معُ آَيا ِ‬ ‫س َ‬ ‫أثيم في فعله وقيله )‪ (1‬كافر بآيات الله ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫صّر { أي ‪ :‬على كفره وجحوده استكباًرا‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ت ُت َْلى عَل َي ْهِ { أي ‪ :‬تقرأ عليه } ث ُ ّ‬
‫ب أ َِليم ٍ {‬ ‫َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫شْره ُ ب ِعَ َ‬ ‫معَْها { أي ‪ :‬كأنه ما سمعها ‪ } ،‬فَب َ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫وعنادا } ك َأ ْ‬
‫]أي[ )‪ (2‬فأخبره أن له عند الله يوم القيامة عذابا أليما موجعا‪.‬‬
‫ها هُُزًوا { أي ‪ :‬إذا حفظ شيًئا من القرآن كفر‬ ‫خذ َ َ‬ ‫شي ًْئا ات ّ َ‬ ‫ن آَيات َِنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫} وَإ َِذا عَل ِ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في مقابلة ما‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مِهي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫به واتخذه سخريا وهزوا ‪ } ،‬أولئ ِك لهُ ْ‬
‫استهان بالقرآن واستهزأ به ؛ ولهذا روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر قال‬
‫‪ :‬نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو‬
‫مخافة أن يناله العدو )‪.(3‬‬
‫م{‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن وََرائ ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ثم فسر العذاب الحاصل له يوم معاده )‪ (4‬فقال ‪ِ } :‬‬
‫أي ‪ :‬كل من اتصف بذلك سيصيرون إلى جهنم يوم القيامة ‪َ } ،‬ول ي ُغِْني‬
‫ذوا‬‫خ ُ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫شي ًْئا { أي ‪ :‬ل تنفعهم أموالهم ول أولدهم ‪َ } ،‬ول َ‬ ‫سُبوا َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م َ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫ن الل ّهِ أوْل َِياَء { أي ‪ :‬ول تغني عنهم اللهة التي عبدوها من دون الله‬ ‫َ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م{‬ ‫ِ ٌ‬‫ظي‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬‫َ ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫ً‬
‫ئا‬ ‫شي‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫َ ِّ ْ ُ ْ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫يا‬
‫ِ َ‬‫بآ‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫َ‬ ‫}‬ ‫القرآن‬ ‫يعني‬ ‫{‬ ‫دى‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫ثم قال تعالى‬
‫م { وهو المؤلم )‪ (5‬الموجع‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫جزٍ أِلي ٌ‬ ‫ن رِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٌ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ه‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مرِهِ وَل ِت َب ْت َُغوا ِ‬ ‫ك ِفيهِ ب ِأ ْ‬ ‫فل ُ‬ ‫جرِيَ ال ُ‬ ‫حَر ل ِت َ ْ‬ ‫م الب َ ْ‬ ‫خَر لك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫} الل ُ‬
‫ميًعا‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫وَل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر لك ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ن )‪ (12‬وَ َ‬ ‫شكُرو َ‬
‫ن )‪{ (13‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقلبه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(1869‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬القيامة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬المقلق"‪.‬‬

‫) ‪(7/265‬‬
‫ل ل ِل ّذين آ َمنوا يغْفروا ل ِل ّذين َل يرجو َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫جزِيَ قَوْ ً‬
‫ما ب ِ َ‬ ‫م الل ّهِ ل ِي َ ْ‬
‫ن أّيا َ‬‫َْ ُ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ َ َ ُ َ ِ ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫م إ َِلى َرب ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ساَء فَعَل َي َْها ث ُ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬‫سهِ وَ َ‬ ‫حا فَل ِن َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ن عَ ِ‬‫م ْ‬
‫ن )‪َ (14‬‬
‫سُبو َ‬‫ي َك ْ ِ‬
‫ن )‪(15‬‬‫جُعو َ‬‫ت ُْر َ‬
‫ل ل ِل ّذين آمنوا يغْفروا ل ِل ّذين ل يرجو َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫جزِيَ قَوْ ً‬ ‫م الل ّهِ ل ِي َ ْ‬ ‫ن أّيا َ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ َ َ ُ َ ِ ُ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫م إ ِلى َرب ّك ْ‬ ‫ساَء فَعَلي َْها ث ُ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ وَ َ‬ ‫حا فَل ِن َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ن عَ ِ‬
‫م ْ‬
‫ن )‪َ (14‬‬
‫سُبو َ‬‫ي َك ْ ِ‬
‫ن )‪{ (15‬‬‫جُعو َ‬‫ت ُْر َ‬
‫ف لك { ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫جرِيَ ال ُ‬ ‫يذكر تعالى نعمه على عبيده فيما سخر لهم من البحر } ل ِت َ ْ‬
‫وهي السفن فيه بأمره تعالى ‪ ،‬فإنه هو الذي أمر البحر أن يحملها } وَل ِت َب ْت َُغوا‬
‫ن { أي ‪ :‬على‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ضل ِهِ { أي ‪ :‬في المتاجر والمكاسب ‪ } ،‬وَل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ن فَ ْ‬‫م ْ‬‫ِ‬
‫حصول المنافع المجلوبة إليكم من القاليم النائية والفاق القاصية‪.‬‬

‫) ‪(7/265‬‬

‫ن الط ّي َّبا ِ‬ ‫ب َوال ْ ُ‬ ‫ل ال ْك َِتا َ‬ ‫ول َ َ َ‬


‫ت‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م َوالن ّب ُوّة َ وََرَزقَْناهُ ْ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫فوا‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫من اْل َ‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬‫نا‬ ‫ي‬ ‫ت‬‫مين )‪ (16‬وآ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وَ‬
‫ه‬
‫كاُنوا ِفي ِ‬ ‫ما َ‬ ‫مةِ ِفي َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫ضي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫م ب َغًْيا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫م العِل ُ‬ ‫ْ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َعْد ِ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫جعَلَنا َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫واَء ال ِ‬ ‫مرِ َفات ّب ِعَْها وَل ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ريعَةٍ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك عَلى َ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (17‬ث ُ ّ‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م أوْل َِياءُ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫شي ًْئا وَإ ِ ّ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُغُْنوا عَن ْك ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫ن )‪ (18‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫َل ي َعْل ُ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫س وَهُ ً‬ ‫صائ ُِر ِللّنا ِ‬ ‫ذا ب َ َ‬ ‫ن )‪ (19‬هَ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ي ال ْ ُ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬ ‫ب َعْ ٍ‬
‫‪(20‬‬

‫ض { أي ‪ :‬من‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫الكواكب والجبال ‪ ،‬والبحار والنهار ‪ ،‬وجميع ما تنتفعون به ‪ ،‬أي ‪ :‬الجميع من‬
‫ه { أي ‪ :‬من عنده وحده ل‬ ‫من ْ ُ‬‫ميًعا ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫فضله وإحسانه وامتنانه ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬‬
‫ّ‬
‫ن اللهِ ث ُ ّ‬
‫م إ َِذا‬ ‫مةٍ فَ ِ‬
‫م َ‬ ‫ن ن ِعْ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ما ب ِك ْ‬ ‫شريك له في ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ] النحل ‪.[ 53 :‬‬ ‫مسك ُم الضر فَإل َيه ت َ‬
‫جأُرو َ‬ ‫ّ ّ ِ ْ ِ َ ْ‬ ‫َ ّ ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خَر لك ْ‬ ‫س ّ‬‫وروى ابن جرير من طريق العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ه { كل شيء هو من الله ‪ ،‬وذلك‬ ‫من ْ ُ‬
‫ميًعا ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫َ‬
‫السم فيه اسم من أسمائه ‪ ،‬فذلك جميعا منه ‪ ،‬ول ينازعه فيه المنازعون ‪،‬‬
‫واستيقن أنه كذلك‪.‬‬
‫خلف العسقلني ‪ ،‬حدثنا‬ ‫َ‬ ‫وقال )‪ (1‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن َ‬
‫مْنهال بن عمرو ‪ ،‬عن أبي أراكة‬ ‫فْرياني ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن ال ِ‬ ‫ال ِ‬
‫قال ‪ :‬سأل رجل عبد الله بن عمرو قال ‪ :‬مم خلق الخلق ؟ قال ‪ :‬من النور‬
‫والنار ‪ ،‬والظلمة والثرى‪ .‬قال وائت ابن عباس فاسأله‪ .‬فأتاه فقال له مثل‬
‫ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬ارجع إليه فسله ‪ :‬مم خلق ذلك كله ؟ فرجع إليه فسأله ‪ ،‬فتل‬
‫ه { هذا أثر غريب ‪،‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ميًعا ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬
‫س ّ‬
‫} وَ َ‬
‫وفيه نكارة‪.‬‬
‫ن{‬ ‫فكُرو َ‬ ‫ّ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫م اللهِ { أي ‪ :‬يصفحوا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ن أّيا َ‬ ‫جو َ‬ ‫ن ل ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬
‫فُروا ل ِل ِ‬ ‫مُنوا ي َغْ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ِ‬
‫عنهم ويحملوا )‪ (2‬الذى منهم‪ .‬وهذا كان في ابتداء السلم ‪ ،‬أمروا أن‬
‫يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ‪ ،‬ليكون ذلك لتأليف قلوبهم )‪، (3‬‬
‫ثم لما أصروا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلد والجهاد‪ .‬هكذا روي عن‬
‫ابن عباس ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫م اللهِ { ل يبالون )‪ (5‬نعم الله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن أّيا َ‬ ‫جو َ‬ ‫وقال مجاهد ]في قوله[ )‪ } (4‬ل ي َْر ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬إذا صفحوا )‪ (6‬عنهم في‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫جزِيَ قَوْ ً‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ِي َ ْ‬
‫ن‬‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ولهذا‬ ‫؛‬ ‫الخرة‬ ‫في‬ ‫السيئة‬ ‫بأعمالهم‬ ‫مجازيهم‬ ‫الله‬ ‫الدنيا ‪ ،‬فإن‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬تعودون‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ت ُْر َ‬‫م إ َِلى َرب ّك ُ ْ‬ ‫ساَء فَعَل َي َْها ث ُ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫حا فَل ِن َ ْ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫عَ ِ‬
‫إليه يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم ]عليه[ )‪ (7‬فيجزيكم بأعمالكم خيرها‬
‫وشرها‪.‬‬
‫ت‬ ‫ّ‬
‫ن الطي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م َوالن ّب ُوّة َ وََرَزقَْناهُ ْ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ب َوال ُ‬ ‫ْ‬
‫ل الك َِتا َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫فوا ِإل ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬‫ما ا ْ‬ ‫مرِ فَ َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ب َي َّنا ٍ‬ ‫ن )‪َ (16‬وآت َي َْناهُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫م عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬ ‫وَفَ ّ‬
‫ه‬
‫ما كاُنوا ِفي ِ‬ ‫َ‬ ‫مةِ ِفي َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫ضي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫م ب َغًْيا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫م العِل ُ‬ ‫ْ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َعْد ِ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫واَء ال ِ‬ ‫مرِ َفات ّب ِعَْها َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ريعَةٍ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫جعَلَناك عَلى َ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (17‬ث ُ ّ‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أوْل َِياُء‬ ‫ضهُ ْ‬‫ن ب َعْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫شي ًْئا وَإ ِ ّ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي ُغُْنوا عَن ْك ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫ن )‪ (18‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ي َعْل ُ‬
‫ن)‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫س وَهُ ً‬ ‫ن )‪ (19‬هَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫صائ ُِر ِللّنا ِ‬ ‫ذا ب َ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ي ال ُ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ض َوالل ُ‬ ‫ب َعْ ٍ‬
‫‪{ (20‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ويحتملوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬كالتأليف لهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ينالون"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬أي اصفحوا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/266‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ت‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬‫كال ّ ِ َ‬ ‫م َ‬‫جعَل َهُ ْ‬‫ن نَ ْ‬
‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬
‫نا ْ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س َ‬‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ت َواْلْر َ‬
‫ض‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬
‫ه ال ّ‬‫خل َقَ الل ّ ُ‬
‫ن )‪ (21‬وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬‫مات ُهُ ْ‬‫م َ‬‫م وَ َ‬
‫حَياهُ ْ‬ ‫م ْ‬‫واًء َ‬‫س َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ل ي ُظل ُ‬‫َ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫َ‬
‫ما ك َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ُ‬
‫جَزى ك ّ‬ ‫ْ‬
‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫حقّ وَل ِت ُ ْ‬‫ِبال َ‬

‫يذكر تعالى ما أنعم به على بني إسرائيل من إنزال الكتب عليهم وإرسال‬
‫ل‬‫سَراِئي َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫الرسل إليهم ‪ ،‬وجعله الملك فيهم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ت { أي ‪ :‬من المآكل‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م َوالن ّب ُوّة َ وََرَزقَْناهُ ْ‬ ‫حك ْ َ‬‫ب َوال ْ ُ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في زمانهم‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫م عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬‫والمشارب ‪ } ،‬وَفَ ّ‬
‫مرِ { أي ‪ :‬حججا وبراهين وأدلة قاطعات ‪ ،‬فقامت )‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ب َي َّنا ٍ‬ ‫} َوآت َي َْناهُ ْ‬
‫‪ (1‬عليهم الحجج ثم اختلفوا بعد ذلك من بعد قيام الحجة ‪ ،‬وإنما كان ذلك بغيا‬
‫ة‬
‫م ِ‬‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ضي ب َي ْن َهُ ْ‬‫ق ِ‬ ‫ك { يا محمد } ي َ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫منهم على بعضهم بعضا ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬سيفصل بينهم بحكمه العدل‪ .‬وهذا فيه تحذير‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬
‫كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ِفي َ‬
‫لهذه المة أن تسلك مسلكهم ‪ ،‬وأن تقصد منهجهم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ث ُّ‬
‫م‬
‫مرِ َفات ّب ِعَْها { أي ‪ :‬اتبع ما أوحي إليك من ربك ل‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬‫ريعَةٍ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك عََلى َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫نل‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫وا‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫ت‬ ‫ول‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫هاهنا‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫المشركين‬ ‫عن‬ ‫وأعرض‬ ‫‪،‬‬ ‫هو‬ ‫إل‬ ‫إله‬
‫ِ َ‬ ‫َ َِّ ْ ْ َ‬
‫ظال ِمين بعضهم أ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫ض{‬ ‫ع‬‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫يا‬
‫ِ َ َْ ُ ُ ْ ْ َ َْ ٍ‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫شي ًْئا وَإ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ي ُغُْنوا عَن ْ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ن إ ِن ّهُ ْ‬
‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫أي ‪ :‬وماذا تغني )‪ (2‬عنهم وليتهم لبعضهم بعضا ‪ ،‬فإنهم ل يزيدونهم إل‬
‫ن { ‪ ،‬وهو تعالى يخرجهم من‬ ‫قي َ‬ ‫ي ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫خسارا ودمارا وهلكا ‪َ } ،‬والل ّ ُ‬
‫الظلمات إلى النور ‪ ،‬والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور‬
‫إلى الظلمات‪.‬‬
‫قوْم ٍ‬ ‫ة لِ َ‬
‫م ٌ‬
‫ح َ‬‫دى وََر ْ‬ ‫س { يعني ‪ :‬القرآن } وَهُ ً‬ ‫صائ ُِر ِللّنا ِ‬ ‫َ‬
‫ثم قال ‪ } :‬هَذا ب َ َ‬
‫ن{‬ ‫ُيوقُِنو َ‬
‫مُلوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫كال ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫ن نَ ْ‬‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س َ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫}أ ْ‬
‫خل َقَ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن )‪ (21‬وَ َ‬ ‫مو َ‬‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫مات ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حَياهُ ْ‬ ‫م ْ‬‫واًء َ‬ ‫س َ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫ال ّ‬
‫ن)‬‫مو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ل ي ُظل ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫جَزى ك ُ ّ‬ ‫ْ‬
‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫حقّ وَل ِت ُ ْ‬ ‫ض ِبال َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪{ (22‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فقامت به"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وما يغني"‪.‬‬

‫) ‪(7/267‬‬

‫َ‬ ‫َ َ‬
‫معِهِ وَقَل ْب ِهِ‬ ‫م عََلى َ‬
‫س ْ‬ ‫عل ْم ٍ وَ َ‬
‫خت َ َ‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫ه الل ّ ُ‬‫ضل ّ ُ‬
‫واه ُ وَأ َ‬
‫ه هَ َ‬‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬
‫ن ات ّ َ‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ت َ‬‫أفََرأي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫ن ب َعْدِ الل ّهِ أفََل ت َذ َك ُّرو َ‬
‫م ْ‬
‫ديهِ ِ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬
‫م ْ‬‫شاوَةً فَ َ‬‫صرِهِ ِغ َ‬ ‫ل عََلى ب َ َ‬‫جعَ َ‬‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫معِهِ وَقَل ْب ِهِ‬ ‫س ْ‬‫م عََلى َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫عل ْم ٍ وَ َ‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ضل ّ ُ‬‫واه ُ وَأ َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬‫ت َ‬ ‫} أفََرأي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (23‬‬ ‫ن ب َعْدِ الل ّهِ أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ديهِ ِ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاوَةً فَ َ‬ ‫صرِهِ ِغ َ‬ ‫ل عََلى ب َ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫وَ َ‬
‫وي‬ ‫ست َ ِ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ل يستوي المؤمنون والكافرون ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ] الحشر ‪[20 :‬‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫جن ّةِ هُ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫جن ّةِ أ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ب الّنارِ وَأ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ت { أي ‪ :‬عملوها وكسبوها‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقال هاهنا ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫مات ُهُ ْ‬
‫م َ‬‫م وَ َ‬
‫حَياهُ ْ‬ ‫م ْ‬‫واًء َ‬ ‫س َ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬‫ن نَ ْ‬ ‫}أ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ساء ما ظنوا بنا‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬‫ما ي َ ْ‬
‫ساَء َ‬ ‫نساويهم بهم في الدنيا والخرة! } َ‬
‫ساوي بين البرار والفجار في الدار الخرة ‪ ،‬وفي هذه الدار‪.‬‬ ‫وبعدلنا أن ن ُ َ‬
‫كير )‪ (1‬بن عثمان‬ ‫ب ‪ ،‬حدثنا ب ُ َ‬ ‫مل بن إها َ‬ ‫مؤ ّ‬ ‫قال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫مْرَثد الباجي )‪ ، (2‬عن أبي‬ ‫ضين بن عطاء ‪ ،‬عن يزيد بن َ‬ ‫خي ‪ ،‬حدثنا الوَ ِ‬ ‫الت ُّنو ِ‬
‫ذر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إن الله بنى دينه على أربعة أركان ‪ ،‬فمن صبر‬
‫عليهن ولم يعمل بهن لقي الله ]وهو[ )‪ (3‬من الفاسقين‪ .‬قيل ‪ :‬وما هن يا أبا‬
‫ذر ؟ قال ‪ :‬يسلم حلل الله لله ‪ ،‬وحرام الله لله ‪ ،‬وأمر الله لله ‪ ،‬ونهي الله‬
‫لله ‪ ،‬ل يؤتمن عليهن إل الله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬بكر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى الحافظ أبو يعلى بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(7/267‬‬

‫ك‬ ‫ما ل َهُ ْ‬


‫م ب ِذ َل ِ َ‬ ‫ما ي ُهْل ِك َُنا إ ِّل الد ّهُْر وَ َ‬ ‫حَيا وَ َ‬ ‫ت وَن َ ْ‬‫مو ُ‬‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي إ ِّل َ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫وََقاُلوا َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫جت َهُ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت َ‬ ‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫ن )‪ (24‬وَإ َِذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م إ ِّل ي َظ ُّنو َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م ث ُّ‬
‫م‬ ‫ميت ُك ُْ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫يي‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫(‬ ‫‪25‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫د‬‫صا‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫نا‬ ‫ئ‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫آ‬‫ب‬ ‫توا‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ا‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬
‫ل‬
‫ُ ُ ْ ِ ْ ّ ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ُ ِ َ َ ِ ْ ُْ ْ َ ِ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫إِ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫مو َ‬ ‫س َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ب ِفيهِ وَل َك ِ ّ‬ ‫مةِ َل َري ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫معُك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫يَ ْ‬
‫قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كما أنه ل يجتنى من الشوك )‪(1‬‬
‫العنب ‪ ،‬كذلك ل ينال الفجار منازل البرار" )‪.(2‬‬
‫هذا حديث غريب من هذا الوجه‪ .‬وقد ذكر محمد بن إسحاق في كتاب‬
‫س الكعبة مكتوب )‪ (3‬عليه ‪ :‬تعملون‬ ‫"السيرة" أنهم وجدوا حجرا بمكة في أ ّ‬
‫السيئات وترجون الحسنات ؟ أجل كما يجتنى من الشوك العنب )‪.(4‬‬
‫مّرة ‪ ،‬عن أبي الضحى ‪،‬‬ ‫وقد روى الطبراني من حديث شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن ُ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫عن مسروق )‪ ، (5‬أن تميما الداري قام ليلة حتى أصبح يردد هذه الية ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫ت{؛‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬‫م َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ساَء َ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫جَزى‬ ‫حقّ { أي ‪ :‬بالعدل ‪ } ،‬وَل ِت ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ض ِبال َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خل َقَ الل ُ‬
‫ّ‬ ‫‪ ،‬وقال )‪ } (6‬وَ َ‬
‫ن { )‪.(7‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ل ي ُظل ُ‬‫ْ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫كُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬
‫واه ُ { أي ‪ :‬إنما يأتمر بهواه ‪،‬‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ثم قال ]تعالى[ )‪ } (8‬أفََرأي ْ َ‬
‫فمهما رآه حسنا فعله ‪ ،‬ومهما رآه قبيحا تركه ‪ :‬وهذا قد يستدل به على‬
‫المعتزلة في قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين‪.‬‬
‫وعن مالك فيما روي عنه من التفسير ‪ :‬ل يهوى شيئا إل عبده‪.‬‬
‫عل ْم ٍ { يحتمل قولين ‪:‬‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫َ‬
‫ه الل ّ ُ‬ ‫ضل ّ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ َ‬
‫أحدها )‪ (9‬وأضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك‪ .‬والخر ‪ :‬وأضله الله بعد بلوغ‬
‫العلم إليه ‪ ،‬وقيام الحجة عليه‪ .‬والثاني يستلزم الول ‪ ،‬ول ينعكس‪.‬‬
‫شاوَةً { أي ‪ :‬فل يسمع ما‬ ‫صرِهِ ِغ َ‬ ‫ل عََلى ب َ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫معِهِ وَقَل ْب ِهِ وَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ينفعه ‪ ،‬ول يعي شيئا يهتدي به ‪ ،‬ول يرى حجة يستضيء بها ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫ي‬
‫هادِ َ‬ ‫ه َفل َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن { كقوله ‪َ } :‬‬ ‫ن ب َعْد ِ الل ّهِ أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ديهِ ِ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫} فَ َ‬
‫ن { ] العراف ‪.[186 :‬‬ ‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫م ِفي طغَْيان ِهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه )‪ (10‬وَي َذ َُرهُ ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫م ب ِذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ما ي ُهْل ِك َُنا ِإل الد ّهُْر وَ َ‬ ‫حَيا وَ َ‬ ‫ت وَن َ ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي ِإل َ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫} وََقاُلوا َ‬
‫م‬‫جت َهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت َ‬ ‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫ن )‪ (24‬وَإ َِذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م ِإل ي َظ ُّنو َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫ميت ُك ْ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫حِييك ْ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ن )‪ (25‬قُ ِ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ن َقالوا ائ ُْتوا ِبآَبائ َِنا إ ِ ْ‬ ‫ِإل أ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪{ (26‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل ُ‬ ‫ن أكث ََر الّنا ِ‬ ‫ب ِفيهِ وَلك ِ ّ‬ ‫مةِ ل َري ْ َ‬ ‫قَيا َ‬‫م إ ِلى ي َوْم ِ ال ِ‬ ‫معُك ْ‬ ‫ج َ‬ ‫يَ ْ‬
‫يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في‬
‫حَيا {‬ ‫ت وَن َ ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي ِإل َ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫إنكار المعاد ‪ } :‬وََقاُلوا َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬الشوكة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬وذكره ابن حجر في المطالب العالية )‪ (3/154‬وعزاه لبي يعلى ‪ ،‬وأظنه‬
‫في الكبير ‪ ،‬ويزيد بن مرثد الهمداني روايته عن أبي ذر مرسله‪ .‬تنبيه ‪ :‬وقع‬
‫هنا "الباجي" ولم يقع لي هذه النسبة له‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬مكتوبا" وهو الصواب‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/196‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وقد روى الطبراني بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المعجم الكبير )‪.(2/50‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬أحدهما"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬ومن يضلل الله فما له من هاد" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(7/268‬‬
‫أي ‪ :‬ما ثم إل هذه الدار ‪ ،‬يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ول قيامة‬
‫وهذا يقوله مشركو )‪ (1‬العرب المنكرون للمعاد ‪ ،‬ويقوله الفلسفة اللهيون‬
‫منهم ‪ ،‬وهم ينكرون البداءة )‪ (2‬والرجعة ‪ ،‬ويقوله الفلسفة الدهرية الدورية‬
‫المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ستة وثلثين ألف سنة يعود كل شيء‬
‫إلى ما كان عليه‪ .‬وزعموا أن هذا قد تكرر مرات ل تتناهى ‪ ،‬فكابروا المعقول‬
‫ما ي ُهْل ِك َُنا ِإل الد ّهُْر { قال الله تعالى‬ ‫)‪ (3‬وكذبوا المنقول ‪ ،‬ولهذا قالوا )‪ } (4‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يتوهمون ويتخيلون‪.‬‬ ‫م ِإل ي َظ ُّنو َ‬‫ن هُ ْ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬
‫م ب ِذ َل ِ َ‬ ‫‪ } :‬وَ َ‬
‫فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من رواية‬
‫سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يقول الله‬
‫تعالى ‪ :‬يؤذيني ابن آدم ؛ يسب الدهر وأنا الدهر ‪ ،‬بيدي المر ‪ ،‬أقلب ليله‬
‫ونهاره" )‪ (5‬وفي رواية ‪" :‬ل تسبوا الدهر ‪ ،‬فإن الله هو الدهر" )‪.(6‬‬
‫وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جدا فقال ‪ :‬حدثنا أبو ك َُرْيب ‪ ،‬حدثنا سفيان‬
‫بن عيينة ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬كان أهل الجاهلية يقولون ‪ :‬إنما‬
‫يهلكنا الليل والنهار ‪ ،‬وهو الذي يهلكنا ‪ ،‬يميتنا ويحيينا ‪ ،‬فقال الله في كتابه ‪:‬‬
‫ما ي ُهْل ِك َُنا ِإل الد ّهُْر { قال ‪:‬‬
‫حَيا وَ َ‬‫ت وَن َ ْ‬
‫مو ُ‬ ‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬
‫ي ِإل َ‬‫ما هِ َ‬ ‫} وََقاُلوا َ‬
‫"ويسبون الدهر ‪ ،‬فقال الله عز وجل ‪ :‬يؤذيني ابن آدم ‪ ،‬يسب الدهر وأنا‬
‫الدهر ‪ ،‬بيدي المر أقلب الليل والنهار" )‪.(7‬‬
‫شَرْيح بن النعمان ‪ ،‬عن‬ ‫وكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أحمد بن منصور ‪ ،‬عن ُ‬
‫ابن عيينة مثله ‪ :‬ثم روي عن يونس ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أبي‬
‫سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫"قال الله تعالى ‪ :‬يسب ابن آدم الدهر ‪ ،‬وأنا الدهر ‪ ،‬بيدي الليل والنهار"‪.‬‬
‫وأخرجه )‪ (8‬صاحبا الصحيح والنسائي ‪ ،‬من حديث يونس بن زيد ‪ ،‬به )‪.(9‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق عن العلء بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬يقول الله ‪:‬‬
‫سب ِّني عبدي ‪ ،‬يقول ‪ :‬وادهراه‪ .‬وأنا الدهر" )‬ ‫استقرضت عبدي فلم يعطني ‪ ،‬و َ‬
‫‪.(10‬‬
‫قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الئمة في تفسير قوله ‪ ،‬عليه الصلة‬
‫والسلم ‪" :‬ل تسبوا الدهر ؛ فإن الله هو الدهر" ‪ :‬كانت العرب في جاهليتها‬
‫إذا أصابهم شدة أو بلء أو نكبة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬منكرو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬البداوة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكابروا العقول"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (4826‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2246‬وسنن أبي‬
‫داود برقم )‪ (5274‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11687‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪.(2246‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪.(25/92‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬أخرجاه" وهو خطأ ‪ ،‬والصواب ‪" :‬أخرجه" ؛ حتى ل يجتمع‬
‫عاملن على معمول واحد‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري برقم )‪ (6181‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2246‬والنسائي‬
‫في السنن الكبرى برقم )‪.(11686‬‬
‫)‪ (10‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (25/92‬من طريق سلمة عن محمد بن‬
‫إسحاق به ‪ ،‬وخالفه يزيد بن هارون ‪ ،‬فرواه عن محمد ابن إسحاق ‪ ،‬عن أبي‬
‫الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬به وأخرجه الحاكم في المستدرك )‬
‫‪ (2/453‬وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح السناد على شرط مسلم"‪.‬‬

‫) ‪(7/269‬‬

‫ن)‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬ ‫سُر ال ْ ُ‬‫خ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َ ْ‬


‫ة ي َوْ َ‬‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ُ‬
‫م تَ ُ‬ ‫ض وَي َوْ َ‬‫ِ‬ ‫ت َواْل َْر‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ك ال ّ‬‫مل ْ ُ‬‫وَل ِل ّهِ ُ‬
‫ة كُ ّ ُ‬ ‫‪ (27‬وترى ك ُ ّ ُ‬
‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬‫م تُ ْ‬ ‫عى إ َِلى ك َِتاب َِها ال ْي َوْ َ‬ ‫مةٍ ت ُد ْ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫جاث ِي َ ً‬
‫مةٍ َ‬‫لأ ّ‬ ‫َََ‬
‫ن)‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ست َن ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫حقّ إ ِّنا كّنا ن َ ْ‬ ‫ْ‬
‫م ِبال َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذا ك َِتاب َُنا ي َن ْط ِقُ عَلي ْك ْ‬ ‫ن )‪ (28‬هَ َ‬ ‫مُلو َ‬‫ت َعْ َ‬
‫‪(29‬‬

‫خيبة الدهر‪ .‬فيسندون تلك الفعال إلى الدهر ويسبونه ‪ ،‬وإنما فاعلها هو الله‬
‫]عز وجل[ )‪ (1‬فكأنهم إنما سبوا ‪ ،‬الله عز وجل ؛ لنه فاعل ذلك في الحقيقة‬
‫‪ ،‬فلهذا ُنهي )‪ (2‬عن سب الدهر بهذا العتبار ؛ لن الله هو الدهر الذي يعنونه‬
‫‪ ،‬ويسندون إليه تلك الفعال‪.‬‬
‫هذا أحسن ما قيل في تفسيره ‪ ،‬وهو المراد ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وقد غلط ابن حزم‬
‫ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدهم الدهر من السماء الحسنى ‪ ،‬أخذا من‬
‫هذا الحديث‪..‬‬
‫ت { )‪ (4‬أي ‪ :‬إذا استدل‬ ‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقوله )‪ (3‬تعالى ‪ } :‬وَإ َِذا ت ُت ْلى عَلي ْهِ ْ‬
‫عليهم وبين لهم الحق ‪ ،‬وأن الله قادر على إعادة البدان بعد فنائها وتفرقها ‪،‬‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أحيوهم إن‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن َقاُلوا ائ ُْتوا ِبآَبائ َِنا إ ِ ْ‬ ‫م ِإل أ ْ‬ ‫جت َهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫} َ‬
‫كان ما تقولونه حقا‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬كما تشاهدون ذلك يخرجكم من‬ ‫ُ‬
‫حِييك ْ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ُ‬
‫قال الله تعالى ‪ } :‬ق ِ‬
‫م ث ُّ‬
‫م‬ ‫ميت ُك ُْ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫فرون بالل ّه وك ُنتم أ َمواتا فَأ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْ َ ْ ّ ُ ِ‬ ‫العدم إلى الوجود ‪ً َ ْ ْ ُ ْ َ ِ ِ َ ُ َ َ ْ } ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ك‬
‫م { ] البقرة ‪ [28 :‬أي ‪ :‬الذي قدر على البداءة قادر على العادة‬ ‫حِييك ُ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن عَل َي ْهِ {‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ي ُِعيد ُه ُ وَهُوَ أهْوَ ُ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ذي ي َب ْد َأ ال ْ َ‬ ‫بطريق الولى والحرى‪ } ..‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ب ِفيهِ { أي ‪ :‬إنما‬ ‫مةِ ل َري ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫معُك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫] الروم ‪ } ، [ 27‬ث ُ ّ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫يجمعكم ليوم القيامة ل يعيدكم في الدنيا حتى تقولوا ‪ } :‬ائ ُْتوا ِبآَبائ َِنا إ ِ ْ‬
‫مِع { ] التغابن ‪ } (5) [ 9 :‬ليّ ي َوْم ٍ‬ ‫ج ْ‬ ‫م ل ِي َوْم ِ ال ْ َ‬ ‫معُك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن { } ي َوْ َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ج‬ ‫ل‬ ‫إل‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ؤ‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪13‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪:‬‬ ‫المرسلت‬ ‫]‬ ‫{‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ت‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫أُ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ب‬ ‫مةِ ل َري ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫معُك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫دود ٍ { ] هود ‪ [ 104 :‬وقال هاهنا ‪ } :‬ث ُ ّ‬ ‫معْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فلهذا ينكرون‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل ُ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫فيه‬ ‫شك‬ ‫ل‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ِ‬
‫دا وَن ََراهُ‬ ‫ه ب َِعي ً‬ ‫م ي ََروْن َ ُ‬ ‫المعاد ‪ ،‬ويستبعدون قيام الجساد ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫ريًبا { ] المعارج ‪ [ 7 ، 6 :‬أي ‪ :‬يرون وقوعه بعيدا ‪ ،‬والمؤمنون يرون ذلك‬ ‫قَ ِ‬
‫سهل قريبا‪.‬‬
‫ن)‬ ‫مب ْط ِلو َ‬‫ُ‬ ‫ْ‬
‫سُر ال ُ‬ ‫خ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َ ْ‬ ‫ة ي َوْ َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ض وَي َوْ َ‬ ‫مل ْك ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫} وَل ِل ّهِ ُ‬
‫ت َوالْر ُ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬
‫ُ‬
‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫عى إ َِلى ك َِتاب َِها ال ْي َوْ َ‬ ‫مةٍ ت ُد ْ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ة كُ ّ‬ ‫جاث ِي َ ً‬ ‫مةٍ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫‪ (27‬وَت ََرى ك ُ ّ‬
‫ن)‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ست َن ْ ِ‬ ‫حقّ إ ِّنا ك ُّنا ن َ ْ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ذا ك َِتاب َُنا ي َن ْط ِقُ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (28‬هَ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫‪{ (29‬‬
‫يخبر تعالى أنه مالك السموات والرض ‪ ،‬الحاكم فيهما )‪ (6‬في الدنيا والخرة‬
‫سُر‬ ‫خ َ‬ ‫ة { أي ‪ :‬يوم )‪ (7‬القيامة } ي َ ْ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫ن { وهم الكافرون بالله الجاحدون بما أنزله على رسله من اليات‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫البينات والدلئل الواضحات‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬قدم سفيان الثوري المدينة ‪ ،‬فسمع المعافري )‪(8‬‬
‫ما‬
‫يتكلم ببعض ما يضحك به الناس‪ .‬فقال له ‪ :‬يا شيخ ‪ ،‬أما علمت أن لله يو ً‬
‫يخسر فيه المبطلون ؟ قال ‪ :‬فما زالت تعرف في المعافري )‪ (9‬حتى لحق‬
‫بالله ‪ ،‬عز وجل‪ .‬ذكره ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬أنهى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬عليه" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬الفصل" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬فيما"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تقوم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬العاضري"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬العاضري"‪.‬‬

‫) ‪(7/270‬‬

‫ة { أي ‪ :‬على ركبها من الشدة والعظمة ‪،‬‬ ‫جاث ِي َ ً‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وترى ك ُ ّ ُ‬


‫مةٍ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َََ‬
‫ويقال ‪ :‬إن هذا ]يكون[ )‪ (1‬إذا جيء بجهنم فإنها تزفر زفرة ل يبقى أحد إل‬
‫جثا لركبتيه ‪ ،‬حتى إبراهيم الخليل ‪ ،‬ويقول ‪ :‬نفسي ‪ ،‬نفسي ‪ ،‬نفسي ل‬
‫أسألك اليوم إل نفسي ‪ ،‬وحتى أن عيسى ليقول ‪ :‬ل أسألك اليوم إل نفسي ‪،‬‬
‫ل أسألك ]اليوم[ )‪ (2‬مريم التي ولدتني‪.‬‬
‫ة { أي ‪ :‬على‬ ‫جاث ِي َ ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وكعب الحبار ‪ ،‬والحسن البصري ‪ } :‬ك ّ‬
‫مةٍ َ‬ ‫لأ ّ‬
‫رمة ‪ } :‬جاثية { متميزة على ناحيتها ‪ (3) ،‬وليس على‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫الركب‪ .‬وقال ِ‬
‫الركب‪ .‬والول أولى‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ‪ ،‬حدثنا سفيان‬
‫بن عيينة ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن عبد الله بن باباه )‪ ، (4‬أن رسول الله ]صلى الله‬
‫عليه وسلم[ )‪ (5‬قال ‪" :‬كأني أراكم جاثين بالكوم دون جهنم" )‪.(6‬‬
‫وقال إسماعيل بن رافع المديني )‪ ، (7‬عن محمد بن كعب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬مرفوعا في حديث الصورة )‪ : (8‬فيتميز الناس وتجثو‬
‫عى إ َِلى ك َِتاب َِها‬ ‫مةٍ ت ُد ْ َ‬ ‫ة كُ ّ ُ‬ ‫المم ‪ ،‬وهي التي يقول الله ‪ } :‬وترى ك ُ ّ ُ‬
‫لأ ّ‬ ‫جاث ِي َ ً‬
‫مةٍ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َََ‬
‫{ )‪.(9‬‬
‫وهذا فيه جمع بين القولين ‪ :‬ول منافاة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫عى إ َِلى ك َِتاب َِها { يعني ‪ :‬كتاب أعمالها ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬ ‫مةٍ ت ُد ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك ُ ّ ُ‬
‫لأ ّ‬
‫داِء { ] الزمر ‪ [ 69 :‬؛ ولهذا قال ‪:‬‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫جيَء ِبالن ّب ِّيي َ‬ ‫ب وَ ِ‬ ‫ضعَ ال ْك َِتا ُ‬ ‫} وَوُ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬تجازون بأعمالكم خيرها وشرها ‪،‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫م تُ ْ‬‫} ال ْي َوْ َ‬
‫ن عََلى ن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫ل الن ْ َ‬ ‫خَر‪ .‬ب َ ِ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ب ِ َ‬
‫ن ي َوْ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫كقوله تعالى ‪ } :‬ي ُن َب ّأ الن ْ َ‬
‫مَعاِذيَره ُ { ] القيامة ‪.[ 15 - 13 :‬‬ ‫قى َ‬ ‫ة‪ .‬وَل َوْ أ َل ْ َ‬ ‫صيَر ٌ‬ ‫بَ ِ‬
‫حقّ { أي ‪ :‬يستحضر )‪ (11‬جميع‬ ‫ْ‬
‫م ِبال َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذا )‪ (10‬ك َِتاب َُنا ي َن ْط ِقُ عَلي ْك ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬هَ َ‬
‫ب فت ََرى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ضعَ الك َِتا ُ‬ ‫أعمالكم من غير زيادة ول نقص )‪ ، (12‬كقوله تعالى ‪ } :‬وَوُ ِ‬
‫ب ل ي َُغادُِر‬ ‫ذا ال ْك َِتا ِ‬
‫ل هَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن َيا وَي ْل َت ََنا َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ِفيهِ وَي َ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دا {‬ ‫ح ً‬ ‫كأ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ضًرا َول ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬‫ها وَوَ َ‬ ‫صا َ‬ ‫ح َ‬ ‫صِغيَرة ً َول ك َِبيَرة ً ِإل أ ْ‬ ‫َ‬
‫] الكهف ‪.[49 :‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إنا كنا نأمر الحفظة أن‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫س ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِّنا ك ُّنا ن َ ْ‬
‫ست َن ْ ِ‬
‫تكتب أعمالكم عليكم‪.‬‬
‫قال ابن عباس وغيره ‪ :‬تكتب الملئكة أعمال العباد ‪ ،‬ثم تصعد بها إلى‬
‫السماء ‪ ،‬فيقابلون الملئكة الذين في ديوان العمال على ما بأيديهم مما قد‬
‫أبرز لهم من اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر ‪ ،‬مما كتبه )‪ (13‬الله في‬
‫القدم على العباد قبل أن يخلقهم ‪ ،‬فل يزيد حرفا ول ينقص حرفا ‪ ،‬ثم قرأ ‪:‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫خ َ‬ ‫س ُ‬ ‫} إ ِّنا ك ُّنا ن َ ْ‬
‫ست َن ْ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬ناصيتها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وقال ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (6‬ورواه أبو نعيم في زوائد زهد ابن المبارك برقم )‪ (360‬وأبو نعيم في‬
‫الحلية )‪ (7/299‬من طريق سفيان بن عيينة به‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬المدني"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬الصور"‪.‬‬
‫)‪ (9‬انظر تفسير حديث الصور عند الية ‪ 73 :‬من سورة النعام‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬ولهذا" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬سيحضر"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في م ‪" :‬نقصان"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في أ ‪" :‬مما قد كتبه"‪.‬‬

‫) ‪(7/271‬‬

‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬


‫فوُْز‬ ‫مت ِهِ ذ َل ِ َ‬‫ح َ‬‫م ِفي َر ْ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫خل ُهُ ْ‬
‫ت فَي ُد ْ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ما ال ّ ِ َ‬‫فَأ ّ‬
‫فروا أ َفَل َم ت َك ُ َ‬ ‫َ‬
‫م وَك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ست َك ْب َْرت ُ ْ‬‫م َفا ْ‬ ‫ن آَياِتي ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ما ال ّ ِ‬‫ن )‪ (30‬وَأ ّ‬ ‫مِبي ُ‬‫ال ْ ُ‬
‫ما‬‫م َ‬ ‫ب ِفيَها قُل ْت ُ ْ‬ ‫ة َل َري ْ َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫حقّ َوال ّ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن )‪ (31‬وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫مي َ‬‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬‫ما ُ‬ ‫قَوْ ً‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫قِني َ‬
‫ست َي ْ ِ‬
‫م ْ‬‫ن بِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن إ ِّل ظ َّنا وَ َ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫ن ن َظ ُ ّ‬ ‫ة إِ ْ‬‫ساعَ ُ‬‫ما ال ّ‬ ‫ن َد ِْري َ‬

‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫فوُْز‬ ‫مت ِهِ ذ َل ِ َ‬‫ح َ‬ ‫م ِفي َر ْ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫خل ُهُ ْ‬
‫ت فَي ُد ْ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫} فَأ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ست َك ْب َْرت ُ ْ‬
‫م َفا ْ‬ ‫ن آَياِتي ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬‫فُروا أفَل َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (30‬وَأ ّ‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ما‬‫م َ‬ ‫ب ِفيَها قُل ْت ُ ْ‬ ‫ة ل َري ْ َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫حقّ َوال ّ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن )‪ (31‬وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ما ُ‬ ‫قَوْ ً‬
‫ن )‪{ (32‬‬ ‫قِني َ‬ ‫ست َي ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن بِ ُ‬‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِإل ظّنا وَ َ‬ ‫ُ‬
‫ن ن َظ ّ‬ ‫ة إِ ْ‬‫ساعَ ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫ن َد ِْري َ‬

‫) ‪(7/272‬‬

‫ل ال ْي َوْ َ‬
‫م‬ ‫ن )‪ (33‬وَِقي َ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫مُلوا وَ َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ُ‬ ‫م َ‬ ‫دا ل َهُ ْ‬ ‫وَب َ َ‬
‫ْ‬
‫ن )‪(34‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م الّناُر وَ َ‬ ‫مأَواك ُ ُ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫قاَء ي َوْ ِ‬ ‫م لِ َ‬‫سيت ُ ْ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ساك ُ ْ‬ ‫ن َن ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫م َل ي ُ ْ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا َفال ْي َوْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ت الل ّهِ هُُزًوا وَغَّرت ْك ُ ُ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫م ات ّ َ‬ ‫م ب ِأن ّك ُ ُ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ت وََر ّ ْ‬ ‫ن )‪ (35‬فَل ِل ّهِ ال ْ َ‬
‫ب‬
‫ض َر ّ‬ ‫ب الْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬‫ب ال ّ‬ ‫مد ُ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ست َعْت َُبو َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫من َْها وََل هُ ْ‬ ‫ِ‬
‫م )‪(37‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫زيُز ال َ‬ ‫ض وَهُوَ العَ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ه الك ِب ْرَِياُء ِفي ال ّ‬ ‫ن )‪ (36‬وَل ُ‬ ‫مي َ‬ ‫الَعال ِ‬
‫ل‬‫ن )‪ (33‬وَِقي َ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫مُلوا وَ َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ُ‬ ‫م َ‬ ‫دا ل َهُ ْ‬ ‫} وَب َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫ص ِ‬‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ْ‬ ‫ُ‬ ‫م الّناُر وَ َ‬ ‫ُ‬
‫مأَواك ُ‬ ‫ذا وَ َ‬‫م هَ َ‬ ‫ُ‬
‫مك ْ‬ ‫قاَء ي َوْ ِ‬‫م لِ َ‬ ‫سيت ُ ْ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫َ‬
‫مك َ‬ ‫ُ‬
‫ساك ْ‬ ‫م ن َن ْ َ‬ ‫ال ْي َوْ َ‬
‫َ‬
‫مل‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا َفال ْي َوْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ت الل ّهِ هُُزًوا وَغَّرت ْك ُ ُ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫م ات ّ َ‬ ‫م ب ِأن ّك ُ ُ‬ ‫)‪ (34‬ذ َل ِك ُ ْ‬
‫ض‬
‫ب الْر ِ‬ ‫ت وََر ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫مد ُ َر ّ‬ ‫ح ْ‬‫ن )‪ (35‬فَل ِل ّهِ ال ْ َ‬ ‫ست َعْت َُبو َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫من َْها َول هُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫م)‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ض وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ه ال ْك ِب ْرَِياُء ِفي السموا ِ‬ ‫ن )‪ (36‬وَل َ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫َر ّ‬
‫‪.{ (37‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫يخبر تعالى عن حكمه في خلقه يوم القيامة ‪ ،‬فقال ‪ } :‬فَأ ّ‬
‫ت { أي ‪ :‬آمنت قلوبهم وعملت جوارحهم العمال الصالحات‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫مت ِهِ { ‪ ،‬وهي‬ ‫ح َ‬ ‫م ِفي َر ْ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫خلهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫)‪ ، (1‬وهي الخالصة الموافقة للشرع ‪ } ،‬فَي ُد ْ ِ‬
‫الجنة ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح أن الله قال للجنة ‪" :‬أنت رحمتي ‪ ،‬أرحم بك‬
‫من أشاء" )‪.(2‬‬
‫ن { أي ‪ :‬البين الواضح‪.‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز ال ُ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫} ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫ست َك ْب َْرت ُ ْ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫ن آَياِتي ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫فُروا أفَل َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا ‪ :‬أما )‪ (3‬قرئت عليكم آيات الرحمن فاستكبرتم‬
‫ن { أي ‪ :‬في‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫م قَوْ ً‬ ‫عن اتباعها ‪ ،‬وأعرضتم عند )‪ (4‬سماعها ‪ } ،‬وَك ُن ْت ُ ْ‬
‫أفعالكم ‪ ،‬مع ما اشتملت عليه قلوبكم من التكذيب ؟‬
‫ب ِفيَها { أي ‪ :‬إذا قال لكم‬ ‫ة ل َري ْ َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫حقّ َوال ّ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫} وَإ َِذا ِقي َ‬
‫ن ِإل‬ ‫ن ن َظ ُ ّ‬ ‫ة { أي ‪ :‬ل نعرفها ‪ } ،‬إ ِ ْ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫ما ن َد ِْري َ‬ ‫م َ‬ ‫المؤمنون ذلك ‪ } ،‬قُل ْت ُ ْ‬
‫ما‬‫ظ َّنا { أي ‪ :‬إن نتوهم وقوعها إل توهما ‪ ،‬أي مرجوحا )‪ (5‬؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ما‬‫ت َ‬ ‫سي َّئا ُ‬ ‫م َ‬ ‫دا ل َهُ ْ‬ ‫ن { أي ‪ :‬بمتحققين ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬وَب َ َ‬ ‫قِني َ‬ ‫ست َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬أحاط‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫ملوا { أي ‪ :‬وظهر لهم عقوبة أعمالهم السيئة ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫عَ ِ‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫ل الي َوْ َ‬ ‫ن { أي ‪ :‬من العذاب والنكال ‪ } ،‬وَِقي َ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫بهم } َ‬
‫قاَء‬‫م لِ َ‬ ‫سيت ُ ْ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬نعاملكم معاملة الناسي لكم في نار جهنم } ك َ‬ ‫ساك ُ ْ‬ ‫ن َن ْ َ‬
‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ُ‬
‫م الّناُر وَ َ‬ ‫مأَواك ُ‬ ‫ذا { أي ‪ :‬فلم تعملوا له لنكم لم تصدقوا به ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫مك ْ‬ ‫ي َوْ ِ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لبعض العبيد يوم القيامة ‪" :‬ألم‬
‫أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الصالحة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (4850‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬لما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬مرجوعا"‪.‬‬

‫) ‪(7/272‬‬

‫ألم أسخر لك الخيل والبل ‪ ،‬وأذرك ترأس وت َْرَبع ؟ فيقول ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا رب‪.‬‬
‫ي ؟ فيقول ‪ :‬ل‪ .‬فيقول الله تعالى ‪ :‬فاليوم أنساك‬ ‫ملق ّ‬ ‫فيقول ‪ :‬أفظننت أنك ُ‬
‫كما نسيتني" )‪.(1‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت اللهِ هُُزًوا { أي ‪ :‬إنما جازيناكم‬‫م آَيا ِ‬‫خذ ْت ُ ْ‬
‫م ات ّ َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬ذ َل ِك ْ‬
‫م ب ِأن ّك ُ‬
‫هذا الجزاء لنكم اتخذتم حجج الله عليكم سخريا ‪ ،‬تسخرون وتستهزئون بها ‪،‬‬
‫حَياةُ الد ّن َْيا { أي ‪ :‬خدعتكم فاطمأننتم إليها ‪ ،‬فأصبحتم من‬ ‫م ال ْ َ‬
‫} وَغَّرت ْك ُ ُ‬
‫م‬‫من َْها { أي ‪ :‬من النار } َول هُ ْ‬
‫ن ِ‬‫جو َ‬‫خَر ُ‬
‫م ل يُ ْ‬ ‫الخاسرين ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬فال ْي َوْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يطلب منهم العتبى ‪ ،‬بل يعذبون بغير حساب ول عتاب ‪،‬‬ ‫ست َعْت َُبو َ‬
‫يُ ْ‬
‫كما تدخل طائفة من المؤمنين الجنة بغير عذاب ول حساب‪.‬‬
‫ت‬
‫ب السموا ِ‬ ‫مد ُ َر ّ‬‫ح ْ‬‫ثم لما ذكر حكمه في المؤمنين والكافرين قال ‪ } :‬فَل ِل ّهِ ال ْ َ‬
‫ن {‪.‬‬
‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫ض { أي ‪ :‬المالك لهما وما فيهما ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬ر ّ‬ ‫ب الْر ِ‬ ‫وََر ّ‬
‫ض { قال مجاهد ‪ :‬يعني‬ ‫ت َوالْر ِ‬‫ه ال ْك ِب ْرَِياُء ِفي السموا ِ‬
‫ثم قال ‪ } :‬وَل َ ُ‬
‫السلطان‪ .‬أي ‪ :‬هو العظيم الممجد ‪ ،‬الذي كل شيء خاضع لديه فقير إليه‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث الصحيح ‪" :‬يقول الله تعالى )‪ (2‬العظمة إزاري‬
‫دا منهما أسكنته ناري"‪ .‬ورواه مسلم من‬ ‫والكبرياء ردائي ‪ ،‬فمن نازعني واح ً‬
‫حديث العمش ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن الغر أبي مسلم ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫وأبي سعيد ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫بنحوه )‪.(3‬‬
‫زيُز { أي ‪ :‬الذي ل يغالب ول يمانع ‪ } ،‬الحكيم { في‬ ‫ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ العَ ِ‬
‫أقواله وأفعاله ‪ ،‬وشرعه وقدره ‪ ،‬تعالى وتقدس ‪ ،‬ل إله إل هو )‪.(4‬‬
‫آخر تفسير سورة الجاثية ]ولله الحمد والمنة[ )‪(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪ (2968‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أن الله تعالى يقول"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(2620‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ل إله غيره ول رب سواه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/273‬‬

‫َ‬
‫ت َواْلْر َ‬
‫ض‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫كيم ِ )‪َ (2‬‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ ال ْعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫زي ُ‬ ‫حم )‪ (1‬ت َن ْ ِ‬
‫ن )‪ (3‬قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ما أن ْذُِروا ُ‬ ‫فُروا عَ ّ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مى َوال ِ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬
‫ج ٍ‬ ‫حقّ وَأ َ‬ ‫ما إ ِل ِبال َ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ٌ‬
‫شْرك ِفي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ماَذا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫م لهُ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫قوا ِ‬ ‫خل ُ‬ ‫ن اللهِ أُروِني َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫أَرأي ْت ُ ْ‬
‫السماوات ائ ْتوِني بكتاب من قَبل هَ َ َ َ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذا أوْ أَثاَرةٍ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ِ َِ ٍ ِ ْ ْ ِ‬ ‫ّ َ َ ِ ُ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ض ّ‬ ‫وم َ‬
‫مةِ وَهُ ْ‬ ‫قَيا َ‬‫ه إ ِلى ي َوْم ِ ال ِ‬ ‫بل ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫ُ‬
‫م غافِلو َ‬ ‫َ‬ ‫عائ ِهِ ْ‬ ‫ن دُ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫تفسير سورة الحقاف‬
‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ت‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫ما َ‬‫كيم ِ )‪َ (2‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫زيزِ ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن ال َلهِ العَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫} حم )‪َ (1‬تنزي ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ما أن ْذُِروا ُ‬ ‫فُروا عَ ّ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫مى َوال ِ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫حقّ وَأ َ‬ ‫ما ِإل ِبال َ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫َوالْر َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ماَذا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫)‪ (3‬قُ ْ‬
‫م لهُ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫قوا ِ‬ ‫خل ُ‬ ‫ن اللهِ أُروِني َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا أوْ أَثاَرةٍ ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ت ا ِئ ُْتوِني ب ِك َِتا ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫شْر ٌ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫جي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫عو‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪4‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫د‬ ‫صا‬
‫َ ْ ِ‬ ‫َ ْ َ ِ ُ ُ ِ‬ ‫ِ َ ْ‬ ‫ِ ّ ْ َ ْ ُ ِ ْ ُ ِ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ ِ ِ َ‬
‫ن )‪{ (5‬‬ ‫َ‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫غا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ئ‬
‫ْ ُ ِِ ْ‬ ‫عا‬
‫َ‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬‫مةِ َ ُ ْ‬
‫ه‬ ‫و‬ ‫ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬

‫) ‪(7/274‬‬

‫م َ‬ ‫داًء وَ َ‬ ‫كانوا ل َه َ‬
‫ن )‪(6‬‬
‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫كاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬ ‫م أعْ َ‬
‫ُ ْ‬ ‫س َ ُ‬
‫شَر الّنا ُ‬ ‫وَإ َِذا ُ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫داًء وَ َ‬ ‫كانوا ل َه َ‬
‫ن )‪.{ (6‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫كاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫س َ ُ‬ ‫شَر الّنا ُ‬ ‫ح ِ‬‫} وَإ َِذا ُ‬
‫يخبر تعالى أنه نزل الكتاب على عبده ورسوله محمد ‪ ،‬صلوات الله وسلمه‬
‫عليه دائما إلى يوم الدين ‪ ،‬ووصف نفسه بالعزة التي ل ترام ‪ ،‬والحكمة في‬
‫ما ِإل‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫القوال والفعال ‪ ،‬ثم قال ‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫مى { أي ‪ :‬إلى مدة‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬‫ل ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫حقّ { أي ‪ :‬ل على وجه العبث والباطل ‪ } ،‬وَأ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫معينة مضروبة ل تزيد ول تنقص‪.‬‬
‫ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬لهون )‪ (1‬عما يراد‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ما أن ْذُِروا ُ‬ ‫فُروا عَ ّ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫قوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫بهم ‪ ،‬وقد أنزل إليهم كتابا وأرسل إليهم رسول ‪ ،‬وهم معرضون عن ذلك كله‬
‫ب ذلك‪.‬‬ ‫‪ ،‬أي ‪ :‬وسيعلمون غ ّ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬قُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ل { أي ‪ :‬لهؤلء المشركين العابدين مع الله غيره ‪ } :‬أَرأي ْت ُ ْ‬
‫ض { أي ‪ :‬أرشدوني إلى‬ ‫َ‬ ‫ماَذا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الْر ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫قوا ِ‬ ‫خل ُ‬ ‫ن اللهِ أُروِني َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬‫عو َ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫ت { أي‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬‫شْرك ِفي ال ّ‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫م لهُ ْ‬ ‫المكان الذي استقلوا بخلقه من الرض ‪ } ،‬أ ْ‬
‫‪ :‬ول شرك لهم في السموات ول في الرض ‪ ،‬وما يملكون من قطمير ‪ ،‬إن‬
‫مْلك والتصّرف كله إل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فكيف تعبدون معه غيره ‪،‬‬ ‫ال ُ‬
‫وتشركون به ؟ من أرشدكم إلى هذا ؟ من دعاكم إليه ؟ أهو أمركم به ؟ أم‬
‫ن قَب ْ ِ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫هو شيء اقترحتموه من عند أنفسكم ؟ ولهذا قال ‪ } :‬ا ِئ ُْتوِني ب ِك َِتا ٍ‬
‫ذا { أي ‪ :‬هاتوا كتابا من كتب الله المنزلة على النبياء )‪ ، (2‬عليهم الصلة‬ ‫هَ َ‬
‫عل ْم ٍ { أي ‪ :‬دليل ب َّين‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫والسلم ‪ ،‬يأمركم بعبادة هذه الصنام ‪ } ،‬أوْ أَثاَرةٍ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل دليل لكم‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫على هذا المسلك الذي سلكتموه } إ ِ ْ‬
‫نقلًيا ول عقليا على ذلك ؛ ولهذا قرأ آخرون ‪" :‬أو أث ََرة من علم" أي ‪ :‬أو علم‬
‫َ َ‬
‫صحيح يأثرونه عن أحد ممن قبلهم ‪ ،‬كما قال مجاهد في قوله ‪ } :‬أوْ أَثاَر ٍ‬
‫ة‬
‫عل ْم ٍ { أو أحد يأُثر علما‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬لهين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬هاتوا كتابا من الكتب المنزلة على أنبيائهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/274‬‬

‫ن‬
‫مِبي ٌ‬‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ذا ِ‬‫م هَ َ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حقّ ل َ ّ‬ ‫فُروا ل ِل ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫م آ ََيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬
‫وَإ َِذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شي ًْئا هُوَ أعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِلي ِ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬‫ه فََل ت َ ْ‬ ‫ن افْت ََري ْت ُ ُ‬ ‫ل إِ ِ‬ ‫ن افْت ََراه ُ قُ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫)‪ (7‬أ ْ‬
‫ما‬ ‫ل َ‬‫م )‪ (8‬قُ ْ‬ ‫حي ُ‬‫فوُر الّر ِ‬ ‫م وَهُوَ ال ْغَ ُ‬ ‫دا ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫شِهي ً‬ ‫فى ب ِهِ َ‬ ‫ن ِفيهِ ك َ َ‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬ ‫ما ت ُ ِ‬‫بِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حى إ ِل َ ّ‬
‫ي‬ ‫ما ُيو َ‬‫ن أت ّب ِعُ إ ِّل َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل ِبي وََل ب ِك ُ ْ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ما أد ِْري َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ت ب ِد ْ ً‬ ‫ك ُن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫ما أَنا إ ِّل ن َ ِ‬ ‫وَ َ‬

‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أو بينة من المر‪.‬‬ ‫وقال العَ ْ‬


‫وقال )‪ (1‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬حدثنا صفوان بن )‪(2‬‬
‫سَليم ‪ ،‬عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن ابن عباس قال سفيان ‪ :‬ل أعلم‬ ‫ُ‬
‫إل عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أو أث ََرة من علم" قال ‪" :‬الخط" )‪.(3‬‬
‫َ َ‬
‫وقال أبو بكر بن عياش ‪ :‬أو بقية من علم‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ } :‬أوْ أَثاَر ٍ‬
‫ة‬
‫{ شيء يستخرجه فيثيره‪.‬‬
‫عل ْم ٍ {‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِ‬ ‫وقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وأبو بكر بن عياش أيضا ‪ } :‬أوْ أَثاَرةٍ ِ‬
‫م ْ‬
‫يعني الخط‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫علم ٍ { خاصة من علم‪.‬‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬‫وقال قتادة ‪ } :‬أوْ أَثاَرةٍ ِ‬
‫وكل هذه القوال متقاربة ‪ ،‬وهي راجعة إلى ما قلناه ‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير‬
‫رحمه الله وأكرمه ‪ ،‬وأحسن مثواه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ض ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وم َ‬
‫ه إ ِلى ي َوْم ِ‬ ‫بل ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل أضل ممن يدعو أصناما ‪ ،‬ويطلب‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫غا‬ ‫م‬‫م عَ ْ ُ َ ِ ِ ْ‬
‫ه‬ ‫ئ‬ ‫عا‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫مةِ وَهُ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫منها ما ل تستطيعه إلى يوم القيامة ‪ ،‬وهي غافلة عما يقول ‪ ،‬ل تسمع ول‬
‫م‪.‬‬ ‫ص ّ‬ ‫جارة ُ‬ ‫تبصر ول تبطش ؛ لنها جماد ح َ‬
‫م َ‬ ‫داًء وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫كاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫كاُنوا لهُ ْ‬ ‫شَر الّنا ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ َِذا ُ‬
‫ن‬
‫فُرو َ‬ ‫سي َك ْ ُ‬ ‫كل َ‬ ‫عّزا َ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫كوُنوا لهُ ْ‬ ‫ة ل ِي َ ُ‬ ‫ن اللهِ آل ِهَ ً‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫كقوله تعالى ‪َ } :‬وات ّ َ‬
‫دا { ]مريم ‪ [82 ، 81 :‬أي ‪ :‬سيخونونهم )‪(4‬‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كوُنو َ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬
‫َ‬
‫ن اللهِ أوَْثاًنا‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫أحوج ما يكونون إليهم ‪ ،‬وقال الخليل ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ض وَي َلعَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ث ُ ّ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫موَد ّة َ ب َي ْن ِك ُ ْ‬
‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ْ‬ ‫فُر ب َعْ ُ‬ ‫مةِ ي َك ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ي َوْ َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ن { ]العنكبوت ‪.[25 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ما لك ْ‬ ‫َ‬ ‫م الّناُر وَ َ‬ ‫ُ‬
‫مأَواك ُ‬ ‫ضا وَ َ‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ُ‬
‫ضك ْ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫حٌر‬ ‫س ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م هَ َ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حقّ ل ّ‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ل ِل َ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫َ‬
‫} وَإ َِذا ت ُت ْلى عَلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫شي ْئا هُ َ‬ ‫ً‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِلي ِ‬ ‫ُ‬
‫مل ِكو َ‬ ‫ه فل ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن افت ََري ْت ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل إِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن افت ََراه ُ ق ْ‬ ‫ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن )‪ (7‬أ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ُ‬
‫م )‪ (8‬قُلْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫فى ب ِهِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫م وَهُوَ الغَ ُ‬ ‫دا ب َي ِْني وَب َي ْن َك ْ‬ ‫شِهي ً‬ ‫ن ِفيهِ ك َ‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫أعْل ُ‬
‫ل بي ول بك ُم إ َ‬ ‫َ‬
‫حى‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ن أت ّب ِعُ ِإل َ‬ ‫َ ِ ْ ِ ْ‬ ‫فعَ ُ ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ما أد ِْري َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ت ب ِد ْ ً‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪.{ (9‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إِ ّ َ َ َ ِ َ ِ ٌ ُ ِ ٌ‬
‫بي‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ذي‬ ‫ن‬ ‫إل‬ ‫نا‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ل‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المشركين في كفرهم وعنادهم ‪ :‬أنهم إذا تتلى عليهم‬
‫آيات الله بينات ‪ ،‬أي ‪ :‬في حال بيانها ووضوحها وجلئها ‪ ،‬يقولون ‪ } :‬هَ َ‬
‫ذا‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ضّلوا وكفروا } أ ْ‬ ‫ذبوا وافتروا و َ‬ ‫ن { أي ‪ :‬سحر واضح ‪ ،‬وقد ك َ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ِ‬
‫ن افْت ََراهُ { يعنون ‪ :‬محمدا صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال الله ]تعالى[ )‪(5‬‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫شي ًْئا { أي ‪ :‬لو كذبت عليه وزعمت‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِلي ِ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ه َفل ت َ ْ‬ ‫ن افْت ََري ْت ُ ُ‬ ‫ل إِ ِ‬ ‫} قُ ْ‬
‫أنه أرسلني ‪ -‬وليس كذلك ‪ -‬لعاقبني أشد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬عن" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(1/226‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬سيجدونهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/275‬‬

‫قدْر أحد من أهل الرض ‪ ،‬ل أنتم ول غيركم أن يجيرني منه ‪،‬‬ ‫العقوبة ‪ ،‬ولم ي َ ْ‬
‫دا ِإل َبل ً‬
‫غا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫كقوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ح ً‬ ‫ملت َ َ‬ ‫ن ُدون ِهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جد َ ِ‬ ‫نأ ِ‬ ‫حد ٌ وَل ْ‬ ‫ن اللهِ أ َ‬ ‫م َ‬ ‫جيَرِني ِ‬ ‫ن يُ ِ‬
‫ل إ ِّني ل ْ‬
‫َ‬
‫ل عَلي َْنا‬ ‫قو ّ َ‬ ‫َ‬
‫سالت ِهِ { ]الجن ‪ ، [23 ، 22 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَلوْ ت َ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حد ٍ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن‪ .‬فَ َ‬‫ه الوَِتي َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫قطعَْنا ِ‬ ‫مل َ‬ ‫ن‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫مي ِ‬ ‫ه ِبالي َ ِ‬ ‫خذ َْنا ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ل‪ .‬ل َ‬ ‫ض الَقاِوي ِ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫ه َفل‬ ‫ن افْت ََري ْت ُ ُ‬ ‫ل إِ ِ‬ ‫ن { ]الحاقة ‪ [47 - 44 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬قُ ْ‬ ‫زي َ‬‫ج ِ‬
‫حا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫دا ب َي ِْني‬ ‫شِهي ً‬ ‫فى ب ِهِ َ‬ ‫ن ِفيهِ ك َ‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫شي ًْئا هُوَ أعْل ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِلي ِ‬ ‫مل ِكو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫م { ‪ ،‬هذا تهديد لهم ‪ ،‬ووعيد أكيد ‪ ،‬وترهيب شديد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وَب َي ْن َك ْ‬
‫م { ترغيب لهم إلى التوبة والنابة ‪ ،‬أي ‪ :‬ومع‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ الغَ ُ‬
‫هذا كله إن رجعتم وتبتم ‪ ،‬تاب عليكم وعفا عنكم ‪ ،‬وغفر ]لكم[ )‪ (1‬ورحم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن اك ْت َت َب ََها فَهِ َ‬
‫ي‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫وهذه الية كقوله في سورة الفرقان ‪ } :‬وََقاُلوا أ َ‬
‫تمَلى عَل َيه بك ْرة ً وأ َصيل‪ .‬قُ ْ َ‬
‫ه‬
‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫سّر ِفي ال ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ذي ي َعْل َ ُ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ل أنزل َ ُ‬ ‫ْ ِ ُ َ َ ِ‬ ‫ُ ْ‬
‫ما { ]الفرقان ‪.[6 ، 5 :‬‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫كا َ‬‫َ‬
‫ل { أي ‪ :‬لست بأول رسول طرق‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ت ب ِد ْ ً‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬‫ل َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫العالم ‪ ،‬بل قد جاءت الرسل من قبلي ‪ ،‬فما أنا بالمر الذي ل نظير له حتى‬
‫تستنكروني وتستبعدوا )‪ (2‬بعثتي إليكم ‪ ،‬فإنه قد أرسل الله قبلي جميع‬
‫النبياء إلى المم‪.‬‬
‫ل { ما أنا‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ت ب ِد ْ ً‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ } :‬قُ ْ‬
‫بأول رسول‪ .‬ولم يحك ابن جرير ول ابن أبي حاتم غير ذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫م { قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن‬ ‫ل ِبي َول ب ِك ُ ْ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ما أد ِْري َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫خَر‬ ‫َ‬ ‫ن ذ َن ْب ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫فَر ل َ‬
‫ما ت َأ ّ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قد ّ َ‬‫ما ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫عباس في هذه الية ‪ :‬نزل بعدها } ل ِي َغْ ِ‬
‫{ ]الفتح ‪ .[2 :‬وهكذا قال عكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬إنها منسوخة بقوله ‪:‬‬
‫َ‬
‫خَر { ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ولما نزلت هذه الية‬ ‫ما ت َأ ّ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن ذ َن ْب ِ َ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫فَر ل َ َ‬ ‫} ل ِي َغْ ِ‬
‫قال رجل من المسلمين ‪ :‬هذا قد بين الله ما هو فاعل بك يا رسول الله ‪،‬‬
‫ت { ]الفتح‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫فما هو فاعل بنا ؟ فأنزل الله ‪ } :‬ل ِي ُد ْ ِ‬
‫‪.[5 :‬‬
‫هكذا قال ‪ ،‬والذي هو ثابت في الصحيح أن المؤمنين قالوا ‪ :‬هنيئا لك يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬فما لنا ؟ فأنزل الله هذه الية‪.‬‬
‫م { ‪ :‬ما أدري بماذا أومر ‪،‬‬ ‫ل ِبي َول ب ِك ُْ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ما أد ِْري َ‬ ‫وقال الضحاك ‪ } :‬وَ َ‬
‫وبماذا أنهى بعد هذا ؟‬
‫فعَ ُ‬
‫ل‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ما أد ِْري َ‬ ‫ي ‪ ،‬عن الحسن البصري في قوله ‪ } :‬وَ َ‬ ‫وقال أبو بكر الهذل ِ ّ‬
‫م { قال ‪ :‬أما في الخرة فمعاذ الله ‪ ،‬قد علم أنه في الجنة ‪ ،‬ولكن‬ ‫ِبي َول ب ِك ُ ْ‬
‫قال ‪ :‬ل أدري ما يفعل بي ول بكم في الدنيا ‪ ،‬أخرج كما أخرجت النبياء ]من[‬
‫)‪ (3‬قبلي ؟ أم أقتل كما قتلت النبياء من قبلي ؟ ول أدري أيخسف بكم أو‬
‫ُترمون بالحجارة ؟‬
‫ول عليه ابن جرير ‪ ،‬وأنه ل يجوز غيره ‪ ،‬ول شك أن‬ ‫وهذا القول هو الذي عَ ّ‬
‫هذا هو اللئق به ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬فإنه بالنسبة إلى الخرة جازم‬
‫أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه ‪ ،‬وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يُئول إليه‬
‫أمره وأمر مشركي قريش إلى ماذا ‪ :‬أيؤمنون أم يكفرون ‪ ،‬فيعذبون‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬وتستبعدون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/276‬‬

‫ل عََلى‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫شهِد َ َ‬ ‫م ب ِهِ وَ َ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ وَك َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قُ ْ َ َ‬
‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫ل ال ّ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه َل ي َهْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (10‬وََقا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ست َك ْب َْرت ُ ْ‬‫ن َوا ْ‬ ‫م َ‬ ‫مث ْل ِهِ فَآ َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫قولو َ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫دوا ب ِهِ فَ َ‬ ‫م ي َهْت َ ُ‬ ‫قوَنا إ ِلي ْهِ وَإ ِذ ْ ل ْ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫خي ًْرا َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنوا لوْ كا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فُروا ل ِل ِ‬ ‫ك َ‬
‫ق‬
‫صد ّ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ك َِتا ٌ‬ ‫ة وَهَ َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ما وََر ْ‬ ‫ما ً‬
‫سى إ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م )‪ (11‬وَ ِ‬ ‫دي ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ذا إ ِفْك قَ ِ‬ ‫هَ َ‬
‫ن َقالوا َرب َّنا‬ ‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ن )‪ (12‬إ ِ ّ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫شَرى ل ِل ُ‬ ‫موا وَب ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ساًنا عََرب ِّيا ل ِي ُن ْذَِر ال ِ‬ ‫لِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫جن ّ ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (13‬أولئ ِك أ ْ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل هُ ْ‬ ‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫موا فَل َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫الل ّ ُ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫فيستأصلون بكفرهم )‪ (1‬؟ فأما الحديث الذي رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت ‪ ،‬عن‬
‫أم العلء ‪ -‬وهي امرأة من نسائهم ‪ -‬أخبرته ‪ -‬وكانت بايعت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬قالت ‪ :‬طار لهم في السكنى حين اقترعت النصار على‬
‫ن بن مظعون‪ .‬فاشتكى عثمان عندنا َفمّرضناه ‪ ،‬حتى‬ ‫سكنى المهاجرين عثما ُ‬
‫إذا توفي أد َْرجناه في أثوابه ‪ ،‬فدخل علينا رسول الله فقلت ‪ :‬رحمة الله‬
‫عليك أبا السائب ‪ ،‬شهادتي عليك ‪ ،‬لقد أكرمك الله‪ .‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬وما يدريك أن الله أكرمه ؟" فقلت ‪ :‬ل أدري بأبي أنت‬
‫وأمي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أما هو فقد جاءه )‪(2‬‬
‫اليقين من ربه ‪ ،‬وإني لرجو له الخير ‪ ،‬والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل‬
‫بي!" قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬والله ل أزكي أحدا بعده أبدا‪ .‬وأحزنني ذلك ‪ ،‬فنمت‬
‫فرأيت لعثمان عينا تجري ‪ ،‬فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فأخبرته بذلك ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ذاك )‪ (3‬عمله"‪.‬‬
‫فقد انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم )‪ ، (4‬وفي لفظ له ‪" :‬ما أدري وأنا‬
‫رسول الله ما يفعل به" )‪ .(5‬وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ ‪ ،‬بدليل قولها‬
‫‪" :‬فأحزنني ذلك"‪ .‬وفي هذا وأمثاله دللة على أنه ل يقطع لمعين بالجنة إل‬
‫الذي )‪ (6‬نص الشارع على تعيينهم ‪ ،‬كالعشرة ‪ ،‬وابن سلم ‪ ،‬والُغميصاء ‪،‬‬
‫وبلل ‪ ،‬وسراقة ‪ ،‬وعبد الله بن عمرو بن حرام والد )‪ (7‬جابر ‪ ،‬والقراء‬
‫السبعين الذين قتلوا ببئر معونة ‪ ،‬وزيد بن حارثة ‪ ،‬وجعفر ‪ ،‬وابن رواحة ‪ ،‬وما‬
‫أشبه هؤلء‪.‬‬
‫ي من‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي { أي ‪ :‬إنما أتبع ما ينزله الله عل ّ‬ ‫حى إ ِل ّ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ن أت ّب ِعُ ِإل َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ذارة ‪ ،‬وأمري )‪ (8‬ظاهر لكل‬ ‫ن { أي ‪ :‬بين الن ّ َ‬ ‫َ‬
‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫ما أَنا ِإل ن َ ِ‬ ‫الوحي ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ذي لب وعقل‪.‬‬
‫سَراِئي َ‬
‫ل‬ ‫شهِد َ َ‬ ‫م ب ِهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫} قُ ْ َ َ‬
‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫عن ْدِ اللهِ وَك َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫ن )‪ (10‬وََقا َ‬
‫ل‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫م ال ّ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ست َك ْب َْرت ُ ْ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫م َ‬ ‫مث ْل ِهِ َفآ َ‬ ‫عََلى ِ‬
‫ه‬
‫دوا ب ِ ِ‬ ‫م ي َهْت َ ُ‬ ‫قوَنا إ ِل َي ْهِ وَإ ِذ ْ ل َ ْ‬ ‫سب َ ُ‬
‫ما َ‬ ‫خي ًْرا َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫مُنوا ل َوْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فُروا ل ِل ّ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ة وَهَ َ‬
‫ذا‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬‫ما وََر ْ‬ ‫ما ً‬ ‫سى إ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م )‪ (11‬وَ ِ‬ ‫دي ٌ‬ ‫ك قَ ِ‬ ‫ذا إ ِفْ ٌ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ن‬
‫ن )‪ (12‬إ ِ ّ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شَرى ل ِل ْ ُ‬ ‫موا وَب ُ ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ساًنا عََرب ِّيا ل ِي ُن ْذَِر ال ّ ِ‬ ‫صد ّقٌ ل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ك َِتا ٌ‬
‫ُ‬
‫ن )‪ (13‬أول َئ ِكَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫موا فل َ‬ ‫َ‬ ‫قا ُ‬‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ُ‬
‫هث ّ‬ ‫ن قالوا َرب َّنا الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (14‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫جن ّةِ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫م‬ ‫َ َ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل { يا محمد لهؤلء المشركين الكافرين بالقرآن ‪ } :‬أَرأي ْت ُ ْ‬
‫م ب ِهِ { أي ‪ :‬ما ظنكم أن الله‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ وَك َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن { هذا القرآن } ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫إِ ْ‬
‫صانع بكم إن كان هذا الكتاب الذي جئتكم به قد أنزله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كغيرهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬جاءه والله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (6/436‬وصحيح البخاري برقم )‪.(1243‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(2687‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬الذين"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬أرى"‪.‬‬

‫) ‪(7/277‬‬
‫ل‬‫سَراِئي َ‬ ‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫شهِد َ َ‬ ‫فرتم به وكذبتموه ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫ي لبلغكموه ‪ ،‬وقد ك َ َ‬ ‫عل ّ‬
‫مث ْل ِهِ { أي ‪ :‬وقد شهدت بصدقه وصحته الكتب المتقدمة المنزلة على‬ ‫ِ‬ ‫لى‬ ‫عَ َ‬
‫النبياء قبلي ‪ ،‬بشرت به وأخبرت بمثل ما أخبر هذا القرآن به‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬هذا الذي شهد بصدقه من بني إسرائيل لمعرفته‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فآ َ‬
‫م { أنتم ‪ :‬عن اتباعه‪.‬‬ ‫ست َك ْب َْرت ُ ْ‬ ‫بحقيته } َوا ْ‬
‫وقال مسروق ‪ :‬فآمن هذا الشاهد بنبيه وكتابه ‪ ،‬وكفرتم أنتم بنبيكم وكتابكم‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫وهذا الشاهد اسم جنس يعم عبد الله بن سلم وغير ‪ ،‬ه فإن هذه الية مكية‬
‫م َقاُلوا‬ ‫نزلت قبل إسلم عبد الله بن سلم‪ .‬وهذه كقوله ‪ } :‬وَإ َِذا ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫ن { ]القصص ‪ ، [53 :‬وقال ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َرب َّنا إ ِّنا ك ُّنا ِ‬ ‫م ْ‬‫حق ّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫مّنا ب ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫دا‬
‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن ِللذ َْقا ِ‬ ‫خّرو َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ إ َِذا ي ُت ْلى عَلي ْهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أوُتوا العِل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫فُعول { ]السراء ‪.[108 ، 107 :‬‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن وَعْد ُ َرب َّنا ل َ‬ ‫َ‬
‫ن كا َ‬ ‫ن َرب َّنا إ ِ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ن ُ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫قال مسروق ‪ ،‬والشعبي ‪ :‬ليس بعبد الله بن سلم ‪ ،‬هذه الية مكية ‪ ،‬وإسلم‬
‫عبد الله بن سلم كان بالمدينة‪ .‬رواه عنهما ابن جرير وابن أبي حاتم ‪،‬‬
‫واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫ضر ‪ ،‬عن عامر بن سعد )‪ ، (1‬عن أبيه قال ‪ :‬ما‬ ‫وقال مالك ‪ ،‬عن أبي الن ّ ْ‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحد يمشي على وجه الرض‬
‫شهِد َ‬ ‫‪" :‬إنه من أهل الجنة" ‪ ،‬إل لعبد الله بن سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬وفيه نزلت ‪ } :‬وَ َ‬
‫مث ْل ِهِ {‬ ‫ل عََلى ِ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫َ‬
‫رواه البخاري ومسلم والنسائي ‪ ،‬من حديث مالك ‪ ،‬به )‪ .(2‬وكذا قال ابن‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ويوسف بن عبد الله بن‬
‫دي ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬ومالك بن أنس ‪ ،‬وابن زيد ؛‬ ‫س ّ‬ ‫ساف ‪ ،‬وال ّ‬ ‫سلم ‪ ،‬وهلل بن ي َ َ‬
‫أنهم كلهم قالوا ‪ :‬إنه عبد الله بن سلم‪.‬‬
‫َ‬
‫قوَنا إ ِلي ْهِ {‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫خي ًْرا َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا لوْ كا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فُروا ل ِل ّ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وََقا َ‬
‫أي ‪ :‬قالوا عن المؤمنين بالقرآن ‪ :‬لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلء إليه )‬
‫صَهيبا وخبابا وأشباههم وأقرانهم )‪ (4‬من‬ ‫‪ .(3‬يعنون بلل وعمارا و ُ‬
‫المستضعفين والعبيد والماء ‪ ،‬وما ذاك إل لنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم‬
‫عند الله وجاهة وله بهم عناية‪ .‬وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا ‪ ،‬وأخطئوا‬
‫ن‬‫م ّ‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫قوُلوا أ َهَ ُ‬ ‫ض ل ِي َ ُ‬
‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ك فَت َّنا ب َعْ َ‬ ‫خطأ بينا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ن ب َي ْن َِنا { ]النعام ‪ [53 :‬أي ‪ :‬يتعجبون ‪ :‬كيف اهتدى هؤلء دوننا ؛‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫قوَنا إ ِل َي ْهِ { وأما أهل السنة )‪ (5‬والجماعة‬ ‫سب َ ُ‬
‫ما َ‬ ‫خي ًْرا َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ولهذا قالوا ‪ } :‬ل َوْ َ‬
‫فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة ‪ :‬هو بدعة ؛ لنه لو كان‬
‫خيرا لسبقونا إليه ‪ ،‬لنهم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (3812‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2483‬والنسائي‬
‫في السنن الكبرى برقم )‪.(8252‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ما سبقونا إليه هؤلء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وأضرابهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعني المؤمنين ‪ ،‬وأما أهل السنة"‪.‬‬

‫) ‪(7/278‬‬
‫لم يتركوا خصلة من خصال الخير إل وقد بادروا إليها )‪.(1‬‬
‫ذا إ ِفك { أي ‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫دوا ب ِهِ { أي ‪ :‬بالقرآن } فَ َ‬
‫سي َ ُ‬ ‫م ي َهْت َ ُ‬‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِذ ْ ل َ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬مأثور عن القدمين ‪ ،‬فينتقصون القرآن وأهله ‪ ،‬وهذا هو‬ ‫دي ٌ‬‫كذب } قَ ِ‬
‫مط‬‫الكبر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬بطر )‪ (2‬الحق ‪ ،‬وغَ ْ‬
‫الناس" )‪.(3‬‬
‫ة وَهَ َ‬
‫ذا‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ما وََر ْ‬ ‫ما ً‬ ‫سى { وهو التوراة } إ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ساًنا عََرب ِّيا {‬ ‫صد ّقٌ { أي ‪ :‬لما قبله من الكتب } ل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب { يعني ‪ :‬القرآن } ُ‬ ‫ك َِتا ٌ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫شَرى ل ِل ُ‬ ‫موا وَب ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫أي ‪ :‬فصيحا بينا واضحا ‪ } ،‬ل ِي ُن ْذَِر ال ِ‬
‫مشتمل على الّنذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين‪.‬‬
‫موا { تقدم تفسيرها في سورة‬ ‫قا ُ‬‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫"حم ‪ ،‬السجدة"‪(4) .‬‬
‫ن { على‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م { أي ‪ :‬فيما يستقبلون ‪َ } ،‬ول هُ ْ‬ ‫َ‬
‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فل َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬ ‫جن ّةِ َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ما خلفوا ‪ } ،‬أولئ ِك أ ْ‬
‫سُبوغها )‪ (5‬عليهم‪.‬‬ ‫العمال سبب لنيل الرحمة لهم و ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬إليه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الكبر بطر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (91‬من حديث عبد الله بن مسعود ‪،‬‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬راجع تفسير هذه الية عند الية ‪ 30 :‬من سورة السجدة‪.‬‬
‫)‪ (5‬وشيوعها"‪.‬‬

‫) ‪(7/279‬‬

‫ووصينا اْلنسان بوال ِديه إحسانا حمل َت ُ‬


‫صال ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وَفِ َ‬ ‫مل ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ه ك ُْر ً‬‫ضعَت ْ ُ‬ ‫ها وَوَ َ‬ ‫ه ك ُْر ً‬ ‫م ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ِْ َ َ ِ َ َ ْ ِ ِ ْ َ ً َ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ّ َْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شكَرُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ب أوْزِعِْني أ ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ن َ‬ ‫شد ّه ُ وَب َلغَ أْرب َِعي َ‬ ‫حّتى إ َِذا ب َلغَ أ ُ‬ ‫شهًْرا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ث ََلُثو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ِلي ِفي‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫ضاه ُ وَأ ْ‬ ‫حا ت َْر َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫ي وَعََلى َوال ِد َيّ وَأ ْ‬ ‫ت عَل َ ّ‬ ‫م َ‬‫ك ال ِّتي أن ْعَ ْ‬ ‫مت َ َ‬
‫ن ِعْ َ‬
‫قب ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫ن ن َت َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (15‬أولئ ِك ال ِ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ت إ ِلي ْك وَإ ِّني ِ‬ ‫ذ ُّري ِّتي إ ِّني ت ُب ْ ُ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي‬‫ق ال ِ‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫جن ّةِ وَعْد َ ال ّ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫م ِفي أ ْ‬ ‫َ‬
‫سي ّئات ِهِ ْ‬‫ن َ‬ ‫مُلوا وَن ََتجاوَُز عَ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ن َ‬‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ُيوعَ ُ‬ ‫َ‬
‫} ووصينا النسان بوال ِديه إحسانا حمل َت ُ‬
‫مل ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ْ‬
‫ها وَ َ‬ ‫ه ك ُْر ً‬ ‫ضعَت ْ ُ‬ ‫ها وَوَ َ‬ ‫ه ك ُْر ً‬ ‫م ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ْ َ َ ِ َ َْ ِ ِ ْ َ ً َ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ّ َْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ب أوْزِعِْني أ ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫سن َ ً‬‫ن َ‬ ‫شد ّه ُ وَب َلغَ أْرب َِعي َ‬ ‫حّتى إ َِذا ب َلغَ أ ُ‬ ‫شهًْرا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه َثلُثو َ‬ ‫صال ُ ُ‬‫وَفِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أَ ْ‬
‫ح‬
‫صل ِ ْ‬
‫ضاهُ وَأ ْ‬ ‫حا ت َْر َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫ي وَعَلى َوال ِد َيّ وَأ ْ‬ ‫ت عَل ّ‬ ‫م َ‬ ‫مت َك الِتي أن ْعَ ْ‬ ‫َ‬ ‫شك َُر ن ِعْ َ‬
‫قب ّ ُ‬
‫ل‬ ‫ن ن َت َ َ‬ ‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ُ (15‬أول َئ ِ َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك وَإ ِّني ِ‬ ‫ت إ ِل َي ْ َ‬ ‫ِلي ِفي ذ ُّري ِّتي إ ِّني ت ُب ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫عَنه َ‬
‫ق‬
‫صد ْ ِ‬ ‫جن ّةِ وَعْد َ ال ّ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬‫م ِفي أ ْ‬ ‫سي ّئات ِهِ ْ‬‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُلوا وَن ََتجاوَُز عَ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُْ ْ‬
‫ن )‪.{ (16‬‬ ‫دو َ‬ ‫ذي كاُنوا ُيوعَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫لما ذكر تعالى في الية الولى التوحيد له وإخلص العبادة والستقامة إليه ‪،‬‬
‫عطف بالوصية بالوالدين ‪ ،‬كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن ‪،‬‬
‫كقوله ‪ } :‬وقَضى رب َ َ‬
‫ساًنا { ]السراء ‪[23 :‬‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫دوا ِإل إ ِّياه ُ وَِبال ْ َ‬ ‫ك أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫صيُر { ]لقمان ‪ ، [14 :‬إلى غير ذلك‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ي‬‫د‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫لي‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ش‬ ‫ْ‬ ‫نا‬ ‫َ‬
‫َ ِ‬ ‫َ َ َْ ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫وقال ‪ } :‬أ ِ‬
‫ساًنا { أي ‪:‬‬ ‫ح َ‬ ‫وال ِد َي ْهِ إ ِ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫سا َ‬ ‫صي َْنا الن ْ َ‬ ‫من اليات الكثيرة‪ .‬وقال هاهنا ‪ } :‬وَوَ ّ‬
‫أمرناه بالحسان إليهما والحنو عليهما‪.‬‬
‫ماك بن حرب قال ‪:‬‬ ‫س َ‬ ‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا شعبة ‪ ،‬أخبرني ِ‬
‫صعب بن سعد )‪ (1‬يحدث عن سعد قال ‪ :‬قالت أم سعد لسعد ‪:‬‬ ‫م ْ‬
‫سمعت ُ‬
‫أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين ‪ ،‬فل آكل طعاما ‪ ،‬ول أشرب شرابا حتى‬
‫تكفر بالله‪ .‬فامتنعت من الطعام والشراب ‪ ،‬حتى جعلوا يفتحون فاها‬
‫سًنا { الية‬
‫ح ْ‬
‫وال ِد َي ْهِ ُ‬
‫ن بِ َ‬
‫سا َ‬
‫صي َْنا الن ْ َ‬
‫بالعصا ‪ ،‬ونزلت هذه الية ‪ } :‬وَوَ ّ‬
‫]العنكبوت ‪.[8 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬حرب"‪.‬‬

‫) ‪(7/279‬‬

‫ورواه مسلم وأهل السنن إل ابن ماجه ‪ ،‬من حديث شعبة بإسناده ‪ ،‬نحوه‬
‫وأطول منه )‪.(1‬‬
‫ها { أي ‪ :‬قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعبا ‪ ،‬من‬ ‫ه ك ُْر ً‬ ‫} حمل َت ُ‬
‫م ُ‬‫هأ ّ‬ ‫َ َ ْ ُ‬
‫حام وغشيان وثقل وكرب ‪ ،‬إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب‬ ‫وِ َ‬
‫ها { أي ‪ :‬بمشقة أيضا من الطلق وشدته ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ه كْر ً‬ ‫ضعَت ْ ُ‬ ‫والمشقة ‪ } ،‬وَوَ َ‬
‫شهًْرا {‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ثو‬ ‫ُ‬ ‫ثل‬ ‫َ‬ ‫صال ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وَفِ َ‬ ‫مل ُ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫صال ُ ُ‬
‫ه‬ ‫وقد استدل علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬بهذه الية مع التي في لقمان ‪ } :‬وَفِ َ‬
‫ن‬ ‫ن َ َ‬ ‫عامين { ]لقمان ‪ ، [14 :‬وقوله ‪ } :‬وال ْوال ِدات يرضع َ‬
‫حوْلي ْ ِ‬ ‫ن أْولد َهُ ّ‬ ‫َ َ َ ُ ُْ ِ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِفي َ َ ْ ِ‬
‫ة { ]البقرة ‪ ، [233 :‬على أن أقل مدة‬ ‫ضاعَ َ‬
‫م الّر َ‬ ‫ن ي ُت ِ ّ‬ ‫ن أَراد َ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫كا ِ َ‬ ‫َ‬
‫ملي ْ ِ‬
‫الحمل ستة أشهر ‪ ،‬وهو استنباط قوي صحيح‪ .‬ووافقه عليه عثمان وجماعة‬
‫من الصحابة ‪ ،‬رضي الله عنهم‪.‬‬
‫ة‬
‫ج َ‬ ‫سْيط ‪ ،‬عن ب َعْ َ‬ ‫قال محمد بن إسحاق بن يسار ‪ ،‬عن يزيد بن عبد الله بن قُ َ‬
‫جهَْينة ‪ ،‬فولدت له‬ ‫)‪ (2‬بن عبد الله الجهني قال ‪ :‬تزوج رجل منا امرأة من ُ‬
‫لتمام ستة أشهر ‪ ،‬فانطلق زوجها إلى عثمان فذكر ذلك له ‪ ،‬فبعث إليها ‪،‬‬
‫فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ما يبكيك ؟! فوالله ما التبس‬
‫بي أحد من خلق الله غيره قط ‪ ،‬فيقضي الله في ما شاء‪ .‬فلما أتي بها‬
‫عثمان أمر برجمها ‪ ،‬فبلغ ذلك عليا فأتاه ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما تصنع ؟ قال ‪ :‬ولدت‬
‫تماما لستة أشهر ‪ ،‬وهل يكون ذلك ؟ فقال له ]علي[ )‪ (3‬أما تقرأ القرآن ؟‬
‫شهًْرا {‬ ‫ن َ‬ ‫ه َثلُثو َ‬ ‫صال ُ ُ‬ ‫مل ُ ُ‬
‫ه وَفِ َ‬ ‫ح ْ‬
‫قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬أما سمعت الله يقول ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { )‪ ، (4‬فلم نجده بقي إل ستة‬ ‫كا ِ َ‬‫ن َ‬ ‫ن[ َ َ‬ ‫وقال ‪] } :‬يرضع َ‬
‫ملي ْ ِ‬ ‫حوْلي ْ ِ‬ ‫ن أْولد َهُ ّ‬ ‫ُْ ِ ْ َ‬
‫أشهر ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال عثمان ‪ :‬والله ما فطنت لهذا ‪ ،‬علي بالمرأة فوجدوها قد‬
‫ة ‪ :‬فوالله ما الغراب بالغراب ‪ ،‬ول البيضة بالبيضة‬ ‫فُرِغ َ منها ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال ب َعْ َ‬
‫ج ُ‬
‫بأشبه منه بأبيه‪ .‬فلما رآه أبوه قال ‪ :‬ابني إني والله ل أشك فيه ‪ ،‬قال ‪ :‬وأبله‬
‫)‪ (5‬الله بهذه القرحة قرحة الكلة ‪ ،‬فما زالت تأكله حتى مات )‪.(6‬‬
‫ن‬
‫دي َ‬ ‫ْ‬
‫ل الَعاب ِ ِ‬ ‫رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وقد أوردناه من وجه آخر عند قوله ‪ } :‬فَأ ََنا أ َوّ ُ‬
‫{ ]الزخرف ‪.[81 :‬‬
‫مغَْراء ‪ ،‬حدثنا علي بن‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا فَْرَوة بن أبي ال َ‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس )‪ (7‬قال ‪ :‬إذا‬ ‫عك ْ ِ‬
‫سَهر ‪ ،‬عن داود بن أبي هند ‪ ،‬عن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرون شهرا ‪ ،‬وإذا‬
‫وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلثة وعشرون شهًرا ‪ ،‬وإذا وضعته‬
‫ه َثلثو َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫صال ُ ُ‬
‫ه وَفِ َ‬ ‫مل ُ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫لستة أشهر فحولين كاملين ؛ لن الله تعالى يقول ‪ } :‬وَ َ‬
‫شهًْرا {‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫حّتى إ َِذا ب َل َغَ أ َ ُ‬
‫ة { أي ‪:‬‬ ‫سن َ ً‬ ‫شد ّه ُ { أي ‪ :‬قوى وشب وارتجل } وَب َل َغَ أْرب َِعي َ‬
‫ن َ‬ ‫} َ‬
‫تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه‪ .‬ويقال ‪ :‬إنه ل يتغير غالبا عما يكون عليه ابن‬
‫الربعين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند الطيالسي برقم )‪ (208‬وصحيح مسلم يرقم )‪ (1748‬وسنن أبي‬
‫داود برقم )‪ (2740‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3079‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم )‪ (11196‬لكن النسائي لم يرو الشاهد هنا وإنما روى أوله‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬معمر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬وابتله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور للسيوطي‬
‫‪.(07/441‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬عن عكرمة وروى عن ابن عباس"‪.‬‬

‫) ‪(7/280‬‬

‫قال أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن القاسم بن عبد الرحمن قال ‪:‬‬
‫ت الربعين ‪ ،‬فَ ُ‬
‫خذ ْ‬ ‫قلت لمسروق ‪ :‬متى يؤخذ الرجل بذنوبه ؟ قال ‪ :‬إذا ب َل َغْ َ‬
‫حذرك‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا عَُبيد الله القواريري ‪ ،‬حدثنا عَْزَرة‬
‫بن قيس الزدي ‪ -‬وكان قد بلغ مائة سنة ‪ -‬حدثنا أبو الحسن السلولي )‪(1‬‬
‫عنه وزادني )‪ (2‬قال ‪ :‬قال محمد بن عمرو بن عثمان ‪ ،‬عن عثمان ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف‬
‫الله حسابه ‪ ،‬وإذا بلغ )‪ (3‬ستين سنة رزقه الله النابة إليه ‪ ،‬وإذا بلغ سبعين‬
‫سنة أحّبه أهل السماء ‪ ،‬وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله حسناته ومحا سيئاته ‪،‬‬
‫فعه الله في‬ ‫وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ‪ ،‬وش ّ‬
‫أهل بيته ‪ ،‬وكتب في السماء ‪ :‬أسير )‪ (4‬الله في أرضه" )‪.(5‬‬
‫وقد روي هذا من غير هذا الوجه ‪ ،‬وهو في مسند المام أحمد )‪.(7) (6‬‬
‫وقد قال الحجاج بن عبد الله الحكمي أحد أمراء بني أمية بدمشق ‪ :‬تركت‬
‫المعاصي والذنوب أربعين سنة حياء من الناس ‪ ،‬ثم تركتها حياء من الله ‪ ،‬عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫وما أحسن قول الشاعر ‪:‬‬
‫ُ‬
‫عله ُ قال للباطل ‪ :‬ابطل )‪(8‬‬ ‫ما َ‬ ‫ه‪ ...‬فل ّ‬ ‫س ُ‬
‫ب رأ َ‬ ‫شي ُ‬ ‫عل ال ّ‬ ‫حتى َ‬ ‫صَبا َ‬ ‫صَبا ما َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫تي‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫}‬ ‫ألهمني‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫و‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫}‬
‫ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ح ِلي‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صل ِ ْ‬ ‫ضاه ُ { أي ‪ :‬في المستقبل ‪ } ،‬وَأ ْ‬ ‫حا ت َْر َ‬
‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫وَعَلى َوال ِد َيّ وَأ ْ‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ك وَإ ِّني ِ‬ ‫َ‬
‫ت إ ِلي ْ َ‬ ‫ِفي ذ ُّري ِّتي { أي ‪ :‬نسلي وعقبي ‪ } ،‬إ ِّني ت ُب ْ ُ‬
‫وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الربعين أن يجدد التوبة والنابة إلى الله ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫ويعزم عليها‪.‬‬
‫وقد روى أبو داود في سننه ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ألف‬
‫بين قلوبنا ‪ ،‬وأصلح ذات بيننا ‪ ،‬واهدنا سُبل )‪ (9‬السلم ‪ ،‬ونجنا من الظلمات‬
‫إلى النور ‪ ،‬وجّنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ‪ ،‬وبارك لنا في أسماعنا‬
‫وأبصارنا وقلوبنا ‪ ،‬وأزواجنا ‪ ،‬وذرياتنا ‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ‪،‬‬
‫واجعلنا شاكرين لنعمتك ‪ ،‬مثنين بها قابليها ‪ ،‬وأتممها علينا" )‪.(10‬‬
‫ل عَنه َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫مُلوا وَن ََتجاوَُز عَ ْ‬
‫ن‬ ‫ما عَ ِ‬
‫ن َ‬‫س َ‬
‫ح َ‬
‫مأ ْ‬‫قب ّ ُ ْ ُ ْ‬‫ن ن َت َ َ‬
‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬هؤلء المتصفون بما ذكرنا ‪ ،‬التائبون إلى الله المنيبون إليه ‪،‬‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫َ‬
‫المستدركون ما فات بالتوبة والستغفار ‪ ،‬هم الذين يتقبل عنهم أحسن ما‬
‫عملوا ‪ ،‬ويتجاوز عن سيئاتهم ‪ ،‬فيغفر لهم الكثير من الزلل ‪ ،‬ويتقبل منهم‬
‫َ‬
‫جن ّةِ { أي ‪ :‬هم في جملة أصحاب‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬
‫اليسير من العمل ‪ِ } ،‬في أ ْ‬
‫الجنة ‪ ،‬وهذا حكمهم عند الله كما وعد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو الحسن الكوفي ‪ -‬عمر بن أوس"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى الحافظ"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬رزقه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬أمين"‪.‬‬
‫)‪ (5‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/205‬رواه أبو يعلى في الكبير وفيه‬
‫عزرة بن قيس الزدي ‪ ،‬وهو ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وهذا الحديث في مسند المام أحمد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه المام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ‪ ،‬المسند )‬
‫‪.(3/218‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬أبعد"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬سبيل"‪.‬‬
‫)‪ (10‬سنن أبي داود برقم )‪.(969‬‬

‫) ‪(7/281‬‬

‫ن{‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ُيوعَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ق ال ّ ِ‬‫صد ْ ِ‬‫الله من تاب إليه وأناب ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَعْد َ ال ّ‬
‫مر بن سليمان ‪،‬‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫قال )‪ (1‬ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ال ُ‬
‫ريف ‪ ،‬عن جابر بن زيد ‪ ،‬عن ابن عباس )‪، (2‬‬ ‫عن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن الغط ْ ِ‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬عن الروح المين ‪ ،‬عليه )‪ (3‬السلم ‪،‬‬
‫قال ‪" :‬يؤتى )‪ (4‬بحسنات العبد وسيئاته )‪ ، (5‬فيقتص )‪ (6‬بعضها ببعض ‪،‬‬
‫دث‬ ‫ت على يزداد فَ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫فإن بقيت حسنة وسع الله له في الجنة" قال ‪ :‬فدخل ُ‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫أو‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫بمثل هذا الحديث قال ‪ :‬قلت ‪ :‬فإن ذهبت الحسنة ؟‬
‫ِ َ‬
‫َ‬ ‫ل عَنه َ‬
‫جن ّةِ وَعْد َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫م ِفي أ ْ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫مُلوا وَن ََتجاوَُز عَ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ما عَ ِ‬‫ن َ‬ ‫س َ‬
‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬‫قب ّ ُ ْ ُ ْ‬ ‫ن َت َ َ‬
‫ن { )‪.(7‬‬ ‫دو َ‬ ‫ذي َ‬
‫كاُنوا ُيوعَ ُ‬ ‫ق ال ّ ِ‬
‫صد ْ ِ‬
‫ال ّ‬
‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن محمد بن عبد العلى الصنعاني ‪،‬‬
‫عن المعتمر بن سليمان ‪ ،‬بإسناده مثله ‪ -‬وزاد عن الروح المين‪ .‬قال ‪ :‬قال‬
‫الرب ‪ ،‬جل جلله ‪ :‬يؤتى بحسنات العبد وسيئاته‪ ...‬فذكره ‪ ،‬وهو حديث غريب‬
‫‪ ،‬وإسناد ٌ جيد ل بأس به‪.‬‬
‫معَْبد ‪ ،‬حدثنا عمرو بن‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سليمان بن َ‬
‫حشية ‪،‬‬ ‫عاصم الكلئي ‪ ،‬حدثنا أبو عوانة ‪ ،‬عن أبي بشر )‪ (8‬جعفر بن أبي وَ ْ‬
‫عن يوسف بن سعد )‪ ، (9‬عن محمد بن حاطب قال ‪ :‬ونزل في داري حيث‬
‫ت أمير المؤمنين عليا‬ ‫ظهر علي على أهل البصرة ‪ ،‬فقال لي يوما ‪ :‬لقد شهد ُ‬
‫‪ ،‬وعنده عمارا وصعصعة والشتر ومحمد بن أبي بكر ‪ ،‬فذكروا عثمان فنالوا‬
‫منه ‪ ،‬وكان علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬على السرير ‪ ،‬ومعه عود في يده ‪ ،‬فقال‬
‫قائل منهم ‪ :‬إن عندكم من يفصل بينكم فسألوه ‪ ،‬فقال علي ‪ :‬كان عثمان‬
‫ل عَنه َ‬ ‫من الذين قال الله ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫ن‬‫مُلوا وَن ََتجاوَُز عَ ْ‬
‫ما عَ ِ‬
‫ن َ‬ ‫س َ‬
‫ح َ‬‫مأ ْ‬‫قب ّ ُ ْ ُ ْ‬ ‫ن ن َت َ َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن { قال ‪ :‬والله‬ ‫دو َ‬ ‫ذي َ‬
‫كاُنوا ُيوعَ ُ‬ ‫ق ال ّ ِ‬
‫صد ْ ِ‬ ‫جن ّةِ وَعْد َ ال ّ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫حا ِ‬
‫ص َ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫م ِفي أ ْ‬ ‫َ‬
‫عثمان وأصحاب عثمان ‪ -‬قالها ثلثا ‪ -‬قال يوسف ‪ :‬فقلت لمحمد بن حاطب ‪:‬‬
‫ي ؟ قال ‪ :‬آلله لسمعت هذا من علي ‪ ،‬رضي الله‬ ‫آلله لسمعت هذا من عل ّ‬
‫عنه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ابن عباس رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬عليهما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬تؤتى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬وسيئاته يوم القيامة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬فيقبض"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪ (26/12‬ورواه أبو نعيم في الحلية )‪ (3/91‬من طريق‬
‫معتمر بن سليمان به ‪ ،‬وقال أبو نعيم ‪" :‬هذا حديث غريب من حديث جابر ‪،‬‬
‫والغطويف تفرد به عنه الحكم بن أبان العدني"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬

‫) ‪(7/282‬‬

‫ن قَب ِْلي‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قُرو ُ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫خل َ ِ‬‫ج وَقَد ْ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫َ‬


‫دان ِِني أ ْ‬
‫ف ل َك ُ َ‬
‫ما أت َعِ َ‬ ‫َ‬ ‫وال ِد َي ْهِ أ ُ ّ‬ ‫ل لِ َ‬‫ذي َقا َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫طيُر‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا إ ِّل أ َ‬‫ما هَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫حقّ فَي َ ُ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ك آَ ِ‬‫ه وَي ْل َ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ست َِغيَثا ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫وَهُ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫مم ٍ قَد ْ َ‬ ‫ل ِفي أ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫حقّ عَلي ْهِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (17‬أولئ ِك ال ِ‬ ‫اْلوِّلي َ‬
‫مُلوا وَل ِي ُوَفّي َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ل د ََر َ‬ ‫ن )‪ (18‬وَل ِك ُ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫م َ‬ ‫س إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ِن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫فُروا عََلى الّنارِ أذ ْهَب ْت ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫م ي ُعَْر ُ‬ ‫ن )‪ (19‬وَي َوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫مال َهُ ْ‬‫أعْ َ‬
‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ب ال ُْهو ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م ب َِها َفال ْي َوْ َ‬ ‫مت َعْت ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬
‫م الد ّن َْيا َوا ْ‬ ‫حَيات ِك ُ ُ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ط َي َّبات ِك ُ ْ‬
‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫ف ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫حقّ وَب ِ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫تَ ْ‬

‫ن قَب ِْلي‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قُرو ُ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫خل َ ِ‬


‫ج وَقَد ْ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫َ‬
‫دان ِِني أ ْ‬
‫ف ل َك ُ َ‬
‫ما أت َعِ َ‬ ‫َ‬ ‫وال ِد َي ْهِ أ ُ ّ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ذي َقا َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫طيُر‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا ِإل أ َ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫حقّ فَي َ ُ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫كآ ِ‬ ‫ه وَي ْل َ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ست َِغيَثا ِ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫وَهُ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫مم ٍ قَد ْ َ‬ ‫ل ِفي أ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫حقّ عَلي ْهِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (17‬أولئ ِك ال ِ‬ ‫الوِّلي َ‬
‫ملوا وَل ِي ُوَفّي َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ل د ََر َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (18‬وَل ِك ّ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫م كاُنوا َ‬ ‫َ‬ ‫س إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ن َوالن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬
‫َ‬
‫م‬‫فُروا عََلى الّنارِ أذ ْهَب ْت ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫م ي ُعَْر ُ‬ ‫ن )‪ (19‬وَي َوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ب ال ُْهو ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م ب َِها َفال ْي َوْ َ‬ ‫مت َعْت ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬
‫م الد ّن َْيا َوا ْ‬ ‫حَيات ِك ُ ُ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ط َي َّبات ِك ُ ْ‬
‫ن )‪.{ (20‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬‫حقّ وَب ِ َ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما وما لهم عنده من الفوز‬
‫ه‬
‫وا ِ َ ْ ِ‬
‫ي‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ذي َقا َ‬ ‫والنجاة ‪ ،‬عطف بحال الشقياء العاقين للوالدين فقال ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ما { ‪ -‬وهذا عام في كل من قال هذا ‪ ،‬ومن زعم أنها نزلت في عبد‬ ‫ف ل َك ُ َ‬ ‫أُ ّ‬
‫الرحمن بن أبي بكر فقوله ضعيف ؛ لن عبد الرحمن بن أبي بكر أسلم بعد‬
‫ذلك وحسن إسلمه ‪ ،‬وكان من خيار أهل زمانه‪.‬‬
‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنها نزلت في ابن لبي بكر الصديق‪ .‬وفي‬ ‫وروى العَ ْ‬
‫صحة هذا نظر ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬نزلت في عبد الله بن أبي بكر‪ .‬وهذا أيضا قاله‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫ابن جريج‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ .‬وقاله )‪ (1‬السدي‪ .‬وإنما هذا عام‬
‫ما { عقهما‪.‬‬ ‫ف ل َك ُ َ‬ ‫في كل من عق والديه وكذب بالحق ‪ ،‬فقال لوالديه ‪ } :‬أ ُ ّ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن العلء ‪ ،‬حدثنا‬
‫يحيى بن أبي زائدة ‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬أخبرني عبد الله بن‬
‫مْروان ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن الله أرى )‪(2‬‬ ‫المديني قال ‪ :‬إني لفي المسجد حين خطب َ‬
‫أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا ‪ ،‬وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر‬
‫عمر ‪ ،‬فقال عبد الرحمن بن أبي بكر ‪ :‬أهرقلية ؟! إن أبا بكر والله ما جعلها‬
‫في أحد من ولده ‪ ،‬ول أحدا من أهل بيته ‪ ،‬ول جعلها معاوية في ولده إل‬
‫رحمة وكرامة لولده‪ .‬فقال مروان ‪ :‬ألست الذي قال لوالديه ‪ :‬أف لكما ؟‬
‫فقال عبد الرحمن ‪ :‬ألست ابن اللعين الذي لعن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أباك ؟ قال ‪ :‬وسمعتهما عائشة فقالت ‪ :‬يا مروان ‪ ،‬أنت القائل لعبد‬
‫ت ‪ ،‬ما فيه نزلت ‪ ،‬ولكن نزلت في فلن بن فلن‪ .‬ثم‬ ‫الرحمن كذا وكذا ؟ كذب َ‬
‫انتحب مروان ‪ ،‬ثم نزل عن المنبر حتى أتى باب حجرتها ‪ ،‬فجعل يكلمها حتى‬
‫انصرف )‪.(3‬‬
‫وقد رواه البخاري بإسناد آخر ولفظ آخر ‪ ،‬فقال ‪ :‬حدثنا موسى بن‬
‫هك قال ‪ :‬كان‬ ‫ما َ‬ ‫شر ‪ ،‬عن يوسف بن َ‬ ‫عوانة ‪ ،‬عن أبي ب ِ ْ‬ ‫إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫مْروان على الحجاز ‪ ،‬استعمله معاوية بن أبي سفيان ‪ ،‬فخطب وجعل يذكر‬ ‫َ‬
‫يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه ‪ ،‬فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬خذوه‪ .‬فدخل بيت عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬فلم يقدروا عليه ‪،‬‬
‫ما‬ ‫وال ِد َي ْهِ أ ُ ّ‬
‫ف ل َك ُ َ‬ ‫فقال )‪ (4‬مروان ‪ :‬إن هذا الذي أنزل فيه ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َقا َ‬
‫ل لِ َ‬
‫ن قَب ِْلي { فقالت عائشة من وراء‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬
‫قُرو ُ‬ ‫خل َ ِ‬
‫ج وَقَد ْ َ‬ ‫ن أُ ْ‬
‫خَر َ‬
‫َ‬
‫دان ِِني أ ْ‬
‫أت َعِ َ‬
‫َ‬
‫عذِري )‪.(5‬‬ ‫الحجاب ‪ :‬ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن ‪ ،‬إل أن الله أنزل ُ‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال النسائي ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أمّية بن خالد ‪،‬‬
‫حدثنا شعبة ‪ ،‬عن محمد بن زياد قال ‪ :‬لما بايع معاوية لبنه ‪ ،‬قال مروان ‪:‬‬
‫سّنة أبي بكر وعمر‪ .‬فقال عبد الرحمن بن أبي‬ ‫ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وهذا قول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الله قد أرى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬ورواه ابن مردويه فغي تفسيره كما في الدر المنثور )‪.(7/444‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬فلم يقدر عليه فقام فقال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(4827‬‬

‫) ‪(7/283‬‬

‫ذي‬ ‫سّنة هرقل وقيصر‪ .‬فقال مروان ‪ :‬هذا الذي أنزل الله فيه ‪َ } :‬وال ّ ِ‬ ‫بكر ‪ُ :‬‬
‫ما { الية ‪ ،‬فبلغ ذلك عائشة فقالت ‪ :‬كذب مروان! والله‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ف لك َ‬‫وال ِد َي ْهِ أ ّ‬
‫ل لِ َ‬
‫ما هو به ‪ ،‬ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته ‪ ،‬ولكن رسول الله‬
‫ض )‪(1‬‬ ‫ض ٌ‬ ‫ن في صلبه ‪ ،‬فمروان فَ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروا ُ‬
‫من لعنة الله )‪.(2‬‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫قُرو ُ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫خل ِ‬ ‫ج { أي ‪] :‬أن[ )‪ (3‬أبعث } وَقد ْ َ‬
‫خَر َ‬
‫نأ ْ‬‫دان ِِني أ ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬أت َعِ َ‬
‫ن‬‫ست َِغيَثا ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫قَب ِْلي { أن )‪ (4‬قد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر ‪ } ،‬وَهُ َ‬
‫ن وَعْد َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫م ْ‬‫كآ ِ‬ ‫ه { أي ‪ :‬يسألن الله فيه أن يهديه ويقولن لولدهما ‪ } :‬وَي ْل َ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ُ‬
‫ن { قال الله ]تعالى[ )‪ } (5‬أول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا ِإل أ َ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫حقّ فَي َ ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫ُ‬
‫م‬
‫س إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن َوالن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫مم ٍ قَد ْ َ‬ ‫ل ِفي أ َ‬ ‫قو ْ ُ‬‫م ال ْ َ‬‫حقّ عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫َ‬
‫الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة‪.‬‬
‫ل { دليل على ما ذكرناه من أنه‬ ‫ذي َقا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أولئك { بعد قوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫جنس يعم كل من كان كذلك‪.‬‬
‫وقال الحسن وقتادة ‪ :‬هو الكافر الفاجر العاق لوالديه ‪ ،‬المكذب بالبعث‪.‬‬
‫وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة سهل بن داود ‪ ،‬من طريق هشام‬
‫بن عمار ‪ :‬حدثنا حماد بن عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا خالد بن الزبرقان الحلبي ‪ ،‬عن‬
‫سليمان بن حبيب المحاربي ‪ ،‬عن أبي أمامة الباهلي ‪ ،‬عن النبي صلى الله‬
‫ت عليهم‬ ‫َ‬
‫من ْ‬ ‫عليه وسلم قال ‪" :‬أربعة لعنهم الله من فوق عرشه ‪ ،‬وأ ّ‬
‫الملئكة ‪ :‬مضل المساكين ‪ -‬قال خالد ‪ :‬الذي يهوي بيده إلى المسكين‬
‫فيقول ‪ :‬هلم أعطيك ‪ ،‬فإذا جاءه قال ‪ :‬ليس معي شيء ‪ -‬والذي يقول‬
‫للمكفوف ‪ :‬اتق الدابة ‪ ،‬وليس بين يديه شيء‪ .‬والرجل يسأل عن دار القوم‬
‫فيدلونه على غيرها ‪ ،‬والذي يضرب الوالدين حتى يستغيثا" )‪ .(6‬غريب جدا‪.‬‬
‫مُلوا { أي ‪ :‬لكل عذاب بحسب عمله ‪،‬‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ل د ََر َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ِك ُ ّ‬
‫} ول ِيوفّيه َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يظلمهم مثقال ذرة فما دونها‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫َ ُ َ َُ ْ‬
‫قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬درجات النار تذهب سفال ودرجات الجنة‬
‫تذهب علوا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حَيات ِك ُ ُ‬
‫م‬ ‫م ِفي َ‬ ‫م طي َّبات ِك ُ ْ‬ ‫فُروا عَلى الّنارِ أذ ْهَب ْت ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض ال ِ‬ ‫م ي ُعَْر ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫م ب َِها { أي ‪ :‬يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا‪ .‬وقد تورع ]أمير‬ ‫مت َعْت ُ ْ‬‫ست َ ْ‬‫الد ّن َْيا َوا ْ‬
‫المؤمنين[ )‪ (7‬عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن )‪ (8‬كثير من طيبات‬
‫المآكل والمشارب ‪ ،‬وتنزه عنها ‪ ،‬ويقول ‪] :‬إني[ )‪ (9‬أخاف أن أكون كالذين‬
‫َ‬
‫م‬
‫مت َعْت ُ ْ‬‫ست َ ْ‬
‫م الد ّن َْيا َوا ْ‬ ‫حَيات ِك ُ ُ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫م ط َي َّبات ِك ُ ْ‬‫قال الله تعالى لهم وقَّرعهم ‪ } :‬أذ ْهَب ْت ُ ْ‬
‫ب َِها {‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬بعض"‪.‬‬
‫)‪ (2‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11491‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (6‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور )‪ (10/221‬ورواه الطبراني في‬
‫المعجم الكبير )‪ (4/251‬من طريق هشام بن عمار به‪ .‬قال ابن أبي حاتم في‬
‫العلل )‪" : (2/413‬سألت أبي عن هذا الحديث فقال ‪ :‬هذا حديث منكر"‪ .‬قال‬
‫الهيثمي في المجمع )‪" : (4/251‬حماد بن عبد الرحمن العكي عن خالد بن‬
‫الزبرقان ‪ ،‬وكلهما ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/284‬‬
‫سنات كانت لهم في الدنيا ‪ ،‬فيقال لهم ‪} :‬‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬‫ن أقوا ٌ‬ ‫قد َ ّ‬‫جَلز ‪ :‬ليتف ّ‬ ‫م ْ‬
‫وقال أبو ِ‬
‫َ‬
‫م الد ّن َْيا {‬ ‫ُ‬
‫حَيات ِك ُ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫م ط َي َّبات ِك ْ‬
‫ُ‬ ‫أذ ْهَب ْت ُ ْ‬
‫ر‬
‫ض ب ِغَي ْ ِ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ب ال ُْهو ِ‬
‫ن بِ َ‬ ‫ذا َ‬‫ن عَ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فال ْي َوْ َ‬
‫ن { فجوزوا من جنس عملهم ‪ ،‬فكما ن َّعموا أنفسهم‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫ف ُ‬ ‫م تَ ْ‬‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬‫حقّ وَب ِ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫واستكبروا عن اتباع الحق ‪ ،‬وتعاطوا الفسق والمعاصي ‪ ،‬جازاهم الله بعذاب‬
‫الهون ‪ ،‬وهو الهانة والخزي واللم الموجعة ‪ ،‬والحسرات المتتابعة والمنازل‬
‫في الدركات المفظعة ‪ ،‬أجارنا الله من ذلك كله‪.‬‬

‫) ‪(7/285‬‬

‫َ‬ ‫َواذ ْك ُْر أ َ َ‬


‫فهِ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ب َي ْ‬ ‫ْ‬ ‫ت الن ّذ ُُر ِ‬
‫م‬ ‫خل َ ِ‬ ‫ف وَقَد ْ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ح َ‬‫ه ِباْل َ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫عادٍ إ ِذ ْ أن ْذ ََر قَوْ َ‬ ‫خا َ‬
‫جئ ْت ََنا ل ِت َأ ْفِك ََنا‬ ‫َ‬
‫ظيم ٍ )‪َ (21‬قاُلوا أ ِ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬‫م عَ َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ه إ ِّني أ َ َ‬ ‫دوا إ ِّل الل ّ َ‬ ‫أّل ت َعْب ُ ُ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫عَ َ‬
‫عن ْد َ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْعِل ْ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫ن )‪َ (22‬قا َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ما ت َعِد َُنا إ ِ ْ‬ ‫ن آل ِهَت َِنا فَأت َِنا ب ِ َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ضا‬ ‫عارِ ً‬ ‫ما َرأوْه ُ َ‬ ‫ن )‪ (23‬فَل َ ّ‬ ‫جهَُلو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬‫م قَوْ ً‬ ‫ت ب ِهِ وَل َك ِّني أَراك ُ ْ‬ ‫سل ْ ُ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَأب َل ّغُك ُ ْ‬
‫قب َ َ‬
‫ح ِفيَها‬ ‫م ب ِهِ ِري ٌ‬ ‫جل ْت ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬‫ما ا ْ‬ ‫ل هُوَ َ‬ ‫مط ُِرَنا ب َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫عار‬‫ذا َ‬ ‫م َقاُلوا هَ َ‬ ‫ل أوْدِي َت ِهِ ْ‬ ‫ست َ ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م ك َذ َل ِكَ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مُر كل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ساك ِن ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حوا ل ي َُرى إ ِل َ‬ ‫صب َ ُ‬
‫مرِ َرب َّها فأ ْ‬ ‫يٍء ب ِأ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م )‪ (24‬ت ُد َ ّ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫مي‬
‫ُ ْ ِ ِ َ‬‫ر‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬
‫ْ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫زي‬ ‫ج ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬ ‫} َواذ ْك ُْر أ َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ب َي ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت الن ّذ ُُر ِ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫ف وَقَد ْ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ِبال ْ‬ ‫م ُ‬ ‫عاد ٍ إ ِذ ْ أن ْذ ََر قَوْ َ‬ ‫خا َ‬
‫َ‬ ‫ه إ ِّني أ َ َ‬ ‫َ‬
‫جئ ْت ََنا‬ ‫ظيم ٍ )‪َ (21‬قاُلوا أ ِ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫دوا ِإل الل ّ َ‬ ‫فهِ أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن )‪َ (22‬قا َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫ما العِل ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن كن ْ َ‬ ‫ما ت َعِد َُنا إ ِ ْ‬ ‫ن آل ِهَت َِنا فَأت َِنا ب ِ َ‬ ‫ل ِت َأفِكَنا عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ما َرأوْهُ‬ ‫ن )‪ (23‬فل ّ‬ ‫َ‬ ‫جهَلو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م قوْ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت ب ِهِ وَلك ِّني أَراك ْ‬ ‫سل ُ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَأب َلغُك ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م قالوا هَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ب ِهِ ِري ٌ‬ ‫جلت ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫مط ُِرَنا ب َل هُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫عارِ َ ٌ‬ ‫ذا َ‬ ‫قب ِل أوْدِي َت ِهِ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ضا ُ‬ ‫عارِ ً‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ساك ِن ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حوا ل ي َُرى ِإل َ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫مرِ َرب َّها فأ ْ‬ ‫يٍء ب ِأ ْ‬ ‫مُر كل ش ْ‬ ‫م )‪ (24‬ت ُد َ ّ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ِفيَها عَذا ٌ‬
‫ن )‪.{ (25‬‬ ‫مي‬
‫ُ ْ ِ ِ َ‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ْ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫زي‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫عاد ٍ {‬ ‫خا َ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى مسليا لنبيه في تكذيب من كذبه من قومه ‪َ } :‬واذ ْك ُْر أ َ‬
‫وهو هود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بعثه الله إلى عاد الولى ‪ ،‬وكانوا يسكنون الحقاف‬
‫قف وهو ‪ :‬الجبل من الرمل ‪ -‬قاله ابن زيد‪ .‬وقال عكرمة ‪:‬‬ ‫‪ -‬جمع ح ْ‬
‫الحقاف ‪ :‬الجبل والغار‪ .‬وقال علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬الحقاف‬
‫‪ :‬واد بحضرموت ‪ ،‬يدعى ب ُْرهوت ‪ ،‬تلقى فيه أرواح الكفار‪ .‬وقال قتادة ‪ُ :‬ذكر‬
‫لنا أن عادا كانوا حيا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها ‪:‬‬
‫حر‪.‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ال ّ‬
‫قال ابن ماجه ‪" :‬باب إذا دعا فليبدأ بنفسه" ‪ :‬حدثنا الحسين بن علي الخلل ‪،‬‬
‫حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪،‬‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يرحمنا الله ‪،‬‬
‫وأخا عاد" )‪.(1‬‬
‫فهِ { يعني ‪ :‬وقد أرسل الله‬ ‫خل ِ‬‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬ ‫ت الن ّذ ُُر ِ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَقَد ْ َ‬
‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خل ِ‬
‫كال‬ ‫ها ن َ َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫حول بلدهم من القرى مرسلين ومنذرين ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬فَ َ‬ ‫إلى من َ‬
‫ضوا فَ ُ‬ ‫َ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ل‬‫ق ْ‬ ‫ن أعَْر ُ‬ ‫فَها { ]البقرة ‪ ، [66 :‬وكقوله ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ي َد َي َْها وَ َ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫لِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ب َي ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ُ‬‫م الّر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ُ‬ ‫مود َ إ ِذ ْ َ‬ ‫عادٍ وَث َ ُ‬ ‫قةِ َ‬ ‫ع َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ق ً‬ ‫ع َ‬ ‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫أن ْذ َْرت ُك ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫خل ْفه َ‬
‫سل ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫ة فَإ ِّنا ب ِ َ‬ ‫ملئ ِك َ ً‬ ‫ل َ‬ ‫شاَء َرب َّنا لنز َ‬ ‫ه َقاُلوا ل َوْ َ‬ ‫دوا ِإل الل ّ َ‬ ‫م أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫ن َ ِ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ن { ]فصلت ‪ (3) (2) [14 ، 13 :‬أي ‪ :‬قال لهم هود ذلك ‪ ،‬فأجابه‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ب ِهِ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ما ت َعِد َُنا إ ِ ْ‬ ‫ن آل ِهَت َِنا فَأت َِنا ب ِ َ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِت َأفِك ََنا { أي ‪ :‬لتصدنا } عَ ْ‬ ‫قومه قائلين ‪ } :‬أ ِ‬
‫ن{‬ ‫صادِِقي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫ت ِ‬‫ك ُن ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن ابن ماجه )‪ (3852‬وقال البوصيري في الزوائد )‪" : (3/204‬هذا‬
‫إسناد صحيح وله شواهد في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي بن كعب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬تولوا" ‪ ،‬وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم" ‪ ،‬والصواب ما‬
‫أثبتناه‪.‬‬

‫) ‪(7/285‬‬

‫ج ُ‬
‫ل‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫استعجلوا عذاب الله وعقوبته ‪ ،‬استبعاًدا منهم وقوعه ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ن ب َِها { ]الشورى ‪.[18 :‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب َِها ال ّ ِ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ { )‪ (1‬أي ‪ :‬الله أعلم بكم إن كنتم مستحقين‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْعِل ْ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫} َقا َ‬
‫لتعجيل العذاب فيفعل )‪ (2‬ذلك بكم ‪ ،‬وأما أنا فمن شأني أني أبلغكم ما‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل تعقلون ول تفهمون‪.‬‬ ‫جهَُلو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬‫م قَوْ ً‬ ‫أرسلت به ‪ } ،‬وَل َك ِّني أَراك ُ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫ما َرأ َوْه ُ َ‬
‫م { أي ‪ :‬لما رأوا العذاب‬ ‫ل أوْدِي َت ِهِ ْ‬ ‫ست َ ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ضا ُ‬ ‫عارِ ً‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫مستقبلهم ‪ ،‬اعتقدوا أنه عارض ممطر ‪ ،‬ففرحوا واستبشروا به )‪ ، (3‬وقد‬
‫م‬‫جل ْت ُ ْ‬‫ست َعْ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ل هُوَ َ‬ ‫كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ما ت َعِد َُنا إ ِ ْ‬ ‫م { أي ‪ :‬هو العذاب الذي قلتم ‪ } :‬فَأت َِنا ب ِ َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ح ِفيَها عَ َ‬ ‫ب ِهِ ِري ٌ‬
‫ن{‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ك ُن ْ َ‬
‫يٍء { من بلدهم ‪ ،‬مما من شأنه الخراب‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مُر { أي ‪ :‬تخرب } ك ُ ّ‬ ‫} ت ُد َ ّ‬
‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫يٍء أت َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ت َذ َُر ِ‬ ‫مرِ َرب َّها { أي ‪ :‬بإذن الله لها في ذلك ‪ ،‬كقوله ‪َ } :‬‬ ‫} ب ِأ ْ‬
‫ميم ِ { ]الذاريات ‪ [42 :‬أي ‪ :‬كالشيء البالي‪ .‬ولهذا قال ‪:‬‬ ‫كالّر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل َت ْ ُ‬‫عَل َي ْهِ ِإل َ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق‬ ‫ساك ِن ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حوا ل ي َُرى ِإل َ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫} فَأ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬هذا حكمنا فيمن كذب‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫قو ْ َ‬‫زي ال ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫لهم باقية ‪ } ،‬ك َذ َل ِ َ‬
‫رسلنا ‪ ،‬وخالف أمرنا‪.‬‬
‫دا من غرائب الحديث وأفراده ‪ ،‬قال‬ ‫وقد ورد حديث في قصتهم وهو غريب ج ً‬
‫المام أحمد ‪:‬‬
‫حَباب ‪ ،‬حدثني أبو المنذر سلم بن سليمان النحوي قال ‪:‬‬ ‫حدثنا زيد بن ال ُ‬
‫جود ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن الحارث البكري قال ‪:‬‬ ‫حدثنا عاصم بن أبي الن ّ ُ‬
‫خرجت أشكو العلء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫ذة ‪ ،‬فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها ‪ ،‬فقالت لي ‪ :‬يا عبد‬ ‫فمررت بالَرب ْ َ‬
‫الله ‪ ،‬إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة ‪ ،‬فهل أنت مبلغي‬
‫إليه ؟ قال ‪ :‬فحملتها فأتيت بها المدينة ‪ ،‬فإذا المسجد غاص بأهله ‪ ،‬وإذا راية‬
‫سوداء تخفق ‪ ،‬وإذا بلل متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما شأن الناس ؟ قالوا ‪ :‬يريد أن يبعث عمرو بن العاص‬
‫وجها‪ .‬قال ‪ :‬فجلست ‪ ،‬فدخل منزله ‪ -‬أو قال ‪ :‬رحله ‪ -‬فاستأذنت عليه ‪ ،‬فأذن‬
‫لي ‪ ،‬فدخلت فسلمت ‪ ،‬فقال ‪" :‬هل كان بينكم وبين تميم شيء ؟ قلت ‪ :‬نعم‬
‫‪ ،‬وكانت لنا الدبرة )‪ (4‬عليهم ‪ ،‬ومررت بعجوز من بني تميم منقطع ‪ ،‬بها‬
‫فسألتني أن أحملها إليك ‪ ،‬وها هي بالباب ‪ :‬فأذن لها فدخلت ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل الدهناء ‪،‬‬
‫فحميت العجوز واستوفزت ‪ ،‬وقالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬فإلى أين يضطر‬
‫فها" ‪،‬‬ ‫مَلت َ‬
‫حت ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫معَْزى َ‬ ‫مضطرك ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬إن مثلي ما قال الول ‪ِ " :‬‬
‫حملت هذه ول أشعر أنها كانت لي خصما ‪ ،‬أعوذ بالله ورسوله أن أكون‬
‫كوافد عاد‪ .‬قال ‪" :‬هيه ‪ ،‬وما وافد عاد ؟" ‪ -‬وهو أعلم بالحديث منه ‪ ،‬ولكن‬
‫دا لهم يقال له ‪َ :‬قيل ‪ ،‬فمر‬
‫يستطعمه )‪ - (5‬قلت ‪ :‬إن عاًدا قحطوا فبعثوا واف ً‬
‫بمعاوية بن بكر ‪ ،‬فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما‬
‫مْهرة فقال ‪ :‬اللهم ‪،‬‬ ‫"الجرادتان" ‪ -‬فلما مضى الشهر خرج إلى جبال َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬وقال" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فسيفعل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬ت ‪" :‬ففرحوا به واستبشروا به"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الدائرة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬يستعظمه"‪.‬‬

‫) ‪(7/286‬‬

‫إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه ‪ ،‬ول إلى أسير فأفاديه ‪ ،‬اللهم اسق‬
‫عادا ما كنت تسقيه‪ .‬فمرت به سحابات سود ‪ ،‬فنودي منها ‪" :‬اختر" ‪ ،‬فأومأ‬
‫إلى سحابة منها سوداء ‪ ،‬فنودي منها ‪" :‬خذها رماًدا رمدًدا )‪ ، (1‬ل تبقي من‬
‫عاد أحدا"‪ .‬قال ‪ :‬فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إل كقدر ما يجري في‬
‫خاتمي هذا ‪ ،‬حتى هلكوا ‪ -‬قال أبو وائل ‪ :‬وصدق ‪ -‬وكانت المرأة والرجل إذا‬
‫دا لهم قالوا ‪" :‬ل تكن كوافد عاد"‪.‬‬ ‫بعثوا واف ً‬
‫رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ‪ ،‬كما تقدم في سورة "العراف" )‪.(2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هارون بن معروف ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرنا عمرو‬
‫‪ :‬أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار ‪ ،‬عن عائشة )‪ (3‬أنها قالت ‪ :‬ما‬
‫رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمًعا ضاحكا حتى أرى منه‬
‫لهواته ‪ ،‬إنما كان يتبسم‪ .‬قالت ‪ :‬وكان )‪ (4‬إذا رأى غيما ‪ -‬أو ريحا ‪ -‬عرف‬
‫ذلك في وجهه ‪ ،‬قالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن‬
‫يكون فيه المطر ‪ ،‬وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية ؟ فقال ‪" :‬يا‬
‫عائشة ‪ ،‬ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ‪ ،‬قد عذب قوم بالريح ‪ ،‬وقد رأى قوم‬
‫العذاب فقالوا ‪ :‬هذا عارض ممطرنا"‪ .‬وأخرجاه )‪ (5‬من حديث ابن وهب )‪.(6‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن المقدام بن‬
‫شريح ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا‬
‫رأى ناشئا في أفق من آفاق السماء ‪ ،‬ترك عمله ‪ ،‬وإن كان في صلته ‪ ،‬ثم‬
‫يقول ‪" :‬اللهم ‪ ،‬إني أعوذ بك من شر ما فيه" )‪ .(7‬فإن كشفه الله حمد‬
‫الله ‪ ،‬وإن أمطرت قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬صيبا نافعا" )‪.(8‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا أبو الطاهر ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪،‬‬
‫سمعت ابن جريج يحدث عن عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬إني أسألك‬
‫خيرها ‪ ،‬وخير ما فيها ‪ ،‬وخير ما أرسلت به ‪ ،‬وأعوذ بك من شرها ‪ ،‬وشر ما‬
‫خّيلت السماء تغير لونه ‪ ،‬وخرج‬ ‫فيها ‪ ،‬وشر ما أرسلت به"‪ .‬قالت ‪ :‬وإذا ت َ َ‬
‫ودخل ‪ ،‬وأقبل وأدبر ‪ ،‬فإذا مطرت سري عنه ‪ ،‬فعرفت ذلك عائشة ‪،‬‬
‫ضا‬ ‫ما َرأ َوْه ُ َ‬
‫عارِ ً‬ ‫فسألته ‪ ،‬فقال ‪" :‬لعله يا عائشة كما قال قوم عاد ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫مط ُِرَنا { )‪.(9‬‬ ‫م َقاُلوا هَ َ‬ ‫قب َ َ‬
‫م ْ‬
‫ض ُ‬
‫عارِ ٌ‬
‫ذا َ‬ ‫ل أوْدِي َت ِهِ ْ‬ ‫ست َ ْ ِ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫وقد ذكرنا قصة هلك عاد )‪ (10‬في سورتي "العراف وهود" )‪ (11‬بما أغنى‬
‫عن إعادته هاهنا ‪ ،‬ولله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬رمدا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (3/482‬وانظر تخريج بقية هذا الحديث عند الية ‪ 73 :‬من‬
‫سورة العراف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬عائشة رضي الله عنها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬أخرجه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (6/66‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4829 ، 4828‬وصحيح مسلم‬
‫برقم )‪.(899‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬من سوء عاقبته"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(6/190‬‬
‫)‪ (9‬صحيح مسلم برقم )‪.(899‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬هلك قوم عاد"‪.‬‬
‫)‪ (11‬راجع قصة هلك قوم عاد عند تفسير اليات ‪ 72 - 65 :‬من سورة‬
‫العراف واليات ‪ 60 - 50 :‬من سورة هود‪.‬‬

‫) ‪(7/287‬‬

‫ما أ َغَْنى‬ ‫َ‬


‫صاًرا وَأفْئ ِد َة ً فَ َ‬
‫َ‬
‫مًعا وَأب ْ َ‬ ‫س ْ‬
‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ل َهُ ْ‬ ‫م ِفيهِ وَ َ‬ ‫مك ّّناك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫ما إ ِ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وَل َ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫يٍء إ ِذ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت الل ِ‬ ‫ن ب ِآَيا ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَل أفْئ ِد َت ُهُ ْ‬ ‫صاُرهُ ْ‬ ‫م وَل أب ْ َ‬ ‫معُهُ ْ‬ ‫س ْ‬
‫م َ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قَرى‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫حوْلك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫قد ْ أهْلك َْنا َ‬ ‫ن )‪ (26‬وَل َ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫هّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (27‬فَلوْل ن َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صّرفَْنا الَيا ِ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫ن ات ّ َ‬‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫صَرهُ ُ‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫ت لعَلهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م وَذ َل ِك إ ِفْكهُ ْ‬ ‫ضلوا عَن ْهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ة بَ ْ‬ ‫قُْرَباًنا آل ِهَ ً‬

‫الحمد والمنة‪.‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا عبدان بن أحمد ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن زكريا الكوفي ‪،‬‬
‫حدثنا أبو مالك ‪ ،‬عن مسلم الملئي ‪ ،‬عن مجاهد وسعيد بن جبير )‪ ، (1‬عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما فتح على عاد‬
‫من الريح إل مثل موضع الخاتم ‪ ،‬ثم أرسلت عليهم ]فحملتهم[ البدو إلى‬
‫الحضر فلما رآها أهل الحضر قالوا ‪ :‬هذا عارض ممطرنا مستقبل أوديتنا‪.‬‬
‫وكان أهل البوادي فيها ‪ ،‬فألقى أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬عتت على خزانها حتى خرجت من خلل البواب )‪.(3) " (2‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫صاًرا وَأفْئ ِد َة ً فَ َ‬ ‫مًعا وَأب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ل َهُ ْ‬ ‫م ِفيهِ وَ َ‬ ‫مك ّّناك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ما إ ِ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫يٍء إ ِذ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م َول أفْئ ِد َت ُهُ ْ‬ ‫صاُرهُ ْ‬ ‫م َول أب ْ َ‬ ‫معُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫أغَْنى عَن ْهُ ْ‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫كانوا به يستهزُئون )‪ (26‬ول َ َ َ‬
‫قَرى‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوْل َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫قد ْ أهْل َك َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ ُ ِ ِ َ ْ َ ْ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫الل ّهِ وَ َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صَرهُ ُ‬ ‫ول ن َ َ‬ ‫ن )‪ (27‬فَل َ ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫ت ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫صّرفَْنا الَيا ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪.{ (28‬‬ ‫رو‬
‫ُ َ َُ َ‬‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ك‬
‫َُْ ْ َ ِ ِ ُ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫ع‬ ‫لوا‬ ‫ّ‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫قُْر َ ً ِ َ ً َ‬
‫ب‬ ‫ة‬ ‫ه‬‫ل‬ ‫آ‬ ‫نا‬ ‫با‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولقد مكنا المم السالفة في الدنيا من الموال والولد ‪،‬‬
‫مًعا‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ل َهُ ْ‬ ‫وأعطيناهم منها )‪ (4‬ما لم نعطكم مثله ول قريبا منه ‪ } ،‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يٍء إ ِذ ْ‬‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م َول أفْئ ِد َت ُهُ ْ‬ ‫صاُرهُ ْ‬ ‫م َول أب ْ َ‬ ‫معُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما أغَْنى عَن ْهُ ْ‬ ‫صاًرا وَأفْئ ِد َة ً فَ َ‬ ‫وَأب ْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬وأحاط بهم‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫ت الل ّهِ وَ َ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫العذاب والنكال الذي كانوا يكذبون به ويستبعدون وقوعه ‪ ،‬أي ‪ :‬فاحذروا أيها‬
‫المخاطبون أن تكونوا مثلهم ‪ ،‬فيصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫قَرى { يعني ‪ :‬أهل مكة ‪ ،‬قد أهلك‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫حوْلك ْ‬ ‫ما َ‬ ‫قد ْ أهْلكَنا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ‬
‫الله المم المكذبة بالرسل مما حولها كعاد ‪ ،‬وكانوا بالحقاف بحضرموت عند‬
‫اليمن وثمود ‪ ،‬وكانت منازلهم بينهم وبين الشام ‪ ،‬وكذلك سبأ وهم أهل اليمن‬
‫‪ ،‬ومدين وكانت في طريقهم وممرهم إلى غزة ‪ ،‬وكذلك بحيرة قوم لوط ‪،‬‬
‫كانوا يمرون بها أيضا‪.‬‬
‫ول‬ ‫َ‬
‫ن فَل ْ‬‫جُعو َ‬
‫م ي َْر ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت { أي ‪ :‬بيناها ووضحناها ‪ } ،‬لعَلهُ ْ‬ ‫صّرفَْنا الَيا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن اللهِ قُْرَباًنا آل َِهة { أي ‪ :‬فهل نصروهم عند‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬
‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬ ‫صَرهُ ُ‬‫نَ َ‬
‫م { أي ‪ :‬بل ذهبوا عنهم أحوج ما كانوا إليهم‬ ‫ضلوا عَن ْهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ل َ‬ ‫احتياجهم إليهم ‪ } ،‬ب َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬وافتراؤهم في‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫م { أي ‪ :‬كذبهم ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫ك إ ِفْك ُهُ ْ‬ ‫‪ } ،‬وَذ َل ِ َ‬
‫اتخاذهم إياهم آلهة ‪ ،‬وقد خابوا وخسروا في عبادتهم لها ‪ ،‬واعتمادهم عليها‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى الطبراني بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬البيوت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المعجم الكبير )‪ ، (12/42‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/113‬فيه‬
‫مسلم الملئي وهو ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬فيها"‪.‬‬

‫) ‪(7/288‬‬

‫َ‬
‫صُتوا‬ ‫ضُروهُ َقاُلوا أن ْ ِ‬ ‫ح َ‬
‫ما َ‬ ‫ن فَل َ ّ‬ ‫قْرآ َ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫فًرا ِ‬ ‫ك نَ َ‬ ‫صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫وَإ ِذ ْ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫معَْنا ك َِتاًبا أن ْزِ َ‬
‫ل‬ ‫س ِ‬ ‫مَنا إ ِّنا َ‬ ‫ن )‪َ (29‬قالوا َيا قَوْ َ‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫م ُ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫وا إ ِلى قَوْ ِ‬ ‫ي وَل ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫قيم ٍ )‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬‫ق ُ‬ ‫ري ٍ‬ ‫حقّ وَإ َِلى ط َ ِ‬ ‫دي إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ي َهْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ًّقا ل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫سى ُ‬
‫َ‬
‫مو َ‬ ‫ن ب َعْد ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جْرك ْ‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫ن ذ ُُنوب ِك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫فْر لك ْ‬ ‫مُنوا ب ِهِ ي َغْ ِ‬ ‫ي اللهِ وَآ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫جيُبوا َدا ِ‬ ‫مَنا أ ِ‬ ‫‪َ (30‬يا قَوْ َ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫ض وَلي ْ َ‬ ‫جزٍ ِفي الْر ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫س بِ ُ‬ ‫ي اللهِ فَلي ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ب َدا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ل يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب أِليم ٍ )‪ (31‬وَ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫عَ َ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ُدون ِهِ أوْل َِياُء أولئ ِك ِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫صُتوا‬ ‫ضُروهُ َقاُلوا أن ْ ِ‬ ‫ح َ‬
‫ما َ‬‫ن فَل َ ّ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫فًرا ِ‬ ‫ك نَ َ‬ ‫صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫} وَإ ِذ ْ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬‫معَْنا ك َِتاًبا أنز َ‬ ‫س ِ‬ ‫مَنا إ ِّنا َ‬ ‫ن )‪َ (29‬قالوا َيا قَوْ َ‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫م ُ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫وا إ ِلى قَوْ ِ‬ ‫ي وَل ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫قيم ٍ )‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬‫ق ُ‬ ‫ري ٍ‬ ‫حقّ وَإ َِلى ط َ ِ‬ ‫دي إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ي َهْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ًّقا ل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫سى ُ‬
‫َ‬
‫مو َ‬ ‫ن ب َعْد ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جْرك ْ‬ ‫ُ‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ذ ُُنوب ِك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫فْر لك ْ‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ب ِهِ ي َغْ ِ‬ ‫ي اللهِ َوآ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ع َ‬ ‫جيُبوا َدا ِ‬ ‫مَنا أ ِ‬ ‫‪َ (30‬يا قَوْ َ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫ض وَلي ْ َ‬ ‫جزٍ ِفي الْر ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫س بِ ُ‬ ‫ي اللهِ فَلي ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ب َدا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ل يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب أِليم ٍ )‪ (31‬وَ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫عَ َ‬
‫ن )‪.{ (32‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ُدون ِهِ أول َِياُء أولئ ِك ِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا عمرو ‪ :‬سمعت عكرمة ‪ ،‬عن الزبير ‪:‬‬
‫ن { قال ‪ :‬بنخلة ‪ ،‬ورسول‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫فًرا ِ‬ ‫ك نَ َ‬ ‫صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫} وَإ ِذ ْ َ‬
‫دا {‬ ‫ن عَلي ْهِ ل ِب َ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء الخرة ‪ } ،‬كاُدوا ي َكوُنو َ‬
‫]الجن ‪ ، [19 :‬قال سفيان ‪ :‬اللبد ‪ :‬بعضهم على بعض ‪ ،‬كاللبد بعضه على‬
‫بعض )‪.(1‬‬
‫تفرد به أحمد ‪ ،‬وسيأتي من رواية ابن جرير ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫صيبين‪.‬‬ ‫أنهم سبعة من جن ن َ ِ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا أبو عوانة)ح( ‪ -‬وقال )‪ (2‬الحافظ أبو‬
‫بكر البيهقي في كتابه "دلئل النبوة" ‪ :‬أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن‬
‫عبدان ‪ ،‬أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ‪ ،‬حدثنا إسماعيل القاضي ‪ ،‬أخبرنا‬
‫مسدد ‪ ،‬حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير )‪ ، (3‬عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ول رآهم ‪،‬‬
‫انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى‬
‫سوق عكاظ ‪ ،‬وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ‪ ،‬وأرسلت عليهم‬
‫الشهب ‪ ،‬فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ‪ :‬ما لكم ؟ فقالوا ‪ :‬حيل بيننا‬
‫وبين خبر السماء ‪ ،‬وأرسلت علينا الشهب‪ .‬قالوا ‪ :‬ما حال بينكم وبين خبر‬
‫السماء إل شيء حدث ‪ ،‬فاضربوا مشارق الرض ومغاربها وانظروا ما هذا‬
‫الذي حال بينكم وبين خبر السماء‪ .‬فانطلقوا يضربون مشارق الرض‬
‫ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء ‪ ،‬فانصرف أولئك‬
‫النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهو‬
‫بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ ‪ ،‬وهو يصلي بأصحابه صلة الفجر ‪ ،‬فلما سمعوا‬
‫القرآن استمعوا له ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذا ‪ -‬والله ‪ -‬الذي حال بينكم وبين خبر‬
‫السماء ‪ ،‬فهنالك حين رجعوا إلى قومهم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا قومنا ‪ ،‬إنا سمعنا قرآنا‬
‫عجبا ‪ ،‬يهدي إلى الرشد فآمنا به ‪ ،‬ولن نشرك بربنا أحدا ‪ ،‬وأنزل الله على‬
‫حي إل َ َ‬ ‫نبيه )‪ } : (4‬قُ ْ ُ‬
‫ن { ]الجن ‪ ، [1 :‬وإنما‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫م َ‬
‫فٌر ِ‬
‫مع َ ن َ َ‬
‫ست َ َ‬
‫ها ْ‬‫ي أن ّ ُ‬
‫ل أو ِ َ ِ ّ‬
‫أوحي إليه قول الجن‪.‬‬
‫دد بنحوه ‪ ،‬وأخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ ‪ ،‬عن‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬
‫رواه البخاري عن ُ‬
‫أبي عوانة ‪ ،‬به‪ .‬ورواه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(1/167‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬الحافظ الشهير"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬نبيه صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫) ‪(7/289‬‬

‫الترمذي والنسائي في التفسير ‪ ،‬من حديث أبي عوانة )‪.(1‬‬


‫وقال المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا أبو أحمد ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪،‬‬
‫عن سعيد بن جبير )‪ ، (2‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬كان الجن يستمعون )‪(3‬‬
‫قا وما‬
‫الوحي ‪ ،‬فيسمعون الكلمة فيزيدون فيها عشرا ‪ ،‬فيكون ما سمعوا ح ً‬
‫زادوا باطل وكانت النجوم ل يرمى بها قبل ذلك ‪ ،‬فلما بعث رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم كان أحدهم ل يأتي مقعده إل رمي بشهاب يحرق ما أصاب ‪،‬‬
‫فشكوا ذلك إلى إبليس فقال ‪ :‬ما هذا إل من أمر قد حدث‪ .‬فبث جنوده ‪ ،‬فإذا‬
‫بالنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بين جبلي نخلة ‪ ،‬فأتوه فأخبروه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫هذا الحدث الذي حدث في الرض‪.‬‬
‫ورواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننيهما ‪ ،‬من حديث‬
‫إسرائيل به )‪ (4‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وهكذا رواه أيوب عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وكذا رواه العوفي ‪،‬‬
‫عن ابن عباس أيضا ‪ ،‬بمثل هذا السياق بطوله ‪ ،‬وهكذا قال الحسن البصري ‪:‬‬
‫إنه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ما شعر بأمرهم حتى أنزل الله عليه بخبرهم‪.‬‬
‫وذكر محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن رومان ‪ ،‬عن محمد بن كعب القرظي‬
‫قصة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ودعائه إياهم إلى‬
‫الله عز وجل ‪ ،‬وإبائهم عليه‪ .‬فذكر القصة بطولها ‪ ،‬وأورد ذلك الدعاء‬
‫الحسن ‪" :‬اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي" إلى آخره‪ .‬قال ‪ :‬فلما‬
‫انصرف عنهم بات بنخلة ‪ ،‬فقرأ تلك الليلة من القرآن فاستمعه الجن من‬
‫أهل نصيبين )‪.(5‬‬
‫وهذا صحيح ‪ ،‬ولكن قوله ‪" :‬إن الجن كان استماعهم تلك الليلة"‪ .‬فيه نظر ؛‬
‫لن الجن كان استماعهم في ابتداء اليحاء ‪ ،‬كما دل عليه حديث ابن عباس‬
‫المذكور ‪ ،‬وخروجه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إلى الطائف كان بعد موت عمه ‪ ،‬وذلك‬
‫قبل الهجرة بسنة أو سنتين ‪ ،‬كما قرره ابن إسحاق وغيره ]والله أعلم[ )‪.(6‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي شيبة ‪ :‬حدثنا أبو أحمد الزبيري ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن‬
‫عاصم ‪ ،‬عن زر )‪ ، (7‬عن عبد الله بن مسعود قال ‪ :‬هبطوا على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة ‪ ،‬فلما سمعوه قالوا ‪ :‬أنصتوا‪.‬‬
‫قال )‪ (8‬صه ‪ ،‬وكانوا تسعة )‪ (9‬أحدهم زوبعة ‪ ،‬فأنزل الله عز وجل ‪ } :‬وَإ ِذ ْ‬
‫َ‬
‫ما‬‫صُتوا فَل َ ّ‬
‫ضُروهُ َقاُلوا أن ْ ِ‬
‫ح َ‬‫ما َ‬ ‫ن فَل َ ّ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫قْرآ َ‬ ‫مُعو َ‬
‫ست َ ِ‬‫ن يَ ْ‬
‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬‫م َ‬ ‫فًرا ِ‬
‫ك نَ َ‬‫صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ‬‫َ‬
‫ن { )‪.(10‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫قُ ِ‬
‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن { إلى ‪َ } :‬‬ ‫من ْذِِري َ‬
‫م ُ‬ ‫مهِ ْ‬‫وا إ ِلى قوْ ِ‬ ‫ي وَل ْ‬ ‫ض َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ ، (1/252‬ودلئل النبوة للبيهقي )‪.(2/225‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فيستمعون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (773‬وصحيح مسلم برقم )‪ ، (449‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪ ، (3323‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(1164‬‬
‫)‪ (5‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/419‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وروى أبو بكر بن أبي شيبة بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬قالوا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬سبعة"‪.‬‬
‫)‪ (10‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/456‬من طريق أبي بكر بن أبي‬
‫شيبة به ‪ ،‬وقال ‪" :‬صحيح السناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي‪.‬‬

‫) ‪(7/290‬‬

‫فهذا مع الول من رواية ابن عباس يقتضي أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لم يشعر بحضورهم في هذه المرة وإنما استمعوا قراءته ‪ ،‬ثم رجعوا‬
‫إلى قومهم ثم بعد ذلك وفدوا إليه أرسال قوما بعد قوم ‪ ،‬وفوجا بعد فوج ‪،‬‬
‫كما سيأتي بذلك الخبار في موضعها والثار ‪ ،‬مما سنوردها )‪ (1‬هاهنا إن شاء‬
‫الله تعالى وبه الثقة‪.‬‬
‫فأما ما رواه البخاري ومسلم جميعا ‪ ،‬عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد‬
‫السرخسي ‪ ،‬عن أبي أسامة حماد بن أسامة ‪ ،‬عن مسعر بن كدام ‪ ،‬عن معن‬
‫بن عبد الرحمن قال ‪ :‬سمعت أبي قال ‪ :‬سألت مسروقا ‪ :‬من آذن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ليلة استمعوا القرآن ؟ فقال ‪ :‬حدثني أبوك ‪ -‬يعني ابن‬
‫مسعود )‪ - (2‬أنه آذنته بهم شجرة )‪ - (3‬فيحتمل أن يكون هذا في المرة‬
‫الولى ‪ ،‬ويكون إثباتا مقدما على نفي ابن عباس ‪ ،‬ويحتمل أن يكون هذا في‬
‫بعض المرات المتأخرات ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬ويحتمل أن يكون في الولى ولكن لم‬
‫يشعر بهم حال استماعهم حتى آذنته بهم الشجرة ‪ ،‬أي ‪ :‬أعلمته باستماعهم ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫قال الحافظ البيهقي ‪ :‬وهذا الذي حكاه ابن عباس رضي الله عنهما )‪ ، (4‬إنما‬
‫هو في أول ما سمعت )‪ (5‬الجن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وعلمت حاله ‪ ،‬وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم ‪ ،‬ثم بعد ذلك أتاه‬
‫داعي الجن فقرأ عليهم القرآن ‪ ،‬ودعاهم إلى الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬كما رواه عبد‬
‫الله بن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه )‪.(6‬‬
‫ذكر الرواية عنه بذلك ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا داود عن الشعبي ‪-‬‬
‫وابن أبي زائدة ‪ ،‬أخبرنا داود ‪ ،‬عن الشعبي )‪ - (7‬عن علقمة قال ‪ :‬قلت لعبد‬
‫الله بن مسعود ‪ :‬هل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن‬
‫منكم أحد ؟ فقال ‪ :‬ما صحبه منا أحد ‪ ،‬ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة ‪ ،‬فقلنا ‪:‬‬
‫اغتيل ؟ استطير ؟ ما فعل ؟ قال ‪ :‬فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ‪ ،‬فلما كان‬
‫في وجه الصبح ‪ -‬أو قال ‪ :‬في السحر ‪ -‬إذا نحن به يجيء من قبل حراء ‪،‬‬
‫فقلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ -‬فذكروا له الذي كانوا فيه ‪ -‬فقال ‪" :‬إنه أتاني داعي‬
‫الجن ‪ ،‬فأتيتهم فقرأت عليهم"‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق ‪ ،‬فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ‪-‬‬
‫قال ‪ :‬وقال الشعبي ‪ :‬سألوه الزاد ‪ -‬قال عامر ‪ :‬سألوه بمكة ‪ ،‬وكانوا من جن‬
‫الجزيرة ‪ ،‬فقال ‪" :‬كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان‬
‫عليه لحما ‪ ،‬وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم ‪ -‬قال ‪ -‬فل تستنجوا بهما ‪،‬‬
‫فإنهما زاد إخوانكم من الجن"‪.‬‬
‫وهكذا رواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن علي بن حجر ‪ ،‬عن إسماعيل بن علية ‪،‬‬
‫به نحوه )‪.(8‬‬
‫وقال مسلم أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا عبد العلى ‪ ،‬حدثنا داود ‪-‬‬
‫وهو ابن أبي هند ‪ -‬عن عامر قال ‪ :‬سألت علقمة ‪ :‬هل كان ابن مسعود ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬نوردها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ابن مسعود رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (3859‬وصحيح مسلم برقم )‪.(450‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ما استمعت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(2/227‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فروى المام أحمد بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ ، (1/436‬وصحيح مسلم برقم )‪.(450‬‬

‫) ‪(7/291‬‬

‫الجن ؟ قال ‪ :‬فقال علقمة ‪ :‬أنا سألت ابن مسعود ؛ فقلت ‪ :‬هل شهد أحد‬
‫منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال ‪ :‬ل ولكنا كنا مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الودية‬
‫والشعاب ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬استطير ؟ اغتيل ؟ قال ‪ :‬فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ‪،‬‬
‫فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬فقدناك‬
‫فطلبناك فلم نجدك ‪ ،‬فبتنا بشر ليلة بات بها قوم‪ .‬فقال ‪" :‬أتاني داعي‬
‫الجن ‪ ،‬فذهبت معهم ‪ ،‬فقرأت عليهم القرآن"‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق بنا فأرانا آثارهم‬
‫وآثار نيرانهم ‪ ،‬وسألوه الزاد فقال ‪" :‬كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في‬
‫أيديكم أوفر ما يكون لحما ‪ ،‬وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم"‪ .‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬فل تستنجوا بهما ‪ ،‬فإنهما طعام إخوانكم" )‪.(1‬‬
‫طريق أخرى عن ابن مسعود ‪ :‬قال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثني أحمد بن عبد‬
‫الرحمن ‪ ،‬حدثني عمي ‪ ،‬حدثني يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبيد الله بن عبد‬
‫الله ؛ أن بن مسعود قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫"بت الليلة أقرأ على الجن ربعا )‪ (2‬بالحجون" )‪.(3‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬فيها أنه كان معه ليلة الجن ‪ ،‬قال ابن جرير رحمه الله ‪:‬‬
‫حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ‪ ،‬حدثنا عمي عبد الله بن وهب ‪،‬‬
‫أخبرني يونس ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن أبي عثمان بن سنة الخزاعي ‪ -‬وكان‬
‫من أهل الشام )‪ - (4‬أن عبد الله بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لصحابه وهو بمكة ‪" :‬من أحب منكم أن يحضر أمر الجن الليلة‬
‫فليفعل"‪ .‬فلم يحضر منهم أحد غيري ‪ ،‬قال ‪ :‬فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة‬
‫خط لي برجله خطا ‪ ،‬ثم أمرني أن أجلس فيه ‪ ،‬ثم انطلق حتى قام ‪ ،‬فافتتح‬
‫القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه ‪ ،‬حتى ما أسمع صوته ‪ ،‬ثم‬
‫طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ‪ ،‬حتى بقي منهم رهط ‪ ،‬ففرغ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفجر ‪ ،‬فانطلق فتبرز ‪ ،‬ثم أتاني‬
‫فقال ‪" :‬ما فعل الرهط ؟" فقلت ‪ :‬هم أولئك يا رسول الله ‪ ،‬فأعطاهم عظما‬
‫وروثا زادا ‪ ،‬ثم نهى أن يستطيب أحد بروث أو عظم‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ‪ ،‬عن أبي زرعة وهب‬
‫الله بن راشد ‪ ،‬عن يونس بن يزيد اليلي ‪ ،‬به )‪.(5‬‬
‫ورواه البيهقي في الدلئل ‪ ،‬من حديث عبد الله بن صالح ‪ -‬كاتب الليث ‪ -‬عن‬
‫الليث ‪ ،‬عن يونس به )‪.(6‬‬
‫وقد روى إسحاق بن راهويه ‪ ،‬عن جرير ‪ ،‬عن قابوس بن أبي ظبيان ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬فذكر نحو ما تقدم )‪.(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(450‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬وقفا" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬رفعا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪ (26/21‬ورواه أحمد في المسند )‪ (1/416‬من طريق‬
‫يونس عن الزهري ‪ ،‬به‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬روى مسلم وروى ابن جرير بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(26/21‬‬
‫)‪ (6‬دلئل النبوة للبيهقي )‪ ، (2/330‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪(2/503‬‬
‫من طريق عبد الله بن صالح به ‪ ،‬قال الذهبي ‪" :‬هو صحيح عند جماعة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬وفي إسناده قابوس بن أبي ظبيان ‪ ،‬ضعفه أبو حاتم والنسائي وأحمد ‪،‬‬
‫وقال ابن حبان ‪" :‬ينفرد عن أبيه بما ل أصل له ‪ ،‬فربما رفع المرسل وأسند‬
‫الموقوف"‪.‬‬

‫) ‪(7/292‬‬

‫ورواه الحافظ أبو نعيم ‪ ،‬من طريق موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫الحارث ‪ ،‬عن أبي المعلى )‪ ، (1‬عن ابن مسعود فذكر نحوه أيضا )‪.(2‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أبو نعيم ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن مالك ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن‬
‫أحمد بن حنبل ‪ ،‬حدثني أبي قال ‪ :‬حدثنا عفان وعكرمة قال حدثنا معتمر‬
‫قال ‪ :‬قال أبي ‪ :‬حدثني أبو تميمة ‪ ،‬عن عمرو ‪ -‬ولعله قد يكون قال ‪ :‬البكالي‬
‫‪ -‬يحدثه عمرو ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬استتبعني‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فانطلقنا حتى أتينا مكان كذا وكذا ‪ ،‬فخط‬
‫لي خطا فقال ‪" :‬كن بين ظهر هذه ل تخرج منها ؛ فإنك إن خرجت منها‬
‫هلكت" فذكر الحديث بطوله وفيه غرابة شديدة )‪.(3‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن ثور ‪ ،‬عن‬
‫معمر ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير )‪ ، (4‬عن عبد الله بن عمرو بن غيلن‬
‫الثقفي ؛ أنه قال لبن مسعود ‪ :‬حدثت أنك كنت مع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ليلة وفد الجن ؟ قال ‪ :‬أجل‪ .‬قال ‪ :‬فكيف كان ؟ فذكر الحديث‬
‫كله ‪ ،‬وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم خط عليه خطا ‪ ،‬وقال ‪" :‬ل تبرح‬
‫جاجة السوداء غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫منها" فذكر مثل العَ َ‬
‫فذعر ثلث مرات ‪ ،‬حتى إذا كان قريبا من الصبح ‪ ،‬أتاني النبي )‪ (5‬صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال ‪" :‬أنمت ؟" فقلت ‪ :‬ل والله ‪ ،‬ولقد هممت مرارا أن‬
‫أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك ‪ ،‬تقول ‪" :‬اجلسوا" فقال ‪" :‬لو‬
‫خرجت لم آمن أن يخطفك )‪ (6‬بعضهم"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هل رأيت شيئا ؟"‬
‫فقلت ‪ :‬نعم رأيت رجال سوًدا مستشعرين )‪ (7‬ثيابا بياضا‪ .‬قال ‪" :‬أولئك جن‬
‫نصيبين سألوني المتاع ‪ -‬والمتاع ‪ :‬الزاد ‪ -‬فمتعتهم بكل عظم حائل ‪ ،‬أو بعرة‬
‫أو روثة" ‪ -‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وما يغني ذلك عنهم ؟ فقال ‪" :‬إنهم ل‬
‫يجدون عظما إل وجدوا عليه لحمه يوم أكل ‪ ،‬ول روثا إل وجدوا فيها حبها يوم‬
‫أكلت ‪ ،‬فل يستنقين أحد منكم إذا خرج من الخلء بعظم ول بعرة ول روثة" )‬
‫‪.(8‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي‬
‫وأبو نصر بن قتادة قال أخبرنا أبو محمد يحيى بن منصور القاضي ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫شْنجي ‪ ،‬حدثنا روح بن صلح ‪ ،‬حدثنا موسى بن‬ ‫عبد الله محمد بن إبراهيم الُبو َ‬
‫علي بن رباح ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود قال ‪ :‬استتبعني رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬إن نفرا من الجن ‪ -‬خمسة عشر بني إخوة‬
‫وبني عم ‪ -‬يأتونني الليلة ‪ ،‬فأقرأ عليهم القرآن" ‪ ،‬فانطلقت معه إلى المكان‬
‫الذي أراد ‪ ،‬فخط لي خطا وأجلسني فيه ‪ ،‬وقال لي ‪" :‬ل تخرج من هذا"‪.‬‬
‫فبت فيه حتى أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع السحر في يده‬
‫ممة فقال لي ‪" :‬إذا ذهبت إلى الخلء فل تستنج بشيء‬ ‫ح َ‬‫عظم حائل وروثة ُ‬
‫من هؤلء"‪ .‬قال ‪ :‬فلما أصبحت قلت ‪ :‬لعلمن علمي حيث كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ ،‬فذهبت فرأيت موضع مبرك )‪ (9‬ستين بعيرا )‬
‫‪.(10‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ‪ ،‬أخبرنا أبو العباس‬
‫الصم ‪ ،‬حدثنا العباس‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬إسماعيل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (10/80‬من طريق موسى بن‬
‫عبيدة الربذي ‪ ،‬به‪.‬‬
‫)‪ (3‬لم أجده في دلئل النبوة وهو في المسند للمام أحمد )‪.(1/399‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬روى ابن جرير بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬يختطفك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مستثفرين"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(26/21‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬منزل"‪.‬‬
‫)‪ (10‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(2/231‬‬

‫) ‪(7/293‬‬

‫دوري ‪ ،‬حدثنا عثمان بن عمر )‪ ، (1‬عن المستمر بن الريان ‪ ،‬عن‬ ‫بن محمد ال ّ‬
‫أبي الجوزاء ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود قال ‪ :‬انطلقت مع رسول الله صلى‬
‫طا ‪ ،‬ثم تقدم‬‫الله عليه وسلم ليلة الجن ‪ ،‬حتى أتى الحجون ‪ ،‬فخط لي خ ً‬
‫إليهم فازدحموا عليه ‪ ،‬فقال سيد لهم يقال له ‪" :‬وردان" ‪ :‬أنا أرحلهم عنك‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬إني لن يجيرني من الله أحد )‪.(2‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي‬
‫فزارة العبسي ‪ ،‬حدثنا أبو زيد ‪ -‬مولى عمرو بن حريث ‪ -‬عن ابن مسعود قال‬
‫‪ :‬لما كان ليلة الجن قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أمعك ماء ؟"‬
‫قلت ‪ :‬ليس معي ماء ‪ ،‬ولكن معي إداوة فيها نبيذ‪ .‬فقال النبي ‪" :‬تمرة طيبة‬
‫وماء طهور" فتوضأ‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من حديث أبي زيد ‪ ،‬به )‪.(3‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن إسحاق ‪ ،‬أخبرنا ابن لهيعة ‪ ،‬عن‬
‫قيس بن الحجاج ‪ ،‬عن حنش الصنعاني ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫مسعود ؛ أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله ‪" :‬يا عبد الله ‪ ،‬أمعك ماء ؟" قال ‪ :‬معي نبيذ في إداوة ‪ ،‬فقال )‬
‫‪ (4‬اصبب علي"‪ .‬فتوضأ ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا عبد الله‬
‫شراب وطهور" )‪.(5‬‬
‫تفرد به أحمد من هذا الوجه ‪ ،‬وقد أورده الدارقطني من طريق آخر ‪ ،‬عن‬
‫ابن مسعود ‪] ،‬به[ )‪.(7) (6‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرني أبي عن ميناء ‪،‬‬
‫عن عبد الله قال ‪ :‬كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وفد‬
‫الجن ‪ ،‬فلما انصرف تنفس ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما شأنك ؟ قال ‪" :‬نعيت إلي نفسي يا‬
‫ابن مسعود"‪.‬‬
‫هكذا رأيته في المسند مختصرا )‪ ، (8‬وقد رواه الحافظ أبو نعيم في كتابه‬
‫"دلئل النبوة" ‪ ،‬فقال ‪ :‬حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن‬
‫إبراهيم ‪ -‬وحدثنا أبو بكر بن مالك ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبي قال حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ميناء ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬كنت‬
‫مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن ‪ ،‬فتنفس ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما‬
‫لك يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود"‪ .‬قلت ‪ :‬استخلف‪.‬‬
‫قال ‪" :‬من ؟" قلت ‪ :‬أبا بكر‪ .‬فسكت )‪ ، (9‬ثم مضى ساعة فتنفس ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫ما شأنك بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬نعيت إلي نفسي يا ابن‬
‫مسعود"‪ .‬قلت ‪ :‬استخلف‪ .‬قال ‪" :‬من ؟" قلت ‪ :‬عمر ]بن الخطاب[ )‪.(10‬‬
‫فسكت ‪ ،‬ثم مضى ساعة ‪ ،‬ثم تنفس فقلت ‪ :‬ما شأنك ؟ قال ‪" :‬نعيت إلي‬
‫نفسي"‪ .‬قلت ‪ :‬فاستخلف‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من ؟" قلت ‪ :‬علي‬
‫بن أبي طالب‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أما والذي نفسي بيده ‪ ،‬لئن‬
‫أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين‪.(11) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عن عمر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(2/231‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ ، (1/449‬وسنن أبي داود برقم )‪ (84‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (88‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(384‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (1/398‬وقد تفرد به ابن لهيعة ‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (7‬سنن الدارقطني )‪ (1/77‬من طريق داود بن أبي هند عن عامر بن‬
‫علقمة بن قيس‪ .‬قال ‪ :‬قلت لعبد الله بن مسعود ‪ :‬أشهد رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أحد منكم ليلة أتاه داعي الجن ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال الدارقطني ‪:‬‬
‫"هذا الصحيح عن ابن مسعود"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(1/449‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬أبو بكر‪ .‬قال ‪ :‬فسكت"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (11‬المعجم الكبير للطبراني )‪ (10/82‬وفيه ميناء بن أبي ميناء ‪ ،‬كذاب‪.‬‬

‫) ‪(7/294‬‬

‫دا ‪ ،‬وأحرى به أل يكون محفوظا ‪ ،‬وبتقدير صحته‬ ‫وهو حديث غريب ج ّ‬


‫فالظاهر أن هذا بعد وفودهم إليه بالمدينة على ما سنورده ‪ ،‬فإن في ذلك‬
‫الوقت في آخر المر لما فتحت مكة ‪ ،‬ودخل الناس والجان أيضا في دين الله‬
‫َ‬
‫خُلو َ‬
‫ن‬ ‫س ي َد ْ ُ‬
‫ت الّنا َ‬‫ح‪ .‬وََرأي ْ َ‬‫فت ْ ُ‬ ‫صُر الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬‫أفواجا ‪ ،‬نزلت سورة )‪ } (1‬إ َِذا َ‬
‫َ‬
‫واًبا { ‪ ،‬وهي‬ ‫ن تَ ّ‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬
‫فْرهُ إ ِن ّ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫َ‬
‫مد ِ َرب ّك َوا ْ‬ ‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫جا‪ .‬فَ َ‬
‫سب ّ ْ‬ ‫وا ً‬‫ن الل ّهِ أفْ َ‬
‫ِفي ِدي ِ‬
‫السورة التي نعيت نفسه الكريمة فيها إليه ‪ ،‬كما قد نص على ذلك ابن عباس‬
‫‪ ،‬ووافقه عمر بن الخطاب عليه ‪ ،‬وقد ورد في ذلك حديث سنورده عند‬
‫تفسيرها ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وقد رواه أبو نعيم أيضا ‪ ،‬عن الطبراني ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عبد الله الحضرمي ‪ ،‬عن علي بن الحسين بن أبي بردة ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد‬
‫صِبيح ‪ ،‬عن سعيد بن مسلمة ‪ ،‬عن أبي مرة‬ ‫)‪ (2‬السلمي ‪ ،‬عن حرب بن َ‬
‫الصنعاني ‪ ،‬عن أبي عبد الله الجدلي ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬فذكره وذكر فيه‬
‫قصة الستخلف )‪ ، (3‬وهذا إسناد غريب ‪ ،‬وسياق عجيب‪.‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو سعيد ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪،‬‬
‫عن علي بن زيد ‪ ،‬عن أبي رافع ‪ ،‬عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم )‪ (4‬خط حوله ‪ ،‬فكان أحدهم )‪ (5‬مثل سواد النحل ‪ ،‬وقال لي ‪:‬‬
‫"ل تبرح مكانك" ‪ ،‬فأقرأهم كتاب الله " ‪ ،‬فلما رأى الّزط قال ‪ :‬كأنهم هؤلء‪.‬‬
‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أمعك ماء ؟" قلت ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪" :‬أمعك نبيذ‬
‫؟" قلت ‪ :‬نعم‪ .‬فتوضأ به )‪.(6‬‬
‫طريق أخرى مرسلة ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو عبد الله الظهراني )‪، (7‬‬
‫أخبرنا حفص بن عمر العدني ‪ ،‬حدثنا الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة في قوله‬
‫ن { قال ‪ :‬هم اثنا عشر ألفا جاؤوا من‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫م َ‬‫فًرا ِ‬ ‫ك نَ َ‬‫صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫تعالى ‪ } :‬وَإ ِذ ْ َ‬
‫جزيرة الموصل ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبن مسعود ‪" :‬أنظرني‬
‫حتى آتيك" ‪ ،‬وخط عليه خطا ‪ ،‬وقال ‪" :‬ل تبرح حتى آتيك"‪ .‬فلما خشيهم ابن‬
‫مسعود كاد أن يذهب ‪ ،‬فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم‬
‫يبرح ‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لو ذهبت ما التقينا إلى يوم‬
‫القيامة" )‪.(8‬‬
‫طريق أخرى مرسلة أيضا ‪ :‬قال سعيد بن أبي عروبة ‪ ،‬عن قتادة في قوله‬
‫ن { قال ‪ :‬ذكر لنا أنهم صرفوا إليه‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫م َ‬
‫فًرا ِ‬ ‫صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ك نَ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَإ ِذ ْ َ‬
‫وى ‪ ،‬وأن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إني أمرت أن أقرأ‬ ‫من ِنين َ َ‬
‫على الجن فأيكم يتبعني ؟" فأطرقوا ‪ ،‬ثم استتبعهم فأطرقوا ‪ ،‬ثم استتبعهم‬
‫الثالثة فقال رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن ذاك لذو ندبة فأتبعه ابن مسعود أخو‬
‫هذيل ‪ ،‬قال ‪ :‬فدخل النبي صلى الله عليه وسلم شعبا يقال له ‪" :‬شعب‬
‫الحجون" ‪ ،‬وخط عليه ‪ ،‬وخط على ابن مسعود ليثبته بذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬فجعلت‬
‫أهال وأرى أمثال النسور تمشي في دفوفها ‪ ،‬وسمعت لغطا شديدا ‪ ،‬حتى‬
‫خفت على نبي الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم تل القرآن ‪ ،‬فلما رجع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما اللغط الذي سمعت ؟‬
‫قال ‪" :‬اختصموا في قتيل ‪ ،‬فقضي بينهم بالحق"‪ .‬رواه ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي‬
‫حاتم )‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬سورة النصر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يعلى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المعجم الكبير للطبراني )‪ (10/81‬وفي إسناده يحيى السلمي وهو‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فكان يجيء أحدهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(1/455‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬الطبراني"‪.‬‬
‫)‪ (8‬وفي إسناده الحكم بن أبان ‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪.(26/20‬‬

‫) ‪(7/295‬‬

‫فهذه الطرق كلها تدل )‪ (1‬على أنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الجن‬
‫قصدا ‪ ،‬فتل عليهم القرآن ‪ ،‬ودعاهم إلى الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وشرع الله لهم‬
‫على لسانه ما هم محتاجون إليه في ذلك الوقت‪ .‬وقد يحتمل أن أول مرة‬
‫سمعوه يقرأ القرآن ]و[ )‪ (2‬لم يشعر بهم ‪ ،‬كما قاله ابن عباس ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنهما )‪ ، (3‬ثم بعد ذلك وفدوا إليه كما رواه ابن مسعود‪ .‬وأما ابن مسعود‬
‫فإنه لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حال مخاطبته الجن ودعائه‬
‫إياهم ‪ ،‬وإنما كان بعيدا منه ‪ ،‬ولم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم أحد‬
‫سواه ‪ ،‬ومع هذا لم يشهد حال المخاطبة ‪ ،‬هذه طريقة البيهقي‪.‬‬
‫وقد يحتمل أن يكون أول مرة خرج إليهم لم يكن معه ابن مسعود ول غيره ‪،‬‬
‫كما هو ظاهر سياق الرواية الولى من طريق المام أحمد ‪ ،‬وهي عند مسلم‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى ‪ ،‬والله أعلم ‪ ،‬كما روى ابن أبي حاتم في‬
‫ي { ‪ ،‬من حديث ابن جريج قال ‪ :‬قال عبد العزيز بن‬ ‫ل ُأو ِ‬
‫ح َ‬ ‫تفسير ‪ } :‬قُ ْ‬
‫عمر ‪ :‬أما الجن الذين لقوه بنخلة فجن نينوى ‪ ،‬وأما الجن الذين لقوه بمكة‬
‫فجن نصيبين ‪ ،‬وتأوله البيهقي على أنه يقول ‪" :‬فبتنا بشر ليلة بات بها قوم" ‪،‬‬
‫على غير ابن مسعود ممن لم يعلم بخروجه صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫الجن ‪ ،‬وهو محتمل على بعد ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله )‪(4‬‬
‫الديب ‪ ،‬أخبرنا أبو بكر السماعيلي ‪ ،‬أخبرنا الحسن بن سفيان ‪ ،‬حدثني سويد‬
‫بن سعيد ‪ ،‬حدثنا عمرو بن يحيى ‪ ،‬عن جده سعيد بن عمرو ‪ ،‬قال )‪ (5‬كان‬
‫أبو هريرة يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإداوة لوضوئه وحاجته ‪،‬‬
‫فأدركه يوما فقال ‪" :‬من هذا ؟" قال ‪ :‬أنا أبو هريرة قال ‪" :‬ائتني بأحجار‬
‫أستنج بها ‪ ،‬ول تأتني بعظم ول روثة"‪ .‬فأتيته بأحجار في ثوبي ‪ ،‬فوضعتها إلى‬
‫جنبه حتى إذا فرغ وقام اتبعته ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما بال العظم‬
‫والروثة )‪ (6‬؟ قال ‪" :‬أتاني وفد جن نصيبين ‪ ،‬فسألوني الزاد ‪ ،‬فدعوت الله‬
‫لهم أل يمروا بعظم ول بروثة إل وجدوه طعاما" )‪.(7‬‬
‫أخرجه البخاري في صحيحه ‪ ،‬عن موسى بن إسماعيل ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫يحيى ‪ ،‬بإسناده قريبا منه )‪ (8‬فهذا يدل مع ما تقدم على أنهم وفدوا عليه بعد‬
‫ذلك‪ .‬وسنذكر ما يدل على تكرار ذلك‪.‬‬
‫وقد روي عن ابن عباس غير ما ذكر )‪ (9‬عنه أول من وجه جيد ‪ ،‬فقال ابن‬
‫جرير ‪:‬‬
‫حدثنا أبو كريب ‪ ،‬حدثنا عبد الحميد الحماني ‪ ،‬حدثنا النضر بن عربي ‪ ،‬عن‬
‫ن { الية ‪،‬‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫م َ‬
‫فًرا ِ‬ ‫صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ك نَ َ‬ ‫عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَإ ِذ ْ َ‬
‫]قال[ )‪ (10‬كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم رسل إلى قومهم )‪.(11‬‬
‫فهذا يدل على أنه قد روى القصتين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فهذه الحاديث التي ذكرناها كلها تدل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عبد الوهاب"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وقال الحافظ أبو بكر البيهقي بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬الروث"‪.‬‬
‫)‪ (7‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(2/233‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪.(3860‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬ما روي"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬تفسير الطبري )‪.(26/22‬‬

‫) ‪(7/296‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا سويد بن عبد العزيز ‪،‬‬
‫ن‬
‫م َ‬‫فًرا ِ‬ ‫صَرفَْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ك نَ َ‬ ‫حدثنا رجل سماه ‪ ،‬عن ابن جريج ‪ ،‬عن مجاهد ‪ } :‬وَإ ِذ ْ َ‬
‫ن { الية ‪ ،‬قال ‪ :‬كانوا سبعة نفر ‪ ،‬ثلثة من أهل حران ‪ ،‬وأربعة من أهل‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬
‫نصيبين ‪ ،‬وكانت أسماؤهم حيى وحسى ومسى ‪ ،‬وشاصر وناصر ‪ ،‬والرد‬
‫وإبيان والحقم‪.‬‬
‫وذكر أبو حمزة الثمالي أن هذا الحي من الجن كان يقال لهم ‪ :‬بنو الشيصبان‬
‫‪ ،‬وكانوا أكثر الجن عددا وأشرفهم نسبا ‪ ،‬وهم كانوا عامة جنود إبليس‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن ذ َّر ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ :‬كانوا تسعة ‪،‬‬
‫أحدهم زوبعة ‪ ،‬أتوه من أصل نخلة‪.‬‬
‫وتقدم عنه أنهم كانوا خمسة عشر ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬أنهم كانوا على ستين راحلة‬
‫‪ ،‬وتقدم عنه أن اسم سيدهم وردان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬كانوا ثلثمائة ‪ ،‬وتقدم عن‬
‫عكرمة أنهم كانوا اثنى عشر ألفا ‪ ،‬فلعل هذا الختلف دليل على تكرر‬
‫وفادتهم عليه صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬ومما يدل على ذلك ما قاله )‪(1‬‬
‫البخاري في صحيحه ‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن سليمان ‪ ،‬حدثني ابن وهب ‪ ،‬حدثني عمر ‪ -‬هو ابن محمد ‪ -‬أن‬
‫سالما حدثه ‪ ،‬عن عبد الله بن عمر قال ‪ :‬ما سمعت عمر يقول لشيء قط ‪:‬‬
‫"إني لظنه كذا" إل كان كما يظن ‪ ،‬بينما عمر بن الخطاب جالس إذ مر به‬
‫رجل جميل ‪ ،‬فقال ‪ :‬لقد أخطأ ظني ‪ -‬أو ‪ :‬إن هذا على دينه في الجاهلية ‪ -‬أو‬
‫لقد كان كاهنهم ‪ -‬علي بالرجل ‪ ،‬فدعى له )‪ ، (2‬فقال له ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما‬
‫رأيت كاليوم استقبل له رجل مسلم‪ .‬قال ‪ :‬فإني أعزم عليك إل ما أخبرتني‪.‬‬
‫جن ِي ُّتك‪ .‬قال ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬كنت كاهنهم في الجاهلية‪ .‬قال ‪ :‬فما أعجب ما جاءتك به ِ‬
‫بينما أنا يوما في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫سها‪...‬‬ ‫سها من بعد إن ْ َ‬
‫كا ِ‬ ‫سَها‪ ...‬وَيأ َ‬‫ن وإْبل َ‬
‫ج ّ‬
‫ألم ت َْر ال ِ‬
‫َ‬
‫حلسها‬ ‫وُلحوَقها بالقلص وَأ ْ‬
‫قال عمر ‪ :‬صدق ‪ ،‬بينما أنا نائم عند آلهتهم ‪ ،‬إذ جاء رجل بعجل فذبحه ‪،‬‬
‫فصرخ به صارخ ‪ ،‬لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول ‪ :‬يا جليح ‪ ،‬أمر‬
‫نجيح ‪ ،‬رجل فصيح يقول ‪" :‬ل إله إل الله" فوثب )‪ (3‬القوم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ل أبرح‬
‫حتى أعلم ما وراء هذا ؟ ثم نادى يا جليح ‪ ،‬أمر نجيح ‪ ،‬رجل فصيح يقول ‪" :‬ل‬
‫إله إل الله"‪ .‬فقمت ‪ ،‬فما نشبنا أن قيل ‪ :‬هذا نبي‪.‬‬
‫هذا سياق البخاري )‪ ، (4‬وقد رواه البيهقي من حديث ابن وهب ‪ ،‬بنحوه ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪" :‬وظاهر هذه الرواية يوهم أن عمر بنفسه سمع الصارخ يصرخ من‬
‫العجل الذي ذبح ‪ ،‬وكذلك هو صريح )‪ (5‬في رواية ضعيفة عن عمر في‬
‫إسلمه ‪ ،‬وسائر الروايات تدل على أن هذا الكاهن هو الذي أخبر بذلك عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ما رواه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬فدعى فجيء به له"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬فوثب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(3866‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬صريحا" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(7/297‬‬

‫رؤيته وسماعه ‪ ،‬والله أعلم" )‪.(1‬‬


‫وهذا الذي قاله البيهقي هو المتجهن وهذا الرجل هو سواد بن قارب ‪ ،‬وقد‬
‫ذكرت هذا )‪ (2‬مستقصى في سيرة عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬فمن أراده‬
‫فليأخذه من ث َ ّ‬
‫م ‪ ،‬ولله الحمد ]والمنة[ )‪.(3‬‬
‫قال البيهقي ‪" :‬حديث سواد بن قارب ‪ ،‬ويشبه أن يكون هذا هو الكاهن الذي‬
‫لم يذكر اسمه في الحديث الصحيح"‪.‬‬
‫أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر من أصل سماعه ‪،‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار الصبهاني ‪ ،‬قراءة عليه ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو جعفر أحمد بن موسى الحمار الكوفي بالكوفة ‪ ،‬حدثنا زياد بن يزيد بن‬
‫بادويه أبو بكر القصري ‪ ،‬حدثنا محمد بن نواس الكوفي ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن‬
‫عياش ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن البراء ]رضي الله عنه[ )‪ (4‬قال ‪ :‬بينما عمر‬
‫بن الخطاب يخطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إذ‬
‫قال ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬أفيكم سواد بن قارب ؟ قال ‪ :‬فلم يجبه أحد تلك السنة ‪،‬‬
‫فلما كانت السنة المقبلة قال ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬أفيكم سواد بن قارب ؟ قال ‪:‬‬
‫فقلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬وما سواد بن قارب ؟ قال ‪ :‬فقال له عمر ‪ :‬إن‬
‫سواد بن قارب كان َبدُء إسلمه شيئا عجيبا ‪ ،‬قال ‪ :‬فبينا نحن كذلك إذ طلع‬
‫سواد بن قارب ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال له عمر ‪ :‬يا سواد حدثنا ببدء إسلمك ‪ ،‬كيف‬
‫ي من الجن ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫كان ؟ قال سواد ‪ :‬فإني كنت نازل بالهند ‪ ،‬وكان لي َرئ ِ ّ‬
‫فبينا أنا ذات ليلة نائم ‪ ،‬إذ جاءني في منامي ذلك‪ .‬قال ‪ :‬قم فافهم واعقل إن‬
‫كنت تعقل ‪ ،‬قد بعث رسول من لؤي بن غالب ‪ ،‬ثم أنشأ يقول ‪:‬‬
‫حلسَها‪...‬‬ ‫س بأ ْ‬ ‫دها العي َ‬ ‫ش ّ‬ ‫سها )‪ (5‬و َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن وأن ْ َ‬ ‫ت للج ّ‬ ‫جب ُ‬ ‫عَ ِ‬
‫جاسَها‪...‬‬ ‫ن كأْر َ‬‫َ‬ ‫ج ّ‬ ‫مؤمنو ال ِ‬ ‫ما ُ‬‫دى‪َ ...‬‬ ‫ة ت َْبغي الهُ َ‬ ‫مك َ‬ ‫ت َْهوي إلى َ‬
‫سَها‪...‬‬‫م بعين َْيك إلى َرا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م‪ ...‬وا ْ‬ ‫هاش ٍ‬ ‫فوةِ من َ‬ ‫ص ْ‬ ‫َفان َْهض إلى ال ّ‬
‫قال ‪ :‬ثم أنبهني فأفزعني ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا سواد بن قارب ‪ ،‬إن الله بعث نبًيا‬
‫فانهض إليه تهتد وترشد‪ .‬فلما كان من الليلة الثانية أتاني فأنبهني ‪ ،‬ثم أنشأ‬
‫يقول كذلك ‪:‬‬
‫س بأقَْتاب َِها‪...‬‬ ‫ها الِعي َ‬ ‫شد َ‬ ‫طلِبها‪ ...‬وَ َ‬ ‫ن وَت َ ْ‬ ‫ت للج ّ‬ ‫جب ُ‬ ‫عَ ِ‬
‫كأذ َْناِبها‪...‬‬ ‫س ُقداماها َ‬ ‫دى‪ ...‬لي َ‬ ‫ة ت َْبغي الهُ َ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫ت َْهوي إلى َ‬
‫م بعَي َْنيك إلى َناِبها )‪(6‬‬ ‫س ُ‬ ‫م‪ ...‬وا ْ‬ ‫هاش ٍ‬ ‫فوةِ من َ‬ ‫ص ْ‬ ‫فانهض إلى ال ّ‬
‫فلما كان في الليلة الثالثة أتاني فأنبهني ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫ها‪...‬‬ ‫وار َ‬ ‫س بأك ْ َ‬ ‫دها الِعي َ‬ ‫خبارها‪ ...‬وَ َ‬
‫ش ّ‬ ‫ن وَت َ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت لل ِ‬ ‫جب ُ‬ ‫عَ ِ‬
‫ها‪...‬‬ ‫خَيار َ‬ ‫َ‬
‫شر كأ ْ‬ ‫س ذ َُوو ال ّ‬ ‫َ‬
‫دى‪ ...‬لي ْ َ‬ ‫ة ت َب ِْغي الهُ َ‬ ‫ّ‬
‫مك َ‬ ‫ت َْهوي إلى َ‬
‫ها‪...‬‬
‫فار َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن كك ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫منو ال ِ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫م‪َ ...‬‬ ‫هاش ٍ‬ ‫فوةِ من َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ض إلى ال ّ‬ ‫َفان ْهَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬دلئل النبوة للبيهقي ‪.(02/245‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬وأجناسها"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬يابها"‪.‬‬

‫) ‪(7/298‬‬

‫قال ‪ :‬فلما سمعته تكرر ليلة بعد ليلة ‪ ،‬وقع في قلبي حب السلم من أمر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ‪ ،‬قال ‪ :‬فانطلقت إلى رحلي‬
‫فشددته على راحلتي ‪ ،‬فما حللت ]عليه[ )‪ (1‬نسعة ول عقدت أخرى حتى‬
‫أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإذا هو بالمدينة ‪ -‬يعني مكة ‪-‬‬
‫والناس عليه كعرف الفرس ‪ ،‬فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"مرحبا بك يا سواد بن قارب ‪ ،‬قد علمنا ما جاء بك"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬قد قلت شعرا ‪ ،‬فاسمعه مني‪ .‬قال سواد ‪ :‬فقلت ‪:‬‬
‫ب‪...‬‬ ‫تب َ‬
‫كاذ ِ‬ ‫ة‪َ ...‬ولم ي َ ُ‬
‫ك فيما قَد ْ َبلوَ ُ‬ ‫جع ٍ‬
‫ل وهَ ْ‬ ‫ي بعد ل ُي َ ٍ‬
‫أَتاِني رئ ّ‬
‫ث ل ََيال قوله كل لي ْلة ‪ ... :‬أتاك رسول )‪ (2‬من لؤيّ بن غال ِ‬
‫ب‪...‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َثل ٍ‬
‫ب‪...‬‬
‫سَباس ِ‬ ‫جَناُء عند ال ّ‬ ‫دعلب ُالوَ ْ‬ ‫ساقي الَزاَر ووسطت‪ ...‬بي ال ّ‬ ‫ت عن َ‬ ‫مر ُ‬ ‫ش ّ‬‫فَ َ‬
‫كل َ‬ ‫ن عََلى ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‪ ...‬وَأن ّ َ‬
‫ب‪...‬‬‫غائ ِ‬ ‫مو ٌ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫شيء غَْير ُ‬ ‫هل َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬‫َفأ ْ‬
‫ب‪...‬‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الطاي ِ‬ ‫ن الكَرمي َ‬ ‫عة‪ ...‬إلى اللهِ يا اب َ‬ ‫فا َ‬
‫ش َ‬ ‫سِلي َ‬‫مْر َ‬ ‫وأّنك أد َْنى ال ُ‬
‫ب‪...‬‬ ‫ب الذ َّوائ ِ‬‫شي ُ‬ ‫جاَء َ‬
‫ما َ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫مْرسل )‪ (3‬وإ ْ‬ ‫خيَر ُ‬‫ك يا َ‬ ‫ما َيأِتي َ‬‫مرَنا ب َ‬ ‫فَ ُ‬
‫ب‪...‬‬ ‫واد بن َقار ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن عن َ‬ ‫واك ِبمغْ ٍ‬ ‫س َ‬ ‫ة‪ِ ...‬‬ ‫فاع ٍ‬
‫ش َ‬ ‫م ل ُذو َ‬ ‫فيعا َيو َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن لي َ‬ ‫وَك ُ ْ‬
‫قال ‪ :‬فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ‪ ،‬وقال‬
‫لي ‪" :‬أفلحت يا سواد" ‪ :‬فقال له عمر ‪ :‬هل يأتيك رئيك الن ؟ فقال ‪ :‬منذ‬
‫قرأت القرآن لم يأتني ‪ ،‬ونعم العوض كتاب الله من الجن )‪.(4‬‬
‫ثم أسنده البيهقي من وجهين آخرين )‪ .(5‬ومما يدل على وفادتهم إليه ‪ ،‬عليه‬
‫السلم )‪ ، (6‬بعد ما هاجر إلى المدينة ‪ ،‬الحديث الذي رواه الحافظ أبو نعيم‬
‫في كتاب "دلئل النبوة" ]فقال[ )‪: (7‬‬
‫حدثنا سليمان بن أحمد ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبدة المصيصي ‪ ،‬حدثنا أبو ت َوَْبة‬
‫الربيع بن نافع ‪ ،‬حدثنا معاوية بن سلم ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ :‬أنه سمع أبا‬
‫سلم يقول ‪ :‬حدثني من حدثه عمرو بن غيلن الثقفي قال ‪ :‬أتيت عبد الله بن‬
‫مسعود فقلت له ‪ :‬حدثت أنك كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة‬
‫وفد الجن ؟ قال ‪ :‬أجل قلت ‪ :‬حدثني كيف كان شأنه ؟ فقال ‪ :‬إن أهل‬
‫الصفة أخذ كل رجل منهم رجل )‪ (8‬يعشيه ‪ ،‬وتركت فلم يأخذني أحد منهم ‪،‬‬
‫فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬من هذا ؟" فقلت ‪ :‬أنا ابن‬
‫مسعود‪ .‬فقال ‪" :‬ما أخذك أحد يعشيك ؟" فقلت ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪" :‬فانطلق لعلي‬
‫أجد لك شيئا"‪ .‬قال ‪ :‬فانطلقنا حتى أتى حجرة أم سلمة فتركني )‪ (9‬ودخل‬
‫إلى أهله ‪ ،‬ثم خرجت الجارية فقالت ‪ :‬يا ابن مسعود ‪ ،‬إن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم لم يجد لك عشاء ‪ ،‬فارجع إلى مضجعك‪ .‬قال ‪ :‬فرجعت إلى‬
‫المسجد ‪ ،‬فجمعت حصباء المسجد فتوسدته ‪ ،‬والتففت بثوبي ‪ ،‬فلم ألبث إل‬
‫قليل حتى جاءت الجارية ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬نبي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬من مشى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(1/248‬‬
‫)‪ (5‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(1/252‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬على السلم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رجل" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬فتركني قائما"‪.‬‬

‫) ‪(7/299‬‬

‫أجب رسول الله )‪ .(1‬فاتبعتها وأنا أرجو العشاء ‪ ،‬حتى إذا بلغت مقامي ‪،‬‬
‫خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عسيب من نخل ‪ ،‬فعرض به‬
‫على صدري فقال ‪" :‬أتنطلق أنت معي )‪ (2‬حيث انطلقت ؟" قلت ‪ :‬ما شاء‬
‫الله‪ .‬فأعادها علي ثلث مرات ‪ ،‬كل ذلك أقول ‪ :‬ما شاء الله‪ .‬فانطلق‬
‫وانطلقت معه ‪ ،‬حتى أتينا بقيع الغرقد ‪ ،‬فخط بعصاه خطا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اجلس‬
‫فيها ‪ ،‬ول تبرج حتى آتيك"‪ .‬ثم انطلق يمشي وأنا أنظر إليه خلل النخل ‪،‬‬
‫جاجة السوداء ‪ ،‬ففرقت فقلت ‪:‬‬ ‫حتى إذا كان من حيث ل أراه ثارت )‪ (3‬العَ َ‬
‫ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإني أظن أن )‪ (4‬هوازن مكروا‬
‫برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه ‪ ،‬فأسعى إلى البيوت ‪ ،‬فأستغيث‬
‫الناس‪ .‬فذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني ‪ :‬أن ل أبرح‬
‫مكاني الذي أنا فيه ‪ ،‬فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعهم‬
‫بعصاه ويقول ‪" :‬اجلسوا"‪ .‬فجلسوا حتى كاد ينشق عمود الصبح ‪ ،‬ثم ثاروا‬
‫وذهبوا ‪ ،‬فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬أنمت بعدي ؟"‬
‫فقلت ‪ :‬ل )‪ ، (5‬ولقد فزعت الفزعة الولى ‪ ،‬حتى رأيت أن آتي البيوت‬
‫فأستغيث الناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك ‪ ،‬وكنت أظنها هوازن ‪ ،‬مكروا‬
‫برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه‪ .‬فقال ‪" :‬لو أنك خرجت من هذه‬
‫الحلقة ما آمنهم )‪ (6‬عليك أن يختطفك بعضهم ‪ ،‬فهل رأيت من شيء‬
‫منهم ؟" فقلت ‪ :‬رأيت رجال سودا مستشعرين )‪ (7‬بثياب بيض ‪ ،‬فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أولئك وفد جن نصيبين ‪ ،‬أتوني فسألوني الزاد‬
‫والمتاع ‪ ،‬فمتعتهم بكل عظم حائل أو روثة أو بعرة"‪ .‬قلت ‪ :‬وما يغني عنهم‬
‫ذلك ؟ قال ‪" :‬إنهم ل يجدون عظما إل وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم‬
‫أكل ‪ ،‬ول روثة إل وجدوا فيها حبها الذي كان فيها يوم أكلت ‪ ،‬فل يستنقي أحد‬
‫منكم بعظم ول بعرة )‪.(9) " (8‬‬
‫دا )‪ ، (10‬ولكن فيه رجل مبهم لم يسم ]والله أعلم[ )‬ ‫وهذا إسناد غريب ج ً‬
‫‪ ، (11‬وقد روى الحافظ أبو نعيم من حديث بقية بن الوليد ‪ ،‬حدثني نمير بن‬
‫زيد القنبر )‪ ، (12‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا قحافة بن ربيعة ‪ ،‬حدثني الزبير بن العوام‬
‫قال ‪ :‬صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلة الصبح في مسجد‬
‫المدينة ‪ ،‬فلما انصرف قال ‪" :‬أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة ؟" فأسكت‬
‫القوم ثلثا ‪ ،‬فمر بي فأخذ بيدي ‪ ،‬فجعلت أمشي معه حتى حبست عنا جبال‬
‫المدينة كلها ‪ ،‬وأفضينا إلى أرض براز ‪ ،‬فإذا برجال طوال كأنهم الرماح ‪،‬‬
‫مستشعرين )‪ (13‬بثيابهم من بين أرجلهم ‪ ،‬فلما رأيتهم غشيتني رعدة‬
‫شديدة ‪ ،‬ثم ذكر نحو حديث ابن مسعود المتقدم )‪ ، (14‬وهذا حديث غريب ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫ومما يتعلق بوفود الجن ما رواه الحافظ أبو نعيم ‪ :‬حدثنا أبو محمد بن حيان ‪،‬‬
‫حدثنا أبو الطيب أحمد بن روح ‪ ،‬حدثنا يعقوب الد ّوَْرقي ‪ ،‬حدثنا الوليد بن بكير‬
‫التميمي ‪ ،‬حدثنا حصين بن عمر )‪(15‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬انطلق معي" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬انطلق أنت معي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬ثارت مثل العجاجة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬هذه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ل والله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬ما أمنت" وفي أ ‪" :‬ما آمن"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مستثفرين"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬ول روثة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬لم أجده في دلئل النبوة المطبوعة لبي نعيم‪.‬‬
‫)‪ (10‬في تن أ ‪" :‬وهذا سياق غريب"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثني بهز بن يزيد الليثي"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مستثفرين"‪.‬‬
‫)‪ (14‬لم أجده في دلئل النبوة المطبوعة لبي نعيم‪.‬‬
‫)‪ (15‬في م ‪" :‬عمير"‪.‬‬

‫) ‪(7/300‬‬

‫مكتب ‪ ،‬عن إبراهيم قال ‪ :‬خرج نفر من أصحاب عبد الله )‬ ‫‪ ،‬أخبرني عبيد ال ُ‬
‫‪ (1‬يريدون الحج ‪ ،‬حتى إذا كانوا في بعض الطريق ‪ ،‬إذا هم بحية تنثني )‪(2‬‬
‫على الطريق أبيض ‪ ،‬ينفخ منه ريح المسك ‪ ،‬فقلت لصحابي ‪ :‬امضوا ‪،‬‬
‫فلست ببارح حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمر هذه الحية‪ .‬قال ‪ :‬فما لبثت أن‬
‫ماتت ‪ ،‬فعمدت إلى خرقة بيضاء فلففتها فيها ‪ ،‬ثم نحيتها عن الطريق فدفنتها‬
‫‪ ،‬وأدركت أصحابي في المتعشى‪ .‬قال ‪ :‬فوالله إنا لقعود إذ أقبل )‪ (3‬أربع‬
‫نسوة من قبل المغرب ‪ ،‬فقالت واحدة منهن ‪ :‬أيكم دفن عمًرا ؟ قلنا ‪ :‬ومن‬
‫عمرو ‪ ،‬قالت ‪ :‬أيكم دفن الحية ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أنا‪ .‬قالت ‪ :‬أما والله لقد‬
‫دفنت صواما قواما ‪ ،‬يأمر بما أنزل الله ‪ ،‬ولقد آمن بنبيكم ‪ ،‬وسمع صفته من‬
‫)‪ (4‬السماء قبل أن يبعث بأربعمائة عام‪ .‬قال الرجل فحمدنا )‪ (5‬الله ‪ ،‬ثم‬
‫قضينا حجتنا )‪ ، (6‬ثم مررت بعمر بن الخطاب في المدينة ‪ ،‬فأنبأته بأمر‬
‫الحية ‪ ،‬فقال ‪ :‬صدقت ‪ ،‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫"لقد آمن بي قبل أن أبعث بأربعمائة سنة" )‪.(7‬‬
‫وهذا حديث غريب جدا ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫قال أبو نعيم ‪ :‬وقد روى الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن رجل‬
‫من ثقيف ‪ ،‬بنحوه‪ .‬وروى عبد الله بن أحمد واّلظهراني ‪ ،‬عن صفوان بن‬
‫المعطل ‪ -‬هو الذي نزل ودفن تلك الحية من بين الصحابة ‪ -‬وأنهم قالوا ‪ :‬أما‬
‫إنه آخر التسعة موتا الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمعون‬
‫القرآن )‪.(8‬‬
‫وروى أبو نعيم من حديث الليث بن سعد ‪ ،‬عن عبد العزيز بن أبي سلمة‬
‫شون ‪ ،‬عن عمه )‪ ، (9‬عن معاذ بن عُب َْيد الله )‪ (10‬بن معمر قال ‪ :‬كنت‬ ‫ج ُ‬ ‫الما ِ‬
‫جالسا عند عثمان بن عفان ‪ ،‬فجاء رجل فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬إني كنت‬
‫بفلة من الرض ‪ ،‬فذكر أنه رأى ثعبانين )‪ (11‬اقتتل ثم قتل أحدهما الخر ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فذهبت إلى المعترك ‪ ،‬فوجدت حيات كثيرة مقتولة ‪ ،‬وإذ ينفح من‬
‫مها واحدة واحدة ‪ ،‬حتى وجدت ذلك من حية‬ ‫بعضها ريح المسك ‪ ،‬فجعلت أش ّ‬
‫صفراء رقيقة ‪ ،‬فلففتها في عمامتي ودفنتها‪ .‬فبينا أنا أمشي إذ ناداني )‪(12‬‬
‫ت! هذان حيان )‪ (13‬من الجن بنو أشعيبان وبنو‬ ‫دي َ‬ ‫مناد ‪ :‬يا عبد الله ‪ ،‬لقد هُ ِ‬
‫أقيش التقوا ‪ ،‬فكان من القتلى ما رأيت ‪ ،‬واستشهد الذي دفنته ‪ ،‬وكان من‬
‫الذين سمعوا الوحي من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬فقال‬
‫عثمان لذلك الرجل ‪ :‬إن كنت صادقا فقد رأيت عجبا ‪ ،‬وإن كنت كاذبا فعليك‬
‫كذبك )‪.(14‬‬
‫ن { أي ‪ :‬طائفة من الجن ‪،‬‬ ‫ج ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِ‬‫م َ‬ ‫فًرا ِ‬‫ك نَ َ‬ ‫َ‬
‫صَرفَْنا إ ِلي ْ َ‬ ‫فقوله تعالى ‪ } :‬وَإ ِذ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صُتوا {‬ ‫ضُروهُ َقالوا أن ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن فَل َ ّ‬‫قْرآ َ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫مُعو َ‬
‫ست َ ِ‬
‫} يَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬عبيد الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬تمشي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬جاء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فحمدت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬حجنا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬دلئل النبوة لبي نعيم )ص ‪.(306‬‬
‫)‪ (8‬لم أجده في دلئل النبوة المطبوعة لبي نعيم‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬وروى أبو نعيم بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬م ‪" :‬إعصارين"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في أ ‪" :‬هذا جان"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬نادى"‪.‬‬
‫)‪ (14‬دلئل النبوة لبي نعيم )ص ‪.(305‬‬

‫) ‪(7/301‬‬

‫أي ‪ :‬استمعوا )‪ (1‬وهذا أدب منهم‪.‬‬


‫وقد قال الحافظ البيهقي ‪ :‬حدثنا المام أبو الطيب سهل بن محمد بن‬
‫سليمان ‪ ،‬أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله الدقاق ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫هشام بن عمار الدمشقي ‪ ،‬حدثنا الوليد بن‬ ‫شْنجي ‪ ،‬حدثنا ِ‬ ‫إبراهيم الُبو َ‬
‫در ‪ ،‬عن جابر بن عبد الله‬ ‫من ْك َ ِ‬ ‫مسلم ‪ ،‬عن زهير بن محمد ‪ ،‬عن محمد بن ال ُ‬
‫قال ‪ :‬قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة "الرحمن" حتى ختمها ‪،‬‬
‫ن كانوا أحسن منكم رًدا ‪ ،‬ما قرأت‬ ‫ج ّ‬ ‫ثم قال ‪" :‬ما لي أراكم سكوتا ‪ ،‬ل َل ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن { إل قالوا ‪ :‬ول بشيء‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫عليهم هذه الية من مرة ‪ } :‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫من آلئك ‪ -‬أو نعمك ‪ -‬ربنا نكذب ‪ ،‬فلك الحمد"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي في التفسير ‪ ،‬عن أبي مسلم عبد الرحمن بن واقد ‪ ،‬عن‬
‫الوليد بن مسلم به )‪ .(2‬قال ‪ :‬خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على‬
‫أصحابه ‪ ،‬فقرأ عليهم سورة الرحمن ‪ ،‬فذكره ‪ ،‬ثم قال الترمذي ‪" :‬غريب ل‬
‫نعرفه إل من حديث الوليد ‪ ،‬عن زهير" كذا قال‪ .‬وقد رواه البيهقي من حديث‬
‫مروان بن محمد الطاطري ‪ ،‬عن زهير بن محمد ‪ ،‬به مثله )‪.(4) (3‬‬
‫صلةُ { ]الجمعة ‪:‬‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ضي َ ِ‬ ‫ي { أي ‪ :‬فرغ‪ .‬كقوله ‪ } :‬فَإ َِذا قُ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫م‬
‫ضي ْت ُ ْ‬‫ن { ]فصلت ‪ } ، [12 :‬فَإ َِذا قَ َ‬ ‫مي ْ ِ‬
‫ت ِفي ي َوْ َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫سب ْعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضاهُ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫‪ } ، [10‬فَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬رجعوا إلى‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫م ُ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫وا إ َِلى قَوْ ِ‬ ‫م { ]البقرة ‪ }[200 :‬وَل ّ ْ‬ ‫سك َك ُ ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫َ‬
‫قومهم فأنذروهم ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫ن{‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫جُعوا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫م إ َِذا َر َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ن وَل ِي ُن ْذُِروا قَوْ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫قُهوا ِفي ال ّ‬ ‫ف ّ‬‫} ل ِي َت َ َ‬
‫]التوبة ‪.[122 :‬‬
‫وقد استدل بهذه الية على أنه في الجن ن ُذ ٌُر ‪ ،‬وليس فيهم رسل ‪ :‬ول شك‬
‫َ‬
‫جال‬ ‫ك ِإل رِ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫أن الجن لم يبعث الله منهم رسول ؛ لقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سلَنا قَب ْل َ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫حي إل َيهم م َ‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫قَرى { ]يوسف ‪ ، [109 :‬وقال } وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ِْ ْ ِ ْ‬ ‫ُنو ِ‬
‫ق { ]الفرقان ‪، [20 :‬‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ْ‬ ‫شو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ن الطَعا َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م لي َأكلو َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِإل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ب { ]العنكبوت ‪:‬‬ ‫جعَل َْنا ِفي ذ ُّري ّت ِهِ الن ّب ُوّة َ َوال ْك َِتا َ‬ ‫وقال عن إبراهيم الخليل ‪ } :‬وَ َ‬
‫‪.[27‬‬
‫فكل نبي بعثه الله بعد إبراهيم فمن ذريته وسللته ‪ ،‬فأما قوله تعالى في‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م{‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ل ِ‬‫س ٌ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫س أل َ ْ‬ ‫ن َوالن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫شَر ال ْ ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫]سورة[ )‪ (5‬النعام ‪َ } :‬يا َ‬
‫]النعام ‪ ، [130 :‬فالمراد من مجموع الجنسين ‪ ،‬فيصدق على أحدهما وهو‬
‫ن { ]الرحمن ‪ [22 :‬أي ‪:‬‬ ‫جا ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما الل ّؤْل ُؤ ُ َوال ْ َ‬ ‫من ْهُ َ‬‫ج ِ‬‫خُر ُ‬ ‫النس ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫أحدهما‪ .‬ثم إنه تعالى فسر إنذار الجن لقومهم فقال مخبًرا عنهم ‪َ } :‬قاُلوا َيا‬
‫دي إ َِلى‬
‫ن ي َد َي ْهِ ي َهْ ِ‬ ‫صد ًّقا ل ِ َ‬
‫ما ب َي ْ َ‬ ‫م َ‬
‫سى ] ُ‬
‫مو َ‬
‫ن ب َعْد ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫معَْنا ك َِتاًبا ُأنز َ‬
‫ل ِ‬ ‫س ِ‬ ‫قَوْ َ‬
‫مَنا إ ِّنا َ‬
‫حقّ [ { )‪ ، (6‬ولم يذكروا عيسى ؛ لن عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنزل عليه‬ ‫ال ْ َ‬
‫النجيل فيه مواعظ وترقيقات وقليل من التحليل والتحريم ‪ ،‬وهو في الحقيقة‬
‫كالمتمم لشريعة التوراة ‪ ،‬فالعمدة هو التوراة ؛ فلهذا قالوا ‪ :‬أنزل من بعد‬
‫موسى‪ .‬وهكذا قال ورقة بن نوفل ‪ ،‬حين أخبره النبي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬استمعوه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬دلئل النبوة للبيهقي )‪ (1/232‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3291‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬بمعناه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(1/232‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/302‬‬

‫صلى الله عليه وسلم بقصة نزول جبريل ]عليه السلم[ )‪ (1‬عليه أول مرة ‪،‬‬
‫فقال ‪َ :‬بخ َبخ ‪ ،‬هذا الناموس الذي كان يأتي موسى ‪ ،‬يا ليتني أكون فيها‬
‫عا‪.‬‬ ‫جذ َ ً‬‫َ‬
‫ن ي َد َي ْهِ { أي ‪ :‬من الكتب المنزلة قبله على النبياء‪ .‬وقولهم ‪:‬‬ ‫ي‬
‫َ َْ َ‬‫ب‬ ‫ما‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ً‬
‫قا‬ ‫د‬ ‫ص‬
‫ُ َ ّ‬ ‫م‬ ‫}‬
‫قيم ٍ {‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م‬ ‫ق‬
‫ِ ٍ ُ ْ‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫َِ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫والخبار‬ ‫العتقاد‬ ‫في‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ق‬
‫َ ّ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫} ي َهْ ِ ِ‬
‫إ‬ ‫دي‬
‫في العمال ‪ ،‬فإن القرآن يشتمل على شيئين )‪ (2‬خبر وطلب )‪ ، (3‬فخبره‬
‫دل { ]النعام ‪:‬‬ ‫صد ًْقا وَعَ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صدق ‪ ،‬وطلبه عدل ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَت َ ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حقّ { ]التوبة ‪، [33 :‬‬ ‫ن ال َ‬ ‫دى وَِدي ِ‬ ‫ه ِبالهُ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ل َر ُ‬‫س َ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫‪ ، [115‬وقال } هُوَ ال ّ ِ‬
‫فالهدى هو ‪ :‬العلم النافع ‪ ،‬ودين الحق ‪ :‬هو العمل الصالح‪ .‬وهكذا قالت الجن‬
‫قيم ٍ { أي ‪ :‬في‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ري ٍ‬ ‫حقّ { في العتقادات ‪ } ،‬وَإ َِلى ط َ ِ‬ ‫دي إ َِلى ال ْ َ‬ ‫‪ } :‬ي َهْ ِ‬
‫العمليات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫دا صلوات‬ ‫ي اللهِ { فيه دللة على أنه تعالى أرسل محم ً‬ ‫ع َ‬ ‫جيُبوا َدا ِ‬ ‫مَنا أ ِ‬ ‫} َيا قَوْ َ‬
‫الله وسلمه عليه )‪ (4‬إلى الثقلين النس والجن حيث دعاهم إلى الله ‪ ،‬وقرأ‬
‫عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين ‪ ،‬وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم ‪،‬‬
‫َ‬
‫مُنوا ب ِهِ {‬ ‫ي الل ّهِ َوآ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫جيُبوا َدا ِ‬ ‫وهي سورة الرحمن ؛ ولهذا قال )‪ } (5‬أ ِ‬
‫م { قيل ‪ :‬إن "من" هاهنا زائدة وفيه نظر ؛‬ ‫ن ذ ُُنوب ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َغْ ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫جْرك ُ ْ‬ ‫لن زيادتها في الثبات قليل ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنها على بابها للتبغيض ‪ } ،‬وَي ُ ِ‬
‫ب أ َِليم ٍ { أي ‪ :‬ويقيكم من عذابه الليم‪.‬‬ ‫ذا ٍ‬ ‫عَ َ‬
‫وقد استدل بهذه الية من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين ل يدخلون‬
‫الجنة ‪ ،‬وإنما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار يوم القيامة ؛ ولهذا‬
‫قالوا هذا في هذا المقام ‪ ،‬وهو مقام تبجح ومبالغة فلو كان لهم جزاء على‬
‫اليمان أعلى من هذا لوشك أن يذكروه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي قال ‪ :‬حدثت عن جرير ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬ل يدخل مؤمنو الجن الجنة ؛ لنهم من ذرية‬
‫إبليس ‪ ،‬ول تدخل ذرية إبليس الجنة‪.‬‬
‫مَنهم كمؤمني النس يدخلون الجنة ‪ ،‬كما هو مذهب جماعة )‪(6‬‬ ‫مؤ ِ‬ ‫والحق أن ُ‬
‫م َول‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س قب ْلهُ ْ‬ ‫ن إ ِن ْ ٌ‬‫مثهُ ّ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م ي َط ِ‬ ‫َ‬
‫من السلف ‪ ،‬وقد استدل بعضهم لهذا بقوله ‪ } :‬ل ْ‬
‫ن { ]الرحمن ‪ ، [74 :‬وفي هذا الستدلل نظر ‪ ،‬وأحسن منه قوله تعالى ‪:‬‬ ‫جا ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]الرحمن ‪، 46 :‬‬ ‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬
‫ن فب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬‫جن َّتا ِ‬
‫م َرب ّهِ َ‬ ‫قا َ‬
‫م َ‬
‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫} وَل ِ َ‬
‫‪ ، [47‬فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة ‪ ،‬وقد‬
‫شيء‬ ‫ن هذه الية بالشكر القولي أبلغ من النس ‪ ،‬فقالوا ‪" :‬ول ب ِ َ‬ ‫ج ّ‬‫قابلت ال ِ‬
‫ن عليهم بجزاء ل‬ ‫من آلئك ربنا نكذب ‪ ،‬فلك الحمد" فلم يكن تعالى ليمت ّ‬
‫يحصل لهم ‪ ،‬وأيضا فإنه إذا كان يجازي كافرهم بالنار ‪ -‬وهو مقام عدل ‪َ -‬فل ْ‬
‫ن‬
‫ضل ‪ -‬بطريق الولى والحرى‪ .‬ومما يدل‬ ‫يجازي مؤمنهم بالجنة ‪ -‬وهو مقام فَ ْ‬
‫ت‬ ‫ت َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ملوا ال ّ‬‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م قوله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫أيضا على ذلك عمو ُ‬
‫س نزل { ]الكهف ‪ ، [107 :‬وما‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫فْرد َوْ ِ‬ ‫جّنا ُ‬
‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬نوعين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬خبرا وطلبا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬قالوا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬طائفة"‪.‬‬

‫) ‪(7/303‬‬

‫قادِرٍ عََلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن بِ َ‬ ‫قهِ ّ‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫ي بِ َ‬ ‫م ي َعْ َ‬‫ض وَل َ ْ‬
‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫ن الل ّ َ‬
‫م ي ََرْوا أ ّ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫َ‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫م ي ُعَْر ُ‬ ‫ديٌر )‪ (33‬وَي َوْ َ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫موَْتى ب ََلى إ ِن ّ ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫حي ِ َ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ذوُقوا ال ْعَ َ‬ ‫حقّ َقاُلوا ب ََلى وََرب َّنا َقا َ‬ ‫َ‬
‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫ذا ِبال ْ َ‬ ‫س هَ َ‬ ‫عََلى الّنارِ أل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ك َأن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ل وََل ت َ ْ‬ ‫س ِ‬‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫صب ََر أوُلو ال ْعَْزم ِ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫صب ِْر ك َ َ‬ ‫ن )‪َ (34‬فا ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ت َك ْ ُ‬
‫م‬‫قو ْ ُ‬ ‫ك إ ِّل ال ْ َ‬ ‫ل ي ُهْل َ ُ‬ ‫ن ن ََهارٍ ب ََلغ ٌ فَهَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ساعَ ً‬ ‫م ي َل ْب َُثوا إ ِّل َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُيوعَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ي ََروْ َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫أشبه ذلك من اليات‪ .‬وقد أفردت هذه المسألة في جزء على حدة ‪ ،‬ولله‬
‫الحمد والمنة‪ .‬وهذه الجنة ل يزال فيها فضل حتى ينشئ الله لها خلقا ‪ ،‬أفل‬
‫يسكنها من آمن به وعمل له صالحا ؟ وما ذكروه هاهنا من الجزاء على‬
‫اليمان من تكفير الذنوب والجارة من العذاب الليم ‪ ،‬هو يستلزم دخول‬
‫الجنة ؛ لنه ليس في الخرة إل الجنة أو النار ‪ ،‬فمن أجير من النار دخل الجنة‬
‫ل محالة‪ .‬ولم يرد معنا نص صريح ول ظاهر عن )‪ (1‬الشارع أن مؤمني الجن‬
‫ل يدخلون الجنة وإن أجيروا من النار ‪ ،‬ولو صح لقلنا به ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وهذا‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫م إ َِلى أ َ‬
‫ج ٍ‬ ‫خْرك ُ ْ‬
‫م وَي ُؤَ ّ‬‫ن ذ ُُنوب ِك ُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫فْر ل َك ُ ْ‬‫نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬يقول لقومه ‪ } :‬ي َغْ ِ‬
‫مى { ]نوح ‪ (2) ، [4 :‬ول خلف أن مؤمني قومه في الجنة ‪ ،‬فكذلك‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬
‫مر بن عبد العزيز ‪ :‬أنهم ل يدخلون‬ ‫هؤلء‪ .‬وقد حكي فيهم أقوال غريبة فعن عُ َ‬
‫ة الجنة ‪ ،‬وإنما يكونون في َرَبضها وحولها وفي أرجائها‪ .‬ومن الناس من‬ ‫ح َ‬
‫حُبو َ‬‫بُ ْ‬
‫زعم أنهم في الجنة يراهم بنو آدم ول يرون بني آدم عكس ما كانوا عليه في‬
‫الدار الدنيا‪ .‬ومن الناس من قال ‪ :‬ل يأكلون في الجنة ول يشربون ‪ ،‬وإنما‬
‫وضا عن الطعام والشراب‬ ‫ع َ‬‫يلهمون التسبيح والتحميد والتقديس ‪ِ ،‬‬
‫كالملئكة ‪ ،‬لنهم من جنسهم‪ .‬وكل هذه القوال فيها نظر ‪ ،‬ول دليل عليها‪.‬‬
‫ض { أي‬ ‫جزٍ َِفي الْر ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫س بِ ُ‬ ‫ي الل ّهِ فَل َي ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ب َدا ِ‬
‫ج ْ‬‫ن ل يُ ِ‬
‫م ْ‬
‫ثم قال مخبرا عنه ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن ُدون ِهِ أول َِياُء { أي ‪ :‬ل‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫َ‬
‫‪ :‬بل قدرة الله شاملة له ومحيطة به ‪ } ،‬وَلي ْ َ‬
‫م تهديد وترهيب ‪،‬‬ ‫ن { وهذا مقا ُ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫يجيرهم منه أحد ٌ } ُأول َئ ِ َ‬
‫عوا قومهم بالترغيب والترهيب ؛ ولهذا نجع في كثير منهم ‪ ،‬وجاؤوا إلى‬ ‫فَد َ َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودا وفودا ‪ ،‬كما تقدم بيانه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قادٍِر‬ ‫ن بِ َ‬ ‫خل ْ ِ ِ ّ‬
‫ه‬ ‫ق‬ ‫ي بِ َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫ض وَل َ ْ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ي ََرْوا أ ّ‬ ‫} أوَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫م ي ُعَْر ُ‬ ‫ديٌر )‪ (33‬وَي َوْ َ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫موَْتى ب ََلى إ ِن ّ ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫حي ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫عََلى أ ْ‬
‫ذوُقوا ال ْعَ َ‬ ‫حقّ َقاُلوا ب ََلى وََرب َّنا َقا َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ب بِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫ذا ِبال ْ َ‬ ‫س هَ َ‬ ‫فُروا عََلى الّنارِ أل َي ْ َ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ل لهُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ل َول ت َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫صب ََر أولو العَْزم ِ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫صب ِْر ك َ َ‬ ‫ن )‪َ (34‬فا ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ت َك ْ ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك ِإل‬ ‫ل ي ُهْل ُ‬ ‫ن ن ََهارٍ َبلغ ٌ فَهَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ساعَ ً‬ ‫م ي َلب َُثوا ِإل َ‬ ‫نل ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُيوعَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ي ََروْ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ك َأن ّهُ ْ‬
‫ن )‪.{ (35‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م ي ََرْوا { أي ‪ :‬هؤلء المنكرون للبعث يوم القيامة ‪،‬‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬أوَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫المستبعدون لقيام الجساد يوم المعاد } أ ّ‬
‫قهن ‪ ،‬بل قال لها ‪" :‬كوني"‬ ‫ْ‬
‫خل ُ‬ ‫ه َ‬ ‫كرث ُ‬ ‫ن { أي ‪ :‬ولم ي َ ْ‬ ‫قهِ ّ‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫ي بِ َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫ض وَل َ ْ‬ ‫َوالْر َ‬
‫فكانت ‪ ،‬بل ممانعة ول مخالفة ‪ ،‬بل طائعة مجيبة خائفة وجلة ‪ ،‬أفليس ذلك‬
‫ت‬
‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫خل ْقُ ال ّ‬ ‫بقادر على أن يحيي الموتى ؟ كما قال في الية الخرى ‪ } :‬ل َ َ‬
‫خل ْق الناس ول َك َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]غافر ‪، [57 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ن َ ِ ّ ِ َ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ض أك ْب َُر ِ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫ديٌر {‪.‬‬ ‫َ‬
‫يٍء ق ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه عَلى كل ش ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ولهذا قال ‪ } :‬ب َلى إ ِن ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويجركم" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(7/304‬‬

‫فُروا عََلى الّناِر‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ض ال ّ ِ‬


‫ذي َ‬ ‫م ي ُعَْر ُ‬
‫ثم قال متهددا ومتوعدا لمن كفر به ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫َ‬
‫حقّ { أي ‪ :‬يقال لهم ‪ :‬أما هذا حق ؟ أفسحر هذا ؟ أم أنتم ل‬ ‫ذا ِبال ْ َ‬ ‫س هَ َ‬ ‫أل َي ْ َ‬
‫ذوُقوا‬ ‫ل فَ ُ‬‫تبصرون ؟ } َقاُلوا ب ََلى وََرب َّنا { أي ‪ :‬ل يسعهم إل العتراف ‪َ } ،‬قا َ‬
‫ن { ثم قال تعالى آمرا رسوله )‪ (1‬صلى الله عليه‬ ‫فُرو َ‬‫م ت َك ْ ُ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫صب ََر أولو العَْزم ِ‬ ‫ما َ‬ ‫صب ِْر ك َ َ‬‫وسلم بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه ‪َ } ،‬فا ْ‬
‫ل { أي ‪ :‬على تكذيب قومهم لهم‪ .‬وقد اختلفوا في تعداد أولي‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫العزم على أقوال ‪ ،‬وأشهرها أنهم ‪ :‬نوح ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وموسى ‪ ،‬وعيسى ‪،‬‬
‫وخاتم النبياء كلهم محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قد نص الله على أسمائهم‬
‫سوَرَتي "الحزاب" و "الشورى" ‪ ،‬وقد‬ ‫من بين النبياء في آيتين من )‪ُ (2‬‬
‫ن { في‬ ‫م َ‬‫سل ‪ ،‬وتكون } ِ‬ ‫يحتمل أن يكون المراد بأولي العزم جميع الّر ُ‬
‫ل { لبيان الجنس ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وقد قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫قوله ‪ِ } :‬‬
‫حّيان ‪ ،‬حدثنا عباد بن‬ ‫حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي ‪ ،‬حدثنا السري بن َ‬
‫عباد ‪ ،‬حدثنا مجالد بن سعيد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن مسروق قال ‪ :‬قالت لي‬
‫عائشة ]رضي الله عنها[ )‪ : (3‬ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما‬
‫ثم طواه ‪ ،‬ثم ظل صائما ثم طواه ‪ ،‬ثم ظل صائما ‪] ،‬ثم[ )‪ (4‬قال ‪" :‬يا‬
‫عائشة ‪ ،‬إن الدنيا ل تنبغي لمحمد ول لل محمد‪ .‬يا عائشة ‪ ،‬إن الله لم يرض‬
‫من أولي العزم من الرسل إل بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ‪ ،‬ثم‬
‫ُ ُ ْ‬ ‫صب ِْر ك َ َ‬‫لم يرض مني إل أن يكلفني ما كلفهم ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬فا ْ‬
‫صب ََر أولو العَْزم ِ‬ ‫ما َ‬
‫جهدي ‪ ،‬ول قوة إل بالله" )‬ ‫ل { وإني ‪ -‬والله ‪ -‬لصبرن كما صبروا َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫‪(5‬‬
‫م { أي ‪ :‬ل تستعجل لهم حلول العقوبة بهم ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬ ‫َ‬
‫جل لهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫} َول ت َ ْ‬
‫} وذ َرِني وال ْمك َذ ّبي ُ‬
‫م قَِليل { ]المزمل ‪ ، [11 :‬وكقوله‬ ‫مهّل ْهُ ْ‬ ‫مةِ وَ َ‬ ‫ن أوِلي الن ّعْ َ‬ ‫َ ُ ِ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫دا { ]الطارق ‪.[17 :‬‬ ‫م ُروَي ْ ً‬ ‫مهِلهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ل الكافِ ِ‬ ‫مهّ ِ‬ ‫} فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ن ََهارٍ { ‪ ،‬كقوله } ك َأن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ساعَ ً‬ ‫م ي َل ْب َُثوا ِإل َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُيوعَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ي ََروْ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫} ك َأن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫يوم يرونها ل َم يل ْبُثوا إل عَشي ً َ‬
‫ها { ]النازعات ‪ ، [46 :‬وكقوله } وَي َوْ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ض َ‬ ‫ة أوْ ُ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫شر َه ْم َ ك َأ َ‬
‫ن‬‫ِ َ‬‫ذي‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ر‬ ‫س‬
‫ِ َ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ن‬
‫َ ََُْ ْ ْ‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ر‬ ‫عا‬‫ت‬ ‫ي‬ ‫ر‬‫ها‬ ‫ن‬ ‫ال‬
‫َ ً ِ َ َّ ِ َََ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫سا‬ ‫إل‬ ‫ِ‬ ‫ثوا‬ ‫ب‬ ‫ل‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ح ُ ُ ُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن { ]يونس ‪] ، [45 :‬وحاصل ذلك أنهم‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫قاِء الل ّهِ وَ َ‬ ‫ك َذ ُّبوا ب ِل ِ َ‬
‫استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي البرزخ حين عاينوا يوم القيامة‬
‫وشدائدها وطولها[ )‪.(6‬‬
‫وقوله ‪َ } :‬بلغ ٌ { قال ابن جرير ‪ :‬يحتمل معنيين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬أن يكون‬
‫ث بلغ‪ .‬والخر ‪ :‬أن يكون تقديره ‪ :‬هذا القرآن بلغ‪.‬‬ ‫تقديره ‪ :‬وذلك َلب َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يهلك على الله إل هالك ‪،‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ك ِإل ال ْ َ‬ ‫ل ي ُهْل َ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫وهذا من عدله تعالى أنه ل يعذب إل من يستحق العذاب‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة الحقاف‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬لرسوله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬ورواه الديلمي في مسند الفردوس برقم )‪" (8628‬مكرر" من طريق‬
‫محمد بن حجاج الحضرمي به‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/305‬‬

‫مُلوا‬ ‫ذي َ‬ ‫فروا وصدوا عَن سبيل الل ّه أ َض ّ َ‬


‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫م )‪َ (1‬وال ّ ِ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬‫ل أعْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ َ ِ ِ‬ ‫َ َ ّ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫مدٍ وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫حا ِ َ‬
‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫فَر عَن ْهُ ْ‬ ‫م كَ ّ‬
‫ن َرب ّهِ ْ‬‫م ْ‬‫حق ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ل عََلى ُ‬ ‫ما ن ُّز َ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫ت وَآ َ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ات ّب َُعوا الَباط ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ات ّب َُعوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ل وَأ ّ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ِ‬ ‫م )‪ (2‬ذ َل ِك ب ِأ ّ‬ ‫ح َبالهُ ْ‬ ‫صل َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪(3‬‬ ‫مَثال َهُ ْ‬‫سأ ْ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬‫ك يَ ْ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬
‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫حق ّ ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫تفسير سورة القتال‬


‫]وهي مدنية[ )‪(1‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ملوا‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (1‬وال ِ‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫ل أعْ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ل اللهِ أ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫فُروا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫م‬‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫فَر عَن ْهُ ْ‬ ‫م كَ ّ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫مدٍ وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل عََلى ُ‬ ‫ما نز َ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫ت َوآ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ات ّب َُعوا الَباط ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ات ّب َُعوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ل وَأ ّ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م )‪ (2‬ذ َل ِك ب ِأ ّ‬ ‫ح َبالهُ ْ‬ ‫صل َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪.{ (3‬‬ ‫مَثال َهُ ْ‬‫سأ ْ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫حق ّ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن‬
‫فُروا { أي ‪ :‬بآيات الله ‪ } ،‬وصدوا { غيرهم } عَ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫سبيل الل ّه أ َض ّ َ‬
‫م { أي ‪ :‬أبطلها وأذهبها ‪ ،‬ولم يجعل لها جزاء ول‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ل أعْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫من ُْثوًرا {‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ء‬‫با‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫نا‬
‫َ ٍ َ َ َ ُ َ َ‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ج‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬‫ِ ْ‬ ‫م‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫م‬
‫َ ِ ْ َ ِ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫كقوله‬ ‫‪،‬‬ ‫ثوابا‬
‫] الفرقان ‪.[ 23 :‬‬
‫ت { أي ‪ :‬آمنت قلوبهم وسرائرهم ‪،‬‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ثم قال ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫مد ٍ { ‪،‬‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ل عَلى ُ‬ ‫َ‬ ‫ما نز َ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫وانقادت جوارحهم وبواطنهم وظواهرهم ‪َ } ،‬وآ َ‬
‫عطف خاص على عام ‪ ،‬وهو دليل على أنه شرط في صحة اليمان بعد بعثته‬
‫صلوات الله وسلمه عليه‪.‬‬
‫َ‬
‫م { جملة معترضة حسنة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬كفَّر‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م { قال ابن عباس ‪ :‬أي أمرهم‪ .‬وقال مجاهد ‪:‬‬ ‫ح َبال َهُ ْ‬‫صل َ َ‬
‫م وَأ ْ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫شأنهم‪ .‬وقال قتادة وابن زيد ‪ :‬حالهم‪ .‬والكل متقارب‪ .‬وقد جاء في حديث‬
‫تشميت العاطس ‪" :‬يهديكم الله ويصلح بالكم" )‪.(2‬‬
‫فُروا ات ّب َُعوا ال َْباط ِ َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬ذ َل َ َ‬
‫ل { أي ‪ :‬إنما أبطلنا‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫أعمال الكفار ‪ ،‬وتجاوزنا عن سيئات البرار ‪ ،‬وأصلحنا شؤونهم ؛ لن الذين‬
‫َ‬
‫مُنوا‬‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كفروا اتبعوا الباطل ‪ ،‬أي ‪ :‬اختاروا الباطل على الحق ‪ } ،‬وَأ ّ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬يبين لهم مآل‬ ‫مَثال َهُ ْ‬
‫سأ ْ‬‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ات ّب َُعوا ال ْ َ‬
‫أعمالهم ‪ ،‬وما يصيرون إليه في معادهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪ (5038‬والترمذي في السنن برقم )‬
‫‪ (2739‬وابن ماجه في السنن برقم )‪ (3715‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث‬
‫حسن صحيح"‪.‬‬

‫) ‪(7/306‬‬

‫دوا ال ْوََثا َ‬
‫ق‬ ‫ش ّ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫خن ْت ُ ُ‬ ‫حّتى إ َِذا أ َث ْ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ب الّرَقا ِ‬ ‫ضْر َ‬ ‫فُروا فَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫قيت ُ ُ‬ ‫فَإ َِذا ل َ ِ‬
‫َ‬
‫صَر‬‫ه َلن ْت َ َ‬ ‫شاُء الل ّ ُ‬ ‫ك وَل َوْ ي َ َ‬ ‫ها ذ َل ِ َ‬ ‫ب أوَْزاَر َ‬ ‫حْر ُ‬ ‫ضعَ ال ْ َ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫داًء َ‬ ‫ما فِ َ‬ ‫مّنا ب َعْد ُ وَإ ِ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ فَل ْ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن قُت ِلوا ِفي َ‬ ‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ض َوال ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ن ل ِي َب ْلوَ ب َعْ َ‬ ‫م وَلك ِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ِ‬
‫َ‬
‫م )‪َ (6‬يا أي َّها‬ ‫َ‬
‫ة عَّرفََها لهُ ْ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ُ‬
‫خلهُ ُ‬ ‫م )‪ (5‬وَي ُد ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ح َبالهُ ْ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫م وَي ُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫م )‪َ (4‬‬ ‫َ‬
‫مالهُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫َ‬ ‫ذي َ‬
‫سا‬‫فُروا فَت َعْ ً‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫م )‪َ (7‬وال ّ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه ي َن ْ َُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ َ‬
‫َ‬
‫ل الل ّه فَأحب َ َ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫ل َهم وأ َض ّ َ‬
‫م )‪(9‬‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ط أعْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫هوا َ‬ ‫م ك َرِ ُ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫م )‪ (8‬ذ َل ِ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ل أعْ َ‬ ‫ُ ْ َ َ‬

‫دوا ال ْوََثا َ‬
‫ق‬ ‫ش ّ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫خن ْت ُ ُ‬ ‫حّتى إ َِذا أ َث ْ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ب الّرَقا ِ‬ ‫ضْر َ‬ ‫فُروا فَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قيت ُ ُ‬ ‫} فَِإذا ل َ ِ‬
‫َ‬
‫صَر‬
‫ه لن ْت َ َ‬ ‫شاُء الل ّ ُ‬ ‫ك وَل َوْ ي َ َ‬ ‫ها ذ َل ِ َ‬ ‫ب أوَْزاَر َ‬ ‫حْر ُ‬ ‫ضعَ ال ْ َ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫داًء َ‬ ‫ما فِ َ‬ ‫مّنا ب َعْد ُ وَإ ِ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ل الل ّهِ فَل َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن قُت ُِلوا ِفي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض َوال ّ ِ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ن ل ِي َب ْل ُوَ ب َعْ َ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪َ (6‬يا أي َّها‬ ‫ة عَّرفََها لهُ ْ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫م ال َ‬ ‫خلهُ ُ‬ ‫م )‪ (5‬وَي ُد ْ ِ‬ ‫ح َبالهُ ْ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫م وَي ُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫م )‪َ (4‬‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫َ‬
‫سا‬‫فُروا فَت َعْ ً‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (7‬وال ّ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه ي َن ْ َُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ل الل ّه فَأحب َ َ‬ ‫َ‬ ‫ما َأنز َ‬ ‫ل َهم وأ َض ّ َ‬
‫م)‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ط أعْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫هوا َ‬ ‫م ك َرِ ُ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫م )‪ (8‬ذ َل ِ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ل أعْ َ‬ ‫ُ ْ َ َ‬
‫‪.{ (9‬‬
‫يقول تعالى مرشدا للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين ‪} :‬‬
‫ب { أي ‪ :‬إذا واجهتموهم فاحصدوهم‬ ‫ب الّرَقا ِ‬ ‫ضْر َ‬ ‫فُروا فَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قيت ُ ُ‬ ‫فَِإذا ل َ ِ‬
‫دوا { أي ‪ :‬أهلكتموهم قتل‬ ‫م فَ ُ‬ ‫َ‬
‫حّتى إ َِذا أث ْ َ‬
‫ش ّ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫خن ْت ُ ُ‬ ‫حصدا بالسيوف ‪َ } ،‬‬
‫} فشدوا { ]وثاق[ )‪ (1‬السارى الذين تأسرونهم ‪ ،‬ثم أنتم بعد انقضاء‬
‫الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم ‪ ،‬إن شئتم مننتم عليهم‬
‫فأطلقتم أساراهم مجانا ‪ ،‬وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم‬
‫وتشاطرونهم عليه‪ .‬والظاهر أن هذه الية نزلت بعد وقعة بدر ‪ ،‬فإن الله ‪،‬‬
‫سبحانه ‪ ،‬عاتب المؤمنين على الستكثار من السارى يومئذ ليأخذوا منهم‬
‫كون ل َ َ‬ ‫َ‬
‫سَرى‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن يَ ُ َ ُ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ن ل ِن َب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫الفداء ‪ ،‬والتقلل من القتل يومئذ فقال ‪َ } :‬‬
‫زيٌز‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ّ‬
‫خَرةَ َوالل ُ‬ ‫ريد ُ ال ِ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ض الد ّن َْيا َوالل ُ‬ ‫ن عََر َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ض تُ ِ‬ ‫حّتى ي ُث ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫م { ] النفال ‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ظي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬‫ٌ‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫في‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬
‫َ َ َ ّ ْ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ٌ‬ ‫تا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ول‬ ‫ٌ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫كي‬‫ِ‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫‪.[ 68 ، 67‬‬
‫ثم قد ادعى بعض العلماء أن هذه الية ‪ -‬المخيرة بين مفاداة السير والمن‬
‫ن‬‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م َفاقْت ُُلوا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫شهُُر ال ْ ُ‬
‫حُر ُ‬ ‫خ ال ْ‬ ‫سل َ َ‬
‫عليه ‪ -‬منسوخة بقوله تعالى ‪ } :‬فَإ َِذا ان ْ َ‬
‫صد ٍ [ { )‪ (2‬الية ]‬ ‫مْر َ‬ ‫ل َ‬‫م كُ ّ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬‫م َواقْعُ ُ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ذوهُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ]وَ ُ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫جد ْت ُ ُ‬ ‫ث وَ َ‬
‫حي ْ ُ‬
‫َ‬
‫التوبة ‪ ، [ 5 :‬رواه العوفي عن ابن عباس‪ .‬وقاله قتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي‬
‫جَرْيج‪.‬‬ ‫‪ ،‬وابن ُ‬
‫وقال الخرون ‪ -‬وهم الكثرون ‪ : -‬ليست بمنسوخة‪.‬‬
‫خّير بين المن على السير ومفاداته فقط ‪ ،‬ول‬ ‫م َ‬ ‫ثم قال بعضهم ‪ :‬إنما المام ُ‬
‫يجوز له قتله‪.‬‬
‫وقال آخرون منهم ‪ :‬بل له أن يقتله إن شاء ‪ ،‬لحديث قتل النبي صلى الله‬
‫مَعيط من أسارى بدر ‪ ،‬وقال‬ ‫عليه وسلم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي ُ‬
‫ثمامة بن أثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له ‪" :‬ما عندك يا‬
‫ل ذا د َم ٍ ‪ ،‬وإن تمنن تمنن على شاكر ‪ ،‬وإن كنت‬ ‫قت ُ ْ‬‫ل تَ ْ‬‫قت َ ْ‬
‫ثمامة ؟" فقال ‪ :‬إن ت َ ْ‬
‫ط منه ما شئت )‪.(3‬‬ ‫ل ُتع َ‬ ‫س ْ‬ ‫تريد المال فَ َ‬
‫وزاد الشافعي ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬فقال ‪ :‬المام مخير بين قتله أو المن عليه ‪ ،‬أو‬
‫حّررة في علم الفروع ‪ ،‬وقد دللنا‬ ‫م َ‬‫مفاداته أو استرقاقه أيضا‪ .‬وهذه المسألة ُ‬
‫على ذلك في كتابنا "الحكام" ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫ها { قال مجاهد ‪ :‬حتى ينزل عيسى ابن‬ ‫ب أ َوَْزاَر َ‬ ‫حْر ُ‬ ‫ضعَ ال ْ َ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫مريم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (4372‬من حديث أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(7/307‬‬

‫]عليه السلم[‪ (1) .‬وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل تزال‬
‫طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال" )‪.(2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا الحكم بن نافع ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن‬
‫جَبير بن‬ ‫جَرشي )‪ ، (3‬عن ُ‬ ‫إبراهيم بن سليمان ‪ ،‬عن الوليد بن عبد الرحمن ال ُ‬
‫ُنفَير ؛ أن سلمة بن ُنفَيل أخبرهم ‪ :‬أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ت الخيل ‪ ،‬وألقيت السلح ‪ ،‬ووضعت الحرب أوزارها ‪،‬‬ ‫سي ّب ْ ُ‬
‫فقال ‪ :‬إني َ‬
‫وقلت ‪" :‬ل قتال" فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الن جاء القتال ‪ ،‬ل‬
‫تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس ُيزيغ )‪ (4‬الله قلوب أقوام‬
‫فيقاتلونهم ‪ :‬ويرزقهم الله )‪ (5‬منهم ‪ ،‬حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك‪ .‬أل‬
‫ل معقود في نواصيها الخير إلى يوم‬ ‫قَر دار المؤمنين الشام ‪ ،‬والخي ُ‬ ‫إن عُ ْ‬
‫القيامة"‪.‬‬
‫فْيل‬‫فير ‪ ،‬عن سلمة بن ن ُ َ‬ ‫جب َْير بن ن ُ َ‬
‫وهكذا رواه النسائي من طريقين ‪ ،‬عن ُ‬
‫السكوني ‪ ،‬به )‪.(6‬‬
‫شْيد ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن‬ ‫وقال أبو القاسم البغوي ‪ :‬حدثنا داود بن ُر َ‬
‫فير ‪،‬‬
‫جَرشي ‪ ،‬عن جبير بن ن ُ َ‬ ‫محمد بن مهاجر ‪ ،‬عن الوليد بن عبد الرحمن ال ُ‬
‫عن النواس بن سمعان قال ‪ :‬لما فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فَْتح فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬سيبت الخيل ‪ ،‬ووضعت السلح ‪ ،‬ووضعت‬
‫الحرب أوزارها ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ل قتال ‪ ،‬قال ‪" :‬كذبوا ‪ ،‬الن ‪ ،‬جاء القتال ‪ ،‬ل يزال‬
‫الله ي َُرّفع )‪ (7‬قلوب قوم يقاتلونهم ‪ ،‬فيرزقهم منهم ‪ ،‬حتى يأتي أمر الله وهم‬
‫قر دار المسلمين بالشام"‪.‬‬ ‫على ذلك ‪ ،‬وعُ ْ‬
‫شْيد ‪ ،‬به )‪.(8‬‬ ‫وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن داود بن ُر َ‬
‫فْيل كما تقدم‪ .‬وهذا يقوي القول بعدم‬ ‫والمحفوظ أنه من رواية سلمة بن ن ُ َ‬
‫النسخ ‪ ،‬كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى أل يبقى حرب‪.‬‬
‫ها { حتى ل يبقى شرك‪ .‬وهذا كقوله‬ ‫ب أ َوَْزاَر َ‬ ‫حْر ُ‬ ‫ضعَ ال ْ َ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫وقال قتادة ‪َ } :‬‬
‫ن ل ِلهِ { ] البقرة ‪.[ 193 :‬‬ ‫ّ‬ ‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫ها { أي ‪ :‬أوزار المحاربين ‪ ،‬وهم‬ ‫ب أ َوَْزاَر َ‬ ‫حْر ُ‬ ‫ضعَ ال ْ َ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫ثم قال بعضهم ‪َ } :‬‬
‫المشركون ‪ ،‬بأن يتوبوا إلى الله عز وجل‪ .‬وقيل ‪ :‬أوزار أهلها )‪ (9‬بأن يبذلوا‬
‫الوسع في طاعة الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬هذا ولو شاء الله لنتقم‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫صَر ِ‬ ‫ه لن ْت َ َ‬ ‫شاُء الل ّ ُ‬ ‫ك وَل َوْ ي َ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫ض { أي ‪:‬‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ن ل ِي َب ْل ُوَ ب َعْ َ‬
‫ضك ُ ْ‬ ‫كال من عنده ‪ } ،‬وَل َك ِ ْ‬ ‫من الكافرين بعقوبة ون َ َ‬
‫ولكن شرع لكم الجهاد وقتال العداء ليختبركم ‪ ،‬ويبلو أخباركم‪ .‬كما ذكر‬
‫حكمته في شرعية الجهاد في سورتي "آل عمران" و "براءة" في قوله ‪:‬‬
‫} أ َم حسبت َ‬
‫م وَي َعْل َ َ‬
‫م‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫دوا ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ن { ] آل عمران ‪.[ 142 :‬‬ ‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪ (2484‬من حديث عمران بن حصين‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬يرفع"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬قاتلونهم ويرزقه الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (4/104‬وسنن النسائي )‪.(6/214‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬يرفع"‪.‬‬
‫)‪ (8‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم )‪" (1617‬موارد" من طريق أبي يعلى‬
‫عن داود بن رشيد به ‪ ،‬ورواه النسائي في السنن )‪ (6/214‬من طريق‬
‫إبراهيم بن أبي عبلة ‪ ،‬عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي ‪ ،‬عن جبير بن‬
‫نفير عن سلمة بن نفيل مرفوعا بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقيل ‪ :‬أوزارها"‪.‬‬

‫) ‪(7/308‬‬

‫وقال في سورة براءة ‪َ } :‬قاتُلوهم يعذ ّبهم الل ّ َ‬


‫صْرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَي َن ْ ُ‬‫خزِهِ ْ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫م وَي ُ ْ‬ ‫ه ب ِأي ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ ُ ْ َُ ُْ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ه عَلى َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫م وَي َُتو ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب غَي ْظ قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ن وَي ُذ ْهِ ْ‬‫مِني َ‬ ‫دوَر قَوْم ٍ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ص ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م { ] التوبة ‪.[ 15 ، 14 :‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫يَ َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ثم لما كان من شأن القتال أن ُيقتل كثيٌر من المؤمنين ‪ ،‬قال ‪َ } :‬وال ِ‬
‫قُت ُِلوا في سبيل الل ّه فَل َن يض ّ َ‬
‫م { أي ‪ :‬لن يذهبها بل يكثرها وينميها‬ ‫مال َهُ ْ‬‫ل أعْ َ‬ ‫ْ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ويضاعفها‪ .‬ومنهم من يجري عليه عمله في طول ب َْرَزخه ‪ ،‬كما ورد بذلك‬
‫الحديث الذي رواه المام أحمد في مسنده ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬
‫حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي ‪ ،‬حدثنا ابن ثوبان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن مكحول ‪ ،‬عن‬
‫مّرة )‪ ، (1‬عن قيس الجذامي ‪ -‬رجل كانت له صحبة ‪ -‬قال ‪ :‬قال‬ ‫كثير بن ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يعطى الشهيد ست خصال عند أول‬
‫كفر عنه كل خطيئة ‪ ،‬ويرى مقعده من الجنة ‪ ،‬ويزوج من‬ ‫قطرة من دمه ‪ :‬ي ُ َ‬
‫حّلة )‪(2‬‬ ‫الحور العين ‪ ،‬ويؤمن من الفزع الكبر ‪ ،‬ومن عذاب القبر ‪ ،‬ويحلى ُ‬
‫اليمان" )‪ .(3‬تفرد )‪ (4‬به أحمد رحمه الله‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال أحمد )‪ (5‬أيضا ‪ :‬حدثنا الحكم بن نافع ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن‬
‫مْعدان ‪ ،‬عن المقدام بن معد‬ ‫حير )‪ (6‬ابن سعيد ‪ ،‬عن خالد بن َ‬ ‫عياش ‪ ،‬عن ب َ ِ‬
‫يكرب الكندي قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن للشهيد عند‬
‫الله ست خصال ‪ :‬أن يغفر له في أول د َفَْعة من دمه ‪ ،‬ويرى مقعده من‬
‫حّلة )‪ (7‬اليمان ‪ ،‬ويزوج من الحور العين ‪ ،‬ويجار من عذاب‬ ‫الجنة ‪ ،‬ويحلى ُ‬
‫من من الفزع الكبر ‪ ،‬ويوضع على رأسه تاج الوقار ‪ ،‬الياقوتة منه‬ ‫القبر ‪ ،‬وَيأ َ‬
‫خير من الدنيا وما فيها ‪ ،‬ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ‪،‬‬
‫فع في سبعين إنسانا من أقاربه"‪.‬‬ ‫ش ّ‬‫وي ُ َ‬
‫وقد أخرجه الترمذي وصححه ابن ماجه )‪.(8‬‬
‫مرو ‪ ،‬وعن أبي قتادة ؛ أن رسول الله‬ ‫وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عَ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ُ" :‬يغفر للشهيد كل شيء إل الد ّْين" )‪ .(9‬وروي‬
‫من حديث جماعة من الصحابة ‪ ،‬وقال أبو الدرداء ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته"‪ .‬ورواه أبو داود )‬
‫‪ .(10‬والحاديث في فضل الشهيد )‪ (11‬كثيرة جدا‪.‬‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬سيهديهم { أي ‪ :‬إلى الجنة ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ت‬
‫جّنا ِ‬‫م الن َْهاُر ِفي َ‬ ‫حت ِهِ ُ‬
‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬‫ري ِ‬
‫ج ِ‬‫م تَ ْ‬
‫مان ِهِ ْ‬
‫م ب ِِإي َ‬
‫م َرب ّهُ ْ‬
‫ديهِ ْ‬
‫ت ي َهْ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫الن ِّعيم ِ { ] يونس ‪.[ 9 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬بحلة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (4/200‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (5/293‬فيه عبد الرحمن‬
‫بن ثابت بن ثوبانن وثقه أبو حاتم وجماعة وضعفه جماعة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬انفرد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وروى أحمد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يحيى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬حلية"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (4/131‬وسنن الترمذي برقم )‪ (1663‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(2799‬‬
‫)‪ (9‬صحيح مسلم برقم )‪.(1886‬‬
‫)‪ (10‬سنن أبي داود برقم )‪.(2522‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الشهداء"‪.‬‬

‫) ‪(7/309‬‬

‫ة عَّرفََها‬ ‫م ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫خل ُهُ ُ‬
‫م { أي ‪ :‬أمرهم وحالهم ‪ } ،‬وَي ُد ْ ِ‬‫ح َبال َهُ ْ‬
‫صل ِ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَي ُ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬عرفهم بها وهداهم إليها‪.‬‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم ‪ ،‬وحيث قسم الله لهم منها ‪،‬‬
‫ل يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا ‪ ،‬ل يستدلون عليها أحدا‪ .‬وروى مالك‬
‫عن ابن زيد بن أسلم نحو هذا‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬يعرفون بيوتهم إذا دخلوا الجنة ‪ ،‬كما تعرفون بيوتكم‬
‫إذا انصرفتم من الجمعة‪.‬‬
‫كل بحفظ عمله في الدنيا‬ ‫حّيان ‪ :‬بلغنا أن الملك الذي كان وُ ّ‬ ‫وقال مقاتل بن َ‬
‫يمشي بين يديه في الجنة ‪ ،‬ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له ‪،‬‬
‫فيعّرفه كل شيء أعطاه الله في الجنة ‪ ،‬فإذا انتهى إلى أقصى منزله في‬
‫الجنة دخل ]إلى[ )‪ (1‬منزله وأزواجه ‪ ،‬وانصرف الملك عنه ذكرهن )‪ (2‬ابن‬
‫أبي حاتم ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫وقد ورد الحديث الصحيح بذلك أيضا ‪ ،‬رواه البخاري من حديث قتادة ‪ ،‬عن‬
‫أبي المتوكل الناجي ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ]رضي الله عنه[ )‪ (3‬؛ أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا‬
‫صون مظالم كانت بينهم في الدنيا ‪ ،‬حتى إذا‬ ‫بقنطرة بين الجنة والنار ‪ ،‬يتقا ّ‬
‫ذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إن أحدهم بمنزله‬ ‫هُ ّ‬
‫في الجنة أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا" )‪.(4‬‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫م وَي ُثب ّ ْ‬ ‫ُ‬
‫صْرك ْ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫صُره ُ { ] الحج ‪ ، [ 40 :‬فإن‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫م { ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَل َي َن ْ ُ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫أقْ َ‬
‫دا َ‬
‫َ‬
‫م { ‪ ،‬كما جاء في‬ ‫مك ُ ْ‬‫دا َ‬‫ت أقْ َ‬ ‫الجزاء من جنس العمل ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَي ُث َب ّ ْ‬
‫ن ل يستطيع إبلغها ‪ ،‬ثبت الله قدمه‬ ‫م ْ‬ ‫الحديث ‪" :‬من ب َّلغ ذا سلطان حاجة َ‬
‫على الصراط يوم القيامة"‪.‬‬
‫م { ‪ ،‬عكس تثبيت القدام‬ ‫سا ل َهُ ْ‬ ‫فُروا فَت َعْ ً‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫للمؤمنين الناصرين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقد ثبت في‬
‫الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ت َِعس عبد الدينار ‪،‬‬
‫طيفة ‪] -‬وفي رواية ‪ :‬تعس عبد الخميصة[ )‬ ‫ق ِ‬ ‫تعس عبد الدرهم ‪ ،‬تعس عبد ال َ‬
‫ك فل انتقش" ‪ ،‬أي ‪ :‬فل شفاه الله‪.‬‬ ‫شي َ‬ ‫‪ - (5‬تعس وانتكس ‪ ،‬وإذا ِ‬
‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وأ َض ّ َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬أحبطها وأبطلها ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ل أعْ َ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما َأنز َ‬
‫م{‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫حب َط أعْ َ‬ ‫ه { أي ‪ :‬ل يريدونه ول يحبونه ‪ } ،‬فَأ ْ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫هوا َ‬ ‫ك َرِ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ذكر هذا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(6535‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من تن أ‪.‬‬

‫) ‪(7/310‬‬

‫سيُروا ِفي اْل َْر‬ ‫َ‬


‫مَر الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م دَ ّ‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ف َ‬ ‫ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬
‫ِ‬ ‫م يَ ِ‬‫أفَل َ ْ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬ ‫كافري َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫مُنوا وَأ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫موَْلى ال ّ ِ َ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ك ب ِأ ّ‬ ‫مَثال َُها )‪ (10‬ذ َل ِ َ‬ ‫نأ ْ‬‫م وَل ِل ْ َ ِ ِ َ‬
‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م )‪(11‬‬ ‫موَْلى ل َهُ ْ‬ ‫َل َ‬
‫َ‬
‫مَر الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م دَ ّ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ة ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬‫كا َ‬‫ف َ‬ ‫ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬
‫ِ‬ ‫سيُروا ِفي الْر‬ ‫} أفَل َ ْ‬
‫م يَ ِ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫كافرين أ َمَثال ُها )‪ (10‬ذ َل َ َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫مُنوا وَأ ّ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫موَْلى ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫م وَل ِل ْ َ ِ ِ َ ْ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م )‪{ (11‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موْلى لهُ ْ‬ ‫ل َ‬
‫) ‪(7/311‬‬

‫حت َِها اْل َن َْهاُر‬


‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫ذي َ‬
‫نآ َ‬‫ل ال ّ ِ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫م )‪ (12‬وَكأي ّ ْ‬ ‫وى لهُ ْ‬ ‫مث ْ ً‬
‫م َوالّناُر َ‬ ‫ل الن َْعا ُ‬ ‫ما ت َأك ُ‬ ‫نك َ‬ ‫ن وَي َأكلو َ‬ ‫مت ُّعو َ‬
‫فُروا ي َت َ َ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(13‬‬ ‫صَر لهُ ْ‬ ‫م فَل َنا ِ‬ ‫جت ْك أهْلكَناهُ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن قَْري َت ِك الِتي أ ْ‬ ‫م ْ‬‫شد ّ قُوّة ً ِ‬ ‫يأ َ‬ ‫ن قَْري َةٍ هِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫حت َِها الن َْهاُر‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫مُلوا‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م )‪ (12‬وَك َأي ّ ْ‬
‫ن‬ ‫وى لهُ ْ‬ ‫مث ْ ً‬ ‫م َوالّناُر َ‬ ‫ل الن َْعا ُ‬ ‫ما ت َأك ُ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ن وَي َأك ُلو َ‬ ‫مت ُّعو َ‬ ‫فُروا ي َت َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫خرجت َ َ‬ ‫َ‬ ‫ي أَ َ‬
‫م )‪(13‬‬ ‫صَر ل َهُ ْ‬ ‫م َفل َنا ِ‬ ‫ك أهْل َك َْناهُ ْ‬ ‫ك ال ِّتي أ ْ َ َ ْ‬ ‫ن قَْري َت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شد ّ قُوّة ً ِ‬ ‫ن قَْري َةٍ هِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫{‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سيُروا { يعني ‪ :‬المشركين بالله المكذبين لرسوله‬ ‫م يَ ِ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬أفَل ْ‬
‫م{‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ ْ‬ ‫ّ‬
‫مَر الل ُ‬ ‫م دَ ّ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ة ال ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ف كا َ‬ ‫ض فَي َن ْظ ُُروا كي ْ َ‬
‫َ‬
‫} ِفي الْر ِ‬
‫أي ‪ :‬عاقبهم بتكذيبهم وكفرهم ‪ ،‬أي ‪ :‬ونجى المؤمنين من بين أظهرهم ؛‬
‫مَثال َُها {‬ ‫كافري َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬وَل ِل ْ َ َ ِ ِ َ‬
‫َ‬
‫م{‪،‬‬ ‫موَْلى ل َهُ ْ‬ ‫نل َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مُنوا وَأ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫موَْلى ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫ولهذا لما قال أبو سفيان صخُر بن حرب رئيس المشركين يوم أحد حين سأل‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وعن أبي بكر وعمر فلم يجب ‪ ،‬وقال ‪ :‬أما‬
‫هؤلء فقد هلكوا ‪ ،‬وأجابه عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬كذبت يا عدو الله ‪ ،‬بل‬
‫ددت لحياء ]كلهم[ )‪ .(1‬فقال أبو‬ ‫أبقى الله لك ما يسوؤك ‪ ،‬وإن الذين عَ َ‬
‫ة لم آمر بها‬ ‫مث ْل َ ً‬ ‫سجال ‪ ،‬أما إنكم ستجدون ُ‬ ‫سفيان ‪ :‬يوم بيوم بدر ‪ ،‬والحرب ِ‬
‫ولم تسؤني ‪ ،‬ثم ذهب يرتجز ويقول ‪ :‬اعل هَُبل ‪ ،‬اعل هبل‪ .‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أل تجيبوه ؟" قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وما نقول ؟ قال‬
‫ل" ثم قال أبو سفيان ‪ :‬لنا العزى ‪ ،‬ول عُّزى لكم‪.‬‬ ‫‪" :‬قولوا ‪ :‬الله أعلى وأج ّ‬
‫فقال ‪" :‬أل تجيبوه ؟" قالوا ‪ :‬وما نقول يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬الله‬
‫مولنا ول مولى لكم" )‪.(2‬‬
‫ت‬
‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ال ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ثم قال ]تعالى )‪ } (3‬إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن وَي َأكلو َ‬ ‫مت ُّعو َ‬ ‫فُروا ي َت َ َ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر { أي ‪ :‬يوم القيامة } َوال ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م { أي ‪ :‬في دنياهم ‪ ،‬يتمتعون بها ويأكلون منها كأكل النعام ‪،‬‬ ‫ل الن َْعا ُ‬ ‫ما ت َأك ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ضما وقضما وليس لهم همة إل في ذلك‪ .‬ولهذا ثبت في الصحيح ‪" :‬المؤمن‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬
‫ي واحد ‪ ،‬والكافر يأكل في سبعة أمعاء" )‪.(4‬‬ ‫مع ّ‬ ‫يأكل في ِ‬
‫م { أي ‪ :‬يوم جزائهم‪.‬‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫وى‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫َ َ ّ ُ َ ً‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫وال‬ ‫}‬ ‫ثم قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫ك ال ِّتي أ ْ‬ ‫َ‬
‫ك { يعني ‪:‬‬ ‫جت ْ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن قَْري َت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شد ّ قُوّة ً ِ‬ ‫يأ َ‬ ‫ن قَْري َةٍ هِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَك َأي ّ ْ‬
‫َ‬
‫م { ‪ ،‬وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لهل مكة ‪،‬‬ ‫صَر ل َهُ ْ‬ ‫م َفل َنا ِ‬ ‫مكة ‪ } ،‬أهْل َك َْناهُ ْ‬
‫في تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهو سيد المرسلين )‪(5‬‬
‫وخاتم النبياء ‪ ،‬فإذا كان الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قد أهلك المم الذين كذبوا الرسل‬
‫قبله بسببهم ‪ ،‬وقد كانوا أشد قوة من هؤلء ‪ ،‬فماذا ظن هؤلء أن يفعل الله‬
‫بهم في الدنيا والخرى ؟ فإن رفع عن كثير منهم العقوبة في الدنيا لبركة‬
‫وجود الرسول نبي الرحمة ‪ ،‬فإن العذاب يوفر على‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (4043‬من حديث البراء رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (5393‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪ (2060‬من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬الرسل"‪.‬‬

‫) ‪(7/311‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(14‬‬ ‫واَءهُ ْ‬‫مل ِهِ َوات ّب َُعوا أهْ َ‬‫سوُء عَ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن ُزي ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َرب ّهِ ك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫أفَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ َ‬
‫ن لب َ ٍ‬ ‫ن وَأن َْهاٌر ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫ماٍء غَي ْرِ آ َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِفيَها أن َْهاٌر ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬‫عد َ ال ْ ُ‬ ‫جن ّةِ ال ِّتي وُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫َ‬
‫م ِفيَها‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫فى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫ل‬‫س‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫ر‬ ‫شا‬ ‫ّ‬ ‫لل‬ ‫ة‬‫ّ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ر‬
‫َ ُ ْ‬ ‫َ ٍ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ِِ َ َ َ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ُ ُ َ َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫ما‬
‫مي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ماًء َ‬ ‫قوا َ‬ ‫س ُ‬
‫خال ِد ٌ ِفي الّنارِ وَ ُ‬ ‫ن هُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫مك َ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةٌ ِ‬ ‫مغْ ِ‬‫ت وَ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ل الث ّ َ‬ ‫ُ‬
‫نك ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م )‪(15‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫فَ َ‬
‫مَعاَءهُ ْ‬ ‫ق طع َ أ ْ‬

‫ع‬
‫م َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ف ل َهُ ُ‬ ‫ضاعَ ُ‬ ‫الكافرين به في معادهم ‪ } ،‬ي ُ َ‬
‫ن { ] هود ‪.[ 20 :‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫كاُنوا ي ُب ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫ك { أي ‪ :‬الذين أخرجوك من بين أظهرهم‪.‬‬ ‫جت ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن قَْري َت ِ َ‬
‫خَر َ‬ ‫ك الِتي أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر أبي ‪ ،‬عن محمد بن عبد العلى ‪ ،‬عن المعتمر بن‬
‫حَنش )‪ ، (1‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن النبي‬ ‫سليمان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن َ‬
‫)‪ (2‬صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار أراه قال ‪ :‬التفت )‪(3‬‬
‫ي‪،‬‬ ‫ب بلد الله إل ّ‬ ‫إلى مكة ‪ -‬وقال ‪" :‬أنت أحب بلد الله إلى الله ‪ ،‬وأنت أح ّ‬
‫دا‬‫ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك" )‪ .(4‬فأعدى العداء من عَ َ‬
‫حول الجاهلية ‪ ،‬فأنزل الله‬ ‫على الله في حرمه ‪ ،‬أو قتل غير قاتله ‪ ،‬أو قتل بذ ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن قَْري َت ِكَ‬ ‫م ْ‬ ‫شد ّ قوّة ً ِ‬ ‫ُ‬ ‫يأ َ‬ ‫ن قَْري َةٍ هِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫على نبيه صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬وَك َأي ّ ْ‬
‫خرجت َ َ‬ ‫َ‬
‫م{‬ ‫صَر ل َهُ ْ‬ ‫م َفل َنا ِ‬ ‫ك أهْل َك َْناهُ ْ‬ ‫ال ِّتي أ ْ َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(14‬‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫مل ِهِ َوات ّب َُعوا أهْ َ‬ ‫سوُء عَ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن ُزي ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َرب ّهِ ك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫} أفَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن لب َ ٍ‬
‫م ْ َ‬ ‫ن وَأن َْهاٌر ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫ماٍء غَي ْرِ آ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِفيَها أن َْهاٌر ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫عد َ ال ْ ُ‬ ‫جن ّةِ ال ِّتي وُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫َ‬
‫م ِفيَها‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫فى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬‫ها‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫ر‬ ‫شا‬ ‫ّ‬ ‫لل‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫ر‬
‫َ ُ ْ‬ ‫َ ٍ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ِِ َ َ َْ ٌ ِ ْ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ُ َ َْ ٌ ِ ْ‬ ‫يَ َ ّ ْ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ت‬
‫ما‬ ‫مي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ماًء َ‬ ‫قوا َ‬ ‫س ُ‬ ‫خال ِد ٌ ِفي الّنارِ وَ ُ‬ ‫ن هُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةٌ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ل الث ّ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م )‪.{ (15‬‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫عا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫فَ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّهِ { أي ‪ :‬على بصيرة ويقين في أمر الله‬ ‫م ْ‬ ‫ن عَلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫يقول ‪ } :‬أفَ َ‬
‫جَبله الله عليه من‬ ‫ودينه ‪ ،‬بما أنزل الله في كتابه من الهدى والعلم ‪ ،‬وبما َ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬ليس‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫مل ِهِ َوات ّب َُعوا أهْ َ‬ ‫سوُء عَ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن ُزي ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫الفطرة المستقيمة ‪ } ،‬ك َ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مى‬ ‫ن هُوَ أعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ك َ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما أنز َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫ن ي َعْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫هذا ‪ ،‬كهذا كقوله ‪ } :‬أفَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫جن ّ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ب الّنارِ وَأ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وي أ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫{ ] الرعد ‪ ، [ 19 :‬وكقوله ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن { ] الحشر ‪.[ 20 :‬‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫جن ّةِ هُ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫جن ّةِ {‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫ن { قال عكرمة ‪َ } :‬‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫عد َ ال ْ ُ‬ ‫جن ّةِ ال ِّتي وُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫ثم قال ‪َ } :‬‬
‫ن { قال ابن عباس ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ٍ‬ ‫ماٍء غي ْرِ آ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫أي ‪ :‬نعتها )‪ِ } : (5‬فيَها أن َْهاٌر ِ‬
‫وقتادة ‪ :‬يعني غير متغير‪ .‬وقال قتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ :‬غير‬
‫سن الماء ‪ ،‬إذا ت َغَّير ريحه‪.‬‬ ‫َ‬
‫منتن‪ .‬والعرب تقول ‪ :‬أ ِ‬
‫ن { يعني ‪ :‬الصافي الذي‬ ‫س ٍ‬ ‫وفي حديث مرفوع أورده ابن أبي حاتم ‪ } :‬غَي ْرِ آ ِ‬
‫در فيه‪.‬‬ ‫ل كَ َ‬
‫كيع ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا وَ ِ‬
‫جر‬ ‫ف ّ‬ ‫مّرة )‪ ، (6‬عن مسروق قال ‪ :‬قال عبد الله ‪ :‬أنهار الجنة ت ُ َ‬ ‫عبد الله بن ُ‬
‫من جبل من مسك‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أن رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وداراه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه الطبري في تفسيره )‪.(26/31‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬نعيمها"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬

‫) ‪(7/312‬‬

‫َ‬
‫ه { أي ‪ :‬بل في غاية البياض والحلوة‬ ‫م ُ‬ ‫م ي َت َغَي ّْر ط َعْ ُ‬
‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ َ‬
‫ن لب َ ٍ‬ ‫} وَأن َْهاٌر ِ‬
‫ضُروع الماشية"‪.‬‬ ‫والدسومة‪ .‬وفي حديث مرفوع ‪" :‬لم يخرج من ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر‬ ‫مرٍ ل َذ ّةٍ ِلل ّ‬ ‫َ‬
‫شارِِبي َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫} وَأن َْهاٌر ِ‬
‫الدنيا ‪ ،‬بل ]هي[ )‪ (1‬حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل ‪ } ،‬ل ِفيَها غَوْ ٌ‬
‫ل‬
‫ن{‬ ‫ن عَن َْها َول ُينزُفو َ‬‫عو َ‬‫صد ّ ُ‬‫ن { ] الصافات ‪ } ، [47 :‬ل ي ُ َ‬ ‫م عَن َْها ُينزُفو َ‬ ‫َول هُ ْ‬
‫ن { ] الصافات ‪ ، [46 :‬وفي حديث‬ ‫شارِِبي َ‬ ‫َ‬
‫ضاَء لذ ّةٍ ِلل ّ‬ ‫] الواقعة ‪ } ، [19 :‬ب َي ْ َ‬
‫مرفوع ‪" :‬لم تعصرها الرجال بأقدامها"‪.‬‬
‫فى { أي ‪ :‬وهو في غاية الصفاء ‪،‬‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬
‫م َ‬‫ل ُ‬ ‫س ٍ‬‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫]وقوله[ )‪ } (2‬وَأن َْهاٌر ِ‬
‫وحسن اللون والطعم والريح ‪ ،‬وفي حديث مرفوع ‪" :‬لم يخرج من بطون‬
‫النحل"‪.‬‬
‫جريري ‪ ،‬عن حكيم‬ ‫وقال )‪ (3‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا ال ُ‬
‫بن معاوية ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫"في الجنة بحر اللبن ‪ ،‬وبحر الماء ‪ ،‬وبحر العسل ‪ ،‬وبحر الخمر ‪ ،‬ثم تشقق‬
‫النهار منها بعد"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي في "صفة الجنة" ‪ ،‬عن محمد بن َبشار ‪ ،‬عن يزيد بن هارون ‪،‬‬
‫جريري ‪ ،‬به )‪ (4‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬ ‫عن سعيد بن إياس ال َ‬
‫وقال أبو بكر بن مردويه )‪ (5‬حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم ‪ ،‬حدثنا عبد الله‬
‫بن محمد بن النعمان ‪ ،‬حدثنا مسلم بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا الحارث بن عبيد أبو‬
‫قدامة اليادي ‪ ،‬حدثنا أبو عمران الجوني ‪ ،‬عن أبي بكر بن عبد الله بن‬
‫قيس ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬هذه النهار‬
‫جوَْبة ‪ ،‬ثم تصدع بعد أنهارا" )‪(6‬‬ ‫ب من جنة عدن في َ‬ ‫خ ُ‬ ‫َتش ُ‬
‫وفي الصحيح ‪" :‬إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ‪ ،‬فإنه أوسط الجنة وأعلى‬
‫جر أنهار الجنة ‪ ،‬وفوقه عرش الرحمن" )‪.(7‬‬ ‫ف ّ‬ ‫الجنة ‪ ،‬ومنه ت ُ َ‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة‬
‫الزبيري ‪ ،‬وعبد الله بن الصفر السكري قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي‬
‫‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة ‪ ،‬حدثني عبد الرحمن بن عياش ‪ ،‬عن دلهم‬
‫بن السود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن عمه لقيط بن عامر ‪ ،‬قال دلهم ‪ :‬وحدثنيه أيضا أبو السود ‪ ،‬عن عاصم‬
‫بن لقيط أن لقيط‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (5/5‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2571‬ورواه أبو نعيم في الحلية )‬
‫‪ (6/204‬عن طريق الجريري به ‪ ،‬وقال ‪" :‬غريب عن الجريري تفرد به عن‬
‫حكيم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وروى ابن مردويه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم )‪ (314‬من طريق معلى بن أسد‬
‫عن الحارث بن عبيد به‪.‬‬
‫)‪ (7‬سبق تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 133 :‬من سورة آل عمران‪.‬‬

‫) ‪(7/313‬‬

‫بن عامر خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬فعلم نطلع من الجنة ؟ قال ‪" :‬على أنهار عسل مصفى ‪ ،‬وأنهار من‬
‫خمر )‪ (1‬ما بها صداع ول ندامة ‪ ،‬وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ‪ ،‬وماء غير‬
‫آسن ‪ ،‬وفاكهة ‪ ،‬لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله ‪ ،‬وأزواج مطهرة"‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أو لنا فيها أزواج مصلحات ؟ قال ‪" :‬الصالحات‬
‫للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم ‪ ،‬غير أل توالد" )‪.(2‬‬
‫وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا يعقوب بن عبيدة )‪، (3‬‬
‫عن يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرني الجريري ‪ ،‬عن معاوية بن قرة ‪ ،‬عن أبيه )‪، (4‬‬
‫عن أنس بن مالك قال ‪ :‬لعلكم تظنون أن أنهار الجنة تجري في أخدود في‬
‫الرض ‪ ،‬والله إنها لتجري سائحة على وجه الرض ‪ ،‬حافاتها قباب اللؤلؤ ‪،‬‬
‫وطينها المسك الذ َْفر )‪.(5‬‬
‫مْرُدويه ‪ ،‬من حديث مهدي بن حكيم ‪ ،‬عن يزيد بن‬ ‫وقد رواه أبو بكر ابن َ‬
‫هارون ‪ ،‬به مرفوعا )‪.(6‬‬
‫ل َفاك ِهَ ٍ‬
‫ة‬ ‫ُ‬
‫ن ِفيَها ب ِك ّ‬ ‫عو َ‬ ‫ت { ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ي َد ْ ُ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ل الث ّ َ‬ ‫ُ‬
‫نك ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِفيَها ِ‬‫وقوله ‪ } :‬وَل َهُ ْ‬
‫ن{‬ ‫جا ِ‬‫ل َفاك ِهَةٍ َزوْ َ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫م ْ‬ ‫ما ِ‬‫ن { ] الدخان ‪ .[55 :‬وقوله ‪ِ } :‬فيهِ َ‬ ‫مِني َ‬
‫آ ِ‬
‫] الرحمن ‪.[ 52 :‬‬
‫م { أي ‪ :‬مع ذلك كله‪.‬‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةٌ ِ‬
‫مغْ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫خال ِد ٌ ِفي الّنارِ { أي ‪ :‬أهؤلء الذين ذكرنا منزلتهم من‬ ‫ن هُوَ َ‬ ‫م ْ‬‫وقوله ‪ } :‬ك َ َ‬
‫الجنة كمن هو خالد في النار ؟ ليس هؤلء كهؤلء ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس من هو في‬
‫ما { أي ‪ :‬حارا )‪(8‬‬ ‫مي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ماًء َ‬‫قوا َ‬‫س ُ‬‫الدرجات كمن هو )‪ (7‬في الدركات ‪ } ،‬وَ ُ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬قطع ما في بطونهم من‬ ‫مَعاَءهُ ْ‬‫قط ّعَ أ ْ‬ ‫شديد الحر ‪ ،‬ل يستطاع‪ } .‬فَ َ‬
‫المعاء والحشاء ‪ ،‬عياذا بالله من ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬كأس"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المعجم الكبير )‪ (19/211‬من حديث طويل كأن الحافظ اختصره ‪،‬‬
‫وصورة السند في المعجم الكبير ‪" :‬حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة‬
‫الزبيري وعبد الله بن الصقر العسكري ‪ -‬وصوابه ‪ :‬السكري ‪ -‬قال ‪ :‬حدثنا‬
‫إبراهيم بن المنذر الحزامي ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الله بن‬
‫خالد بن حزام ‪ ،‬حدثني عبد الرحمن بن عياش النصاري ثم المسعودي عن‬
‫دلهم بن السود عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر خرج‪ ...‬الحديث"‪.‬‬
‫وهناك عطف بالواو يوهم أن هناك إسنادا آخر رواه الطبراني ‪ ،‬وليس عنده‬
‫إل من هذا الطريق ‪ ،‬وقد رواه عبد الله بن المام أحمد في زوائد المسند )‬
‫‪ (4/13‬من طريق إبراهيم بن حمزة بن مصعب بن الزبير عن عبد الرحمن‬
‫بن المغيرة الحزامي عن عبد الله بن عياش عن دلهم بن السود بن عبد الله‬
‫بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر‬
‫فذكره‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬عبيد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي الدنيا بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (5‬وذكره المنذري في الترغيب والترهيب )‪ (4/518‬وقال ‪" :‬وروى ابن أبي‬
‫الدنيا بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (6‬ورواه أبو نعيم في الحلية )‪ (6/205‬من طريق محمد بن أحمد الزهري‬
‫عن مهدي بن حكيم بن مهدي به مرفوعا‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬هو خالد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬صار"‪.‬‬

‫) ‪(7/314‬‬

‫ك َقاُلوا ل ِل ّذي ُ‬
‫ماَذا‬ ‫م َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫عن ْدِ َ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ك َ‬ ‫معُ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َقال آن ِ ً‬
‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (16‬وال ِ‬
‫ْ‬
‫واَءهُ ْ‬ ‫م َوات ّب َُعوا أهْ َ‬ ‫ه عَلى قلوب ِهِ ْ‬ ‫ن طب َعَ الل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫فا أولئ ِك ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن ت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ن إ ِّل ال ّ‬ ‫ل ي َن ْظ ُُرو َ‬ ‫م )‪ (17‬فَهَ ْ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫دى وَآَتاهُ ْ‬ ‫م هُ ً‬ ‫اهْت َد َْوا َزاد َهُ ْ‬
‫ه إ ِّل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َل إ ِل َ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫م )‪َ (18‬فاعْل َ ْ‬ ‫م ذِك َْراهُ ْ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫شَراط َُها فَأّنى ل َهُ ْ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ب َغْت َ ً‬
‫م )‪(19‬‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫قل ّب َك ُ ْ‬
‫مت َ َ‬
‫م ُ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫مَنا ِ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ك وَل ِل ْ ُ‬ ‫فْر ل ِذ َن ْب ِ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ك َقاُلوا ل ِل ّذي ُ‬
‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬
‫م‬ ‫ِ َ‬ ‫عن ْدِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ك َ‬ ‫معُ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫} وَ ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ماَذا قا َ‬
‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (16‬وال ِ‬
‫ْ‬
‫واَءهُ ْ‬ ‫م َوات ّب َُعوا أهْ َ‬ ‫ه عَلى قلوب ِهِ ْ‬ ‫ن طب َعَ الل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫فا أولئ ِك ال ِ‬ ‫ل آن ِ ً‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ن ِإل ال ّ‬ ‫م )‪ (17‬فهَل ي َن ْظُرو َ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫دى َوآَتاهُ ْ‬ ‫م هُ ً‬ ‫اهْت َد َْوا َزاد َهُ ْ‬
‫ه ِإل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ة فَ َ‬
‫ه ل إ ِل َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫م )‪ (18‬فاعْل ْ‬ ‫م ذِكَراهُ ْ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫م إ ِذا َ‬ ‫جاَء أشَراطَها فأّنى لهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ب َغْت َ ً‬
‫م )‪(19‬‬ ‫واك ُْ‬ ‫مث َْ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫َِ ُ ِ ِ َ َ ُ ِ َ ِ َ ُ َْ ُ ُ َ َ ْ َ َ‬‫ت‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َ ْ َْ ِ ْ ِ ِْ‬
‫ب‬ ‫ن‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫غ‬‫ت‬ ‫س‬ ‫وا‬ ‫الل ّ ُ‬
‫{‪.‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المنافقين في بلدتهم وقلة فهمهم حيث كانوا‬
‫يجلسون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستمعون كلمه ول يفهمون‬
‫منه شيئا ‪ ،‬فإذا خرجوا من عنده } َقاُلوا ل ِل ّذي ُ‬
‫م { من الصحابة ‪} :‬‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ِ َ‬
‫فا { أي ‪ :‬الساعة ‪ ،‬ل يعقلون ما يقال )‪ ، (1‬ول يكترثون له‪.‬‬ ‫ل آن ِ ً‬ ‫ماَذا َقا َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫وا‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫عوا‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫ُ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫الله‬ ‫قال‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِِ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫فل فهم صحيح ‪ ،‬ول قصد صحيح‪.‬‬
‫دى { أي ‪ :‬والذين قصدوا الهداية وفقهم‬ ‫م هُ ً‬ ‫ن اهْت َد َْوا َزاد َهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ثم قال ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫الله لها فهداهم إليها ‪ ،‬وثبتهم عليها وزادهم منها ‪َ } ،‬وآَتاهُ ْ‬
‫ألهمهم رشدهم‪.‬‬
‫ة { أي ‪ :‬وهم غافلون عنها ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫م ب َغْت َ ً‬ ‫ن ت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ن ِإل ال ّ‬ ‫ل ي َن ْظُرو َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ذيٌر ِ‬ ‫ذا ن َ ِ‬ ‫شَراط َُها { أي ‪ :‬أمارات اقترابها ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬هَ َ‬ ‫جاَء أ َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫} فَ َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ة { ] النجم ‪ ، [ 57 ، 56 :‬وكقوله ‪ } :‬اقْت ََرب َ ِ‬ ‫ت الزِفَ ُ‬ ‫الن ّذ ُرِ الوَلى أزِفَ ِ‬
‫مُر الل ّهِ َفل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شقّ ال ْ َ‬ ‫ة َوان ْ َ‬
‫مُر { ] القمر ‪ [ 1 :‬وقوله ‪ } :‬أَتى أ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫فل َ ٍ‬
‫ة‬ ‫م ِفي غَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫ساب ُهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫س ِ‬‫ب ِللّنا ِ‬ ‫جُلوه ُ { ] النحل ‪ ، [1 :‬وقوله ‪ } :‬اقْت ََر َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن { ] النبياء ‪ ، [ 1 :‬فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ُ‬
‫أشراط الساعة ؛ لنه خاتم الرسل الذي أكمل الله به الدين ‪ ،‬وأقام به الحجة‬
‫على العالمين‪ .‬وقد أخبر ‪ -‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ -‬بأمارات الساعة‬
‫وأشراطها ‪ ،‬وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله ‪ ،‬كما هو مبسوط‬
‫في موضعه‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من أشراط‬
‫الساعة‪ .‬وهو كما قال ؛ ولهذا جاء في أسمائه عليه السلم ‪ ،‬أنه نبي التوبة ‪،‬‬
‫شر الناس على قدميه ‪ ،‬والعاقب الذي‬ ‫ونبي الملحمة ‪ ،‬والحاشر الذي ُيح َ‬
‫ليس بعده نبي‪.‬‬
‫وقال )‪ (2‬البخاري ‪ :‬حدثنا أحمد بن المقدام ‪ ،‬حدثنا فضيل بن سليمان ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو حازم ‪ ،‬حدثنا )‪ (3‬سهل بن سعد قال ‪ :‬رأيت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال بأصبعيه هكذا ‪ ،‬بالوسطى والتي تليها ‪" :‬بعثت أنا والساعة‬
‫كهاتين" )‪.(4‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬فكيف للكافرين‬ ‫م ذِكَراهُ ْ‬
‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬فَأّنى لهُ ْ‬
‫م إ َِذا َ‬
‫بالتذكر )‪ (5‬إذا جاءتهم القيامة ‪ ،‬حيث ل ينفعهم ذلك )‪ ، (6‬كقوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ه الذ ّك َْرى { ] الفجر ‪، [ 23 :‬‬ ‫ن وَأّنى ل َ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َت َذ َك ُّر الن ْ َ‬
‫} ي َوْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ما يقول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(4936‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬التذكير"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬التذكير"‪.‬‬

‫) ‪(7/315‬‬

‫َ‬
‫ن ب َِعيد ٍ { ] سبأ ‪.[ 52 :‬‬ ‫م َ‬
‫كا ٍ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ش ِ‬‫م الت َّناوُ ُ‬ ‫مّنا ب ِهِ وَأّنى ل َهُ ُ‬ ‫} وََقاُلوا آ َ‬
‫َ‬
‫ه { هذا إخبار ‪ :‬بأنه ل إله إل الله ‪ ،‬ول يتأتى‬ ‫ه ِإل الل ّ ُ‬
‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فاعْل َ ْ‬
‫ك‬ ‫فْر ل ِذ َن ْب ِ َ‬‫ست َغْ ِ‬‫)‪ (1‬كونه آمرا بعلم ذلك ؛ ولهذا عطف عليه بقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫ت { وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫وَل ِل ْ ُ‬
‫كان يقول ‪" :‬اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ‪ ،‬وإسرافي في أمري ‪ ،‬وما أنت‬
‫مدي ‪ ،‬وكل ذلك‬ ‫طئي وعَ ْ‬ ‫خ َ‬‫دي ‪ ،‬و َ‬ ‫أعلم به مني‪ .‬اللهم اغفر لي هَْزلي وج ّ‬
‫عندي" )‪ .(2‬وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلة ‪" :‬اللهم اغفر لي ما‬
‫قدمت وما أخرت ‪ ،‬وما أسررت وما أعلنت ‪ ،‬وما أسرفت ‪ ،‬وما أنت أعلم به‬
‫مني ‪ ،‬أنت إلهي ل إله إل أنت" )‪ (3‬وفي الصحيح أنه قال ‪" :‬يا أيها الناس ‪،‬‬
‫توبوا إلى ربكم ‪ ،‬فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين‬
‫مرة" )‪(4‬‬
‫وقال )‪ (5‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة عن عاصم‬
‫الحول قال ‪ :‬سمعت )‪ (6‬عبد الله بن سرجس قال ‪ :‬أتيت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فأكلت معه من طعامه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬غفر الله لك يا رسول الله‬
‫فْر ل ِذ َن ْب ِ َ‬
‫ك‬ ‫ست َغْ ِ‬‫فقلت ‪ :‬استغفر لك )‪ (7‬؟ فقال ‪" :‬نعم ‪ ،‬ولكم" ‪ ،‬وقرأ ‪َ } :‬وا ْ‬
‫ت { ‪ ،‬ثم نظرت إلى ن ُْغض كتفه اليمن ‪ -‬أو ‪ :‬كتفه‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫وَل ِل ْ ُ‬
‫اليسر شعبة الذي شك ‪ -‬فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل‪.‬‬
‫رواه مسلم ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي )‪ ، (8‬وابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬من‬
‫طرق ‪ ،‬عن عاصم الحول ‪ ،‬به )‪.(9‬‬
‫حّرز بن عون )‪ ، (10‬حدثنا‬ ‫م َ‬‫وفي الحديث الخر الذي رواه أبو يعلى ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫صيَرة ‪ ،‬عن أبي رجاء ‪ ،‬عن‬‫عثمان بن مطر ‪ ،‬حدثنا عبد الغفور ‪ ،‬عن أبي ن َ ِ‬
‫أبي بكر الصديق ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال ‪" :‬عليكم بل إله إل الله والستغفار ‪ ،‬فأكثروا منهما ‪ ،‬فإن إبليس قال ‪:‬‬
‫أهلكت )‪ (11‬الناس بالذنوب ‪ ،‬وأهلكوني بـ "ل إله إل الله" ‪ ،‬والستغفار فلما‬
‫رأيت ذلك أهلكتهم بالهواء ‪ ،‬فهم يحسبون أنهم مهتدون" )‪.(12‬‬
‫وفي الثر المروي ‪" :‬قال إبليس ‪ :‬وعزتك وجللك ل أزال أغويهم ما دامت‬
‫أرواحهم في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬إل هو ول ينافي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(6398‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(769‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(6307‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬استغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬والنسائي وابن ماجه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪ (5/82‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2346‬والشمائل للترمذي برقم )‬
‫‪ (22‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11496‬‬
‫)‪ (10‬في م ‪" :‬محمد بن عوف" وفي هـ ‪" :‬محمد بن عون"‪ .‬والتصويب من‬
‫مسند أبي يعلى‪.‬‬
‫)‪ (11‬في م ‪" :‬قال ‪ :‬إنما أهلكت"‪.‬‬
‫)‪ (12‬مسند أبي يعلى )‪ ، (1/123‬وقال الهيثمي في المجمع )‪: (10/207‬‬
‫"فيه عثمان بن مطر وهو ضعيف"‪.‬‬

‫) ‪(7/316‬‬

‫أجسادهم‪ .‬فقال الله عز وجل ‪ :‬وعزتي وجللي ول أزال أغفر لهم ما‬
‫استغفروني" )‪(1‬‬
‫والحاديث في فضل الستغفار كثيرة جدا‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬يعلم تصرفكم في نهاركم‬ ‫واك ُ ْ‬
‫مث ْ َ‬ ‫قل ّب َك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫مت َ َ‬
‫م ُ‬‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫وقوله ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫م‬
‫حت ُ ْ‬‫جَر ْ‬
‫ما َ‬ ‫ل وَي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫م ِبالل ّي ْ ِ‬‫ذي ي َت َوَّفاك ُ ْ‬‫ومستقركم في ليلكم ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ض ِإل عََلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن َداب ّةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬‫ِبالن َّهارِ { ] النعام ‪ ، [ 60 :‬وكقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ] هود ‪ .[ 6 :‬وهذا‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ست َوْد َعََها ك ُ ّ‬‫م ْ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫قّر َ‬ ‫ست َ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫رِْزقَُها وَي َعْل َ ُ‬
‫القول ذهب إليه ابن جريج ‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير‪ .‬وعن ابن عباس ‪ :‬متقلبكم‬
‫في الدنيا ‪ ،‬ومثواكم في الخرة‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬متقلبكم في الدنيا ‪ ،‬ومثواكم في قبوركم‪.‬‬
‫والول أولى وأظهر ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه أحمد في مسنده )‪ (3/29‬من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬

‫) ‪(7/317‬‬
‫ُ‬ ‫ذي َ‬
‫ة وَذ ُك َِر ِفيَها‬ ‫حك َ َ‬
‫م ٌ‬ ‫م ْ‬
‫سوَرة ٌ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫سوَرة ٌ فَإ َِذا أن ْزِل َ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫مُنوا ل َوَْل ن ُّزل َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ل ال ّ ِ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ي عَلي ْهِ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلي ْك ن َظَر ال َ‬ ‫ض ي َن ْظُرو َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫قَتال َرأي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صد َُقوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫مُر فَل َوْ َ‬ ‫م اْل ْ‬ ‫ف فَإ َِذا عََز َ‬ ‫معُْرو ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ة وَقَوْ ٌ‬ ‫طاعَ ٌ‬ ‫م )‪َ (20‬‬ ‫ت فَأوَْلى ل َهُ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قط ُّعوا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض وَت ُ َ‬ ‫دوا َِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬‫ف ِ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫سي ْت ُ ْ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م )‪ (21‬فَهَ ْ‬ ‫خي ًْرا ل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م )‪(23‬‬ ‫صاَرهُ ْ‬ ‫مى أب ْ َ‬ ‫م وَأعْ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ص ّ‬‫ه فَأ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن ل َعَن َهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫م )‪ (22‬أول َئ ِ َ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫حا َ‬‫أْر َ‬
‫ُ‬
‫ة وَذ ُك َِر ِفيَها‬ ‫م ٌ‬ ‫حك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سوَرة ٌ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫سوَرة ٌ فَإ َِذا أنزل َ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ول نزل َ ْ‬ ‫مُنوا ل َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫} وَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ي عَلي ْهِ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ن إ ِلي ْك ن َظَر ال َ‬ ‫َ‬ ‫ض ي َن ْظُرو َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫قَتا ُ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬
‫صد َُقوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫مُر فَل َوْ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫ف فَإ َِذا عََز َ‬ ‫معُْرو ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ة وَقَوْ ٌ‬ ‫طاعَ ٌ‬ ‫م )‪َ (20‬‬ ‫ت فَأوَْلى ل َهُ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قط ُّعوا‬ ‫َ‬
‫ض وَت ُ َ‬ ‫دوا َِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫سي ْت ُ ْ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م )‪ (21‬فَهَ ْ‬ ‫خي ًْرا ل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م )‪.{ (23‬‬ ‫صاَرهُ ْ‬ ‫مى أب ْ َ‬ ‫م وَأعْ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ه فَأ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن ل َعَن َهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫م )‪ (22‬أول َئ ِ َ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫أْر َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المؤمنين أنهم تمنوا شرعية الجهاد ‪ ،‬فلما فرضه الله ‪،‬‬
‫َ‬
‫م ت ََر‬ ‫عز وجل )‪ ، (1‬وأمر به نكل عنه كثير من الناس ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب عَل َي ْهِ ُ‬
‫م‬ ‫ما ك ُت ِ َ‬ ‫كاة َ فَل َ ّ‬ ‫صلة َ َوآُتوا الّز َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م وَأِقي ُ‬ ‫فوا أي ْدِي َك ُ ْ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ن ِقي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة وََقالوا َرب َّنا‬ ‫شي َ ً‬ ‫خ ْ‬ ‫شد ّ َ‬ ‫شي َةِ اللهِ أوْ أ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫س كَ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل إ َِذا فَ‬ ‫قَتا ُ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ول أ َ ّ‬
‫خَرةُ‬ ‫ل َوال ِ‬ ‫مَتاعُ الد ّن َْيا قَِلي ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ب قُ ْ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ل قَ ِ‬ ‫ج ٍ‬‫خْرت ََنا إ َِلى أ َ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫قَتا َ‬ ‫ت عَل َي َْنا ال ْ ِ‬ ‫م ك َت َب ْ َ‬ ‫لِ َ‬
‫ن فَِتيل { ]النساء ‪.[77 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قى َول ت ُظل ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫خي ٌْر ل ِ َ‬ ‫َ‬
‫سوَرةٌ { أي ‪ :‬مشتملة على‬ ‫ت ُ‬ ‫ول نزل ْ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ل ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫وقال ها هنا ‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ح ْ‬
‫ت‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫قَتا ُ‬ ‫ة وَذ ُك َِر ِفيَها ال ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫حك َ‬ ‫م ْ‬ ‫سوَرة ٌ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫كم القتال ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَإ َِذا أنزل ْ‬ ‫ُ‬
‫ت { أي ‪:‬‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ي عَلي ْهِ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلي ْك ن َظَر ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض ي َن ْظُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ِ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء العداء‪ .‬ثم قال مشجعا لهم ‪ } :‬فَأوْلى‬
‫ف { أي ‪ :‬وكان الولى بهم أن يسمعوا ويطيعوا ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫معُْرو ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ة وَقَوْ ٌ‬ ‫طاعَ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫مُر { أي ‪ :‬جد الحال ‪ ،‬وحضر القتال ‪،‬‬ ‫م ال ْ‬ ‫في الحالة الراهنة ‪ } ،‬فَإ َِذا عََز َ‬
‫م{‬ ‫خي ًْرا ل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه { أي ‪ :‬أخلصوا له النية ‪ } ،‬ل َ َ‬ ‫صد َُقوا الل ّ َ‬ ‫} فَل َوْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م { أي ‪ :‬عن الجهاد ونكلتم عنه ‪ } ،‬أ ْ‬ ‫ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫سي ْت ُ ْ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫َ‬
‫م{‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫قط ُّعوا أْر َ‬ ‫ض وَت ُ َ‬ ‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬الله تعالى"‪.‬‬

‫) ‪(7/317‬‬

‫أي ‪ :‬تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلء ‪ ،‬تسفكون الدماء وتقطعون‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الرحام ؛ ولهذا قال ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫م{‬ ‫صاَرهُ ْ‬
‫مى أب ْ َ‬
‫م وَأعْ َ‬
‫مهُ ْ‬
‫ص ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه فَأ َ‬ ‫ن ل َعَن َهُ ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وهذا نهي عن الفساد في الرض عموما ‪ ،‬وعن قطع الرحام خصوصا ‪ ،‬بل‬
‫قد أمر ]الله[ )‪ (1‬تعالى بالصلح في الرض وصلة الرحام ‪ ،‬وهو الحسان‬
‫إلى القارب في المقال والفعال وبذل الموال‪ .‬وقد وردت الحاديث الصحاح‬
‫والحسان بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬من طرق عديدة ‪،‬‬
‫ووجوه كثيرة‪.‬‬
‫خَلد ‪ ،‬حدثنا سليمان ‪ ،‬حدثني معاوية بن أبي‬ ‫م ْ‬‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا خالد بن َ‬
‫مَزّرد ‪ ،‬عن سعيد بن يسار )‪ ، (2‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬ ‫ُ‬
‫وسلم قال ‪" :‬خلق الله الخلق ‪ ،‬فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو‬
‫الرحمن عز وجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬مه! فقالت ‪ :‬هذا مقام العائذ بك من القطيعة‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أل ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت ‪ :‬بلى‪.‬‬
‫ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م إِ ْ‬ ‫سي ْت ُ ْ‬
‫ل عَ َ‬ ‫قال ‪ :‬فذاك )‪ .(3‬قال أبو هريرة ‪ :‬اقرؤوا إن شئتم ‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { )‪.(4‬‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫قط ُّعوا أْر َ‬
‫حا َ‬ ‫ض وَت ُ َ‬
‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬‫ف ِ‬‫ن تُ ْ‬
‫أ ْ‬
‫ثم رواه البخاري من طريقين آخرين ‪ ،‬عن معاوية بن أبي مزرد ‪ ،‬به‪ .‬قال‬
‫ن‬
‫م إِ ْ‬ ‫سي ْت ُ ْ‬‫ل عَ َ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اقرؤوا إن شئتم ‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫َ‬ ‫تول ّيت َ‬
‫م { )‪ (5‬ورواه مسلم من‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫قط ُّعوا أْر َ‬
‫حا َ‬ ‫ض وَت ُ َ‬
‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬
‫ف ِ‬
‫ن تُ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫َ َ ُْ ْ‬
‫حديث معاوية بن أبي مزرد ‪ ،‬به )‪.(6‬‬
‫وقال )‪ (7‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل أخبرنا عيينة بن عبد الرحمن بن‬
‫جوشن ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي بكرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ما من ذنب أحرى أن يعجل الله عقوبته في الدنيا ‪ ،‬مع ما يدخر‬
‫لصاحبه في الخرة ‪ ،‬من البغي وقطيعة الرحم"‪.‬‬
‫َ‬
‫رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث إسماعيل ‪ -‬هو ابن عُلية ‪ -‬به‬
‫)‪ .(8‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث صحيح‪.‬‬
‫وقال )‪ (9‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن بكر ‪ ،‬حدثنا ميمون أبو محمد‬
‫المرئي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عباد المخزومي ‪ ،‬عن ثوبان ‪ ،‬عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪" :‬من سره الّنساء في الجل ‪ ،‬والزيادة في الرزق ‪،‬‬
‫فليصل رحمه" )‪ .(10‬تفرد به أحمد ‪ ،‬وله شاهد في الصحيح‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬فروى البخاري بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فذلك لك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(4830‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (4832 ، 4831‬لكن زاد أبو الحباب بين معاوية‬
‫وسعيد بن يسار‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪ (2554‬من طريق معاوية بن أبي مزرد عن عمه‬
‫أبي الحباب عن سعيد بن يسار به‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (5/38‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4902‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (2511‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(4211‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪ (5/279‬وشاهده حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا‬
‫‪" :‬من سره أن يبسط عليه رزقه ‪ ،‬أو ينسأ في أثره فليصل رحمه"‪ .‬رواه‬
‫البخاري في صحيحه برقم )‪ (5986‬ومسلم في صحيحه برقم )‪(2557‬‬
‫واللفظ لمسلم‪.‬‬

‫) ‪(7/318‬‬

‫وقال )‪ (1‬أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬حدثنا حجاج بن أرطاة ‪ ،‬عن‬
‫عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬جاء رجل إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله إن لي ذوي أرحام ‪ ،‬أصل ويقطعون ‪،‬‬
‫وأعفو ويظلمون ‪ ،‬وأحسن ويسيئون ‪ ،‬أفأكافئهم ؟ قال ‪" :‬ل إذن تتركون‬
‫جد ْ بالفضل وصلهم ؛ فإنه لن يزال معك ظهير من الله ‪ ،‬عز‬‫جميعا ‪ ،‬ولكن ُ‬
‫وجل ‪ ،‬ما كنت على ذلك" )‪.(2‬‬
‫تفرد به من هذا الوجه ‪ ،‬وله شاهد )‪ (3‬من وجه آخر‪.‬‬
‫طر ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن عبد الله بن‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ي َعَْلى ‪ ،‬حدثنا فِ ْ‬
‫عمرو )‪ (4‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الرحم معلقة‬
‫بالعرش ‪ ،‬وليس الواصل بالمكافئ ‪ ،‬ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه‬
‫وصلها" ‪ ،‬رواه البخاري )‪.(6) (5‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا بهز ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا قتادة ‪ ،‬عن أبي ثمامة‬
‫الثقفي ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫جَنة كحجنة المغزل ‪ ،‬تتكلم بلسان‬ ‫ح ْ‬
‫وسلم ‪" :‬توضع الرحم يوم القيامة لها ُ‬
‫ط َُلق ذ َُلق ‪ ،‬فتصل من وصلها وتقطع من قطعها" )‪.(7‬‬
‫وقال )‪ (8‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا عمرو ‪ ،‬عن أبي قابوس ‪ ،‬عن‬
‫عبد الله بن عمرو ‪ -‬يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬الراحمون‬
‫يرحمهم الرحمن ‪ ،‬ارحموا أهل الرض )‪ (9‬يرحمكم أهل السماء ‪ ،‬والرحم‬
‫جَنة من الرحمن ‪ ،‬من وصلها وصلته ‪ ،‬ومن قطعها بتته"‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ش ْ‬
‫وقد رواه أبو داود )‪ (10‬والترمذي ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن عمرو‬
‫بن دينار ‪ ،‬به )‪ .(11‬وهذا هو الذي يروي بتسلسل الولية )‪ ، (12‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫سَتوائي ‪ ،‬عن‬‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬حدثنا هشام الد ّ ْ‬
‫يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ ؛ أن أباه حدثه ‪ :‬أنه‬
‫دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض ‪ ،‬فقال له عبد الرحمن ‪ :‬وصلتك‬
‫م ‪ ،‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬قال الله عز وجل ‪ :‬أنا‬ ‫َرح ٌ‬
‫الرحمن ‪ ،‬خلقت الرحم وشققت لها من اسمي ‪ ،‬فمن يصلها أصله ‪ ،‬ومن‬
‫يقطعها أقطعه فأبته ‪ -‬أو قال ‪ :‬من يبتها أبته"‪.‬‬
‫تفرد به من هذا الوجه )‪ .(13‬ورواه أحمد أيضا من حديث الزهري ‪ ،‬عن أبي‬
‫سلمة ‪ ،‬عن الرداد ‪-‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(2/181‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬شواهد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬عن ابن عمر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬انفرد به"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (2/163‬وصحيح البخاري برقم )‪.(5991‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (2/189‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (8/150‬رجال أحمد‬
‫رجال الصحيح غير أبي ثمامة الثقفي ‪ ،‬وثقه ابن حبان"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬رواه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬ارحموا من في الرض"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬وقد رواه أحمد وأبو داود"‪.‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪ (2/160‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4941‬وسنن الترمذي برقم‬
‫)‪.(1924‬‬
‫)‪ (12‬وأروي هذا الحديث بالجازة مسلسل بأول ما سمع ‪ ،‬إل أن الولية‬
‫تنقطع فيما فوق سفيان ‪ ،‬وعلى هذا فشرط المسلسل غير كتحقق عند‬
‫التدقيق‪.‬‬
‫)‪ (13‬المسند )‪.(1/191‬‬

‫) ‪(7/319‬‬
‫دوا عََلى‬ ‫ن اْرت َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫فال َُها )‪ (24‬إ ِ ّ‬ ‫ب أ َقْ َ‬ ‫م عََلى قُُلو ٍ‬ ‫نأ ْ‬
‫قرآ َ َ‬
‫ن ال ْ ُ ْ َ‬ ‫أفََل ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪ (25‬ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫مَلى ل َهُ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫سو ّ َ‬‫ن َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫دى ال ّ‬ ‫م ال ْهُ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬‫ما ت َب َي ّ َ‬‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫أد َْبارِهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫مرِ َوالل ّ ُ‬ ‫ض اْل ْ‬ ‫ِ‬ ‫م ِفي ب َعْ‬ ‫طيعُك ُ ْ‬‫سن ُ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما ن َّز َ‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ك َرِ ُ‬ ‫ذي َ‬‫م َقاُلوا ل ِل ّ ِ‬ ‫ب ِأن ّهُ ْ‬
‫َ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬
‫م )‪(27‬‬ ‫م وَأد َْباَرهُ ْ‬ ‫جوهَهُ ْ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ضرُِبو َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ف إ َِذا ت َوَفّت ْهُ ُ‬ ‫م )‪ (26‬فَك َي ْ َ‬ ‫سَراَرهُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(28‬‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ط أعْ َ‬ ‫حب َ َ‬ ‫ه فَأ ْ‬ ‫وان َ ُ‬
‫ض َ‬‫هوا رِ ْ‬ ‫ه وَك َرِ ُ‬ ‫ط الل ّ َ‬‫خ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م ات ّب َُعوا َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ُ‬ ‫ذ َل ِ َ‬

‫داد ‪ -‬عن عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬به )‪ .(1‬ورواه أبو داود‬ ‫أو أبي الر ّ‬
‫والترمذي ‪ ،‬من رواية أبي سلمة ‪ ،‬عن أبيه )‪ .(2‬والحاديث في هذا كثيرة‪.‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا علي بن عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا محمد بن عمار‬
‫الموصلي ‪ ،‬حدثنا عيسى بن يونس ‪ ،‬عن محمد بن عبد الله بن علثة )‪، (3‬‬
‫صة ‪ ،‬عن أبي عمر البصري ‪ ،‬عن سلمان )‪ (4‬قال ‪:‬‬ ‫فَرافِ َ‬ ‫عن الحجاج بن ال ُ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الرواح جنود مجندة ‪ ،‬فما َتعارف‬
‫منها ائتلف‪ ، /‬وما تناكر منها اختلف" )‪.(5‬‬
‫وبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا ظهر القول ‪ ،‬وخزن العمل ‪،‬‬
‫وائتلفت اللسنة ‪ ،‬وتباغضت القلوب ‪ ،‬وقطع كل ذي رحم رحمه ‪ ،‬فعند ذلك‬
‫لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم" )‪.(6‬‬
‫َ‬
‫دوا عَلى‬ ‫ن اْرت َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫فال َُها )‪ (24‬إ ِ ّ‬ ‫ب أ َقْ َ‬ ‫م عََلى قُُلو ٍ‬ ‫نأ ْ‬
‫قرآ َ‬
‫ن ال ْ ُ ْ َ‬ ‫} أَفل ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫م )‪ (25‬ذ َل ِ َ‬ ‫مَلى ل َهُ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫سو ّ َ‬‫ن َ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬ ‫دى ال ّ‬ ‫م ال ْهُ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫أد َْبارِهِ ْ‬
‫َ‬
‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫مرِ َوالل ّ ُ‬ ‫ض ال ْ‬ ‫م ِفي ب َعْ ِ‬ ‫طيعُك ُ ْ‬ ‫سن ُ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما نز َ‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ك َرِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َقاُلوا ل ِل ّ ِ‬ ‫ب ِأن ّهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م )‪(27‬‬ ‫م وَأد َْباَرهُ ْ‬ ‫جوهَهُ ْ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ضرُِبو َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫ملئ ِك ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ف إ َِذا ت َوَفّت ْهُ ُ‬ ‫م )‪ (26‬فَكي ْ َ‬ ‫سَراَرهُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪.{ (28‬‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫حب َط أعْ َ‬ ‫ه فَأ ْ‬ ‫وان َ ُ‬ ‫ض َ‬‫هوا رِ ْ‬ ‫ه وَكرِ ُ‬ ‫خط الل َ‬ ‫س َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م ات ّب َُعوا َ‬ ‫ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ُ‬
‫يقول تعالى آمًرا بتدبر القرآن وتفهمه ‪ ،‬وناهيا عن العراض عنه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫فال َُها { أي ‪ :‬بل على قلوب أقفالها ‪،‬‬ ‫ب أ َقْ َ‬ ‫م عََلى قُُلو ٍ‬ ‫نأ ْ‬
‫قرآ َ‬
‫ن ال ْ ُ ْ َ‬ ‫} أَفل ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫َ‬
‫قة ل يخلص إليها شيء من معانيه‪.‬‬ ‫مط ْب َ َ‬ ‫فهي ُ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا بشر ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا يزيد قال ‪ :‬حدثنا سعيد قال ‪ :‬حدثنا )‬
‫‪ (7‬حماد بن زيد ‪ ،‬حدثنا هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬تل رسول الله صلى‬
‫فال َُها { ‪ ،‬فقال‬ ‫ب أ َقْ َ‬ ‫م عََلى قُُلو ٍ‬ ‫نأ ْ‬
‫قرآ َ‬
‫ن ال ْ ُ ْ َ‬
‫َ‬
‫الله عليه وسلم يوما ‪ } :‬أَفل ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫شاب من أهل اليمن ‪ :‬بل عليها )‪ (8‬أقفالها حتى يكون الله عز وجل يفتحها‬
‫أو يفرجها‪ .‬فما زال الشاب في نفس عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬حتى ولي ‪،‬‬
‫فاستعان به )‪.(9‬‬
‫م { أي ‪ :‬فارقوا اليمان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫دوا عَلى أد َْبارِهِ ْ‬ ‫ن اْرت َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫َ‬
‫ل لهُ ْ‬ ‫سو ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫دى ال ّ‬ ‫م الهُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ورجعوا إلى الكفر ‪ِ } ،‬‬
‫م { أي ‪ :‬غرهم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملى لهُ ْ‬ ‫زين لهم ذلك وحسنه ‪ } ،‬وَأ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/194‬وقال الترمذي في السنن ‪" :‬روى معمر عن الزهري‬
‫هذا الحديث عن أبي سلمة عن رداد الليثي عن عبد الرحمن ابن عوف ‪ ،‬قال‬
‫محمد ‪ -‬يعني البخاري ‪ : -‬حديث معمر خطأ" والصحيح الرواية التية في‬
‫السنن‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود برقم )‪ (1624‬وسنن الترمذي برقم )‪.(1907‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪" :‬الحجاج بن يونس" والتصويب من المعجم الكبير‪.‬‬
‫)‪ (4‬في هـ ‪" :‬سليمان" والتصويب من المعجم الكبير‪.‬‬
‫)‪ (5‬المعجم الكبير )‪ (6/263‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/287‬فيه‬
‫جماعة لم أعرفهم"‪ .‬وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه أحمد في المسند‬
‫)‪.(2/295‬‬
‫المعجم الكبير )‪ (6/263‬والكلم عليه كالذي قبله‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫في ت ‪ ،‬م ‪" :‬ابن"‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫في تن م ‪" :‬بل على قلوب"‪.‬‬ ‫)‪(8‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(26/37‬‬ ‫)‪(9‬‬

‫) ‪(7/320‬‬

‫خرج الل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫م )‪(29‬‬ ‫ضَغان َهُ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن يُ ْ ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫وخدعهم ‪ } ،‬ذ َل َ َ‬
‫ض‬
‫م ِفي ب َعْ ِ‬ ‫طيعُك ُ ْ‬ ‫سن ُ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما نز َ‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ك َرِ ُ‬ ‫م َقاُلوا ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫مرِ { أي ‪ :‬مالئوهم وناصحوهم في الباطن على الباطل ‪ ،‬وهذا شأن‬ ‫ال ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ ُ َْ ُ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وجل‬ ‫عز‬ ‫الله‬ ‫قال‬ ‫ولهذا‬ ‫؛‬ ‫يبطنون‬ ‫ما‬ ‫خلف‬ ‫يظهرون‬ ‫المنافقين‬
‫م { أي ‪] :‬يعلم[ )‪ (1‬ما يسرون وما يخفون ‪ ،‬الله مطلع عليه وعالم‬ ‫سَراَرهُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن { ] النساء ‪.[ 81 :‬‬ ‫ما ي ُب َي ُّتو َ‬ ‫ب َ‬ ‫ه ي َك ْت ُ ُ‬ ‫به ‪ ،‬كقوله ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬فَك َي ْ َ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫م وَأد َْباَرهُ ْ‬ ‫جوهَهُ ْ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ضرُِبو َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫م ال َ‬ ‫ف إ َِذا ت َوَفّت ْهُ ُ‬
‫كيف حالهم إذا جاءتهم الملئكة لقبض أرواحهم وتعصت الرواح في أجسادهم‬
‫‪ ،‬واستخرجتها الملئكة بالعنف والقهر والضرب ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ‬
‫َ‬
‫م { الية ] النفال ‪50 :‬‬ ‫م وَأد َْباَرهُ ْ‬ ‫جوهَهُ ْ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ضرُِبو َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫فُروا ال ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ي َت َوَّفى ال ّ ِ‬
‫طوا‬ ‫س ُ‬ ‫ة َبا ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫موْ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن ِفي غَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫[ ‪ ،‬وقال ‪ } :‬وَل َوْ ت ََرى إ ِذِ ال ّ‬
‫َ‬ ‫م { أي ‪ :‬بالضرب } أ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ب ال ُْهو ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫جوا أن ْ ُ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫أي ْ ِ‬
‫ن { ] النعام ‪:‬‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫ن آَيات ِهِ ت َ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫حقّ وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن عََلى الل ّهِ غَي َْر ال ْ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫وان َ ُ‬
‫ض َ‬ ‫هوا رِ ْ‬ ‫ه وَك َرِ ُ‬ ‫ط الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م ات ّب َُعوا َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ُ‬ ‫‪ [ 93‬؛ ولهذا قال ها هنا ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫فَأ َحب َ َ‬
‫م{‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ط أعْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫م )‪{ (29‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ضَغان َهُ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ج الل ُ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫}أ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(7/321‬‬

‫َ‬
‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫م ِفي ل َ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫م وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْ‬‫ماهُ ْ‬‫سي َ‬ ‫م بِ ِ‬‫م فَل َعََرفْت َهُ ْ‬ ‫شاُء َلَري َْناك َهُ ْ‬ ‫وَل َوْ ن َ َ‬
‫َ‬
‫ن وَن َب ْل ُ َ‬
‫و‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬
‫م َوال ّ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫دي َ‬‫جاهِ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫حّتى ن َعْل َ َ‬‫م َ‬ ‫م )‪ (30‬وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬ ‫مال َك ُ ْ‬‫أعْ َ‬
‫م )‪(31‬‬ ‫خَباَرك ُ ْ‬ ‫أَ ْ‬

‫ل َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ح ِ‬‫م ِفي ل َ ْ‬ ‫م وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْ‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫م فَل َعََرفْت َهُ ْ‬ ‫شاُء لَري َْناك َهُ ْ‬ ‫} وَل َوْ ن َ َ‬
‫يعل َ َ‬
‫ن وَن َب ْل ُ َ‬
‫و‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫حّتى ن َعْل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫م )‪ (30‬وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬ ‫مال َك ُ ْ‬‫م أع ْ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫م )‪.{ (31‬‬ ‫خَباَرك ُْ‬‫أَ ْ‬
‫خرج الل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ضَغان َهُ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن يُ ْ ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬أ ْ‬
‫{ أي ‪ :‬اعتقد )‪ (1‬المنافقون أن الله ل يكشف أمرهم لعباده المؤمنين ؟ بل‬
‫سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم )‪ (2‬ذوو البصائر ‪ ،‬وقد أنزل تعالى في‬
‫ذلك سورة "براءة" ‪ ،‬فبين فيها فضائحهم وما يعتمدونه من الفعال الدالة‬
‫على نفاقهم ؛ ولهذا إنما كانت تسمى الفاضحة‪ .‬والضغان ‪ :‬جمع ضغن ‪ ،‬وهو‬
‫ما في النفوس من الحسد والحقد للسلم وأهله والقائمين بنصره‪.‬‬
‫م { يقول تعالى ‪ :‬ولو نشاء‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫م فَل َعََرفْت َهُ ْ‬ ‫شاُء لَري َْناك َهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َوْ ن َ َ‬
‫يا محمد لريناك أشخاصهم ‪ ،‬فعرفتهم )‪ (3‬عيانا ‪ ،‬ولكن لم يفعل تعالى ذلك‬
‫في جميع المنافقين سترا منه على خلقه ‪ ،‬وحمل للمور على ظاهر‬
‫ل { أي ‪:‬‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫م ِفي ل َ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫السلمة ‪ ،‬ورد السرائر إلى عالمها ‪ } ،‬وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْ‬
‫فيما يبدو من كلمهم الدال على مقاصدهم ‪ ،‬يفهم المتكلم من أي الحزبين‬
‫هو بمعاني كلمه وفحواه ‪ ،‬وهو المراد من لحن القول ‪ ،‬كما قال أمير‬
‫المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬ما أسر أحد سريرة إل أبداها‬
‫الله على صفحات وجهه ‪ ،‬وفلتات لسانه‪ .‬وفي الحديث ‪" :‬ما أسر أحد‬
‫سريرة إل كساه الله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬أيعتقد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يفهمه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬تعرفهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/321‬‬

‫ن ل َهُ ُ‬
‫م‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫شاّقوا الّر ُ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫فُروا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫طيُعوا‬‫ِ‬ ‫أ‬ ‫نوا‬ ‫م‬
‫ِ َ َ ُ‬‫آ‬ ‫ن‬‫ذي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬
‫َ َّ‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫(‬‫‪32‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ْ َ ُ ْ‬ ‫ل‬‫ما‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫ط‬ ‫ب‬‫ح‬ ‫ي‬ ‫س‬
‫ْ َ َ ُ ْ ِ‬‫و‬ ‫ً‬
‫ئا‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫روا‬ ‫ض‬
‫ْ َ ُ ّ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫دى‬ ‫ال ْ ُ َ‬
‫ه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫فُروا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫م )‪ (33‬إ ِ ّ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫ل وََل ت ُب ْط ُِلوا أعْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫عوا إ َِلى‬ ‫م )‪ (34‬فََل ت َهُِنوا وَت َد ْ ُ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫فَر الل ّ ُ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫فاٌر فَل َ ْ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫م )‪(35‬‬ ‫مال َك ُْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ع‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ال ّ ِ َ ْ ُ ُ‬
‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬

‫جلبابها ‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شّرا فشر" )‪ .(1‬وقد ذكرنا ما يستدل به على‬
‫نفاق الرجل ‪ ،‬وتكلمنا على نفاق العمل والعتقاد )‪ (2‬في أول "شرح‬
‫البخاري" ‪ ،‬بما أغنى عن إعادته ها هنا‪ .‬وقد ورد في الحديث تعيين جماعة‬
‫من المنافقين‪ .‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن سلمة ‪ ،‬عن عياض بن عياض ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫أبي مسعود عقبة بن عمرو ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬خطبنا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم خطبة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ‪" :‬إن منكم )‪(3‬‬
‫منافقين ‪ ،‬فمن سميت فليقم"‪ .‬ثم قال ‪" :‬قم يا فلن ‪ ،‬قم يا فلن ‪ ،‬قم يا‬
‫فلن"‪ .‬حتى سمى ستة وثلثين رجل ثم قال ‪" :‬إن فيكم ‪ -‬أو ‪ :‬منكم )‪- (4‬‬
‫فاتقوا الله"‪ .‬قال ‪ :‬فمر عمر برجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫دا لك‬ ‫ما لك ؟ فحدثه بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬بع ً‬
‫سائر اليوم )‪.(5‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫حّتى ن َعْل َ‬ ‫م { أي ‪ :‬ولنختبرنكم بالوامر والنواهي ‪َ } ،‬‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َن َب ْل ُوَن ّك ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ن وَن َب ْل ُوَ أ ْ‬
‫م {‪ .‬وليس في تقدم علم الله تعالى‬ ‫خَباَرك ُ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫بما هو كائن أنه سيكون شك ول ريب ‪ ،‬فالمراد ‪ :‬حتى نعلم وقوعه ؛ ولهذا‬
‫يقول ابن عباس في مثل هذا ‪ :‬إل لنعلم ‪ ،‬أي ‪ :‬لنرى‪.‬‬
‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫ت‬ ‫ما‬
‫ِ ْ َْ ِ َ ََّ َ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫شاّقوا الّر ُ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫فُروا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (32‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫مال َهُ ْ‬‫ط أعْ َ‬ ‫حب ِ ُ‬ ‫سي ُ ْ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ضّروا الل ّ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫دى ل َ ْ‬ ‫م ال ْهُ َ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫م )‪ (33‬إ ِ ّ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫ل َول ت ُب ْط ُِلوا أعْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫أ ِ‬
‫م )‪َ (34‬فل ت َهُِنوا‬ ‫ه ل َهُ ْ‬‫فَر الل ّ ُ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫فاٌر فَل َ ْ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م )‪.{ (35‬‬ ‫مالك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ن ي َت َِرك ُ ْ‬‫م وَل ْ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َوالل ُ‬ ‫م العْلوْ َ‬ ‫سلم ِ وَأن ْت ُ ُ‬ ‫عوا إ ِلى ال ّ‬ ‫وَت َد ْ ُ‬
‫يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله ‪ ،‬وخالف الرسول وشاقه ‪ ،‬وارتد‬
‫عن اليمان من بعد ما تبين له الهدى ‪ :‬أنه لن يضر الله شيًئا ‪ ،‬وإنما يضر‬
‫نفسه ويخسرها يوم معادها ‪ ،‬وسيحبط الله عمله فل يثيبه على سالف ما‬
‫تقدم من عمله الذي عقبه بردته مثقال بعوضة من خير ‪ ،‬بل يحبطه ويمحقه‬
‫بالكلية ‪ ،‬كما أن الحسنات يذهبن السيئات‪.‬‬
‫وقد قال المام محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلة ‪ :‬حدثنا أبو قدامة ‪،‬‬
‫حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية‬
‫قال ‪ (6) :‬كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يظنون أنه ل يضر‬
‫طيُعوا‬ ‫َ‬
‫مع "ل إله إل الله" ذنب ‪ ،‬كما ل ينفع مع الشرك عمل ‪ ،‬فنزلت ‪ } :‬أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { ‪ k‬فخافوا أن يبطل الذنب العمل‪.‬‬ ‫مال َك ُ ْ‬
‫ل َول ت ُب ْط ُِلوا أعْ َ‬‫سو َ‬
‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه وَأ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سيأتي تخريج هذا الحديث عند تفسير الية ‪ 29 :‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬النفاق العملي والعتقادي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فيكم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ومنكم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (5/273‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (1/112‬فيه عياض بن‬
‫أبي عياض عن أبيه ولم أر من ترجمهما"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬روى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬

‫) ‪(7/322‬‬

‫قوا يؤْتك ُم أ ُجورك ُم وَل ي َ‬


‫م‬ ‫سأل ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا وَت َت ّ ُ ُ ِ ْ ُ َ ْ َ َ ْ‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬ ‫ب وَل َهْوٌ وَإ ِ ْ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫م )‪َ (37‬‬ ‫ضَغان َك ُ ْ‬‫جأ ْ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫خلوا وَي ُ ْ‬ ‫فك ُ ْ‬
‫م ت َب ْ َ‬ ‫ح ِ‬‫ها فَي ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سألك ُ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م )‪ (36‬إ ِ ْ‬ ‫والك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫خ ُ‬
‫ل‬ ‫ما ي َب ْ َ‬ ‫ل فَإ ِن ّ َ‬
‫خ ْ‬‫ن ي َب ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬‫خ ُ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ل الل ّهِ فَ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قوا ِفي َ‬ ‫ن ل ِت ُن ْفِ ُ‬ ‫هَؤَُلِء ت ُد ْعَوْ َ‬
‫م َل‬ ‫َ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫ما غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَوْ ً‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬‫وا ي َ ْ‬ ‫ن ت َت َوَل ّ ْ‬ ‫قَراُء وَإ ِ ْ‬ ‫ف َ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ي وَأن ْت ُ ُ‬ ‫ه ال ْغَن ِ ّ‬ ‫سهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬‫عَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يَ ُ‬
‫م )‪(38‬‬ ‫مَثالك ْ‬ ‫كوُنوا أ ْ‬

‫ثم روي من طريق عبد الله بن المبارك ‪ :‬أخبرني بكير بن معروف ‪ ،‬عن‬
‫مقاتل بن حيان ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬كنا معشر أصحاب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من الحسنات إل مقبول ‪ ،‬حتى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬ما هذا‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫ل َول ت ُب ْط ُِلوا أعْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫نزلت ‪ } :‬أ ِ‬
‫الذي يبطل أعمالنا ؟ فقلنا ‪ :‬الكبائر الموجبات والفواحش ‪ ،‬حتى نزلت ‪:‬‬
‫َ‬
‫شاُء { ] النساء ‪:‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫ه ل ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫‪ ، [ 48‬فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك ‪ ،‬فكنا نخاف على من أصاب‬
‫الكبائر والفواحش ‪ ،‬ونرجو لمن لم يصيبها )‪.(1‬‬
‫ثم أمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله التي هي سعادتهم في‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬ونهاهم عن الرتداد الذي هو مبطل للعمال ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن كَ َ‬
‫فُروا‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬بالردة ؛ ولهذا قال بعدها ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫} َول ت ُب ْط ُِلوا أعْ َ‬
‫ن‬
‫م { ‪ ،‬كقوله } إ ِ ّ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬‫فَر الل ّ ُ‬ ‫فاٌر فَل َ ْ‬
‫ن ي َغْ ِ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫م َ‬‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫شاُء { الية‪.‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬
‫ِ ِ ََْ ِ ُ َ ُ َ ِ ِ َ ْ‬‫دو‬ ‫ما‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َْ ِ ُ ْ ُ َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه‬
‫ثم قال لعباده المؤمنين ‪َ } :‬فل ت َهُِنوا { أي ‪ :‬ل تضعفوا عن العداء ‪،‬‬
‫سل ْم ِ { أي ‪ :‬المهادنة والمسالمة ‪ ،‬ووضع القتال بينكم وبين‬ ‫عوا إ َِلى ال ّ‬ ‫} وَت َد ْ ُ‬
‫م ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬فل ت َهُِنوا‬ ‫الكفار في حال قوتكم وكثرة عَد َِدكم وعُد َدِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في حال علوكم على عدوكم ‪ ،‬فأما‬ ‫م العْل َوْ َ‬ ‫سل ْم ِ وَأن ْت ُ ُ‬ ‫عوا إ َِلى ال ّ‬ ‫وَت َد ْ ُ‬
‫إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة )‪ (2‬بالنسبة إلى جميع المسلمين ‪ ،‬ورأى‬
‫المام في المعاهدة والمهادنة مصلحة ‪ ،‬فله أن يفعل ذلك ‪ ،‬كما فعل رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم حين صده كفار قريش عن مكة ‪ ،‬ودعوه إلى‬
‫الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين ‪ ،‬فأجابهم إلى ذلك‪.‬‬
‫م { فيه بشارة عظيمة بالنصر والظفر على العداء ‪،‬‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫} ول َن يت ِرك ُ َ‬
‫م { أي ‪ :‬ولن يحبطها ويبطلها ويسلبكم إياها ‪ ،‬بل‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫َ ْ َ َ ْ‬
‫يوفيكم ثوابها ول ينقصكم منها شيئا‪.‬‬
‫قوا يؤْتك ُم أ ُجورك ُم ول ي َ‬
‫سأل ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مُنوا وَت َت ّ ُ ُ ِ ْ ُ َ ْ َ َ ْ‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬‫ب وَل َهْوٌ وَإ ِ ْ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫م )‪َ (37‬‬ ‫ضَغان َك ُ ْ‬ ‫جأ ْ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫خلوا وَي ُ ْ‬ ‫م ت َب ْ َ‬‫فك ُ ْ‬‫ح ِ‬‫ها فَي ُ ْ‬‫مو َ‬ ‫سألك ُ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م )‪ (36‬إ ِ ْ‬ ‫وال َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫ل‬‫خ ُ‬ ‫ما ي َب ْ َ‬ ‫ل فَإ ِن ّ َ‬
‫خ ْ‬‫ن ي َب ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬‫خ ُ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ فَ ِ‬ ‫سِبي ِ‬‫قوا ِفي َ‬ ‫ن ل ِت ُن ْفِ ُ‬ ‫ؤلِء ت ُد ْعَوْ َ‬ ‫هَ ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫مل‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ما غَي َْرك ْ‬ ‫ل قَوْ ً‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬‫وا ي َ ْ‬ ‫ن ت َت َوَل ْ‬ ‫قَراُء وَإ ِ ْ‬ ‫ف َ‬‫م ال ُ‬ ‫ي وَأن ْت ُ ُ‬ ‫ه الغَن ِ ّ‬ ‫سهِ َوالل ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يَ ُ‬
‫م )‪.{ (38‬‬ ‫مَثالك ْ‬ ‫كوُنوا أ ْ‬
‫حَياةُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌ‬
‫ب‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫يقول تعالى تحقيًرا لمر الدنيا وتهوينا لشأنها ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫وَل َهْوٌ { أي ‪ :‬حاصلها ذلك إل ما كان منها لله عز وجل ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن‬
‫قوا يؤْت ِك ُم أ ُجورك ُم ول يسأ َل ْك ُ َ‬
‫م { أي ‪ :‬هو غني عنكم ل‬ ‫وال َك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ َ ْ َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا وَت َت ّ ُ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫يطلب منكم شيئا ‪ ،‬وإنما فرض عليكم الصدقات من الموال مواساة‬
‫لخوانكم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تعظيم قدر الصلة للمروزي برقم )‪.(699 ، 698‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬فئة كثيرة"‪.‬‬

‫) ‪(7/323‬‬

‫الفقراء ‪ ،‬ليعود نفع ذلك عليكم ‪ ،‬ويرجع ثوابه إليكم‪.‬‬


‫خُلوا { أي ‪ :‬يحرجكم )‪ (1‬تبخلوا ‪:‬‬ ‫ثم قال ‪ } :‬إن ي َ‬
‫م ت َب ْ َ‬ ‫فك ُ ْ‬ ‫ح ِ‬‫ها فَي ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سأل ْك ُ ُ‬ ‫ِ ْ َ ْ‬
‫خر َ‬
‫م{‬ ‫ضَغان َك ُ ْ‬ ‫جأ ْ‬ ‫} وَي ُ ْ ِ ْ‬
‫قال قتادة ‪" :‬قد علم الله أن في إخراج الموال إخراج الضغان"‪ .‬وصدق‬
‫قتادة فإن المال محبوب ‪ ،‬ول يصرف إل فيما هو أحب إلى الشخص منه‪.‬‬
‫وقوله ‪َ َ } :‬‬
‫ل { أي ‪:‬‬ ‫خ ُ‬‫ن ي َب ْ َ‬
‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ فَ ِ‬
‫من ْك ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قوا ِفي َ‬ ‫ن ل ِت ُن ْفِ ُ‬ ‫ؤلِء ت ُد ْعَوْ َ‬ ‫م هَ ُ‬ ‫هاأن ْت ُ ْ‬
‫سهِ { أي ‪ :‬إنما نقص نفسه‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫ل عَ ْ‬ ‫خ ُ‬‫ما ي َب ْ َ‬ ‫ل فَإ ِن ّ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬‫م ْ‬ ‫ل يجيب إلى ذلك } وَ َ‬
‫ي { أي ‪ :‬عن كل ما‬ ‫ن‬ ‫غ‬‫ْ‬
‫َ ُ َِ ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫عليه‬ ‫ذلك‬ ‫وبال‬ ‫من الجر ‪ ،‬وإنما يعود‬
‫قَراُء { أي ‪:‬‬ ‫ف َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سواه ‪ ،‬وكل شيء فقير إليه دائما ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَأن ْت ُ ُ‬
‫بالذات إليه‪ .‬فوصفه بالغنى وصف لزم له ‪ ،‬ووصف الخلق بالفقر وصف لزم‬
‫لهم ‪] ،‬أي[ )‪ (2‬ل ينفكون عنه‪.‬‬
‫ل قَوْ ً‬
‫ما‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬‫وا { أي ‪ :‬عن طاعته واتباع شرعه )‪ } (3‬ي َ ْ‬ ‫ن ت َت َوَل ّ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬ولكن يكونون سامعين مطيعين له‬ ‫مَثالك ُ ْ‬ ‫كوُنوا أ ْ‬ ‫م ل يَ ُ‬ ‫غَي َْرك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬
‫ولوامره‪.‬‬
‫وقال )‪ (4‬ابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير ‪ :‬حدثنا يونس بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫وهب ‪ ،‬أخبرني مسلم بن خالد ‪ ،‬عن العلء بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة ]رضي الله عنه[ )‪ (5‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تل هذه‬
‫َ‬
‫م { ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا‬ ‫مَثال َك ُ ْ‬‫كوُنوا أ ْ‬ ‫م ل يَ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬‫ما غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَوْ ً‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬‫وا ي َ ْ‬ ‫ن ت َت َوَل ّ ْ‬ ‫الية ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫رسول الله من هؤلء الذين إن تولينا استبدل بنا ثم ل يكونوا أمثالنا ؟ قال ‪:‬‬
‫فضرب بيده على كتف سلمان الفارسي ثم قال ‪" :‬هذا وقومه ‪ ،‬ولو كان‬
‫الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس" )‪ (6‬تفرد به مسلم بن خالد‬
‫الزنجي ‪ ،‬ورواه عنه غير واحد ‪ ،‬وقد تكلم فيه بعض الئمة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة القتال‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬يحوجكم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬شرعته" وفي أ ‪" :‬شريعته"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪ (26/43‬ومسلم بن خالد الزنجي ضعفه ابن معين وقال‬
‫البخاري ‪ :‬منكر الحديث لكنه لم ينفرد به ‪ ،‬فقد توبع ‪:‬‬
‫تابعه شيخ من أهل المدينة عن العلء بن عبد الرحمن عن أبيه به ‪ ،‬أخرجه‬
‫الترمذي برقم )‪ (3260‬وقال ‪" :‬هذا حديث غريب في إسناده مقال"‪.‬‬
‫تابعه عبد الله بن جعفر بن نجيح عن العلء عن أبيه به ‪ ،‬أخرجه الترمذي‬
‫برقم )‪ (3261‬وعبد الله بن جعفر والد على بن المديني ضعيف‪.‬‬

‫) ‪(7/324‬‬

‫َ‬
‫م‬
‫خَر وَي ُت ِ ّ‬
‫ما ت َأ ّ‬ ‫ن ذ َن ْب ِ َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬‫قد ّ َ‬‫ما ت َ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫فَر ل َ َ‬ ‫مِبيًنا )‪ (1‬ل ِي َغْ ِ‬‫حا ُ‬ ‫حَنا ل َ َ‬
‫ك فَت ْ ً‬ ‫إ ِّنا فَت َ ْ‬
‫زيًزا )‪(3‬‬ ‫صًرا عَ ِ‬‫ه نَ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫صَر َ‬ ‫ما )‪ (2‬وَي َن ْ ُ‬ ‫قي ً‬‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫صَرا ً‬
‫ك ِ‬ ‫ك وَي َهْدِي َ َ‬‫ه عَل َي ْ َ‬‫مت َ ُ‬
‫ن ِعْ َ‬

‫تفسير سورة الفتح‬


‫وهي مكية‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا شعَْبة ‪ ،‬عن معاوية بن قرة قال ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫قال المام أحمد )‪ (1‬حدثنا وَ ِ‬
‫سمعت عبد الله بن مغفل يقول ‪ :‬قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام‬
‫جع فيها ‪ -‬قال معاوية ‪ :‬لول أني‬ ‫الفتح في مسيره سورة الفتح على راحلته فر ّ‬
‫أكره أن يجتمع الناس علينا لحكيت لكم قراءته ‪ ،‬أخرجاه من حديث شعبة به‬
‫)‪.(2‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫َ‬ ‫ن ذ َن ْب ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫فَر ل َ‬ ‫حَنا ل َ َ‬
‫م‬
‫خَر وَي ُت ِ ّ‬
‫ما ت َأ ّ‬
‫ك وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫قد ّ َ‬‫ما ت َ َ‬‫ه َ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫مِبيًنا )‪ (1‬ل ِي َغْ ِ‬
‫حا ُ‬‫ك فَت ْ ً‬ ‫} إ ِّنا فَت َ ْ‬
‫زيًزا )‪.{ (3‬‬ ‫صًرا عَ ِ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ك الل ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫ما )‪ (2‬وَي َن ْ ُ‬ ‫قي ً‬
‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ً‬
‫صَراطا ُ‬‫ك ِ‬ ‫ك وَي َهْدِي َ َ‬‫ه عَل َي ْ َ‬‫مت َ ُ‬
‫ن ِعْ َ‬
‫نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫الحديبية في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة ‪ ،‬حين صده المشركون‬
‫عن الوصول إلى المسجد الحرام ليقضي عمرته فيه ‪ ،‬وحالوا بينه وبين ذلك ‪،‬‬
‫ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة ‪ ،‬وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل ‪،‬‬
‫فأجابهم إلى ذلك على تكره من جماعة من الصحابة ‪ ،‬منهم عمر بن الخطاب‬
‫‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬كما سيأتي تفصيله في موضعه من تفسير هذه السورة إن‬
‫شاء الله‪ .‬فلما نحر هديه حيث أحصر ‪ ،‬ورجع ‪ ،‬أنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬هذه‬
‫حا باعتبار ما فيه‬ ‫السورة فيما كان من أمره وأمرهم ‪ ،‬وجعل ذلك الصلح فت ً‬
‫من المصلحة ‪ ،‬وما آل المر إليه ‪ ،‬كما روى عن ابن مسعود ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬وغيره أنه قال ‪ :‬إنكم تعدون الفتح فتح مكة ‪ ،‬ونحن نعد الفتح صلح‬
‫الحديبية‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬ما كنا نعد الفتح إل يوم‬
‫الحديبية )‪.(3‬‬
‫وقال )‪ (4‬البخاري ‪ :‬حدثنا عبيد الله بن موسى ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن أبي‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن البراء قال ‪ :‬تعدون أنتم الفتح فتح مكة ‪ ،‬وقد كان فتح مكة‬
‫حا ‪ ،‬ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ‪ ،‬كنا مع رسول الله صلى‬ ‫فت ً‬
‫الله عليه وسلم أربع عشرة مائة ‪ ،‬والحديبية بئر‪ .‬فنزحناها فلم نترك فيها‬
‫قطرة ‪ ،‬فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأتاها فجلس على‬
‫شفيرها ‪ ،‬ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ‪ ،‬ثم تمضمض ودعا ‪ ،‬ثم صبه فيها ‪،‬‬
‫فتركناها غير بعيد ‪ ،‬ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركائبنا )‪.(5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو نوح ‪ ،‬حدثنا مالك بن أنس ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪،‬‬
‫عن أبيه )‪ ، (6‬عن عمر بن الخطاب قال ‪ :‬كنا مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في سفر ‪ ،‬قال ‪ :‬فسألته عن شيء ‪ -‬ثلث مرات ‪ -‬فلم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى البخاري ومسلم والمام أحمد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (5/24‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4835‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(794‬‬
‫)‪ (3‬رواه الطبري )‪.(26/44‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(4150‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬

‫) ‪(7/325‬‬

‫يرد علي ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت لنفسي ‪ :‬ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ‪ ،‬نزرت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ثلث مرات فلم يرد عليك ؟ قال ‪ :‬فركبت راحلتي‬
‫فتقدمت مخافة أن يكون نزل في شيء ‪ ،‬قال ‪ :‬فإذا أنا بمناد ينادي ‪ :‬يا‬
‫عمر ‪ ،‬أين عمر ؟ قال ‪ :‬فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شيء ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬نزلت )‪ (1‬علي الليلة )‪ (2‬سورة هي أحب إلي‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫قد ّ َ‬
‫ما ت َ َ‬
‫ه َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫فَر ل َ َ‬
‫مِبيًنا‪ .‬ل ِي َغْ ِ‬‫حا ُ‬ ‫ك فَت ْ ً‬‫حَنا ل َ َ‬ ‫من الدنيا وما فيها ‪ } :‬إ ِّنا فَت َ ْ‬
‫خَر {‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ذ َن ْب ِ َ‬
‫ما ت َأ ّ‬ ‫ك وَ َ‬
‫ورواه البخاري ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي من طرق ‪ ،‬عن مالك ‪ ،‬رحمه الله )‬
‫‪ ، (3‬وقال علي بن المديني ‪ :‬هذا إسناد مديني ]جيد[ )‪ (4‬لم نجده إل عندهم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس‬
‫بن مالك ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫َ‬
‫خَر { مرجعه من الحديبية ‪ ،‬قال‬ ‫ما ت َأ ّ‬ ‫ك وَ َ‬‫ن ذ َن ْب ِ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قد ّ َ‬‫ما ت َ َ‬‫ه َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫فَر ل َ َ‬‫} ل ِي َغْ ِ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على‬
‫الرض" ‪ ،‬ثم قرأها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ‪ :‬هنيئا مريئا يا‬
‫نبي الله ‪ ،‬لقد بين الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ماذا يفعل بك ‪ ،‬فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت‬
‫ما {‬‫ظي ً‬‫ت { حتى بلغ ‪ } :‬فَوًْزا عَ ِ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ال ْ ُ‬‫خ َ‬ ‫عليه ‪ } :‬ل ِي ُد ْ ِ‬
‫]الفتح ‪ ، [5 :‬أخرجاه في الصحيحين من رواية قتادة به )‪.(5‬‬
‫معُ بن يعقوب ‪،‬‬ ‫ج ّ‬ ‫م َ‬‫وقال )‪ (6‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسحاق بن عيسى ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫قال ‪ :‬سمعت أبي يحدث عن عمه عبد الرحمن بن أبي يزيد النصاري عن‬
‫عمه مجمع بن جارية النصاري ‪ -‬وكان أحد )‪ (7‬القراء الذين قرءوا القرآن ‪-‬‬
‫قال ‪ :‬شهدنا الحديبية فلما انصرفنا عنها إذا الناس ينفرون الباعر ‪ ،‬فقال‬
‫الناس بعضهم لبعض ‪ :‬ما للناس ؟ قالوا ‪ :‬أوحي إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فخرجنا مع الناس نوجف ‪ ،‬فإذا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم على راحلته عند كراع الغميم ‪ ،‬فاجتمع الناس عليه ‪ ،‬فقرأ عليهم ‪:‬‬
‫مِبيًنا { ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى‬ ‫حا ُ‬ ‫حَنا ل َ َ‬
‫ك فَت ْ ً‬ ‫} إ ِّنا فَت َ ْ‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬أي رسول الله ‪ ،‬وفتح هو ؟ قال ‪" :‬إي والذي نفس محمد‬
‫بيده ‪ ،‬إنه لفتح"‪ .‬فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل معهم فيها أحد‬
‫إل من شهد الحديبية ‪ ،‬فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية‬
‫عشر سهما ‪ ،‬وكان الجيش ألفا وخمسمائة فارس ‪ ،‬فأعطى الفارس‬
‫سهمين ‪ ،‬وأعطى الراجل سهما‪.‬‬
‫رواه أبو داود في الجهاد عن محمد بن عيسى ‪ ،‬عن مجمع بن يعقوب ‪ ،‬به )‬
‫‪.(8‬‬
‫وقال )‪ (9‬ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ‪ ،‬حدثنا أبو بحر ‪ ،‬حدثنا‬
‫شعبة ‪ ،‬حدثنا جامع بن شداد ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫سمعت عبد الله بن مسعود يقول )‪ : (10‬لما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬نزل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬البارحة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (1/31‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4833‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (3262‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11499‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (3/197‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4148‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(1786‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أحب"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (3/420‬وسنن أبي داود برقم )‪.(2736‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬عن ابن مسعود قال"‪.‬‬

‫) ‪(7/326‬‬

‫أقبلنا من الحديبية أعرسنا فنمنا ‪ ،‬فلم نستيقظ إل بالشمس قد طلعت ‪،‬‬


‫فاستيقظنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلنا ‪" :‬امضوا" )‬
‫‪ .(1‬فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬فقال ‪" :‬افعلوا ما كنتم‬
‫تفعلون وكذلك ]يفعل[ )‪ (2‬من نام أو نسي"‪ .‬قال ‪ :‬وفقدنا ناقة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فطلبنها ‪ ،‬فوجدناها قد تعلق خطامها بشجرة ‪ ،‬فأتيته‬
‫بها فركبها )‪ ، (3‬فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان إذا أتاه ]الوحي[‬
‫حا‬ ‫حَنا ل َ َ‬
‫ك فَت ْ ً‬ ‫)‪ (4‬اشتد عليه ‪ ،‬فلما سري عنه أخبرنا أنه أنزل عليه ‪ } :‬إ ِّنا فَت َ ْ‬
‫مِبيًنا {‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقد رواه أحمد وأبو داود ‪ ،‬والنسائي من غير وجه ‪ ،‬عن جامع بن شداد به )‬
‫‪.(5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان عن زياد بن علقة ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬سمعت المغيرة بن شعبة )‪ (6‬يقول ‪ :‬كان النبي )‪ (7‬صلى الله عليه‬
‫وسلم يصلي حتى ترم قدماه ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬أليس قد غفر الله لك ما تقدم من‬
‫دا شكوًرا"‪.‬‬
‫ذنبك وما تأخر ؟ فقال ‪" :‬أفل أكون عب ً‬
‫أخرجاه )‪ (8‬وبقية الجماعة إل أبا داود من حديث زياد به )‪.(9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هارون بن معروف ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬حدثني أبو‬
‫صخر ‪ ،‬عن ابن قسيط ‪ ،‬عن عروة بن الزبير ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتفطر رجله )‪.(10‬‬
‫فقالت له عائشة ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من‬
‫ذنبك وما تأخر ؟ فقال ‪" :‬يا عائشة ‪ ،‬أفل أكون عبدا شكورا ؟"‪.‬‬
‫أخرجه مسلم في الصحيح من رواية عبد الله بن وهب ‪ ،‬به )‪.(11‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن عون الخراز‬
‫‪ -‬وكان ثقة بمكة ‪ -‬حدثنا محمد بن بشر )‪ (12‬حدثنا مسعر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن‬
‫أنس ‪ ،‬قال ‪ :‬قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه ‪ -‬أو‬
‫قال ساقاه ‪ -‬فقيل له ‪ :‬أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟‬
‫دا شكوًرا ؟" غريب من هذا الوجه )‪.(13‬‬ ‫قال ‪" :‬أفل أكون عب ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬انصتوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فركب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪ (26/43‬والمسند )‪ (1/464‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (447‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(8853‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬أخرجه البخاري ومسلم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪ (4/55‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4836‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪ (2819‬وسنن الترمذي برقم )‪ (412‬وسنن النسائي )‪ (3/219‬وسنن ابن‬
‫ماجه برقم )‪.(1419‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬ينفطر قدماه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪ (6/115‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2820‬‬
‫)‪ (12‬في ا ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫)‪ (13‬ورواه أبو يعلى في المسند )‪ (5/280‬من طريق عبد الله بن عون‬
‫الخراز به ‪ ،‬ورواه البزار في مسنده برقم )‪" (2380‬كشف الستار" من‬
‫طريق الحسين بن السود عن محمد بن بشر به ‪ ،‬وقال البزار ‪" :‬ل نعلم أحدا‬
‫حدث بهذا الحديث بهذا السناد إل الحسين بن بشر وعبد الله بن عون الخزار‬
‫‪ ،‬وقد رواه غيرهما عن محمد بن بشر عن مسعر ‪ ،‬عن زياد بن علقة ‪ ،‬عن‬
‫المغيرة بن شعبةن وهو الصواب" فكلم المام البزار هنا موضح لقول‬
‫الحافظ ابن كثير ‪" :‬غريب من هذا الوجه"‪.‬‬

‫) ‪(7/327‬‬

‫م وَل ِل ّهِ‬‫مان ِهِ ْ‬ ‫معَ ِإي َ‬ ‫ماًنا َ‬ ‫ن ل ِي َْزَداُدوا ِإي َ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ة ِفي قُُلو ِ‬ ‫كين َ َ‬ ‫س ِ‬‫ل ال ّ‬ ‫ذي أ َن َْز َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ال ْ ُ‬
‫خ َ‬ ‫ما )‪ (4‬ل ِي ُد ْ ِ‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ه عَِلي ً‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ت َواْلْرض وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫جُنود ُ ال ّ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫سي ّئات ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫فَر عَن ْهُ ْ‬ ‫ن ِفيَها وَي ُك ّ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫َوال ُ‬
‫ت‬‫قا ِ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ّ‬
‫ما )‪ (5‬وَي ُعَذ َ‬ ‫ظي ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َ اللهِ فوًْزا عَ ِ‬ ‫َ‬
‫ن ذل ِك ِ‬ ‫َ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫سوْءِ‬
‫م َدائ َِرةُ ال ّ‬‫سوِْء عَل َي ْهِ ْ‬‫ن ال ّ‬‫ن ِبالل ّهِ ظ َ ّ‬ ‫ظاّني َ‬‫ت ال ّ‬ ‫كا ِ‬ ‫شرِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬‫م ْ‬‫َوال ْ ُ‬
‫َ‬
‫جُنود ُ‬‫صيًرا )‪ (6‬وَل ِل ّهِ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساَء ْ‬‫م وَ َ‬‫جهَن ّ َ‬‫م َ‬‫م وَأعَد ّ ل َهُ ْ‬ ‫م وَل َعَن َهُ ْ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬
‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬‫وَغَ ِ‬
‫َ‬
‫ما )‪(7‬‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬‫زيًزا َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬ ‫ت َواْلْرض وَ َ‬
‫ِ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬‫ال ّ‬

‫مِبيًنا { أي ‪ :‬بينا ظاهرا ‪ ،‬والمراد به صلح‬ ‫حا ُ‬ ‫ك فَت ْ ً‬ ‫حَنا ل َ َ‬ ‫فقوله ‪ } :‬إ ِّنا فَت َ ْ‬
‫الحديبية فإنه حصل بسببه خير جزيل ‪ ،‬وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض )‬
‫‪ ، (1‬وتكلم المؤمن مع الكافر ‪ ،‬وانتشر العلم النافع واليمان‪.‬‬
‫َ‬
‫خَر { ‪ :‬هذا من خصائصه ‪-‬‬ ‫ما ت َأ ّ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن ذ َن ْب ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫فَر ل َ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ِي َغْ ِ‬
‫صلوات الله وسلمه عليه ‪ -‬التي ل يشاركه فيها غيره‪ .‬وليس صحيح في‬
‫ثواب العمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ .‬وهذا فيه تشريف‬
‫عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهو ‪ -‬صلوات الله وسلمه عليه ‪-‬‬
‫في جميع أموره على الطاعة والبر والستقامة التي لم ينلها بشر سواه ‪ ،‬ل‬
‫من الولين ول من الخرين ‪ ،‬وهو أكمل البشر على الطلق ‪ ،‬وسيدهم في‬
‫الدنيا والخرة‪ .‬ولما كان أطوع خلق الله لله ‪ ،‬وأكثرهم )‪ (2‬تعظيما لوامره )‬
‫‪ (3‬ونواهيه‪ .‬قال حين بركت به الناقة ‪" :‬حبسها حابس الفيل" ثم قال ‪:‬‬
‫"والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله إل‬
‫أجبتهم إليها" )‪ (4‬فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح ‪ ،‬قال الله له ‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫خَر وَي ُت ِ ّ‬ ‫ما ت َأ ّ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن ذ َن ْب ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫فَر ل َ َ‬ ‫مِبيًنا ل ِي َغْ ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ك فَت ْ ً‬ ‫حَنا ل َ َ‬ ‫} إ ِّنا فَت َ ْ‬
‫ما { أي ‪:‬‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صَراطا ُ‬ ‫ً‬ ‫ه عَل َي ْك { أي ‪ :‬في الدنيا والخرة ‪ } ،‬وَي َهْدِي َك ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مت َ ُ‬ ‫ن ِعْ َ‬
‫بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم‪.‬‬
‫زيًزا { أي ‪ :‬بسبب خضوعك لمر الله يرفعك الله‬ ‫صًرا عَ ِ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫} وَي َن ْ ُ‬
‫وينصرك على أعدائك ‪ ،‬كما جاء في الحديث الصحيح ‪" :‬وما زاد الله عبدا‬
‫بعفو إل عزا ‪ ،‬وما تواضع أحد لله إل رفعه الله" )‪ .(5‬وعن عمر بن الخطاب‬
‫]رضي الله عنه[ )‪ (6‬أنه قال ‪ :‬ما عاقبت ‪ -‬أي في الدنيا والخرة ‪ -‬أحدا‬
‫عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله فيه‪.‬‬
‫م وَل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫معَ ِإي َ‬ ‫ماًنا َ‬ ‫ن ل ِي َْزَداُدوا ِإي َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ة ِفي قُُلو ِ‬ ‫كين َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ذي َأنز َ‬ ‫} هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ما )‪ (4‬ل ِي ُد ْ ِ‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ه عَِلي ً‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ت َوالْرض وَ َ‬
‫ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫جُنود ُ ال ّ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ت‬
‫ُ ْ َ ّ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ئا‬ ‫ي‬‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫َ َُ َ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫في‬‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ر‬‫َ ُ‬ ‫ها‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ها‬ ‫ِ‬ ‫ت‬
‫ْ ْ َ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ري‬ ‫ْ ِ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ٍ‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬
‫ت‬ ‫قا ِ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ُْ‬ ‫َ‬ ‫قي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪5‬‬ ‫)‬ ‫ما‬‫ً‬ ‫ظي‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫زا‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ع‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬ ‫وَ َ‬
‫سوِْء‬ ‫م َدائ َِرةُ ال ّ‬ ‫َ‬
‫سوِْء عَلي ْهِ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن ِباللهِ ظ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت الظاّني َ‬ ‫ّ‬ ‫كا ِ‬ ‫شرِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫َوال ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫جُنود ُ‬ ‫صيًرا )‪ (6‬وَل ِلهِ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫م وَأعَد ّ لهُ ْ‬ ‫م وَلعَن َهُ ْ‬ ‫ه عَلي ْهِ ْ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫وَغَ ِ‬
‫ما )‪{ (7‬‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫زيًزا َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ض وَكا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ة { أي ‪ :‬جعل الطمأنينة‪ .‬قاله ابن‬ ‫كين َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ذي أنز َ‬ ‫ّ‬
‫يقول تعالى ‪ } :‬هُوَ ال ِ‬
‫عباس ‪ ،‬وعنه ‪ :‬الرحمة‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬الوقار في قلوب المؤمنين‪ .‬وهم الصحابة يوم الحديبية ‪ ،‬الذين‬
‫استجابوا لله ولرسوله وانقادوا لحكم الله ورسوله ‪ ،‬فلما اطمأنت قلوبهم‬
‫لذلك ‪ ،‬واستقرت ‪ ،‬زادهم إيماًنا مع إيمانهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬بعضا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأشدهم"‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬لوامر الله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪.(2732 ، 2731‬‬
‫)‪ (5‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2588‬من حديث أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(7/328‬‬

‫َ‬
‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬
‫سول ِهِ وَت ُعَّزُروهُ‬ ‫ذيًرا )‪ (8‬ل ِت ُؤْ ِ‬ ‫مب َ ّ‬
‫شًرا وَن َ ِ‬ ‫دا وَ ُ‬ ‫شاهِ ً‬ ‫ك َ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫إ ِّنا أْر َ‬
‫صيًل )‪(9‬‬ ‫َ‬
‫حوه ُ ب ُك َْرةً وَأ ِ‬ ‫وَت ُوَقُّروهُ وَت ُ َ‬
‫سب ّ ُ‬

‫وقد استدل بها البخاري وغيره من الئمة على تفاضل اليمان في القلوب‪.‬‬
‫جُنود ُ‬ ‫ثم ذكر تعالى أنه لو شاء لنتصر من الكافرين ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَل ِل ّهِ ُ‬
‫ض { أي ‪ :‬ولو أرسل عليهم ملكا واحدا لباد خضراءهم ‪،‬‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ولكنه تعالى شرع لعباده المؤمنين الجهاد والقتال ‪ ،‬لما له في ذلك من‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫الحكمة البالغة والحجة القاطعة ‪ ،‬والبراهين الدامغة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ما {‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ه عَِلي ً‬ ‫الل ّ ُ‬
‫حت َِها الن َْهاُر‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬ل ِي ُد ْ ِ‬
‫ن ِفيَها { ‪ ،‬قد تقدم حديث أنس ‪ :‬قالوا ‪ :‬هنيئا لك يا رسول الله ‪ ،‬هذا‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫خ َ‬ ‫لك فما لنا ؟ فأنزل الله ‪ } :‬ل ِي ُد ْ ِ‬
‫م{‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫فَر عَن ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفيَها { أي ‪ :‬ماكثين فيها أبدا‪ } .‬وَي ُك ّ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫تَ ْ‬
‫أي ‪ :‬خطاياهم وذنوبهم ‪ ،‬فل يعاقبهم عليها ‪ ،‬بل يعفو ويصفح ويغفر ‪ ،‬ويستر‬
‫ح‬
‫حزِ َ‬ ‫ن ُز ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما { ‪ ،‬كقوله } فَ َ‬ ‫ظي ً‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ فَوًْزا عَ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ويرحم ويشكر ‪ } ،‬وَ َ‬
‫مَتاعُ ال ْغُُرورِ { ]آل‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا ِإل َ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫قد ْ َفاَز وَ َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن الّنارِ وَأ ُد ْ ِ‬ ‫عَ ِ‬
‫عمرن ‪.[185 :‬‬
‫ن‬
‫ت الظاّني َ‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫شرِكا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ت َوال ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي ُعَذ ّ َ‬
‫سوِْء { أي ‪ :‬يتهمون الله في حكمه ‪ ،‬ويظنون بالرسول وأصحابه‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِبالل ّهِ ظ َ ّ‬
‫ب الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض َ‬ ‫سوِْء وَغَ ِ‬ ‫م َدائ َِرةُ ال ّ‬ ‫أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية ؛ ولهذا قال ‪ } :‬عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬
‫صيًرا {‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫م { أي ‪ :‬أبعدهم من رحمته } وَأعَد ّ ل َهُ ْ‬ ‫م وَل َعَن َهُ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ثم قال مؤكدا لقدرته على النتقام من العداء ‪ -‬أعداء السلم من الكفرة‬
‫ما {‪.‬‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫زيًزا َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ت َوالْرض وَ َ‬
‫ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫جُنود ُ ال ّ‬ ‫والمنافقين ‪ } : -‬وَل ِل ّهِ ُ‬
‫ّ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫سول ِهِ وَت ُعَّزُروهُ‬ ‫مُنوا ِباللهِ وََر ُ‬ ‫ذيًرا )‪ (8‬ل ِت ُؤْ ِ‬ ‫شًرا وَن َ ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫دا وَ ُ‬ ‫شاهِ ً‬ ‫ك َ‬ ‫} إ ِّنا أْر َ‬
‫َ‬
‫صيل )‪{ (9‬‬ ‫حوه ُ ب ُك َْرةً وَأ ِ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫وَت ُوَقُّروهُ وَت ُ َ‬

‫) ‪(7/329‬‬

‫َ‬
‫ما ي َن ْك ُ ُ‬
‫ث‬ ‫ن ن َك َ َ‬
‫ث فَإ ِن ّ َ‬ ‫م فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ديهِ ْ‬‫ه ي َد ُ الل ّهِ فَوْقَ أي ْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ما ي َُباي ُِعو َ‬
‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ن ي َُباي ُِعون َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما )‪(10‬‬ ‫ظي ً‬‫جًرا عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬
‫سي ُؤِْتيهِ أ ْ‬ ‫ه الل َ‬ ‫عاهَد َ عَلي ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أوَْفى ب ِ َ‬ ‫م ْ‬‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬‫عَلى ن َ ْ‬
‫َ‬
‫ما‬‫ث فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن ن َك َ َ‬ ‫م فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ديهِ ْ‬‫ه ي َد ُ الل ّهِ فَوْقَ أي ْ ِ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ما ي َُباي ُِعو َ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬‫ن ي َُباي ُِعون َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي َن ْك ُ ُ‬
‫ما )‪{ (10‬‬ ‫ظي ً‬ ‫جًرا عَ ِ‬ ‫سي ُؤِْتيهِ أ ْ‬ ‫ه فَ َ‬
‫ه الل َ‬
‫عاهَد َ عَلي ْ ُ‬ ‫ما َ‬‫ن أوَْفى ب ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ث عَلى ن َ ْ‬
‫دا‬ ‫ك َ‬ ‫سلَنا َ‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫شاهِ ً‬ ‫يقول تعالى لنبيه محمد ‪ -‬صلوات الله وسلمه عليه )‪ } (1‬إ ِّنا أْر َ‬
‫ذيًرا { أي ‪:‬‬ ‫شًرا { أي ‪ :‬للمؤمنين ‪ } ،‬وَن َ ِ‬ ‫مب َ ّ‬‫{ أي ‪ :‬على الخلق ‪ } ،‬وَ ُ‬
‫للكافرين‪ .‬وقد تقدم تفسيرها في سورة "الحزاب" )‪.(2‬‬
‫سول ِهِ وَت ُعَّزُروه ُ { ‪ ،‬قال ابن عباس وغير واحد ‪ :‬يعظموه ‪،‬‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫} ل ِت ُؤْ ِ‬
‫حوه ُ { أي‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫} وَت ُوَقُّروه ُ { من التوقير وهو الحترام والجلل والعظام ‪ } ،‬وَت ُ َ‬
‫َ‬
‫صيل { أي ‪ :‬أول النهار وآخره‪.‬‬ ‫‪ :‬يسبحون الله ‪ } ،‬ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬
‫ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم تشريفا له وتعظيما وتكريما ‪:‬‬
‫قد ْ أ َطاعَ‬
‫َ‬ ‫ل فَ َ‬
‫سو َ‬
‫ن ي ُط ِِع الّر ُ‬
‫م ْ‬
‫ه { كقوله } َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ما ي َُباي ُِعو َ‬ ‫ن ي َُباي ُِعون َ َ‬
‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫م { أي ‪ :‬هو حاضر معهم يسمع‬ ‫ه‬‫دي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ق‬
‫ِ ْ َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬
‫َ ُ‬ ‫ي‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪80‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]النساء‬ ‫{‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه‬
‫أقوالهم ويرى مكانهم ‪ ،‬ويعلم ضمائرهم وظواهرهم ‪ ،‬فهو تعالى هو المبايع‬
‫بواسطة رسوله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬عند الية الخامسة والربعين‪.‬‬

‫) ‪(7/329‬‬

‫م‬‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫شت ََرى ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫صلى الله عليه وسلم كقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫دا عَلي ْ ِ‬ ‫ن وَعْ ً‬ ‫قت َلو َ‬ ‫ن وَي ُ ْ‬ ‫قت ُلو َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ في َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫ة يُ َ‬‫جن ّ َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫م ب ِأ ّ‬ ‫وال َهُ ْ‬‫م َ‬
‫وَأ ْ‬
‫قرآن وم َ‬
‫شُروا‬ ‫ست َب ْ ِ‬‫ن الل ّهِ َفا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن أوَْفى ب ِعَهْدِهِ ِ‬ ‫ل َوال ْ ُ ْ ِ َ َ ْ‬ ‫جي ِ‬ ‫قا ِفي الت ّوَْراةِ َوالن ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫م { ]التوبة ‪.[111 :‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز العَ ِ‬‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ب ِهِ وَذ َل ِك هُوَ ال َ‬ ‫ذي َباي َعْت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫ُ‬
‫ب ِب َي ْعِك ُ‬
‫وقد قال )‪ (1‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا الفضل بن يحيى‬
‫النباري ‪ ،‬حدثنا علي بن بكار ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من سل سيفه في‬
‫سبيل الله ‪ ،‬فقد بايع الله" )‪.(2‬‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن المغيرة ‪ ،‬أخبرنا جرير ‪ ،‬عن عبد الله بن عثمان‬
‫بن خثيم ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في الحجر ‪" :‬والله ليبعثه الله يوم القيامة له عينان ينظر‬
‫بهما ‪ ،‬ولسان ينطق ‪ ،‬به ويشهد على من استلمه بالحق ‪ ،‬فمن استلمه فقد‬
‫َ‬
‫م‬
‫ديهِ ْ‬ ‫ه ي َد ُ الل ّهِ فَوْقَ أي ْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ما ي َُباي ُِعو َ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ن ي َُباي ُِعون َ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫بايع الله" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫{ )‪.(3‬‬
‫سهِ { أي ‪ :‬إنما يعود وبال‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫ث عَلى ن َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ما ي َن ْك ُ‬ ‫ث فَإ ِن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن ن َك َ‬ ‫م ْ‬ ‫ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سي ُؤِْتي ِ‬
‫ه‬ ‫هف َ‬ ‫ه الل َ‬ ‫عاهَد َ عَلي ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أوْفى ب ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذلك على الناكث ‪ ،‬والله غني عنه ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ما { أي ‪ :‬ثواًبا جزيل‪ .‬وهذه البيعة هي بيعة الرضوان ‪ ،‬وكانت تحت‬ ‫َ‬
‫ظي ً‬ ‫جًرا عَ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫مر بالحديبية ‪ ،‬وكان الصحابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله‬ ‫س ُ‬‫شجرة َ‬
‫عليه وسلم يومئذ قيل ‪ :‬ألف وثلثمائة‪ .‬وقيل ‪ :‬أربعمائة‪ .‬وقيل ‪ :‬وخمسمائة‪.‬‬
‫والوسط )‪ (4‬أصح‪.‬‬
‫ذكر الحاديث الواردة في ذلك ‪:‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬كنا‬
‫يوم الحديبية ألفا وأربعمائة‪.‬‬
‫ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬به )‪ .(5‬وأخرجاه أيضا من حديث‬
‫العمش ‪ ،‬عن سالم بن أبي الجعد ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬كنا يومئذ ألفا‬
‫وأربعمائة ‪ ،‬ووضع يده في ذلك الماء ‪ ،‬فنبع الماء من بين أصابعه ‪ ،‬حتى رووا‬
‫كلهم )‪.(6‬‬
‫وهذا مختصر من سياق آخر حين ذكر قصة عطشهم يوم الحديبية ‪ ،‬وأن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاهم سهما من كنانته ‪ ،‬فوضعوه في بئر‬
‫الحديبية ‪ ،‬فجاشت بالماء ‪ ،‬حتى كفتهم ‪ ،‬فقيل لجابر ‪ :‬كم كنتم يومئذ ؟‬
‫قال ‪ :‬كنا ألفا وأربعمائة ‪ ،‬ولو كنا مائة ألف لكفانا )‪ .(7‬وفي رواية ]في[ )‪(8‬‬
‫الصحيحين عن جابر ‪ :‬أنهم كانوا خمس عشرة مائة )‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه ابن مردويه كما في الجامع الصغير ‪ ،‬ورمز له السيوطي بالضعف‪.‬‬
‫)‪ (3‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (961‬من طريق قتيبة عن جرير‬
‫بإسناده إلى قوله ‪" :‬يشهد على من استلمه بالحق" ولم يذكر الية ‪ ،‬وقال‬
‫الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬والول"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (4840‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1856‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (4154‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1856‬‬
‫)‪ (7‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪.(5639‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري برقم )‪ (4152‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1856‬‬

‫) ‪(7/330‬‬

‫وروى البخاري من حديث قتادة ‪ ،‬قلت لسعيد بن المسيب ‪ :‬كم كان الذين‬
‫شهدوا بيعة الرضوان ؟ قال ‪ :‬خمس عشرة مائة‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فإن جابر بن عبد الله ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬كانوا أربع عشرة‬
‫مائة‪ .‬قال رحمه الله ‪ :‬وهم ‪ ،‬هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة )‪.(1‬‬
‫قال البيهقي ‪ :‬هذه الرواية تدل على أنه كان في القديم يقول ‪ :‬خمس عشرة‬
‫مائة ‪ ،‬ثم ذكر الوهم فقال ‪ :‬أربع عشرة مائة )‪.(2‬‬
‫وروى العوفي عن ابن عباس ‪ :‬أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين‪.‬‬
‫والمشهور الذي رواه غير واحد عنه ‪ :‬أربع عشرة مائة ‪ ،‬وهذا هو الذي رواه‬
‫البيهقي ‪ ،‬عن الحاكم ‪ ،‬عن الصم ‪ ،‬عن العباس الدوري ‪ ،‬عن يحيى بن معين‬
‫‪ ،‬عن شبابة بن سوار ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن‬
‫أبيه قال ‪ :‬كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ألفا‬
‫وأربعمائة )‪ .(3‬وكذلك هو في رواية سلمة بن الكوع ‪ ،‬ومعقل بن يسار ‪،‬‬
‫والبراء بن عازب‪ .‬وبه يقول غير واحد من أصحاب المغازي والسير‪ .‬وقد‬
‫أخرج صاحبا الصحيح من حديث شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن مرة قال ‪ :‬سمعت عبد‬
‫الله بن أبي أوفى يقول ‪ :‬كان أصحاب الشجرة ألفا وأربعمائة ‪ ،‬وكانت أسلم‬
‫يومئذ ثمن المهاجرين )‪.(4‬‬
‫وروى محمد بن إسحاق في السيرة ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة بن الزبير ‪،‬‬
‫عن المسور بن مخرمة ‪ ،‬ومروان بن الحكم ‪ ،‬أنهما حدثاه قال خرج رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت ‪ ،‬ل يريد قتال وساق‬
‫معه الهدي سبعين بدنة ‪ ،‬وكان الناس سبعمائة رجل ‪ ،‬كل بدنة عن عشرة‬
‫نفر ‪ ،‬وكان جابر بن عبد الله فيما بلغني عنه يقول ‪ :‬كنا أصحاب الحديبية أربع‬
‫عشرة مائة )‪.(5‬‬
‫كذا قال ابن إسحاق وهو معدود من أوهامه ‪ ،‬فإن المحفوظ في الصحيحين‬
‫أنهم كانوا بضع عشرة مائة‪.‬‬
‫ذكر سبب هذه البيعة العظيمة ‪:‬‬
‫قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة ‪ :‬ثم دعا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء‬
‫له ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني أخاف قريشا على نفسي ‪ ،‬وليس بمكة من‬
‫بني عدي بن كعب من يمنعني ‪ ،‬وقد عرفت قريش عداوتي إياها ‪ ،‬وغلظي )‬
‫‪ (6‬عليها ‪ ،‬ولكني أدلك على رجل أعز بها مني ‪ ،‬عثمان بن عفان ‪ ،‬فبعثه إلى‬
‫أبي سفيان وأشراف قريش ‪ ،‬يخبرهم أنه لم يأت لحرب ‪ ،‬وأنه جاء زائرا لهذا‬
‫البيت ومعظما لحرمته‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(4153‬‬
‫)‪ (2‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(4/97‬‬
‫)‪ (3‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(4/98‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (4155‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1857‬‬
‫)‪ (5‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(2/308‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬غلظتي"‪.‬‬

‫) ‪(7/331‬‬

‫فخرج عثمان إلى مكة ‪ ،‬فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ‪ ،‬أو‬
‫قبل أن يدخلها ‪ ،‬فحمله بين يديه ‪ ،‬ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم‬
‫عن رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ )‪ (1‬ما أرسله به ‪ ،‬فقالوا لعثمان‬
‫حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ‪ :‬إن شئت أن‬
‫تطوف بالبيت فطف‪ .‬فقال ‪ :‬ما كنت لفعل حتى يطوف به رسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬واحتبسته قريش عندها ‪ ،‬فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫والمسلمين أن عثمان قد قتل‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني عبد الله بن أبي بكر ‪ :‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل ‪" :‬ل نبرح حتى نناجز القوم"‪.‬‬
‫ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة‪ .‬فكانت بيعة‬
‫الرضوان تحت الشجرة ‪ ،‬فكان الناس يقولون ‪ :‬بايعهم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم على الموت‪ .‬وكان جابر بن عبد الله يقول ‪ :‬إن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم لم يبايعهم على الموت ‪ ،‬ولكن بايعنا على أل نفر‪.‬‬
‫فبايع الناس ‪ ،‬ولم يتخلف أحد من المسلمين حضرها إل الجد بن قيس أخو‬
‫بني سلمة ‪ ،‬فكان جابر يقول ‪ :‬والله لكأني أنظر إليه لصقا بإبط ناقته ‪ ،‬قد‬
‫ضبأ إليها يستتر بها من الناس ‪ ،‬ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫الذي كان من أمر عثمان باطل‪(2) .‬‬
‫وذكر ابن لهيعة عن السود )‪ .(3‬عن عروة بن الزبير قريبا من هذا السياق ‪،‬‬
‫وزاد في سياقه ‪ :‬أن قريشا بعثوا وعندهم عثمان ]بن عفان[ )‪ (4‬سهيل بن‬
‫عمرو ‪ ،‬وحويطب بن عبد العزى ‪ ،‬ومكرز بن حفص إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فبينما هم عندهم إذ وقع كلم بين )‪ (5‬بعض المسلمين وبعض‬
‫المشركين ‪ ،‬وتراموا بالنبل والحجارة ‪ ،‬وصاح الفريقان كلهما ‪ ،‬وارتهن كل‬
‫من الفريقين من عنده من الرسل ‪ ،‬ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬أل إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫وأمر بالبيعة ‪ ،‬فاخرجوا على اسم الله فبايعوا ‪ ،‬فسار المسلمون إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة فبايعوه على أل يفروا أبدا ‪،‬‬
‫فأرعب ذلك المشركين )‪ ، (6‬وأرسلوا من كان عندهم من المسلمين ‪ ،‬ودعوا‬
‫إلى الموادعة والصلح‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ‪ ،‬أخبرنا أحمد‬
‫بن عبيد الصفار ‪ ،‬حدثنا تمتام )‪ ، (7‬حدثنا الحسن بن بشر )‪ ، (8‬حدثنا الحكم‬
‫بن عبد الملك ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس )‪ (9‬بن مالك قال ‪ :‬لما أمر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان ]رضي الله عنه[ )‬
‫‪ (10‬رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ‪ ،‬فبايع الناس ‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اللهم إن عثمان في حاجة الله‬
‫وحاجة رسوله"‪ .‬فضرب بإحدى يديه على الخرى ‪ ،‬فكانت يد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لنفسهم )‪.(11‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(2/315‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬أبي السود"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬المشركون" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪ ،‬م ‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬وروى البيهقي بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (11‬لم أجده في دلئل النبوة ولعله في غيره‪.‬‬

‫) ‪(7/332‬‬

‫قال ابن هشام )‪ : (1‬حدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له ‪ ،‬عن أبي مليكة‬
‫)‪ ، (2‬عن ابن عمر قال ‪ :‬بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان ‪،‬‬
‫فضرب بإحدى يديه على الخرى‪.‬‬
‫وقال عبد الملك بن هشام النحوي ‪ :‬فذكر وكيع ‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي خالد ‪،‬‬
‫عن الشعبي ‪ :‬أن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة‬
‫الرضوان أبو سنان السدي )‪.(3‬‬
‫وقال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا ابن أبي خالد‬
‫‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬قال ‪ :‬لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى‬
‫البيعة ‪ ،‬كان أول من انتهى إليه أبو سنان ]السدي رضي الله عنه[ )‪، (4‬‬
‫فقال ‪ :‬ابسط يدك أبايعك‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬علم‬
‫تبايعني ؟"‪ .‬فقال أبو سنان ‪ :‬على ما في نفسك‪ .‬هذا أبو سنان ]بن[ )‪(5‬‬
‫وهب السدي ]رضي الله عنه[ )‪.(7) (6‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا شجاع بن الوليد ‪ ،‬سمع النضر بن محمد ‪ :‬حدثنا صخر‬
‫]بن الربيع[ )‪ ، (8‬عن نافع ‪ ،‬قال ‪ :‬إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل‬
‫عمر ‪ ،‬وليس كذلك ‪ ،‬ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى الفرس له‬
‫عند رجل من النصار أن يأتي به ليقاتل عليه ‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يبايع عند الشجرة ‪ ،‬وعمر ل يدري بذلك ‪ ،‬فبايعه عبد الله ‪ ،‬ثم ذهب‬
‫إلى الفرس فجاء به إلى عمر ‪ ،‬وعمر يستلئم للقتال ‪ ،‬فأخبره أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يبايع تحت الشجرة ‪ ،‬فانطلق ‪ ،‬فذهب معه حتى بايع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر )‪(9‬‬
‫أسلم قبل عمر‪.‬‬
‫ثم قال البخاري ‪ :‬وقال هشام بن عمار ‪ :‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬حدثنا عمر‬
‫بن محمد العمري ‪ ،‬أخبرني نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬أن الناس كانوا مع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قد تفرقوا في ظلل الشجر ‪ ،‬فإذا‬
‫الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ -‬يعني عمر ‪ : -‬يا عبد الله‬
‫‪ ،‬انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فوجدهم يبايعون ‪ ،‬فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع‪.‬‬
‫وقد أسنده البيهقي عن أبي )‪ (10‬عمرو الديب ‪ ،‬عن أبي بكر السماعيلي ‪،‬‬
‫عن الحسن بن سفيان ‪ ،‬عن دحيم ‪ :‬حدثني الوليد بن مسلم فذكره )‪.(11‬‬
‫وقال الليث ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬قال ‪ :‬كنا يوم الحديبية ألفا‬
‫وأربعمائة فبايعناه ‪ ،‬وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫بايعناه على أل نفر ‪ ،‬ولم نبايعه على الموت‪ .‬رواه مسلم عن قتيبة عنه )‬
‫‪.(12‬‬
‫وروى مسلم عن يحيى بن يحيى ‪ ،‬عن يزيد بن زريع ‪ ،‬عن خالد ‪ ،‬عن الحكم‬
‫بن عبد الله بن العرج ‪ ،‬عن معقل بن يسار ‪ ،‬قال ‪ :‬لقد رأيتني يوم الشجرة‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس )‪ ، (13‬وأنا رافع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬شهاب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬عن أبي بكر بن أبي مليكة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬السيرة النبوية )‪.(2/316‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬ورواه البيهقي في دلئل النبوة )‪ (4/137‬من طريق الحميدي به‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬عبد الله بن عمر"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫)‪ (11‬صحيح البخاري برقم )‪.(4187‬‬
‫)‪ (12‬صحيح مسلم برقم )‪.(1856‬‬
‫)‪ (13‬في م ‪" :‬والناس يبايعون النبي"‪.‬‬

‫) ‪(7/333‬‬

‫غصنا من أغصانها عن رأسه ‪ ،‬ونحن أربع عشرة مائة ‪ ،‬قال ‪ :‬ولم نبايعه على‬
‫الموت ‪ ،‬ولكن بايعناه على أل نفر )‪.(1‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا المكي بن إبراهيم ‪ ،‬عن يزيد بن أبي عبيد ‪ ،‬عن سلمة‬
‫بن الكوع ‪ ،‬قال ‪ :‬بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة‪.‬‬
‫قال يزيد ‪ :‬قلت ‪ :‬يا أبا مسلم )‪ ، (2‬على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ ؟‬
‫قال ‪ :‬على الموت )‪.(3‬‬
‫وقال البخاري أيضا ‪ :‬حدثنا أبو عاصم ‪ ،‬حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ثم تنحيت ‪ ،‬فقال‬
‫‪" :‬يا سلمة أل تبايع ؟" قلت ‪ :‬بايعت ‪ ،‬قال ‪" :‬أقبل فبايع"‪ .‬فدنوت فبايعته‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬علم بايعته يا سلمة ؟ قال ‪ :‬على الموت‪ .‬وأخرجه مسلم من وجه آخر‬
‫عن يزيد بن أبي عبيد )‪ .(4‬وكذا روى البخاري عن عباد بن تميم ‪ ،‬أنهم بايعوه‬
‫على الموت )‪.(5‬‬
‫وقال البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ‪ ،‬أخبرنا أبو الفضل بن إبراهم ‪،‬‬
‫حدثنا أحمد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن إبراهم ‪ ،‬حدثنا أبو عامر العقدي عبد‬
‫الملك بن عمرو ‪ ،‬حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي ‪ ،‬عن إياس بن سلمة ‪ ،‬عن‬
‫أبيه سلمة )‪ (6‬بن الكوع قال ‪ :‬قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ونحن أربع عشرة مائة ‪ ،‬وعليها خمسون شاة ل ترويها ‪ ،‬فقعد رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم على جباها ‪ -‬يعني الركي ‪ -‬فإما دعا وإما بصق فيها‬
‫‪ ،‬فجاشت ‪ ،‬فسقينا واستقينا‪ .‬قال ‪ :‬ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫دعا إلى البيعة في أصل الشجرة‪ .‬فبايعته أول الناس ‪ ،‬ثم بايع وبايع ‪ ،‬حتى إذا‬
‫كان في وسط الناس قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬بايعني يا سلمة"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬قد بايعتك في أول الناس‪ .‬قال ‪" :‬وأيضا"‪ .‬قال ‪ :‬ورآني‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عزل فأعطاني حجفة ‪ -‬أو درقة ‪ -‬ثم بايع‬
‫حتى إذا كان في آخر الناس قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أل تبايع يا‬
‫سلمة ؟" قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬قد بايعتك )‪ (7‬في أول الناس‬
‫وأوسطهم‪ .‬قال ‪" :‬وأيضا"‪ .‬فبايعته الثالثة ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا سلمة ‪ ،‬أين حجفتك أو‬
‫درقتك التي أعطيتك ؟"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬لقيني عامر عزل‬
‫فأعطيتها إياه ‪ :‬فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ‪" :‬إنك‬
‫كالذي قال الول ‪ :‬اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي" قال ‪ :‬ثم إن‬
‫المشركين من أهل مكة راسلونا في الصلح حتى مشى بعضنا في بعض‬
‫فاصطلحنا‪ .‬قال ‪ :‬وكنت خادما لطلحة بن عبيد الله ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أسقي‬
‫فرسه وأحسه )‪ (8‬وآكل من طعامه ‪ ،‬وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله‬
‫ورسوله‪ .‬فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة ‪ ،‬واختلط بعضنا ببعض ‪ ،‬أتيت شجرة‬
‫فكسحت شوكها ‪ ،‬ثم اضطجعت )‪ (9‬في أصلها في ظلها ‪ ،‬فأتاني أربعة من‬
‫مشركي أهل مكة ‪ ،‬فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فأبغضتهم ‪ ،‬وتحولت إلى شجرة أخرى فعلقوا سلحهم واضطجعوا ‪ ،‬فبينما‬
‫هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي ‪ :‬يا للمهاجرين ‪ ،‬قتل ابن زنيم‪.‬‬
‫فاخترطت سيفي ‪ ،‬فشددت على أولئك الربعة وهم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(1858‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬مسلمة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(2960‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪.(1860‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(2959‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وقال البيهقي بسنده عن سلمة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬بايعت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وأجنبه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في تن م ‪ ،‬أ ‪" :‬واضطجعت"‪.‬‬

‫) ‪(7/334‬‬
‫رقود ‪ ،‬فأخذت سلحهم وجعلته ضغثا في يدي ‪ ،‬ثم قلت )‪ : (1‬والذي كرم‬
‫وجه محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ل يرفع أحد منكم رأسه إل ضربت الذي‬
‫فيه عيناه ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬وجاء عمي عامر برجل من العََبلت يقال له ‪" :‬مكرز" من المشركين‬
‫يقوده ‪ ،‬حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين‬
‫من المشركين ‪ ،‬فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ‪:‬‬
‫"دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه" ‪ ،‬فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه‬
‫َ‬ ‫وسلم ‪ ،‬وأنزل الله ]عز وجل[ )‪ } : (2‬وهُو ال ّذي ك َ ّ َ‬
‫م وَأي ْدِي َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م عَن ْك ُ ْ‬‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ‬
‫م { الية ]الفتح ‪.[24 :‬‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن أ َظ ْ َ‬
‫فَرك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬
‫م ْ‬ ‫مك ّ َ‬
‫ة ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫م ب ِب َط ِ‬
‫عَن ْهُ ْ‬
‫وهكذا رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه بسنده نحوه ‪ ،‬أو قريبا‬
‫منه )‪.(3‬‬
‫وثبت في الصحيحين من حديث أبي عوانة ‪ ،‬عن طارق ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫المسيب ‪ ،‬قال ‪ :‬كان أبي ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت‬
‫الشجرة‪ .‬قال ‪ :‬فانطلقنا من قابل حاجين ‪ ،‬فخفي علينا مكانها ‪ ،‬فإن كان‬
‫تبينت لكم ‪ ،‬فأنتم أعلم )‪.(4‬‬
‫وقال أبو بكر الحميدي ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا أبو الزبير ‪ ،‬حدثنا )‪ (5‬جابر ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة ‪ ،‬وجدنا‬
‫رجل منا يقال له "الجد بن قيس" مختبئا تحت إبط بعيره"‪.‬‬
‫رواه مسلم من حديث ابن جريج ‪ ،‬عن ابن الزبير ‪ ،‬به )‪.(6‬‬
‫وقال الحميدي أيضا ‪ :‬حدثنا سفيان )‪ ، (7‬عن عمرو ‪ ،‬سمع جابرا ‪ ،‬قال ‪ :‬كنا‬
‫يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ‪ ،‬فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنتم‬
‫خير أهل الرض اليوم"‪ .‬قال جابر ‪ :‬لو كنت أبصر )‪ (8‬لريتكم موضع‬
‫الشجرة‪ .‬قال سفيان ‪ :‬إنهم اختلفوا في موضعها‪ .‬أخرجاه من حديث سفيان‬
‫)‪.(9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا الليث‪ .‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪،‬‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ل يدخل النار أحد ممن بايع‬
‫تحت الشجرة" )‪.(10‬‬
‫وقال )‪ (11‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن هارون الفلس المخرمي ‪ ،‬حدثنا‬
‫سعد بن عمرو الشعثي ‪ ،‬حدثنا محمد بن ثابت العبدي ‪ ،‬عن خداش بن‬
‫عياش ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬يدخل من بايع تحت الشجرة كلهم الجنة إل صاحب الجمل الحمر"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فانطلقنا نبتدره فإذا رجل قد أضل بعيره ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬تعال فبايع‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫أصيب بعيري أحب إلي من أن أبايع )‪.(12‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في تن م ‪" :‬وقلت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (3‬دلئل النبوة للبيهقي )‪ ، (4/138‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1807‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (4164‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1859‬واللفظ‬
‫لمسلم‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬مسند الحميدي )‪ (2/537‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1856‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وفي الصحيحين من حديث سفيان"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬انظر"‪.‬‬
‫)‪ (9‬مسند الحميدي )‪ (2/514‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4154‬وصحيح مسلم‬
‫برقم )‪.(1856‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪.(3/350‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (12‬وفي إسناده محمد بن ثابت العبدي ‪ ،‬ضعفه ابن معين وشيخه خداش‬
‫بن عياش وثقه ابن حبان ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬ل نعرف خداشا هذا من هو"‪.‬‬

‫) ‪(7/335‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫فْر ل ََنا ي َ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫وال َُنا وَأهُْلوَنا َفا ْ‬ ‫م َ‬ ‫شغَل َت َْنا أ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ن اْلعَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫را‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ً‬
‫ئا‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫س‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫بأ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ل ظ َننتم أ َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫(‬ ‫‪11‬‬ ‫)‬ ‫را‬ ‫بي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫را‬ ‫ضرا أ َو أ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل وال ْمؤْمنون إَلى أ َهِْليهم أ َ‬
‫م وَظ َن َن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ك ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ز‬‫ُ‬ ‫و‬ ‫دا‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ب ال ّ‬ ‫قل ِ َ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سول ِهِ فَإ ِّنا أعْت َد َْنا‬ ‫ن ِباللهِ وََر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ُبوًرا )‪ (12‬وَ َ‬ ‫م قَوْ ً‬ ‫ُ‬
‫سوِْء وَكن ْت ُ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ظَ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ب‬‫شاُء وَي ُعَذ ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فُر ل ِ َ‬ ‫ض ي َغْ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫سِعيًرا )‪ (13‬وَل ِل ّهِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫ما )‪(14‬‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫شاُء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬

‫وقال عبد الله بن أحمد ‪ :‬حدثنا عبيد الله بن معاذ ‪ ،‬حدثنا أبي حدثنا قرة ‪ ،‬عن‬
‫أبي الزبير )‪ ، (1‬عن جابر ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬من‬
‫يصعد الثنية ‪ ،‬ثنية المرار ‪ ،‬فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل"‪ .‬فكان‬
‫أول من صعد خيل بني )‪ (2‬الخزرج ‪ ،‬ثم تبادر الناس بعد ‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كلكم مغفور له إل صاحب الجمل الحمر"‪ .‬فقلنا ‪:‬‬
‫تعال يستغفر لك رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ )‪ .(3‬فقال ‪ :‬والله لن‬
‫أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم‪ .‬فإذا هو رجل ينشد ضالة )‬
‫‪ .(4‬رواه مسلم عن عبيد الله ‪ ،‬به )‪.(5‬‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬أخبرني أبو الزبير ‪ ،‬أنه سمع جابرا يقول ‪ :‬أخبرتني أم‬
‫مبشر أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة ‪" :‬ل‬
‫يدخل النار ‪ -‬إن شاء الله ‪ -‬من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها أحد"‪.‬‬
‫م ِإل‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قالت ‪ :‬بلى يا رسول الله‪ .‬فانتهرها ‪ ،‬فقالت لحفصة ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ها { ]مريم ‪ ، [71 :‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬قد قال الله ‪} :‬‬ ‫َوارِد ُ َ‬
‫جث ِّيا { ]مريم ‪ ، [72 :‬رواه مسلم )‬ ‫ن ِفيَها ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫وا وَن َذ َُر الظال ِ ِ‬ ‫ق ْ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫جي ال ِ‬ ‫م ن ُن َ ّ‬ ‫ثُ ّ‬
‫‪.(6‬‬
‫دا‬
‫وفيه أيضا عن قتيبة ‪ ،‬عن الليث ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ؛ أن عب ً‬
‫لحاطب بن أبي بلتعة جاء يشكو حاطبا ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ليدخلن‬
‫حاطب النار ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كذبت ‪ ،‬ل يدخلها ؛‬
‫فإنه قد شهد بدرا والحديبية" )‪.(7‬‬
‫ه ي َد ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ما ي َُباي ُِعو َ‬ ‫َ‬
‫ن ي َُباي ُِعون َك إ ِن ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ولهذا قال تعالى في الثناء عليهم ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫عاهَد َ عَلي ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن أوْفى ب ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ث عَلى ن َ ْ‬ ‫ما ي َن ْك ُ ُ‬ ‫ث فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن ن َك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫الل ّهِ فَوْقَ أي ْ ِ‬
‫َ‬
‫ما { ]الفتح ‪ ، [10 :‬كما قال تعالى في الية الخرى ‪:‬‬ ‫ظي ً‬ ‫جًرا عَ ِ‬ ‫سي ُؤِْتيهِ أ ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫جَرةِ فَعَل ِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ ي َُباي ُِعون َ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫قد ْ َر ِ‬ ‫} لَ َ‬
‫ريًبا { ]الفتح ‪.[18 :‬‬ ‫ِ‬ ‫حا قَ‬ ‫م فَت ْ ً‬
‫َ‬
‫م وَأَثاب َهُ ْ‬ ‫ة عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كين َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫فََأنز َ‬
‫فْر ل ََنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ست َغْ ِ‬ ‫وال َُنا وَأهُْلوَنا َفا ْ‬ ‫م َ‬‫شغَل َت َْنا أ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫سي َ ُ‬‫} َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شي ًْئا إ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ك لك ُ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫س ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫سن َت ِهِ ْ‬ ‫ن ب ِأل ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ل ظن َن ْت ُ ْ‬ ‫خِبيًرا )‪ (11‬ب َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫كا َ‬ ‫فًعا ب َ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ضّرا أوْ أَراد َ ب ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أَراد َ ب ِك ُ ْ‬
‫ل وال ْمؤْمنون إَلى أ َهِْليه َ‬ ‫َ‬
‫ك ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬‫دا وَُزي ّ َ‬‫م أب َ ً‬ ‫ِ ْ‬ ‫سو ُ َ ُ ِ ُ َ ِ‬ ‫ب الّر ُ‬ ‫قل ِ َ‬‫ن ي َن ْ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫سول ِهِ فَإ ِّنا‬ ‫ن ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ُبوًرا )‪ (12‬وَ َ‬ ‫م قَوْ ً‬ ‫سوِْء وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ظَ ّ‬ ‫وَظ َن َن ْت ُ ْ‬
‫شاُء‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫فُر ل ِ َ‬
‫ض ي َغْ ِ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫سِعيًرا )‪ (13‬وَل ِل ّهِ ُ‬ ‫أ َعْت َد َْنا ل ِل ْ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬
‫ك ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬
‫ما )‪{ (14‬‬ ‫حي ً‬‫فوًرا َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫شاُء وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫وَي ُعَذ ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وقال عبد الله بن أحمد بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ضالته"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(2780‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪.(2496‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم برقم )‪.(2494‬‬

‫) ‪(7/336‬‬

‫ها ذ َرونا نتبعك ُم يريدو َ‬ ‫ْ‬


‫ن‬
‫نأ ْ‬‫ذو َ ُ َ َ ّ ِ ْ ْ ُ ِ ُ َ‬ ‫خ ُ‬
‫م ل ِت َأ ُ‬ ‫م إ َِلى َ‬
‫مَغان ِ َ‬ ‫ن إ َِذا ان ْط َل َ ْ‬
‫قت ُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫م َ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن بَ ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫قو‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ َ‬‫س‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬
‫ُ ِ ْ ْ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ِ ْ‬‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫نا‬ ‫عو‬
‫ْ َُِّ َ‬ ‫ب‬‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫ي ُب َ ّ‬
‫د‬
‫ن إ ِّل قَِليًل )‪(15‬‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬‫كاُنوا َل ي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫دون ََنا ب َ ْ‬ ‫س ُ‬
‫ح ُ‬ ‫تَ ْ‬

‫يقول تعالى مخبرا رسوله )‪ - (1‬صلوات الله وسلمه عليه )‪ - (2‬بما يعتذر به‬
‫المخلفون من العراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم )‪، (3‬‬
‫وتركوا المسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فاعتذروا بشغلهم‬
‫بذلك ‪ ،‬وسألوا أن يستغفر لهم الرسول )‪ (4‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وذلك‬
‫قول منهم ل على سبيل العتقاد ‪ ،‬بل على وجه التقية والمصانعة ؛ ولهذا قال‬
‫َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ل َك ُ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫س ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫سن َت ِهِ ْ‬ ‫ن ب ِأل ْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫شيًئا إ َ‬
‫فًعا { أي ‪ :‬ل يقدر أحد أن يرد ما أراده‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ضّرا أوْ أَراد َ ب ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن أَراد َ ب ِك ُ ْ‬ ‫َ ْ ِ ْ‬
‫فيكم تعالى وتقدس ‪ ،‬وهو العليم بسرائركم وضمائركم ‪ ،‬وإن صانعتمونا‬
‫خِبيًرا {‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫وتابعتمونا )‪ (5‬؛ ولهذا قال ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل ظ َننت َ‬
‫دا { أي‬ ‫م أب َ ً‬ ‫ن إ ِلى أهِْليهِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل َوال ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ب الّر ُ‬ ‫قل ِ َ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َُْ ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ :‬لم يكن تخلفكم تخلف معذور ول عاص ‪ ،‬بل تخلف نفاق ‪ } ،‬ب َ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫ل ظن َن ْت ُ ْ‬
‫ل وال ْمؤْمنون إَلى أ َهِْليه َ‬
‫دا { أي ‪ :‬اعتقدتم أنهم يقتلون‬ ‫م أب َ ً‬ ‫ِ ْ‬ ‫سو ُ َ ُ ِ ُ َ ِ‬ ‫ب الّر ُ‬ ‫قل ِ َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن ي َن ْ َ‬
‫م ظَ ّ‬
‫ن‬ ‫وتستأصل شأفتهم وتستباد خضراؤهم ‪ ،‬ول يرجع منهم مخبر ‪ } ،‬وَظ َن َن ْت ُ ْ‬
‫ما ُبوًرا { أي ‪ :‬هلكى‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬ ‫م قَوْ ً‬ ‫سوِْء وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬فاسدين‪ .‬وقيل ‪ :‬هي بلغة عمان‪.‬‬
‫سول ِهِ { أي ‪ :‬من لم يخلص العمل في‬ ‫ن ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫الظاهر والباطن لله ‪ ،‬فإن الله تعالى سيعذبه في السعير ‪ ،‬وإن أظهر للناس‬
‫ما يعتقدون خلف ما هو عليه في نفس المر‪.‬‬
‫ثم بين تعالى أنه الحاكم المالك المتصرف في أهل السموات والرض ‪:‬‬
‫ما { أي ‪ :‬لمن تاب‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫شاُء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫شاُء وَي ُعَذ ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فُر ل ِ َ‬ ‫} ي َغْ ِ‬
‫إليه وأناب ‪ ،‬وخضع لديه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ها ذ َُروَنا ن َت ّب ِعْك ُ ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ل ِت َأ ُ‬ ‫مَغان ِ َ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫قت ُ ْ‬ ‫ن إ َِذا ان ْط َل َ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫} َ‬
‫ن بَ ْ‬
‫ل‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫ل فَ َ‬
‫سي َ ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ن ت َت ّب ُِعوَنا ك َذ َل ِك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫لل ْ‬ ‫م اللهِ قُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫كل َ‬ ‫ي ُب َد ُّلوا َ‬
‫ن ِإل قَِليل )‪{ (15‬‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫كاُنوا ل ي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫دون ََنا ب َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن العراب الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في غزوة )‪ (6‬الحديبية ‪ ،‬إذ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى‬
‫خيبر يفتتحونها ‪ :‬أنهم يسألون أن يخرجوا معهم إلى المغنم ‪ ،‬وقد تخلفوا عن‬
‫وقت محاربة العداء ومجالدتهم ومصابرتهم ‪ ،‬فأمر الله رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم أل يأذن لهم في ذلك ‪ ،‬معاقبة لهم من جنس ذنبهم‪ .‬فإن الله‬
‫تعالى قد وعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم ل يشركهم فيها غيرهم من‬
‫العراب المتخلفين ‪ ،‬فل )‪ (7‬يقع غير ذلك شرعا وقدرا ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫م الل ّهِ {‬ ‫ن ي ُب َد ُّلوا َ‬ ‫} يريدو َ‬
‫كل َ‬ ‫نأ ْ‬‫ُ ِ ُ َ‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وجويبر ‪ :‬وهو الوعد الذي وعد به أهل الحديبية‪.‬‬
‫واختاره ابن جرير )‪.(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬لرسوله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والشغل بهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬أو نافقتمونا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬عمرة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(26/50‬‬

‫) ‪(7/337‬‬

‫ست َأ ْذ َُنو َ‬
‫ك‬ ‫م َفا ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫فةٍ ِ‬ ‫ه إ َِلى َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن َر َ‬ ‫وقال ابن زيد ‪ :‬هو قوله ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِبالقُُعودِ‬
‫ضيت ُ ْ‬ ‫م َر ِ‬ ‫ُ‬
‫ي عَد ُّوا إ ِن ّك ْ‬ ‫معِ َ‬ ‫قات ِلوا َ‬ ‫ن تُ َ‬‫دا وَل ْ‬ ‫ي أب َ ً‬ ‫معِ َ‬ ‫جوا َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ل لَ ْ‬‫ق ْ‬‫خُروِج فَ ُ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫ن { ]التوبة ‪.[83 :‬‬ ‫في َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫معَ ال ْ َ‬ ‫دوا َ‬ ‫مّرةٍ َفاقْعُ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫أ َوّ َ‬
‫وهذا الذي قاله ابن زيد فيه نظر ؛ لن هذه الية التي في "براءة" نزلت في‬
‫غزوة تبوك ‪ ،‬وهي متأخرة عن غزوة )‪ (1‬الحديبية‪.‬‬
‫م الل ّهِ { يعني ‪ :‬بتثبيطهم المسلمين‬ ‫ن ي ُب َد ُّلوا َ‬ ‫وقال ابن جريج ‪ } :‬يريدو َ‬
‫كل َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫عن الجهاد‪.‬‬
‫ن قب ْل { أي ‪ :‬وعد الله أهل الحديبية قبل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫م قال الل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ت َت ّب ُِعوَنا كذل ِك ْ‬ ‫ل لَ ْ‬‫} قُ ْ‬
‫دون ََنا { أي ‪ :‬أن نشرككم‬ ‫س ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن بَ ْ‬
‫ل تَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬‫سؤالكم )‪ (2‬الخروج معهم ‪ } ،‬فَ َ‬
‫ن ِإل قَِليل { أي ‪ :‬ليس المر كما زعموا ‪،‬‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫كاُنوا ل ي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫في المغانم ‪ } ،‬ب َ ْ‬
‫ولكن ل فهم لهم )‪.(3‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬عمرة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬قبل أن يسألوكم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لنهم عدو لهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/338‬‬

‫قات ُِلونه َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ست ُد ْعَوْ َ َ‬ ‫َ‬


‫م أوْ‬‫َُ ْ‬ ‫ديد ٍ ت ُ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن إ ِلى قَوْم ٍ أوِلي ب َأ ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫ن اْلعَْرا ِ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬‫في َ‬ ‫خل ّ ِ‬
‫م َ‬‫ل ل ِل ْ ُ‬‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن قب ْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما ت َوَلي ْت ُ ْ‬
‫وا ك َ‬ ‫ن ت َت َوَل ْ‬
‫سًنا وَإ ِ ْ‬
‫ح َ‬
‫جًرا َ‬
‫هأ ْ‬‫م الل ُ‬ ‫طيُعوا ي ُؤْت ِك ُ‬
‫ن تُ ِ‬‫ن فإ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫يُ ْ‬
‫َ‬
‫ج وََل‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ج وََل عََلى اْل َعَْرِج َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫مى َ‬ ‫َ‬
‫س عََلى اْلعْ َ‬ ‫ما )‪ (16‬ل َي ْ َ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫م عَ َ‬ ‫ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬
‫حت َِها‬‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬
‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٍ‬ ‫خل ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ج وَ َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫ري ِ‬ ‫م ِ‬‫عََلى ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما )‪(17‬‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬‫ه عَ َ‬‫ل ي ُعَذ ّب ْ ُ‬‫ن ي َت َوَ ّ‬
‫م ْ‬ ‫اْلن َْهاُر وَ َ‬

‫م أ َْو‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬


‫قات ُِلون َهُ ْ‬ ‫ديد ٍ ت ُ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن إ ِلى قَوْم ٍ أوِلي ب َأ ٍ‬
‫ست ُد ْعَوْ َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫خل ّ ِ‬‫م َ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ت َوَلي ْت ُ ْ‬ ‫وا ك َ‬ ‫ن ت َت َوَل ْ‬ ‫سًنا وَإ ِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫جًرا َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫طيُعوا ي ُؤْت ِك ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫ن فَإ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫يُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ُ‬
‫ج َول‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ج َول عَلى العَْرِج َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫مى َ‬ ‫س عَلى العْ َ‬ ‫ما )‪ (16‬لي ْ َ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫ي ُعَذ ّب ْك ْ‬
‫حت َِها‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬‫ه َ‬ ‫ْ‬
‫خل ُ‬ ‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج وَ َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫عََلى ال َ‬
‫ْ‬
‫َ‬ ‫ري ِ‬ ‫م ِ‬
‫ما )‪{ (17‬‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ل ي ُعَذ ّب ْ ُ‬ ‫ن ي َت َوَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫الن َْهاُر وَ َ‬
‫اختلف المفسرون في هؤلء القوم الذين يدعون إليهم ‪ ،‬الذين هم أولو بأس‬
‫شديد ‪ ،‬على أقوال ‪:‬‬
‫شر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ -‬أو‬ ‫أحدها ‪ :‬أنهم هوازن‪ .‬رواه شعبة عن أبي ب ِ ْ‬
‫هشيم عن أبي بشر ‪ ،‬عنهما‪ .‬وبه يقول قتادة‬ ‫عكرمة )‪ ، (1‬أو جميعا ‪ -‬ورواه ُ‬
‫في رواية عنه‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ثقف ‪ ،‬قاله الضحاك‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬بنو حنيفة ‪ ،‬قاله جويبر‪ .‬ورواه محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري‪.‬‬
‫وروي مثله عن سعيد وعكرمة‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬هم أهل فارس‪ .‬رواه علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬وبه يقول‬
‫عطاء ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ -‬في إحدى الروايات عنه‪.‬‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬هم الروم‪ .‬وعن ابن أبي ليلى ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ :‬هم فارس والروم‪ .‬وعن مجاهد ‪ :‬هم أهل الوثان‪ .‬وعنه أيضا ‪ :‬هم‬
‫رجال أولو بأس شديد ‪ ،‬ولم يعين فرقة‪ .‬وبه يقول ابن جريج ‪ ،‬وهو اختيار ابن‬
‫جرير‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الشج ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن الحسن‬
‫مر )‪ ، (2‬عن‬ ‫معْ َ‬‫القواريري ‪ ،‬عن َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬هوازن قاله عكرمة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬

‫) ‪(7/338‬‬

‫ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬


‫م‬ ‫م َ‬ ‫جَرةِ فَعَل ِ َ‬ ‫ش َ‬‫ت ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إ ِذ ْ ي َُباي ُِعون َ َ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ض َ‬
‫قد ْ َر ِ‬ ‫لَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذون ََها وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫م ك َِثيَرة ً ي َأ ُ‬
‫خ ُ‬ ‫مَغان ِ َ‬‫ريًبا )‪ (18‬وَ َ‬ ‫حا قَ ِ‬‫م فَت ْ ً‬ ‫م وَأَثاب َهُ ْ‬ ‫ة عَل َي ْهِ ْ‬‫كين َ َ‬‫س ِ‬
‫ل ال ّ‬ ‫فَأن َْز َ‬
‫ما )‪(19‬‬ ‫كي ً‬
‫ح ِ‬ ‫زيًزا َ‬‫ه عَ ِ‬‫الل ّ ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ست ُد ْعَوْ َ َ‬
‫ديد ٍ { قال ‪ :‬لم يأت‬
‫ش ِ‬‫س َ‬ ‫ن إ ِلى قَوْم ٍ أوِلي ب َأ ٍ‬ ‫الزهري ‪ ،‬في قوله ‪َ } :‬‬
‫أولئك بعد‪.‬‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن ابن أبي خالد ‪ ،‬عن‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ست ُد ْعَوْ َ َ‬
‫ديدٍ { قال‬
‫ش ِ‬ ‫ن إ ِلى قَوْم ٍ أوِلي ب َأ ٍ‬
‫س َ‬ ‫أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة في قوله ‪َ } :‬‬
‫‪ :‬هم البارزون‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وحدثنا سفيان ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا‬
‫ن المطرقة"‪ .‬قال‬ ‫قوما صغار العين ‪ ،‬ذلف النف ‪ ،‬كأن وجوههم المجا ّ‬
‫سفيان ‪ :‬هم الترك )‪.(1‬‬
‫قال ابن أبي عمر ‪ :‬وجدت في مكان )‪ (2‬آخر ‪ :‬ابن أبي خالد عن أبيه قال ‪:‬‬
‫نزل علينا أبو هريرة ففسر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬تقاتلون‬
‫شْعر" قال ‪ :‬هم البارزون ‪ ،‬يعني الكراد )‪.(3‬‬ ‫ما نعالهم ال ّ‬ ‫قو ً‬
‫َ‬
‫ن { يعني ‪ :‬يشرع لكم جهادهم وقتالهم ‪ ،‬فل‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م أوْ ي ُ ْ‬ ‫قات ُِلون َهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ت ُ َ‬
‫يزال ذلك مستمرا عليهم ‪ ،‬ولكم النصرة عليهم ‪ ،‬أو يسلمون فيدخلون في‬
‫دينكم بل قتال بل باختيار‪.‬‬
‫طيُعوا { أي ‪ :‬تستجيبوا وتنفروا في الجهاد وتؤدوا الذي‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل { يعني ‪:‬‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ت َوَلي ْت ُ ْ‬ ‫وا ك َ َ‬ ‫ن ت َت َوَل ْ‬‫سًنا وَإ ِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫جًرا َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫عليكم فيه ‪ } ،‬ي ُؤْت ِك ُ ُ‬
‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ُ‬
‫ما {‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫زمن الحديبية ‪ ،‬حيث دعيتم )‪ (4‬فتخلفتم ‪ } ،‬ي ُعَذ ّب ْك ْ‬
‫ثم ذكر العذار في ترك الجهاد ‪ ،‬فمنها لزم كالعمى والعرج المستمر ‪،‬‬
‫وعارض كالمرض الذي يطرأ أياما ثم يزول ‪ ،‬فهو في حال مرضه ملحق‬
‫بذوي العذار اللزمة حتى يبرأ‪.‬‬
‫هّ‬
‫ن ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ثم قال تعالى مرغبا في الجهاد وطاعة الله ورسوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ل { أي ‪ :‬ينكل عن‬ ‫ن ي َت َوَ ّ‬ ‫م ْ‬‫حت َِها الن َْهاُر وَ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫وََر ُ‬
‫ما { في الدنيا بالمذلة ‪ ،‬وفي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه عَذاًبا أِلي ً‬ ‫الجهاد ‪ ،‬ويقبل على المعاش } ي ُعَذب ْ ُ‬
‫الخرة بالنار‪.‬‬
‫ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫جَرةِ فَعَل ِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ ي َُباي ُِعون َ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫قد ْ َر ِ‬ ‫} لَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫فََأنز َ‬
‫ن‬ ‫ذون ََها وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫خ ُ‬‫م ك َِثيَرة ً ي َأ ُ‬ ‫مَغان ِ َ‬ ‫ريًبا )‪ (18‬وَ َ‬ ‫حا قَ ِ‬ ‫م فَت ْ ً‬ ‫م وَأَثاب َهُ ْ‬ ‫ة عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كين َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ال ّ‬
‫ما )‪{ (19‬‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫زيًزا َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم تحت الشجرة ‪ ،‬وقد تقدم ذكر عدتهم ‪ ،‬وأنهم كانوا ألفا وأربعمائة ‪،‬‬
‫وأن الشجرة كانت سمرة بأرض الحديبية‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم )‪ (19199‬والبخاري في صحيحه‬
‫برقم )‪ (2929‬من طريق سفيان عن الزهري بإسناده ‪" :‬ل تقوم الساعة‬
‫حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة" ورواه البخاري في صحيحه‬
‫برقم )‪ (2928‬من طريق صالح ‪ ،‬عن العرج عن أبي هريرة بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وقال ابن أبي عمرو حديث في موضع"‪.‬‬
‫)‪ (3‬وقد ذكر بعض المؤرخين أن أصحاب بابك المخرمي كانوا ينتعلون الشعر‬
‫‪ ،‬فهم المقصودون بهذا الحديث‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ذهبتم"‪.‬‬

‫) ‪(7/339‬‬

‫ل ل َك ُم هَذه وك َ ّ َ‬ ‫ْ‬
‫س عَن ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف ُأي ْدِيَ الّنا ِ‬ ‫ْ ِ ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ذون ََها فَعَ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ك َِثيَرةً ت َأ ُ‬ ‫مَغان ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫وَعَد َك ُ ُ‬
‫َ‬
‫قدُِروا عَلي َْها‬ ‫م تَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وَل ِت َ ُ‬
‫خَرى ل ْ‬ ‫ما )‪ (20‬وَأ ْ‬ ‫قي ً‬‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫صَراطا ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن وَي َهْدِي َك ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ة ل ِل ُ‬ ‫ن آي َ ً‬ ‫كو َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫ديًرا )‪ (21‬وَل َوْ َقات َل َك ُ ُ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه ب َِها وَ َ‬ ‫ط الل ّ ُ‬ ‫حا َ‬ ‫قَد ْ أ َ‬
‫َ‬
‫ت‬‫خل َ ْ‬ ‫ة الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ‬ ‫سن ّ َ‬
‫صيًرا )‪ُ (22‬‬ ‫ن وَل ِّيا وََل ن َ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م َل ي َ ِ‬ ‫وا اْلد َْباَر ث ُ ّ‬ ‫فُروا ل َوَل ّ ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ديًل )‪(23‬‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ل وَل َ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا محمود ‪ ،‬حدثنا عبيد الله ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن طارق بن‬
‫جا فمررت بقوم يصلون ‪ ،‬فقلت )‪ (1‬ما هذا‬ ‫عبد الرحمن قال ‪ :‬انطلقت حا ً‬
‫المسجد ؟ قالوا ‪ :‬هذه الشجرة ‪ ،‬حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بيعة الرضوان ‪ ،‬فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته ‪ ،‬فقال سعيد ‪ :‬حدثني أبي‬
‫أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها ‪ ،‬فقال سعيد ‪ :‬إن‬
‫أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم ‪ ،‬فأنتم أعلم‬
‫)‪.(2‬‬
‫م { أي ‪ :‬من الصدق والوفاء ‪ ،‬والسمع والطاعة‬ ‫ُ‬
‫ما ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَعَل ِ َ‬
‫ريًبا { ‪ :‬وهو‬ ‫حا قَ ِ‬ ‫م فَت ْ ً‬
‫َ‬
‫م وَأَثاب َهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ة { ‪ :‬وهي الطمأنينة ‪ } ،‬عَلي ْهِ ْ‬ ‫كين َ َ‬‫س ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫‪ } ،‬فََأنز َ‬
‫ما أجرى الله على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم ‪ ،‬وما حصل بذلك‬
‫من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة ‪ ،‬ثم فتح سائر البلد‬
‫والقاليم عليهم ‪ ،‬وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والخرة ؛‬
‫ْ‬
‫ما {‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫زيًزا َ‬ ‫ه عَ ِ‬‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬ ‫ذون ََها )‪ (3‬وَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ك َِثيَرة ً ي َأ ُ‬ ‫مَغان ِ َ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫قال )‪ (4‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ‪،‬‬
‫حدثنا عبيد الله بن موسى ‪ ،‬أخبرنا موسى ‪ ،‬أخبرنا موسى ‪ -‬يعني ابن عبيدة ‪-‬‬
‫حدثني إياس )‪ (5‬بن سلمة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬بينما نحن قائلون‪ .‬إذ نادى‬
‫منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬البيعة البيعة ‪ ،‬نزل‬
‫روح القدس‪ .‬قال ‪ :‬فَُثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت‬
‫ن‬
‫ه عَ ِ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫قد ْ َر ِ‬ ‫شجرة سمرة فبايعناه ‪ ،‬فذلك قول الله تعالى )‪ } : (6‬ل َ َ‬
‫جَرةِ { ]قال[ )‪ : (7‬فبايع لعثمان بإحد يديه‬ ‫ش َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ ي َُباي ُِعون َ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫على الخرى ‪ ،‬فقال الناس ‪ :‬هنيئا لبن عفان ‪ ،‬طوف بالبيت ونحن )‪ (8‬هاهنا‪.‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لو مكث كذا كذا سنة ما طاف‬
‫حتى أطوف" )‪.(9‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫س عَن ْك ْ‬ ‫ف أي ْدِيَ الّنا ِ‬ ‫َ‬
‫م هَذِهِ وَك ّ‬ ‫ُ‬
‫ل لك ْ‬ ‫ج َ‬‫ذون ََها فَعَ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫م كِثيَرة ً ت َأ ُ‬ ‫َ‬ ‫مَغان ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫} وَعَد َك ُ ُ‬
‫قدُِروا عَل َي َْها‬ ‫ُ‬
‫م تَ ْ‬ ‫خَرى ل َ ْ‬ ‫ما )‪ (20‬وَأ ْ‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬‫طا ُ‬‫صَرا ً‬ ‫م ِ‬ ‫ن وَي َهْدِي َك ُ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫ن آي َ ً‬ ‫كو َ‬ ‫وَل ِت َ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬‫ديًرا )‪ (21‬وَل َوْ َقات َل َك ُ ُ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه ب َِها وَ َ‬ ‫ط الل ّ ُ‬ ‫حا َ‬ ‫قَد ْ أ َ‬
‫ت‬ ‫خل َ ْ‬‫ة الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫صيًرا )‪ُ (22‬‬ ‫ن وَل ِّيا َول ن َ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫وا الد َْباَر ث ُ ّ‬ ‫فُروا ل َوَل ّ ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ديل )‪{ (23‬‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ل وَل َ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬وقلت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(4163‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬تأخذونها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬عن أبان"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فذلك قوله تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادم من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وذكر"‪.‬‬
‫)‪ (9‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (1/90‬من طريق عبيد الله بن‬
‫موسى به ‪ ،‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (9/84‬فيه موسى بن عبيدة وهو‬
‫ضعيف"‪.‬‬

‫) ‪(7/340‬‬
‫م‬ ‫ن أ َظ ْ َ‬
‫فَرك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬
‫م ْ‬ ‫مك ّ َ‬
‫ة ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫م ب ِب َط ِ‬
‫م عَن ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫م وَأي ْدِي َك ُ ْ‬‫م عَن ْك ُ ْ‬
‫وهُو ال ّذي ك َ ّ َ‬
‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ‬
‫صيًرا )‪(24‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م وَكا َ‬

‫م‬ ‫ن أ َظ ْ َ‬
‫فَرك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬
‫م ْ‬ ‫مك ّ َ‬
‫ة ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫م ب ِب َط ِ‬
‫م عَن ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫م وَأي ْدِي َك ُ ْ‬‫م عَن ْك ُ ْ‬
‫} وهُو ال ّذي ك َ ّ َ‬
‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ‬
‫صيًرا )‪{ (24‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫ملو َ‬‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬
‫كا َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م وَ َ‬

‫) ‪(7/340‬‬

‫ْ‬
‫ذون ََها { ‪ :‬هي جميع‬ ‫خ ُ‬ ‫م ك َِثيَرةً ت َأ ُ‬ ‫مَغان ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫قال مجاهد في قوله ‪ } :‬وَعَد َك ُ ُ‬
‫م هَذِهِ { يعني ‪ :‬فتح خيبر‪.‬‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫المغانم إلى اليوم ‪ } ،‬فَعَ ّ‬
‫م هَذِهِ { يعني ‪ :‬صلح الحديبية‪.‬‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫وروى العوفي عن ابن عباس ‪ } :‬فَعَ ّ‬
‫} وك َ ّ َ‬
‫م { أي ‪ :‬لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه‬ ‫س عَن ْك ُ ْ‬ ‫ف أي ْدِيَ الّنا ِ‬ ‫َ‬
‫لكم من المحاربة والقتال‪ .‬وكذلك كف أيدي الناس ]عنكم[ )‪ (1‬الذين‬
‫ن{‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬‫ن آي َ ً‬‫كو َ‬ ‫خلفتموهم وراء أظهركم عن عيالكم وحريمكم ‪ } ،‬وَل ِت َ ُ‬
‫أي ‪ :‬يعتبرون بذلك ‪ ،‬فإن الله حافظهم وناصرهم على سائر العداء ‪ ،‬مع قلة‬
‫عددهم ‪ ،‬وليعلموا بصنيع الله هذا بهم أنه العليم بعواقب المور ‪ ،‬وأن الخيرة‬
‫سى‬ ‫فيما يختاره لعباده المؤمنين وإن كرهوه في الظاهر ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَعَ َ‬
‫َ‬
‫م { ]البقرة ‪.[216 :‬‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫شي ًْئا وَهُوَ َ‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫ما { أي ‪ :‬بسبب انقيادكم لمره واتباعكم طاعته ‪،‬‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫صَرا ً‬ ‫م ِ‬ ‫} وَي َهْدِي َك ُ ْ‬
‫وموافقتكم رسوله )‪.(2‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ُ ْ‬
‫يءٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَلى ك ّ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ه ب َِها وَكا َ‬ ‫حاط الل ُ‬ ‫قدُِروا عَلي َْها قَد ْ أ َ‬ ‫م تَ ْ‬‫خَرى ل َ ْ‬
‫ديًرا { أي ‪ :‬وغنيمة أخرى وفتحا آخر معينا لم تكونوا تقدرون عليها ‪ ،‬قد‬ ‫قَ ِ‬
‫سرها الله عليكم ‪ ،‬وأحاط بها لكم ‪ ،‬فإنه تعالى يرزق عباده المتقين له من‬ ‫يَ ّ‬
‫حيث ل يحتسبون‪.‬‬
‫وفي عن‬ ‫َ ْ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫فقال‬ ‫؟‬ ‫بها‬ ‫المراد‬ ‫ما‬ ‫‪،‬‬ ‫الغنيمة‬ ‫هذه‬ ‫في‬ ‫المفسرون‬ ‫وقد اختلف‬
‫م هَذِهِ {‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ابن عباس ‪ :‬هي خيبر‪ .‬وهذا على قوله في قوله تعالى ‪ } :‬فَعَ ّ‬
‫إنها صلح الحديبية‪ .‬وقاله الضحاك ‪ ،‬وابن إسحاق ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هي مكة‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال ابن أبي ليلى ‪ ،‬والحسن البصري ‪ :‬هي فارس والروم‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن سماك الحنفي ‪ ،‬عن ابن‬
‫َ‬ ‫عباس ‪ } :‬وَأ ُ ْ‬
‫ه ب َِها { قال ‪ :‬هذه الفتوح التي‬ ‫ط الل ّ ُ‬ ‫حا َ‬ ‫قدُِروا عَل َي َْها قَد ْ أ َ‬ ‫م تَ ْ‬‫خَرى ل َ ْ‬
‫تفتح إلى اليوم )‪.(3‬‬
‫صيًرا {‬ ‫ن وَل ِّيا َول ن َ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫م ل يَ ِ‬ ‫وا الد َْباَر ث ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫فُروا لوَل ُ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َوْ َقات َل َك ُ‬
‫ُ‬
‫يقول تعالى مبشرا لعباده المؤمنين ‪ :‬بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله‬
‫رسوله وعباده المؤمنين عليهم ‪ ،‬ولنهزم جيش الكفار )‪ (4‬فارا مدبرا ل‬
‫يجدون وليا ول نصيرا ؛ لنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه )‪ (5‬المؤمنين‪.‬‬
‫ديل { أي ‪:‬‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ل وَل َ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ة الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫ثم قال ‪ُ } :‬‬
‫هذه سنة الله وعادته في خلقه ‪ ،‬ما تقابل الكفر واليمان في موطن فيصل‬
‫إلى نصر الله اليمان على الكفر ‪ ،‬فرفع الحق ووضع الباطل ‪ ،‬كما فعل‬
‫تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين ‪ ،‬مع قلة‬
‫ددهم ‪ ،‬وكثرة المشركين وعددهم )‪.(6‬‬ ‫عدد المسلمين وعُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬لرسوله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬الكفر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ولعباده"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬ومددهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/341‬‬

‫َ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وهُو ال ّذي ك َ ّ َ‬


‫ن‬
‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ب ِب َط ِ‬ ‫م عَن ْهُ ْ‬ ‫م وَأي ْدِي َك ُ ْ‬ ‫م عَن ْك ُ ْ‬ ‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ‬
‫صيًرا { ‪ :‬هذا امتنان من الله على‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫م وَكا َ‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬
‫فَرك ُ ْ‬ ‫أ َظ ْ َ‬
‫عباده المؤمنين حين كف أيدي المشركين عنهم ‪ ،‬فلم يصل )‪ (1‬إليهم منهم‬
‫ف أيدي المؤمنين من المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام‬ ‫سوء ‪ ،‬وك ّ‬
‫‪ ،‬بل صان كل من الفريقين ‪ ،‬وأوجد بينهم صلحا فيه خي ََرة ٌ للمؤمنين ‪ ،‬وعاقبة‬
‫لهم في الدنيا والخرة‪ .‬وقد تقدم في حديث سلمة بن الكوع حين جاءوا‬
‫بأولئك السبعين السارى فأوثقوهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فنظر إليهم وقال ‪" :‬أرسلوهم يكن لهم بدء الفجور وثَناه"‪ .‬قال ‪ :‬وفي‬
‫َ‬ ‫ذلك أنزل الله ‪ } :‬وهُو ال ّذي ك َ ّ َ‬
‫م { الية‪.‬‬ ‫م عَن ْهُ ْ‬ ‫م وَأي ْدِي َك ُ ْ‬ ‫م عَن ْك ُ ْ‬ ‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس‬
‫بن مالك قال ‪ :‬لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وأصحابه ثمانون رجل من أهل مكة في السلح ‪ ،‬من قبل جبل‬
‫التنعيم ‪ ،‬يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فدعا عليهم فأخذوا‬
‫‪ -‬قال عفان ‪ :‬فعفا عنهم ‪ -‬ونزلت هذه الية ‪ } :‬وهُو ال ّذي ك َ ّ َ‬
‫م عَن ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ‬
‫م{‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬ ‫فَرك ُ ْ‬ ‫ن أ َظ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫مك ّ َ‬‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫م ب ِب َط ِ‬ ‫م عَن ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫وَأي ْدِي َك ُ ْ‬
‫ورواه مسلم وأبو داود في سننه ‪ ،‬والترمذي والنسائي في التفسير من‬
‫سننيهما ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن حماد بن سلمة ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫وقال أحمد ‪ -‬أيضا ‪ : -‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬حدثنا الحسين بن واقد ‪ ،‬حدثنا‬
‫مَزِني قال ‪ :‬كنا مع رسول الله‬ ‫فل ال ُ‬ ‫مغَ ّ‬ ‫ثابت الب َُناني ‪ ،‬عن )‪ (3‬عبد الله بن ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن ‪،‬‬
‫وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه‬
‫ل بن عمرو بين يديه ‪ ،‬فقال رسول الله‬ ‫وسلم ‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ .‬وسه ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم لعلي ‪" :‬اكتب ‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم" ‪ ،‬فأخذ‬
‫سهل بيده وقال ‪ :‬ما نعرف الرحمن الرحيم‪ .‬اكتب في قضيتنا ما نعرف‪.‬‬
‫قال ‪" :‬اكتب باسمك اللهم" ‪ ،‬وكتب ‪" :‬هذا ما صالح عليه محمد رسول الله‬
‫أهل مكة"‪ .‬فأمسك سهل بن عمرو بيده وقال ‪ :‬لقد ظلمناك إن كنت‬
‫رسوله ‪ ،‬اكتب في قضيتنا ما نعرف‪ .‬فقال ‪" :‬اكتب هذا ما صالح عليه محمد‬
‫بن عبد الله"‪ .‬فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلثون شابا عليهم السلح ‪،‬‬
‫فثاروا في )‪ (4‬وجوهنا ‪ ،‬فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأخذ‬
‫الله بأسماعهم ‪ ،‬فقمنا إليهم فأخذناهم ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬هل جئتم في عهد أحد ؟ أو ‪ :‬هل )‪ (5‬جعل لكم أحد أمانا ؟"‬
‫فقالوا ‪ :‬ل‪ .‬فخلى سبيلهم ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬وهُو ال ّذي ك َ ّ َ‬
‫م‬‫م عَن ْك ُ ْ‬ ‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ‬
‫ن‬‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫م وَكا َ‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬ ‫فَرك ُ ْ‬ ‫ن أ َظ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫مك ّ َ‬‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫م ب ِب َط ِ‬ ‫م عَن ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫وَأي ْدِي َك ُ ْ‬
‫صيًرا {‪ .‬رواه النسائي من حديث حسين بن واقد ‪ ،‬به )‪.(6‬‬ ‫بَ ِ‬
‫مي ‪ ،‬حدثنا جعفر ‪ ،‬عن‬ ‫ق ّ‬
‫مْيد ‪ ،‬حدثنا يعقوب ال ُ‬
‫ح َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن ُ‬
‫ابن أب َْزى قال ‪ :‬لما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬تصل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (3/122‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1808‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (2688‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3264‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪.(11510‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وهل"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (4/86‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11511‬‬

‫) ‪(7/342‬‬

‫خرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة ‪ ،‬قال له‬
‫حْرب بغير سلح ول ك َُراع ؟ قال ‪:‬‬ ‫عمر ‪ :‬يا نبي الله ‪ ،‬تدخل على قوم لك َ‬
‫فبعث إلى المدينة ‪ ،‬فلم يدع فيها كراعا ول سلحا إل حمله ‪ ،‬فلما دنا من‬
‫مكة منعوه أن يدخل ‪ ،‬فسار حتى أتى منى ‪ ،‬فنزل بمنى ‪ ،‬فأتاه عينه أن‬
‫عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة ‪ ،‬فقال لخالد بن الوليد ‪:‬‬
‫"يا خالد ‪ ،‬هذا ابن عمك أتاك في الخيل )‪ ، (1‬فقال خالد ‪ :‬أنا سيف الله ‪،‬‬
‫وسيف رسوله ‪ -‬فيومئذ سمي سيف الله ‪ -‬يا رسول الله ‪ ،‬ارم بي أين شئت‪.‬‬
‫فبعثه على خيل ‪ ،‬فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ‪،‬‬
‫ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ‪ ،‬ثم عاد في الثالثة فهزمه‬
‫َ‬ ‫حتى أدخله حيطان مكة ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬وهُو ال ّذي ك َ ّ َ‬
‫م وَأي ْدِي َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م عَن ْك ُ ْ‬‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ‬
‫َ‬ ‫ن أ َظ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ما {‪.‬‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫م [ { )‪ (2‬إلى ‪ } :‬عَ َ‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬
‫فَرك ُ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬
‫م ْ‬ ‫مك ّ َ‬
‫ة] ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫م ب ِب َط ِ‬
‫عَن ْهُ ْ‬
‫قال ‪ :‬فكف الله النبي عنهم من بعد أن أظفره )‪ (3‬عليهم لبقايا من‬
‫المسلمين كانوا بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل )‪.(4‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم عن ابن أبزى بنحوه‪ .‬وهذا السياق فيه نظر ؛ فإنه ل‬
‫يجوز أن يكون عام الحديبية ؛ لن خالدا لم يكن أسلم ؛ بل قد كان طليعة‬
‫المشركين )‪ (5‬يومئذ ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح‪ .‬ول يجوز أن يكون في عمرة‬
‫القضاء ‪ ،‬لنهم قاضوه على أن يأتي من العام المقبل )‪ (6‬فيعتمر ويقيم بمكة‬
‫ثلثة أيام ‪ ،‬فلما قدم لم يمانعوه ‪ ،‬ول حاربوه ول قاتلوه‪ .‬فإن قيل ‪ :‬فيكون‬
‫يوم الفتح ؟ فالجواب ‪ :‬ول يجوز أن يكون يوم الفتح ؛ لنه لم يسق عام الفتح‬
‫مَرم ‪ ،‬فهذا السياق فيه خلل ‪ ،‬قد‬ ‫هدًيا ‪ ،‬وإنما جاء محاربا مقاتل في جيش عََر ْ‬ ‫َ‬
‫وقع فيه شيء فليتأمل ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني من ل أتهم ‪ ،‬عن عكرمة مولى ابن عباس ‪ :‬أن‬
‫قريشا بعثوا أربعين رجل منهم أو خمسين ‪ ،‬وأمروهم أن يطيفوا بعسكر‬
‫ذا ‪،‬‬ ‫ذوا أخ ً‬ ‫دا ‪ ،‬فُأخ ُ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا من أصحابه أح ً‬
‫فُأتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فعفا عنهم وخلى سبيلهم ‪ ،‬وقد‬
‫كانوا رموا إلى )‪ (7‬عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم )‪ (8‬بالحجارة‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫والنبل‪ .‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وفي ذلك أنزل الله ‪ } :‬وهُو ال ّذي ك َ ّ َ‬
‫م عَن ْك ْ‬ ‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ‬
‫َ‬
‫م { الية )‪.(9‬‬ ‫وَأي ْدِي َك ُ ْ‬
‫م عَن ْهُ ْ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن رجل يقال له ‪" :‬ابن ُزن َْيم" اطلع على الثنية من‬
‫الحديبية ‪ ،‬فرماه المشركون بسهم فقتلوه ‪ ،‬فبعث رسول الله صلى الله‬
‫سا من الكفار ‪ ،‬فقال لهم ‪" :‬هل لكم‬ ‫عليه وسلم خيل فأتوه باثني عشر فار ً‬
‫علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬ل‪ .‬فأرسلهم ‪ ،‬وأنزل الله في ذلك ‪:‬‬
‫َ‬ ‫} وهُو ال ّذي ك َ ّ َ‬
‫م { الية‪.‬‬ ‫م عَن ْهُ ْ‬‫م وَأي ْدِي َك ُ ْ‬‫م عَن ْك ُ ْ‬
‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الجبل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬أظفركم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(26/59‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬للمشركين"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬قابل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬عسكر المسلمين"‪.‬‬
‫)‪ (9‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(26/59‬‬

‫) ‪(7/343‬‬

‫َ‬
‫حل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َب ْل ُغَ َ‬ ‫كوًفا أ ْ‬ ‫معْ ُ‬ ‫حَرام ِ َوال ْهَد ْيَ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫دوك ُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫فُروا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫هُ ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫من ْهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صيب َك ُ ْ‬ ‫م فَت ُ ِ‬ ‫ن ت َط َُئوهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ت لَ ْ‬ ‫مَنا ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ساٌء ُ‬ ‫ن وَن ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫جا ٌ‬ ‫وَل َوَْل رِ َ‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شاُء لوْ ت ََزي ّلوا لعَذ ّب َْنا ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مت ِهِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ِفي َر ْ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫خ َ‬ ‫علم ٍ ل ِي ُد ْ ِ‬‫ْ‬ ‫معَّرةٌ ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاهِل ِي ّةِ‬ ‫ة ال َ‬ ‫مي ّ َ‬‫ح ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مي ّ َ‬‫ح ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ه‬
‫ِِ ُ‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪25‬‬ ‫)‬ ‫ما‬‫ً‬ ‫لي‬‫ِ‬ ‫أ‬ ‫با‬‫ً‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِ ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬
‫وى وَكاُنوا‬ ‫ق َ‬‫ة الت ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫م كل ِ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن وَألَز َ‬ ‫مِني َ‬‫مؤْ ِ‬ ‫ْ‬
‫سول ِهِ وَعَلى ال ُ‬‫َ‬ ‫ه عَلى َر ُ‬ ‫َ‬ ‫كين َت َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫فَأ َن َْز َ‬
‫ما )‪(26‬‬ ‫يٍء عَِلي ً‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫حقّ ب َِها وَأ َهْل ََها وَ َ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬

‫ن ي َب ْل ُغَ‬ ‫َ‬
‫كوًفا أ ْ‬ ‫معْ ُ‬ ‫حَرام ِ َوال ْهَد ْيَ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫دوك ُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫فُروا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫} هُ ُ‬
‫َ‬
‫صيب َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م فَت ُ ِ‬ ‫ن ت َط َُئوهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ت لَ ْ‬ ‫مَنا ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ساٌء ُ‬ ‫ن وَن ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ول رِ َ‬ ‫ه وَل َ ْ‬ ‫حل ّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ب‬
‫َ ْ‬‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫ْ َ ّ‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫َ‬
‫شا‬ ‫ي‬
‫َ ْ َ‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ح‬
‫َ ْ َ‬ ‫ر‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫د‬
‫ٍ ُ ْ‬‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ب‬
‫ِ ُ ْ َ َ ّ ِ ْ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫كَ َ‬
‫ة‬
‫مي ّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫فُروا ِفي قُلوب ِهِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ما )‪ (25‬إ ِذ ْ َ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫فُروا ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫م َ‬ ‫م ك َل ِ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ن وَألَز َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬‫سول ِهِ وَعَلى ال ُ‬ ‫ه عَلى َر ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ فَأنز َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ما )‪{ (26‬‬ ‫يٍء عَِلي ً‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫حقّ ب َِها وَأ َهْل ََها وَ َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا أ َ‬ ‫وى وَ َ‬ ‫ق َ‬‫الت ّ ْ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن الكفار من مشركي العرب من قريش ومن مالهم )‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫‪ (1‬على نصرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬هُ ُ‬
‫حَرام ِ {‬ ‫ْ‬
‫جدِ ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دوك ُ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫فُروا { أي ‪ :‬هم الكفار دون غيرهم ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن ي َب ْل ُ َ‬
‫غ‬ ‫كوًفا أ ْ‬ ‫معْ ُ‬ ‫أي ‪ :‬وأنتم أحق به ‪ ،‬وأنتم أهله في نفس المر ‪َ } ،‬وال ْهَد ْيَ َ‬
‫ه { أي ‪ :‬وصدوا الهدي أن يصل )‪ (2‬إلى محله ‪ ،‬وهذا من بغيهم وعنادهم‬ ‫حل ّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬وكان الهديُ سبعين بدنة ‪ ،‬كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫ت { أي ‪ :‬بين أظهرهم ممن‬ ‫مَنا ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ساٌء ُ‬ ‫ن وَن ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ول رِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫سّلطناكم‬ ‫يكتم إيمانه ويخفيه منهم خيفة على أنفسهم من قومهم ‪ ،‬لكنا َ‬
‫عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم ‪ ،‬ولكن بين أفنائهم من المؤمنين‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫والمؤمنات أقوام ل تعرفونهم حالة )‪ (3‬القتل ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫ه ِفي‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫خ َ‬ ‫عل ْم ٍ ل ِي ُد ْ ِ‬ ‫معَّرةٌ { أي ‪ :‬إثم وغرامة } ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صيب َك ُ ْ‬ ‫م فَت ُ ِ‬ ‫ت َط َُئوهُ ْ‬
‫شاُء { أي ‪ :‬يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين ‪،‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مت ِهِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫وليرجع كثير منهم إلى السلم‪.‬‬
‫ثم قال ‪ } :‬ل َوْ ت ََزي ُّلوا { أي ‪ :‬لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم‬
‫َ‬
‫ما { أي ‪ :‬لسلطناكم عليهم فلقتلتموهم‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬‫م عَ َ‬‫من ْهُ ْ‬‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫} ل َعَذ ّب َْنا ال ّ ِ‬
‫قتل ذريعا‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أبو الّزْنباع ‪ -‬روح بن الفرج ‪ -‬حدثنا‬
‫عبد الرحمن بن أبي عباد المكي ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله )‪ (4‬أبو‬
‫جر بن خلف ‪ :‬سمعت عبد الله بن عوف )‬ ‫ح ْ‬‫سعيد ‪ -‬مولى بني هاشم ‪ -‬حدثنا ُ‬
‫‪ (5‬يقول )‪ : (6‬سمعت )‪ (7‬جنيد بن سبع يقول )‪ : (8‬قاتلت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أول النهار كافرا ‪ ،‬وقاتلت معه آخر النهار مسلما ‪ ،‬وفينا‬
‫ت { قال ‪ :‬كنا تسعة نفر ‪ :‬سبعة‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مَنا ٌ‬ ‫ساٌء ُ‬‫ن وَن ِ َ‬‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ل ُ‬‫جا ٌ‬‫ول رِ َ‬ ‫نزلت ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫رجال وامرأتين )‪.(9‬‬
‫ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن عباد المكي به ‪ ،‬وقال فيه ‪ :‬عن أبي‬
‫جمعة جنيد بن سبيع ‪ ،‬فذكره )‪ (10‬والصواب أبو جعفر ‪ :‬حبيب بن سباع‪.‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم من حديث حجر بن خلف )‪، (11‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول هم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يبلغ"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬حال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عبيد الله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬روى الحافظ الطبراني بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المعجم الكبير )‪.(2/290‬‬
‫)‪ (10‬المعجم الكبير )‪.(4/24‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬حنيف"‪.‬‬

‫) ‪(7/344‬‬

‫جا ٌ‬
‫ل‬ ‫ول رِ َ‬‫به‪ .‬وقال ‪ :‬كنا ثلثة )‪ (1‬رجال وتسع نسوة ‪ ،‬وفينا نزلت ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫ت {‪.‬‬ ‫مَنا ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ساٌء ُ‬ ‫ن وَن ِ َ‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ُ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن إسماعيل‬
‫البخاري ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة ‪ ،‬عن أبي حمزة )‪ ، (2‬عن عطاء‬
‫فُروا‬‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫عن سعيد بن جبير )‪ ، (3‬عن ابن عباس ‪ } :‬ل َوْ ت ََزي ُّلوا ل َعَذ ّب َْنا ال ّ ِ‬
‫ما { يقول ‪ :‬لو تزيل الكفار من المؤمنين ‪ ،‬لعذبهم الله عذابا‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫أليما بقتلهم إياهم‪.‬‬
‫جاهِل ِي ّةِ { ‪ ،‬وذلك‬ ‫ْ‬
‫ة ال َ‬ ‫مي ّ َ‬‫ح ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مي ّ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ُ‬
‫فُروا ِفي قُلوب ِهِ ُ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ال ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِذ ْ َ‬
‫حين أبوا أن يكتبوا "بسم الله الرحمن الرحيم" ‪ ،‬وأبوا أن يكتبوا ‪" :‬هذا ما‬
‫سول ِهِ وَعََلى‬‫ه عََلى َر ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫قاضى عليه محمد رسول الله" ‪ } ،‬فََأنز َ‬
‫َ‬
‫وى { ‪ ،‬وهي قول ‪" :‬ل إله إل الله" ‪ ،‬كما قال‬ ‫ق َ‬
‫ة الت ّ ْ‬ ‫م ك َل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ن وَأل َْز َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ابن جرير ‪ ،‬وعبد الله ابن المام أحمد ‪ :‬حدثنا الحسن بن قزعة أبو علي‬
‫البصري ‪ ،‬حدثنا سفيان بن حبيب ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن ثوير )‪ ، (4‬عن أبيه عن‬
‫الطفيل ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن أبي بن كعب )‪] (5‬رضي الله عنه[ )‪ - (6‬عن أبيه ]أنه[ )‬
‫َ‬
‫وى {‬ ‫ق َ‬ ‫ة الت ّ ْ‬ ‫م َ‬‫م ك َل ِ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫‪ (7‬سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ } :‬وَأل َْز َ‬
‫قال ‪" :‬ل إله إل الله"‪.‬‬
‫وكذا رواه الترمذي عن الحسن بن قزعة ‪ ،‬وقال ‪ :‬غريب ل نعرفه إل من‬
‫عة عنه فلم يعرفه إل من هذا الوجه )‪.(8‬‬ ‫حديثه ‪ ،‬وسألت أبا ُزْر َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن‬
‫صالح ‪ ،‬حدثني الليث ‪ ،‬حدثني عبد الرحمن بن خالد ‪ ،‬عن ابن شهاب )‪، (9‬‬
‫عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬أن أبا هريرة أخبره ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ‪ :‬ل إله إل الله ‪ ،‬فمن قال ‪:‬‬
‫ل إله إل الله ‪ ،‬فقد عصم مني ماله ونفسه إل بحقه ‪ ،‬وحسابه على الله" ‪،‬‬
‫ه ِإل‬ ‫م ل إ ِل َ َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫كاُنوا إ َِذا ِقي َ‬ ‫وأنزل الله في كتابه ‪ ،‬وذكر قوما فقال ‪ } :‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫م كل ِ َ‬ ‫مهُ ْ‬‫ن { ]الصافات ‪ ، [35 :‬وقال الله جل ثناؤه ‪ } :‬وَألَز َ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬
‫حقّ ب َِها وَأهْل ََها { وهي ‪" :‬ل إله إل الله ‪ ،‬محمد رسول الله" ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وى وَ َ‬
‫كاُنوا أ َ‬ ‫ق َ‬‫الت ّ ْ‬
‫فاستكبروا عنها واستكبر عنها المشركون )‪ (10‬يوم الحديبية ‪ ،‬وكاتبهم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم على قضية المدة‪..‬‬
‫وكذا رواه بهذه الزيادات ابن جرير من حديث الزهري )‪ ، (11‬والظاهر أنها‬
‫مدرجة من كلم الزهري ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وى { ‪ :‬الخلص‪ .‬وقال عطاء بن أبي رباح ‪ :‬هي ل‬ ‫ق َ‬
‫ة الت ّ ْ‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬ك َل ِ َ‬
‫م َ‬
‫إله إل الله وحده ل شريك ‪ ،‬له له الملك وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء‬
‫قدير‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ثلث"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬عن أبي هريرة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ثور"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬كما روى ابن جرير بسنده عن أبي بن كعب"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪ (26/66‬وزوائد عبد الله على المسند )‪ (5/138‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪.(3265‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬وروى بن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬قريش"‪.‬‬
‫)‪ (11‬تفسير الطبري )‪.(26/66‬‬

‫) ‪(7/345‬‬

‫وقال يونس بن بكير ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن‬
‫َ‬
‫وى { قال ‪ :‬ل إله إل الله ‪ ،‬وحده ل شريك له‪.‬‬ ‫ق َ‬
‫ة الت ّ ْ‬ ‫م ك َل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫المسور ‪ } :‬وَأل َْز َ‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن سلمة بن كهيل ‪ ،‬عن عََباية بن رِب ِْعي ‪ ،‬عن علي ‪:‬‬
‫َ‬
‫وى { قال ‪ :‬ل إله إل الله ‪ ،‬والله أكبر‪ .‬وكذا قال ابن‬ ‫ق َ‬‫ة الت ّ ْ‬‫م َ‬‫م ك َل ِ َ‬ ‫} وَأل َْز َ‬
‫مهُ ْ‬
‫عمر ‪ ،‬رضي الله عنهما‪.‬‬
‫وى {‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق َ‬
‫ة الت ّ ْ‬
‫م َ‬
‫م كل ِ َ‬‫مهُ ْ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ } :‬وَألَز َ‬
‫قال ‪ :‬يقول ‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله ‪ ،‬وهي رأس كل تقوى‪.‬‬
‫َ‬
‫وى { قال ‪ :‬ل إله إل الله والجهاد‬ ‫ق َ‬
‫ة الت ّ ْ‬ ‫م ك َل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫وقال سعيد بن جبير ‪ } :‬وَأل َْز َ‬
‫في سبيله‪.‬‬
‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬هي ‪ :‬ل إله إل الله ‪ ،‬محمد رسول الله‪.‬‬
‫َ‬
‫وى‬ ‫ق َ‬
‫ة الت ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫م كل ِ َ‬ ‫مهُ ْ‬‫مر عن الزهري ‪ } :‬وَأل َْز َ‬ ‫معْ َ‬‫وقال عبد الله بن المبارك ‪ ،‬عن َ‬
‫{ قال ‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫َ‬
‫وى { قال ‪ :‬ل إله إل الله‪.‬‬ ‫ق َ‬
‫ة الت ّ ْ‬ ‫م ك َل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫مهُ ْ‬‫وقال قتادة ‪ } :‬وَأل َْز َ‬
‫حقّ ب َِها وَأ َهْل ََها { ‪ :‬كان المسلمون أحق بها ‪ ،‬وكانوا أهلها‪.‬‬ ‫َ‬
‫كاُنوا أ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ما { أي ‪ :‬هو عليم بمن يستحق الخير من يستحق‬ ‫يٍء عَِلي ً‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫كا َ‬ ‫} وَ َ‬
‫الشر‪.‬‬
‫وقد قال النسائي ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعيد ‪ ،‬حدثنا شبابة بن سوار ‪ ،‬عن أبي‬
‫رزين ‪ ،‬عن عبد الله بن العلء بن زبر ‪ ،‬عن بسر بن عبيد الله ‪ ،‬عن أبي‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫فُروا ِفي قُلوب ِهِ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جعَ َ‬‫إدريس ‪ ،‬عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ ‪ } :‬إ ِذ ْ َ‬
‫جاهِل ِي ّةِ { ]الفتح ‪ ، [26 :‬ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫مي ّ َ‬ ‫ح ِ‬‫ة َ‬‫مي ّ َ‬‫ح ِ‬‫ال ْ َ‬
‫الحرام‪ .‬فبلغ ذلك عمر فأغلظ له ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنك لتعلم أني كنت أدخل على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمني مما علمه الله‪ .‬فقال عمر ‪ :‬بل‬
‫أنت رجل عندك علم وقرآن ‪ ،‬فاقرأ وعلم مما علمك الله ورسوله )‪.(1‬‬
‫وهذا ذكر الحاديث الواردة في قصة الحديبية وقصة الصلح ‪:‬‬
‫سار ‪،‬‬ ‫َ َ‬ ‫ي‬ ‫بن‬ ‫إسحاق‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا محمد بن‬
‫عن الزهري ‪ ،‬عن عُْرَوة بن الزبير ‪ ،‬عن المسور بن مخرمة ومروان بن‬
‫الحكم قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة‬
‫البيت ‪ ،‬ل يريد قتال وساق معه الهدي سبعين بدنة ‪ ،‬وكان الناس سبعمائة‬
‫رجل ‪ ،‬فكانت كل بدنة عن عشرة ‪ ،‬وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي )‪ ، (2‬فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجت معها الُعوذ المطافيل ‪ ،‬قد‬
‫دا ‪ ،‬وهذا خالد بن‬ ‫لبست جلود النمور ‪ ،‬يعاهدون الله أل تدخلها عليهم عنوة أب ً‬
‫الوليد في خيلهم قد قدموه إلى كراع الغميم ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬يا ويح قريش! قد أكلتهم الحرب ‪ ،‬ماذا عليهم لو خلوا بيني‬
‫وبين سائر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11505‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬بشر بن كعب الكلبي"‪.‬‬

‫) ‪(7/346‬‬

‫الناس ؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا ‪ ،‬وإن أظهرني الله ]عليهم[ )‪(1‬‬
‫دخلوا في السلم وهم وافرون ‪ ،‬وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ‪ ،‬فماذا تظن‬
‫قريش ؟ فوالله ل أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهرني الله‬
‫أو تنفرد هذه السالفة"‪ .‬ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري‬
‫الحمض على طريق تخرجه )‪ (2‬على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فسلك بالجيش تلك الطريق ‪ ،‬فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد‬
‫خالفوا عن طريقهم ‪ ،‬ركضوا راجعين إلى قريش ‪ ،‬فخرج رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬حتى إذا سلك ثنية المرار ‪ ،‬بركت ناقته ‪ ،‬فقال الناس ‪:‬‬
‫خلت‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما خلت ‪ ،‬وما ذلك )‪ (3‬لها‬
‫بخلق ‪ ،‬ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ‪ ،‬والله ل تدعوني قريش اليوم‬
‫إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم ‪ ،‬إل أعطيتهم إياها" ]ثم[ )‪ (4‬قال للناس‬
‫‪" :‬انزلوا"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس‪.‬‬
‫ما من كنانته فأعطاه رجل من‬ ‫فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سه ً‬
‫أصحابه ‪ ،‬فنزل في قليب من تلك القلب ‪ ،‬فغرزه فيه فجاش بالماء حتى‬
‫ضرب الناس عنه بعطن‪ .‬فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إذا‬
‫ديل بن ورقاء في رجال من خزاعة ‪ ،‬فقال لهم كقوله لبشر بن سفيان ‪،‬‬ ‫بُ َ‬
‫فرجعوا إلى قريش فقالوا ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬إنكم تعجلون على محمد ‪ ،‬وإن‬
‫ما لحقه ‪ ،‬فاتهموهم‪.‬‬ ‫دا لم يأت لقتال ‪ ،‬إنما جاء زائًرا لهذا البيت معظ ً‬ ‫محم ً‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬قال الزهري ‪] :‬و[ )‪ (5‬كانت خزاعة في عَي َْبة رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم مشركها ومسلمها ‪ ،‬ل يخفون على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم شيًئا كان بمكة ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬وإن كان إنما جاء لذلك‬
‫ْ‬
‫مكَرز‬ ‫دا علينا عَْنوة ‪ ،‬ول يتحدث بذلك العرب‪ .‬ثم بعثوا إليه ِ‬ ‫فوالله ل يدخلها أب ً‬
‫بن حفص ‪ ،‬أحد بني عامر بن لؤي ‪ ،‬فلما رآه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬هذا رجل غادر"‪ .‬فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ما ك َّلم به أصحابه ‪ ،‬ثم‬
‫رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ )‪(6‬‬
‫؛ فبعثوا إليه الحليس بن علقمة الكناني ‪ ،‬وهو يومئذ سيد الحابيش ‪ ،‬فلما رآه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬هذا من قوم يتألهون ‪ ،‬فابعثوا‬
‫دي" في وجهه ‪ ،‬فبعثوا الهدي ‪ ،‬فلما رأى الهدي يسيل عليه من عُْرض‬ ‫الهَ ْ‬
‫الوادي في قلئده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله ‪ ،‬رجع ولم يصل‬
‫ما لما رأى )‪ ، (7‬فقال ‪ :‬يا معشر‬ ‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظا ً‬
‫صده ‪ ،‬الهدي في قلئده قد أكل أوتاره من طول‬ ‫قريش ‪ ،‬قد رأيت ما ل يحل َ‬
‫الحبس عن محله‪ .‬قالوا ‪ :‬اجلس ‪ ،‬إنما أنت أعرابي ل علم لك‪ .‬فبعثوا إليه‬
‫عروة بن مسعود الثقفي ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬إن قد رأيت ما يلقى‬
‫منكم من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم ‪ ،‬من التعنيف وسوء اللفظ ‪ ،‬وقد‬
‫عرفتم أنكم والد وأنا ولد ‪ ،‬وقد سمعت بالذي نابكم ‪ ،‬فجمعت من أطاعني‬
‫من قومي ‪ ،‬ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي‪ .‬قالوا ‪ :‬صدقت ما أنت عندنا‬
‫بمتهم‪ .‬فخرج )‪ (8‬حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس بين‬
‫يديه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد جمعت أوباش الناس ‪ ،‬ثم جئت بهم لبيضتك لتفضها ‪،‬‬
‫إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل ‪ ،‬قد لبسوا جلود النمور ‪،‬‬
‫يعاهدون الله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يحرصه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وما ذاك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فلما رجع إلى أصحابه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬ثم خرج"‪.‬‬

‫) ‪(7/347‬‬
‫أل تدخلها عليهم عنوة أبدا ‪ ،‬وايم الله لكأني بهؤلء قد انكشفوا عنك غدا‪ .‬قال‬
‫‪ :‬وأبو بكر قاعد خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬امصص بظر‬
‫اللت! أنحن ننكشف عنه ؟! قال ‪ :‬من هذا يا محمد ؟ قال ‪" :‬هذا ابن أبي‬
‫قحافة"‪ .‬قال ‪ :‬أما والله لول يد كانت لك عندي لكافأتك بها ‪ ،‬ولكن هذه بها‪.‬‬
‫ثم تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والمغيرة بن شعبة واقف‬
‫على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد )‪ ، (1‬قال ‪ :‬فقرع‬
‫يده‪ .‬ثم قال ‪ :‬أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ‪-‬‬
‫والله ‪ -‬ل تصل إليك‪ .‬قال ‪ :‬ويحك! ما أفظعك وأغلظك! فتبسم رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬من هذا يا محمد ؟ قال صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة"‪ .‬قال ‪ :‬أغدر ‪ ،‬وهل غسلت سوأتك إل‬
‫بالمس ؟! قال فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما كلم به‬
‫أصحابه ‪ ،‬وأخبره أنه لم يأت يريد حربا‪ .‬قال ‪ :‬فقام من عند رسول الله‬
‫]صلى الله عليه وسلم[ )‪ (2‬وقد رأى ما يصنع به أصحابه ‪ ،‬ل يتوضأ وضوءا إل‬
‫ابتدروه ‪ ،‬ول يبصق بصاقا إل ابتدروه ‪ ،‬ول يسقط من شعره شيء إل أخذوه‪.‬‬
‫فرجع إلى قريش فقال ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬إنى جئت كسرى في ملكه ‪،‬‬
‫ملكا قط مثل محمد في‬ ‫وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما ‪ ،‬والله ما رأيت َ‬
‫أصحابه ‪ ،‬ولقد رأيت قوما ل يسلمونه لشيء أبدا ‪ ،‬فروا رأيكم‪ .‬قال ‪ :‬وقد‬
‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قد بعث خراش بن أمية‬
‫الخزاعي إلى مكة ‪ ،‬وحمله على جمل له يقال له ‪" :‬الثعلب" فلما دخل مكة‬
‫عقرت )‪ (3‬به قريش ‪ ،‬وأرادوا قتل خراش ‪ ،‬فمنعتهم الحابيش ‪ ،‬حتى أتى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فدعا عمر ليبعثه إلى مكة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬إنى أخاف قريشا على نفسي ‪ ،‬وليس بها من بني عدي أحد‬
‫يمنعني ‪ ،‬وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ‪ ،‬ولكن أدلك على‬
‫رجل هو أعز مني ‪ :‬عثمان بن عفان‪ .‬قال ‪ :‬فدعاه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب أحد ‪ ،‬وإنما جاء زائرا‬
‫لهذا البيت ‪ ،‬معظما لحرمته‪ .‬فخرج عثمان حتى أتى مكة ‪ ،‬فلقيه أبان بن‬
‫سعيد بن العاص ‪ ،‬فنزل عن دابته وحمله بين يديه وردف خلفه ‪ ،‬وأجاره حتى‬
‫بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فانطلق عثمان حتى أتى أبا‬
‫سفيان وعظماء قريش ‪ ،‬فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما‬
‫أرسله به ‪ ،‬فقالوا لعثمان ‪ :‬إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما‬
‫كنت لفعل حتى يطوف به رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ )‪ (4‬قال ‪:‬‬
‫واحتبسته قريش عندها ‪ ،‬قال ‪ :‬وبلغ رسول الله أن عثمان قد قتل‪.‬‬
‫شا بعثوا سهل بن عمرو ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ائت‬ ‫قال محمد ‪ :‬فحدثني الزهري ‪ :‬أن قري ً‬
‫دا فصالحه ول يكون في صلحه إل أن يرجع عنا عامه هذا ‪ ،‬فوالله ل‬ ‫محم ً‬
‫دا‪ .‬فأتاه سهل بن عمرو فلما رآه رسول‬ ‫تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أب ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا‬
‫الرجل"‪ .‬فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلما وأطال الكلم‬
‫‪ ،‬وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح ‪ ،‬فلما التأم المر ولم يبق إل الكتاب ‪ ،‬وثب‬
‫عمر بن الخطاب فأت أبا بكر فقال ‪ :‬يا أبا بكر ‪ ،‬أو ليس برسول الله ؟ أو‬
‫لسنا بالمسلمين ؟ أو ليسوا بالمشركين ؟ قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فعلم نعطي‬
‫الذلة في ديننا ؟ فقال أبو بكر ‪ :‬يا عمر ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬بالحدد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬عثرت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/348‬‬

‫الزم غرزه حيث كان ‪ ،‬فإني أشهد أنه رسول الله‪] .‬ثم[ )‪ (1‬قال عمر ‪ :‬وأنا‬
‫أشهد‪ .‬ثم أتى رسول الله فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا‬
‫بالمشركين ؟ قال ‪" :‬بلى" قال ‪ :‬فعلم نعطي الذلة في ديننا ؟ فقال ‪" :‬أنا‬
‫عبد الله ورسوله ‪ ،‬لن أخالف أمره ولن يضيعني"‪ .‬ثم قال عمر ‪ :‬ما زلت‬
‫أصوم وأصلي وأتصدق وأعتق من )‪ (2‬الذي صنعت مخافة كلمي الذي‬
‫تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا‪ .‬قال ‪ :‬ثم دعا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ]رضي الله عنه[ )‪ (3‬فقال ‪ :‬اكتب ‪:‬‬
‫"بسم الله الرحمن الرحيم"‪ .‬فقال سهل بن عمرو ‪ :‬ول أعرف هذا ‪ ،‬ولكن‬
‫اكتب ‪" :‬باسمك اللهم ‪ ،‬فقال رسول الله ‪" :‬اكتب باسمك اللهم‪ .‬هذا ما صلح‬
‫)‪ (4‬عليه محمد رسول الله ‪ ،‬سهل بن عمرو" ‪ ،‬فقال سهل بن عمرو ‪ :‬ولو‬
‫شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ‪ ،‬ولكن اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن‬
‫عبد الله ‪ ،‬وسهل بن عمرو ‪ ،‬على وضع الحرب عشر سنين ‪ ،‬يأمن فيها‬
‫الناس ‪ ،‬ويكف بعضهم عن بعض ‪ ،‬على أنه من أتى رسول الله )‪ (5‬من‬
‫أصحابه بغير إذن وليه ‪ ،‬رده عليهم ‪ ،‬ومن أتى قريشا ممن مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم )‪ (6‬لم يردوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة ‪ ،‬وأنه ل‬
‫أسلل ول أغلل ‪ ،‬وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب ‪ :‬أنه من أحب أن‬
‫يدخل في عقد محمد وعهده ‪ ،‬دخل فيه ‪ ،‬ومن أحب أن يدخل في عقد‬
‫قريش وعهدهم دخل فيه ‪ ،‬فتواثبت خزاعة فقالوا ‪ :‬نحن في عقد رسول الله‬
‫وعهده ‪ ،‬وتواثبت بنو بكر فقالوا ‪ :‬نحن في عقد قريش وعهدهم ‪ ،‬وأنك ترجع‬
‫عنا عامنا هذا فل تدخل علينا مكة ‪ ،‬وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك‬
‫فتدخلها بأصحابك ‪ ،‬وأقمت بها ثلًثا معك سلح الراكب ل تدخلها بغير‬
‫السيوف في القرب ‪ ،‬فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب ‪،‬‬
‫إذا جاءه أبو جندل بن سهل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم )‪ (7‬قال ‪ :‬وقد كان أصحاب رسول الله خرجوا وهم ل‬
‫يشكون في الفتح ‪ ،‬لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا ما‬
‫رأوا من الصلح والرجوع ‪ ،‬وما تحمل رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ )‪(8‬‬
‫على نفسه ‪ ،‬دخل الناس من ذلك أمر عظيم ‪ ،‬حتى كادوا أن يهلكوا‪ .‬فلما‬
‫جت )‪(9‬‬ ‫رأى سهل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬قد ل ّ‬
‫القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا‪ .‬قال ‪" :‬صدقت"‪ .‬فقام إليه فأخذ‬
‫بتلبيبه‪ .‬قال ‪ :‬وصرخ أبو جندل بأعلى صوته ‪ :‬يا معشر المسلمين ‪ ،‬أتردونني‬
‫إلى أهل الشرك فيفتنوني في ديني ؟ قال ‪ :‬فزاد الناس شرا إلى ما بهم ‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا أبا جندل ‪ ،‬اصبر واحتسب ‪ ،‬فإن‬
‫جا ‪ ،‬إنا قد عقدنا بيننا‬‫جا ومخر ً‬
‫الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فر ً‬
‫وبين القوم صلحا فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهدا )‪ ، (10‬وإنا لن‬
‫نغدر بهم"‪ .‬قال ‪ :‬فوثب إليه عمر بن الخطاب فجعل يمشي مع ]أبي[ )‪(11‬‬
‫جندل إلى جنبه وهو يقول ‪ :‬اصبر أبا جندل ‪ ،‬فإنما هم المشركون ‪ ،‬وإنما دم‬
‫أحدهم دم كلب ‪ ،‬قال ‪ :‬ويدني قائم السيف منه ‪ ،‬قال ‪ :‬يقول ‪ :‬رجوت أن‬
‫يأخذ السيف فيضرب به أباه قال ‪ :‬فضن الرجل بأبيه‪ .‬قال ‪ :‬ونفذت القضية ‪،‬‬
‫فلما فرغا من الكتاب ‪ ،‬وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في‬
‫الحرم ‪ ،‬وهو مضطرب في الحل ‪ ،‬قال ‪ :‬فقام رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬انحروا )‪ (12‬واحلقوا"‪ .‬قال ‪ :‬فما قام أحد‪ .‬قال‬
‫‪ :‬ثم عاد بمثلها ‪ ،‬فما قام رجل حتى عاد صلى الله عليه وسلم بمثلها ‪ ،‬فما‬
‫قام رجل‪.‬‬
‫فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة فقال ‪" :‬يا أم‬
‫سلمة ما شأن الناس ؟" قالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬قد دخلهم ما رأيت ‪ ،‬فل‬
‫ت ُك َّلمن )‪ (13‬منهم إنساًنا ‪ ،‬واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق ‪ ،‬فلو‬
‫قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك‪ .‬فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ل‬
‫دا حتى أتى هديه فنحره ‪ ،‬ثم جلس فحلق ‪ ،‬قال ‪ :‬فقام الناس‬ ‫يكلم أح ً‬
‫ينحرون ويحلقون‪ .‬قال ‪ :‬حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق‬
‫نزلت سورة الفتح‪.‬‬
‫َ‬
‫هكذا ساقه أحمد من هذا الوجه ‪ ،‬وهكذا رواه يونس بن ب ُكْير وزياد البكائي ‪،‬‬
‫عن ابن إسحاق ‪ ،‬بنحوه )‪ ، (14‬وفيه إغراب ‪ ،‬وقد رواه أيضا عن عبد‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به نحوه )‪ (15‬وخالفه في أشياء وقد رواه‬ ‫معْ َ‬
‫الرزاق ‪ ،‬عن َ‬
‫البخاري ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬في صحيحه ‪ ،‬فساقه سياقة )‪ (16‬حسنة مطولة‬
‫بزيادات جيدة ‪ ،‬فقال في كتاب الشروط )‪ (17‬من صحيحه ‪:‬‬
‫مر ‪ :‬أخبرني‬ ‫معْ َ‬
‫حدثنا عبد الله بن محمد ‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َ‬
‫الزهري ‪ :‬أخبرني عُْروة بن الزبير ‪ ،‬عن المسور بن مخرمة ومروان بن‬
‫الحكم ‪ ،‬يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه ‪ ،‬قال خرج رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه ‪ ،‬فلما أتى ذا‬
‫الحليفة قلد الهدي وأشعره ‪ ،‬وأحرم منها بعمرة وبعث عيًنا له من خزاعة ‪،‬‬
‫شا قد جمعوا لك‬ ‫وسار حتى إذا كان بغير الشطاط أتاه عينه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن قري ً‬
‫عا ‪ ،‬وقد جمعوا لك الحابيش وهم مقاتلوك وصادوك ومانعوك‪ .‬فقال ‪:‬‬ ‫جمو ً‬
‫ي ‪ ،‬أترون أن نميل عل عيالهم ‪ ،‬وذراري هؤلء الذين‬ ‫"أشيروا أيها الناس عل ّ‬
‫يريدون أن صدونا عن البيت ؟" وفي لفظ ‪" :‬أترون أن نميل على ذراري‬
‫هؤلء الذين أعانوهم‪ .‬فإن يأتونا كان الله قد قطع عُُنقا من المشركين وإل‬
‫تركناهم محزونين" ‪ ،‬وفي لفظ ‪" :‬فإن قعدوا قعدوا موتورين مجهودين‬
‫محُروبين وإن نجوا يكن عنقا قطعها الله ‪ ،‬أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا‬
‫عنه قاتلناه ؟"‪ .‬فقال أبو بكر ]رضي الله عنه[ )‪ : (18‬يا رسول الله خرجت‬
‫دا لهذا البيت ‪ ،‬ل نريد قتل أحد ول حرًبا ‪ ،‬فتوجه له ‪ ،‬فمن صدنا عنه‬ ‫عام ً‬
‫قاتلناه‪ .‬وفي لفظ ‪ :‬فقال أبو بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬الله ورسوله علم إنما‬
‫جئنا معتمرين ‪ ،‬ولم نجئ لقتال أحد ‪ ،‬ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه‪.‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬فروحوا إذن" ‪ ،‬وفي لفظ ‪" :‬فامضوا‬
‫على اسم الله"‪.‬‬
‫حتى إذا كانوا ببعض الطريق ‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن خالد بن‬
‫الوليد في خيل لقريش طليعة ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ما صالح"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬محمدا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تمت"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬عهدنا"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬انحروا في الحرم"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فل تكلمن"‪.‬‬
‫)‪ (14‬المسند )‪ (4/323‬والسيرة النبوية لبن هشام )‪.(2/316‬‬
‫)‪ (15‬رواه أحمد في مسنده )‪ (4/328‬من طريق عبد الرزاق به‪.‬‬
‫)‪ (16‬في م ‪" :‬بسياقات"‪.‬‬
‫)‪ (17‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الشرط"‪.‬‬
‫)‪ (18‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/349‬‬

‫قَترة الجيش ‪،‬‬ ‫فخذوا ذات اليمين"‪ .‬فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم ب َ‬
‫فانطلق يركض نذيًرا لقريش ‪ ،‬وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا‬
‫كان بالثنية التي يهبط عليهم منها ‪ ،‬بركت به راحلته‪ .‬فقال الناس ‪ :‬حل حل‬
‫فألحت ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬خلت القصواء ‪ ،‬خلت القصواء ‪ ،‬فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬ما خلت القصواء ‪ ،‬وما ذاك لها بخلق ‪ ،‬ولكن حبسها حابس‬
‫الفيل"‪ .‬ثم قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يسألوني خطة يعظمون فيها‬
‫حرمات الله ‪ ،‬إل أعطيتهم إياها"‪ .‬ثم زجرها فوثبت ‪ ،‬فعدل عنهم حتى نزل‬
‫ضا ‪ ،‬فلم يلبث )‪(1‬‬ ‫بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء ‪ ،‬يتبرضه الناس تبر ً‬
‫الناس حتى نزحوه ‪ ،‬وشكي )‪ (2‬إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ما ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ‪ ،‬فوالله ما زال‬ ‫العطش ‪ ،‬فانتزع من كنانته سه ً‬
‫يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه ‪ ،‬فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء‬
‫الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة ‪ ،‬وكانوا عيبة نصح رسول الله ]صلى‬
‫الله عليه وسلم[ )‪ (3‬من أهل تهامة ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني تركت كعب بن لؤي وعامر‬
‫بن لؤي ‪ ،‬نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل ‪ ،‬وهم مقاتلوك‬
‫وصادوك عن البيت‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنا لم نجئ لقتال‬
‫أحد ‪ ،‬ولكن جئنا معتمرين ‪ ،‬وإن قريشا قد نهكتهم الحرب فأضرت بهم ‪ ،‬فإن‬
‫شاؤوا ماددنهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس ‪ ،‬فإن أظهر فإن شاءوا أن‬
‫يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا ‪ ،‬وإل فقد جموا ‪ ،‬وإن هم أبوا فوالذي‬
‫نفسي بيده لقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ‪ ،‬ولينفذن )‪ (4‬الله‬
‫أمره" قال بديل ‪ :‬سأبلغهم ما تقول ‪ ،‬فانطلق حتى أتى قريشا فقال ‪ :‬إنا قد‬
‫جئنا من عند هذا الرجل ‪ ،‬وسمعناه يقول قول فإن شئتم أن نعرضه عليكم‬
‫فعلنا ‪ ،‬فقال سفهاؤهم ‪ :‬ل حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء‪ .‬وقال ‪ :‬ذوو الرأي‬
‫منهم ‪ :‬هات ما سمعته يقول ‪ :‬قال ‪ :‬سمعته يقول كذا وكذا ‪ ،‬فحدثهم بما‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقام عروة بن مسعود فقال ‪ :‬أي‬
‫قوم ‪ ،‬ألستم بالوالد ؟ قالوا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬أولست بالولد ؟ قالوا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فهل تتهموني ؟ قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬ألستم تعلمون أني أستنفرت أهل عكاظ ‪،‬‬
‫فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ؟ قالوا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فإن‬
‫هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته‪ .‬قالوا ‪ :‬ائته‪ .‬فأتاه‬
‫فجعل يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم له نحوا من قوله لبديل بن ورقاء‪ .‬فقال عروة عند ذلك ‪ :‬أي محمد ‪،‬‬
‫أرأيت إن استأصلت أمر قومك ‪ ،‬هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله‬
‫قبلك ؟ وإن تك الخرى فإني والله لرى وجوها ‪ ،‬وإني لرى أشوابا )‪ (5‬من‬
‫ظر‬ ‫الناس خليقا أن يفروا ويدعوك ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬امصص ب َ ْ‬
‫اللت! أنحن نفر وندعه ؟! قال ‪ :‬من ذا ؟ قالوا ‪ :‬أبو بكر‪ .‬قال ‪ :‬أما والذي‬
‫نفسي بيده لول يد كانت لك عندي لم أجزك بها ‪ ،‬لجبتك‪ .‬قال ‪ :‬وجعل يكلم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته ‪ ،‬والمغيرة بن شعبة ‪،‬‬
‫رضي الله عنه قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف‬
‫وعليه المغفر ‪ ،‬فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ضرب يده بنعل السيف ‪ ،‬وقال له ‪ :‬أخر يدك من لحية النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬فرفع عروة رأسه وقال ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬المغيرة بن شعبة‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫أي غدر ‪ ،‬ألست أسعى في غدرتك ؟! وكان المغيرة بن شعبة صحب قوما‬
‫في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ‪ ،‬ثم جاء فأسلم ‪ ،‬فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أما السلم فأقبل ‪ ،‬وأما المال فلست منه في شي"‪.‬‬
‫ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه )‪ ، (6‬قال‬
‫‪ :‬فوالله ما تنخم رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ )‪ (7‬نخامة إل وقعت في‬
‫كف رجل منهم ‪ ،‬فدلك بها وجهه وجلده ‪ ،‬وإذا أمرهم ابتدروا أمره ‪ ،‬وإذ توضأ‬
‫كادوا يقتتلون على وضوئه ‪ ،‬وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ‪ ،‬وما يحدون‬
‫النظر إليه ‪ ،‬تعظيما له صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فرجع عروة إلى أصحابه فقال‬
‫‪ :‬أي قوم ‪ ،‬والله لقد وفدت على الملوك ‪ ،‬ووفدت على كسرى وقيصر‬
‫والنجاشي ‪ ،‬والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد‬
‫دا ‪ ،‬والله إن تنخم نخامة إل وقعت في كف رجل منهم ‪ ،‬فدلك بها وجهه‬ ‫محم ً‬
‫وجلده ‪ ،‬وإذا أمرهم ابتدروا أمره ‪ ،‬وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ‪ ،‬وإذا‬
‫تكلم خفضوا أصواتهم عنده ‪ ،‬وما ُيحدون النظر إليه تعظيما له ‪ ،‬وإنه قد‬
‫شد فاقبلوها‪ .‬فقال رجل منهم من بني كنانة ‪ :‬دعوني‬ ‫عرض عليكم خطة ر ْ‬
‫آته‪ .‬فقالوا ‪ :‬ائته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ‪،‬‬
‫دن ‪،‬‬ ‫قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬هذا فلن ‪ ،‬وهو من قوم يعظمون الب ُ ْ‬
‫ت له ‪ ،‬واستقبله الناس ي ُل َّبون ‪ ،‬فلما رأى ذلك قال ‪ :‬سبحان‬ ‫فابعثوها له" فب ُعِث َ ْ‬
‫الله! ما ينبغي لهؤلء أن يصدوا عن البيت‪ .‬فلما رجع إلى أصحابه قال ‪ :‬رأيت‬
‫دوا عن البيت‪ .‬فقال )‪ (8‬رجل‬ ‫دن قد قُّلدت وأشعرت ‪ ،‬فما أرى أن ي ُ َ‬
‫ص ّ‬ ‫الب ُ ْ‬
‫مك َْرز بن حفص" ‪ ،‬فقال ‪ :‬دعوني آته‪ .‬فقالوا ‪ :‬ائته‪ .‬فلما‬ ‫منهم يقال له ‪ِ " :‬‬
‫أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬هذا مكرز ]بن حفص[ )‪(9‬‬
‫وهو رجل فاجر" ‪ ،‬فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فبينما هو يكلمه‬
‫إذ جاء سهل بن عمرو‪.‬‬
‫ة أنه قال ‪ :‬لما جاء سهل بن عمرو‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫عكرِ َ‬‫وقال معمر ‪ :‬أخبرني أيوب ‪ ،‬عن ِ‬
‫سُهل لكم من أمركم"‪.‬‬ ‫قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬قد َ‬
‫قال معمر ‪ :‬قال الزهري في حديثه ‪ :‬فجاء سهل بن عمرو فقال ‪ :‬هات أكتب‬
‫بيننا وبينك )‪ (10‬كتابا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب ‪ ،‬فقال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪]" :‬اكتب[ )‪ : (11‬بسم الله الرحمن الرحيم" ‪ ،‬فقال‬
‫سهل ]بن عمرو[ )‪ : (12‬أما "الرحمن" فوالله ما أدري ما هو ‪ ،‬ولكن اكتب ‪:‬‬
‫"باسمك اللهم" ‪ ،‬كما كنت تكتب‪ .‬فقال المسلمون ‪ :‬والله ل نكتبها إل "بسم‬
‫الله الرحمن الرحيم"‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اكتب ‪ :‬باسمك‬
‫اللهم"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله"‪ .‬فقال سهل ‪ :‬والله‬
‫لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ول قاتلناك ‪ ،‬ولكن اكتب ‪:‬‬
‫"محمد بن عبد الله" ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬والله إني لرسول‬
‫الله وإن كذبتموني‪ .‬اكتب محمد بن عبد الله" قال الزهري ‪ :‬وذلك لقوله ‪:‬‬
‫"والله ل يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إل أعطيتهم إياها"‪ .‬فقال‬
‫له النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به"‪.‬‬
‫ة ‪ ،‬ولكن ذلك من العام‬ ‫ضغْط َ ً‬
‫فقال سهل ‪ :‬والله ل تتحدث العرب أنا أخذنا ُ‬
‫المقبل ‪ ،‬فكتب ‪ ،‬فقال سهل ‪" :‬وعلى أن ل يأتيك منا رجل وإن كان على‬
‫دينك إل رددته إلينا"‪ .‬فقال المسلمون ‪ :‬سبحان الله! كيف ي َُرد ّ إلى‬
‫المشركين وقد جاء مسلما ؟! فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬يلبثه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬شكوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬أو لينفذن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أوشابا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬بعينه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬فقام"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬بينكم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬

‫) ‪(7/351‬‬

‫ف في قيوده قد )‪ (1‬خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه‬ ‫س ُ‬ ‫بن عمرو ير ُ‬


‫بين أظهر المسلمين ‪ ،‬فقال سهل ‪ :‬هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن‬
‫ض الكتاب بعد"‪.‬‬ ‫ق ِ‬
‫ده إلي ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنا لم ن َ ْ‬ ‫ت َُر ّ‬
‫قال ‪ :‬فوالله إًذا ل أصالحك على شيء أبدا‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪" :‬فأجزه لي" فقال ‪ :‬ما أنا بمجيز ذلك لك ‪ ،‬قال ‪" :‬بلى فافعل"‪ .‬قال ‪ :‬ما أنا‬
‫بفاعل‪ .‬قال مكرز ‪ :‬بلى قد أجزناه لك‪ .‬قال أبو جندل ‪ :‬أي معشر‬
‫المسلمين ‪ ،‬أَرد ّ إلى المشركين وقد جئت مسلما ؟ أل ترون ما قد لقيت ؟!‬
‫ب عذابا شديدا في الله عز وجل‪ .‬قال عمر ]بن الخطاب[ )‪(2‬‬ ‫وكان قد عُذ ّ َ‬
‫رضي الله عنه ‪ :‬فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ألست نبي‬
‫الله حقا ؟ قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬بلى"‪ .‬قلت ‪ :‬ألسنا على الحق‬
‫وعدونا على الباطل ؟ قال ‪" :‬بلى"‪ .‬قلت ‪ :‬فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟‬
‫ت أعصيه ‪ ،‬وهو ناصري" ‪ ،‬قلت ‪ :‬أو لست كنت‬ ‫قال ‪" :‬إني رسول الله ‪ ،‬ولس ُ‬
‫تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال ‪" :‬بلى ‪ ،‬أفأخبرتك أنا نأتيه )‪(3‬‬
‫وف به"‪ .‬قال ‪ :‬فأتيت أبا بكر فقلت ‪:‬‬ ‫مط ّ‬
‫العام ؟" قلت ‪ :‬ل قال ‪" :‬فإنك آتيه و ُ‬
‫يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال ‪ :‬بلى‪ .‬قلت ‪ :‬ألسنا على الحق‬
‫وعدونا على الباطل ؟ قال ‪ :‬بلى‪ .‬قلت ‪ :‬فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال‬
‫‪ :‬أيها الرجل ‪ ،‬إنه رسول الله ‪ ،‬وليس يعصي ربه ‪ ،‬وهو ناصره ‪ ،‬فاستمسك‬
‫بغَْرزه ‪ ،‬فوالله إنه على الحق‪ .‬قلت ‪ :‬أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت‬
‫ونطوف به ؟ قال ‪ :‬بلى قال ‪ :‬أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فإنك تأتيه وتطوف به‪.‬‬
‫قال الزهري ‪ :‬قال عمر ‪ :‬فعملت لذلك أعمال‪ .‬قال ‪ :‬فلما فرغ من قضية‬
‫الكتاب قال رسول )‪ (4‬الله صلى الله عليه وسلم لصحابه ‪" :‬قوموا فانحروا‬
‫ثم احلقوا"‪ .‬قال ‪ :‬فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلث مرات!! فلما‬
‫لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة ‪ ،‬فذكر لها ما لقي من الناس ‪ ،‬قالت‬
‫له أم سلمة ‪ :‬يا نبي الله ‪ ،‬أتحب ذلك ؟ اخرج ثم ل تكلم أحدا منهم كلمة‬
‫حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك ‪ ،‬فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل‬
‫ذلك ‪ ،‬نحر بدنه ‪ ،‬ودعا حالقه فحلقه ‪ ،‬فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل‬
‫بعضهم يحلق بعضا ‪ ،‬حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ‪ ،‬ثم جاءه نسوة‬
‫َ‬
‫ت‬‫مَنا ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫جاَءك ُ ُ‬
‫مُنوا إ َِذا َ‬
‫نآ َ‬ ‫مؤمنات ‪ ،‬فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وافِرِ { ]الممتحنة ‪ .[10 :‬فطلق عمر‬ ‫صم ِ ال ْك َ َ‬
‫ت { حتى بلغ ‪ } :‬ب ِعِ َ‬ ‫جَرا ٍ‬
‫مَها ِ‬
‫ُ‬
‫يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك ‪ ،‬فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان ‪،‬‬
‫والخرى صفوان بن أمية‪ .‬ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة‬
‫فجاءه أبو بصير ‪ -‬رجل من قريش ‪ -‬وهو مسلم ‪ ،‬فأرسلوا في طلبه رجلين ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬العهد الذي جعلت لنا ‪ ،‬فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا‬
‫الحليفة ‪ ،‬فنزلوا يأكلون من تمر لهم ‪ ،‬فقال أبو بصير لحد الرجلين ‪ :‬والله‬
‫دا ‪ ،‬فاستله الخر ‪ ،‬فقال ‪ :‬أجل! والله إنه‬ ‫إني لرى سيفك هذا يا فلن جي ً‬
‫لجيد ‪ ،‬لقد جربت منه ثم جربت ‪ ،‬فقال أبو بصير ‪ :‬أرني أنظر إليه ‪ ،‬فأمكنه‬
‫منه فضربه حتى ب ََرد ‪ ،‬وفَّر الخر حتى أتى المدينة ‪ ،‬فدخل المسجد يعدو ‪،‬‬
‫فقال رسول الله )‪ (5‬صلى الله عليه وسلم حين رآه ‪" :‬لقد رأى هذا ُذعًرا" ‪،‬‬
‫فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬حتى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬أنك تأتيه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬االنبي"‪.‬‬

‫) ‪(7/353‬‬

‫قتل والله صاحبي ‪ ،‬وإني لمقتول‪ .‬فجاء أبو بصير فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬قد ‪-‬‬
‫والله ‪ -‬أوفى الله ذمتك ‪ ،‬قد رددتني إليهم ثم نجاني الله منهم ‪ ،‬فقال النبي‬
‫سعَُر حرب! لو كان له أحد"‪ .‬فلما سمع‬ ‫م ْ‬
‫مه ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ويل أ ّ‬
‫ذلك عرف أنه سيرده إليهم ‪ ،‬فخرج حتى أتى سيف البحر ‪ ،‬قال ‪ :‬وتفلت‬
‫منهم أبو جندل بن سهل ‪ ،‬فلحق بأبي بصير ‪ ،‬فجعل ل يخرج من قريش رجل‬
‫قد أسلم إل لحق بأبي بصير ‪ ،‬حتى اجتمعت منهم عصابة ‪ ،‬فوالله ما‬
‫يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إل اعترضوا لها فقتلوهم ‪ ،‬وأخذوا‬
‫أموالهم‪ .‬فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬تناشده الله‬
‫والرحم لما أرسل إليهم ‪" :‬فمن أتاه منهم فهو آمن"‪ .‬فأرسل النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم إليهم ‪ ،‬وأنزل الله عز وجل ‪ } :‬وهُو ال ّذي ك َ ّ َ‬
‫م‬‫م عَن ْك ُ ْ‬
‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ‬
‫َ‬
‫جاهِل ِي ّةِ { ‪ ،‬وكانت حميتهم‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫مي ّ َ‬
‫ح ِ‬
‫ة { حتى بلغ ‪َ } :‬‬‫مك ّ َ‬
‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫م ب ِب َط ِ‬ ‫وَأي ْدِي َك ُ ْ‬
‫م عَن ْهُ ْ‬
‫أنهم لم يقروا أنه رسول الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم ‪ ،‬وحالوا‬
‫بينهم وبين البيت‪.‬‬
‫هكذا ساقه البخاري هاهنا )‪ ، (1‬وقد أخرجه في التفسير ‪ ،‬وفي عمرة‬
‫الحديبية ‪ ،‬وفي الحج ‪ ،‬وغير ذلك من حديث معمر وسفيان بن عيينة ‪ ،‬كلهما‬
‫عن الزهري ‪ ،‬به )‪ (2‬ووقع في بعض الماكن عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن‬
‫خَرمة[ )‪ ، (3‬عن رجال من أصحاب النبي صلى الله‬ ‫م ْ‬
‫ور بن ] َ‬‫س َ‬
‫م ْ‬
‫مروان وال ِ‬
‫عليه وسلم بذلك )‪ .(4‬وهذا أشبه والله أعلم ‪ ،‬ولم يسقه أبسط من هاهنا ‪،‬‬
‫وبينه وبين سياق ابن إسحاق تباين في مواضع ‪ ،‬وهناك فوائد ينبغي إضافتها‬
‫إلى ما هاهنا ‪ ،‬ولذلك سقنا تلك الرواية وهذه ‪ ،‬والله المستعان وعليه التكلن‬
‫‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله العزيز الحكيم‪.‬‬
‫مي ‪ ،‬حدثنا يعلى ‪،‬‬ ‫َ‬
‫سل ِ‬‫وقال البخاري في التفسير ‪ :‬حدثنا أحمد بن إسحاق ال ّ‬
‫حدثنا عبد العزيز بن سياه ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬قال ‪ :‬أتيت أبا وائل‬
‫أسأله فقال ‪ :‬كنا بصفين فقال رجل ‪ :‬ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله‬
‫موا أنفسكم ‪،‬‬ ‫حن َْيف ‪ :‬اته ُ‬
‫؟ فقال علي بن أبي طالب ‪ :‬نعم‪ .‬فقال سهل بن ُ‬
‫فلقد رأيتنا يوم الحديبية ‪ -‬يعني ‪ :‬الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم والمشركين ‪ -‬ولو نرى قتال لقاتلنا ‪ ،‬فجاء عمر فقال ‪ :‬ألسنا على‬
‫الحق وهم على الباطل ؟ أليس قتلنا في الجنة وقتلهم في النار ؟ فقال ‪:‬‬
‫"بلى" قال ‪ :‬ففيم نعطي الدنية في ديننا ‪ ،‬ونرجع ولما يحكم الله بيننا ؟ فقال‬
‫‪" :‬يا ابن الخطاب ‪ ،‬إني رسول الله ‪ ،‬ولن يضيعني الله أبدا" ‪ ،‬فرجع متغيظا ‪،‬‬
‫فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال ‪ :‬يا أبا بكر ‪ ،‬ألسنا على الحق وهم على‬
‫الباطل ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ابن الخطاب ‪ ،‬إنه رسول الله ‪ ،‬ولن يضيعه الله أبدا ‪،‬‬
‫فنزلت سورة الفتح )‪.(5‬‬
‫وقد رواه البخاري أيضا في مواضع أخر ومسلم والنسائي من طرق أخر عن‬
‫أبي وائل سفيان )‪(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(2732 ، 2731‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(4180‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري في صحيحه في أول الشروط برقم )‪.(2711‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(4844‬‬
‫)‪ (6‬في هـ ‪" :‬شقيق"‪.‬‬

‫) ‪(7/354‬‬

‫شاَء الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫حَرا َ‬ ‫جد َ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خل ُ ّ‬
‫حقّ ل َت َد ْ ُ‬ ‫ه الّرؤَْيا ِبال ْ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه َر ُ‬‫صد َقَ الل ّ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫لَ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫موا فَ َ‬
‫جعَ َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫ما ل َ ْ‬‫م َ‬ ‫ن فَعَل ِ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ن َل ت َ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ص‬
‫ق ّ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م وَ ُ‬ ‫ن ُرُءو َ‬ ‫قي َ‬ ‫حل ّ ِ‬
‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫مِني َ‬‫آَ ِ‬
‫َ‬
‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِرهُ‬‫ن ال ْ َ‬‫دى وَِدي ِ‬ ‫ه ِبال ْهُ َ‬ ‫سول َ ُ‬‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫ريًبا )‪ (27‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫حا قَ ِ‬ ‫ك فَت ْ ً‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬‫ُدو ِ‬
‫دا )‪(28‬‬ ‫شِهي ً‬ ‫ّ‬
‫فى ِباللهِ َ‬ ‫َ‬
‫ن كلهِ وَك َ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫عََلى ال ّ‬
‫دي ِ‬
‫ابن سلمة ‪ ،‬عن سهل )‪ (1‬بن حنيف به )‪ ، (2‬وفي بعض ألفاظه ‪" :‬يا أيها‬
‫الناس ‪ ،‬اتهموا الرأي ‪ ،‬فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أقدر على أن أرد على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددته" وفي رواية ‪ :‬فنزلت سورة‬
‫الفتح ‪ ،‬فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فقرأها عليه‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬أن‬
‫قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فيهم سهل بن عمرو ‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ‪" :‬اكتب ‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم" ‪،‬‬
‫فقال سهل ‪ :‬ل ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ‪ ،‬ولكن اكتب ما نعرف ‪:‬‬
‫"باسمك اللهم"‪ .‬فقال ‪" :‬اكتب من محمد رسول الله"‪ .‬قال ‪ :‬لو نعلم )‪(3‬‬
‫أنك رسول الله لتبعناك ‪ ،‬ولكن اكتب ‪ :‬اسمك واسم أبيك‪ .‬فقال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬اكتب ‪ :‬من محمد بن عبد الله"‪ .‬واشترطوا على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أن )‪ (4‬من جاء منكم لم نرده عليكم ‪ ،‬ومن جاءكم منا‬
‫رددتموه علينا ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله أتكتب هذا ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬إنه من ذهب‬
‫منا إليهم فأبعده الله"‪ .‬رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬به )‪.(5‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬حدثنا عكرمة بن عمار قال ‪:‬‬
‫حدثني سماك ‪ ،‬عن عبد الله بن عباس قال ‪ :‬لما خرجت الحرورية اعتزلوا ‪،‬‬
‫فقلت لهم ‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح‬
‫المشركين ‪ ،‬فقال لعلي ‪" :‬اكتب يا علي ‪ :‬هذا ما صالح عليه محمد رسول‬
‫الله" قالوا ‪ :‬لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ‪ ،‬فقال رسول الله ‪" :‬امح يا‬
‫علي ‪ ،‬اللهم إنك تعلم أني رسولك ‪ ،‬امح يا علي ‪ ،‬واكتب ‪ :‬هذا ما صالح عليه‬
‫محمد بن عبد الله"‪ .‬والله لرسول الله خير من علي ‪ ،‬وقد محا نفسه ‪ ،‬ولم‬
‫يكن محوه ذلك يمحاه من النبوة ‪ ،‬أخرجت من هذه ؟ قالوا ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ورواه أبو داود من حديث عكرمة بن عمار اليمامي ‪ ،‬بنحوه )‪.(6‬‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬عن يحيى بن آدم ‪ :‬حدثنا زهير ‪ ،‬عن محمد بن عبد‬
‫سم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬ ‫الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن ِ‬
‫عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية سبعين‬
‫ن إلى أولدها )‬ ‫ح ّ‬ ‫ت كما ت َ ِ‬ ‫حن ّ ْ‬‫دت عن البيت َ‬ ‫ص ّ‬‫بدنة فيها جمل لبي جهل ‪ ،‬فلما ُ‬
‫‪.(7‬‬
‫هّ‬
‫شاَء الل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫حَرا َ‬ ‫ْ‬
‫جد َ ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫ُ‬
‫خل ّ‬ ‫َ‬
‫حقّ لت َد ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه الّرؤَْيا ِبال َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ّ‬
‫صد َقَ الل ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫} لَ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫موا فَ َ‬
‫جعَ َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬‫ما ل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن فَعَل ِ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ن ل تَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬‫ق ّ‬‫م َ‬
‫م وَ ُ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ن ُرُءو َ‬ ‫قي َ‬ ‫حل ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫ن ُ‬‫مِني َ‬ ‫آ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حقّ ل ِي ُظهَِرهُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫دى وَِدي ِ‬ ‫ه ِبالهُ َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫ريًبا )‪ (27‬هُوَ ال ِ‬ ‫حا قَ ِ‬ ‫ن ذ َل ِك فَت ْ ً‬ ‫ُدو ِ‬
‫دا )‪.{ (28‬‬ ‫شِهي ً‬ ‫ّ‬
‫فى ِباللهِ َ‬ ‫َ‬
‫ن كلهِ وَك َ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫عََلى ال ّ‬
‫دي ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬سهل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم ) ‪ (3182 ، 4189 ، 7308 ، 3181‬وصحيح مسلم‬
‫برقم )‪ (1785‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11504‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬علمنا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (3/268‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1784‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (1/342‬وسنن أبي داود برقم )‪.(4037‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(1/314‬‬

‫) ‪(7/355‬‬

‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أ ُرِىَ في المنام أنه دخل مكة‬
‫وطاف بالبيت فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة ‪ ،‬فلما ساروا عام الحديبية لم‬
‫يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر )‪ (1‬هذا العام ‪ ،‬فلما وقع ما وقع من‬
‫قضية الصلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل ‪ ،‬وقع في نفوس‬
‫بعض الصحابة من ذلك شيء ‪ ،‬حتى سأل عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫في ذلك ‪ ،‬فقال له فيما قال ‪ :‬أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟‬
‫قال ‪" :‬بلى ‪ ،‬أفأخبرتك أنك تأتيه )‪ (2‬عامك هذا" قال ‪ :‬ل قال ‪" :‬فإنك آتيه‬
‫ذة ؛‬‫ق ّ‬‫ذة بال ُ‬‫ق ّ‬ ‫ذو ال ُ‬ ‫ح ْ‬‫ومطوف به"‪ .‬وبهذا أجاب الصديق ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أيضا َ‬
‫جد َ‬
‫س ِ‬
‫م ْ‬‫ن ال ْ َ‬‫خل ُ ّ‬
‫حقّ ل َت َد ْ ُ‬
‫ه الّرؤَْيا ِبال ْ َ‬‫سول َ ُ‬‫ه َر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬ ‫قد ْ َ‬‫ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ل َ َ‬
‫ه { ‪] :‬و[ )‪ (3‬هذا لتحقيق الخبر وتوكيده ‪ ،‬وليس هذا من‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬‫م إِ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حَرا َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في حال دخولكم‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫الستثناء في شيء ‪] ،‬وقوله[ )‪ } : (4‬آ ِ‬
‫ن { ‪ ،‬حال مقدرة ؛ لنهم في حال‬ ‫ري َ‬‫ص ِ‬‫ق ّ‬ ‫م َ‬
‫م وَ ُ‬‫سك ُ ْ‬‫ن ُرُءو َ‬ ‫قي َ‬ ‫حل ّ ِ‬‫م َ‬‫وقوله ‪ُ } :‬‬
‫حرمهم )‪ (5‬لم يكونوا محلقين ومقصرين ‪ ،‬وإنما كان هذا في ثاني الحال ‪،‬‬
‫كان منهم من حلق رأسه ومنهم من قصره ‪ ،‬وثبت في الصحيحين أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬رحم الله المحلقين" ‪ ،‬قالوا ‪ :‬والمقصرين‬
‫يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬رحم الله المحلقين"‪ .‬قالوا ‪ :‬والمقصرين يا رسول‬
‫الله ؟ قال ‪" :‬رحم الله المحلقين"‪ .‬قالوا ‪ :‬والمقصرين يا رسول الله ؟ قال ‪:‬‬
‫"والمقصرين" في الثالثة أو الرابعة )‪.(6‬‬
‫ن { ‪ :‬حال مؤكدة في المعنى ‪ ،‬فأثبت لهم المن حال‬ ‫خاُفو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ت َ َ‬
‫الدخول ‪ ،‬ونفى عنهم الخوف حال استقرارهم في البلد ل يخافون من أحد‪.‬‬
‫وهذا كان في عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع ‪ ،‬فإن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي القعدة رجع إلى المدينة فأقام بها‬
‫ذا الحجة والمحرم ‪ ،‬وخرج في صفر إلى خيبر ففتحها الله عليه بعضها عنوة‬
‫وبعضها صلحا ‪ ،‬وهي إقليم عظيم كثير النخل )‪ (7‬والزروع ‪ ،‬فاستخدم )‪(8‬‬
‫من فيها من اليهود عليها على الشطر ‪ ،‬وقسمها بين أهل الحديبية وحدهم ‪،‬‬
‫ولم يشهدها أحد غيرهم إل الذين قدموا من الحبشة ‪ ،‬جعفر بن أبي طالب‬
‫وأصحابه ‪ ،‬وأبو موسى الشعري وأصحابه ‪ ،‬ولم يغب منهم أحد ‪ ،‬قال ابن زيد‬
‫شة ‪ ،‬كما هو مقرر في موضعه ثم رجع إلى‬ ‫خَر َ‬ ‫ماك بن َ‬ ‫س َ‬
‫‪ :‬إل أبا دجانة ِ‬
‫المدينة ‪ ،‬فلما كان في ذي القعدة ]في[ )‪ (9‬سنة سبع خرج إلى مكة معتمرا‬
‫هو وأهل الحديبية ‪ ،‬فأحرم من ذي الحليفة ‪ ،‬وساق معه الهدي ‪ ،‬قيل ‪ :‬كان‬
‫ستين بدنة ‪ ،‬فلبى وسار أصحابه يلبون‪ .‬فلما كان قريبا من مر الظهران بعث‬
‫محمد بن مسلمة بالخيل والسلح أمامه ‪ ،‬فلما رآه المشركون رعبوا رعبا‬
‫شديدا ‪ ،‬وظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم ‪ ،‬وأنه قد نكث‬
‫العهد الذي بينه بينهم من وضع القتال عشر سنين ‪ ،‬وذهبوا فأخبروا أهل‬
‫مكة ‪ ،‬فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل بمر الظهران حيث‬
‫ينظر إلى أنصاب الحرم ‪ ،‬بعث السلح من القسي والنبل والرماح إلى بطن‬
‫يأجج ‪ ،‬وسار إلى مكة بالسيف مغمدة في قربها ‪ ،‬كما شارطهم عليه‪ .‬فلما‬
‫مك َْرز‬
‫كان في أثناء الطريق بعثت قريش ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬تتعين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬آتيه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬دخولهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (1727‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1301‬من حديث‬
‫عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬النخيل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬واستخدم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(7/356‬‬

‫بن حفص فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ما عرفناك تنقض العهد‪ .‬قال ‪" :‬وما ذاك ؟" قال‬
‫)‪ : (1‬دخلت ‪ :‬علينا بالسلح والقسي والرماح‪ .‬فقال ‪" :‬لم يكن ذلك ‪ ،‬وقد‬
‫بعثنا به إلى يأجج" ‪ ،‬فقال ‪ :‬بهذا عرفناك ‪ ،‬بالبر والوفاء‪ .‬وخرجت رؤوس‬
‫الكفار من مكة لئل ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم و ]ل[ )‪(2‬‬
‫إلى أصحابه غيظا وحنقا ‪ ،‬وأما بقية أهل مكة من الرجال والنساء والولدان‬
‫فجلسوا في الطرق وعلى البيوت ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وأصحابه ‪ ،‬فدخلها عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وبين يديه أصحابه يلبون ‪،‬‬
‫والهدي قد بعثه إلى ذي طوى ‪ ،‬وهو راكب ناقته القصواء التي كان راكبها‬
‫يوم الحديبية ‪ ،‬وعبد الله بن رواحة النصاري آخذ بزمام ناقة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يقودها ‪ ،‬وهو يقول ‪:‬‬
‫باسم الذي ل دين إل ديُنه‪ ...‬باسم الذي محمد ٌ رسوله‪...‬‬
‫سِبيله‪ ...‬اليوم نضربكم على ت َْأويله‪...‬‬ ‫ن َ‬ ‫خّلوا بني الك ُ ّ‬
‫فار عَ ْ‬ ‫َ‬
‫قيله‪...‬‬‫َ ِ‬‫م‬ ‫عن‬‫َ‬ ‫الهام‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫يزي‬ ‫با‬
‫ً‬ ‫ضر‬ ‫تنزيله‪...‬‬ ‫على‬ ‫ضربناكم‬ ‫كما‬
‫هل الخليل عن خليله‪ ...‬قد أنزل الرحمن في تنزيله‪...‬‬ ‫وي ُذ ْ ِ‬
‫قْتل في سبيله‪...‬‬ ‫سوله‪ ...‬بأن خير ال َ‬ ‫صحف تتلى على ر ُ‬ ‫في ُ‬
‫يا رب إني مؤمن بقيله‬
‫فهذا مجموع من روايات متفرقة‪.‬‬
‫قال يونس بن بكير ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي بكر )‪(3‬‬
‫بن حزم قال ‪ :‬لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة‬
‫القضاء ‪ ،‬دخلها وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقته صلى الله عليه وسلم )‬
‫‪ ، (4‬وهو يقول ‪:‬‬
‫ه‪...‬‬ ‫ُ‬
‫سول ُ‬‫شهيد ٌ أنه َر ُ‬‫خّلوا بني الكفار عن سبيله‪ ...‬إني َ‬
‫خلوا فكل )‪ (5‬الخير في رسوله‪ ...‬يا رب إني مؤمن بقيله‪...‬‬
‫نحن قتلناكم على تأويله‪ ...‬كما قتلناكم على تنزيله‪...‬‬
‫ضرًبا ُيزيل الهام عن مقيله‪ ...‬ويذهل الخليل عن خليله‪...‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬لما‬
‫دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء ‪ ،‬مشى عبد‬
‫الله بن رواحة بين يديه ‪ ،‬وفي رواية وابن رواحة آخذ بغرزه ‪ ،‬وهو يقول ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬محمد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬مشى عبد الله بن رواحة بين يديه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وكل"‪.‬‬

‫) ‪(7/357‬‬
‫خلوا بني الكفار عن سبيله‪ ...‬قد نزل الرحمن في تنزيله‪...‬‬
‫بأن خير القتل في سبيله‪ ...‬يا رب إني مؤمن بقيله‪...‬‬
‫نحن قتلناكم على تأويله‪ ...‬كما قتلناكم على تنزيله‪...‬‬
‫ضرًبا يزيل الهام عن مقيله‪ ...‬ويذهل الخليل عن خليله‪...‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا إسماعيل ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن‬
‫فْيل )‪ ، (1‬عن ابن‬ ‫زكريا ‪ -‬عن عبد الله ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن عثمان ‪ -‬عن أبي الط ّ َ‬
‫عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مّر الظهران في‬
‫عمرته ‪ ،‬بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشا ]تقول[ )‪(2‬‬
‫جف‪ .‬فقال أصحابه ‪ :‬لو انتحرنا من ظهرنا ‪ ،‬فأكلنا من‬ ‫‪ :‬ما يتباعثون من العَ َ‬
‫مة‪.‬‬‫ما َ‬
‫ج َ‬
‫مَرقه ‪ ،‬أصبحنا غدا حين ندخل على القوم وبنا َ‬ ‫سونا من َ‬‫ح َ‬
‫لحمه ‪ ،‬و َ‬
‫قال ‪" :‬ل تفعلوا ‪ ،‬ولكن اجمعوا لي )‪ (3‬من أزوادكم"‪ .‬فجمعوا له وبسطوا‬
‫النطاع ‪ ،‬فأكلوا حتى تركوا وحثا كل واحد منهم في جرابه ‪ ،‬ثم أقبل رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد ‪ ،‬وقعدت قريش نحو الحجر ‪،‬‬
‫فاضطبع بردائه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ل يرى )‪ (4‬القوم فيكم غميرة" فاستلم الركن ثم‬
‫مل ‪ ،‬حتى إذا تغيب بالركن اليماني مشى إلى الركن السود ‪ ،‬فقالت‬ ‫َر َ‬
‫قَز الظباء ‪ ،‬ففعل ذلك ثلثة‬ ‫قُزون ن َ ْ‬
‫قريش ‪ :‬ما ترضون بالمشي أما إنكم لتن ُ‬
‫سّنة‪ .‬قال أبو الطفيل ‪ :‬فأخبرني ابن عباس ‪ :‬أن رسول الله‬ ‫أشواط ‪ ،‬فكانت ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع )‪.(5‬‬
‫وقال )‪ (6‬أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا يونس ؛ حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫مى يثرب ‪ ،‬ولقوا منها سوءا ‪ ،‬فقال المشركون‬ ‫ح ّ‬
‫وأصحابه مكة ‪ ،‬وقد وهنتهم ُ‬
‫‪ :‬إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب ‪ ،‬ولقوا منها شرا ‪ ،‬وجلس‬
‫المشركون من الناحية التي تلي الحجر ‪ ،‬فأطلع الله نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم على ما قالوا ‪ ،‬فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ]أصحابه[ )‪(7‬‬
‫أن يرملوا الشواط الثلثة ؛ ليرى المشركون جلدهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فرملوا ثلثة‬
‫أشواط ‪ ،‬وأمرهم أن يمشوا بين الركنين حيث ل يراهم المشركون ‪ ،‬ولم‬
‫يمنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الشواط كلها إل إبقاء عليهم ‪،‬‬
‫فقال المشركون ‪ :‬أهؤلء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم ؟ هؤلء أجلد‬
‫من كذا وكذا‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حديث حماد بن زيد ‪ ،‬به )‪ (8‬وفي لفظ ‪ :‬قدم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة ‪ ،‬أي من ذي القعدة ‪،‬‬
‫فقال المشركون ‪ :‬إنه يقدم عليكم وفد قد وهنتهم حمى يثرب ‪ ،‬فأمرهم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الشواط الثلثة ‪ ،‬ولم يمنعهم أن‬
‫يرملوا الشواط كلها إل البقاء عليهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من تن أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إلي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬أل ترى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(1/305‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (1/295‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4256‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2266‬‬
‫) ‪(7/358‬‬

‫قال البخاري ‪ :‬وزاد ابن سلمة ‪ -‬يعني حماد بن سلمة ‪ -‬عن أيوب ‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم لعامه‬
‫الذي استأمن قال ‪" :‬ارملوا"‪ .‬ليري المشركون قوتهم ‪ ،‬والمشركون من قبل‬
‫قعيقعان‪.‬‬
‫وحدثنا محمد ‪ ،‬حدثنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبالصفا‬
‫والمروة ‪ ،‬ليرى المشركون قوته )‪.(1‬‬
‫ورواه في مواضع أخر ‪ ،‬ومسلم والنسائي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن سفيان بن‬
‫عيينة ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا علي بن عبد الله ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن أبي‬
‫خالد ‪ ،‬سمع ابن أبي أوفى يقول ‪ :‬لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم سترناه من غلمان المشركين ومنهم ؛ أن يؤذوا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬انفرد به البخاري دون مسلم )‪.(3‬‬
‫وقال )‪ (4‬البخاري أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن رافع ‪ ،‬حدثنا سريج بن النعمان ‪،‬‬
‫حدثنا فليح ‪ ،‬وحدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا أبي حدثنا فليح بن‬
‫سليمان ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫خرج معتمرا ‪ ،‬فحال كفار قريش بينه وبين البيت ‪ ،‬فنحر هديه وحلق رأسه‬
‫بالحديبية ‪ ،‬وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ‪ ،‬ول يحمل سلحا عليهم إل‬
‫سيوفا ‪ ،‬ول يقيم بها إل ما أحبوا‪ .‬فاعتمر من العام المقبل ‪ ،‬فدخلها كما كان‬
‫صالحهم ‪ ،‬فلما أن قام بها ثلثا ‪ ،‬أمروه أن يخرج فخرج‪.‬‬
‫وهو في صحيح مسلم أيضا )‪.(5‬‬
‫وقال البخاري أيضا ‪ :‬حدثنا عبيد الله بن موسى ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن أبي‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن البراء ‪ ،‬قال ‪ :‬اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة‬
‫دعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلثة‬ ‫‪ ،‬فأبى أهل مكة أن ي َ َ‬
‫أيام ‪ ،‬فلما كتبوا الكتاب كتبوا ‪" :‬هذا ما قاضانا عليه محمد رسول الله"‪ .‬قالوا‬
‫‪ :‬ل نقر بهذا ‪ ،‬ولو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيًئا ‪ ،‬ولكن أنت محمد بن‬
‫عبد الله‪ .‬قال ‪" :‬أنا رسول الله ‪ ،‬وأنا محمد بن عبد الله"‪ .‬ثم قال لعلي بن‬
‫أبي طالب ‪" :‬امح رسول الله"‪ .‬قال ‪ :‬ل والله ل أمحوك أبدا‪ .‬فأخذ رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم الكتاب ‪ ،‬وليس يحسن يكتب ‪ ،‬فكتب ‪" :‬هذا ما‬
‫قاضى عليه محمد بن عبد الله ‪ :‬ل يدخل مكة السلح إل السيف في‬
‫القراب ‪ ،‬وأل يخرج من أهلها بأحد أراد أن يتبعه ‪ ،‬وأل يمنع من أصحابه أحدا‬
‫إن أراد أن يقيم بها" فلما دخلها ومضى الجل ‪ ،‬أتوا عليا فقالوا ‪ :‬قل لصاحبك‬
‫‪ :‬اخرج عنا فقد مضى الجل ‪ ،‬فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة‬
‫حمزة تنادي ‪ :‬يا عم ‪ ،‬يا عم‪ .‬فتناولها علي فأخذ بيدها ‪ ،‬وقال لفاطمة ‪ :‬دونك‬
‫ابنة عمك فحملتها ‪ ،‬فاختصم فيها علي وزيد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.42579‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (1649‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1266‬والنسائي‬
‫في السنن الكبرى برقم )‪.39739‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4255‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(4252‬‬

‫) ‪(7/359‬‬

‫ي ‪ :‬أنا أخذتها وهي ابنة عمي ‪ ،‬وقال جعفر ‪ :‬ابنة عمي‬ ‫وجعفر ‪ ،‬فقال عل ّ‬
‫وخالتها تحتي ‪ ،‬وقال زيد ‪ :‬ابنة أخي ‪ ،‬فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لخالتها ‪ ،‬وقال ‪" :‬الخالة بمنزلة الم" ‪ ،‬وقال لعلي ‪" :‬أنت مني وأنا منك"‬
‫وقال لجعفر ‪" :‬أشبهت خلقي وخلقي" وقال لزيد ‪" :‬أنت أخونا ومولنا" قال‬
‫علي ‪ :‬أل تتزوج ابنة حمزة ؟ قال ‪" :‬إنها ابنة أخي من الرضاعة" انفرد به من‬
‫هذا الوجه )‪.(1‬‬
‫ريًبا { أي ‪ :‬فعلم‬ ‫حا قَ ِ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِك فَت ْ ً‬ ‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬‫موا فَ َ‬ ‫َ‬
‫م ت َعْل ُ‬ ‫َ‬
‫ما ل ْ‬ ‫م َ‬‫وقوله ‪ } :‬فَعَل ِ َ‬
‫الله تعالى من الخيرة والمصلحة في صرفكم عن مكة ودخولكم إليها عامكم‬
‫ك { أي ‪ :‬قبل دخولكم الذي‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬‫جعَ َ‬‫ذلك ما لم تعلموا أنتم ‪ } ،‬فَ َ‬
‫ريًبا { ‪ :‬وهو الصلح‬ ‫حا قَ ِ‬ ‫وعدتم به في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم ‪ } ،‬فَت ْ ً‬
‫الذي كان بينكم وبين أعدائكم من المشركين‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ ،‬مبشرا للمؤمنين بنصرة الرسول صلوات الله ]وسلمه[ )‪(2‬‬
‫َ‬
‫ه ِبال ْهُ َ‬
‫دى‬ ‫سول َ ُ‬ ‫س َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫عليه على عدوه وعلى سائر أهل الرض ‪ } :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫حقّ { أي ‪ :‬بالعلم النافع والعمل الصالح ؛ فإن الشريعة تشتمل على‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫وَِدي ِ‬
‫شيئين ‪ :‬علم وعمل ‪ ،‬فالعلم الشرعي صحيح ‪ ،‬والعمل الشرعي مقبول ‪،‬‬
‫ن ك ُل ّهِ { أي ‪ :‬على أهل‬ ‫دي ِ‬ ‫فإخباراتها حق وإنشاءاتها عدل ‪ } ،‬ل ِي ُظ ْهَِره ُ عََلى ال ّ‬
‫جميع الديان من سائر أهل الرض ‪ ،‬من عرب وعجم ومليين )‪ (3‬ومشركين ‪،‬‬
‫دا { أي ‪ :‬أنه رسوله ‪ ،‬وهو ناصره‪.‬‬ ‫فى ِبالل ّهِ َ‬
‫شِهي ً‬ ‫} وَك َ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(4251‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬مسلمين"‪.‬‬

‫) ‪(7/360‬‬

‫م ُرك ًّعا‬ ‫داُء عََلى ال ْك ُ ّ‬ ‫ل الل ّه وال ّذين مع َ‬ ‫سو ُ‬


‫م ت ََراهُ ْ‬ ‫ماُء ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح َ‬
‫فارِ ُر َ‬ ‫ش ّ‬‫هأ ِ‬ ‫ِ َ ِ َ َ َ ُ‬ ‫مد ٌ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ُ‬
‫جوِد‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ث‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫جو‬ ‫و‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ما‬ ‫سي‬ ‫نا‬ ‫وا‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ً‬
‫ل‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫غو‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ب‬‫ي‬ ‫دا‬ ‫ج‬ ‫س‬
‫ّ ُ‬ ‫ِ َ ِ ْ َ ً ِ َ ُ ْ ِ َ ُ ُ ِ ِ ْ َِ ْ ِ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ّ ً ََْ‬
‫ه‬ ‫ر‬ ‫ز‬‫شط ْأه فَآ ََ‬ ‫َ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ز‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫جي‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ة‬‫را‬‫و‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫مث َل ُهُ ْ ِ‬
‫م‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِْ ِ ِ َ ْ ٍ‬ ‫ّ َْ ِ َ َ ُ ْ ِ‬ ‫ك َ‬
‫فاَر وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م ال ْك ُ ّ‬ ‫ظ ب ِهِ ُ‬ ‫ب الّزّراع َ ل ِي َِغي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫سوقِهِ ي ُعْ ِ‬ ‫وى عََلى ُ‬ ‫ست َ َ‬‫ظ َفا ْ‬ ‫ست َغْل َ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما )‪(29‬‬ ‫ظي ً‬‫جًرا عَ ِ‬ ‫فَرةً وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫م ُرك ًّعا‬ ‫داُء عََلى ال ْك ُ ّ‬ ‫ل الل ّه وال ّذين مع َ‬ ‫سو ُ‬


‫م ت ََراهُ ْ‬ ‫ماُء ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح َ‬‫فارِ ُر َ‬ ‫ش ّ‬‫هأ ِ‬ ‫ِ َ ِ َ َ َ ُ‬ ‫مد ٌ َر ُ‬ ‫ح ّ‬
‫م َ‬ ‫} ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫جودِ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أثرِ ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫م ِفي وُ ُ‬ ‫ماهُ ْ‬
‫سي َ‬‫واًنا ِ‬ ‫ض َ‬
‫ن اللهِ وَر ْ‬ ‫م َ‬‫ضل ِ‬ ‫نف ْ‬ ‫دا ي َب ْت َُغو َ‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ر‬ ‫ز‬ ‫فآ‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫شط ْأ َ‬ ‫َ‬ ‫ج‬ ‫ر‬‫خ‬‫ك مث َل ُهم في التوراة ومث َل ُهم ِ في النجيل ك َزرع أ َْ‬ ‫َ‬ ‫ذ َل ِ‬
‫ُ َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ِ ِ َ ْ ٍ‬ ‫ّ َْ ِ َ َ ُ ْ ِ‬ ‫َ ُ ْ ِ‬
‫فاَر وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م ال ْك ُ ّ‬ ‫ب الّزّراع َ ل ِي َِغي َ‬
‫ظ ب ِهِ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫سوقِهِ ي ُعْ ِ‬ ‫وى عََلى ُ‬ ‫ست َ َ‬‫ظ َفا ْ‬ ‫ست َغْل َ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫َ‬
‫ما )‪{ (29‬‬ ‫ظي ً‬‫جًرا عَ ِ‬ ‫فَرةً وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬
‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫يخبر تعالى عن محمد صلوات الله عليه )‪ ، (1‬أنه رسوله حقا بل شك ول‬
‫ل الل ّهِ { ‪ ،‬وهذا مبتدأ وخبر ‪ ،‬وهو مشتمل على‬ ‫سو ُ‬‫مد ٌ َر ُ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬
‫ريب ‪ ،‬فقال ‪ُ } :‬‬
‫داُء‬ ‫كل وصف جميل ‪ ،‬ثم ثنى بالثناء على أصحابه فقال ‪ } :‬وال ّذين مع َ‬
‫ش ّ‬ ‫هأ ِ‬ ‫َ ِ َ َ َ ُ‬
‫ْ‬
‫قوْم ٍ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ف ي َأِتي الل ّ ُ‬‫سو ْ َ‬ ‫م { ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَ َ‬ ‫ماُء ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح َ‬‫فارِ ُر َ‬ ‫عََلى ال ْك ُ ّ‬
‫عّزةٍ عََلى ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]المائدة ‪[54 :‬‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫نأ ِ‬‫مِني َ‬ ‫ه أذِل ّةٍ عََلى ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫حّبون َ ُ‬
‫م وَي ُ ِ‬ ‫حب ّهُ ْ‬‫يُ ِ‬
‫فا على الكفار ‪ ،‬رحيما بًرا‬ ‫وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عني ً‬
‫شا في وجه أخيه‬ ‫سا في وجه الكافر ‪ ،‬ضحوكا بشو ً‬ ‫بالخيار ‪ ،‬غضوًبا عبو ً‬
‫ن ال ْك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫فاِر‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ن ي َُلون َك ُ ْ‬ ‫مُنوا َقات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫المؤمن ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ة { ]التوبة ‪ ، [123 :‬وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫م ِغل ْظ َ ً‬ ‫دوا ِفيك ُ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫وَل ْي َ ِ‬
‫"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ‪ ،‬إذا اشتكى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬صلى الله عليه وسلم" وفي م ‪" :‬صلوات الله وسلمه عليه"‪.‬‬

‫) ‪(7/360‬‬

‫سهر" )‪ ، (1‬وقال ‪" :‬المؤمن‬ ‫مى وال ّ‬ ‫منه عضو تداعى له سائر الجسد بالح ّ‬
‫للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه )‪ (2‬كل الحديثين في‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫واًنا { ‪ :‬وصفهم بكثرة‬ ‫ض‬ ‫ر‬
‫ِ َ ِ ْ َ‬‫و‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ْ ِ َ‬ ‫ضل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫غو‬ ‫ت‬ ‫ب‬‫ي‬ ‫دا‬ ‫ج‬ ‫س‬
‫ََ ُ ْ ُ ً ُ ّ ً ََُْ َ‬ ‫عا‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫را‬ ‫ت‬ ‫}‬ ‫وقوله ‪:‬‬
‫العمل وكثرة )‪ (3‬الصلة ‪ ،‬وهي خير العمال ‪ ،‬ووصفهم بالخلص فيها لله ‪،‬‬
‫عز وجل ‪ ،‬والحتساب عند الله جزيل الثواب ‪ ،‬وهو الجنة )‪ (4‬المشتملة على‬
‫فضل الله ‪ ،‬وهو سعة الرزق عليهم ‪ ،‬ورضاه ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬عنهم وهو أكبر من‬
‫ن الل ّهِ أ َك ْب َُر { ]التوبة ‪.[72 :‬‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وا ٌ‬
‫ض َ‬‫الول ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَرِ ْ‬
‫َ‬
‫جود ِ { ‪ :‬قال علي بن أبي‬ ‫س ُ‬‫ن أث َرِ ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫م ِفي وُ ُ‬ ‫ماهُ ْ‬
‫سي َ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬‬
‫م { يعني ‪ :‬السمت الحسن‪.‬‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫م ِفي وُ ُ‬ ‫ماهُ ْ‬‫سي َ‬ ‫طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ِ } :‬‬
‫وقال مجاهد وغير واحد ‪ :‬يعني ‪ :‬الخشوع والتواضع‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن محمد الطَنافسي ‪ ،‬حدثنا‬
‫م ِفي‬ ‫ماهُ ْ‬
‫سي َ‬‫جْعفي ‪ ،‬عن زائدة )‪ ، (5‬عن منصور عن مجاهد ‪ِ } :‬‬ ‫حسين ال َ‬
‫َ‬
‫جود ِ { قال ‪ :‬الخشوع قلت ‪ :‬ما كنت أراه إل هذا الثر‬ ‫س ُ‬‫ن أث َرِ ال ّ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫جوهِهِ ْ‬
‫وُ ُ‬
‫في الوجه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬الصلة تحسن وجوههم‪.‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬من كثرت صلته بالليل حسن وجهه بالنهار‪.‬‬
‫وقد أسنده ابن ماجه في سننه ‪ ،‬عن إسماعيل بن محمد الط ّْلحي ‪ ،‬عن ثابت‬
‫بن موسى ‪ ،‬عن شريك ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ ،‬عن جابر قال ‪:‬‬
‫ت صلته بالليل حسن‬ ‫قال رسول الله )‪ (6‬صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من ك َث َُر ْ‬
‫وجهه بالنهار" والصحيح أنه موقوف )‪.(7‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬إن للحسنة نورا في القلب ‪ ،‬وضياء في الوجه ‪ ،‬وسعة في‬
‫الرزق ‪ ،‬ومحبة في قلوب الناس‪.‬‬
‫حات‬ ‫ف َ‬‫ص َ‬
‫وقال أمير المؤمنين عثمان ‪ :‬ما أسر أحد سريرة إل أبداها الله على َ‬
‫وجهه ‪ ،‬وَفلَتات لسانه‪.‬‬
‫والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه ‪ ،‬فالمؤمن‬
‫إذا كانت سريرته صحيحة مع الله أصلح الله ظاهره للناس ‪ ،‬كما روي عن‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬من أصلح سريرته أصلح الله‬
‫علنيته‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا محمود بن محمد المروزي ‪ ،‬حدثنا حامد‬
‫بن آدم المروزي ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (3011‬ومسلم فس صحيحه برقم )‬
‫‪ (2586‬من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (481‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪ (2585‬من حديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وذكر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬المحبة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬المحبة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬عن النبي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬سنن ابن ماجة برقم )‪.(1333‬‬

‫) ‪(7/361‬‬

‫حدثنا الفضل بن موسى ‪ ،‬عن محمد بن عبيد الله العَْرَزمي ‪ ،‬عن سلمة بن‬
‫جلي قال ‪ :‬قال النبي صلى الله عليه‬ ‫دب بن سفيان الب َ َ‬ ‫جن ْ َ‬‫ك ُهَْيل )‪ ، (1‬عن ُ‬
‫وسلم ‪" :‬ما أسر أحد سريرة إل ألبسه الله رداءها ‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا‬
‫فشر" ‪ ،‬العرزمي متروك )‪.(2‬‬
‫وقال )‪ (3‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن بن )‪ (4‬موسى ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬حدثنا‬
‫دراج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬أنه قال ‪" :‬لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ول كوة‬
‫‪ ،‬لخرج عمله للناس كائنا ما )‪ (5‬كان" )‪.(6‬‬
‫وقال )‪ (7‬المام أحمد ]أيضا[ )‪ : (8‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ُزهَْير ‪ ،‬حدثنا قابوس‬
‫بن أبي ظ َب َْيان ‪ :‬أن أباه حدثه عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬قال ‪" :‬إن الهدي الصالح ‪ ،‬والسمت الصالح ‪ ،‬والقتصاد جزء من‬
‫خمسة وعشرين جزءا من النبوة" ورواه أبو داود عن عبد الله بن محمد‬
‫النفيلي ‪ ،‬عن زهير ‪ ،‬به )‪.(9‬‬
‫فالصحابة ]رضي الله عنهم[ )‪ (10‬خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم ‪ ،‬فكل من‬
‫نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين‬
‫فتحوا الشام يقولون ‪" :‬والله لهؤلء خير من الحواريين فيما بلغنا"‪ .‬وصدقوا‬
‫في ذلك ‪ ،‬فإن هذه المة معظمة في الكتب المتقدمة ‪ ،‬وأعظمها وأفضلها‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقد نوه الله بذكرهم في الكتب‬
‫م ِفي‬ ‫مث َل ُهُ ْ‬ ‫ك َ‬‫المنزلة والخبار المتداولة )‪ (11‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫شطأه ُ ]َفآَزَرهُ‬ ‫ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ل ك ََزْرٍع أ َ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫جي ِ‬
‫م ِفي الن ْ ِ‬ ‫مث َل ُهُ ْ‬‫ل ‪ } :‬وَ َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫الت ّوَْراةِ { ‪ ،‬ث ُ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ست َغْل َ َ‬
‫شطأه ُ [ { )‪ (12‬أي ‪ :‬فراخه ‪،‬‬ ‫ج َ‬ ‫خَر َ‬‫سوقِهِ { ‪ } :‬أ ْ‬ ‫وى عَلى ُ‬ ‫ظ َفا ْ‬
‫ست َ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫َ‬
‫وى عَلى‬ ‫ست َغْلظ { أي ‪ :‬شب وطال ‪َ } ،‬فا ْ‬
‫ست َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫} َفآَزَره ُ { أي ‪ :‬شده } َفا ْ‬
‫ب الّزّراعَ { أي ‪ :‬فكذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم‬ ‫ج ُ‬‫سوقِهِ ي ُعْ ِ‬‫ُ‬
‫فاَر {‪.‬‬ ‫ُ‬
‫م الك ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطء مع الزرع ‪ } ،‬ل ِي َِغيظ ب ِهِ ُ‬
‫ومن هذه الية انتزع المام مالك ‪ -‬رحمه الله ‪ ،‬في رواية عنه ‪ -‬بتكفير‬
‫الروافض الذين يبغضون الصحابة ‪ ،‬قال ‪ :‬لنهم يغيظونهم ‪ ،‬ومن غاظ‬
‫الصحابة فهو كافر لهذه الية‪ .‬ووافقه طائفة من العلماء على ذلك‪ .‬والحاديث‬
‫في فضائل الصحابة والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة )‪ ، (13‬ويكفيهم‬
‫ثناء الله عليهم ‪ ،‬ورضاه عنهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى أبو القاسم الطبراني بإسناده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المعجم الكبير )‪ (2/171‬وحامد بن آدم كذاب‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(3/28‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪ (1/296‬وسنن أبي داود برقم )‪.(4776‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬في م ‪" :‬المقدسة"‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (13‬في م ‪" :‬كبيرة"‪.‬‬

‫) ‪(7/362‬‬

‫م { من" هذه لبيان‬ ‫من ْهُ ْ‬


‫ت ِ‬‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ما { أي ‪ :‬ثوابا جزيل ورزقا‬ ‫َ‬
‫ظي ً‬
‫جًرا عَ ِ‬ ‫فَرة ً { أي ‪ :‬لذنوبهم‪ } .‬وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬
‫الجنس ‪َ } ،‬‬
‫كريما ‪ ،‬ووعد الله حق وصدق ‪ ،‬ل يخلف ول يبدل ‪ ،‬وكل من اقتفى أثر‬
‫الصحابة فهو في حكمهم ‪ ،‬ولهم الفضل والسبق والكمال الذي ل يلحقهم فيه‬
‫أحد من هذه المة ‪ ،‬رضي الله عنهم وأرضاهم ‪ ،‬وجعل جنات الفردوس‬
‫مأواهم )‪ ، (1‬وقد فعل‪.‬‬
‫قال مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا يحيى بن يحيى ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬ل تسبوا أصحابي ‪ ،‬فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل‬
‫أحد ٍ ذهبا ما أدرك مد أحدهم ول نصيفه" )‪.(2‬‬
‫آخر تفسير سورة الفتح ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬مثواهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪.(2540‬‬

‫) ‪(7/363‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ميعٌ‬‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫سول ِهِ َوات ّ ُ‬ ‫ي الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن ي َد َ‬‫موا ب َي ْ َ‬‫قد ّ ُ‬ ‫مُنوا َل ت ُ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫جهَُروا‬ ‫ي وََل ت َ ْ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬ ‫وات َك ُ ْ‬‫ص َ‬ ‫مُنوا َل ت َْرفَُعوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫م )‪َ (1‬يا أي َّها ال ّ ِ َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ن )‪ (2‬إ ِ ّ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫مالك ْ‬ ‫حب َط أعْ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ْ‬ ‫ُ‬ ‫جهْرِ ب َعْ ِ‬ ‫َ‬
‫لك َ‬ ‫قو ْ ِ‬‫ه ِبال َ‬ ‫لَ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه قُُلوب َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬ ‫ل الل ّهِ أول َئ ِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬‫م ِ‬ ‫وات َهُ ْ‬ ‫ص َ‬‫نأ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫ن ي َغُ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م )‪(3‬‬ ‫ظي ٌ‬
‫جٌر عَ ِ‬ ‫فَرةٌ وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وى ل َهُ ْ‬ ‫ق َ‬‫ِللت ّ ْ‬

‫تفسير سورة الحجرات‬


‫وهي مدنية )‪.(1‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫مي ٌ‬
‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫سول ِهِ َوات ّ ُ‬ ‫ي اللهِ وََر ُ‬ ‫ن ي َد َ َِ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬‫مُنوا ل ت ُ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫جهَُروا‬ ‫ي َول ت َ ْ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬ ‫وات َك ُ ْ‬‫ص َ‬ ‫مُنوا ل ت َْرفَُعوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫م )‪َ (1‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ط أ َعْمال ُك ُم وأ َ‬ ‫َ‬ ‫قول ك َجهر بعضك ُم ل ِبعض أ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪2‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫رو‬
‫َ ُ ُ َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ت‬‫ن‬
‫ْ َ ُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه ِبا ْ ِ َ ْ ِ َ ْ ِ ْ َ ْ ٍ ْ َ ْ َ‬
‫ب‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫لَ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه قُُلوب َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ل الل ّهِ أول َئ ِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫وات َهُ ْ‬‫ص َ‬‫نأ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫ن ي َغُ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م )‪{ (3‬‬ ‫ظي ٌ‬‫جٌر عَ ِ‬ ‫فَرةٌ وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬‫م َ‬ ‫وى ل َهُ ْ‬ ‫ق َ‬‫ِللت ّ ْ‬
‫هذه آداب )‪ ، (2‬أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم من التوقير والحترام والتبجيل والعظام ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬يا أ َي َّها‬
‫ه [ { )‪ ، (3‬أي ‪ :‬ل‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫سول ِهِ ]َوات ّ ُ‬ ‫ي الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ن ي َد َ ِ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫مُنوا ل ت ُ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫تسرعوا في الشياء بين يديه ‪ ،‬أي ‪ :‬قبله ‪ ،‬بل كونوا تبعا له في جميع المور ‪،‬‬
‫حتى يدخل في عموم هذا الدب الشرعي حديث معاذ ‪] ،‬إذ[ )‪ (4‬قال له‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن ‪" :‬بم تحكم ؟" قال ‪ :‬بكتاب‬
‫الله‪ .‬قال ‪" :‬فإن لم تجد ؟" قال ‪ :‬بسنة رسول الله‪ .‬قال ‪" :‬فإن لم تجد ؟"‬
‫قال ‪ :‬أجتهد رأيي ‪ ،‬فضرب في صدره وقال ‪" :‬الحمد لله الذي وفق رسو َ‬
‫ل‬
‫ل الله ‪ ،‬لما يرضي رسول الله"‪.‬‬ ‫رسو ِ‬
‫وقد رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وابن ماجه )‪ .(5‬فالغرض منه أنه أخر‬
‫رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة ‪ ،‬ولو قدمه قبل البحث‬
‫عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله‪.‬‬
‫ي الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ي َد َ ِ‬‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ل ت ُ َ‬
‫سول ِهِ { ‪ :‬ل تقولوا خلف الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫وََر ُ‬
‫وفي عنه ‪ :‬نهى )‪ (6‬أن يتكلموا بين يدي كلمه‪.‬‬ ‫وقال العَ ْ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬ل تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ‪ ،‬حتى‬
‫يقضي الله على لسانه‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬ل تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم‪.‬‬
‫سول ِهِ { بقول ول فعل‪.‬‬ ‫ي الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ن ي َد َ ِ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫وقال سفيان الثوري ‪ } :‬ل ت ُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وهي مدنية ثمان عشرة آية"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬آيات"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬حيث"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سبق الكلم عليه في مقدمة الكتاب‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬نهوا"‪.‬‬

‫) ‪(7/364‬‬

‫سول ِهِ { قال ‪ :‬ل تدعوا‬ ‫ي الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ن ي َد َ ِ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬‫قد ّ ُ‬
‫وقال الحسن البصري ‪ } :‬ل ت ُ َ‬
‫قبل المام‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون ‪ :‬لو أنزل في كذا كذا ‪ ،‬وكذا لو‬
‫صنع كذا ‪ ،‬فكره الله ذلك ‪ ،‬وتقدم فيه‪.‬‬
‫ميعٌ { أي ‪ :‬لقوالكم‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه { أي ‪ :‬فيما أمركم به ‪ } ،‬إ ِ ّ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫} َوات ّ ُ‬
‫م { بنياتكم‪.‬‬ ‫} عَِلي ٌ‬
‫ي { ‪ :‬هذا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت الن ّب ِ ّ‬
‫صو ْ ِ‬
‫م فوْقَ َ‬ ‫وات َك ْ‬‫ص َ‬ ‫مُنوا ل ت َْرفُعوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬
‫وقوله ‪َ } :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫أدب ثان أدب الله به المؤمنين أل يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ]فوق صوته[ )‪ .(1‬وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر‬
‫وعمر ‪ ،‬رضي الله عنهما‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا بسرة بن صفوان اللخمي ‪ ،‬حدثنا نافع بن عمر ‪ ،‬عن‬
‫كة قال ‪ :‬كاد الخّيران أن يهلكا ‪ ،‬أبو بكر وعمر ‪ ،‬رضي الله‬ ‫مل َي ْ َ‬‫ابن أبي ُ‬
‫عنهما ‪ ،‬رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب‬
‫بني تميم ‪ ،‬فأشار أحدهما بالقرع بن حابس أخي بني مجاشع ‪ ،‬وأشار الخر‬
‫برجل آخر ‪ -‬قال نافع ‪ :‬ل أحفظ اسمه ‪ -‬فقال أبو بكر لعمر ‪ :‬ما أردت إل‬
‫خلفي‪ .‬قال ‪ :‬ما أردت خلفك‪ .‬فارتفعت أصواتهما في ذلك ‪ ،‬فأنزل الله ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جهَُروا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ي َول ت َ ْ‬
‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬ ‫وات َك ُ ْ‬ ‫ص َ‬‫مُنوا ل ت َْرفَُعوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ع‬
‫ض { الية ‪ ،‬قال ابن الزبير ‪ :‬فما كان عمر يسم ُ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬‫جهْرِ ب َعْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الية حتى يستفهمه ‪ ،‬ولم يذكر‬
‫ذلك عن أبيه ‪ :‬يعني أبا بكر رضي الله عنه‪ .‬انفرد به دون مسلم )‪.(2‬‬
‫جَرْيج ‪،‬‬ ‫جاج ‪ ،‬عن ابن ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ثم قال البخاري ‪ :‬حدثنا حسن بن محمد ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫َ‬
‫حدثني ابن أبي مليكة ‪ :‬أن عبد الله بن الزبير أخبره ‪ :‬أنه قدم ركب من بني‬
‫مْعبد‪.‬‬‫تميم على النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ :‬أمّر القعقاع َ بن َ‬
‫وقال عمر ‪ :‬بل أمّر القرع بن حابس ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ :‬ما أردت إلى ‪ -‬أو ‪ :‬إل‬
‫ت خلَفك ‪ ،‬فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ‪،‬‬ ‫‪ -‬خلفي‪ .‬فقال عمر ‪ :‬ما أرد ُ‬
‫َ‬
‫سول ِهِ { ‪،‬‬ ‫ي الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ن ي َد َ ِ‬‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬
‫مُنوا ل ت ُ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فنزلت في ذلك ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م { الية ]الحجرات ‪:‬‬ ‫ج إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫خُر َ‬
‫حّتى ت َ ْ‬ ‫صب َُروا َ‬ ‫م َ‬ ‫حتى انقضت الية ‪ } ،‬وَل َوْ أن ّهُ ْ‬
‫‪.[5‬‬
‫وهكذا رواه هاهنا منفردا به أيضا )‪.(3‬‬
‫وقال )‪ (4‬الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا الفضل بن سهل ‪ ،‬حدثنا‬
‫خارق ‪ ،‬عن طارق بن‬ ‫م َ‬‫مر ‪ ،‬عن ُ‬ ‫إسحاق بن منصور ‪ ،‬حدثنا حصين بن عُ َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬‫شهاب ‪ ،‬عن أبى بكر الصديق قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪َ } :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫َ‬
‫ي { ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬والله ل‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫صو ْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬ ‫وات َك ُ ْ‬ ‫مُنوا ل ت َْرفَُعوا أ ْ‬
‫ص َ‬ ‫آ َ‬
‫سرار )‪.(5‬‬ ‫أكلمك إل كأخي ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(4845‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4847‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند البزار برقم )‪" (2257‬كشف الستار" وقال ‪" :‬ل نعلمه يروى‬
‫متصل إل عن أبي بكر ‪ ،‬وحصين حدث بأحاديث لم يتابع عليها ‪ ،‬ومخارق‬
‫مشهور ‪ ،‬ومن عداه أجلء"‪.‬‬

‫) ‪(7/365‬‬

‫فا ‪ -‬لكن قد رويناه من حديث عبد‬ ‫حصين بن عمر هذا ‪ -‬وإن كان ضعي ً‬
‫الرحمن بن عوف ‪ ،‬وأبي هريرة ]رضي الله عنه[ )‪ (1‬بنحو ذلك ‪ ،‬والله أعلم‬
‫)‪.(2‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا علي بن عبد الله ‪ ،‬حدثنا أزهر بن سعد ‪ ،‬أخبرنا ابن‬
‫عون ‪ ،‬أنبأني موسى بن أنس )‪ ، (3‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس ‪ ،‬فقال رجل ‪ :‬يا رسول الله‬
‫سا رأسه ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما‬ ‫من َك ّ ً‬‫‪ ،‬أنا أعلم لك علمه‪ .‬فأتاه فوجده في بيته ُ‬
‫شأنك ؟ فقال ‪ :‬شر ‪ ،‬كان ي َْرفَعُ صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقد حبط عمله ‪ ،‬فهو من أهل النار‪ .‬فأتى الرجل النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا ‪ ،‬قال موسى ‪ :‬فرجع إليه المرة الخرة‬
‫ببشارة عظيمة فقال ‪" :‬اذهب إليه فقل له ‪ :‬إنك لست من أهل النار ‪ ،‬ولكنك‬
‫من أهل الجنة" تفرد به البخاري من هذا الوجه )‪.(4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هاشم ‪ ،‬حدثنا )‪ (5‬سليمان بن المغيرة ‪ ،‬عن ثابت ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وات َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ص َ‬‫مُنوا ل ت َْرفَُعوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫عن أنس قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬وكان ثابت بن قيس بن‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫ي { إلى ‪ } :‬وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬
‫صو ْ ِ‬‫فَوْقَ َ‬
‫الشماس رفيع الصوت فقال ‪ :‬أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم حبط عملي ‪ ،‬أنا من أهل النار ‪ ،‬وجلس في أهله‬
‫حزينا ‪ ،‬ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فانطلق بعض القوم إليه‬
‫فقالوا له ‪ :‬تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ما لك ؟ قال ‪ :‬أنا الذي‬
‫أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأجهر له بالقول حبط‬
‫عملي ‪ ،‬أنا من أهل النار‪ .‬فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما‬
‫قال ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل بل هو من أهل الجنة"‪ .‬قال أنس ‪ :‬فكنا نراه يمشي بين‬
‫أظهرنا ‪ ،‬ونحن نعلم أنه من أهل الجنة‪ .‬فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض‬
‫النكشاف ‪ ،‬فجاء ثابت بن قيس بن شماس ‪ ،‬وقد تحنط ولبس كفنه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ودون أقرانكم‪ .‬فقاتلهم حتى ُقتل )‪.(7) (6‬‬ ‫بئسما ُتع ّ‬
‫وقال مسلم ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا الحسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا‬
‫حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت الُبناني ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬لما نزلت هذه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي { إلى آخر‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬
‫صوْ ِ‬ ‫م فَوْقَ َ‬ ‫وات َك ُ ْ‬
‫ص َ‬‫مُنوا ل ت َْرفَُعوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫الية ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫الية ‪ ،‬جلس ثابت في بيته ‪ ،‬قال ‪ :‬أنا من أهل النار‪ .‬واحتبس عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال )‪ (8‬النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ ‪" :‬يا‬
‫أبا عمرو ‪ ،‬ما شأن ثابت ؟ أشتكى ؟" فقال سعد ‪ :‬إنه لجاري ‪ ،‬وما علمت له‬
‫بشكوى‪ .‬قال ‪ :‬فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله )‪ (9‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقال ثابت ‪ُ :‬أنزَلت هذه الية ‪ ،‬ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأنا من أهل النار‪ .‬فذكر ذلك سعد‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬بل ‪،‬‬
‫هو من أهل الجنة"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬أما حديث أبي هريرة فرواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/462‬من طريق‬
‫محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه ‪ ،‬وقال ‪" :‬صحيح السناد على شرط‬
‫مسلم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى البخاري بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(4846‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬حتى قتل رحمه الله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(3/137‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬فسأل"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬النبي"‪.‬‬

‫) ‪(7/366‬‬
‫حّيان بن هلل ‪ ،‬عن‬ ‫ثم رواه مسلم عن أحمد بن سعيد )‪ (1‬الدارمي ‪ ،‬عن َ‬
‫سليمان بن المغيرة ‪ ،‬به ‪ ،‬قال ‪ :‬ولم يذكر سعد بن معاذ‪ .‬وعن قطن بن‬
‫سير عن جعفر بن سليمان )‪ ، (2‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس بنحوه‪ .‬وقال ‪ :‬ليس‬ ‫نُ َ‬
‫فيه ذكر سعد بن معاذ‪.‬‬
‫حدثنا هَُريم )‪ (3‬بن عبد العلى السدي ‪ ،‬حدثنا المعتمر بن سليمان ‪ ،‬سمعت‬
‫أبي يذكر ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ ،‬واقتص الحديث ‪،‬‬
‫ل من أهل‬ ‫ولم يذكر سعد بن معاذ ‪ ،‬وزاد ‪ :‬فكنا نراه يمشي بين أظهرنا َرج ٌ‬
‫الجنة‪.(4) .‬‬
‫معَللة لرواية حماد بن سلمة ‪ ،‬فيما تفرد به من ذكر سعد‬ ‫ّ‬ ‫فهذه الطرق الثلث ُ‬
‫بن معاذ‪ .‬والصحيح ‪ :‬أن حال نزول هذه الية لم يكن سعد بن معاذ موجوًدا ؛‬
‫لنه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام قلئل سنة خمس ‪ ،‬وهذه الية نزلت‬
‫في وفد بني تميم ‪ ،‬والوفود إنما تواتروا في سنة تسع من الهجرة ‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫حَباب ‪ ،‬حدثنا أبو ثابت بن‬ ‫ُ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كَرْيب ‪ ،‬حدثنا زيد بن ال ُ‬
‫ماس ‪ ،‬حدثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن‬ ‫ثابت بن قيس بن ش ّ‬
‫َ‬
‫وات َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫قيس بن شماس ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ } :‬ل ت َْرفَُعوا أ ْ‬
‫ص َ‬
‫ل { قال ‪ :‬قعد ثابت بن قيس )‪ (5‬في‬ ‫قو ْ ِ‬‫ه ِبال ْ َ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫ي َول ت َ ْ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬‫صو ْ ِ‬ ‫فَوْقَ َ‬
‫الطريق يبكي ‪ ،‬قال ‪ :‬فمر به عاصم بن عدي من بني الَعجلن ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما‬
‫ي وأنا صيت ‪،‬‬ ‫يبكيك يا ثابت ؟ قال ‪ :‬هذه الية ‪ ،‬أتخوف أن تكون نزلت ف ّ‬
‫رفيع الصوت‪ .‬قال ‪ :‬فمضى عاصم بن عدي إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪ :‬وغلبه البكاء ‪ ،‬فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أبي بن سلول‬
‫ي الضّبة بمسمار فضربته‬ ‫دي عَل َ ّ‬‫ت بيت فََرسي فش ّ‬ ‫فقال لها ‪ :‬إذا دخل ُ‬
‫بمسمار حتى إذا خرج عطفه ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل أخرج حتى يتوفاني الله ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫أو يرضى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬وأتى عاصم رسو َ‬
‫ل‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره ‪ ،‬فقال ‪" :‬اذهب فادعه لي"‪ .‬فجاء‬
‫فَرس ‪ ،‬فقال‬ ‫عاصم إلى المكان فلم يجده ‪ ،‬فجاء إلى أهله فوجده في بيت ال َ‬
‫له ‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك‪ .‬فقال ‪ :‬اكسر الضبة‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فخرجا فأتيا )‪ (6‬النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬ما يبكيك يا ثابت ؟"‪ .‬فقال ‪ :‬أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه‬
‫َ‬
‫ه‬‫جهَُروا ل َ ُ‬‫ي َول ت َ ْ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫م فَوْقَ َ‬
‫صوْ ِ‬ ‫وات َك ُ ْ‬
‫ص َ‬ ‫الية نزلت في ‪ } :‬ل ت َْرفَُعوا أ ْ‬
‫ل {‪ .‬فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أما ترضى أن ت َِعيش‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬
‫دا ‪ ،‬وتقتل شهيدا ‪ ،‬وتدخل الجنة ؟"‪ .‬فقال ‪ :‬رضيت ببشرى الله ورسوله‬ ‫حمي ً‬ ‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ول أرفع صوتي أبدا على صوت النبي صلى الله عليه‬
‫ل الل ّهِ ُأول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬
‫م ِ‬ ‫وات َهُ ْ‬
‫ص َ‬
‫وسلم‪ .‬قال ‪ :‬وأنزل الله ‪ } :‬إن ال ّذين يغُضو َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ َ َ ّ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫وى { )‪(8) .(7‬‬ ‫ق َ‬ ‫ه قُُلوب َهُ ْ‬
‫م ِللت ّ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين كذلك ‪ ،‬فقد نهى الله عز وجل ‪،‬‬
‫عن رفع الصوات‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬مسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬هدبة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪.(119‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ثابت بن قيس بن شماس"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬حتى أتيا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪ :‬بعدها ‪ " :‬لهم مغفرة وأجر عظيم " بدل "الية"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(26/75‬‬

‫) ‪(7/367‬‬

‫َ‬
‫قُلو َ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫م َل ي َعْ ِ‬
‫ت أك ْث َُرهُ ْ‬
‫جَرا ِ‬ ‫ن وََراءِ ال ْ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َُناُدون َ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬

‫بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر‬
‫صوت رجلين في مسجد رسول‬ ‫بن الخطاب ]رضي الله عنه[ )‪ (1‬أنه سمع َ‬
‫الله )‪ (2‬صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما ‪ ،‬فجاء ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتدريان‬
‫من أين أنتما ؟ قال من أهل الطائف‪ .‬فقال ‪ :‬لو كنتما‬ ‫أين أنتما ؟ ثم قال ‪ِ :‬‬
‫من أهل المدينة لوجعتكما ضربا )‪.(3‬‬
‫وقال العلماء ‪ :‬يكره رفع الصوت عند قبره ‪ ،‬كما كان يكره في حياته ؛ لنه‬
‫محترم حيا وفي قبره ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه )‪ ، (4‬دائما‪ .‬ثم نهى عن‬
‫الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه ‪ ،‬بل يخاطب بسكينة‬
‫ض{‪،‬‬ ‫ضك ُ ْ‬
‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫جهْرِ ب َعْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫ووقار وتعظيم ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬ول ت َ ْ‬
‫ضا { ]النور ‪:‬‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ْ‬‫ُ‬ ‫عاِء ب َعْ ِ‬ ‫َ‬
‫م كد ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ل ب َي ْن َك ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫عاَء الّر ُ‬ ‫جعَُلوا د ُ َ‬ ‫كما قال ‪ } :‬ل ت َ ْ‬
‫‪.[63‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما نهيناكم عن رفع‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫مالك ْ‬ ‫حب َط أعْ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك ‪ ،‬فيغضب الله لغضبه ‪ ،‬فيحبط الله‬
‫عمل من أغضبه وهو ل يدري ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪" :‬إن الرجل ليتكلم‬
‫بالكلمة من رضوان الله ل ُيلقي لها َبال يكتب له بها الجنة‪ .‬وإن الرجل ليتكلم‬
‫وي بها في النار أبعد ما بين‬ ‫خط الله ل ُيلقي لها بال ي َهْ ِ‬ ‫س َ‬‫بالكلمة من َ‬
‫السموات والرض" )‪.(5‬‬
‫ث على ذلك ‪،‬‬ ‫ح ّ‬‫ثم ندب الله عز وجل )‪ ، (6‬إلى خفض الصوت عنده ‪ ،‬و َ‬
‫ل‬ ‫غب فيه ‪ ،‬فقال ‪ } :‬إن ال ّذين يغُضو َ‬ ‫وأرشد إليه ‪ ،‬ور ّ‬
‫سو ِ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬‫م ِ‬‫وات َهُ ْ‬‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ َ ّ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫وى { أي ‪ :‬أخلصها لها وجعلها أهل‬ ‫ق َ‬ ‫م ِللت ّ ْ‬ ‫ه قُُلوب َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫الل ّهِ ُأول َئ ِ َ‬
‫َ‬
‫م {‪.‬‬ ‫ظي ٌ‬‫جٌر عَ ِ‬ ‫فَرةٌ وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ومحل } ل َهُ ْ‬
‫وقد قال )‪ (7‬المام أحمد في كتاب الزهد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان‬
‫كتب إلى عمر )‪ (8‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬رجل‬ ‫‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬قال ‪ُ :‬‬
‫ل يشتهي المعصية ول يعمل بها ‪ ،‬أفضل ‪ ،‬أم رجل يشتهي المعصية ول يعمل‬
‫بها ؟ فكتب عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬إن الذين يشتهون المعصية ول يعملون‬
‫َ‬ ‫بها } ُأول َئ ِ َ‬
‫م { )‪.(9‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫فَرةٌ وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وى ل َهُ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫م ِللت ّ ْ‬ ‫ه قُُلوب َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (4‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ل ي َعْ ِ‬ ‫ت أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وََراِء ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ي َُناُدون َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫} إِ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (470‬من طريق السائب بن يزيد‬
‫فذكره‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (6478‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬سبحانه وتعالى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وقد روى"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬عمر بن الخطاب رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬ذكره السيوطي في الدر المنثور )‪ (7/552‬وعزاه لحمد في الزهد‪.‬‬

‫) ‪(7/368‬‬

‫َ‬
‫م )‪(5‬‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫خي ًْرا ل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫م لَ َ‬ ‫ج إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫خُر َ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬
‫صب َُروا َ‬‫م َ‬ ‫وَل َوْ أن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪{ (5‬‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫خي ًْرا ل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫م لَ َ‬ ‫ج إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫خُر َ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫صب َُروا َ‬ ‫م َ‬‫} وَل َوْ أن ّهُ ْ‬
‫م الذين ينادونه من وراء الحجرات ‪ ،‬وهي بيوت نسائه ‪ ،‬كما‬ ‫ثم إنه تعالى ذ َ ّ‬
‫ن{‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قلو َ‬ ‫م ل ي َعْ ِ‬ ‫يصنع أجلف العراب ‪ ،‬فقال ‪ } :‬أكثُرهُ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫روا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ ّ َ ْ ُ َ ِ ِْ ْ‬ ‫ثم أرشد إلى الدب في ذلك فقال ‪ } :‬وَ ْ ّ ُ ْ َ َ ُ‬
‫ب‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫خي ًْرا ل َهُ ْ‬ ‫َ‬

‫) ‪(7/368‬‬

‫لكان لهم في ذلك الخيرة والمصلحة في الدنيا والخرة‪.‬‬


‫م{‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ثم قال داعيا لهم إلى التوبة والنابة ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫وقد ُذكر أنها نزلت في القرع بن حابس التميمي ‪ ،‬فيما أورده غير واحد ‪،‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا وُهَْيب ‪ ،‬حدثنا موسى بن عقبة ‪ ،‬عن‬
‫أبي سلمة بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن القرع بن حابس ؛ أنه نادى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا محمد ‪ -‬وفي‬
‫رواية ‪ :‬يا رسول الله ‪ -‬فلم يجبه‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن حمدي لزين ‪،‬‬
‫وإن ذمي لشين ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ذاك الله ‪ ،‬عز وجل" )‪.(1‬‬
‫حَرْيث المروزي ‪ ،‬حدثنا الفضل‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو عمار الحسين بن ُ‬
‫بن موسى ‪ ،‬عن الحسين بن واقد ‪ ،‬عن أبي إسحاق )‪ ، (2‬عن البراء في‬
‫ت { قال ‪ :‬جاء رجل رسول الله‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ح ُ‬‫ن وََراِء ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬‫ن ي َُناُدون َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫)‪ (3‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬إن حمدي زين ‪ ،‬وذمي شين‪ .‬فقال ‪" :‬ذاك الله ‪ ،‬عز‬
‫وجل" )‪.(4‬‬
‫وهكذا ذكره الحسن البصري ‪ ،‬وقتادة مرسل‪.‬‬
‫شر بن غالب‬ ‫مَرة قال ‪ :‬كان ب ِ ْ‬ ‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن حبيب بن أبي عَ ْ‬
‫طاِرد ‪ -‬أو بشر بن عطارد ولبيد بن غالب ‪ -‬وهما عند الحجاج‬ ‫ول َِبيد بن عُ َ‬
‫جالسان ‪ -‬فقال بشر بن غالب للبيد بن عطارد ‪ :‬نزلت في قومك بني تميم ‪:‬‬
‫ت { قال ‪ :‬فذكرت ذلك لسعيد بن جبير‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ح ُ‬‫ن وََراِء ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ن ي َُناُدون َ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫} إِ ّ‬
‫موا {‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَلي ْك أ ْ‬ ‫مّنو َ‬ ‫فقال ‪ :‬أما إنه لو علم بآخر الية أجابه ‪ } :‬ي َ ُ‬
‫]الحجرات ‪ ، [17 :‬قالوا ‪ :‬أسلمنا ‪ ،‬ولم يقاتلك بنو أسد )‪.(5‬‬
‫عمرو بن علي الباهلي ‪ ،‬حدثنا المعتمر‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫بن سليمان ‪ :‬سمعت داود الطفاوي يحدث عن أبي مسلم )‪ (6‬البجلي )‪، (7‬‬
‫عن زيد بن أرقم قال ‪ :‬اجتمع أناس من العرب فقالوا ‪ :‬انطلقوا بنا إلى هذا‬
‫الرجل ‪ ،‬فإن يك نبيا فنحن أسعد الناس به ‪ ،‬وإن يك ملكا نعش بجناحه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قالوا ‪ ،‬فجاءوا إلى‬
‫حجرته فجعلوا ينادونه وهو في حجرته ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا محمد‪ .‬فأنزل الله ]عز‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫قُلو َ‬
‫م ل ي َعْ ِ‬ ‫ت أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫جَرا ِ‬‫ح ُ‬ ‫ن وََراِء ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ي َُناُدون َ َ‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫وجل[ )‪ } : (8‬إ ِ ّ‬
‫قال ‪ :‬فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني فمدها ‪ ،‬فجعل يقول ‪:‬‬
‫"لقد صدق الله قولك يا زيد ‪ ،‬لقد صدق الله قولك يا زيد"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ ، (3/488‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/108‬إسناد أحمد‬
‫رجاله رجال الصحيح إن كان أبو سلمة سمع من القرع بن حابس ‪ ،‬وإل فهو‬
‫مرسل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(26/77‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(26/77‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/369‬‬

‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬


‫جَهال َ ٍ‬
‫ة‬ ‫صيُبوا قَوْ ً‬
‫ما ب ِ َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫سقٌ ب ِن َب َإ ٍ فَت َب َي ُّنوا أ ْ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫َ‬
‫طيعُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل الل ّهِ ل َوْ ي ُ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ن ِفيك ُ ْ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ن )‪َ (6‬واعْل َ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫م َنادِ ِ‬ ‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬ ‫حوا عََلى َ‬ ‫فَت ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬
‫َ‬
‫ه ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن وََزي ّن َ ُ‬
‫ما َ‬ ‫ماِْ‬
‫لي َ‬ ‫ب إ ِل َي ْك ُ ُ‬ ‫حب ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫مرِ ل َعَن ِت ّ ْ‬
‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِفي ك َِثيرٍ ِ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ضًل ِ‬ ‫ن )‪ (7‬فَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ش ُ‬
‫م الّرا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ن أول َئ ِ َ‬ ‫صَيا َ‬ ‫سوقَ َوال ْعِ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫فَر َوال ْ ُ‬ ‫م ال ْك ُ ْ‬ ‫وَك َّرهَ إ ِل َي ْك ُ ُ‬
‫م )‪(8‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫ة َوالل ُ‬ ‫م ً‬‫الل ّهِ وَن ِعْ َ‬

‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن الحسن بن عرفة ‪ ،‬عن المعتمر بن سليمان ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جَهال َ ٍ‬
‫ة‬ ‫صيُبوا قَوْ ً‬
‫ما ب ِ َ‬ ‫ن تُ ِ‬‫سقٌ ب ِن َب َإ ٍ فَت َب َي ُّنوا أ ْ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫طيعُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل الل ّهِ ل َوْ ي ُ ِ‬‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ن ِفيك ُ ْ‬‫موا أ ّ‬ ‫ن )‪َ (6‬واعْل َ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫م َنادِ ِ‬ ‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬ ‫حوا عََلى َ‬ ‫فَت ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬
‫ه ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن وََزي ّن َ ُ‬‫ما َ‬ ‫م الي َ‬ ‫ب إ ِل َي ْك ُ ُ‬ ‫حب ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫مرِ ل َعَن ِت ّ ْ‬‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِفي ك َِثيرٍ ِ‬
‫ن أول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ضل ِ‬ ‫ن )‪ (7‬فَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ش ُ‬‫م الّرا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫صَيا َ‬‫سوقَ َوال ْعِ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫فَر َوال ْ ُ‬ ‫م ال ْك ُ ْ‬ ‫وَك َّرهَ إ ِل َي ْك ُ ُ‬
‫م )‪.{ (8‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ة َوالل ّ ُ‬ ‫م ً‬‫الل ّهِ وَن ِعْ َ‬
‫َ‬
‫يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق لُيحَتاط له ‪ ،‬لئل يحكم بقوله فيكون ‪ -‬في‬
‫نفس المر ‪ -‬كاذًبا أو مخطًئا ‪ ،‬فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه ‪ ،‬وقد‬
‫نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين ‪ ،‬ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء‬
‫من قبول رواية مجهول الحال لحتمال فسقه في نفس المر ‪ ،‬وقبلها آخرون‬
‫لنا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق ‪ ،‬وهذا ليس بمحقق الفسق لنه‬
‫مجهول الحال‪ .‬وقد قررنا )‪ (2‬هذه المسألة في كتاب العلم من شرح‬
‫البخاري ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي‬
‫معيط ‪ ،‬حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني‬
‫المصطلق‪ .‬وقد روي ذلك من طرق ‪ ،‬ومن أحسنها ما رواه المام أحمد في‬
‫جويرية‬ ‫ضَرار ‪ ،‬والد ُ‬ ‫مسنده من رواية ملك بني المصطلق ‪ ،‬وهو الحارث بن ِ‬
‫)‪ (3‬بنت الحارث أم المؤمنين ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن سابق ‪ ،‬حدثنا عيسى بن دينار ‪ ،‬حدثني أبي أنه سمع الحارث‬
‫بن ضرار الخزاعي يقول ‪ :‬قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فدعاني إلى السلم ‪ ،‬فدخلت فيه وأقررت به ‪ ،‬ودعاني إلى الزكاة فأقررت‬
‫بها ‪ ،‬وقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أرجع إليهم فأدعوهم إلى السلم وأداء الزكاة ‪،‬‬
‫ي رسول الله رسول لّبان كذا‬ ‫فمن استجاب لي جمعت زكاته ‪ ،‬وُيرسل إل ّ‬
‫ت من الزكاة‪ .‬فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له‬ ‫مع ُ‬‫وكذا ليأتيك بما ج َ‬
‫‪ ،‬وبلغ البان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه ‪،‬‬
‫خطة من‬ ‫س ْ‬‫احتبس عليه الرسول فلم يأته ‪ ،‬فظن الحارث أنه قد حدث فيه ُ‬
‫سَروات قومه ‪ ،‬فقال لهم ‪ :‬إن رسول الله صلى الله‬ ‫الله ورسوله ‪ ،‬فدعا ب َ‬
‫عليه وسلم كان وَّقت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من‬
‫خْلف ‪ ،‬ول أرى حبس‬ ‫الزكاة ‪ ،‬وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ال ُ‬
‫رسوله إل من سخطة كانت ‪ ،‬فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث‬
‫ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ‪ ،‬فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض‬
‫الطريق فََرق ‪ -‬أي ‪ :‬خاف ‪ -‬فرجع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي‪ .‬فضرب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث‪ .‬وأقبل الحارث بأصحابه حتى‬
‫صل عن المدينة لقيهم الحارث ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذا الحارث ‪،‬‬ ‫إذا استقبل البعث وفَ َ‬
‫فلما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪ (26/77‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪(5/210‬‬
‫من طريق إسحاق بن راهويه عن معتمر بن سليمان به ‪ ،‬قال الهيثمي في‬
‫المجمع )‪" : (7/108‬فيه داود الطفاوي وثقه ابن حبان ‪ ،‬وضعفه ابن معين ‪،‬‬
‫وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬قررت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬ميمونة"‪.‬‬

‫) ‪(7/370‬‬

‫غشيهم قال لهم ‪ :‬إلى من ُبعثتم ؟ قالوا ‪ :‬إليك‪ .‬قال ‪ :‬ولم ؟ قالوا ‪ :‬إن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة ‪ ،‬فزعم أنك‬
‫ة ول‬ ‫منعته الزكاة وأردت قتله‪ .‬قال ‪ :‬ل والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته ب َت ّ ً‬
‫أتاني‪ .‬فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ل والذي بعثك بالحق ما رأيته‬
‫ول أتاني ‪ ،‬وما أقبلت إل حين احتبس علي رسول رسول الله )‪ (1‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬خشيت أن يكون كانت سخطة من الله ورسوله‪ .‬قال ‪ :‬فنزلت‬
‫َ‬
‫جاَءك ُ ْ‬
‫م َفا ِ‬
‫سقٌ ب ِن َب َإ ٍ { إلى قوله ‪:‬‬ ‫ن َ‬
‫مُنوا إ ِ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫الحجرات ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫} حكيم {‬
‫ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان التمار ‪ ،‬عن محمد بن سابق به‪.‬‬
‫ورواه الطبراني من حديث محمد بن سابق ‪ ،‬به )‪ ، (2‬غير أنه سماه الحارث‬
‫بن سرار ‪ ،‬والصواب ‪ :‬الحارث بن ضرار ‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫ون ‪ ،‬عن موسى بن‬ ‫وقال )‪ (3‬ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو ك َُرْيب ‪ ،‬حدثنا جعفر بن عَ ْ‬
‫عبيدة ‪ ،‬عن ثابت مولى أم سلمة ‪ ،‬عن أم سلمة قالت ‪ :‬بعث رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم رجل في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة )‪، (4‬‬
‫فسمع بذلك القوم ‪ ،‬فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫قالت ‪ :‬فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله ‪ ،‬قالت ‪ :‬فرجع إلى رسول الله )‬
‫‪ (5‬فقال ‪ :‬إن بني المصطلق قد منعوني )‪ (6‬صدقاتهم‪ .‬فغضب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم والمسلمون‪ .‬قالت ‪ :‬فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فصفوا له حين صلى الظهر ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬نعوذ بالله‬
‫من سخط الله وسخط رسوله ‪ ،‬بعثت إلينا رجل مصدًقا ‪ ،‬فسررنا بذلك ‪،‬‬
‫وقرت به أعيننا ‪ ،‬ثم إنه رجع من بعض الطريق ‪ ،‬فخشينا أن يكون ذلك غضبا‬
‫من الله ومن رسوله ‪ ،‬فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلل فأذن بصلة العصر ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صيُبوا‬‫ن تُ ِ‬ ‫سقٌ ب ِن َب َإ ٍ فَت َب َي ُّنوا أ ْ‬
‫م َفا ِ‬‫جاَءك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫قالت ‪ :‬ونزلت ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن { )‪.(7‬‬ ‫مي َ‬‫م َنادِ ِ‬ ‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬
‫حوا عََلى َ‬ ‫جَهال َةٍ فَت ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬ ‫ما ب ِ َ‬‫قَوْ ً‬
‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية قال ‪:‬‬ ‫وروى ابن جرير أيضا من طريق العَ ْ‬
‫معَْيط إلى‬ ‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي ُ‬
‫بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات ‪ ،‬وإنهم لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا‬
‫ث الوليد أنهم‬ ‫حد ّ َ‬ ‫يتلقون رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأنه لما ُ‬
‫خرجوا يتلقونه ‪ ،‬رجع الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة‪ .‬فغضب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم من ذلك غضبا شديدا ‪ ،‬فبينا هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ‬
‫أتاه الوفد فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف‬
‫الطريق ‪ ،‬وإنا خشينا أن ما رده كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا ‪ ،‬وإنا نعوذ‬
‫بالله من غضبه وغضب رسوله‪ .‬وإن النبي صلى الله عليه وسلم استغشهم‬
‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م بهم ‪ ،‬فأنزل الله )‪ (8‬عذرهم في الكتاب ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫وه ّ‬
‫سقٌ ب ِن َب َإ ٍ فَت َب َي ُّنوا { إلى آخر الية )‪.(9‬‬ ‫م َفا ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫إِ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬احتبس علي يا رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (4/279‬والمعجم الكبير )‪ (3/274‬قال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (7/109‬رجال أحمد ثقات" ‪ ،‬وهذا متعقب فإن دينار والدعيسي لم يوثقه‬
‫إل ابن حبان ‪ ،‬ول يعرف له راويا غير ابنه عيسى‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬الوقعة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬منعوا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪ (26/78‬وفي إسناده موسى بن عبيدة الربذي وهو‬
‫ضعيف ‪ ،‬وثابت مولى أم سلمة مجهول‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬الله عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪.(26/78‬‬

‫) ‪(7/371‬‬

‫وقال مجاهد وقتادة ‪ :‬أرسل رسول الله الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق‬
‫دقهم ‪ ،‬فتلقوه بالصدقة ‪ ،‬فرجع فقال ‪ :‬إن بني المصطلق قد جمعت لك‬ ‫لُيص ّ‬
‫لتقاتلك ‪ -‬زاد قتادة ‪ :‬وإنهم قد ارتدوا عن السلم ‪ -‬فبعث رسول الله خالد بن‬
‫الوليد إليهم ‪ ،‬وأمره أن يتثبت ول يعجل‪ .‬فانطلق حتى أتاهم ليل فبعث‬
‫عيونه ‪ ،‬فلما جاءوا أخبروا خالدا أنهم مستمسكون بالسلم ‪ ،‬وسمعوا أذانهم‬
‫وصلتهم ‪ ،‬فلما أصبحوا أتاهم خالد فرأى الذي يعجبه ‪ ،‬فرجع إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ‪ ،‬فأنزل الله هذه الية‪ .‬قال قتادة ‪ :‬فكان‬
‫جَلة من‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬الّتبّين من الله ‪ ،‬والعَ َ‬
‫الشيطان"‪.‬‬
‫وكذا ذكر غير واحد من السلف ‪ ،‬منهم ‪ :‬ابن أبي ليلى ‪ ،‬ويزيد بن رومان ‪،‬‬
‫حّيان ‪ ،‬وغيرهم في هذه الية ‪ :‬أنها نزلت في الوليد‬ ‫والضحاك ‪ ،‬ومقاتل بن َ‬
‫بن عقبة ‪ ،‬والله أعلم )‪.(1‬‬
‫ل الل ّهِ { أي ‪ :‬اعلموا أن بين أظهركم‬ ‫َ‬
‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ن ِفيك ُ ْ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬واعْل َ ُ‬
‫رسول الله فعظموه ووقروه ‪ ،‬وتأدبوا معه ‪ ،‬وانقادوا لمره ‪ ،‬فإنه أعلم‬ ‫ّ‬
‫م من رأيكم لنفسكم ‪ ،‬كما‬ ‫بمصالحكم ‪ ،‬وأشفق عليكم منكم ‪ ،‬ورأيه فيكم أت ّ‬
‫م { ]الحزاب ‪.[6 :‬‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ي أوَْلى ِبال ْ ُ‬
‫َ‬
‫قال تعالى ‪ } :‬الن ّب ِ ّ‬
‫ثم ب َّين ]تعالى[ )‪ (2‬أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال ‪} :‬‬
‫م { أي ‪ :‬لو أطاعكم في جميع ما تختارونه‬ ‫مرِ ل َعَن ِت ّ ْ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ِفي ك َِثيرٍ ِ‬ ‫طيعُك ُ ْ‬ ‫ل َوْ ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫م‬
‫واَءهُ ْ‬ ‫حقّ أهْ َ‬ ‫حَرجكم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَل َوِ ات ّب َعَ ال ْ َ‬ ‫لدى ذلك إلى عنتكم و َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫م‬
‫ن ذِكرِهِ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫م ب ِذِكرِهِ ْ‬ ‫ل أت َي َْناهُ ْ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫ن ِفيهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫سد َ ِ‬‫ف َ‬
‫ن { ]المؤمنون ‪.[71 :‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ُ‬
‫م { أي ‪ :‬حببه إلى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ه ِفي قلوب ِك ْ‬‫ُ‬ ‫ن وََزي ّن َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م الي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب إ ِلي ْك ُ‬ ‫حب ّ َ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَلك ِ ّ‬
‫نفوسكم وحسنه في قلوبكم‪.‬‬
‫سَعدة ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪ ،‬عن‬ ‫َ ْ‬‫م‬ ‫بن‬ ‫علي‬ ‫حدثنا‬ ‫‪،‬‬ ‫هز‬ ‫قال )‪ (3‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا َ ْ‬
‫ب‬
‫أنس قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬السلم علنية ‪،‬‬
‫واليمان في القلب" قال ‪ :‬ثم يشير بيده إلى صدره ثلث مرات ‪ ،‬ثم يقول ‪:‬‬
‫"التقوى هاهنا ‪ ،‬التقوى هاهنا" )‪.(4‬‬
‫ن { أي ‪ :‬وبغض إليكم الكفر‬ ‫صَيا َ‬ ‫سوقَ َوال ْعِ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫فَر َوال ْ ُ‬ ‫م ال ْك ُ ْ‬ ‫} وَك َّرهَ إ ِل َي ْك ُ ُ‬
‫والفسوق ‪ ،‬وهي ‪ :‬الذنوب‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬وقد ذهب إلى ذلك كثير من المفسرين ‪ ،‬وهذا القول فيه نظر ؛ فإن‬
‫الروايات التي ساقت القصة معلولة ‪ ،‬وأحسنها وهي رواية أحمد عن الحارث‬
‫بن ضرار الخزاعي ‪ ،‬وفي إسنادها مجهول ‪ ،‬وقد أنكر القاضي أبو بكر بن‬
‫العربي في كتابه "العواصم من القواصم" )ص ‪ (102‬هذه القصة قال ‪" :‬وقد‬
‫اختلف فيه ‪ ،‬فقيل ‪ :‬نزلت في ذلك ‪ -‬أي في شأن الوليد‪ .‬وقيل ‪ :‬في علي‬
‫والوليد في قصة أخرى ‪ -‬وقيل ‪ :‬إن الوليد سيق يوم الفتح في جملة الصبيان‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح روءسهم وبرك عليهم إل هو‬
‫فقال ‪ :‬إنه كان على رأسي خلوق ‪ ،‬فامتنع صلى الله عليه وسلم من مسه ‪،‬‬
‫فمن يكون في مثل هذه السنن يرسل مصدقا ‪ ،‬وبهذا الختلف يسقط‬
‫العلماء الحاديث القوية ‪ ،‬وكيف يفسق رجل هذا الكلم ؟ فكيف برجل من‬
‫أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وللشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه‬
‫الله كلم على الوليد بن عقبة في النوار الكاشفة )ص ‪ (263‬أثبت فيه أنه لم‬
‫يؤثر له رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جملة ما نفاه هذا‬
‫الحديث الذي ذكره ابن العربي‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (3/134‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (1/52‬رجاله رجال‬
‫الصحيح ما خل علي بن مسعدة ‪ ،‬وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي‬
‫وأبو حاتم وابن معين وضعفه آخرون"‪.‬‬

‫) ‪(7/372‬‬
‫ما عََلى‬ ‫فتان من ال ْمؤْمنين اقْتتُلوا فَأ َ‬ ‫ن َ‬
‫داهُ َ‬
‫ح َ‬ ‫ت إِ ْ‬‫ن ب َغَ ْ‬ ‫ما فَإ ِ ْ‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ُ ِ ِ َ‬ ‫طائ ِ َ َ ِ ِ َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ه‬‫ن‬
‫ََُْ َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫حوا‬ ‫ل‬
‫ْ ِ ُ‬‫ص‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫ِ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫في‬ ‫ت‬
‫َ ّ َِ‬‫تى‬ ‫ح‬ ‫غي‬ ‫ب‬
‫ِ َِْ‬‫ت‬ ‫تي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫خ‬‫اْل ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حوا‬‫صل ِ ُ‬‫خوَة ٌ فَأ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن )‪ (9‬إ ِن ّ َ‬ ‫طي َ‬‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫طوا إ ِ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ل وَأقْ ِ‬ ‫ِبال ْعَد ْ ِ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬‫م ت ُْر َ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬‫قوا الل ّ َ‬ ‫م َوات ّ ُ‬ ‫خوَي ْك ُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫الكبار‪ .‬والعصيان وهي جميع المعاصي‪ .‬وهذا تدريج لكمال النعمة‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬المتصفون بهذه الصفة هم‬ ‫دو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫م الّرا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫وقوله ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫الراشدون ‪ ،‬الذين قد آتاهم الله رشدهم‪.‬‬
‫قال )‪ (1‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ‪ ،‬حدثنا عبد الواحد‬
‫بن أيمن المكي ‪ ،‬عن ابن رفاعة الزرقي ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬لما كان يوم أحد )‬
‫‪ (2‬وانكفأ المشركون ‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬استووا حتى‬
‫أثني على ربي ‪ ،‬عز وجل" فصاروا خلفه صفوًفا ‪ ،‬فقال ‪" :‬اللهم لك الحمد‬
‫كله‪ .‬اللهم ل قابض لما بسطت ‪ ،‬ول باسط لما قبضت ‪ ،‬ول هادي لمن‬
‫مضل لمن هديت‪ .‬ول معطي لما منعت ‪ ،‬ول مانع لما أعطيت‪.‬‬ ‫أضللت ‪ ،‬ول ُ‬
‫ول مقرب لما باعدت ‪ ،‬ول مباعد لما قربت‪ .‬اللهم ابسط علينا من بركاتك‬
‫ورحمتك وفضلك ورزقك‪ .‬اللهم ‪ ،‬إني أسألك النعيم المقيم الذي ل يحول ول‬
‫يزول‪ .‬اللهم إني أسألك النعيم يوم العَي َْلة ‪ ،‬والمن يوم الخوف‪ .‬اللهم إنى‬
‫عائذ بك من شر ما أعطيتنا ‪ ،‬ومن شر ما منعتنا‪ .‬اللهم حبب إلينا اليمان‬
‫وزينه في قلوبنا ‪ ،‬وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ‪ ،‬واجعلنا من‬
‫الراشدين‪ .‬اللهم ‪ ،‬توفنا مسلمين ‪ ،‬وأحينا مسلمين ‪ ،‬وألحقنا بالصالحين ‪ ،‬غير‬
‫خزايا ول مفتونين‪ .‬اللهم ‪ ،‬قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن‬
‫سبيلك ‪ ،‬واجعل عليهم رجزك وعذابك‪ .‬اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب‬
‫‪ ،‬إله الحق"‪.‬‬
‫مْرَوان بن معاوية ‪،‬‬ ‫ورواه النسائي في اليوم والليلة عن زياد بن أيوب ‪ ،‬عن َ‬
‫عن عبد الواحد بن أيمن ‪ ،‬عن عُب َْيد بن ِرفاعة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به )‪.(3‬‬
‫وفي الحديث المرفوع ‪" :‬من سرته حسنته ‪ ،‬وساءته سيئته ‪ ،‬فهو مؤمن" )‬
‫‪.(4‬‬
‫ة { أي ‪ :‬هذا العطاء )‪ (5‬الذي منحكموه هو‬ ‫م ً‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ وَن ِعْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ِ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬فَ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬عليم بمن‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫فضل منه عليكم ونعمة من لدنه ‪َ } ،‬والل ُ‬
‫يستحق الهداية ممن يستحق الغواية ‪ ،‬حكيم في أقواله وأفعاله ‪ ،‬وشرعه‬
‫وقدره‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما عَلى‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬‫ت إِ ْ‬ ‫ن ب َغَ ْ‬ ‫ما فَإ ِ ْ‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬‫صل ِ ُ‬‫ن اقْت َت َلوا فَأ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫فَتا ِ‬ ‫ن طائ ِ َ‬ ‫} وَإ ِ ْ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫ت فأ ْ‬ ‫ن فاَء ْ‬ ‫مرِ اللهِ فإ ِ ْ‬ ‫فيَء إ ِلى أ ْ‬ ‫حّتى ت َ ِ‬ ‫قات ِلوا الِتي ت َب ِْغي َ‬ ‫خَرى ف َ‬ ‫ال ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حوا‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫خوَة ٌ فأ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ُ‬ ‫ن )‪ (9‬إ ِن ّ َ‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬
‫م ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل َ‬ ‫سطوا إ ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ل وَأق ِ‬ ‫ِبال ْعَد ْ ِ‬
‫ن )‪{ (10‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫م َوات ّ ُ‬ ‫خوَي ْك ُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الحديبية"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (3/424‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(10445‬‬
‫)‪ (4‬رواه أحمد في مسنده )‪ (1/18‬والترمذي في السنن برقم )‪ (2165‬من‬
‫حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‪ ،‬قال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح غريب من هذا الوجه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬القضاء"‪.‬‬
‫) ‪(7/373‬‬

‫يقول تعالى آمًرا بالصلح بين المسلمين )‪ (1‬الباغين بعضهم على بعض ‪:‬‬
‫َ‬
‫ما { ‪ ،‬فسماهم مؤمنين مع‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ن اقْت َت َُلوا فَأ ْ‬
‫صل ِ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬‫فَتا ِ‬ ‫ن َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫} وَإ ِ ْ‬
‫القتتال‪ .‬وبهذا استدل البخاري وغيره على أنه ل يخرج من اليمان بالمعصية‬
‫وإن عظمت ‪ ،‬ل كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم‪ .‬وهكذا‬
‫ثبت في صحيح البخاري من حديث الحسن ‪ ،‬عن أبي بكرة أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم خطب يوما ومعه على المنبر الحسن بن علي ‪ ،‬فجعل‬
‫ينظر إليه مرة وإلى الناس أخرى ويقول ‪" :‬إن ابني هذا سيد ولعل الله أن‬
‫يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" )‪ .(2‬فكان كما قال ‪ ،‬صلوات‬
‫الله وسلمه عليه ‪ ،‬أصلح الله به بين أهل الشام وأهل العراق ‪ ،‬بعد الحروب‬
‫الطويلة والواقعات المهولة‪.‬‬
‫َ‬
‫فيَء إ ِلى‬ ‫حّتى ت َ ِ‬ ‫ّ‬
‫قات ِلوا الِتي ت َب ِْغي َ‬ ‫ُ‬ ‫خَرى فَ َ‬ ‫ما عَلى ال ْ‬ ‫َ‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ت إِ ْ‬‫ن ب َغَ ْ‬‫وقوله ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫مرِ الل ّهِ { أي ‪ :‬حتى ترجع إلى أمر الله )‪ (3‬وتسمع للحق وتطيعه ‪ ،‬كما ثبت‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫في الصحيح عن أنس ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬انصر‬
‫أخاك ظالما أو مظلوما"‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬هذا نصرته مظلوما فكيف‬
‫أنصره ظالما ؟ قال ‪" :‬تمنعه من الظلم ‪ ،‬فذاك نصرك إياه" )‪.(4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عارم ‪ ،‬حدثنا معتمر قال ‪ :‬سمعت أبي يحدث ‪ :‬أن‬
‫سا قال ‪ :‬قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لو أتيت عبد الله بن أبي ؟‬ ‫أن ً‬
‫فانطلق إليه نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب حماًرا ‪ ،‬وانطلق‬
‫المسلمون يمشون ‪ ،‬وهي أرض سبخة ‪ ،‬فلما انطلق إليه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬إليك عني ‪ ،‬فوالله لقد آذاني ريح حمارك" فقال رجل من‬
‫النصار ‪ :‬والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك‪ .‬قال ‪ :‬فغضب لعبد الله‬
‫رجال من قومه ‪ ،‬فغضب لكل واحد منهما أصحابه ‪ ،‬قال ‪ :‬فكان بينهم ضرب‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فَتا ِ‬ ‫ن َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫بالجريد واليدي والنعال ‪ ،‬فبلغنا أنه أنزلت فيهم ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ما {‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫ن اقْت َت َُلوا فَأ ْ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫دد ‪ ،‬ومسلم في "المغازي" عن محمد‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬‫ورواه البخاري في "الصلح" عن ُ‬
‫بن عبد العلى ‪ ،‬كلهما عن المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به نحوه )‪.(5‬‬
‫وذكر سعيد بن جبير ‪ :‬أن الوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال ‪،‬‬
‫فأنزل الله هذه الية ‪ ،‬فأمر بالصلح بينهما‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬كان رجل من النصار يقال له ‪" :‬عمران" ‪ ،‬كانت له امرأة‬
‫تدعى أم زيد )‪ ، (6‬وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها‬
‫في عُل َّية له ل يدخل عليها أحد من أهلها‪ .‬وإن المرأة بعثت إلى أهلها ‪ ،‬فجاء‬
‫قومها وأنزلوها لينطلقوا بها ‪ ،‬وإن الرجل قد كان خرج ‪ ،‬فاستعان أهل الرجل‬
‫‪ ،‬فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها ‪ ،‬فتدافعوا واجتلدوا بالنعال ‪،‬‬
‫فنزلت فيهم هذه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬المقتتلين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(2704‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬إلى أمر الله ورسوله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(2443‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (3/157‬وصحيح البخاري برقم )‪ (2691‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(1799‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬

‫) ‪(7/374‬‬

‫الية‪ .‬فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلح بينهم ‪ ،‬وفاءوا‬
‫إلى أمر الله‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫ح ّ‬‫ه يُ ِ‬
‫ن الل َ‬ ‫سطوا إ ِ ّ‬ ‫ل وَأقْ ِ‬ ‫ما ِبالعَد ْ ِ‬‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ت فَأ ْ‬
‫صل ِ ُ‬ ‫ن َفاَء ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬اعدلوا بينهم فيما كان أصاب بعضهم لبعض ‪ ،‬بالقسط ‪،‬‬ ‫طي َ‬
‫س ِ‬‫ق ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ن{‬ ‫طي َ‬
‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫وهو العدل ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ‪،‬‬ ‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب )‪، (1‬‬ ‫معْ َ‬‫حدثنا عبد العلى ‪ ،‬عن َ‬
‫عن عبد الله بن عمرو ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن‬
‫المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين يدي الرحمن ‪ ،‬بما أقسطوا في‬
‫الدنيا"‪.‬‬
‫ورواه النسائي )‪ (2‬عن محمد بن المثنى ‪ ،‬عن عبد العلى ‪ ،‬به )‪ .(3‬وهذا‬
‫إسناده جيد قوي ‪ ،‬رجاله على شرط الصحيح‪.‬‬
‫وحدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد ‪ ،‬حدثنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫دينار ‪ ،‬عن عمرو بن أوس ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو ‪ ،‬عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور على‬
‫يمين العرش ‪ ،‬الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما وَُلوا"‪.‬‬
‫ورواه مسلم والنسائي ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬به )‪.(4‬‬
‫خوَة ٌ { أي ‪ :‬الجميع إخوة في الدين ‪ ،‬كما قال‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول‬
‫يسلمه" )‪ .(5‬وفي الصحيح ‪" :‬والله في عون العبد ما كان العبد في عون‬
‫أخيه" )‪ .(6‬وفي الصحيح أيضا ‪" :‬إذا دعا المسلم لخيه بظهر الغيب قال‬
‫الملك ‪ :‬آمين ‪ ،‬ولك بمثله" )‪ .(7‬والحاديث في هذا كثيرة ‪ ،‬وفي الصحيح ‪:‬‬
‫"مثل المؤمنين في َتواّدهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد ‪ ،‬إذا‬
‫سَهر"‪ .‬وفي الصحيح‬ ‫مى وال ّ‬ ‫ح ّ‬‫اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بال ُ‬
‫أيضا ‪" :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان ‪ ،‬يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه )‪.(8‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا أحمد بن الحجاج ‪ ،‬حدثنا عبد الله ‪ ،‬أخبرنا مصعب بن ثابت‬
‫‪ ،‬حدثني أبو حازم قال ‪ :‬سمعت سهل بن سعد الساعدي يحدث عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن المؤمن من أهل اليمان بمنزلة الرأس‬
‫من الجسد ‪ ،‬يألم المؤمن لهل اليمان ‪ ،‬كما يألم الجسد لما في الرأس" )‬
‫‪ .(9‬تفرد به ول بأس بإسناده‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬مسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(5917‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪ (1827‬وسنن النسائي )‪.(8/321‬‬
‫)‪ (5‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (2442‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪ (2580‬من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪ (2699‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم برقم )‪ (2732‬من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (6011‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2586‬من حديث‬
‫النعمان بن بشير رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪ (5/340‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (8/187‬رجال أحمد‬
‫رجال الصحيح"‪.‬‬

‫) ‪(7/375‬‬

‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬


‫م وََل ن ِ َ‬
‫ساٌء‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫خي ًْرا ِ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ن قَوْم ٍ عَ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫خْر قَوْ ٌ‬ ‫س َ‬‫مُنوا َل ي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫ب‬‫قا ِ‬ ‫م وََل ت ََناب َُزوا ِباْل َل ْ َ‬‫سك ُ ْ‬‫ف َ‬ ‫مُزوا أ َن ْ ُ‬ ‫ن وََل ت َل ْ ِ‬‫من ْهُ ّ‬‫خي ًْرا ِ‬‫ن َ‬‫ن ي َك ُ ّ‬
‫َ‬
‫سى أ ْ‬ ‫ساٍء عَ َ‬‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬ ‫ب فَأولئ ِك هُ ُ‬ ‫م ي َت ُ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن وَ َ‬ ‫ما ِ‬‫لي َ‬
‫سوقُ ب َعْد َ ا ِ‬ ‫ف ُ‬
‫م ال ُ‬ ‫س ُ‬
‫س اِل ْ‬ ‫ب ِئ ْ َ‬
‫َ‬
‫ه{‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫م { يعني ‪ :‬الفئتين المقتتلتين ‪َ } ،‬وات ّ ُ‬ ‫خوَي ْك ُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫حوا ب َي ْ َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأ ْ‬
‫ن { ‪ ،‬وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫أي ‪ :‬في جميع أموركم } ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫لمن اتقاه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م َول‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خي ًْرا ِ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ن قَوْم ٍ عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫خْر َقو ٌ‬ ‫س َ‬ ‫مُنوا ل ي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م َول ت ََناب َُزوا‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬‫مُزوا أ َن ْ ُ‬ ‫ن َول ت َل ْ ِ‬ ‫من ْهُ ّ‬ ‫خي ًْرا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي َك ُ ّ‬
‫َ‬
‫سى أ ْ‬ ‫ساٍء عَ َ‬ ‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ساٌء ِ‬ ‫نِ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب فَأولئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫م ي َت ُ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫سوقُ ب َعْد َ الي َ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫س ُ‬ ‫س ال ْ‬ ‫ب ب ِئ ْ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ِبالل َ‬
‫)‪{ (11‬‬
‫ينهى تعالى عن السخرية بالناس ‪ ،‬وهو احتقارهم والستهزاء بهم ‪ ،‬كما ثبت‬
‫في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬الك ِْبر بطر‬
‫مص الناس" ويروى ‪" :‬وغمط الناس" )‪ (1‬والمراد من ذلك ‪:‬‬ ‫الحق وغَ ْ‬
‫احتقارهم واستصغارهم ‪ ،‬وهذا حرام ‪ ،‬فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬
‫ساٍء‬ ‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ساٌء ِ‬ ‫م َول ن ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خي ًْرا ِ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ن قَوْم ٍ عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خْر َقو ٌ‬ ‫س َ‬‫مُنوا ل ي َ ْ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء‪.‬‬ ‫من ْهُ ّ‬ ‫خي ًْرا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي َك ُ ّ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫عَ َ‬
‫ماز الّلماز من‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬ل تلمزوا الناس‪ .‬واله ّ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مُزوا أن ْ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ت َل ْ ِ‬
‫مَزةٍ {‬ ‫مَزةٍ ل ُ َ‬ ‫ل هُ َ‬ ‫ل ل ِك ُ ّ‬ ‫الرجال مذموم ملعون ‪ ،‬كما قال ]تعالى[ ‪ } (2) :‬وَي ْ ٌ‬
‫شاٍء‬ ‫م ّ‬ ‫مازٍ َ‬ ‫]الهمزة ‪ ، [1 :‬فالهمز بالفعل واللمز بالقول ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬هَ ّ‬
‫ميم ٍ { ]القلم ‪ [11 :‬أي ‪ :‬يحتقر الناس ويهمزهم طاعًنا عليهم ‪ ،‬ويمشي‬ ‫ب ِن َ ِ‬
‫مُزوا‬ ‫ْ‬
‫بينهم بالنميمة وهي ‪ :‬اللمز بالمقال ؛ ولهذا قال هاهنا ‪َ } :‬ول ت َل ِ‬
‫م { ]النساء ‪ [29 :‬أي ‪ :‬ل يقتل‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬‫قت ُُلوا أ َن ْ ُ‬ ‫م { ‪ ،‬كما قال ‪َ } :‬ول ت َ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫بعضكم بعضا )‪.(3‬‬
‫حّيان ‪:‬‬ ‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومقاتل بن َ‬
‫م { أي ‪ :‬ل يطعن بعضكم على بعض‪.‬‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مُزوا أ َن ْ ُ‬ ‫} َول ت َل ْ ِ‬
‫ب { أي ‪ :‬ل تتداعوا باللقاب ‪ ،‬وهي التي يسوء‬ ‫قا ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ت ََناب َُزوا ِبالل ْ َ‬
‫الشخص سماعها‪.‬‬
‫قال )‪ (4‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬حدثنا داود بن أبي هند ‪ ،‬عن الشعبي‬
‫جِبيرة )‪ (5‬بن الضحاك قال ‪ :‬فينا نزلت في بني سلمة ‪:‬‬ ‫قال ‪ :‬حدثني أبو َ‬
‫ب { قال ‪ :‬قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة‬ ‫قا ِ‬ ‫} َول ت ََناب َُزوا ِبالل ْ َ‬
‫ى أحد منهم باسم من‬ ‫ع َ‬ ‫وليس فينا رجل إل وله اسمان أو ثلثة ‪ ،‬فكان إذا د ُ ِ‬
‫تلك السماء قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنه يغضب من هذا‪ .‬فنزلت ‪َ } :‬ول ت ََناب َُزوا‬
‫ب{‬ ‫قا ِ‬ ‫ِبالل ْ َ‬
‫ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل ‪ ،‬عن وُهَْيب ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬به )‪.(6‬‬
‫ن { أي ‪ :‬بئس الصفة والسم‬ ‫ما ِ‬‫سوقُ ب َعْد َ الي َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫س ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ب ِئ ْ َ‬
‫س ال ْ‬
‫الفسوق وهو ‪ :‬التنابز باللقاب ‪ ،‬كما كان أهل الجاهلية يتناعتون ‪ ،‬بعدما‬
‫ب{‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ي َت ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫دخلتم )‪ (7‬في السلم وعقلتموه ‪ } ،‬وَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪ (91‬من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬أي ‪ :‬ل يطعن بعذكم على بعض"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬عن أبي جبيرة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (4/260‬وسنن أبي داود برقم ) ‪ (4962‬ورواه الترمذي في‬
‫السنن برقم )‪ (3268‬من طريق داود بن أبي هند به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫"حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬دخلوا"‪.‬‬

‫) ‪(7/376‬‬

‫ن{‬
‫مو َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫أي ‪ :‬من هذا } فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬

‫) ‪(7/377‬‬

‫سوا وََل‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬


‫س ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫م وََل ت َ َ‬ ‫ض الظ ّ ّ‬
‫ن إ ِث ْ ٌ‬ ‫ن ب َعْ َ‬‫ن إِ ّ‬‫ظّ ّ‬ ‫ن ال‬‫م َ‬‫جت َن ُِبوا ك َِثيًرا ِ‬ ‫مُنوا ا ْ‬‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫ْ‬
‫قوا‬
‫موه ُ َوات ّ ُ‬ ‫مي ًْتا فَك َرِهْت ُ ُ‬ ‫م أَ ِ‬
‫خيهِ َ‬ ‫ل لَ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ن ي َأك ُ َ‬ ‫حب أ َحدك ُ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ضا أي ُ ِ ّ َ ُ ْ‬
‫َ‬
‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ب ب َعْ ُ‬‫ي َغْت َ ْ‬
‫م )‪(12‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ه تَ ّ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬‫الل ّ َ‬
‫َ‬
‫سوا‬ ‫س ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫م َول ت َ َ‬ ‫ض الظ ّ ّ‬
‫ن إ ِث ْ ٌ‬ ‫ن ب َعْ َ‬
‫ن إِ ّ‬‫ن الظ ّ ْ ّ‬
‫م َ‬‫جت َن ُِبوا ك َِثيًرا ِ‬‫مُنوا ا ْ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫قوا‬
‫موه ُ َوات ّ ُ‬ ‫مي ًْتا فَك َرِهْت ُ ُ‬ ‫م أَ ِ‬
‫خيهِ َ‬ ‫ل لَ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ن ي َأك ُ َ‬ ‫حب أ َحدك ُ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ضا أي ُ ِ ّ َ ُ ْ‬
‫َ‬
‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ب ب َعْ ُ‬ ‫َول ي َغْت َ ْ‬
‫م )‪{ (12‬‬ ‫حي ٌ‬‫ب َر ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ه تَ ّ‬‫ن الل ّ َ‬‫ه إِ ّ‬ ‫الل ّ َ‬
‫يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن ‪ ،‬وهو التهمة والتخون‬
‫للهل والقارب والناس في غير محله ؛ لن بعض ذلك يكون إثما محضا ‪،‬‬
‫فليجتنب كثير منه احتياطا ‪ ،‬وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬ول تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إل‬
‫خيرا ‪ ،‬وأنت تجد لها في الخير محمل )‪.(1‬‬
‫وقال أبو عبد الله بن ماجه ‪ :‬حدثنا أبو القاسم بن أبي ضمرة نصر بن محمد‬
‫مصي ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن أبي قيس الّنضري ‪،‬‬ ‫ح ْ‬ ‫بن سليمان ال ِ‬
‫حدثنا )‪ (2‬عبد الله بن عمر )‪ (3‬قال ‪ :‬رأيت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يطوف بالكعبة ويقول ‪" :‬ما أطيبك وأطيب ريحك ‪ ،‬ما أعظمك وأعظم‬
‫حرمتك‪ .‬والذي نفس محمد بيده ‪ ،‬لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة‬
‫منك ‪ ،‬ماله ودمه ‪ ،‬وأن يظن به إل خير )‪ .(4‬تفرد به ابن ماجه من هذا الوجه‬
‫)‪.(5‬‬
‫وقال مالك ‪ ،‬عن أبي الّزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إياكم والظن فإن الظن )‪ (6‬أكذب الحديث ‪ ،‬ول‬
‫تجسسوا ول تحسسوا ‪ ،‬ول تنافسوا ‪ ،‬ول تحاسدوا ‪ ،‬ول تباغضوا ‪ ،‬ول‬
‫تدابروا ‪ ،‬وكونوا عباد الله إخوانا"‪.‬‬
‫رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ‪ ،‬ومسلم عن يحيى بن يحيى ‪ ،‬وأبو‬
‫داود عن العتبي ]ثلثتهم[ )‪ ، (7‬عن مالك ‪ ،‬به )‪.(8‬‬
‫وقال سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أنس ]رضي الله عنه[ )‪ (9‬قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل تقاطعوا ‪ ،‬ول تدابروا ‪ ،‬ول‬
‫تباغضوا ‪ ،‬ول تحاسدوا ‪ ،‬وكونوا عباد الله إخوانا ‪ ،‬ول يحل للمسلم أن يهجر‬
‫أخاه فوق ثلثة أيام"‪.‬‬
‫رواه مسلم والترمذي ‪ -‬وصححه ‪ -‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬به )‪.(10‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه أحمد في الزهد كما في الدر المنثور )‪.(7/565‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى ابن ماجه بسنده عن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬بن عمر رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬خيرا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (3932‬وقال البوصيري في الزوائد )‪(3/223‬‬
‫"هذا إسناد فيه مقال ‪ ،‬نصر بن محمد ضعفه أبو حاتم وذكره ابن حبان في‬
‫الثقات ‪ ،‬وباقي رجال السناد ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فإنه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬الموطأ )‪ (2/908‬وصحيح البخاري برقم )‪ (6066‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2563‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (10‬صحيح مسلم برقم )‪ ، (2559‬وسنن الترمذي برقم )‪.(1935‬‬

‫) ‪(7/377‬‬

‫مطي العدوي ‪ ،‬حدثنا بكر‬ ‫قْر ِ‬


‫وقال )‪ (1‬الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله ال ِ‬
‫بن عبد الوهاب المدني ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن قيس النصاري ‪ ،‬حدثني عبد‬
‫الرحمن بن محمد بن أبي الرجال ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده حارثة بن النعمان قال‬
‫‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ثلث لزمات لمتي ‪ :‬الط ّي ََرة ُ ‪،‬‬
‫والحسد وسوء الظن"‪ .‬فقال رجل ‪ :‬ما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه ؟‬
‫قال ‪" :‬إذا حسدت فاستغفر الله ‪ ،‬وإذا ظننت فل تحقق ‪ ،‬وإذا تطيرت َفأمض‬
‫)‪ .(3) " (2‬وقال )‪ (4‬أبو داود ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن زيد قال ‪ :‬أتي ابن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫برجل )‪ ، (5‬فقيل له ‪ :‬هذا فلن تقطر لحيته خمرا‪ .‬فقال عبد الله ‪ :‬إنا قد‬
‫نهينا عن التجسس ‪ ،‬ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به )‪.(6‬‬
‫سماه ابن أبي حاتم في روايته الوليد بن عقبة بن أبي معيط )‪.(7‬‬
‫شيط‬ ‫وقال )‪ (8‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا هاشم ‪ ،‬حدثنا ل َْيث ‪ ،‬عن إبراهيم بن ن َ ِ‬
‫خْين كاتب عقبة قال ‪:‬‬ ‫ولني ‪ ،‬عن كعب بن علقمة ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن د ُ َ‬ ‫خ ْ‬
‫ال َ‬
‫قلت لعقبة ‪ :‬إن لنا جيرانا يشربون الخمر ‪ ،‬وأنا داع لهم الشرط فيأخذونهم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ل تفعل ‪ ،‬ولكن عظهم وتهددهم‪ .‬قال ‪ :‬ففعل فلم ينتهوا‪ .‬قال ‪ :‬فجاءه‬
‫خْين فقال ‪ :‬إني قد نهيتهم فلم ينتهوا ‪ ،‬وإني داع لهم الشرط فيأخذونهم‪.‬‬ ‫دُ َ‬
‫قال ‪ :‬ل تفعل ‪ ،‬ولكن عظهم وتهددهم‪ .‬قال ‪ :‬ففعل فلم ينتهوا‪ .‬قال ‪ :‬فجاءه‬
‫دخين فقال ‪ :‬إني قد نهيتهم فلم ينتهوا ‪ ،‬وإني داع لهم الشرط فتأخذهم‪.‬‬
‫فقال له عقبة ‪ :‬ويحك ل تفعل ‪ ،‬فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والنسائي من حديث الليث بن سعد ‪ ،‬به نحوه )‪.(9‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن ثور ‪ ،‬عن راشد بن سعد ‪ ،‬عن معاوية قال ‪:‬‬
‫سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إنك إن اتبعت عورات الناس‬
‫أفسدتهم" أو ‪" :‬كدت أن تفسدهم"‪ .‬فقال أبو الدرداء ‪ :‬كلمة سمعها معاوية‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬نفعه الله بها‪ .‬رواه أبو داود منفردا به‬
‫من حديث الثوري ‪ ،‬به )‪.(10‬‬
‫وقال أبو داود أيضا ‪ :‬حدثنا سعيد بن عمرو الحضرمي ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن‬
‫فْير ‪،‬‬
‫جب َْير بن ن ُ َ‬ ‫عة ‪ ،‬عن ُ‬
‫شَرْيح بن عبيد ‪ ،‬عن ُ‬ ‫ضم بن ُزَر َ‬‫م َ‬
‫ض ْ‬
‫عياش ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫مّرة ‪ ،‬وعمرو بن السود ‪ ،‬والمقدام بن معد يكرب )‪ ، (11‬وأبي‬ ‫وكثير بن ُ‬
‫أمامة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن المير إذا ابتغى الريبة في‬
‫الناس ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وإذا نظرت فاغضض" وفي م ‪ ،‬أ ‪" :‬وإذا تطيرت فاغمض"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المعجم الكبير )‪ ، (3/228‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (8/78‬فيه‬
‫إسماعيل بن قيس النصاري وهو ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬لفظة "برجل" غير موجودة بسنن أبي داود‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن أبي داود برقم )‪.(4890‬‬
‫)‪ (7‬وذلك لما أكثر الناس في الوليد بن عقبة ‪ ،‬وقد كان ابن مسعود على‬
‫بيت المال في ولية الوليد بن عقبة في عهد عثمان رضي الله عنه وقصة‬
‫جلد الوليد على الخمر مشهورة في الصحيحين‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪ (4/153‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4892‬والنسائي في السنن‬
‫الكبري برقم )‪.(7283‬‬
‫)‪ (10‬سنن أبي داود برقم )‪.(4888‬‬
‫)‪ (11‬في م ‪" :‬معدي كرب"‪.‬‬

‫) ‪(7/378‬‬

‫أفسدهم" )‪.(1‬‬
‫سوا { أي ‪ :‬على بعضكم بعضا‪ .‬والتجسس غالبا‬ ‫س ُ‬‫ج ّ‬
‫]وقوله[ ‪َ } (2) :‬ول ت َ َ‬
‫يطلق في الشر ‪ ،‬ومنه الجاسوس‪ .‬وأما التحسس فيكون غالبا في الخير ‪،‬‬
‫ي‬
‫السلم[ )‪ (3‬أنه قال ‪َ } :‬يا ب َن ِ ّ‬ ‫كما قال تعالى إخبارا عن يعقوب ]عليه‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ن َروِْح اللهِ { ]يوسف ‪:‬‬ ‫م ْ‬
‫سوا ِ‬ ‫ف وَأ َ ِ‬
‫خيهِ َول ت َي ْأ ُ‬ ‫س َ‬‫ن ُيو ُ‬ ‫م ْ‬
‫سوا ِ‬
‫س ُ‬ ‫اذ ْهَُبوا فَت َ َ‬
‫ح ّ‬
‫‪ ، [87‬وقد يستعمل كل منهما في الشر ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل تجسسوا ‪ ،‬ول تحسسوا ‪ ،‬ول تباغضوا ‪،‬‬
‫ول تدابروا ‪ ،‬وكونوا عباد الله إخوانا" )‪.(4‬‬
‫وقال الوزاعي ‪ :‬التجسس ‪ :‬البحث عن الشيء‪ .‬والتحسس ‪ :‬الستماع إلى‬
‫صْرم‪.‬‬ ‫حديث القوم وهم له كارهون ‪ ،‬أو يتسمع على أبوابهم‪ .‬والتدابر ‪ :‬ال ّ‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫ضا { فيه نهي عن الغيبة ‪ ،‬وقد فسرها الشارع‬ ‫م ب َعْ ً‬‫ضك ُ ْ‬‫ب ب َعْ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ي َغْت َ ْ‬
‫قعْن َِبي ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز‬ ‫كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود ‪ :‬حدثنا ال َ‬
‫بن محمد ‪ ،‬عن العلء ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة )‪ (5‬قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬ما الغيبة ؟ قال ‪" :‬ذكرك أخاك بما يكره"‪ .‬قيل ‪ :‬أفرأيت إن كان في‬
‫أخي ما أقول ؟ قال ‪" :‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ‪ ،‬وإن لم يكن فيه ما‬
‫تقول فقد بهته"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي عن قتيبة ‪ ،‬عن الد َّراوَْردي ‪ ،‬به )‪ .(6‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫در ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن العلء )‪ .(7‬وهكذا قال‬ ‫دار ‪ ،‬عن غُن ْ َ‬ ‫ورواه ابن جرير عن ب ُن ْ َ‬
‫ابن عمر ‪ ،‬ومسروق ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبو إسحاق ‪ ،‬ومعاوية بن قُّرة‪.‬‬
‫دد ‪ ،‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬حدثني علي بن‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫وقال )‪ (8‬أبو داود ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫القمر ‪ ،‬عن أبي حذيفة ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬قلت للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬حسبك من صفية كذا وكذا! ‪ -‬قال غير مسدد ‪ :‬تعني قصيرة ‪ -‬فقال ‪:‬‬
‫ت بماء البحر لمزجته"‪ .‬قالت ‪ :‬وحكيت له إنسانا ‪،‬‬ ‫ج ْ‬ ‫مزِ َ‬ ‫"لقد قلت كلمة لو ُ‬
‫فقال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما أحب أني حكيت إنساًنا ‪ ،‬وإن لي كذا‬
‫وكذا"‪.‬‬
‫كيع ‪،‬‬‫مهْدِيّ ‪ ،‬ووَ ِ‬
‫قطان ‪ ،‬وعبد الرحمن بن َ‬ ‫ّ‬ ‫ورواه الترمذي من حديث يحيى ال َ‬
‫ثلثتهم عن سفيان الثوري ‪ ،‬عن علي بن القمر ‪ ،‬عن أبي حذيفة سلمة بن‬
‫صهيبة الرحبي ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬به‪ .‬وقال ‪ :‬حسن صحيح )‪.(9‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني ابن أبي الشوارب ‪ :‬حدثنا عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬حدثنا‬
‫سليمان الشيباني ‪ ،‬حدثنا حسان بن المخارق )‪ (10‬؛ أن امرأة دخلت على‬
‫عائشة ‪ ،‬فلما قامت لتخرج أشارت عائشة بيدها‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود برقم )‪.(4889‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(2442‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬أبي هريرة رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن أبي داود برقم )‪ (4874‬وسنن الترمذي برقم )‪.(1935‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪.(26/86‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (9‬سنن أبي داود برقم )‪ (4875‬وسنن الترمذي برقم )‪.(2503 ، 2502‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بسنده"‪.‬‬

‫) ‪(7/379‬‬

‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أي ‪ :‬إنها قصيرة ‪ -‬فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬اغتبتيها" )‪.(1‬‬
‫والغيبة محرمة بالجماع ‪ ،‬ول يستثنى من ذلك إل ما رجحت مصلحته ‪ ،‬كما‬
‫في الجرح والتعديل والنصيحة ‪ ،‬كقوله صلى الله عليه وسلم )‪ ، (2‬لما‬
‫استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر ‪" :‬ائذنوا له ‪ ،‬بئس أخو العشيرة" )‪، (3‬‬
‫وكقوله لفاطمة بنت قيس ‪ -‬وقد خطبها معاوية وأبو الجهم ‪" : -‬أما معاوية‬
‫فصعلوك )‪ ، (4‬وأما أبو الجهم فل يضع عصاه عن عاتقه" )‪ .(5‬وكذا ما جرى‬
‫مجرى ذلك‪ .‬ثم بقيتها على التحريم الشديد ‪ ،‬وقد ورد فيها الزجر الكيد )‪ (6‬؛‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫ولهذا شبهها تعالى بأكل اللحم من النسان الميت ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬أ َي ُ ِ‬
‫موه ُ { ؟ أي ‪ :‬كما تكرهون هذا طبعا ‪،‬‬ ‫مي ًْتا فَك َرِهْت ُ ُ‬
‫خيهِ َ‬‫م أَ ِ‬
‫ح َ‬ ‫ن ي َأ ْك ُ َ‬
‫ل لَ ْ‬
‫أ َحدك ُ َ‬
‫مأ ْ‬‫َ ُ ْ‬
‫فاكرهوا ذاك شرعا ؛ فإن عقوبته أشد من هذا وهذا من التنفير عنها والتحذير‬
‫منها ‪ ،‬كما قال ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في العائد في هبته ‪" :‬كالكلب يقيء ثم يرجع‬
‫في قيئه" ‪ ،‬وقد قال ‪" :‬ليس لنا مثل السوء"‪ .‬وثبت في الصحاح )‪(7‬‬
‫والحسان والمسانيد من غير وجه أنه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قال في خطبة ]حجة[ )‬
‫‪ (8‬الوداع ‪" :‬إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ‪ ،‬كحرمة يومكم‬
‫هذا ‪ ،‬في شهركم هذا ‪ ،‬في بلدكم هذا" )‪.(9‬‬
‫وقال )‪ (10‬أبو داود ‪ :‬حدثنا واصل بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا أسباط بن محمد ‪،‬‬
‫عن هشام بن سعد ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كل المسلم على المسلم‬
‫حرام ‪ :‬ماله وعرضه ودمه ‪ ،‬حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي )‪ (11‬عن عبيد بن أسباط بن محمد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به )‪.(12‬‬
‫وقال ‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫وحدثنا عثمان بن أبي شيبة )‪ ، (13‬حدثنا السود بن عامر ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن‬
‫عياش ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن سعيد بن عبد الله )‪ (14‬بن جريج ‪ ،‬عن أبي برزة‬
‫السلمي قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا معشر من آمن‬
‫بلسانه ولم يدخل اليمان قلبه ‪ ،‬ل تغتابوا المسلمين ‪ ،‬ول تتبعوا عوراتهم ‪،‬‬
‫فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته"‪.‬‬
‫تفرد به أبو داود )‪ .(15‬وقد روي من حديث البراء بن عازب ‪ ،‬فقال الحافظ‬
‫أبو يعلى في مسنده ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن دينار ‪ ،‬حدثنا مصعب بن سلم ‪ ،‬عن‬
‫حمزة بن حبيب الزيات ‪ ،‬عن أبي إسحاق‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(26/87‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (3132‬من حديث عائشة رضي الله‬
‫عنها‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬فصعلوك ل مال له"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪.(1480‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الشديد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (1218‬من حديث جابر رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬رواه الترمذي وحسنه"‪.‬‬
‫)‪ (12‬سنن أبي داود برقم )‪ (4882‬وسنن الترمذي برقم )‪.(1927‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪" :‬وروى أبو داود"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في أ ‪" :‬عبيد الله"‪.‬‬
‫)‪ (15‬سنن أبي داود برقم )‪.(4880‬‬

‫) ‪(7/380‬‬
‫سِبيعي )‪ ، (1‬عن البراء بن عازب )‪ (2‬قال ‪ :‬خطبنا رسول الله صلى الله‬ ‫ال ّ‬
‫عليه وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتها ‪ -‬أو قال ‪ :‬في خدورها ‪ -‬فقال ‪" :‬يا‬
‫معشر من آمن بلسانه ‪ ،‬ل تغتابوا المسلمين ‪ ،‬ول تتبعوا عوراتهم ‪ ،‬فإنه من‬
‫يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته ‪ ،‬ومن يتبع الله عورته يفضحه )‪ (3‬في جوف‬
‫بيته" )‪.(4‬‬
‫طريق أخرى عن ابن عمر ‪ :‬قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم السماعيلي ‪:‬‬
‫أخبرنا عبد الله بن ناجية ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أكثم ‪ ،‬حدثنا الفضل بن موسى‬
‫الشيباني ‪ ،‬عن الحسين بن واقد ‪ ،‬عن أوفى بن د َل َْهم ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن‬
‫عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬يا معشر من آمن بلسانه‬
‫ن إلى قلبه ‪ ،‬ل تغتابوا المسلمين ‪ ،‬ول تتبعوا عوراتهم ؛ فإنه‬ ‫ض اليما ُ‬‫ف ِ‬‫ولم ي ُ ْ‬
‫من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ‪ ،‬ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو‬
‫في جوف رحله"‪ .‬قال ‪ :‬ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال ‪ :‬ما أعظمك‬
‫م حرمة عند الله منك )‪.(5‬‬ ‫وأعظم حرمتك ‪ ،‬وللمؤمن أعظ ُ‬
‫قّية ‪ ،‬عن ابن ثوبان ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬ ‫شَرْيح ‪ ،‬حدثنا ب َ ِ‬ ‫وة بن ُ‬ ‫حي ْ َ‬
‫قال أبو داود ‪ :‬وحدثنا َ‬
‫عن مكحول ‪ ،‬عن وقاص بن ربيعة ‪ ،‬عن المستورد ؛ أنه حدثه ‪ :‬أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه‬
‫كسى ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله‬ ‫مثلها في )‪ (6‬جهنم )‪ ، (7‬ومن ُ‬
‫في )‪ (8‬جهنم‪ .‬ومن قام برجل مقام سمعةٍ ورياء فإن الله يقوم به مقام‬
‫سمعة ورياء يوم القيامة"‪ .‬تفرد به أبو داود )‪.(9‬‬
‫وحدثنا ابن مصفى ‪ ،‬حدثنا بقية وأبو المغيرة قال حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثني راشد‬
‫بن سعد وعبد الرحمن بن جبير ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫رج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ‪،‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لما عُ ِ‬
‫يخمشون وجوههم وصدورهم ‪ ،‬قلت ‪ :‬من هؤلء يا جبرائيل )‪ (10‬؟ قال ‪:‬‬
‫هؤلء الذين يأكلون لحوم الناس ‪ ،‬ويقعون في أعراضهم"‪.‬‬
‫تفرد به أبو داود ‪ ،‬وهكذا رواه المام أحمد ‪ ،‬عن أبي المغيرة عبد القدوس بن‬
‫الحجاج الشامي ‪ ،‬به )‪.(11‬‬
‫وقال )‪ (12‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبدة ‪ ،‬حدثنا أبو عبد‬
‫الصمد بن عبد العزيز ابن عبد الصمد العمي ‪ ،‬حدثنا أبو هارون العَْبديّ ‪ ،‬عن‬
‫أبي سعيد الخدري ]رضي الله عنه[ )‪ (13‬قال ‪ :‬قلنا يا رسول الله ‪ ،‬حدثنا ما‬
‫رأيت ليلة أسريَ بك ؟‪ ...‬قال ‪" :‬ثم انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير ‪،‬‬
‫ذون منه‬ ‫كل بهم رجال يعمدون إلى عُْرض جَنب أحدهم فَي َ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫مو َ ّ‬
‫رجال ونساء ُ‬
‫ي أحدهم ‪ ،‬فيقال له ‪" :‬كل كما )‪(14‬‬ ‫حذ َْوة من مثل النعل ثم يضعونه في ف ّ‬ ‫ال ُ‬
‫أكلت" ‪ ،‬وهو يجد من أكله الموت ‪ -‬يا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى الحافظ أبو يعلى في مسنده بسنده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬البراء بن عازب رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬يفضحه ولو في"‪.‬‬
‫)‪ (4‬مسند أبي يعلى )‪ (3/237‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (8/93‬رجاله‬
‫ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (5‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (2032‬من طريق الفضل بن موسى‬
‫به ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث حسن غريب ل نعرفه إل من حديث الحسين بن‬
‫واقد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬في نار جهنم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (9‬سنن أبي داود برقم )‪.(4881‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬جبريل"‪.‬‬
‫)‪ (11‬سنن أبي داود برقم )‪ ، (4878‬والمسند )‪.(3/224‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (13‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬

‫) ‪(7/381‬‬

‫محمد ‪ -‬لو يجد الموت وهو يكره عليه فقلت ‪ :‬يا جبرائيل )‪ ، (1‬من هؤلء ‪:‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مازون أصحاب النميمة‪ .‬فيقال )‪ } : (2‬أ َي ُ ِ‬
‫حد ُك ْ‬ ‫بأ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫مازون الل ّ‬ ‫قال ‪ :‬هؤلء اله ّ‬
‫موه ُ { وهو يكره على أكل لحمه‪.‬‬ ‫َ‬
‫مي ًْتا فَكرِهْت ُ ُ‬ ‫م أَ ِ‬
‫خيهِ َ‬ ‫ح َ‬‫ل لَ ْ‬‫ن ي َأ ْك ُ َ‬
‫أ ْ‬
‫َ‬
‫هكذا أورد هذا الحديث ‪ ،‬وقد سقناه بطوله في أول تفسير "سورة سبحان"‬
‫ولله الحمد )‪.(3‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي في مسنده ‪ :‬حدثنا الربيع ‪ ،‬عن يزيد ‪ ،‬عن أنس ؛ أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يصوموا يوما ول يفطرن أحد ٌ‬
‫حتى آذن له‪ .‬فصام الناس ‪ ،‬فلما أمسوا جعل الرجل يجيء إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فيقول ‪ :‬ظللت منذ اليوم صائما ‪ ،‬فائذن لي‪ .‬فأفطر‬
‫فيأذن له ‪ ،‬ويجيء الرجل فيقول ذلك ‪ ،‬فيأذن له ‪ ،‬حتى جاء رجل فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬إن فتاتين من أهلك ظلتا منذ اليوم صائمتين ‪ ،‬فائذن لهما‬
‫فَْليفطرا فأعرض عنه ‪ ،‬ثم أعاد ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"ما صامتا ‪ ،‬وكيف صام من ظل يأكل لحوم الناس ؟ اذهب ‪ ،‬فمرهما إن كانتا‬
‫ة فأتى‬ ‫ق ً‬ ‫ة عل َ‬‫صائمتين أن يستقيئا"‪ .‬ففعلتا ‪ ،‬فقاءت كل واحدة منهما عََلق ً‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬لو ماتتا وهما فيهما لكلتهما النار" )‪.(4‬‬
‫إسناد ضعيف ‪ ،‬ومتن غريب‪ .‬وقد رواه الحافظ البيهقي من حديث يزيد بن‬
‫هارون ‪ :‬حدثنا سليمان التيمي قال ‪ :‬سمعت رجل يحدث في مجلس أبي‬
‫دي عن عبيد ‪ -‬مولى رسول الله )‪ - (5‬أن امرأتين صامتا على عهد‬ ‫عثمان الن ّهْ ِ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأن رجل أتى رسول الله فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬إن هاهنا امرأتين صامتا ‪ ،‬وإنهما كادتا تموتان من العطش ‪ -‬أَراه ُ قال ‪:‬‬
‫بالهاجرة ‪ -‬فأعرض عنه ‪ -‬أو ‪ :‬سكت عنه ‪ -‬فقال ‪ :‬يا نبي الله ‪ ،‬إنهما ‪ -‬والله‬
‫قد ماتتا أو كادتا تموتان )‪ .(6‬فقال ‪ :‬ادعهما‪ .‬فجاءتا ‪ ،‬قال ‪ :‬فجيء بقدح ‪ -‬أو‬
‫س ‪ -‬فقال لحداهما ‪ " :‬قيئي" فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت‬ ‫عُ ّ‬
‫نصف القدح‪ .‬ثم قال للخرى ‪ :‬قيئي فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما ودما‬
‫عبيطا وغيره حتى ملت القدح‪ .‬فقال ‪ :‬إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما ‪،‬‬
‫وأفطرتا على ما حرم الله عليهما ‪ ،‬جلست إحداهما إلى الخرى فجعلتا‬
‫تأكلن لحوم الناس‪.‬‬
‫وهكذا قد رواه المام أحمد عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي ‪ ،‬كلهما عن‬
‫سليمان بن ط ِْرخان التيمي ‪ ،‬به مثله أو نحوه )‪ .(7‬ثم رواه أيضا من حديث‬
‫طان ‪ ،‬عن عثمان بن غياث ‪ ،‬حدثني رجل أظنه في‬ ‫ق ّ‬‫دد ‪ ،‬عن يحيى ال َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬‫ُ‬
‫حلقة أبي عثمان ‪ ،‬عن سعد ‪ -‬مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنهم‬
‫أمروا بصيام ‪ ،‬فجاء رجل في نصف النهار فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬فلنة وفلنة‬
‫قد بلغتا الجهد‪ .‬فأعرض عنه مرتين أو ثلثا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ادعهما"‪ .‬فجاء بُعس ‪-‬‬
‫ما عبيطا وقيحا ‪ ،‬وقال‬
‫ما ود ً‬ ‫دح ‪ -‬فقال لحداهما ‪" :‬قيئي" ‪ ،‬فقاءت ل َ ْ‬
‫ح ً‬ ‫أو ‪ :‬قَ َ‬
‫للخرى مثل ذلك ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما ‪ ،‬وأفطرتا‬
‫على ما حرم الله عليهما ‪ ،‬أتت إحداهما للخرى فلم تزال تأكلن لحوم الناس‬
‫حتى امتلت أجوافهما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬جبريل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬عند الية الولى‪.‬‬
‫)‪ (4‬مسند الطيالسي برقم )‪.(2107‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬أن تموتا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (5/431‬ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم )‪ (171‬من‬
‫طريق يزيد بن هارون عن سليمان التيمي به‪.‬‬

‫) ‪(7/382‬‬

‫قيحا" )‪.(1‬‬
‫وقال البيهقي ‪ :‬كذا قال "عن سعد" ‪ ،‬والول ‪ -‬وهو عبيد ‪ -‬أصح‪.‬‬
‫خَلد ‪ ،‬حدثنا أبي أبو‬
‫م ْ‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا عمرو بن الضحاك بن َ‬
‫م لبي هريرة أن‬ ‫جَرْيج ‪ ،‬أخبرني أبو الزبير )‪ (2‬عن ابن عَ ّ‬‫عاصم ‪ ،‬حدثنا ابن ُ‬
‫ماعًزا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني‬
‫قد زنيت فأعرض عنه ‪ -‬قالها أربعا ‪ -‬فلما كان في الخامسة قال ‪" :‬زنيت" ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬وتدري ما الزنا ؟" قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬أتيت منها حراما ما يأتي‬
‫الرجل من امرأته حلل‪ .‬قال ‪" :‬ما تريد إلى هذا القول ؟" قال ‪ :‬أريد أن‬
‫تطهرني‪ .‬قال ‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أدخلت ذلك منك‬
‫ميل في المكحلة والّرشاء )‪ (3‬في البئر ؟"‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫في ذلك منها كما يغيب ال ِ‬
‫نعم ‪ ،‬يا رسول الله‪ .‬قال ‪ :‬فأمر برجمه فرجم ‪ ،‬فسمع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه ‪ :‬ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم‬
‫م رجم الكلب‪ .‬ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى‬ ‫تدعه نفسه حتى ُرج َ‬
‫مّر بجيفة حمار فقال ‪ :‬أين فلن وفلن ؟ أنزل فكل من جيفة هذا الحمار" قال‬ ‫َ‬
‫غفر الله لك يا رسول ‪ ،‬الله وهل ُيؤكل هذا ؟ قال ‪" :‬فما نلتما من أخيكما )‬
‫‪ (4‬آنفا أشد أكل من ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنه الن لفي أنهار الجنة ينغمس‬
‫فيها" )‪[ (5‬إسناده صحيح[ )‪.(6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الصمد ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬حدثنا واصل ‪ -‬مولى ابن‬
‫طة ‪ ،‬عن طلحة بن نافع ‪ ،‬عن جابر بن عبد الله‬ ‫عيينة ‪ -‬حدثني خالد بن عُْرفُ َ‬
‫قال ‪ :‬كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح جيفة منتنة ‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أتدرون ما هذه الريح ؟ هذه ريح الذين‬
‫يغتابون المؤمنين )‪.(8) " (7‬‬
‫حميد في مسنده ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن الشعث ‪،‬‬ ‫طريق أخرى ‪ :‬قال عبد بن ُ‬
‫فضيل بن عياض ‪ ،‬عن سليمان ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ -‬وهو طلحة بن نافع‬ ‫حدثنا ال ُ‬
‫‪ -‬عن جابر قال ‪ :‬كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فهاجت ريح‬
‫منتنة )‪ ، (9‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن نفًرا من المنافقين‬
‫اغتابوا ناسا من المسلمين ‪ ،‬فلذلك بعثت هذه الريح" وربما قال ‪" :‬فلذلك‬
‫هاجت هذه الريح" )‪.(10‬‬
‫مي ًْتا { ‪ :‬زعم أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خيهِ َ‬
‫مأ ِ‬‫ح َ‬
‫ن ي َأكل ل ْ‬
‫مأ ْ‬‫حد ُك ْ‬
‫بأ َ‬ ‫ح ّ‬
‫وقال السدي في قوله ‪ } :‬أي ُ ِ‬
‫سلمان الفارسي كان مع رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫سفر يخدمهما ويخف لهما ‪ ،‬وينال من طعامهما ‪ ،‬وأن سلمان لما سار الناس‬
‫ذات يوم وبقي سلمان نائما ‪ ،‬لم يسر معهم ‪ ،‬فجعل صاحباه يكلمانه )‪(11‬‬
‫خباء فقال ما يريد سليمان ‪ -‬أو ‪ :‬هذا العبد ‪ -‬شيئا غير‬ ‫فلم يجداه ‪ ،‬فضربا ال ِ‬
‫هذا ‪ :‬أن يجيء إلى طعام مقدور ‪ ،‬وخباء مضروب! فلما جاء سلمان أرسله‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب لهما إداما ‪ ،‬فانطلق فأتى‬
‫رسول‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(5/431‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى الحافظ أبو يعلى بمسنده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬والعصا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬من عرض أخيكما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند أبي يعلى )‪ (6/524‬ورواه البيهقي في السنن الكبرى )‪(8/227‬‬
‫من طريق عمرو بن الضحاك به ؛ ورواه أبو داود في السنن برقم )‪(4429‬‬
‫من طريق الضحاك به‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الناس"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (3/351‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (8/91‬رجاله ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬ريح شديدة منتنة"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المنتخب برقم )‪.(1026‬‬
‫)‪ (11‬في م ‪" :‬يكلماه"‪.‬‬

‫) ‪(7/383‬‬

‫دح له ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬بعثني‬ ‫الله ]صلى الله عليه وسلم[ )‪ (1‬ومعه قَ َ‬
‫مهم إن كان عندك ؟ قال ‪" :‬ما يصنع أصحابك بالْدم ؟ قد‬ ‫أصحابي ِلتؤدِ َ‬
‫ائتدموا"‪ .‬فرجع سلمان يخبرهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فانطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ل والذي بعثك بالحق‬
‫‪ ،‬ما أصبنا طعاما منذ نزلنا‪ .‬قال ‪" :‬إنكما قد ائتدمتما بسلمان بقولكما"‪.‬‬
‫مي ًْتا { ‪ ،‬إنه كان نائما )‪.(2‬‬ ‫م أَ ِ‬
‫خيهِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ي َأ ْك ُ َ‬
‫ل لَ ْ‬
‫حب أ َحدك ُ َ‬
‫مأ ْ‬
‫َ‬
‫قال ‪ :‬ونزلت ‪ } :‬أي ُ ِ ّ َ ُ ْ‬
‫حّبان بن‬‫وروى الحافظ الضياء المقدسي في كتابه "المختارة" من طريق َ‬
‫هلل ‪ ،‬عن حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬كانت العرب‬
‫تخدم بعضها بعضا في السفار ‪ ،‬وكان مع أبي بكر وعمر ما رجل يخدمهما ‪،‬‬
‫فناما فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعاما ‪ ،‬فقال إن هذا لنؤوم ‪ ،‬فأيقظاه ‪ ،‬فقال‬
‫له ‪ :‬ائت رسول الله فقل له ‪ :‬إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلم ‪،‬‬
‫ويستأدمانك‪.‬‬
‫فقال ‪" :‬إنهما قد ائتدما" فجاءا فقال يا رسول الله ‪ ،‬بأي شيء ائتدمنا ؟ فقال‬
‫‪" :‬بلحم أخيكما ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إني لرى لحمه بين ثناياكما"‪ .‬فقال‬
‫مَراه فليستغفر لكما" )‪.(3‬‬ ‫استغفر لنا يا رسول الله فقال ‪ُ " :‬‬
‫وقال )‪ (4‬الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا الحكم بن موسى ‪ ،‬حدثنا محمد بن مسلم‬
‫‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن عمه موسى بن َيسار ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من أكل من لحم أخيه في الدنيا ‪،‬‬
‫حّيا‪ .‬قال ‪ :‬فيأكله‬ ‫قُّرب له لحمه في الخرة ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬كله َ‬
‫مي ًْتا كما أكلته َ‬
‫وي َك َْلح ويصيح"‪ .‬غريب جدا )‪.(5‬‬
‫ه { أي ‪ :‬فيما أمركم به ونهاكم عنه ‪ ،‬فراقبوه في ذلك‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وات ّ ُ‬
‫م { أي ‪ :‬تواب على من تاب إليه ‪ ،‬رحيم‬ ‫حي ٌ‬
‫ب َر ِ‬‫وا ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه تَ ّ‬ ‫واخشوا منه ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫بمن رجع إليه ‪ ،‬واعتمد عليه‪.‬‬
‫قال الجمهور من العلماء ‪ :‬طريق المغتاب للناس في توبته أن ُيقلع )‪ (6‬عن‬
‫ذلك ‪ ،‬ويعزم على أل يعود‪ .‬وهل يشترط الندم على ما فات ؟ فيه نزاع ‪ ،‬وأن‬
‫يتحلل من الذي اغتابه‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬ل يشترط أن يتحلله فإنه إذا )‪(7‬‬
‫أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه ‪ ،‬فطريقه إًذا أن‬
‫يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها ‪ ،‬وأن يرد عنه الغيبة‬
‫بحسبه وطاقته ‪ ،‬فتكون )‪ (8‬تلك بتلك ‪ ،‬كما قال )‪ (9‬المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن الحجاج ‪ ،‬أخبرنا عبد الله ‪ ،‬أخبرنا يحيى بن أيوب ‪ ،‬عن عبد‬
‫الله بن سليمان ؛ أن إسماعيل بن يحيى المَعاِفريّ أخبره أن سهل بن معاذ‬
‫ي أخبره ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن )‪ (10‬النبي‬ ‫جهَن ِ ّ‬ ‫بن أنس ال ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه ابن أبي حاتم في تفسيره كما في الدر المنثور )‪.(7/570‬‬
‫)‪ (3‬المختارة برقم )‪.(1697‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )‪" (4961‬مجمع البحرين"‬
‫من طريق محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق به ‪ ،‬وقال ‪ :‬لم يروه عن‬
‫ابن إسحاق إل محمد بن سلمة وقد وقع هنا "محمد بن مسلم" وأظنه‬
‫تصحيفا ‪ ،‬لكني ل أستطيع الجزم بذلك قال الهيثمي في المجمع )‪: (8/92‬‬
‫"فيه ابن إسحاق وهو مدلس ومن لم أعرفه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬يرجع"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬لو"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬لتكون"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬أن"‪.‬‬

‫) ‪(7/384‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل ل ِت ََعاَرُفوا إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫شُعوًبا وَقََبائ ِ َ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬‫م ْ‬‫م ِ‬‫قَناك ُ ْ‬‫خل َ ْ‬ ‫س إ ِّنا َ‬
‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫خِبيٌر )‪(13‬‬ ‫م َ‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ‬
‫قاك ُ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫أك َْر َ‬

‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬من حمى مؤمنا من منافق يعيبه )‪ ، (1‬بعث الله‬
‫إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم‪ .‬ومن رمى مؤمنا بشيء يريد‬
‫شينه ‪ ،‬حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال"‪ .‬وكذا رواه أبو داود‬
‫من حديث عبد الله ‪ -‬وهو ابن المبارك ‪ -‬به بنحوه )‪.(2‬‬
‫وقال )‪ (3‬أبو داود أيضا ‪ :‬حدثنا إسحاق بن الصباح ‪ ،‬حدثنا ابن أبي مريم ‪،‬‬
‫أخبرنا الليث ‪ :‬حدثني يحيى بن سليم ؛ أنه سمع إسماعيل بن بشير يقول ‪:‬‬
‫سمعت جابر بن عبد الله ‪ ،‬وأبا طلحة بن سهل النصاري يقولن ‪ :‬قال )‪(4‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما من امرىء يخذل امرأ مسلما في‬
‫موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه ‪ ،‬إل خذله الله في مواطن‬
‫يحب فيها نصرته‪ .‬وما من امرئ ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من‬
‫عرضه ‪ ،‬وينتهك فيه من حرمته )‪ ، (5‬إل نصره الله في مواطن يحب فيها‬
‫نصرته"‪ .‬تفرد به أبو داود )‪.(6‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ل ل ِت ََعاَرُفوا‬ ‫شُعوًبا وَقََبائ ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَلَناك ُ ْ‬‫ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫س إ ِّنا َ‬ ‫} َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫خِبيٌر )‪{ (13‬‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫قاك ُ ْ‬‫عن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ‬‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫إ َ‬
‫ن أك َْر َ‬
‫ِ ّ‬
‫يقول تعالى مخبًرا للناس أنه خلقهم من نفس واحدة ‪ ،‬وجعل منها زوجها ‪،‬‬
‫وهما آدم وحواء ‪ ،‬وجعلهم شعوبا ‪ ،‬وهي أعم من القبائل ‪ ،‬وبعد القبائل‬
‫مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والفخاذ وغير ذلك‪.‬‬
‫جم ‪ ،‬وبالقبائل بطون العرب ‪ ،‬كما أن‬ ‫وقيل ‪ :‬المراد بالشعوب بطون العَ َ‬
‫السباط بطون بني إسرائيل‪ .‬وقد لخصت هذا في مقدمة مفردة جمعتها من‬
‫كتاب ‪" :‬النباه" لبي عمر )‪ (7‬بن عبد البر ‪ ،‬ومن كتاب "القصد والمم ‪ ،‬في‬
‫معرفة أنساب العرب والعجم"‪ .‬فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية‬
‫إلى آدم وحواء سواء ‪ ،‬وإنما يتفاضلون بالمور الدينية ‪ ،‬وهي طاعة الله‬
‫ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة‬
‫ضا ‪ ،‬منبها على تساويهم في البشرية ‪َ } :‬يا أ َي َّها‬ ‫واحتقار بعض الناس بع ً‬
‫ُ‬
‫ل ل ِت ََعاَرُفوا { أي ‪:‬‬ ‫شُعوًبا وَقََبائ ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬‫خل َ ْ‬
‫س إ ِّنا َ‬‫الّنا ُ‬
‫ل يرجع إلى قبيلته‪.‬‬ ‫ليحصل التعارف بينهم ‪ ،‬ك ٌ‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ } :‬ل ِت ََعاَرُفوا { ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬فلن بن فلن من كذا وكذا‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬من قبيلة كذا وكذا‪.‬‬
‫خاليفها ‪ ،‬وكانت عرب‬ ‫م َ‬ ‫مير ينتسبون إلى ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬كانت ِ‬
‫الحجاز ينتسبون إلى قبائلها‪.‬‬
‫وقد قال )‪ (8‬أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن‬
‫المبارك ‪ ،‬عن عبد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ "بغيبة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (3/441‬وسنن أبي داود برقم )‪.(4883‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬عرضه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن أبي داود برقم )‪.(4884‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫) ‪(7/385‬‬

‫الملك بن عيسى الثقفي ‪ ،‬عن يزيد ‪ -‬مولى المنبعث ‪ -‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬تعلموا من أنسابكم ما تصلون به‬
‫أرحامكم ؛ فإن صلة الرحم محبة في الهل ‪ ،‬مثراة في المال ‪ ،‬منسأة في‬
‫الثر"‪ .‬ثم قال ‪ :‬غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من هذا الوجه )‪.(1‬‬
‫م { أي ‪ :‬إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ‬
‫قاك ُ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ َ‬
‫ن أك َْر َ‬
‫ِ ّ‬
‫ل بالحساب‪ .‬وقد وردت الحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫قال )‪ (2‬البخاري رحمه الله ‪ :‬حدثنا محمد بن سلم ‪ ،‬حدثنا عبدة ‪ ،‬عن عبيد‬
‫الله ‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬سئل رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬أي الناس أكرم ؟ قال ‪" :‬أكرمهم عند الله أتقاهم" قالوا ‪:‬‬
‫ليس عن هذا نسألك‪ .‬قال ‪" :‬فأكرم الناس يوسف نبي الله ‪ ،‬ابن نبي الله ‪،‬‬
‫ابن خليل الله"‪ .‬قالوا ‪ :‬ليس عن هذا نسألك‪ .‬قال ‪" :‬فعن معادن العرب‬
‫تسألوني ؟" قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬فخياركم في الجاهلية خياركم في السلم‬
‫إذا فَ ِ‬
‫قُهوا" )‪.(3‬‬
‫وقد رواه البخاري في غير موضع من طرق عن عبدة بن سليمان )‪ .(4‬ورواه‬
‫النسائي في التفسير من حديث عبيد الله ‪ -‬وهو ابن عمر العمري ‪ -‬به )‪.(5‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال مسلم )‪ ، (6‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا عمرو الناقد ‪ ،‬حدثنا ك َِثير بن‬
‫هشام ‪ ،‬حدثنا جعفر بن برقان ‪ ،‬عن يزيد بن الصم ‪ ،‬عن أبي هريرة )‪ (7‬قال‬
‫‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله ل ينظر إلى صوركم‬
‫وأموالكم ‪ ،‬ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجه عن أحمد بن سنان ‪ ،‬عن ك َِثير بن هشام ‪ ،‬به )‪.(8‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال )‪ (9‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن أبي هلل ‪ ،‬عن بكر ‪،‬‬
‫عن أبي ذر قال ‪ :‬إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ‪" :‬انظر ‪ ،‬فإنك‬
‫لست بخير من أحمر ول أسود إل أن تفضله بتقوى )‪ .(10‬تفرد به أحمد )‬
‫‪.(11‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال )‪ (12‬الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أبو عبيدة عبد‬
‫جَبلة ‪ ،‬حدثنا‬ ‫الوارث بن إبراهيم العسكري ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن عمرو بن َ‬
‫صرِيّ ‪ ،‬يحدث‬ ‫خَراش العَ َ‬
‫عبيد بن حنين الطائي ‪ ،‬سمعت محمد بن حبيب بن ِ‬
‫عن أبيه ‪ :‬أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول )‪: (13‬‬
‫المسلمون إخوة ‪ ،‬ل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي برقم )‪.(1979‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬فروى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4689‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(3383 ، 3374‬‬
‫)‪ (5‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11250‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أبي هريرة رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم برقم )‪ (2564‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(4143‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬بتقوى الله"‪.‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪.(5/158‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪" :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"‪.‬‬

‫) ‪(7/386‬‬
‫فضل لحد على أحد إل بالتقوى" )‪(1‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال )‪ (2‬أبو بكر البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا أحمد بن يحيى‬
‫الكوفي ‪ ،‬حدثنا الحسن بن الحسين ‪ ،‬حدثنا قيس ‪ -‬يعني ابن الربيع ‪ -‬عن‬
‫دة )‪ ، (3‬عن المستظل بن حصين ‪ ،‬عن حذيفة )‪ (4‬قال ‪ :‬قال‬ ‫شبيب بن غَْرقَ َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كلكم بنو آدم‪ .‬وآدم خلق من تراب ‪،‬‬
‫جْعلن"‪.‬‬ ‫ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ‪ ،‬أو ليكونن أهون على الله من ال ِ‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعرفه عن حذيفة إل من هذا الوجه )‪.(5‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال )‪ (6‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الربيع بن سليمان ‪ ،‬حدثنا أسد بن‬
‫موسى ‪ ،‬حدثنا يحيى بن زكريا القطان ‪ ،‬حدثنا موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن عبد‬
‫الله بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫صواء يستلم الركان )‪ (7‬بمحجن في يده ‪ ،‬فما‬ ‫ق ْ‬
‫يوم فتح مكة على ناقته ال َ‬
‫خا في المسجد حتى نزل صلى الله عليه وسلم على أيدي الرجال‬ ‫وجد لها منا ً‬
‫‪ ،‬فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت‪ .‬ثم إن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم خطبهم على راحلته ‪ ،‬فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل )‪ (8‬ثم قال‬
‫‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إن الله قد أذهب عنكم عُّبية الجاهلية وتعظمها بآبائها ‪،‬‬
‫فالناس رجلن ‪ :‬رجل بر تقي كريم على الله ‪ ،‬وفاجر شقي هين على الله‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫شُعوًبا‬‫م ُ‬‫جعَل َْناك ُ ْ‬‫ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫س إ ِّنا َ‬ ‫إن الله يقول ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫خِبيٌر { ثم قال ‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م إِ ّ‬‫قاك ُ ْ‬‫عن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫ل ل ِتعارُفوا إ َ‬
‫ن أك َْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫وَقََبائ ِ َ َ َ َ‬
‫"أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم"‪.‬‬
‫خَلد ‪ ،‬عن موسى‬ ‫م ْ‬‫هكذا )‪ (9‬رواه عبد بن حميد ‪ ،‬عن أبي عاصم الضحاك بن َ‬
‫بن عبيدة ‪ ،‬به )‪.(10‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال )‪ (11‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫ل َِهيعة ‪ ،‬عن الحارث بن يزيد ‪ ،‬عن علي بن رباح ‪ ،‬عن عقبة بن عامر ؛ أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن أنسابكم هذه ليست بمسبة على‬
‫ف الصاع لم يملؤه ‪ ،‬ليس لحد على أحد فضل إل بدين‬ ‫أحد ‪ ،‬كلكم بنو آدم ط َ ّ‬
‫شا"‪.‬‬ ‫وتقوى ‪ ،‬وكفى بالرجل أن يكون ب َذِّيا بخيل فاح ً‬
‫َ‬
‫وقد رواه ابن جرير ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن ابن لِهيعة ‪ ،‬به )‪(12‬‬
‫مل َُئوه ‪ ،‬إن الله ل يسألكم عن‬ ‫ولفظه ‪" :‬الناس لدم وحواء ‪ ،‬طف الصاع لم ي َ ْ‬
‫أحسابكم ول عن أنسابكم يوم القيامة ‪ ،‬إن أكرمكم عند الله أتقاكم"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المعجم الكبير )‪ (4/25‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (8/84‬فيه عبد‬
‫الرحمن بن عمرو بن جبلة ‪ ،‬وهو متروك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬عروة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬عن حذيفة رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند البزار برقم )‪ (3584‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (8/86‬فيه‬
‫الحسن بن الحسين العرني وهو ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬الركن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بما هو عليه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬وهكذا"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المنتخب لعبد بن حميد برقم )‪ (793‬وفيه موسى بن عبيدة الزبدي وهو‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (12‬المسند )‪ (4/158‬وتفسير الطبري )‪ (26/89‬قال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (8/84‬فيه ابن لهيعة وفيه لين ‪ ،‬وبقية رجاله وثقوا"‪ .‬قلت ‪ :‬الراوي عنه‬
‫في رواية الطبري عبد اله بن وهب ‪ ،‬فهذه متابعة قوية ليحيى بن إسحاق‪.‬‬

‫) ‪(7/387‬‬

‫َ‬ ‫ت اْل َعْرا ُ َ‬


‫ن ِفي‬ ‫ما ُ‬ ‫لي َ‬ ‫لا ِْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ي َد ْ ُ‬ ‫مَنا وَل َ ّ‬ ‫سل َ ْ‬‫ن ُقوُلوا أ ْ‬
‫َ‬
‫مُنوا وَل َك ِ ْ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫مّنا قُ ْ‬ ‫بآ َ‬ ‫َ‬ ‫َقال َ ِ‬
‫فوٌر‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫شي ًْئا إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫مال ِك ُ ْ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ه ل ي َل ِت ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫سول ُ‬‫َ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫طيُعوا الل َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫ذي َ‬
‫دوا‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫م ي َْرَتاُبوا وَ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫م )‪ (14‬إ ِن ّ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (15‬قُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل اللهِ أولئ ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل أت ُعَل ُ‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫َْ‬
‫م)‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫دين ِك ُ ْ‬ ‫بِ ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫موا قُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْك ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫م بَ ِ‬ ‫مك ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ي إِ ْ‬ ‫مّنوا عَل ّ‬ ‫ل ل تَ ُ‬ ‫سل ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَلي ْك أ ْ‬ ‫مّنو َ‬ ‫‪ (16‬ي َ ُ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫م غي ْ َ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ن )‪ (17‬إ ِ ّ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫م لِ ِ‬ ‫داك ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫أ ْ‬
‫مُلو َ‬ ‫َْ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫صيٌر ب ِ َ‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫وليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال )‪ (1‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا أحمد بن عبد الملك ‪ ،‬حدثنا‬
‫ميرة زوج درة ابنة أبي لهب ‪ ،‬عن‬ ‫ماك ‪ ،‬عن عبد الله بن عَ ِ‬ ‫س َ‬ ‫شريك ‪ ،‬عن ِ‬
‫درة بنت أبي لهب قالت ‪ :‬قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو‬
‫على المنبر ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أي الناس خير ؟ فقال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬خير الناس أقرؤهم ‪ ،‬وأتقاهم لله عز وجل ‪ ،‬وآمرهم بالمعروف ‪،‬‬
‫وأنهاهم عن المنكر ‪ ،‬وأوصلهم للرحم" )‪.(2‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال )‪ (3‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫السود ‪ ،‬عن القاسم بن محمد ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬ما أعجب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم شيء من الدنيا ‪ ،‬ول أعجبه أحد قط ‪ ،‬إل ذو تقى‪ .‬تفرد‬
‫به أحمد رحمه الله )‪.(4‬‬
‫خِبيٌر { أي ‪ :‬عليم بكم ‪ ،‬خبير بأموركم ‪ ،‬فيهدي من‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫يشاء ‪ ،‬ويضل من يشاء ‪ ،‬ويرحم من يشاء ‪ ،‬ويعذب من يشاء ‪ ،‬ويفضل من‬
‫يشاء على من يشاء ‪ ،‬وهو الحكيم العليم الخبير في ذلك كله‪ .‬وقد استدل‬
‫بهذه الية الكريمة وهذه الحاديث الشريفة ‪ ،‬من ذهب من العلماء إلى أن‬
‫ن‬
‫الكفاءة في النكاح ل تشترط ‪ ،‬ول يشترط سوى الدين ‪ ،‬لقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م { وذهب الخرون إلى أدلة أخرى مذكورة في كتب‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫أك َْر َ‬
‫َ‬
‫الفقه ‪ ،‬وقد ذكرنا طرفا من ذلك في "كتاب الحكام" ولله الحمد والمنة‪ .‬وقد‬
‫روى الطبراني عن عبد الرحمن أنه سمع رجل من بني هاشم يقول ‪ :‬أنا أولى‬
‫الناس برسول الله‪ .‬فقال ‪ :‬غيرك أولى به منك ‪ ،‬ولك منه نسبه‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ما ُ‬ ‫ل الي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ي َد ْ ُ‬ ‫مَنا وَل َ ّ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫ن ُقوُلوا أ ْ‬ ‫مُنوا وَل َك ِ ْ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫مّنا قُ ْ‬ ‫بآ َ‬ ‫ت العَْرا ُ‬ ‫} َقال َ ِ‬
‫َ‬
‫فوٌر‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شي ًْئا إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫مال ِك ُ ْ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ه ل ي َل ِت ْك ُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫دوا‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫م ي َْرَتاُبوا وَ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫م )‪ (14‬إ ِن ّ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫مو َ‬ ‫ل أت ُعَل ّ ُ‬ ‫ن )‪ (15‬قُ ْ‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ل الل ّهِ أول َئ ِ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬
‫ب ِأ ْ‬
‫يٍء عَِليم )‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫دين ِك ُ ْ‬ ‫بِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م بَ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ي إِ ْ‬ ‫مّنوا عَل َ ّ‬ ‫ل ل تَ ُ‬ ‫موا قُ ْ‬ ‫سل َ ُ‬‫نأ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن عَل َي ْ َ‬ ‫مّنو َ‬ ‫‪ (16‬ي َ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫م غَي ْ َ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ن )‪ (17‬إ ِ ّ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ِللي َ‬ ‫داك ُ ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪{ (18‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫صيٌر ب ِ َ‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (6/432‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (24/257‬من‬
‫طريق شريك به ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/263‬رجالهما ثقات ‪،‬‬
‫وفي كلم بعضهم كلم ل يضر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(6/69‬‬

‫) ‪(7/388‬‬

‫يقول تعالى منكرا على العراب الذين أول ما دخلوا في السلم ادعوا‬
‫لنفسهم مقام اليمان ‪ ،‬ولم يتمكن اليمان في قلوبهم بعد ‪َ } :‬قال َ ِ‬
‫ت‬
‫َ‬
‫ن ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما ُ‬ ‫ل الي َ‬‫خ ِ‬
‫ما ي َد ْ ُ‬‫مَنا وَل َ ّ‬
‫سل َ ْ‬‫ن ُقوُلوا أ ْ‬ ‫مُنوا وَل َك ِ ْ‬ ‫ل لَ ْ‬
‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫مّنا قُ ْ‬ ‫بآ َ‬ ‫العَْرا ُ‬
‫{‪ .‬وقد استفيد من هذه الية الكريمة ‪ :‬أن اليمان أخص من السلم كما هو‬
‫مذهب أهل السنة والجماعة ‪ ،‬ويدل عليه حديث جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين‬
‫سأل عن السلم ‪ ،‬ثم عن اليمان ‪ ،‬ثم عن الحسان ‪ ،‬فترقى من العم إلى‬
‫الخص ‪ ،‬ثم للخص منه‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن‬ ‫معْ َ‬‫قال )‪ (1‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َ‬
‫عامر بن سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬أعطى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم رجال ولم يعط رجل منهم شيًئا ‪ ،‬فقال سعد ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫أعطيت فلًنا وفلنا ولم ُتعط فلًنا شيًئا ‪ ،‬وهو مؤمن ؟ فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أو مسلم" حتى أعادها سعد ثلثا ‪ ،‬والنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬أو مسلم" ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إني لعطي‬
‫ي منهم فلم أعطيه شيًئا ؛ مخافة أن يكبوا في النار‬ ‫رجال وأدع من هو أحب إل ّ‬
‫على وجوههم"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫فقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلم والمؤمن ‪ ،‬فدل على أن‬
‫اليمان أخص من السلم‪ .‬وقد قررنا ذلك بأدلته في أول شرح كتاب اليمان‬
‫من "صحيح البخاري" ولله الحمد والمنة‪ .‬ودل ذلك على أن ذاك الرجل كان‬
‫قا ؛ لنه تركه من العطاء ووكله إلى ما هو فيه من السلم ‪،‬‬ ‫مسلما ليس مناف ً‬
‫فدل هذا على )‪ (3‬أن هؤلء العراب المذكورين في هذه الية ليسوا‬
‫بمنافقين ‪ ،‬وإنما هم مسلمون لم يستحكم اليمان في قلوبهم ‪ ،‬فادعوا‬
‫لنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه ‪ ،‬فأدبوا في ذلك‪ .‬وهذا معنى قول ابن‬
‫عباس وإبراهيم النخعي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪ .‬وإنما قلنا هذا لن‬
‫البخاري ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬ذهب إلى أن هؤلء كانوا منافقين ُيظهرون اليمان‬
‫وليسوا كذلك‪ .‬وقد روي عن سعيد بن جبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وابن زيد أنهم قالوا‬
‫َ‬
‫مَنا { أي ‪ :‬استسلمنا خوف القتل والسباء‪ .‬قال‬ ‫سل َ ْ‬
‫ن ُقوُلوا أ ْ‬ ‫في قوله ‪ } :‬وَل َك ِ ْ‬
‫مجاهد ‪ :‬نزلت في بني أسد بن خزيمة‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬نزلت في قوم امتنوا‬
‫بإيمانهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫والصحيح الول ؛ أنهم قوم ادعوا لنفسهم مقام اليمان ‪ ،‬ولم يحصل لهم بعد‬
‫‪ ،‬فأدبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد ‪ ،‬ولو كانوا منافقين لعنفوا‬
‫وفضحوا ‪ ،‬كما ذكر المنافقون في سورة براءة‪ .‬وإنما قيل لهؤلء تأديًبا ‪:‬‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬لم‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل الي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ي َد ْ ُ‬‫مَنا وَل َ ّ‬
‫سل َ ْ‬
‫ن ُقوُلوا أ ْ‬ ‫مُنوا وَل َك ِ ْ‬ ‫ل لَ ْ‬
‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫} قُ ْ‬
‫تصلوا إلى حقيقة اليمان بعد‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫شي ْئا [ { )‪(4‬‬ ‫م] َ‬ ‫ُ‬
‫مال ِك ْ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ه ل ي َل ِت ْك ْ‬
‫سول ُ‬
‫ه وََر ُ‬‫طيُعوا الل ّ َ‬‫ن تُ ِ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫مل ِهِ ْ‬
‫ن عَ َ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما ألت َْناهُ ْ‬ ‫أي ‪ :‬ل ينقصكم من أجوركم شيئا ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫يٍء { ]الطور ‪.[21 :‬‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬
‫م { أي ‪ :‬لمن تاب إليه وأناب‪.‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (1/176‬وصحيح البخاري برقم )‪ (27‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(150‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(7/389‬‬

‫مُنوا ِبالل ّهِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫مل } ال ّ ِ‬ ‫ن { أي ‪ :‬إنما المؤمنون الك ُ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ما ال ْ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫م ي َْرَتاُبوا { أي ‪ :‬لم يشكوا ول تزلزلوا ‪ ،‬بل ثبتوا )‪ (1‬على حال‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫وََر ُ‬
‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫م‬‫َ‬ ‫أ‬‫ب‬ ‫دوا‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫المحض‬ ‫التصديق‬ ‫وهي‬ ‫‪،‬‬ ‫واحدة‬
‫َ ِ ِ‬ ‫َ َ َ ُ ِ ْ َ ِِ ْ َ ْ ِ ِ ْ ِ‬
‫الل ّهِ { أي ‪ :‬وبذلوا مهجهم )‪ (2‬ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه ‪،‬‬
‫ن { أي ‪ :‬في قولهم إذا قالوا ‪" :‬إنهم مؤمنون" ‪ ،‬ل‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫} ُأول َئ ِ َ‬
‫كبعض العراب الذين ليس معهم من الدين إل الكلمة الظاهرة‪.‬‬
‫شدين ‪ ،‬حدثني عمرو‬ ‫وقال )‪ (3‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن غيلن ‪ ،‬حدثنا رِ ْ‬
‫بن الحارث ‪ ،‬عن أبي السمح ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد )‪ (4‬قال ‪ :‬إن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬المؤمنون في الدنيا على ثلثة أجزاء ‪:‬‬
‫]الذين[ )‪ (5‬آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في‬
‫سبيل الله‪ .‬والذي يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم‪ .‬ثم الذي إذا أشرف‬
‫على طمع تركه لله ‪ ،‬عز وجل" )‪.(6‬‬
‫وقوله ‪ } :‬قُ ْ َ‬
‫م { أي ‪ :‬أتخبرونه )‪ (7‬بما في ضمائركم ‪،‬‬ ‫دين ِك ُ ْ‬ ‫ه بِ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل أت ُعَل ّ ُ‬
‫ض { أي ‪ :‬ل يخفى عليه مثقال‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫} َوالل ّ ُ‬
‫ل‬ ‫ذرة في الرض ول في السماء ‪ ،‬ول أصغر من ذلك ول أكبر ‪َ } ،‬والل ّ ُ‬
‫ه ب ِك ُ ّ‬
‫م {‪.‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موا { ‪ ،‬يعني ‪ :‬العراب ]الذين[‬ ‫سل َ ُ‬‫نأ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن عَل َي ْ َ‬ ‫مّنو َ‬ ‫ثم قال ]تعالى[ )‪ } : (8‬ي َ ُ‬
‫)‪ (9‬يمنون بإسلمهم ومتابعتهم ونصرتهم على الرسول ‪ ،‬يقول الله رًدا عليهم‬
‫م { ‪ ،‬فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ‪ ،‬ولله المنة‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ي إِ ْ‬ ‫مّنوا عَل َ ّ‬ ‫ل ل تَ ُ‬ ‫‪ } :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬
‫ما ِ‬ ‫م ِللي َ‬ ‫داك ُ ْ‬‫ن هَ َ‬‫مأ ْ‬ ‫ن عَلي ْك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫عليكم فيه ‪ } ،‬ب َ ِ‬
‫في دعواكم ذلك ‪ ،‬كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للنصار يوم حنين ‪:‬‬
‫"يا معشر النصار ‪ ،‬ألم أجدكم ضلل فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين‬
‫فألفكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ؟" كلما قال شيًئا قالوا ‪ :‬الله‬
‫ن )‪.(10‬‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫ورسوله أ َ‬
‫وقال )‪ (11‬الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ‪ ،‬حدثنا‬
‫يحيى بن سعيد الموي ‪ ،‬عن محمد بن قيس ‪ ،‬عن أبي عون ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ]رضي الله عنهما[ )‪ (12‬قال ‪ :‬جاءت بنو أسد إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أسلمنا وقاتلتك‬
‫العرب ‪ ،‬ولم تقاتلك ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن فقههم‬
‫ن‬
‫مّنو َ‬
‫قليل ‪ ،‬وإن الشيطان ينطق )‪ (13‬على ألسنتهم"‪ .‬ونزلت هذه الية ‪ } :‬ي َ ُ‬
‫ل ل تمنوا عَل َي إسلمك ُم بل الل ّه يمن عَل َيك ُ َ‬ ‫ك أَ َ‬
‫داك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن هَ َ‬
‫مأ ْ‬‫ْ ْ‬ ‫ُ َ ُ ّ‬ ‫ّ ِ ْ َ ْ َ ِ‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫موا قُ ْ‬‫سل َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫عَل َي ْ َ ْ‬
‫ن{‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ن إِ ْ‬
‫ما ِ‬
‫ِللي َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬تثبتوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬مهجتهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬أبي سعيد رضي الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (3/8‬وفي إسناده بن أبي السمح عن أبي الهيثم وهو ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أتخبرون"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (4330‬من حديث عبد الله بن زيد بن‬
‫عاصم رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (13‬في أ ‪" :‬ينطق"‪.‬‬

‫) ‪(7/390‬‬

‫ثم قال ‪ :‬ل نعلمه يروى إل من هذا الوجه ‪ ،‬ول نعلم روى أبو عون محمد بن‬
‫عبيد الله ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬غير )‪ (1‬هذا الحديث )‪.(2‬‬
‫ثم كرر الخبار بعلمه بجميع الكائنات ‪ ،‬وبصره بأعمال المخلوقات فقال ‪:‬‬
‫ن{‬‫مُلو َ‬
‫ما ت َعْ َ‬
‫صيٌر ب ِ َ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬
‫ه بَ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ب ال ّ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م غَي ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫} إِ ّ‬
‫آخر تفسير الحجرات ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬سوى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (11519‬من طريق يحيى بن‬
‫سعيد الموي به‪.‬‬

‫) ‪(7/391‬‬

‫تفسير سورة ق‬
‫وهي مكية‪.‬‬
‫وهذه السورة هي أول الحزب المفصل على الصحيح ‪ ،‬وقيل ‪ :‬من الحجرات‪.‬‬
‫م( فل أصل له ‪ ،‬ولم يقله أحد من‬‫وأما ما يقوله العامة )‪ : (1‬إنه من)عَ ّ‬
‫العلماء المعتبرين )‪ (2‬فيما نعلم‪ .‬والدليل على أن هذه السورة هي أول‬
‫المفصل ما رواه أبو داود في سننه ‪ ،‬باب "تحزيب القرآن" ثم قال ‪:‬‬
‫دد ‪ ،‬حدثنا قُّران بن تمام ‪) ،‬ح( وحدثنا عبد الله بن سعيد أبو سعيد‬
‫س ّ‬
‫م َ‬
‫حدثنا ُ‬
‫الشج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد سليمان بن حبان ‪ -‬وهذا لفظه ‪ -‬عن عبد الله بن عبد‬
‫الرحمن بن يعلى ‪ ،‬عن عثمان بن عبد الله بن أوس ‪ ،‬عن جده ‪ -‬قال عبد الله‬
‫بن سعيد ‪ :‬حدثنيه أوس بن حذيفة ‪ -‬ثم اتفقا‪ .‬قال ‪ :‬قدمنا على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف ‪ ،‬قال ‪ :‬فنزلت الحلف على المغيرة بن‬
‫شعبة ‪ ،‬وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في ُقبة له ‪ -‬قال‬
‫دد ‪ :‬وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬
‫من ثقيف ‪ ،‬قال ‪ :‬كان رسول الله ]صلى الله عليه وسلم[ )‪ (3‬كل ليلة يأتينا‬
‫بعد العشاء يحدثنا ‪ -‬قال أبو سعيد ‪ :‬قائما على رجليه حتى يراوح بين رجليه‬
‫من طول القيام ‪ -‬فأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه قريش ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬ل‬
‫دد ‪ :‬بمكة ‪ -‬فلما خرجنا إلى‬ ‫مس ّ‬
‫سواء )‪ (4‬وكنا مستضعفين مستذلين ‪ -‬قال ُ‬
‫المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم ‪ ،‬ندال عليهم ويدالون علينا‪ .‬فلما‬
‫كانت ليلة أبطأ )‪ (5‬عن الوقت الذي كان يأتينا فيه ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬لقد أبطأت عنا )‬
‫‪ (6‬الليلة! قال ‪" :‬إنه طرأ علي حزبي من القرآن ‪ ،‬فكرهت أن أجيء حتى‬
‫أتمه"‪ .‬قال أوس ‪ :‬سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬كيف‬
‫تحزبون القرآن ؟ فقالوا ‪ :‬ثلث ‪ ،‬وخمس ‪ ،‬وسبع ‪ ،‬وتسع ‪ ،‬وإحدى عشرة ‪،‬‬
‫وثلث عشرة ‪ ،‬وحزب المفصل وحده‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن أبي خالد الحمر ‪ ،‬به‪ .‬ورواه‬
‫المام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬عن عبد الله بن عبد الرحمن ‪ ،‬هو‬
‫ابن )‪ (7‬يعلى الطائفي به )‪.(8‬‬
‫إذا علم هذا ‪ ،‬فإذا عددت ثمانيا وأربعين سورة ‪ ،‬فالتي بعدهن سورة "ق"‪.‬‬
‫بيانه ‪ :‬ثلث ‪ :‬البقرة ‪ ،‬وآل عمران ‪ ،‬والنساء‪ .‬وخمس ‪ :‬المائدة ‪ ،‬والنعام ‪،‬‬
‫والعراف ‪ ،‬والنفال ‪ ،‬وبراءة‪ .‬وسبع ‪ :‬يونس ‪ ،‬وهود ‪ ،‬ويوسف ‪ ،‬والرعد ‪،‬‬
‫وإبراهيم ‪ ،‬والحجر ‪ ،‬والنحل‪ .‬وتسع ‪ :‬سبحان ‪ ،‬والكهف ‪ ،‬ومريم ‪ ،‬وطه ‪،‬‬
‫والنبياء ‪ ،‬والحج ‪ ،‬والمؤمنون ‪ ،‬والنور ‪ ،‬والفرقان‪ .‬وإحدى عشرة ‪ :‬الشعراء ‪،‬‬
‫والنمل ‪ ،‬والقصص ‪ ،‬والعنكبوت ‪ ،‬والروم ‪ ،‬ولقمان ‪ ،‬والم ‪ ،‬السجدة ‪،‬‬
‫والحزاب ‪ ،‬وسبأ ‪ ،‬وفاطر ‪ ،‬و يس‪ .‬وثلث عشرة ‪ :‬الصافات ‪ ،‬وص ‪ ،‬والزمر ‪،‬‬
‫وغافر ‪ ،‬و حم ‪ ،‬السجدة ‪ ،‬وحم عسق ‪ ،‬والزخرف ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬والجاثية ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬العوام"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬المفسرين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ل أساء"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬أبطأ علينا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬علينا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫)‪ (8‬سنن أبي داود برقم )‪ (1393‬وسنن ابن ماجه برقم )‪ ، (1345‬والمسند‬
‫)‪.(4/9‬‬

‫) ‪(7/392‬‬

‫ل ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ق وال ْ ُ َ‬
‫ذا‬‫ن هَ َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫قا َ‬‫م فَ َ‬‫من ْهُ ْ‬
‫من ْذٌِر ِ‬
‫م ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جُبوا أ ْ‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫جيد ِ )‪ (1‬ب َ ْ‬ ‫م ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫َ‬
‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ص‬‫ق ُ‬ ‫ما ت َن ْ ُ‬‫مَنا َ‬ ‫جعٌ ب َِعيد ٌ )‪ (3‬قَد ْ عَل ِ ْ‬ ‫ك َر ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ب )‪ (2‬أئ ِ َ‬ ‫جي ٌ‬ ‫يٌء عَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫فيظ )‪ (4‬ب َ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ر‬
‫م ٍ‬
‫م ِفي أ ْ‬ ‫م فهُ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حق ّ ل ّ‬ ‫ل كذ ُّبوا ِبال َ‬ ‫ح ِ‬
‫ب َ‬ ‫عن ْد ََنا ك َِتا ٌ‬‫م وَ ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ض ِ‬
‫الْر ُ‬
‫ريٍج )‪(5‬‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫والحقاف ‪ ،‬والقتال ‪ ،‬والفتح ‪ ،‬والحجرات‪ .‬ثم بعد ذلك الحزب المفصل كما‬
‫قاله الصحابة ‪ ،‬رضي الله عنهم‪ .‬فتعين أن أوله سورة "ق" وهو الذي قلناه )‬
‫‪ ، (1‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫مرة بن‬ ‫َ ْ‬ ‫ض‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫مالك‬ ‫حدثنا‬ ‫‪،‬‬ ‫مهدي‬ ‫بن‬ ‫الرحمن‬ ‫عبد‬ ‫حدثنا‬ ‫قال المام أحمد ‪:‬‬
‫سعيد ‪ ،‬عن عَُبيد الله )‪ (2‬بن عبد الله ؛ أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد‬
‫الليثي ‪ :‬ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد ؟ قال ‪:‬‬
‫بقاف ‪ ،‬واقتربت‪.‬‬
‫ورواه مسلم وأهل السنن الربعة ‪ ،‬من حديث مالك ‪ ،‬به )‪ .(3‬وفي رواية‬
‫لمسلم عن فليح )‪ (4‬عن ضمرة ‪ ،‬عن عبيد الله )‪ ، (5‬عن أبي واقد قال ‪:‬‬
‫سألني عمر ‪ ،‬فذكره )‪.(6‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال أحمد ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪،‬‬
‫حدثني عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ‪ ،‬عن يحيى بن عبد‬
‫الله بن عبد الرحمن بن سعد )‪ (7‬بن ُزَرارة ‪ ،‬عن أم هشام بنت حارثة‬
‫قالت ‪ :‬لقد كان ت َّنورنا وتنور النبي صلى الله عليه وسلم واحدا سنتين ‪ ،‬أو‬
‫جيد ِ { إل على لسان رسول‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫قْرآ ِ‬ ‫سنة وبعض سنة ‪ ،‬وما أخذت } ق َوال ْ ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب‬
‫الناس‪.‬‬
‫رواه مسلم ]أيضا[ )‪ (8‬من حديث ابن إسحاق ‪ ،‬به )‪.(9‬‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪،‬‬
‫عن خبيب )‪ ، (10‬عن عبد الله بن محمد بن معن ‪ ،‬عن ابنة الحارث بن‬
‫النعمان قالت ‪ :‬ما حفظت "ق" إل من ِفي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬يخطب بها كل جمعة‪ .‬قالت ‪ :‬وكان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله‬
‫دا‪.‬‬
‫عليه وسلم واح ً‬
‫وكذا رواه مسلم والنسائي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث شعبة ‪ ،‬به )‪.(11‬‬
‫والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في‬
‫المجامع الكبار ‪ ،‬كالعيد والجمع ‪ ،‬لشتمالها على ابتداء الخلق والبعث‬
‫والنشور ‪ ،‬والمعاد والقيام ‪ ،‬والحساب ‪ ،‬والجنة والنار ‪ ،‬والثواب والعقاب ‪،‬‬
‫والترغيب والترهيب‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذا‬‫ن هَ َ‬ ‫َ‬
‫قال الكافُِرو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مف َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫من ْذٌِر ِ‬ ‫م ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جُبوا أ ْ‬ ‫ْ‬
‫جيدِ )‪ (1‬ب َل عَ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قْرآ ِ‬ ‫} ق َوال ْ ُ‬
‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ص‬
‫ق ُ‬ ‫ما ت َن ْ ُ‬ ‫مَنا َ‬ ‫جعٌ ب َِعيد ٌ )‪ (3‬قَد ْ عَل ِ ْ‬ ‫ك َر ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ب )‪ (2‬أئ ِ َ‬ ‫جي ٌ‬ ‫يٌء عَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ر‬
‫م ٍ‬ ‫م ِفي أ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬‫حق ّ ل َ ّ‬‫ل ك َذ ُّبوا ِبال ْ َ‬ ‫ظ )‪ (4‬ب َ ْ‬ ‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬‫ب َ‬ ‫عن ْد ََنا ك َِتا ٌ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫الْر ُ‬
‫ريٍج )‪{ (5‬‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬قدمناه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (5/217‬وصحيح مسلم برقم )‪ ، (891‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (1154‬وسنن الترمذي برقم )‪ (534‬وسنن النسائي )‪ (3/183‬وسنن ابن‬
‫ماجه برقم )‪.(1282‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬مالك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪.(891‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أسعد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪ (6/435‬وصحيح مسلم برقم )‪.(873‬‬
‫)‪ (10‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬حبيب"‪.‬‬
‫)‪ (11‬سنن أبي داود برقم )‪ (1100‬وصحيح مسلم برقم )‪ (873‬وسنن‬
‫النسائي )‪ (2/157‬لكنه ليس من هذا الطريق‪.‬‬

‫) ‪(7/393‬‬

‫} ق { ‪ :‬حرف من حروف الهجاء المذكورة )‪ (1‬في أوائل السور ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬


‫)ص ‪ ،‬ن ‪ ،‬الم ‪ ،‬حم ‪ ،‬طس( ونحو ذلك ‪ ،‬قاله مجاهد وغيره‪ .‬وقد أسلفنا‬
‫الكلم عليها ‪ ،‬في أول "سورة البقرة" بما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا } ق { ‪ :‬جبل محيط بجميع الرض ‪،‬‬
‫يقال له جبل قاف‪ .‬وكأن هذا ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬من خرافات بني إسرائيل التي‬
‫أخذها عنهم بعض الناس ‪ ،‬لما رأى من جواز الرواية عنهم فيما )‪ (2‬ل يصدق‬
‫ول يكذب‪ .‬وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلق بعض زنادقتهم ‪،‬‬
‫يلبسون به على الناس أمر دينهم ‪ ،‬كما افترى في هذه المة ‪ -‬مع جللة قدر‬
‫علمائها وحفاظها وأئمتها ‪ -‬أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد‬
‫من قدم ‪ ،‬فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى ‪ ،‬وقلة الحفاظ النقاد‬
‫فيهم ‪ ،‬وشربهم الخمور )‪ ، (3‬وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه ‪ ،‬وتبديل‬
‫كتب الله وآياته! وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله ‪" :‬وحدثوا عن بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬ول حرج" فيما قد يجوزه العقل ‪ ،‬فأما فيما ُتحيله العقول ويحكم‬
‫عليه بالبطلن ‪ ،‬ويغلب على الظنون كذبه ‪ ،‬فليس من هذا القبيل ‪ -‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين ‪ ،‬وكذا طائفة كثيرة من الخلف ‪،‬‬
‫من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد ‪ ،‬وليس بهم‬
‫احتياج إلى أخبارهم ‪ ،‬ولله الحمد والمنة ‪ ،‬حتى إن المام أبا محمد عبد‬
‫الرحمن بن أبي حاتم الرازي ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬أورد هاهنا أثرا غريبا ل يصح سنده‬
‫عن ابن عباس فقال ‪:‬‬
‫حدثنا أبي قال ‪ :‬حدثت عن محمد بن إسماعيل المخزومي ‪ :‬حدثنا ليث بن‬
‫أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬خلق الله من وراء هذه الرض‬
‫طا ‪ ،‬ثم خلق من وراء ذلك جبل يقال له "ق" السماء الدنيا مرفوعة‬ ‫بحًرا محي ً‬
‫عليه‪ .‬ثم خلق الله من وراء ذلك الجبل أرضا مثل تلك الرض سبع مرات‪ .‬ثم‬
‫طا بها ‪ ،‬ثم خلق من وراء ذلك جبل يقال له "ق"‬ ‫خلق من وراء ذلك بحرا محي ً‬
‫السماء الثانية مرفوعة عليه ‪ ،‬حتى عد سبع أرضين ‪ ،‬وسبعة أبحر ‪ ،‬وسبعة‬
‫ة‬
‫سب ْعَ ُ‬
‫ن ب َعْدِهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫مد ّه ُ ِ‬ ‫أجبل ‪ ،‬وسبع سموات‪ .‬قال ‪ :‬وذلك قوله ‪َ } :‬وال ْب َ ْ‬
‫حُر ي َ ُ‬
‫حرٍ { ]لقمان ‪.[27 :‬‬ ‫َ‬
‫أب ْ ُ‬
‫فإسناد هذا الثر فيه انقطاع ‪ ،‬والذي رواه ابن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫في قوله ‪ } :‬ق { قال ‪ :‬هو اسم من أسماء الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫والذي ثبت عن مجاهد ‪ :‬أنه حرف من حروف الهجاء ‪ ،‬كقوله ‪) :‬ص ‪ ،‬ن ‪ ،‬حم‬
‫‪ ،‬طس ‪ ،‬الم( ونحو ذلك‪ .‬فهذه ت ُب ِْعد ما تقدم عن ابن عباس‪.‬‬
‫ه" ‪ ،‬وأن قوله ‪ } :‬ق { دلت على المحذوف‬ ‫ضي المر والل ِ‬‫وقيل ‪ :‬المراد "ق ِ‬
‫من بقية الكلم )‪ (4‬كقول‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬الذي تقدم ذكرها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬مما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬الخمر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الكلمة"‪.‬‬

‫) ‪(7/394‬‬

‫الشاعر ‪ :‬قلت لها ‪ :‬قفي فقلت ‪ :‬قاف‪...‬‬


‫وفي هذا التفسير نظر ؛ لن الحذف في الكلم إنما يكون إذا دل دليل عليه ‪،‬‬
‫ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف ؟‪.‬‬
‫جيد ِ { أي ‪ :‬الكريم العظيم الذي ل يأتيه الباطل من‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ْ ُ‬
‫بين يديه ول من خلفه ‪ ،‬تنزيل من حكيم حميد‪.‬‬
‫واختلفوا في جواب القسم ما هو ؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه‬
‫ظ{‬ ‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب َ‬ ‫عن ْد ََنا ك َِتا ٌ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ص الْر ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما ت َن ْ ُ‬ ‫مَنا َ‬ ‫قوله ‪ } :‬قَد ْ عَل ِ ْ‬
‫وفي هذا نظر ‪ ،‬بل الجواب هو مضمون الكلم بعد القسم ‪ ،‬وهو إثبات‬
‫ً‬
‫النبوة ‪ ،‬وإثبات المعاد ‪ ،‬وتقريره وتحقيقه وإن لم يكن القسم متلقى لفظا ‪،‬‬
‫ن ِذي الذ ّك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله ‪ } :‬ص َوال ْ ُ‬
‫ق { ] ص ‪ ، [ 2 ، 1 :‬وهكذا قال هاهنا ‪ } :‬ق‬ ‫قا ٍ‬
‫ش َ‬
‫عّزةٍ وَ ِ‬ ‫فُروا ِفي ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫بَ ِ‬
‫يٌء‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ف‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫بوا‬ ‫ج‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫جي‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫ِ ُ َ َ‬ ‫ْ َ ُ ْ ُ ْ ٌِ ِ ُْ ْ‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫َ ِ ِ َ‬ ‫َوا ْ ِ‬
‫رآ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‬
‫ب { أي ‪ :‬تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر كقوله تعالى ‪:‬‬ ‫جي ٌ‬ ‫عَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س { ] يونس ‪[ 2 :‬‬ ‫ن أن ْذِرِ الّنا َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫حي َْنا إ َِلى َر ُ‬ ‫ن أوْ َ‬ ‫جًبا أ ْ‬ ‫س عَ َ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫كا َ‬ ‫}أ َ‬
‫أي ‪ :‬وليس هذا بعجيب ؛ فإن الله يصطفي من الملئكة رسل ومن الناس‪.‬‬
‫ضا من المعاد واستبعادهم لوقوعه ‪ } :‬أ َئ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫ثم قال مخبًرا عنهم في عجبهم أي ً‬
‫جعٌ ب َِعيد ٌ { أي ‪ :‬يقولون ‪ :‬أإذا متنا وبلينا ‪ ،‬وتقطعت‬ ‫ك َر ْ‬ ‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا ذ َل ِ َ‬ ‫ِ‬
‫الوصال منا ‪ ،‬وصرنا ترابا ‪ ،‬كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية‬
‫جعٌ ب َِعيد ٌ { أي ‪ :‬بعيد الوقوع ‪ ،‬ومعنى هذا ‪ :‬أنهم يعتقدون‬ ‫ك َر ْ‬ ‫والتركيب ؟ } ذ َل ِ َ‬
‫استحالته وعدم إمكانه‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬ما‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ص الْر ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما ت َن ْ ُ‬ ‫مَنا َ‬ ‫قال الله تعالى راًدا عليهم ‪ } :‬قَد ْ عَل ِ ْ‬
‫تأكل من أجسادهم في البلى ‪ ،‬نعلم ذلك ول يخفى علينا أين تفرقت‬
‫ظ { أي ‪:‬‬ ‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب َ‬ ‫عن ْد ََنا ك َِتا ٌ‬ ‫البدان ؟ وأين ذهبت ؟ وإلى أين صارت ؟ } وَ ِ‬
‫ضا فيه كل الشياء مضبوطة‪.‬‬ ‫حافظ لذلك ‪ ،‬فالعلم شامل ‪ ،‬والكتاب أي ً‬
‫م{‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ص الْر ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما ت َن ْ ُ‬ ‫مَنا َ‬ ‫َ‬
‫قال العوِْفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬قد ْ عَل ِ ْ‬
‫أي ‪ :‬ما تأكل من لحومهم وأبشارهم ‪ ،‬وعظامهم وأشعارهم‪ .‬وكذا قال مجاهد‬
‫‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ل‬‫ثم بين تعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫َ‬
‫ريٍج { أي ‪ :‬وهذا حال كل من خرج‬ ‫م ِ‬‫مرٍ َ‬ ‫م ِفي أ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حق ّ ل َ ّ‬ ‫ك َذ ُّبوا ِبال ْ َ‬
‫عن الحق ‪ ،‬مهما قال بعد ذلك فهو باطل‪ .‬والمريج ‪ :‬المختلف المضطرب‬
‫ُ‬
‫ن أفِ َ‬
‫ك‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ك عَن ْ ُ‬ ‫ف ي ُؤْفَ ُ‬ ‫خت َل ِ ٍ‬ ‫م ْ‬‫ل ُ‬ ‫في قَوْ ٍ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫الملتبس المنكر خلله ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫{ ] الذاريات ‪.[ 9 ، 8 :‬‬

‫) ‪(7/395‬‬

‫َ‬
‫ن فُُروٍج )‪(6‬‬ ‫م ْ‬ ‫ما ل ََها ِ‬‫ها وَ َ‬‫ها وََزي ّّنا َ‬ ‫م ك َي ْ َ‬
‫ف ب َن َي َْنا َ‬ ‫ماِء فَوْقَهُ ْ‬
‫س َ‬ ‫م ي َن ْظ ُُروا إ َِلى ال ّ‬ ‫أفَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ها وَأ َل ْ َ‬ ‫َ‬
‫صَرةً‬
‫ل َزوٍْج ب َِهيٍج )‪ (7‬ت َب ْ ِ‬‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬‫ي وَأن ْب َت َْنا ِفيَها ِ‬ ‫س َ‬ ‫قي َْنا ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫مد َد َْنا َ‬ ‫َواْلْر َ‬
‫ض َ‬
‫ل عبد منيب )‪ (8‬ونزل ْنا من السماِء ماًء مبار ً َ‬
‫ت‬ ‫جّنا ٍ‬‫كا فَأن ْب َت َْنا ب ِهِ َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ََّ َ ِ َ‬ ‫وَذِك َْرى ل ِك ُ ّ َ ْ ٍ ُ ِ ٍ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫حي َي َْنا ب ِ ِ‬‫ضيد ٌ )‪ (10‬رِْزًقا ل ِل ْعَِباد ِ وَأ ْ‬‫ت ل ََها ط َل ْعٌ ن َ ِ‬
‫قا ٍ‬
‫س َ‬ ‫خ َ‬
‫ل َبا ِ‬ ‫صيد ِ )‪َ (9‬والن ّ ْ‬ ‫ح ِ‬‫ب ال ْ َ‬‫ح ّ‬ ‫وَ َ‬
‫ج )‪(11‬‬ ‫خُرو ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي ًْتا كذل ِك ال ُ‬ ‫ب َل ْد َة ً َ‬
‫َ‬
‫ن فُُروٍج )‪(6‬‬ ‫م ْ‬ ‫ما ل ََها ِ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ها وََزي ّّنا َ‬ ‫ف ب َن َي َْنا َ‬ ‫م ك َي ْ َ‬ ‫ماِء فَوْقَهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ي َن ْظ ُُروا إ َِلى ال ّ‬ ‫} أفَل َ ْ‬
‫صَرةً‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ها وَأ َل ْ َ‬
‫ل َزوٍْج ب َِهيٍج )‪ (7‬ت َب ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ي وَأن ْب َت َْنا ِفيَها ِ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫قي َْنا ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫مد َد َْنا َ‬ ‫ض َ‬ ‫َوالْر َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫وَذِك َْرى ل ِك ّ‬
‫ُ‬
‫ت‬
‫جّنا ٍ‬ ‫مَباَركا فَأن ْب َت َْنا ب ِهِ َ‬ ‫ماًء ُ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب )‪َ (8‬ونزلَنا ِ‬ ‫مِني ٍ‬ ‫ل عَب ْد ٍ ُ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫حي َي َْنا ب ِ ِ‬ ‫ضيد ٌ )‪ (10‬رِْزًقا ل ِل ْعَِباد ِ وَأ ْ‬ ‫ت ل ََها ط َل ْعٌ ن َ ِ‬ ‫قا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫ل َبا ِ‬ ‫خ َ‬ ‫صيد ِ )‪َ (9‬والن ّ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَ َ‬
‫ج )‪{ (11‬‬ ‫خُرو ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مي ًْتا كذ َل ِك ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ب َل ْد َة ً َ‬
‫يقول تعالى منبها للعباد على قدرته العظيمة التي أظهر بها ما هو أعظم مما‬
‫َ‬
‫ها‬ ‫ف ب َن َي َْنا َ‬ ‫م ك َي ْ َ‬ ‫ماِء فَوْقَهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ي َن ْظ ُُروا إ َِلى ال ّ‬ ‫تعجبوا مستبعدين لوقوعه ‪ } :‬أفَل َ ْ‬
‫ن فُُروٍج {‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬يعني من‬ ‫م ْ‬ ‫ما ل ََها ِ‬ ‫ها { ؟ أي ‪ :‬بالمصابيح ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫وََزي ّّنا َ‬
‫شقوق‪ .‬وقال غيره ‪ :‬فتوق‪ .‬وقال غيره ‪ :‬من صدوع‪ .‬والمعنى متقارب ‪،‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ت ََرى ِفي َ ْ‬ ‫ت ط َِباًقا َ‬ ‫خل َقَ َ‬ ‫كقوله تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫ق الّر ْ‬ ‫خل ِ‬ ‫وا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫سب ْعَ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫جِع ال ْب َ َ‬
‫ك‬‫ب إ ِلي ْ َ‬ ‫قل ِ ْ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫صَر ك َّرت َي ْ ِ‬ ‫جِع الب َ َ‬ ‫م اْر ِ‬ ‫ن فُطوٍر‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ت ََرى ِ‬ ‫صَر هَ ْ‬ ‫ت َفاْر ِ‬ ‫فاوُ ٍ‬ ‫تَ َ‬
‫سيٌر { ] الملك ‪ [ 4 ، 3 :‬أي ‪ :‬كليل ‪ ،‬أي ‪ :‬عن أن يرى‬ ‫ح ِ‬ ‫سًئا وَهُوَ َ‬ ‫خا ِ‬ ‫صُر َ‬ ‫ال ْب َ َ‬
‫صا‪.‬‬ ‫عيًبا أو نق ً‬
‫ي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫قي َْنا ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫ها { أي ‪ :‬وسعناها وفرشناها ‪ } ،‬وَأل َ‬ ‫مد َد َْنا َ‬ ‫ض َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬والْر َ‬
‫قرة على تيار الماء‬ ‫م َ‬ ‫{ وهي ‪ :‬الجبال ؛ لئل تميد بأهلها وتضطرب ؛ فإنها ُ‬
‫ل َزوٍْج ب َِهيٍج { أي ‪ :‬من‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫المحيط بها من جميع جوانبها ‪ } ،‬وَأن ْب َت َْنا ِفيَها ِ‬
‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جي ْ ِ‬ ‫قَنا َزوْ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫جميع الزروع والثمار والنبات والنواع ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫ن { ] الذاريات ‪ ، [ 49 :‬وقوله ‪ } :‬بهيج { أي ‪ :‬حسن نضر‪.‬‬ ‫ت َذ َك ُّرو َ‬
‫ب { أي ‪ :‬ومشاهدة خلق السموات ]والرض[‬ ‫مِني ٍ‬ ‫ل عَب ْد ٍ ُ‬ ‫صَرةً وَذِك َْرى ل ِك ُ ّ‬ ‫} ت َب ْ ِ‬
‫)‪ (1‬وما جعل ]الله[ )‪ (2‬فيهما من اليات العظيمة تبصرة ودللة وذكرى لكل‬
‫جاع إلى الله عز وجل‪.‬‬ ‫عبد منيب ‪ ،‬أي ‪ :‬خاضع خائف وجل َر ّ‬
‫َ‬
‫كا { أي ‪ :‬نافًعا ‪ } ،‬فَأن ْب َت َْنا ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫مَباَر ً‬ ‫ماًء ُ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله تعالى ‪َ } :‬ونزل َْنا ِ‬
‫صيد ِ { وهو ‪ :‬الزرع‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت { أي ‪ :‬حدائق من بساتين ونحوها ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫َ‬
‫الذي يراد لحبه وادخاره‪.‬‬
‫ت { أي ‪ :‬طوال شاهقات‪ .‬وقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬ ‫قا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫ل َبا ِ‬ ‫خ َ‬ ‫} َوالن ّ ْ‬
‫َ‬
‫وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬الباسقات الطوال‪ } .‬لَها‬
‫حي َي َْنا ب ِهِ ب َل ْد َةً‬ ‫َ‬
‫ضيد ٌ { أي ‪ :‬منضود‪ } .‬رِْزًقا ل ِل ْعَِبادِ { أي ‪ :‬للخلق ‪ } ،‬وَأ ْ‬ ‫ط َل ْعٌ ن َ ِ‬
‫مي ًْتا { وهي ‪ :‬الرض التي كانت هامدة ‪ ،‬فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت‬ ‫َ‬
‫وأنبتت من كل زوج بهيج ‪ ،‬من أزاهير وغير ذلك ‪ ،‬مما يحار الطرف في )‪(3‬‬
‫حسنها ‪ ،‬وذلك بعد ما كانت ل نبات بها ‪ ،‬فأصبحت تهتز خضراء ‪ ،‬فهذا مثال‬
‫للبعث بعد الموت والهلك ‪ ،‬كذلك يحيي الله الموتى‪ .‬وهذا المشاهد من‬
‫عظيم قدرته بالحس أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث )‪ (4‬كقوله تعالى ‪} :‬‬
‫ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫س { ] غافر ‪ ، [ 57 :‬وقوله ‪:‬‬ ‫ق الّنا ِ‬ ‫خل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض أك ْب َُر ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل ْقُ ال ّ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قادٍِر‬ ‫ن بِ َ‬ ‫قهِ ّ‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫ي بِ َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫ض وَل َ ْ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ي ََرْوا أ ّ‬ ‫} أوَل َ ْ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر { ] الحقاف ‪، [ 33 :‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫موَْتى ب ََلى إ ِن ّ ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫حي ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫عََلى أ ْ‬
‫َ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ َن ّ َ‬
‫ماَء‬ ‫ة )‪ (5‬فَإ َِذا أنزل َْنا عَل َي َْها ال ْ َ‬ ‫شعَ ً‬ ‫خا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ك ت ََرى الْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر {‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫موَْتى إ ِن ّ ُ‬ ‫حِيي ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ل َ ُ‬ ‫حَيا َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫ت وََرب َ ْ‬ ‫اهْت َّز ْ‬
‫] فصلت ‪.[ 39 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫زيادة من أ‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫في م ‪" :‬من"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في م ‪ ،‬أ ‪" :‬البعث"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في م ‪" :‬هامدة" وهو خطأ‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫) ‪(7/396‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫وا ُ‬
‫خ َ‬
‫ن وَإ ِ ْ‬
‫عاد ٌ وَفِْرعَوْ ُ‬‫مود ُ )‪ (12‬وَ َ‬ ‫س وَث َ ُ‬ ‫ب الّر ّ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬‫م ُنوٍح وَأ ْ‬ ‫م قَوْ ُ‬‫ت قَب ْل َهُ ْ‬‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عيد ِ )‪(14‬‬ ‫حق ّ و َ ِ‬‫ل فَ َ‬‫س َ‬
‫ب الّر ُ‬‫ل ك َذ ّ َ‬ ‫م ت ُب ٍّع ك ُ ّ‬ ‫ب الي ْك َةِ وَقَوْ ُ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫ط )‪ (13‬وَأ ْ‬ ‫ُلو ٍ‬
‫ديد ٍ )‪(15‬‬ ‫ج ِ‬
‫ق َ‬ ‫ن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق اْلوّ ِ‬
‫ل بَ ْ‬ ‫أ َفَعَِييَنا ِبال ْ َ ْ‬
‫خل ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬‫م ِفي لب ْ ٍ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫خل ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫وا ُ‬‫خ َ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫عاد ٌ وَفِْرعَوْ ُ‬ ‫مود ُ )‪ (12‬وَ َ‬ ‫س وَث َ ُ‬ ‫ب الّر ّ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫م ُنوٍح وَأ ْ‬ ‫م قَوْ ُ‬ ‫ت قَب ْل َهُ ْ‬ ‫} ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬
‫عيد ِ )‪(14‬‬ ‫حق ّ و َ ِ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ب الّر ُ‬ ‫ل ك َذ ّ َ‬ ‫م ت ُب ٍّع ك ُ ّ‬ ‫ب الي ْك َةِ وَقَوْ ُ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫ط )‪ (13‬وَأ ْ‬ ‫ُلو ٍ‬
‫ديد ٍ )‪{ (15‬‬ ‫ج ِ‬‫ق َ‬ ‫ن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫أ َفَعَِييَنا ِبال ْ َ ْ‬
‫خل ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ِفي لب ْ ٍ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫ق الوّ ِ‬ ‫خل ِ‬
‫يقول تعالى متهددا لكفار قريش بما أحله بأشباههم ونظرائهم وأمثالهم من‬
‫المكذبين قبلهم ‪ ،‬من النقمات والعذاب الليم في الدنيا ‪ ،‬كقوم نوح وما‬
‫عذبهم الله به من الغرق العام )‪ (1‬لجميع أهل الرض ‪ ،‬وأصحاب الرس وقد‬
‫ن‬
‫وا ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫عاد ٌ وَفِْرعَوْ ُ‬ ‫موُد‪ .‬وَ َ‬ ‫تقدمت قصتهم في سورة "الفرقان" )‪ } (2‬وَث َ ُ‬
‫ط { ‪ ،‬وهم أمته الذين بعث إليهم من أهل سدوم ومعاملتها من الغور ‪،‬‬ ‫ُلو ٍ‬
‫وكيف خسف الله بهم الرض ‪ ،‬وأحال أرضهم بحيرة منتنة خبيثة ؛ بكفرهم‬
‫وطغيانهم ومخالفتهم الحق‪.‬‬
‫َ‬
‫م ت ُب ٍّع { وهو‬ ‫ب الي ْك َةِ { وهم قوم شعيب عليه السلم ‪ } ،‬وَقوْ ُ‬
‫َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫} وَأ ْ‬
‫اليماني‪ .‬وقد ذكرنا من شأنه في سورة الدخان ما أغنى عن إعادته هاهنا ولله‬
‫الحمد‪.‬‬
‫ل { أي ‪ :‬كل من هذه المم وهؤلء القرون كذب رسوله )‬ ‫س َ‬
‫ّ ُ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫} كُ ّ‬
‫ل‬
‫ت قَوْ ُ‬
‫م‬ ‫‪ ، (3‬ومن كذب رسول )‪ (4‬فكأنما كذب جميع الرسل ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ك َذ ّب َ ْ‬
‫ن { ] الشعراء ‪ ، [ 105 :‬وإنما جاءهم رسول واحد ‪ ،‬فهم في‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ُنوٍح ال ْ ُ‬
‫عيد ِ { أي ‪ :‬فحق‬ ‫حق ّ و َ ِ‬ ‫نفس المر لو جاءهم جميع الرسل كذبوهم ‪ } ،‬فَ َ‬
‫عليهم ما أوعدهم الله ‪ ،‬على التكذيب من العذاب والنكال فليحذر‬
‫المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذب أولئك‪.‬‬
‫ل { أي ‪ :‬أفأعجزنا )‪ (5‬ابتداء الخلق حتى هم‬ ‫ق الوّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ َفَعَِييَنا ِبال ْ َ ْ‬
‫خل ِ‬
‫ديد ٍ { والمعنى ‪ :‬أن‬ ‫ج ِ‬‫ق َ‬ ‫ن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫في شك من العادة ‪ } ،‬ب َ ْ‬
‫خل ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ِفي لب ْ ٍ‬ ‫ل هُ ْ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫ابتداء الخلق لم يعجزنا والعادة أسهل منه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَهُوَ ال ِ‬
‫ن عَل َي ْهِ { ] الروم ‪ ، [ 27 :‬وقال الله تعالى ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬
‫م ي ُِعيد ُه ُ وَهُوَ أهْوَ ُ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬
‫حِييَها‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫مي ٌ‬‫ي َر ِ‬ ‫م وَهِ َ‬ ‫ظا َ‬‫حِيي ال ْعِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ي َ‬ ‫س َ‬ ‫مَثل وَن َ ِ‬ ‫ب ل ََنا َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { ] يس ‪ ، [79 - 78 :‬وقد تقدم‬ ‫ق عَِلي ٌ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫مّرةٍ وَهُوَ ب ِكل َ‬ ‫َ‬
‫ها أوّل َ‬ ‫شأ َ‬ ‫ذي أن ْ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫في الصحيح ‪" :‬يقول الله تعالى ‪ :‬يؤذيني ابن آدم ‪ ،‬يقول ‪ :‬لن يعيدني كما‬
‫بدأني ‪ ،‬وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته" )‪.(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬العظيم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تقدم ذلك في سورة الفرقان عند الية رقم )‪.(38‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬رسولهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬برسول"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬فأعجزنا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (4974‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(7/397‬‬

‫فسه ونح َ‬
‫ل‬‫حب ْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ن أقَْر ُ‬ ‫س ب ِهِ ن َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ‬ ‫سو ِ ُ‬ ‫ما ت ُوَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَن َعْل َ ُ‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا اْل ِن ْ َ‬‫خل َ ْ‬‫قد ْ َ‬ ‫وَل َ َ‬
‫ما ي َل ْفِ ُ‬
‫ظ‬ ‫ل قَِعيد ٌ )‪َ (17‬‬ ‫ما ِ‬‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ال ْي َ ِ‬ ‫مت َل َ ّ‬ ‫قى ال ْ ُ‬ ‫ال ْوَِريد ِ )‪ (16‬إ ِذ ْ ي َت َل َ ّ‬
‫ن وَعَ ِ‬ ‫مي ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫قَيا ِ‬
‫ت‬‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫حقّ ذ َل ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ت ِبال َ‬ ‫موْ ِ‬ ‫ْ‬
‫سك َْرةُ ال َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫ب عَِتيد ٌ )‪ (18‬وَ َ‬ ‫ل إ ِّل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ‬ ‫ن قَوْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫معََها‬ ‫س َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫صورِ ذ َل ِ َ‬ ‫ف َ‬
‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫عيد ِ )‪ (20‬وَ َ‬ ‫م الوَ ِ‬ ‫ك ي َوْ ُ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫حيد ُ )‪ (19‬وَن ُ ِ‬ ‫ه تَ ِ‬‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ك‬‫صُر َ‬ ‫ك فَب َ َ‬ ‫َ‬
‫ك ِغطاَء َ‬ ‫فَنا عَن ْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ذا فَك َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬‫فلةٍ ِ‬ ‫َ‬ ‫ت ِفي غَ ْ‬ ‫ُ‬
‫قد ْ ك ن ْ َ‬ ‫َ‬
‫شِهيد ٌ )‪ (21‬ل َ‬ ‫سائ ِقٌ وَ َ‬ ‫َ‬
‫ديد ٌ )‪(22‬‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْي َوْ َ‬
‫فسه ونح َ‬
‫ل‬ ‫حب ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ِ‬
‫ن أقَْر ُ‬ ‫س ب ِهِ ن َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ‬ ‫سوِ ُ‬ ‫ما ت ُوَ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن وَن َعْل َ ُ‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا الن ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬‫قد ْ َ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫ف ُ‬
‫ظ‬ ‫ما ي َل ْ ِ‬‫ل قَِعيد ٌ )‪َ (17‬‬ ‫ما ِ‬‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ال ْي َ ِ‬ ‫مت َل َ ّ‬
‫قى ال ْ ُ‬ ‫ال ْوَِريد ِ )‪ (16‬إ ِذ ْ ي َت َل َ ّ‬
‫ن وَعَ ِ‬ ‫مي ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫قَيا ِ‬
‫ت‬‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫حقّ ذ َل ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ت ِبال َ‬ ‫موْ ِ‬ ‫ْ‬
‫سك َْرةُ ال َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫ب عَِتيد ٌ )‪ (18‬وَ َ‬ ‫ل ِإل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ‬ ‫ن قَوْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫معََها‬ ‫س َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫صورِ ذ َل ِ َ‬ ‫ف َ‬
‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫عيد ِ )‪ (20‬وَ َ‬ ‫م الوَ ِ‬ ‫ك ي َوْ ُ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫حيد ُ )‪ (19‬وَن ُ ِ‬ ‫ه تَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ك‬‫صُر َ‬ ‫ك فَب َ َ‬ ‫َ‬
‫ك ِغطاَء َ‬ ‫فَنا عَن ْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ذا فَك َ َ‬‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬‫فلةٍ ِ‬ ‫َ‬ ‫ت ِفي غَ ْ‬ ‫قد ْ ك ُن ْ َ‬ ‫َ‬
‫شِهيد ٌ )‪ (21‬ل َ‬ ‫سائ ِقٌ وَ َ‬ ‫َ‬
‫ديد ٌ )‪{ (22‬‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ال ْي َوْ َ‬

‫) ‪(7/397‬‬

‫يخبر تعالى عن قدرته على النسان بأنه خالقه ‪ ،‬وعمله محيط بجميع أموره ‪،‬‬
‫حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر‪ .‬وقد‬
‫ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن الله )‬
‫‪ (1‬تجاوز لمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل" )‪.(2‬‬
‫ل ال ْوَِريدِ { يعني ‪ :‬ملئكته‬ ‫وقوله ‪ } :‬ونح َ‬
‫ب‬
‫ُ‬ ‫أقر‬ ‫تعالى‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ب إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ن أقَْر ُ‬ ‫ََ ْ ُ‬
‫إلى النسان من حبل وريده )‪ (3‬إليه‪ .‬ومن تأوله على العلم فإنما فر لئل‬
‫يلزم حلول أو اتحاد ‪ ،‬وهما منفيان بالجماع ‪ ،‬تعالى الله وتقدس ‪ ،‬ولكن‬
‫اللفظ ل يقتضيه فإنه لم يقل ‪ :‬وأنا أقرب إليه من حبل الوريد ‪ ،‬وإنما قال ‪} :‬‬
‫ونحن أ َقْرب إل َيه من حبل ال ْوريد { كما قال في المحتضر ‪ } :‬ونح َ‬
‫ب‬‫ن أقَْر ُ‬ ‫ََ ْ ُ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫َ ُ ِ ْ ِ ِ ْ َ ْ ِ‬ ‫ََ ْ ُ‬
‫ن { ] الواقعة ‪ ، [ 85 :‬يعني ملئكته‪ .‬وكما قال‬ ‫صُرو َ‬ ‫ن ل ت ُب ْ ِ‬ ‫م وَلك ِ ْ‬‫َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ِ‬
‫ن { ] الحجر ‪، [ 9 :‬‬ ‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬
‫ه لَ َ‬ ‫ن نزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫]تعالى[ )‪ } : (4‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫فالملئكة نزلت بالذكر ‪ -‬وهو القرآن ‪ -‬بإذن الله ‪ ،‬عز وجل‪ .‬وكذلك )‪(5‬‬
‫الملئكة أقرب إلى النسان من حبل وريده إليه بإقدار )‪ (6‬الله لهم على ذلك‬
‫مة في النسان كما أن للشيطان لمة وكذلك ‪" :‬الشيطان يجري‬ ‫‪ ،‬فالملك ل َ ّ‬
‫من ابن آدم مجرى الدم" ‪ ،‬كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ؛ ولهذا قال‬
‫ن { يعني ‪ :‬الملكين اللذين يكتبان عمل النسان‪.‬‬ ‫قَيا ِ‬ ‫مت َل َ ّ‬ ‫قى ال ْ ُ‬ ‫هاهنا ‪ } :‬إ ِذ ْ ي َت َل َ ّ‬
‫ل قَِعيد ٌ { أي ‪ :‬مترصد )‪.(7‬‬ ‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫مي ِ‬ ‫ن ال ْي َ ِ‬ ‫} عَ ِ‬
‫ه‬
‫َْ ِ‬‫ي‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إل‬
‫ِ‬ ‫}‬ ‫(‬‫‪8‬‬ ‫)‬ ‫بكلمة‬ ‫يتكلم‬ ‫ما‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ِ ْ ْ ٍ‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫}‬ ‫آدم‬ ‫ابن‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ظ‬‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬
‫ما َ ِ‬
‫ل‬‫ي‬ ‫} َ‬
‫ب عَِتيد ٌ { أي ‪ :‬إل ولها من يراقبها معتد )‪ (9‬لذلك يكتبها ‪ ،‬ل يترك كلمة‬ ‫َرِقي ٌ‬
‫ما‬‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َعْل َ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كات ِِبي َ‬ ‫ن ك َِرا ً‬
‫ظي َ‬
‫حافِ ِ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ول حركة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫ن { ] النفطار ‪.[ 12 - 10 :‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫وقد اختلف العلماء ‪ :‬هل يكتب الملك كل شيء من الكلم ؟ وهو قول‬
‫الحسن وقتادة ‪ ،‬أو إنما يكتب ما فيه ثواب وعقاب كما هو قول ابن عباس ‪،‬‬
‫ل ِإل ل َد َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ن قَوْ ٍ‬
‫م ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ظ ِ‬ ‫ما ي َل ْ ِ‬
‫على قولين ‪ ،‬وظاهر الية الول ‪ ،‬لعموم قوله ‪َ } :‬‬
‫ب عَِتيد ٌ {‬
‫َرِقي ٌ‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة‬
‫الليثي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده علقمة ‪ ،‬عن بلل بن الحارث المزني قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان‬
‫الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ‪ ،‬يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه‬
‫)‪ .(10‬وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت ‪،‬‬
‫يكتب الله عليه بها )‪ (11‬سخطه إلى يوم يلقاه"‪ .‬قال ‪ :‬فكان علقمة يقول ‪:‬‬
‫كم من كلم قد منعنيه حديث بلل بن الحارث‪.‬‬
‫ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث محمد بن عمرو به )‪.(12‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬إن الله تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (5269‬وصحيح مسلم برقم )‪.(127‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬الوريد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ولذلك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬باقتدار"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬مرصد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬بكلم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬معد"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬القيامة"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في م ‪" :‬له بها عليه"‪.‬‬
‫)‪ (12‬المسند )‪ (3/469‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2319‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى ‪ ،‬كما في تحفة الشراف )‪ (2/103‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(3969‬‬

‫) ‪(7/398‬‬

‫صحيح‪ .‬وله شاهد )‪ (1‬في الصحيح )‪.(2‬‬


‫وقال الحنف بن قيس ‪ :‬صاحب اليمين يكتب الخير ‪ ،‬وهو أمير على صاحب‬
‫الشمال ‪ ،‬فإن أصاب العبد خطيئة قال له ‪ :‬أمسك ‪ ،‬فإن استغفر الله تعالى‬
‫نهاه أن يكتبها ‪ ،‬وإن أبى كتبها‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫ل قَِعيد ٌ { ‪ :‬يا‬ ‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫ن ال ْي َ ِ‬
‫مي ِ‬ ‫وقال الحسن البصري وتل هذه الية ‪ } :‬عَ ِ‬
‫ابن آدم ‪ُ ،‬بسطت لك صحيفة ‪ ،‬ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك ‪،‬‬
‫والخر عن شمالك ‪ ،‬فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ‪ ،‬وأما الذي عن‬
‫يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل )‪ (3‬ما شئت ‪ ،‬أقلل أو أكثر حتى إذا مت‬
‫طويت صحيفتك ‪ ،‬وجعلت في عنقك معك في قبرك ‪ ،‬حتى تخرج يوم القيامة‬
‫ل إنسا َ‬
‫م‬
‫ه ي َوْ َ‬ ‫ج لَ ُ‬
‫خرِ ُ‬ ‫قهِ وَن ُ ْ‬‫طائ َِرهُ ِفي عُن ُ ِ‬ ‫مَناه ُ َ‬‫ن أل َْز ْ‬ ‫‪ ،‬فعند ذلك يقول ‪ } :‬وَك ُ ّ ِ ْ َ ٍ‬
‫سيًبا {‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م عَل َي ْ َ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬ ‫س َ‬‫ف ِ‬ ‫فى ب ِن َ ْ‬ ‫ك كَ َ‬‫شوًرا اقَْرأ ْ ك َِتاب َ َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫مةِ ك َِتاًبا ي َل ْ َ‬
‫قاه ُ َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬
‫] السراء ‪ [ 14 ، 13 :‬ثم يقول ‪ :‬عدل ‪ -‬والله ‪ -‬فيك من جعلك حسيب‬
‫نفسك‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ل ِإل لد َي ْ ِ‬ ‫ن قوْ ٍ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬
‫فظ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ما ي َل ِ‬‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬‬
‫ب عَِتيد ٌ { قال ‪ :‬يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر ‪ ،‬حتى إنه ليكتب‬ ‫َرِقي ٌ‬
‫قوله ‪" :‬أكلت ‪ ،‬شربت ‪ ،‬ذهبت ‪ ،‬جئت ‪ ،‬رأيت" ‪ ،‬حتى إذا كان يوم الخميس‬
‫عرض قوله وعمله ‪ ،‬فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر ‪ ،‬وألقى سائره ‪،‬‬
‫ُ‬
‫ب { ] الرعد ‪:‬‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬ ‫عن ْد َه ُ أ ّ‬‫ت وَ ِ‬ ‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬‫حو الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬‫وذلك قوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫‪ ، [ 39‬وذكر عن المام أحمد أنه كان يئن في مرضه ‪ ،‬فبلغه عن طاوس أنه‬
‫قال ‪ :‬يكتب الملك كل شيء حتى النين‪ .‬فلم يئن أحمد حتى مات رحمه الله‬
‫)‪.(4‬‬
‫حيد ُ { ‪ ،‬يقول‬ ‫ه تَ ِ‬
‫من ْ ُ‬‫ت ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫حقّ ذ َل ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ت ِبال َ‬‫مو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫سك َْرةُ ال َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫تعالى ‪ :‬وجاءت ‪ -‬أيها النسان ‪ -‬سكرة الموت بالحق ‪ ،‬أي ‪ :‬كشفت لك عن‬
‫حيد ُ { أي ‪ :‬هذا هو الذي‬ ‫ه تَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫اليقين الذي كنت تمتري فيه ‪ } ،‬ذ َل ِ َ‬
‫كنت تفر منه قد جاءك ‪ ،‬فل محيد ول مناص ‪ ،‬ول فكاك ول خلص‪.‬‬
‫حقّ‬ ‫ْ‬
‫ت ِبال َ‬ ‫سك َْرةُ ال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫وقد اختلف المفسرون في المخاطب بقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫حيد ُ { ‪ ،‬فالصحيح أن المخاطب بذلك النسان من حيث هو‪.‬‬ ‫ه تَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬
‫ك َ‬‫ذ َل ِ َ‬
‫وقيل ‪ :‬الكافر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬غير ذلك‪.‬‬
‫سَبلن ‪ -‬أخبرنا عَّباد بن‬ ‫وقال أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن زياد ‪َ -‬‬
‫عَّباد عن محمد بن عمرو بن علقمة ‪ ،‬عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص )‪(5‬‬
‫أن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬حضرت أبي وهو يموت ‪ ،‬وأنا جالسة‬
‫ة فتمثلت ببيت من الشعر ‪:‬‬ ‫عند رأسه ‪ ،‬فأخذته غشي ٌ‬
‫قّنعا‪ ...‬فإنه ل بد مرةً )‪ (6‬مدقوق )‪(7‬‬ ‫م َ‬ ‫من ل يزال دمعه ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬شواهد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬شاهده حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البخاري في صحيحه‬
‫برقم )‪.(6478‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فاملل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه صالح بن المام أحمد في سيرة أبيه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أبي وقاص" وهو خطأ‪ .‬انظر ترجمته في تهذيب التهذيب‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬من دمعه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬البيت في النهاية لبن الثير )‪ (4/115‬وعنده ‪ :‬ل بد يوما أن يهراق‪.‬‬

‫) ‪(7/399‬‬

‫قالت ‪ :‬فرفع رأسه فقال ‪ :‬يا بنية ‪ ،‬ليس كذلك ولكن كما قال تعالى ‪:‬‬
‫حيد ُ {‪.‬‬
‫ه تَ ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬
‫ت ِ‬ ‫حقّ ذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ت ِبال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫سك َْرةُ ال ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫وحدثنا )‪ (1‬خلف بن هشام ؛ حدثنا أبو شهاب ]الخياط[ )‪ ، (2‬عن إسماعيل‬
‫بن أبي خالد ‪ ،‬عن البهي قال ‪ :‬لما أن ثقل أبو بكر )‪ ، (3‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫جاءت عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬فتمثلت بهذا البيت ‪:‬‬
‫لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى‪ ...‬إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر )‪(4‬‬
‫ت‬ ‫سك َْرةُ ال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫ت َ‬
‫جاَء ْ‬
‫فكشف عن وجهه وقال ‪ :‬ليس كذلك ‪ ،‬ولكن قولي ‪ } :‬وَ َ‬
‫حيد ُ { وقد أوردت لهذا الثر طرقا ]كثيرة[ )‪ (5‬في‬ ‫ه تَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬
‫ك َ‬‫حقّ ذ َل ِ َ‬‫ِبال ْ َ‬
‫سيرة الصديق عند ذكر وفاته ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬لما تغشاه الموت‬
‫جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول ‪" :‬سبحان الله! إن للموت لسكرات"‪.‬‬
‫حيد ُ { قولن ‪:‬‬ ‫ه تَ ِ‬‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫وفي قوله ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫أحدهما ‪ :‬أن "ما" هاهنا موصولة ‪ ،‬أي ‪ :‬الذي كنت منه تحيد ‪ -‬بمعنى ‪ :‬تبتعد‬
‫وتنأى وتفر ‪ -‬قد حل بك ونزل بساحتك‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أن "ما" نافية بمعنى ‪ :‬ذلك ما كنت تقدر على الفرار منه ول‬
‫الحيد عنه‪.‬‬
‫وقد قال الطبراني في المعجم الكبير ‪ :‬حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي ‪،‬‬
‫ذلي ‪ ،‬عن يونس بن‬ ‫حدثنا حفص بن عمر الحدي ‪ ،‬حدثنا معاذ بن محمد الهُ َ‬
‫مرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫س ُ‬
‫عبيد ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن َ‬
‫وسلم ‪" :‬مثل الذي يفر من الموت مثل الثعلب ‪ ،‬تطلبه الرض بد َْين ‪ ،‬فجاء‬
‫يسعى حتى إذا أعيى وأسهر دخل جحره ‪ ،‬فقالت له الرض ‪ :‬يا ثعلب ‪ ،‬ديني‪.‬‬
‫فخرج وله حصاص ‪ ،‬فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه ومات" )‪.(6‬‬
‫ومضمون هذا المثل ‪ :‬كما ل انفكاك له ول محيد عن الرض كذلك النسان ل‬
‫محيد له عن الموت‪.‬‬
‫عيد ِ {‪ .‬قد تقدم الكلم على حديث‬ ‫ْ‬
‫م الوَ ِ‬ ‫َ‬
‫صورِ ذ َل ِك ي َوْ ُ‬
‫خ ِفي ال ّ‬‫ف َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَن ُ ِ‬
‫النفخ في الصور والفزع والصعق والبعث )‪ ، (7‬وذلك يوم القيامة‪ .‬وفي‬
‫الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬كيف أنعم وصاحب‬
‫القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ‪ ،‬وانتظر أن يؤذن له"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول‬
‫الله كيف نقول ؟ قال ‪" :‬قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل"‪ .‬فقال القوم ‪:‬‬
‫حسبنا الله ونعم الوكيل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وحديث"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬أبا بكر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬البيت لحاتم الطائي وهو في ديوانه ص )‪ (50‬أ‪ .‬هـ مستفادا من طبعة‬
‫الشعب‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬المعجم الكبير )‪ (7/222‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (2/320‬فيه معاذ‬
‫بن محمد الهذلي ‪ ،‬قال العقيلي ‪ :‬ل يتابع على رفع حديثه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬للفزع وللصعق وللبعث"‪.‬‬

‫) ‪(7/400‬‬

‫شِهيد ٌ { أي ‪ :‬ملك يسوقه إلى المحشر ‪،‬‬ ‫سائ ِقٌ وَ َ‬ ‫معََها َ‬ ‫س َ‬‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬‫ت كُ ّ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫وملك يشهد عليه بأعماله‪ .‬هذا هو الظاهر من الية الكريمة‪ .‬وهو اختيار ابن‬
‫جرير ‪ ،‬ثم روي من حديث إسماعيل بن أبى خالد عن يحيى بن رافع ‪ -‬مولى‬
‫لثقيف ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت عثمان بن عفان يخطب )‪ ، (1‬فقرأ هذه الية ‪:‬‬
‫شِهيد ٌ { ‪ ،‬فقال ‪ :‬سائق يسوقها إلى الله ‪،‬‬ ‫سائ ِقٌ وَ َ‬ ‫معََها َ‬ ‫س َ‬‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬‫ت كُ ّ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫وشاهد يشهد عليها بما عملت‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫مط َّرف ‪ ،‬عن أبي جعفر ‪ -‬مولى أشجع ‪ -‬عن أبي هريرة ‪ :‬السائق ‪:‬‬ ‫وقال ُ‬
‫الملك والشهيد ‪ :‬العمل‪ .‬وكذا قال الضحاك والسدي‪.‬‬
‫وفي عن ابن عباس ‪ :‬السائق من الملئكة ‪ ،‬والشهيد ‪ :‬النسان‬ ‫وقال العَ ْ‬
‫حم أيضا‪.‬‬ ‫مزا ِ‬ ‫نفسه ‪ ،‬يشهد على نفسه‪ .‬وبه قال الضحاك بن ُ‬
‫ت‬ ‫ُ‬
‫قد ْ ك ن ْ َ‬ ‫َ‬
‫وحكى ابن جرير ثلثة أقوال في المراد بهذا الخطاب في قوله ‪ } :‬ل َ‬
‫ديد ٌ {‬
‫ح ِ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬
‫م َ‬ ‫صُر َ‬
‫ك فَب َ َ‬ ‫ك ِغ َ‬
‫طاَء َ‬ ‫فَنا عَن ْ َ‬ ‫ذا فَك َ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫فل َةٍ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ِفي غَ ْ‬
‫أحدها ‪ :‬أن المراد بذلك الكافر‪ .‬رواه علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫وبه يقول الضحاك بن مزاحم وصالح بن كيسان‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر ؛ لن الخرة بالنسبة إلى‬
‫الدنيا كاليقظة والدنيا كالمنام‪ .‬وهذا اختيار ابن جرير ‪ ،‬ونقله عن حسين بن‬
‫عبد الله بن عبيد الله بن عباس‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬أن المخاطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬وبه يقول زيد بن‬
‫أسلم ‪ ،‬وابنه‪ .‬والمعنى على قولهما ‪ :‬لقد كنت في غفلة من هذا الشأن )‪(2‬‬
‫قبل أن يوحى إليك ‪ ،‬فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك ‪ ،‬فبصرك اليوم حديد‪.‬‬
‫والظاهر من السياق خلف هذا ‪ ،‬بل الخطاب مع النسان من حيث هو ‪،‬‬
‫ذا { يعني ‪ :‬من هذا اليوم ‪،‬‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬‫فل َةٍ ِ‬ ‫ت ِفي غَ ْ‬ ‫والمراد بقوله ‪ } :‬ل َ َ‬
‫قد ْ ك ُن ْ َ‬
‫ديد ٌ { أي ‪ :‬قوي ؛ لن كل واحد يوم‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬‫صُر َ‬‫ك فَب َ َ‬ ‫طاَء َ‬ ‫ك ِغ َ‬ ‫فَنا عَن ْ َ‬
‫ش ْ‬ ‫} فَك َ َ‬
‫القيامة يكون مستبصرا ‪ ،‬حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صْر ي َوْ َ‬‫م وَأب ْ ِ‬ ‫معْ ب ِهِ ْ‬ ‫س ِ‬‫الستقامة ‪ ،‬لكن ل ينفعهم ذلك‪ .‬قال الله تعالى ‪ } :‬أ ْ‬
‫ْ‬
‫سو‬‫ن َناك ِ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ي َأُتون ََنا { ] مريم ‪ ، [ 38 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَل َوْ ت ََرى إ ِذِ ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫موقُِنو َ‬ ‫حا إ ِّنا ُ‬ ‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫م ْ‬‫جعَْنا ن َعْ َ‬‫معَْنا َفاْر ِ‬ ‫س ِ‬ ‫صْرَنا وَ َ‬‫م َرب َّنا أب ْ َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬
‫م ِ‬‫سهِ ْ‬‫ُرُءو ِ‬
‫] السجدة ‪.[12 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬خطب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬القرآن"‪.‬‬

‫) ‪(7/401‬‬

‫َ‬
‫مّناٍع‬
‫فارٍ عَِنيد ٍ )‪َ (24‬‬ ‫ل كَ ّ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫قَيا ِفي َ‬ ‫ما ل َد َيّ عَِتيد ٌ )‪ (23‬أل ْ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه هَ َ‬
‫رين ُ ُ‬ ‫ل قَ ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ب‬ ‫قَياهُ ِفي العَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫خَر فَأل ِ‬ ‫معَ اللهِ إ ِلًها آ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ب )‪ (25‬ال ِ‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬
‫معْت َدٍ ُ‬ ‫خي ْرِ ُ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫ل َل‬ ‫َ‬
‫ل ب َِعيد ٍ )‪َ (27‬قا َ‬ ‫ضَل ٍ‬‫ن ِفي َ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫ه وَل َك ِ ْ‬
‫ما أط ْغَي ْت ُ ُ‬ ‫ه َرب َّنا َ‬‫رين ُ ُ‬‫ل قَ ِ‬ ‫ديد ِ )‪َ (26‬قا َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ل ل َدي وما أناَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قو ْ ُ َ ّ َ َ َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ما ي ُب َد ّ ُ‬ ‫عيد ِ )‪َ (28‬‬ ‫م ِبالوَ ِ‬ ‫ت إ ِلي ْك ْ‬‫م ُ‬ ‫موا لد َيّ وَقَد ْ قَد ّ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫خت َ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ْ‬
‫ب ِظلم ٍ ل ِلعَِبيد ِ )‪(29‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مّناٍع‬‫فارٍ عَِنيد ٍ )‪َ (24‬‬ ‫ل كَ ّ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫قَيا ِفي َ‬ ‫ما ل َد َيّ عَِتيد ٌ )‪ (23‬أل ْ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫ل قَ ِ‬
‫رين ُ ُ‬ ‫} وََقا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ب‬ ‫قَياهُ ِفي العَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫خَر فَأل ِ‬ ‫معَ اللهِ إ ِلًها آ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ب )‪ (25‬ال ِ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫معْت َدٍ ُ‬ ‫خي ْرِ ُ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫َ‬
‫لل‬ ‫ل ب َِعيد ٍ )‪َ (27‬قا َ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫ه وَل َك ِ ْ‬ ‫ما أط ْغَي ْت ُ ُ‬ ‫ه َرب َّنا َ‬ ‫رين ُ ُ‬‫ل قَ ِ‬ ‫ديد ِ )‪َ (26‬قا َ‬ ‫ال ّ‬
‫ش ِ‬
‫ل ل َدي وما أناَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قو ْ ُ َ ّ َ َ َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ما ي ُب َد ّ ُ‬‫عيد ِ )‪َ (28‬‬ ‫م ِبالوَ ِ‬ ‫ت إ ِلي ْك ْ‬ ‫م ُ‬ ‫موا لد َيّ وَقَد ْ قَد ّ ْ‬ ‫ص ُ‬‫خت َ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ْ‬
‫ب ِظلم ٍ ل ِلعَِبيد ِ )‪{ (29‬‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن الملك الموكل بعمل ابن آدم ‪ :‬أنه يشهد عليه يوم‬
‫ما ل َد َيّ عَِتيد ٌ { أي ‪ :‬معتد )‪ (2‬محضر )‬ ‫ذا َ‬ ‫القيامة بما فعل )‪ (1‬ويقول ‪ } :‬هَ َ‬
‫‪ (3‬بل زيادة ول نقصان‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هذا كلم الملك السائق يقول ‪ :‬هذا ابن آدم الذي وكلتني به ‪،‬‬
‫قد أحضرته‪.‬‬
‫وقد اختار ابن جرير أن يعم السائق والشهيد ‪ ،‬وله اتجاه وقوة‪.‬‬
‫َ‬
‫فعند ذلك يحكم الله ‪ ،‬سبحانه تعالى ‪ ،‬في الخليقة بالعدل فيقول ‪ } :‬أل ْ ِ‬
‫قَيا‬
‫فارٍ عَِنيد ٍ {‬ ‫ل كَ ّ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫ِفي َ‬
‫وقد اختلف النحاة في قوله ‪ } :‬ألقيا { فقال بعضهم ‪ :‬هي لغة لبعض العرب‬
‫يخاطبون المفرد بالتثنية ‪ ،‬كما روي عن الحجاج أنه كان يقول ‪ :‬يا حرسي ‪،‬‬
‫اضربا عنقه ‪ ،‬ومما أنشد ابن جرير على هذه اللغة قول الشاعر ‪:‬‬
‫فإن تزجراني ‪ -‬يا ابن عفان ‪ -‬أنزجر‪ ...‬وإن تتركاني أحم عرضا ممنعا )‪(4‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل هي نون التأكيد ‪ ،‬سهلت إلى اللف‪ .‬وهذا بعيد ؛ لن هذا إنما يكون‬
‫في الوقف ‪ ،‬والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد ‪ ،‬فالسائق أحضره‬
‫إلى عرصة الحساب ‪ ،‬فلما أدى الشهيد عليه ‪ ،‬أمرهما الله تعالى بإلقائه في‬
‫نار جهنم وبئس المصير‪.‬‬
‫َ‬
‫فارٍ عَِنيد ٍ { أي ‪ :‬كثير الكفر والتكذيب بالحق ‪،‬‬‫ل كَ ّ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫قَيا ِفي َ‬ ‫} أل ْ ِ‬
‫خي ْرِ {‬ ‫مّناٍع ل ِل ْ َ‬
‫} عنيد { ‪ :‬معاند للحق ‪ ،‬معارض له بالباطل مع علمه بذلك‪َ } .‬‬
‫أي ‪ :‬ل يؤدي ما عليه من الحقوق ‪ ،‬ول بر فيه ول صلة ول صدقة ‪ } ،‬معتد {‬
‫أي ‪ :‬فيما ينفقه ويصرفه ‪ ،‬يتجاوز فيه الحد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬معتد في منطقه وسيرته وأمره‪.‬‬
‫} مريب { أي ‪ :‬شاك في أمره ‪ ،‬مريب لمن نظر في أمره‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫خَر { أي ‪ :‬أشرك بالله فعبد معه غيره ‪ } ،‬فَأل ِ‬
‫قَياهُ‬ ‫معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ َ‬‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫قا من النار يبرز للخلئق‬ ‫ديدِ {‪ .‬وقد تقدم في الحديث ‪ :‬أن عن ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذا ِ‬‫ِفي ال ْعَ َ‬
‫فينادي بصوت يسمع الخلئق ‪ :‬إني وكلت بثلثة ‪ ،‬بكل جبار ‪ ،‬ومن جعل مع‬
‫الله إلها آخر ‪ ،‬وبالمصورين ثم تلوى )‪ (5‬عليهم‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا معاوية ‪ -‬هو ابن هشام ‪ -‬حدثنا شيبان ‪ ،‬عن ِفراس‬
‫عن عطية )‪ ، (6‬عن أبي سعيد الخدري عن نبي الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال ‪" :‬يخرج عنق من النار يتكلم ‪ ،‬يقول ‪ :‬وكلت اليوم بثلثة ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬بما عمل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬معد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬محص"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(26/103‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬تنطوي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬حدثنا شيبان هو ابن هشام عن فراس عن عطية"‪.‬‬

‫) ‪(7/402‬‬

‫ة‬
‫جن ّ ُ‬‫ت ال ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫زيد ٍ )‪ (30‬وَأ ُْزل ِ َ‬ ‫مَ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬
‫قو ُ‬‫ت وَت َ ُ‬ ‫مت ََل ْ ِ‬ ‫لا ْ‬ ‫م هَ ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫ل لِ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫ي‬ ‫ش‬ ‫خ‬
‫َ ْ َ ِ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫(‬‫‪32‬‬ ‫)‬ ‫ظ‬ ‫في‬ ‫ح‬
‫ّ ٍ َ ِ ٍ‬‫ب‬ ‫وا‬ ‫أ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ع‬
‫َ ُ َ ُ َ ِ‬‫تو‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫(‬ ‫‪31‬‬ ‫)‬ ‫م ِّ َ َْ َِ ٍ‬
‫د‬ ‫عي‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ت‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫خُلود ِ )‪(34‬‬ ‫م ال ْ ُ‬‫ك ي َوْ ُ‬ ‫سَلم ٍ ذ َل ِ َ‬ ‫خُلو َ‬
‫ها ب ِ َ‬ ‫ب )‪ (33‬اد ْ ُ‬ ‫مِني ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫قل ْ ٍ‬‫جاَء ب ِ َ‬‫ب وَ َ‬ ‫ن ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫زيد ٌ )‪(35‬‬ ‫م ِ‬‫ن ِفيَها وَل َد َي َْنا َ‬ ‫شاُءو َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬

‫بكل جبار ‪ ،‬ومن جعل مع الله إلها آخر ‪ ،‬ومن قتل نفسا بغير نفس )‪.(1‬‬
‫فتنطوي عليهم ‪ ،‬فتقذفهم في غمرات جهنم" )‪.(2‬‬
‫ه { ‪ :‬قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هو الشيطان‬
‫َ‬ ‫ل قَ ِ‬
‫رين ُ ُ‬ ‫} َقا َ‬
‫ه { أي ‪ :‬يقول عن النسان الذي قد وافى‬ ‫ما أط ْغَي ْت ُ ُ‬ ‫الذي وكل به ‪َ } :‬رب َّنا َ‬
‫َ‬
‫ه { أي ‪ :‬ما‬ ‫ما أط ْغَي ْت ُ ُ‬‫القيامة كافًرا ‪ ،‬يتبرأ منه شيطانه ‪ ،‬فيقول ‪َ } :‬رب َّنا َ‬
‫ل ب َِعيد ٍ { أي ‪ :‬بل كان هو في نفسه ضال قابل‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫أضللته ‪ } ،‬وَل َك ِ ْ‬
‫دا للحق‪ .‬كما أخبر تعالى في الية الخرى في قوله ‪ } :‬وََقا َ‬
‫ل‬ ‫للباطل معان ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ما‬
‫م وَ َ‬ ‫فت ُك ُ ْ‬
‫خل ْ‬‫م فَأ ْ‬ ‫حقّ وَوَعَد ْت ُك ُ ْ‬ ‫م وَعْد َ ال َ‬ ‫ه وَعَد َك ُ ْ‬‫ن الل َ‬ ‫مُر إ ِ ّ‬‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫ن لَ ّ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫موِني وَلو ُ‬ ‫م ِلي َفل ت َلو ُ‬ ‫جب ْت ُ ْ‬‫ست َ َ‬ ‫ن د َعَوْت ُك ُ ْ‬
‫م َفا ْ‬ ‫ن ِإل أ ْ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ن ِلي عَلي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫موِني ِ‬ ‫شَرك ْت ُ ُ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫فْر ُ‬ ‫ي إ ِّني ك َ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫صرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ ُ‬
‫َ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خك ُ ْ‬ ‫صرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أَنا ب ِ ُ‬
‫َ‬
‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫م { ] إبراهيم ‪.[ 22 :‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫موا ل َد َيّ { يقول )‪ (3‬الرب عز وجل للنسي وقرينه‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫ل ل تَ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬قا َ‬
‫من الجن ‪ ،‬وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق فيقول النسي ‪ :‬يا رب ‪ ،‬هذا‬
‫َ‬
‫ه وَل َك ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ما أط ْغَي ْت ُ ُ‬ ‫أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني‪ .‬ويقول الشيطان ‪َ } :‬رب َّنا َ‬
‫ل ب َِعيد ٍ { أي ‪ :‬عن منهج الحق‪ .‬فيقول الرب عز وجل لهما ‪ } :‬ل‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫عيدِ { أي ‪ :‬قد أعذرت‬ ‫ْ‬
‫م ِبالوَ ِ‬ ‫َ‬
‫ت إ ِلي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫موا لد َيّ { أي ‪ :‬عندي ‪ } ،‬وَقَد ْ قَد ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫إليكم على ألسنة الرسل ‪ ،‬وأنزلت الكتب ‪ ،‬وقامت عليكم الحجج والبينات‬
‫والبراهين‪.‬‬
‫ل ل َدي { قال مجاهد ‪ :‬يعني قد قضيت ما أنا قاض ‪ } ،‬وما أناَ‬ ‫ْ‬
‫َ َ َ‬ ‫قو ْ ُ َ ّ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ما ي ُب َد ّ ُ‬ ‫} َ‬
‫دا إل‬ ‫ظلم ٍ ل ِلعَِبيد ِ { أي ‪ :‬لست أعذب أحدا بذنب أحد ‪ ،‬ولكن ل أعذب أح ً‬ ‫ْ‬ ‫بِ َ‬
‫بذنبه ‪ ،‬بعد قيام الحجة عليه‪.‬‬
‫ة‬
‫جن ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫قو ُ‬
‫ت ال َ‬ ‫ف ِ‬ ‫زيد ٍ )‪ (30‬وَأْزل ِ َ‬ ‫م ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ت وَت َ ُ‬ ‫مَتل ِ‬ ‫لا ْ‬ ‫م هَ ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫} ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ش َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ظ )‪َ (32‬‬ ‫في ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ل أّوا ٍ‬ ‫ُ‬
‫ن ل ِك ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُتوعَ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن غي َْر ب َِعيد ٍ )‪ (31‬هَ َ‬ ‫َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫خُلود ِ )‪(34‬‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك ي َوْ ُ‬ ‫سلم ٍ ذ َل ِ َ‬ ‫ها ب ِ َ‬‫خُلو َ‬ ‫ب )‪ (33‬اد ْ ُ‬ ‫مِني ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫قل ْ ٍ‬ ‫جاَء ب ِ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ن ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫الّر ْ‬
‫زيد ٌ )‪{ (35‬‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ن ِفيَها وَلد َي َْنا َ‬ ‫ما ي َشاُءو َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة ‪ :‬هل امتلت ؟ وذلك أنه وعدها أن‬
‫سيملؤها من الجنة والناس أجمعين ‪ ،‬فهو سبحانه يأمر بمن )‪ (4‬يأمر به‬
‫زيد ٍ { أي ‪ :‬هل بقي شيء تزيدوني ؟‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫إليها ‪ ،‬ويلقى وهي تقول ‪ } :‬هَ ْ‬
‫هذا هو الظاهر من سياق الية ‪ ،‬وعليه تدل الحاديث ‪:‬‬
‫قال البخاري عند تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي السود ‪ ،‬حدثنا‬
‫مارة حدثنا شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬عن النبي‬ ‫حَرمي بن عُ َ‬ ‫َ‬
‫قى في النار ‪ ،‬وتقول ‪ :‬هل من مزيد ‪ ،‬حتى‬ ‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ُ" :‬يل َ‬
‫يضع قدمه فيها ‪ ،‬فتقول قط قط" )‪.(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬حق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(3/40‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬يقوله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(4848‬‬

‫) ‪(7/403‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الوهاب ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس قال‬
‫‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل تزال جهنم يلقى فيها وتقول ‪:‬‬
‫هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه ‪ ،‬فينزوي بعضها إلى بعض ‪،‬‬
‫مك ول يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله‬ ‫وتقول ‪ :‬قط قط ‪ ،‬وعزتك وك ََر ِ‬
‫لها خلقا آخر فيسكنهم في فضول )‪ (1‬الجنة" )‪.(2‬‬
‫ثم رواه مسلم من حديث قتادة ‪ ،‬بنحوه )‪ .(3‬ورواه أبان العطار وسليمان‬
‫التيمي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬بنحوه )‪.(4‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال )‪ (5‬البخاري ‪ :‬حدثنا محمد بن موسى القطان ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫وف ‪ ،‬عن محمد عن أبي‬ ‫سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهدي ‪ ،‬حدثنا عَ ْ‬
‫هريرة ‪ -‬رفعه ‪ ،‬وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان ‪" : -‬يقال لجهنم ‪ :‬هل‬
‫امتلت ‪ ،‬وتقول ‪ :‬هل من مزيد ‪ ،‬فيضع الرب ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قدمه عليها )‪، (6‬‬
‫فتقول ‪ :‬قط قط" )‪.(7‬‬
‫رواه أيوب وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين ‪ ،‬به )‪.(8‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال )‪ (9‬البخاري ‪ :‬وحدثنا عبد الله بن محمد ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫الرزاق ‪ ،‬أخبرنا معمر عن همام )‪ (10‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬تحاجت الجنة والنار ‪ ،‬فقالت النار ‪ :‬أوثرت بالمتكبرين‬
‫والمتجبرين‪ .‬وقالت الجنة ‪ :‬ما لي ل يدخلني إل ضعفاء الناس وسقطهم‪ .‬قال‬
‫الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬للجنة ‪ :‬أنت رحمتي ‪ ،‬أرحم بك من أشاء من عبادي‪ .‬وقال‬
‫للنار ‪ :‬إنما أنت عذابي ‪ ،‬أعذب بك من أشاء من عبادي ‪ ،‬ولكل واحدة منكما‬
‫ملؤها ‪ ،‬فأما النار فل تمتلئ حتى يضع رجله ‪ ،‬فتقول ‪ :‬قط قط ‪ ،‬فهنالك‬
‫تمتلئ ويزوي )‪ (11‬بعضها إلى بعض ول يظلم الله من خلقه أحدا ‪ ،‬وأما‬
‫الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا آخر" )‪.(12‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال )‪ (13‬مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة ‪،‬‬
‫حدثنا جرير ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ي‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬احتجت الجنة والنار ‪ ،‬فقالت النار ‪ :‬ف ّ‬
‫ي ضعفاء الناس ومساكينهم‪ .‬فقضى‬ ‫الجبارون والمتكبرون‪ .‬وقالت الجنة ‪ :‬ف ّ‬
‫بينهما ‪ ،‬فقال للجنة ‪ :‬إنما أنت رحمتي ‪ ،‬أرحم بك من أشاء من عبادي‪ .‬وقال‬
‫للنار ‪ :‬إنما أنت عذابي ‪ ،‬أعذب بك من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فضل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(3/234‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(4848‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه الطبري في تفسيره )‪.(26/106‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬عليها قدمه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪.(4849‬‬
‫)‪ (8‬رواه احمد في مسنده )‪ (2/507‬من طريق هشام بن حسان به‪ .‬ورواه‬
‫الطبري في تفسيره )‪ (26/107‬من طريق أيوب وهشام بن حسان به‪.‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في م ‪" :‬همام بن منبه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬ينزوي"‪.‬‬
‫)‪ (12‬صحيح البخاري برقم )‪.(4850‬‬
‫)‪ (13‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬

‫) ‪(7/404‬‬

‫أشاء من عبادي ‪ ،‬ولكل واحدة منكما ملؤها" انفرد به مسلم دون البخاري )‬
‫‪ (1‬من هذا الوجه‪ .‬والله ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬أعلم‪.‬‬
‫وقد رواه المام أحمد من طريق أخرى ‪ ،‬عن أبي سعيد بأبسط من هذا‬
‫السياق فقال ‪:‬‬
‫حدثنا حسن وروح قال حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن‬
‫عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪" :‬افتخرت الجنة والنار ‪ ،‬فقالت النار ‪ :‬يا رب ‪ ،‬يدخلني‬
‫الجبابرة والمتكبرون والملوك والشراف‪ .‬وقالت الجنة ‪ :‬أي رب ‪ ،‬يدخلني‬
‫الضعفاء والفقراء والمساكين‪ .‬فيقول الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬للنار ‪ :‬أنت عذابي ‪،‬‬
‫أصيب بك من أشاء‪ .‬وقال للجنة ‪ :‬أنت رحمتي ‪ ،‬وسعت كل شيء ‪ ،‬ولكل‬
‫واحدة منكما ملؤها ‪ ،‬فيلقى في النار أهلها فتقول ‪ :‬هل من مزيد ؟ قال ‪:‬‬
‫ويلقى فيها وتقول ‪ :‬هل من مزيد ؟ ويلقى فيها وتقول ‪ :‬هل من مزيد ؟ حتى‬
‫يأتيها )‪ (2‬عز وجل ‪ ،‬فيضع قدمه عليها ‪ ،‬فتزوي وتقول ‪ :‬قدني ‪ ،‬قدني‪ .‬وأما‬
‫الجنة فيبقى فيها ما شاء الله أن يبقى ‪ ،‬فينشئ الله لها خلقا ما يشاء" )‪.(3‬‬
‫مك َْرم ‪،‬‬‫حديث آخر ‪ :‬وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده ‪ :‬حدثنا عقبة بن ُ‬
‫عدي بن ثابت ‪ ،‬عن زِّر بن‬ ‫حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا عبد الغفار بن القاسم ‪ ،‬عن ُ‬
‫حب َْيش ‪ ،‬عن أبي بن كعب ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫"يعرفني الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬نفسه يوم القيامة ‪ ،‬فأسجد سجدة يرضى بها‬
‫عني ‪ ،‬ثم أمدحه مدحة يرضى بها عني ‪ ،‬ثم يؤذن لي في الكلم ‪ ،‬ثم تمر‬
‫أمتي على الصراط ‪ -‬مضروب بين ظهراني جهنم ‪ -‬فيمرون أسرع من‬
‫الطرف والسهم ‪ ،‬وأسرع من أجود الخيل ‪ ،‬حتى يخرج الرجل منها يحبو ‪،‬‬
‫وهي العمال‪ .‬وجهنم تسأل المزيد ‪ ،‬حتى يضع فيها قدمه ‪ ،‬فينزوي بعضها‬
‫إلى بعض وتقول ‪ :‬قط قط! وأنا على الحوض"‪ .‬قيل ‪ :‬وما الحوض يا رسول‬
‫الله ؟ قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إن شرابه أبيض من اللبن ‪ ،‬وأحلى من‬
‫العسل ‪ ،‬وأبرد من الثلج ‪ ،‬وأطيب ريحا من المسك‪ .‬وآنيته أكثر من عدد‬
‫النجوم ‪ ،‬ل يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا ‪ ،‬ول يصرف فيروى أبدا" )‪ .(4‬وهذا‬
‫القول هو اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫ماني )‪(5‬‬ ‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو يحيى الح ّ‬
‫ل‬
‫م هَ ِ‬‫جهَن ّ َ‬ ‫قو ُ‬
‫ل لِ َ‬ ‫م نَ ُ‬
‫عن نضر الخزاز ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } ،‬ي َوْ َ‬
‫زيد ٍ { قال ‪ :‬ما امتلت ‪ ،‬قال ‪ :‬تقول ‪ :‬وهل في من‬ ‫م ِ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ل هَ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫قو ُ‬‫ت وَت َ ُ‬
‫مَتل ِ‬
‫ا ْ‬
‫مكان يزاد في‪.‬‬
‫زيد ٍ { ‪ :‬وهل في‬ ‫م ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬
‫قو ُ‬
‫وكذا روى الحكم بن أبان عن عكرمة ‪ } :‬وَت َ ُ‬
‫مدخل واحد ‪ ،‬قد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(2847‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬يأتيها ربها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(3/13‬‬
‫)‪ (4‬ورواه ابن أبي عاصم في السنة برقم )‪ (790‬من طريق عقبة بن مكرم‬
‫به‪.‬‬
‫وقال اللباني ‪" :‬إسناده موضوع آفته عبد الغفار بن القاسم ‪ ،‬وهو أبو مريم‬
‫النصاري كان يضع الحديث كما قال ابن المديني وأبو داود"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬الحمان"‪.‬‬

‫) ‪(7/405‬‬

‫امتلت‪.‬‬
‫دا‬
‫]و[ )‪ (1‬قال الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن يزيد بن أبي مريم أنه سمع مجاه ً‬
‫ي[ )‪ (2‬من‬ ‫يقول ‪ :‬ل يزال يقذف فيها حتى تقول ‪ :‬قد امتلت فتقول ‪ :‬هل ]ف ّ‬
‫مزيد ؟ وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا‪.‬‬
‫ت { ‪ ،‬إنما هو بعد ما يضع عليها قدمه‬
‫مَتل ِ‬
‫لا ْ‬
‫فعند هؤلء أن قوله تعالى ‪ } :‬هَ ِ‬
‫‪ ،‬فتنزوي وتقول حينئذ ‪ :‬هل بقي في ]من[ )‪ (3‬مزيد ؟ يسع شيئا‪.‬‬
‫قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬وذلك حين ل يبقى فيها موضع ]يسع[ )‪(4‬‬
‫إبرة‪ .‬فالله )‪ (5‬أعلم‪.‬‬
‫ن غَي َْر ب َِعيد ٍ { ‪ :‬قال قتادة ‪ ،‬وأبو مالك ‪،‬‬‫ت ال ْ َ ّ ُ ِ ُ ّ ِ َ‬
‫قي‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ف ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ُْزل ِ َ‬
‫ت { أدنيت وقربت من المتقين ‪ } ،‬غَي َْر ب َِعيدٍ { وذلك يوم‬ ‫ف ِ‬ ‫والسدي ‪ } :‬أ ُْزل ِ َ‬
‫القيامة ‪ ،‬وليس ببعيد ؛ لنه واقع ل محالة ‪ ،‬وكل ما هو آت آت‪.‬‬
‫ذا ما توعَدون ل ِك ُ ّ َ‬
‫ب { )‪ (6‬أي ‪ :‬رجاع تائب مقلع ‪ } ،‬حفيظ { أي ‪:‬‬ ‫ل أّوا ٍ‬ ‫ُ َ‬ ‫} هَ َ َ ُ‬
‫يحفظ العهد فل ينقضه و]ل[ )‪ (7‬ينكثه‪.‬‬
‫سا ]فيقوم[ )‪(8‬‬ ‫وقال عبيد بن عمير ‪ :‬الواب ‪ :‬الحفيظ الذي ل يجلس مجل ً‬
‫حتى يستغفر الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫ب { أي ‪ :‬من خاف الله في سره حيث ل يراه أحد‬ ‫ن ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ي الّر ْ‬ ‫ش َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫} َ‬
‫إل الله‪ .‬كقوله ]عليه السلم[ )‪ (9‬ورجل ذكر الله خاليا ‪ ،‬ففاضت عيناه"‪.‬‬
‫ب { أي ‪ :‬ولقي الله يوم القيامة بقلب سليم منيب إليه‬ ‫مِني ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫قل ْ ٍ‬‫جاَء ب ِ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫خاضع لديه‪.‬‬
‫سلم ٍ { ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬سلموا من عذاب الله ‪،‬‬ ‫ها { أي ‪ :‬الجنة } ب ِ َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫} اد ْ ُ‬
‫وسلم عليهم ملئكة الله‪.‬‬
‫دا ‪ ،‬ول‬ ‫ً‬ ‫أب‬ ‫يموتون‬ ‫فل‬ ‫الجنة‬ ‫في‬ ‫يخلدون‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫خ ُ ِ‬
‫د‬ ‫لو‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك ي َوْ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫دا ‪ ،‬ول يبغون عنها حول‪.‬‬ ‫يظعنون أب ً‬
‫ن ِفيَها { أي ‪ :‬مهما اختاروا وجدوا من أي أصناف‬ ‫شاُءو َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َهُ ْ‬
‫الملذ طلبوا أحضر لهم‪.‬‬
‫قّية ‪،‬‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا عمرو بن عثمان ‪ ،‬حدثنا ب َ ِ‬ ‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫مّرة قال ‪ :‬من‬ ‫مْعدان ‪ ،‬عن كثير بن ُ‬ ‫حير )‪ (10‬بن سعد ‪ ،‬عن خالد بن َ‬ ‫عن ب َ ِ‬
‫المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول ‪ :‬ماذا تريدون فأمطره لكم ؟ فل‬
‫يدعون بشيء إل أمطرتهم‪ .‬قال كثير ‪ :‬لئن أشهدني الله ذلك لقولن ‪:‬‬
‫أمطرينا جواري مزينات‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬والله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪) :‬أواب حفيظ(‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في م ‪" :‬يحيى"‪.‬‬

‫) ‪(7/406‬‬

‫وفي الحديث عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ‪:‬‬
‫"إنك لتشتهي الطير في الجنة ‪ ،‬فيخر بين يديك مشويا" )‪.(1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن عبد الله ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثني‬
‫أبي عن عامر الحول ‪ ،‬عن أبي الصديق )‪ ، (2‬عن أبي سعيد الخدري ؛ أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة ‪،‬‬
‫سّنه في ساعة واحدة"‪.‬‬ ‫كان حمله ووضعه و ِ‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬عن ب ُْندار ‪ ،‬عن معاذ بن هشام ‪ ،‬به )‪ (3‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن غريب ‪ ،‬وزاد "كما يشتهي"‪.‬‬
‫َ‬
‫سَنى وَزَِياد َة ٌ {‬ ‫سُنوا ال ْ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫ذي َ‬‫زيد ٌ { كقوله تعالى ‪ } :‬ل ِل ّ ِ‬ ‫م ِ‬‫وقوله ‪ } :‬وَل َد َي َْنا َ‬
‫صَهيب بن سنان الرومي ‪:‬‬ ‫] يونس ‪ .[26 :‬وقد تقدم في صحيح مسلم عن ُ‬
‫أنها النظر إلى وجه الله الكريم‪ .‬وقد روى البزار وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث‬
‫شريك القاضي ‪ ،‬عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ‪ ،‬عن أنس بن مالك في‬
‫زيد ٌ { قال ‪ :‬يظهر لهم الرب ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬في كل‬ ‫قوله عز وجل ‪ } :‬وَل َد َي َْنا َ‬
‫م ِ‬
‫جمعة )‪.(4‬‬
‫عا فقال في مسنده ‪ :‬أخبرنا‬ ‫وقد رواه المام أبو عبد الله الشافعي مرفو ً‬
‫إبراهيم بن محمد ‪ ،‬حدثني موسى بن عبيدة ‪ ،‬حدثني أبو الزهر معاوية بن‬
‫إسحاق بن طلحة ‪ ،‬عن عبد الله بن عبيد بن عمير )‪ (5‬أنه سمع أنس بن‬
‫مالك يقول ‪ :‬أتى جبرائيل بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى رسول الله ‪ ،‬فقال النبي‬
‫ت بها أنت‬ ‫ضل َ‬‫)‪ (6‬صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما هذه ؟" فقال ‪ :‬هذه الجمعة ‪ ،‬فُ ّ‬
‫وأمتك ‪ ،‬فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ‪ ،‬ولكم فيها خير ‪ ،‬ولكم فيها‬
‫ساعة ل يوافقها مؤمن )‪ (7‬يدعو الله بخير إل استجيب له ‪ ،‬وهو عندنا يوم‬
‫المزيد‪ .‬قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا جبريل ‪ ،‬وما يوم المزيد ؟" قال‬
‫‪ :‬إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب المسك ‪ ،‬فإذا كان يوم‬
‫الجمعة أنزل الله ما شاء )‪ (8‬من ملئكته ‪ ،‬وحوله منابر من نور ‪ ،‬عليها‬
‫مقاعد النبيين ‪ ،‬وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب ‪ ،‬مكللة بالياقوت والزبرجد‬
‫‪ ،‬عليها الشهداء والصديقون )‪ (9‬فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب ‪،‬‬
‫فيقول الله عز وجل ‪ :‬أنا ربكم ‪ ،‬قد صدقتكم وعدي ‪ ،‬فسلوني أعطكم‪.‬‬
‫فيقولون ‪ :‬ربنا ‪ ،‬نسألك رضوانك ‪ ،‬فيقول ‪ :‬قد رضيت عنكم ‪ ،‬ولكم علي ما‬
‫تمنيتم ‪ ،‬ولدي مزيد‪ .‬فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من‬
‫الخير ‪ ،‬وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش ‪ ،‬وفيه خلق آدم ‪ ،‬وفيه‬
‫تقوم الساعة"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الحسن بن عرفة في جزئه برقم )‪ (22‬والبزار في مسنده برقم )‬
‫‪" (3532‬كشف الستار" وابن عدي في الكامل )‪ (6/689‬من طريق خلف بن‬
‫خليفة عن حميد العرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود مرفوعا به‪.‬‬
‫وفيه حميد العرج ‪ ،‬قال البخاري ‪ :‬منكر الحديث وقال ابن حبان ‪ :‬أحاديثه‬
‫شبه الموضوعة‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬عن أبي بكر الصديق"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (3/9‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2563‬وسنن ابن ماجة برقم )‬
‫‪.(4338‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬جهة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬عن عبيد الله بن عمير" وفي الصل ‪" :‬عبد الله عمير"‬
‫والتصويب من الم للشافعي‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬ل يوافقها عبد مؤمن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬ناسا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬الصالحون"‪.‬‬
‫) ‪(7/407‬‬

‫]و[ )‪ (1‬هكذا أورده المام الشافعي في كتاب "الجمعة" من الم )‪ ، (2‬وله‬


‫طرق عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي الله عنه‪ .‬وقد أورد ابن جرير هذا من رواية‬
‫عثمان بن عمير ‪ ،‬عن أنس بأبسط من هذا )‪ (3‬وذكر هاهنا أثًرا مطول عن‬
‫أنس بن مالك موقوًفا وفيه غرائب كثيرة )‪.(4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬حدثنا َدراج ‪ ،‬عن أبي‬
‫الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن‬
‫الرجل في الجنة ليتكئ في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأة‬
‫فتضرب على منكبه )‪ (5‬فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة ‪ ،‬وإن أدنى‬
‫لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب‪ .‬فتسلم عليه ‪ ،‬فيرد السلم ‪،‬‬
‫فيسألها ‪ :‬من أنت ؟ فتقول ‪ :‬أنا من المزيد‪ .‬وإنه ليكون عليها سبعون حلة ‪،‬‬
‫أدناها مثل النعمان ‪ ،‬من طوبى ‪ ،‬فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء‬
‫ذلك ‪ ،‬وإن عليها من التيجان ‪ ،‬إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق‬
‫والمغرب" )‪.(6‬‬
‫وهكذا رواه عبد الله بن وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن دراج ‪ ،‬به )‪.(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬الم )‪.(1/185‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(26/109‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(26/109‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬منكبيه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (3/75‬وفيه ‪ :‬دراج عن أبي الهيثم ‪ ،‬ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (26/110‬والكلم عليه كسابقه‪.‬‬

‫) ‪(7/408‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫قُبوا ِفي ال ْب َِلد ِ هَ ْ‬ ‫شا فَن َ ّ‬‫م ب َط ْ ً‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫م أَ َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن قَْر ٍ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫م أهْل َك َْنا قَب ْل َهُ ْ‬
‫وك َ َ‬
‫َ ْ‬
‫معَ وَهُوَ َ‬ ‫ْ‬ ‫كان ل َه قَل ْب أ َو أ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شِهيد ٌ‬ ‫ّ ْ‬‫س‬ ‫ال‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫في‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪36‬‬ ‫)‬ ‫ص‬
‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ما‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪37‬‬ ‫)‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ َ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ل طلوِع ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مد ِ َرب ّك قَب ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب )‪َ (38‬فا ْ‬ ‫ل ُُغو ٍ‬
‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬
‫َ‬
‫سب ّ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫قولو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫صب ِْر عَلى َ‬
‫جود ِ )‪(40‬‬ ‫س ُ‬ ‫ه وَأد َْباَر ال ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫سب ّ ْ‬‫ل فَ َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب )‪ (39‬وَ ِ‬ ‫ل ال ْغُُرو ِ‬ ‫وَقَب ْ َ‬

‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قُبوا ِفي ال ِْبلد ِ هَ ْ‬ ‫شا فَن َ ّ‬ ‫م ب َط ْ ً‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫م أَ َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن قَْر ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م أهْل َك َْنا قَب ْل َهُ ْ‬
‫} وك َ َ‬
‫َ ْ‬
‫د‬ ‫هي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫كان ل َه قَل ْب أ َو أ َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫رى‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪36‬‬ ‫)‬ ‫ص‬
‫ِ ٌ‬ ‫ُ‬
‫ّ ْ َ َ َ‬
‫َ‬
‫ٌ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ّ‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ما‬
‫ٍ َ َ َ ّ‬‫و‬ ‫م‬‫يا‬‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ما‬
‫ُ َ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ض‬
‫َ ْ َ َ َ‬ ‫ر‬ ‫وال‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫ّ َ َ‬‫م‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪37‬‬ ‫)‬
‫س‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ل طلوِع ال ّ‬ ‫ك قَب ْ َ‬ ‫مد ِ َرب ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب )‪َ (38‬فا ْ‬ ‫ل ُُغو ٍ‬
‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬
‫َ‬
‫سب ّ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫قولو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫صب ِْر عَلى َ‬
‫جود ِ )‪{ (40‬‬ ‫س ُ‬ ‫ه وَأد َْباَر ال ّ‬ ‫ح ُ‬‫سب ّ ْ‬‫ل فَ َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب )‪ (39‬وَ ِ‬ ‫ل ال ْغُُرو ِ‬ ‫وَقَب ْ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬
‫شد ّ ِ‬ ‫مأ َ‬ ‫ن قَْر ٍ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬وكم أهلكنا قبل هؤلء المنكرين )‪ِ } : (1‬‬
‫شا { أي ‪ :‬كانوا أكثر منهم وأشد قوة ‪ ،‬وأثاروا الرض وعمروها أكثر مما‬ ‫ب َط ْ ً‬
‫قُبوا ِفي ال ِْبلد ِ { قال ابن عباس ‪ :‬أثروا فيها‪.‬‬ ‫عمروها ؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬فَن َ ّ‬
‫قُبوا ِفي ال ِْبلدِ { ‪ :‬ضربوا في الرض‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬فَن َ ّ‬
‫فساروا في البلد ‪ ،‬أي ساروا فيها يبتغون الرزاق والمتاجر والمكاسب أكثر‬
‫مما طفتم أنتم فيها ويقال لمن طوف في البلد ‪ :‬نقب فيها‪ .‬قال امرؤ القيس‬
‫‪:‬‬
‫ب )‪(2‬‬ ‫يا‬
‫َ ِ‬ ‫بال‬ ‫نيمة‬
‫َِ‬ ‫غ‬‫ال‬ ‫من‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫رضي‬ ‫تى‪...‬‬ ‫ح‬
‫َ ّ‬ ‫الفاق‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫ب‬
‫َ ْ ُ‬‫ّ‬ ‫ق‬‫ن‬ ‫لقد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬المكذبين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬البيت في تفسير الطبري )‪.(26/110‬‬

‫) ‪(7/408‬‬

‫ص { أي ‪ :‬هل من مفر كان لهم من قضاء الله وقدره‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬هَ ْ‬
‫؟ وهل نفعهم ما جمعوه ورد عنهم عذاب الله إذ جاءهم لما كذبوا الرسل ؟‬
‫ضا ل مفر لكم ول محيد ول مناص ول محيص‪.‬‬ ‫فأنتم أي ً‬
‫ب‬ ‫ُ‬
‫ب { أي ‪ :‬ل ّ‬ ‫ه قل ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫َ‬
‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِك لذِكَرى { أي ‪ :‬لعبرة } ل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫شِهيد ٌ { أي ‪ :‬استمع‬ ‫معَ وَهُوَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ْ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫ي َِعي به‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬عقل } أوْ أل َ‬
‫الكلم فوعاه ‪ ،‬وتعقله بقلبه وتفهمه بلبه‪.‬‬
‫و‬ ‫ه‬
‫َ ُ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫بغيره‬ ‫نفسه‬ ‫يحدث‬ ‫ل‬ ‫‪:‬‬ ‫معَ { يعني‬ ‫س ْ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬أ َوْ أ َل ْ َ‬
‫شِهيد ٌ { وقال ‪ :‬شاهد بالقلب )‪.(1‬‬ ‫َ‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬العرب تقول ‪ :‬ألقى فلن سمعه ‪ :‬إذا استمع بأذنيه وهو‬
‫شاهد يقول غير غائب‪ .‬وهكذا قال الثوري وغير واحد‪.‬‬
‫سَنا‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫م ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ست ّةِ أّيام ٍ وَ َ‬ ‫ما ِفي ِ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫قد ْ َ‬
‫ب { ‪ :‬فيه تقرير المعاد ؛ لن من قدر على خلق السموات والرض‬ ‫ن ل ُُغو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ولم يعي بخلقهن ‪ ،‬قادر على أن يحيي الموتى بطريق الولى والحرى‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قالت اليهود ‪ -‬عليهم لعائن الله ‪ : -‬خلق الله السموات والرض‬
‫في ستة أيام ‪ ،‬ثم استراح في اليوم السابع ‪ ،‬وهو يوم السبت ‪ ،‬وهم يسمونه‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ما َ‬ ‫يوم الراحة ‪ ،‬فأنزل الله تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه ‪ } :‬وَ َ‬
‫ب { أي ‪ :‬من إعياء ول نصب ول تعب ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪:‬‬ ‫ل ُُغو ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قادٍِر‬ ‫ن بِ َ‬ ‫قهِ ّ‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫ي بِ َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫ض وَل َ ْ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ي ََرْوا أ ّ‬ ‫} أوَل َ ْ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر { ] الحقاف ‪، [ 33 :‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫موَْتى ب ََلى إ ِن ّ ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫حي ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫عََلى أ ْ‬
‫ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫س { ] غافر ‪[ 57 :‬‬ ‫ق الّنا ِ‬ ‫خل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض أك ْب َُر ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل ْقُ ال ّ‬ ‫وكما قال ‪ } :‬ل َ َ‬
‫ها { ] النازعات ‪.[ 27 :‬‬ ‫ماُء ب ََنا َ‬ ‫َ‬ ‫خل ْ ً‬ ‫م أَ َ‬ ‫ََ‬
‫س َ‬ ‫قا أم ِ ال ّ‬ ‫شد ّ َ‬ ‫وقال } أأن ْت ُ ْ‬
‫ن { يعني ‪ :‬المكذبين ‪ ،‬اصبر عليهم واهجرهم‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫صب ِْر عََلى َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فا ْ‬
‫ب { ‪ ،‬وكانت‬ ‫ل ال ْغُُرو ِ‬ ‫س وَقَب ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل ط ُُلوِع ال ّ‬ ‫ك قَب ْ َ‬ ‫مد ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫هجًرا جميل } وَ َ‬
‫الصلة المفروضة قبل السراء ثنتين قبل طلوع الشمس في وقت الفجر ‪،‬‬
‫وقبل الغروب في وقت العصر ‪ ،‬وقيام الليل كان واجًبا على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وعلى أمته حول ثم نسخ في حق المة وجوبه‪ .‬ثم بعد ذلك نسخ‬
‫الله ذلك كله ليلة السراء بخمس صلوات ‪ ،‬ولكن منهن )‪ (2‬صلة الصبح‬
‫والعصر ‪ ،‬فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن قيس‬
‫بن أبي حازم )‪ ، (3‬عن جرير بن عبد الله قال ‪ :‬كنا جلوسا عند النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال ‪" :‬أما إنكم ستعرضون على‬
‫ربكم فترونه كما ترون هذا القمر ‪ ،‬ل تضامون فيه ‪ ،‬فإن استطعتم أل تغلبوا‬
‫ح‬
‫سب ّ ْ‬‫على صلة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ‪ ،‬فافعلوا" ثم قرأ ‪ } :‬وَ َ‬
‫ل ال ْغُُرو ِ‬
‫ب{‬ ‫س وَقَب ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ل ط ُُلوِع ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫مد ِ َرب ّ َ‬
‫ك قَب ْ َ‬ ‫ح ْ‬
‫بِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬القلب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬بينهن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬حاتم"‪.‬‬

‫) ‪(7/409‬‬

‫ورواه البخاري ومسلم وبقية الجماعة ‪ ،‬من حديث إسماعيل ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫جد ْ‬‫ل فَت َهَ ّ‬‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫م َ‬
‫ه { أي ‪ :‬فصل له ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل فَ َ‬
‫سب ّ ْ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬‫م َ‬‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة لَ َ‬
‫ب ِهِ َنافِل َ ً‬
‫موًدا { ] السراء ‪.[ 79 :‬‬ ‫ح ُ‬
‫م ْ‬
‫ما َ‬ ‫قا ً‬
‫م َ‬‫ن ي َب ْعَث َك َرب ّك َ‬‫سى أ ْ‬ ‫ك عَ َ‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هو‬ ‫َ‬
‫جودِ { قال ابن أبي ن َ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫} وَأد َْباَر ال ّ‬
‫التسبيح بعد الصلة‪.‬‬
‫ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال ‪ :‬جاء فقراء‬
‫َ‬
‫المهاجرين فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ذهب أهل الدثور بالدرجات )‪ (2‬العُلى‬
‫والنعيم المقيم‪ .‬فقال ‪" :‬وما ذاك ؟" قالوا ‪ :‬يصلون كما نصلي ‪ ،‬ويصومون‬
‫كما نصوم ‪ ،‬ويتصدقون ول نتصدق ‪ ،‬ويعتقون ول نعتق! قال ‪" :‬أفل أعلمكم‬
‫شيًئا إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ‪ ،‬ول يكون أحد أفضل منكم إل من فعل‬
‫مثل ما فعلتم ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلة ثلًثا وثلثين"‪ .‬قال‬
‫‪ :‬فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬سمع إخواننا أهل الموال )‪ (3‬بما فعلنا ‪ ،‬ففعلوا‬
‫مثله‪ .‬قال ‪" :‬ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" )‪.(4‬‬
‫جودِ { هما الركعتان بعد‬ ‫َ‬
‫س ُ‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أن المراد بقوله ‪ } :‬وَأد َْباَر ال ّ‬
‫المغرب ‪ ،‬روي ذلك عن عمر وعلي ‪ ،‬وابنه الحسن وابن عباس ‪ ،‬وأبي هريرة‬
‫خِعي والحسن ‪،‬‬ ‫‪ ،‬وأبي أمامة ‪ ،‬وبه يقول مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬والن ّ َ‬
‫وقتادة وغيرهم‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع وعبد الرحمن ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪،‬‬
‫مَرة ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ض ْ‬
‫عن عاصم بن َ‬
‫يصلي على أثر كل صلة مكتوبة ركعتين )‪ (5‬إل الفجر والعصر‪ .‬وقال عبد‬
‫الرحمن ‪ :‬دبر كل صلة‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والنسائي ‪ ،‬من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬به )‪ .(6‬زاد النسائي ‪:‬‬
‫ومطرف ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬به )‪.(7‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ‪ ،‬حدثنا ابن فضيل ‪،‬‬
‫عن رشدين بن كريب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬بت ليلة عند رسول‬
‫صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين خفيفتين ‪ ،‬اللتين قبل الفجر‪ .‬ثم خرج‬
‫إلى الصلة فقال ‪" :‬يا ابن عباس ‪ ،‬ركعتين قبل صلة الفجر إدبار النجوم ‪،‬‬
‫وركعتين بعد المغرب إدبار السجود"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي عن أبي هشام الرفاعي ‪ ،‬عن محمد بن فضيل ‪ ،‬به )‪ .(8‬وقال‬
‫‪ :‬غريب ل نعرفه إل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (4/365‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4851‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪ (633‬وسنن أبي داود برقم )‪ (3729‬وسنن الترمذي برقم )‪(2551‬‬
‫والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (11330‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(117‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬بالجور"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬اليمان"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (6329‬وصحيح مسلم برقم )‪.(595‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬ركعتين مكتوبة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (1/124‬وسنن أبي داود برقم )‪ (1275‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم )‪.(341‬‬
‫)‪ (7‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(346‬‬
‫)‪ (8‬سنن الترمذي برقم )‪.(3275‬‬

‫) ‪(7/410‬‬

‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ة ِبال ْ َ‬‫ح َ‬‫صي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ب )‪ (41‬ي َوْ َ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫م َ‬
‫كا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنادِ ِ‬ ‫م ي َُنادِ ال ْ ُ‬ ‫معْ ي َوْ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫َوا ْ‬
‫ققُ‬ ‫ش ّ‬‫م تَ َ‬ ‫صيُر )‪ (43‬ي َوْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت وَإ ِلي َْنا ال َ‬‫مي ُ‬‫حِيي وَن ُ ِ‬ ‫ن نُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫خُروِج )‪ (42‬إ ِّنا ن َ ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫ك ي َوْ ُ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ن وَ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫م بِ َ‬‫ن أعْل َ ُ‬ ‫ح ُ‬‫سيٌر )‪ (44‬ن َ ْ‬ ‫شٌر عَل َي َْنا ي َ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ك َ‬ ‫عا ذ َل ِ َ‬‫سَرا ً‬ ‫م ِ‬ ‫ض عَن ْهُ ْ‬ ‫اْلْر ُ‬
‫جّبار فَذ َك ّر بال ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫عيد ِ )‪(45‬‬ ‫ف وَ ِ‬
‫خا ُ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫م بِ َ ٍ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫أن ْ َ‬

‫من هذا الوجه‪.‬‬


‫وحديث ابن عباس ‪ ،‬وأنه بات في بيت خالته ميمونة وصلى تلك الليلة مع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ثلث عشرة ركعة ‪ ،‬ثابت في الصحيحين )‪(1‬‬
‫وغيرهما ‪ ،‬فأما هذه الزيادة فغريبة ]و[ )‪ (2‬ل تعرف إل من هذا الوجه ‪،‬‬
‫دين بن ك َُرْيب ضعيف ‪ ،‬ولعله من كلم ابن عباس موقوفا عليه ‪ ،‬والله‬ ‫ش ِ‬ ‫ورِ ْ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ة‬
‫ح َ‬‫صي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ب )‪ (41‬ي َوْ َ‬ ‫ري ٍ‬ ‫َ‬
‫نق ِ‬ ‫َ‬
‫مكا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَناد ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ي َُناِدي ال ُ‬ ‫معْ ي َوْ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫} َوا ْ‬
‫م‬
‫صيُر )‪ (43‬ي َوْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت وَإ ِلي َْنا ال َ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَن ُ ِ‬ ‫ن نُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫خُروِج )‪ (42‬إ ِّنا ن َ ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫َ‬
‫حقّ ذ َل ِك ي َوْ ُ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫َ‬
‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ن أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫سيٌر )‪ (44‬ن َ ْ‬ ‫شٌر عَل َي َْنا ي َ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ك َ‬ ‫عا ذ َل ِ َ‬ ‫سَرا ً‬ ‫م ِ‬ ‫ض عَن ْهُ ْ‬ ‫ققُ الْر ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫تَ َ‬
‫جّبارٍ فَذ َك ّْر ِبال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫عيد ِ )‪{ (45‬‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ب{‬ ‫ري ٍ‬ ‫ن قَ ِ‬‫كا ٍ‬‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَناد ِ ِ‬ ‫م ي َُناِدي ال ْ ُ‬ ‫معْ { يا محمد } ي َوْ َ‬ ‫ست َ ِ‬‫يقول تعالى ‪َ } :‬وا ْ‬
‫قال قتادة ‪ :‬قال كعب الحبار ‪ :‬يأمر الله ]تعالى[ )‪ (3‬ملكا )‪ (4‬أن ينادي على‬
‫صخرة بيت المقدس ‪ :‬أيتها العظام البالية ‪ ،‬والوصال المتقطعة ‪ ،‬إن الله‬
‫يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء‪.‬‬
‫حقّ { يعني ‪ :‬النفخة في الصور التي تأتي بالحق‬ ‫ة ِبال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫صي ْ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫} ي َوْ َ‬
‫خُروِج { أي ‪ :‬من الجداث‪.‬‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫ك ي َوْ ُ‬ ‫الذي كان أكثرهم فيه يمترون‪ } .‬ذ َل ِ َ‬
‫صيُر { أي ‪ :‬هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ‪،‬‬ ‫م ِ‬ ‫ت وَإ ِل َي َْنا ال ْ َ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَن ُ ِ‬ ‫ن نُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫} إ ِّنا ن َ ْ‬
‫وهو أهون عليه ‪ ،‬وإليه مصير )‪ (5‬الخلئق كلهم ‪ ،‬فيجازي كل بعمله ‪ ،‬إن خيًرا‬
‫فخير ‪ ،‬وإن شًرا فشر‪.‬‬
‫عا { ‪ :‬وذلك أن الله تعالى )‪ (6‬ينزل‬ ‫سَرا ً‬ ‫م ِ‬ ‫ض عَن ْهُ ْ‬ ‫ققُ الْر ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫م تَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫مطًرا من السماء تنبت به أجساد الخلئق في قبورها ‪ ،‬كما ينبت الحب في‬
‫الثرى بالماء ‪ ،‬فإذا تكاملت الجساد أمر الله إسرافيل فينفخ في الصور ‪ ،‬وقد‬
‫أودعت الرواح في ثقب في الصور ‪ ،‬فإذا نفخ إسرافيل فيه خرجت الرواح‬
‫تتوهج بين السماء والرض ‪ ،‬فيقول الله ‪ ،‬عز وجل ‪ :‬وعزتي وجللي ‪،‬‬
‫لترجعن كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره ‪ ،‬فترجع كل روح إلى‬
‫جسدها ‪ ،‬فتدب فيه كما يدب السم في اللديغ وتنشق )‪ (7‬الرض عنهم ‪،‬‬
‫فيقومون إلى موقف الحساب سراعا ‪ ،‬مبادرين إلى أمر الله ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫سٌر { ] القمر ‪ ، [ 8 :‬وقال‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ذا ي َوْ ٌ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫داِع ي َ ُ‬ ‫ن إ َِلى ال ّ‬ ‫مهْط ِِعي َ‬ ‫} ُ‬
‫ن ل َب ِث ْت ُ ْ‬
‫م ِإل قَِليل {‬ ‫مدِهِ وَت َظ ُّنو َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ح ْ‬
‫ن بِ َ‬
‫جيُبو َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫عوك ُ ْ‬
‫م فَت َ ْ‬ ‫م ي َد ْ ُ‬
‫الله تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫] السراء ‪ ، [ 52 :‬وفي صحيح مسلم عن أنس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬أنا أول من تنشق عنه الرض" )‪.(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (1198‬وصحيح مسلم برقم )‪.(763‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬ملكان"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬تصير"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬وتتشقق"‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2278‬من حديث أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه ولم أهتد إليه من حديث أنس‪.‬‬

‫) ‪(7/411‬‬

‫سيٌر { أي ‪ :‬تلك إعادة سهلة علينا ‪ ،‬يسيرة لدينا ‪،‬‬ ‫شٌر عَل َي َْنا ي َ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ك َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫صرِ { ] القمر ‪ ، [ 50 :‬وقال‬ ‫مٍح ِبال ْب َ َ‬ ‫حد َة ٌ ك َل َ ْ‬ ‫مُرَنا ِإل َوا ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫صيٌر {‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حد َةٍ إ ِ ّ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫م ِإل ك َن َ ْ‬ ‫م َول ب َعْث ُك ُ ْ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬‬
‫] لقمان ‪.[ 28 :‬‬
‫ن { أي ‪ :‬نحن علمنا محيط بما يقول لك‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قولو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن أعْل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ن َ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫قد ْ ن َعْل ُ‬ ‫َ‬
‫المشركون من التكذيب فل يهيدنك ذلك ‪ ،‬كقوله ]تعالى[ )‪ } : (1‬وَل َ‬
‫ن‪َ .‬واعْب ُد ْ‬ ‫دي َ‬‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك وَك ُ ْ‬ ‫مد ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬‫ن فَ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫صد ُْر َ‬ ‫ضيقُ ْ َ‬ ‫ك يَ ِ‬ ‫أ َن ّ َ‬
‫ن { ] الحجر ‪.[ 99 - 97 :‬‬ ‫قي ُ‬ ‫ك ال ْي َ ِ‬ ‫حّتى ي َأت ِي َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫َ‬
‫جّبارٍ { أي ‪ :‬ولست بالذي تجبر هؤلء على‬ ‫م بِ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫الهدى ‪ ،‬وليس ذلك ما كلفت به‪.‬‬
‫جّبارٍ { أي ‪ :‬ل تتجبر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م بِ َ‬ ‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫وقال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ } :‬وَ َ‬
‫عليهم‪.‬‬
‫والقول الول أولى ‪ ،‬ولو أراد ما قالوه لقال ‪ :‬ول تكن جباًرا عليهم ‪ ،‬وإنما‬
‫َ‬
‫جّبارٍ { بمعنى ‪ :‬وما أنت بمجبرهم على اليمان إنما‬ ‫م بِ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫أنت مبلغ‪.‬‬
‫قال الفراء ‪ :‬سمعت العرب تقول ‪ :‬جبر فلن فلنا على كذا )‪ ، (2‬بمعنى‬
‫أجبره )‪.(3‬‬
‫عيدِ { أي ‪ :‬بلغ أنت رسالة ربك ‪،‬‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ْ‬
‫ثم قال تعالى ‪ } :‬فَذ َك ّْر ِبال ُ‬
‫فإنما )‪ (4‬يتذكر من يخاف الله ووعيده ويرجو وعده ‪ ،‬كقوله ]تعالى[ )‪} : (5‬‬
‫ب { ] الرعد ‪ ، [ 40 :‬وقوله ‪ } :‬فَذ َك ّْر إ ِن ّ َ‬
‫ما‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ال َْبلغ ُ وَعَل َي َْنا ال ْ ِ‬ ‫ما عَل َي ْ َ‬ ‫فَإ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫س عَلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫سي ْط ِرٍ { ] الغاشية ‪ } ، [22 ، 21 :‬لي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫مذ َكٌر ل ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫أن ْ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ك ل ت َهْ ِ‬ ‫شاُء { ] البقرة ‪ } ، [ 272 :‬إ ِن ّ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫داهُ ْ‬ ‫هُ َ‬
‫شاُء { ] القصص ‪ ، [ 56 :‬ولهذا قال هاهنا ‪:‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ت وَلك ِ ّ‬ ‫حب َب ْ َ‬ ‫أ ْ‬
‫جّبارٍ فَذ َك ّْر ِبال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫عيد ِ { كان قتادة يقول ‪:‬‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫اللهم ‪ ،‬اجعلنا ممن يخاف وعيدك ‪ ،‬ويرجو موعودك ‪ ،‬يا بار ‪ ،‬يا رحيم‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة)ق( ‪ ،‬والحمد لله وحده ‪ ،‬وحسبنا الله ونعم الوكيل‬
‫__________‬
‫زيادة من م‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫في م ‪" :‬جبر فلن على فلن كذا"‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫انظر تفسير الطبري )‪.(26/115‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في م ‪" :‬فأما"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫زيادة من م‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫) ‪(7/412‬‬

‫ت‬
‫ما ِ‬
‫س َ‬
‫ق ّ‬ ‫سًرا )‪َ (3‬فال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ت يُ ْ‬
‫جارَِيا ِ‬‫ت وِقًْرا )‪َ (2‬فال ْ َ‬ ‫مَل ِ‬‫حا ِ‬‫ت ذ َْرًوا )‪َ (1‬فال ْ َ‬ ‫َوال ّ‬
‫ذارَِيا ِ‬
‫واقِعٌ )‪(6‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نل َ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫صادِقٌ )‪ (5‬وَإ ِ ّ‬‫نل َ‬ ‫دو َ‬‫ما ُتوعَ ُ‬
‫مًرا )‪ (4‬إ ِن ّ َ‬ ‫أ ْ‬

‫تفسير سورة الذاريات‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ت‬
‫ما ِ‬
‫س َ‬
‫ق ّ‬
‫م َ‬ ‫ْ‬
‫سًرا )‪َ (3‬فال ُ‬
‫ت يُ ْ‬
‫جارَِيا ِ‬ ‫ْ‬
‫ت وِقًْرا )‪َ (2‬فال َ‬ ‫مل ِ‬ ‫ت ذ َْرًوا )‪َ (1‬فال ْ َ‬
‫حا ِ‬ ‫ذارَِيا ِ‬ ‫} َوال ّ‬
‫واقِعٌ )‪{ (6‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نل َ‬ ‫دي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫صادِقٌ )‪ (5‬وَإ ِ ّ‬ ‫نل َ‬ ‫دو َ‬
‫ما ُتوعَ ُ‬
‫مًرا )‪ (4‬إ ِن ّ َ‬ ‫أ ْ‬

‫) ‪(7/413‬‬

‫ك )‪(9‬‬ ‫ن أ ُفِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ك عَن ْ ُ‬ ‫ف )‪ (8‬ي ُؤْفَ ُ‬ ‫خت َل ِ ٍ‬


‫م ْ‬ ‫في قَوْ ٍ‬
‫ل ُ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫ك )‪ (7‬إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ت ال ْ ُ‬
‫حب ُ ِ‬ ‫ماِء َذا ِ‬ ‫س َ‬‫َوال ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫ن ي َوْ ُ‬ ‫ن أّيا َ‬ ‫سألو َ‬ ‫ن )‪ (11‬ي َ ْ‬ ‫هو َ‬‫سا ُ‬ ‫مَرةٍ َ‬‫م ِفي غَ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (10‬ال ِ‬ ‫صو َ‬ ‫خّرا ُ‬ ‫ل ال َ‬ ‫قُت ِ َ‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ذي كن ْت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ذا ال ِ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ُ (13‬ذوُقوا فِت ْن َت َك ْ‬ ‫فت َُنو َ‬‫م عَلى الّنارِ ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م هُ ْ‬ ‫ن )‪ (12‬ي َوْ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫جلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫تَ ْ‬

‫ك)‬ ‫ن أ ُفِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ك عَن ْ ُ‬ ‫ف )‪ (8‬ي ُؤْفَ ُ‬ ‫خت َل ِ ٍ‬‫م ْ‬‫ل ُ‬ ‫في قَوْ ٍ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫ك )‪ (7‬إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ت ال ْ ُ‬
‫حب ُ ِ‬ ‫ماِء َذا ِ‬ ‫س َ‬ ‫} َوال ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫ن ي َوْ ُ‬‫ن أّيا َ‬ ‫سألو َ‬ ‫ن )‪ (11‬ي َ ْ‬ ‫هو َ‬ ‫سا ُ‬ ‫مَرةٍ َ‬ ‫م ِفي غَ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (10‬ال ِ‬ ‫صو َ‬ ‫خّرا ُ‬ ‫ل ال َ‬ ‫‪ (9‬قُت ِ َ‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ذي كن ْت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ذا ال ِ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ُ (13‬ذوُقوا فِت ْن َت َك ْ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م عَلى الّنارِ ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م هُ ْ‬‫ن )‪ (12‬ي َوْ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪{ (14‬‬ ‫جلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ماك ‪ ،‬عن خالد بن عَْرعََرة أنه سمع عليا‬ ‫س َ‬ ‫قال شعبة )‪ (1‬بن الحجاج ‪ ،‬عن ِ‬
‫فْيل ‪ ،‬سمع علًيا‪ .‬وثبت‬ ‫ّ‬
‫ضا ‪ ،‬عن القاسم بن أبي بّزة ‪ ،‬عن أبي الط َ‬ ‫وشعبة أي ً‬
‫ضا من غير وجه ‪ ،‬عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ :‬أنه صعد منبر‬ ‫أي ً‬
‫الكوفة فقال ‪ :‬ل تسألوني عن آية في كتاب الله ‪ ،‬ول عن سنة عن رسول‬
‫الله ‪ ،‬إل أنبأتكم بذلك‪ .‬فقام إليه ابن الكواء فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬ما‬
‫ت ذ َْرًوا { ؟ قال ‪ :‬الريح ]قال[ )‪: (2‬‬ ‫ذارَِيا ِ‬ ‫معنى قوله تعالى ‪َ } :‬وال ّ‬
‫سًرا { ؟‬ ‫ت يُ ْ‬ ‫جارَِيا ِ‬ ‫ت وِقًْرا { ؟ قال ‪ :‬السحاب‪] .‬قال[ )‪َ } : (3‬فال ْ َ‬ ‫مل ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫} َفال ْ َ‬
‫َ‬
‫مًرا { ؟ قال ‪ :‬الملئكة )‪.(5‬‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما ِ‬‫س َ‬
‫ق ّ‬ ‫م َ‬ ‫قال ‪ :‬السفن‪] .‬قال[ )‪َ } : (4‬فال ْ ُ‬
‫وقد روي في ذلك حديث مرفوع ‪ ،‬فقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا‬
‫إبراهيم بن هانئ ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سلم العطار ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن أبي‬
‫صِبيغ التميمي‬ ‫سب َْرة ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب قال ‪ :‬جاء َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ذارَِيا ِ‬ ‫إلى عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬أخبرني عن } ال ّ‬
‫ذ َْرًوا { ؟ فقال ‪ :‬هي الرياح ‪ ،‬ولول أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫مًرا { قال ‪ :‬هي‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬‫ق ّ‬‫م َ‬ ‫وسلم يقوله ما قلته‪ .‬قال ‪ :‬فأخبرني عن } ال ْ ُ‬
‫الملئكة ‪ ،‬ولول أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته‪.‬‬
‫سًرا { قال ‪ :‬هي السفن ‪ ،‬ولول أني سمعت‬ ‫ت يُ ْ‬
‫جارَِيا ِ‬‫قال ‪ :‬فأخبرني عن } ال ْ َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته‪ .‬ثم أمر به فضرب مائة ‪،‬‬
‫وجعل في بيت ‪ ،‬فلما برأ )‪] (6‬دعا به و[ )‪ (7‬ضربه مائة أخرى ‪ ،‬وحمله على‬
‫قََتب ‪ ،‬وكتب إلى أبي موسى الشعري ‪ :‬امنع الناس من مجالسته‪ .‬فلم يزل‬
‫كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف باليمان الغليظة ما يجد في نفسه مما كان‬
‫يجد شيئا‪ .‬فكتب في ذلك إلى عمر ‪ ،‬فكتب عمر ‪ :‬ما إخاله إل صدق ‪ ،‬فخل‬
‫بينه وبين مجالسة الناس‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (26/115‬عن محمد بن المثنى عن محمد بن‬
‫جعفر عن شعبة به‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬برد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/413‬‬

‫قال أبو بكر البزار ‪ :‬فأبو بكر بن أبي سبرة لين ‪ ،‬وسعيد بن سلم ليس من‬
‫أصحاب الحديث )‪.(1‬‬
‫قلت ‪ :‬فهذا الحديث ضعيف رفعه ‪ ،‬وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر ‪،‬‬
‫صِبيغ بن عسل مشهورة مع عمر )‪ ، (2‬وإنما ضربه لنه ظهر له‬ ‫فإن قصة َ‬
‫من أمره فيما يسأل تعنتا وعنادا ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقد ذكر الحافظ ابن عساكر هذه القصة في ترجمة صبيغ مطولة )‪ .(3‬وهكذا‬
‫فسرها ابن عباس ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم غير ذلك‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن المراد بالذاريات ‪ :‬الريح كما تقدم وبالحاملت وقًرا ‪ :‬السحاب‬
‫كما تقدم ؛ لنها تحمل الماء ‪ ،‬كما قال زيد بن عمرو بن نفيل ‪:‬‬
‫ذبا ُزلل )‪(4‬‬‫ل عَ ْ‬‫م ُ‬‫ح ِ‬‫ن تَ ْ‬ ‫ت‪ ...‬ل َ ُ‬
‫ه المْز ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َ َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فسي ل َ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫سل َ ْ‬
‫م ُ‬ ‫َوأ ْ‬
‫فأما الجاريات يسًرا ‪ ،‬فالمشهور عن الجمهور ‪ -‬كما تقدم ‪ : -‬أنها السفن ‪،‬‬
‫تجري ميسرة في الماء جريا سهل‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬هي النجوم تجري يسرا )‬
‫‪ (5‬في أفلكها ‪ ،‬ليكون ذلك ترقيا من الدنى إلى العلى ‪ ،‬إلى ما هو أعلى‬
‫منه ‪ ،‬فالرياح فوقها السحاب ‪ ،‬والنجوم فوق ذلك ‪ ،‬والمقسمات أمرا‬
‫الملئكة فوق ذلك ‪ ،‬تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية‪ .‬وهذا قسم من الله‬
‫صادِقٌ { أي ‪ :‬لخبر‬ ‫ن لَ َ‬
‫دو َ‬‫ما ُتوعَ ُ‬‫عز جل على وقوع المعاد ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن { ‪ ،‬وهو ‪ :‬الحساب } لواقع { أي ‪ :‬لكائن ل محالة‪.‬‬ ‫دي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫صدق ‪ } ،‬وَإ ِ ّ‬
‫ك { قال ابن عباس ‪ :‬ذات البهاء والجمال‬ ‫حب ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫ت ال ُ‬ ‫ماِء َذا ِ‬ ‫س َ‬‫ثم قال ‪َ } :‬وال ّ‬
‫جب َْير ‪ ،‬وأبو مالك‬
‫والحسن والستواء‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫)‪ ، (6‬وأبو صالح ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعطية العوفي ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪،‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫من َْهال بن عمرو ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬مثل تجعد الماء والرمل‬ ‫وقال الضحاك ‪ ،‬وال ِ‬
‫والزرع إذا ضربته الريح ‪ ،‬فينسج بعضه بعضا طرائق ]طرائق[ )‪ ، (7‬فذلك‬
‫الحبك‪.‬‬
‫َ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن عُلّية ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪،‬‬
‫عن أبي قلبة ‪ ،‬عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قال ‪" :‬إن من ورائكم الكذاب‬
‫حُبك" يعني بالحبك ‪ :‬الجعودة )‪.(8‬‬ ‫حُبك ُ‬‫المضل ‪ ،‬وإن رأسه من ورائه ُ‬
‫ك{‪:‬‬ ‫حب ُ ِ‬‫ت ال ْ ُ‬
‫ك { ‪ :‬الشدة‪ .‬وقال خصيف ‪َ } :‬ذا ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬
‫حب ُ ِ‬ ‫وعن أبي صالح ‪َ } :‬ذا ِ‬
‫ذات الصفافة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند البزار برقم )‪" (2259‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (7/112‬فيه أبو بكر بن أبي سبرة ‪ ،‬وهو متروك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬مع التميمي عمر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تاريخ دمشق )‪" (8/230‬القسم المخطوط"‪.‬‬
‫)‪ (4‬البيت في سيرة ابن هشام )‪.(1/231‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬سيرا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬وابن مالك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪ (26/118‬ورواه أحمد في مسنده )‪ (5/410‬من طريق‬
‫إسماعيل بن علية به‪.‬‬

‫) ‪(7/414‬‬

‫ك { ‪ :‬حبكت بالنجوم‪.‬‬ ‫حب ُ ِ‬‫ت ال ْ ُ‬ ‫وقال الحسن بن أبي الحسن البصري ‪َ } :‬ذا ِ‬
‫مْعدان بن أبي طلحة ‪ ،‬عن عمرو‬ ‫جْعد ‪ ،‬عن َ‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬عن سالم بن أبي ال َ‬
‫ك { ‪ :‬يعني ‪ :‬السماء‬ ‫حب ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫ت ال ُ‬ ‫ماِء َذا ِ‬ ‫س َ‬‫البكالي ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو ‪َ } :‬وال ّ‬
‫السابعة‪.‬‬
‫وكأنه ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أراد بذلك السماء التي فيها الكواكب الثابتة ‪ ،‬وهي عند‬
‫كثير من علماء الهيئة في الفلك الثامن الذي فوق السابع ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وكل‬
‫هذه القوال ترجع إلى شيء واحد ‪ ،‬وهو الحسن والبهاء ‪ ،‬كما قال ابن عباس‬
‫رضي الله عنهما )‪ ، (1‬فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة ‪ ،‬شديدة البناء‬
‫‪ ،‬متسعة الرجاء ‪ ،‬أنيقة البهاء ‪ ،‬مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات ‪ ،‬موشحة‬
‫بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات‪.‬‬
‫ف { أي ‪ :‬إنكم أيها المشركون المكذبون‬ ‫خت َل ِ ٍ‬
‫م ْ‬‫ل ُ‬ ‫في قَوْ ٍ‬ ‫م لَ ِ‬‫وقوله ‪ } :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫للرسل لفي قول مختلف مضطرب ‪ ،‬ل يلتئم ول يجتمع‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬إنكم لفي قول مختلف ‪] ،‬يعني[ )‪ (2‬ما بين مصدق بالقرآن‬
‫ومكذب به‪.‬‬
‫ك { أي ‪ :‬إنما يروج على من هو ضال في نفسه ؛ لنه‬ ‫ُ‬
‫ن أفِ َ‬ ‫} ي ُؤْفَ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ك عَن ْ ُ‬
‫مر ‪،‬‬‫قول باطل إنما ينقاد له ويضل بسببه ويؤفك عنه من هو مأفوك ضال غَ ْ‬
‫م عَل َي ْهِ ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن ِإل َ‬‫فات ِِني َ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫م وَ َ‬‫ل فهم له ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَإ ِن ّك ُ ْ‬
‫حيم ِ { ] الصافات ‪.[ 163 - 161 :‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫صا ِ‬‫هُوَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن أفِك { ‪ :‬يضل عنه من ضل‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫قال ابن عباس ‪ ،‬والسدي ‪ } :‬ي ُؤْفَك عَن ْ ُ‬
‫ك { يؤفن عنه من أفن‪ .‬وقال الحسن‬ ‫ن أ ُفِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫ك عَن ْ ُ‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬ي ُؤْفَ ُ‬
‫البصري ‪ :‬يصرف عن هذا القرآن من كذب به‪.‬‬
‫ن { قال مجاهد ‪ :‬الكذابون‪ .‬قال ‪ :‬وهي مثل التي‬ ‫صو َ‬ ‫خّرا ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬قُت ِ َ‬
‫فَره ُ { ] عبس ‪ ، [ 17 :‬والخراصون الذين‬ ‫ما أ َك ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫سا ُ‬‫ل الن ْ َ‬‫في عبس ‪ } :‬قُت ِ َ‬
‫يقولون ل نبعث ول يوقنون‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬لعن‬‫صو َ‬‫خّرا ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬قت ِل ال َ‬
‫المرتابون‪.‬‬
‫وهكذا كان معاذ ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬يقول في خطبه ‪ :‬هلك المرتابون‪ .‬وقال‬
‫قتادة ‪ :‬الخراصون أهل الغرة والظنون‪.‬‬
‫ن { ‪ :‬قال ابن عباس وغير واحد ‪ :‬في‬ ‫هو َ‬ ‫سا ُ‬ ‫مَرةٍ َ‬ ‫م ِفي غَ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫الكفر والشك غافلون لهون‪.‬‬
‫ن { ‪ :‬وإنما يقولون هذا تكذيبا وعنادا وشكا‬ ‫} يسأ َُلو َ‬
‫دي ِ‬‫م ال ّ‬
‫ن ي َوْ ُ‬ ‫ن أّيا َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫َ‬
‫م عَلى الّنارِ ي ُ ْ‬‫م هُ ْ‬‫واستبعادا‪ .‬قال الله تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغير واحد ‪ } :‬يفتنون { ‪ :‬يعذبون ]قال‬
‫مجاهد[ )‪ : (3‬كما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/415‬‬

‫َ‬ ‫ن )‪ (15‬آ َ ِ‬
‫ل ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫كاُنوا قَب ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫كاُنوا قَِليل ِ‬ ‫ن )‪َ (16‬‬
‫حارِ هُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن )‪ (17‬وَِبال ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ي َهْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن اللي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪19‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫رو‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ل‬ ‫ئ‬ ‫سا‬ ‫لل‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫في‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪18‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ّ ِ َ َ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫ماِء رِْزقُك ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن )‪ (21‬وَِفي ال ّ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م أفَل ت ُب ْ ِ‬ ‫سك ْ‬‫ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن )‪ (20‬وَِفي أن ْ ُ‬ ‫موقِِني َ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َن ْط ِ ُ‬ ‫ما أن ّك ُ ْ‬ ‫ل َ‬‫مث ْ َ‬
‫حق ّ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬‫ب ال ّ‬ ‫ن )‪ (22‬فَوََر ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ُتوعَ ُ‬

‫يفتن الذهب على النار‪.‬‬


‫خِعي ‪ ،‬وزيد بن‬ ‫وقال جماعة آخرون كمجاهد أيضا ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وإبراهيم الن ّ َ‬
‫أسلم ‪ ،‬وسفيان الثوري ‪ } :‬يفتنون { ‪ :‬يحرقون‪.‬‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫ذا ال ِ‬ ‫م { ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬حريقكم‪ .‬وقال غيره ‪ :‬عذابكم‪ } .‬هَ َ‬ ‫} ُذوُقوا فِت ْن َت َك ُ ْ‬
‫خا وتحقيًرا وتصغيًرا‪.‬‬ ‫ن { ‪ :‬أي ‪ :‬يقال لهم ذلك تقريًعا وتوبي ً‬ ‫ُ‬
‫جلو َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫م ب ِهِ ت َ ْ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م كاُنوا قَب ْ َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬
‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫خ ِ‬‫ن )‪ (15‬آ ِ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫} إِ ّ‬
‫م‬
‫حارِ هُ ْ‬ ‫س َ‬‫ن )‪ (17‬وَِبال ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ي َهْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (16‬كاُنوا قَِليل ِ‬ ‫َ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫ت‬
‫ض آَيا ٌ‬ ‫حُروم ِ )‪ (19‬وَِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َوال ْ َ‬ ‫سائ ِ ِ‬ ‫حقّ ِلل ّ‬ ‫م َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (18‬وَِفي أ ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫ماِء رِْزقُك ْ‬ ‫س َ‬‫ن )‪ (21‬وَِفي ال ّ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م أَفل ت ُب ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن )‪ (20‬وَِفي أن ْ ُ‬ ‫موقِِني َ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (23‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َن ْط ِ ُ‬ ‫ما أن ّك ُ ْ‬‫ل َ‬‫مث ْ َ‬‫حق ّ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن )‪ (22‬فَوََر ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ُتوعَ ُ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المتقين لله ‪ ،‬عز وجل ‪ :‬إنهم يوم معادهم يكونون في‬
‫جنات وعيون ‪ ،‬بخلف ما أولئك الشقياء فيه من العذاب والنكال ‪ ،‬والحريق‬
‫والغلل‪.‬‬
‫م { ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬أي عاملين بما آتاهم الله‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬آ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬قبل أن يفرض )‪(2‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫كاُنوا قَب ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫)‪ (1‬من الفرائض‪ } .‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫عليهم الفرائض‪ .‬كانوا محسنين في العمال أيضا‪ .‬ثم روى عن ابن حميد ‪،‬‬
‫حدثنا مهَْران ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن أبي عمر ‪ ،‬عن مسلم البطين ‪ ،‬عن ابن‬
‫م‬‫م { قال ‪ :‬من الفرائض ‪ } ،‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫عباس في قوله ‪ } :‬آ ِ‬
‫ن { ‪ :‬قبل الفرائض يعملون‪ .‬وهذا السناد ضعيف ‪ ،‬ول‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا قَب ْ َ‬
‫يصح )‪ (3‬عن ابن عباس‪ .‬وقد رواه عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬عن معاوية بن‬
‫هشام ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن أبي عمر البزار ‪ ،‬عن مسلم )‪ (4‬البطين ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬فذكره‪ .‬والذي فسر به ابن جرير فيه نظر ؛‬
‫ن { ‪ :‬فالمتقون في‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬
‫ن { حال من قوله ‪ِ } :‬في َ‬ ‫ذي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫لن قوله ‪ } :‬آ َ ِ‬
‫حال كونهم في الجنات والعيون آخذون ما آتاهم ربهم )‪ ، (5‬أي ‪ :‬من النعيم‬
‫والسرور والغبطة‪.‬‬
‫ك { أي ‪ :‬في الدار الدنيا } محسنين { ‪،‬‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫م َ‬
‫كاُنوا قَب ْ َ‬ ‫وقوله )‪ } : (6‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كقوله ‪ } :‬ك ُُلوا َوا ْ‬
‫خال ِي َةِ { ] الحاقة ‪[ 24 :‬‬ ‫م ِفي الّيام ِ ال َ‬
‫فت ُ ْ‬
‫سل ْ‬‫ما أ ْ‬ ‫شَرُبوا هَِنيًئا ب ِ َ‬
‫ما‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل َ‬ ‫كاُنوا قَِليل ِ‬
‫م َ‬ ‫ثم إنه تعالى ب َّين إحسانهم في العمل فقال ‪َ } :‬‬
‫ن { ‪ ،‬اختلف المفسرون في ذلك على قولين ‪:‬‬ ‫جُعو َ‬‫ي َهْ َ‬
‫أحدهما ‪ :‬أن "ما" نافية ‪ ،‬تقديره ‪ :‬كانوا قليل من الليل ل يهجعونه‪ .‬قال ابن‬
‫عباس ‪ :‬لم تكن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ربهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬تفرض"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬ل يصح"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬عن أبي مسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬وقولهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/416‬‬

‫تمضي عليهم ليلة إل يأخذون منها ولو شيئا‪ .‬وقال قتادة ‪ ،‬عن مطرف بن عبد‬
‫ل ليلة تأتي عليهم ل يصلون فيها لله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬إما من أولها وإما‬ ‫الله ‪ :‬ق ّ‬
‫ل ما يرقدون ليلة حتى )‪ (1‬الصباح ل يتهجدون‪.‬‬ ‫من أوسطها‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬ق ّ‬
‫وكذا قال قتادة‪ .‬وقال أنس بن مالك ‪ ،‬وأبو العالية ‪ :‬كانوا يصلون بين المغرب‬
‫والعشاء‪ .‬وقال أبو جعفر الباقر ‪ ،‬كانوا ل ينامون حتى يصلوا العتمة‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أن "ما" مصدرية ‪ ،‬تقديره ‪ :‬كانوا قليل من الليل هجوعهم‬
‫ما‬
‫ل َ‬‫ن الل ّي ْ ِ‬‫م َ‬ ‫ونومهم‪ .‬واختاره ابن جرير‪ .‬وقال الحسن البصري ‪َ } :‬‬
‫كاُنوا قَِليل ِ‬
‫ن { ‪ :‬كابدوا قيام الليل ‪ ،‬فل ينامون من الليل إل أقله ‪ ،‬ونشطوا فمدوا‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي َهْ َ‬
‫إلى السحر ‪ ،‬حتى كان الستغفار بسحر‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬قال الحنف بن قيس ‪:‬‬
‫ن { ‪ :‬كانوا ل ينامون إل قليل ثم يقول ‪:‬‬ ‫جُعو َ‬
‫ما ي َهْ َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل َ‬ ‫كاُنوا قَِليل ِ‬
‫م َ‬ ‫} َ‬
‫لست من أهل هذه الية‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ :‬كان الحنف بن قيس يقول‬
‫‪ :‬عرضت عملي على عمل أهل الجنة ‪ ،‬فإذا قوم قد باينونا بوًنا بعيدا ‪ ،‬إذا‬
‫قوم ل نبلغ أعمالهم ‪ ،‬كانوا قليل من الليل ما يهجعون‪ .‬وعرضت عملي على‬
‫عمل أهل النار فإذا قوم ل خير فيهم يكذبون )‪ (2‬بكتاب الله وبرسل الله ‪،‬‬
‫ما خلطوا عمل‬ ‫يكذبون بالبعث بعد الموت ‪ ،‬فوجدت من خيرنا منزلة قو ً‬
‫صالحا وآخر سيئا‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬قال رجل من بني تميم لبي ‪ :‬يا أبا‬
‫ما‬
‫ل َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬‫م َ‬ ‫أسامة ‪ ،‬صفة ل أجدها فينا ‪ ،‬ذكر الله قوما فقال ‪َ } :‬‬
‫كاُنوا قَِليل ِ‬
‫ن { ‪ ،‬ونحن والله قليل من الليل ما نقوم‪ .‬فقال له أبي ‪ :‬طوبى لمن‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي َهْ َ‬
‫رقد إذا نعس ‪ ،‬واتقى الله إذا استيقظ‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن سلم ‪ :‬لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ‪،‬‬
‫انجفل الناس إليه ‪ ،‬فكنت فيمن انجفل‪ .‬فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه‬
‫جل كذاب ‪ ،‬فكان أول ما سمعته يقول ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬أطعموا‬ ‫ليس بوجه َر ُ‬
‫صّلوا بالليل والناس نيام ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫السلم‬ ‫وأفشوا‬ ‫‪،‬‬ ‫الرحام‬ ‫لوا‬‫ص ُ‬
‫الطعام ‪ ،‬و ِ‬
‫تدخلوا الجنة بسلم" )‪.(3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬حدثني حيي‬
‫حُبلى ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو ؛ أن‬ ‫بن عبد الله ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن ال ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من‬
‫باطنها ‪ ،‬وباطنها من ظاهرها"‪ .‬فقال أبو موسى الشعري ‪ :‬لمن هي يا رسول‬
‫الله ؟ قال ‪" :‬لمن ألن الكلم ‪ ،‬وأطعم الطعام ‪ ،‬وبات لله قائما ‪ ،‬والناس‬
‫نيام" )‪.(4‬‬
‫ن { ‪ :‬كان )‪(5‬‬‫جُعو َ‬
‫ما ي َهْ َ‬
‫ل َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللي ْ ِ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫مر في قوله ‪ } :‬كاُنوا قَِليل ِ‬ ‫معْ َ‬
‫وقال َ‬
‫الزهري والحسن يقولن ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬فيكذبون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه أحمد في المسند )‪ (5/451‬والترمذي في السنن برقم )‪(2485‬‬
‫وابن ماجه في السنن برقم )‪.(1334‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (2/173‬وقال الهيثمي في المجمع ‪" : (05/16‬فيه ابن لهيعة‬
‫وحديثه حسن ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات" ولعل تحسين الحافظ الهيثمي لحديث ابن‬
‫لهيعة لنه قد توبع ‪ :‬تابعه عبد الله بن وهب ‪ -‬روايته عن ابن لهيعة صحيحة ‪-‬‬
‫أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم )‪" (103‬الجزء المفقود"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫) ‪(7/417‬‬

‫كانوا كثيرا من الليل ما يصلون‪.‬‬


‫ن{‪:‬‬ ‫جُعو َ‬
‫ما ي َهْ َ‬
‫ل َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خِعي ‪ } :‬كاُنوا قِليل ِ‬ ‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وإبراهيم الن ّ َ‬
‫ما ينامون‪.‬‬
‫ن كاُنوا قِليل { ثم ابتدأ فقال ‪:‬‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م كاُنوا قب ْل ذل ِك ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقال الضحاك ‪ } :‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫رو‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬
‫ْ َ ِ ُ ْ َ ْ َْ ِ ُ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫حا‬ ‫س‬ ‫بال‬
‫جُعو َ َ ِ‬
‫و‬ ‫ن‬ ‫ما ي َهْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬‫م َ‬‫} ِ‬
‫ن {‪ .‬قال مجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪:‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫حارِ هُ ْ‬ ‫س َ‬‫وقوله عز وجل ‪ } :‬وَِبال ْ‬
‫يصلون‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬قاموا الليل ‪ ،‬وأخروا الستغفار إلى السحار‪ .‬كما قال‬
‫حارِ { ] آل عمران ‪ ، [ 17 :‬فإن كان الستغفار‬ ‫س َ‬ ‫ن ِبال ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫ست َغْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬وال ْ ُ‬
‫في صلة فهو أحسن‪ .‬وقد ثبت في الصحاح وغيرها عن جماعة من الصحابة ‪،‬‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن الله ينزل كل ليلة إلى‬
‫سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الخير ‪ ،‬فيقول ‪ :‬هل من تائب فأتوب‬
‫عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل فيعطى سؤله ؟ حتى‬
‫يطلع الفجر" )‪.(1‬‬
‫وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى إخبارا عن يعقوب ‪ :‬أنه قال لبنيه ‪:‬‬
‫} سو َ َ‬
‫م َرّبي { ] يوسف ‪ [ 98‬قالوا ‪ :‬أخرهم إلى وقت السحر‪.‬‬ ‫فُر ل َك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫فأ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫حُروم ِ { ‪ :‬لما وصفهم بالصلة ثنى‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ل َوال َ‬ ‫سائ ِ ِ‬ ‫حقّ ِلل ّ‬ ‫م َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬‫وقوله ‪ } :‬وَِفي أ ْ‬
‫حقّ { )‪ (3‬أي ‪:‬‬ ‫َ‬
‫م َ‬‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬
‫بوصفهم )‪ (2‬بالزكاة والبر والصلة ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَِفي أ ْ‬
‫حُروم ِ { ‪ ،‬أما السائل فمعروف ‪ ،‬وهو‬ ‫ل َوال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫سائ ِ ِ‬
‫جزء مقسوم قد أفرزوه } ِلل ّ‬
‫الذي يبتدئ بالسؤال ‪ ،‬وله حق ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫كيع وعبد الرحمن قال حدثنا سفيان ‪ ،‬عن مصعب بن محمد ‪ ،‬عن‬ ‫حدثنا وَ ِ‬
‫يعلى بن أبي يحيى ‪ ،‬عن فاطمة بنت الحسين ‪ ،‬عن أبيها الحسين بن علي‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬للسائل حق وإن جاء على‬
‫فرس"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬به )‪ (4‬ثم أسنده من وجه آخر عن‬
‫علي بن أبي طالب )‪ .(5‬وروي من حديث الهِْرماس بن زياد مرفوعا )‪.(6‬‬
‫وأما } المحروم { ‪ ،‬فقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬هو المحارف الذي ليس له‬
‫في السلم سهم‪ .‬يعني ‪ :‬ل سهم له في بيت المال ‪ ،‬ول كسب له ‪ ،‬ول حرفة‬
‫يتقوت منها‪.‬‬
‫وقالت أم المؤمنين عائشة ‪ :‬هو المحاَرف الذي ل يكاد يتيسر له مكسبه‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬هو الذي ل يكون له مال إل ذهب ‪ ،‬قضى الله له ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪.(758‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وصفهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪) :‬حق للسائل والمحروم(‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (1/201‬وسنن أبي داود برقم )‪.(1665‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود برقم )‪.(1666‬‬
‫)‪ (6‬رواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (22/203‬من طريق سليمان‬
‫الدمشقي عن عثمان بن فايد عن عكرمة بن عمار عن الهرماس مرفوعا به‬
‫وفيه عثمان بن فايد وهو ضعيف‪.‬‬

‫) ‪(7/418‬‬

‫وقال أبو ِقلَبة ‪ :‬جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل ‪ ،‬فقال رجل من‬
‫الصحابة ‪ :‬هذا المحروم‪.‬‬
‫وقال ابن عباس أيضا ‪ ،‬وسعيد بن المسّيب ‪ ،‬وإبراهيم النخعي ‪ ،‬ونافع ‪ -‬مولى‬
‫ابن عمر ‪ -‬وعطاء بن أبي رباح } المحروم { ‪ :‬المحارف‪.‬‬
‫حُروم { ‪ :‬الذي ل يسأل الناس شيئا ‪ ،‬قال‬ ‫وقال قتادة ‪ ،‬والزهري ‪ } :‬ال ْ َ‬
‫م ْ‬
‫الزهري وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ليس المسكين‬
‫واف الذي ترده اللقمة واللقمتان ‪ ،‬والتمرة والتمرتان ‪ ،‬ولكن المسكين‬ ‫بالط ّ‬
‫الذي ل يجد غنى يغنيه ‪ ،‬ول ُيفطن له فيتصدق عليه"‪.‬‬
‫وهذا الحديث قد أسنده الشيخان في صحيحيهما من وجه آخر )‪.(1‬‬
‫سم المغنم ‪ ،‬فيرضخ له‪.‬‬‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬هو الذي يجيء وقد قُ ّ‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني بعض أصحابنا قال ‪ :‬كنا مع عمر بن عبد‬
‫العزيز في طريق مكة فجاء كلب فانتزع عمر كتف شاة فرمى بها إليه ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬يقولون ‪ :‬إنه المحروم‪.‬‬
‫وقال الشعبي ‪ :‬أعياني أن أعلم ما المحروم‪.‬‬
‫واختار ابن جرير أن المحروم ‪] :‬هو[ )‪ (2‬الذي ل مال له بأي سبب كان ‪ ،‬قد‬
‫ذهب ماله ‪ ،‬سواء كان ل يقدر على الكسب ‪ ،‬أو قد هلك ماله أو نحوه )‪(3‬‬
‫بآفة أو نحوها‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن قيس بن مسلم ‪ ،‬عن الحسن بن محمد ؛ أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا ‪ ،‬فجاء قوم لم يشهدوا الغنيمة‬
‫َ‬
‫حُروم ِ { )‪.(4‬‬ ‫ل َوال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫سائ ِ ِ‬
‫حقّ ِلل ّ‬ ‫م َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬ ‫فنزلت هذه الية ‪ } :‬وَِفي أ ْ‬
‫وهذا يقتضي أن هذه مدنية ‪ ،‬وليس كذلك ‪ ،‬بل هي مكية شاملة لما بعدها‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬فيها من اليات الدالة على‬ ‫موقِِني َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬ ‫ض آَيا ٌ‬‫وقوله ‪ } :‬وَِفي الْر ِ‬
‫عظمة خالقها وقدرته الباهرة ‪ ،‬مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات‬
‫‪ ،‬والمهاد والجبال ‪ ،‬والقفار والنهار والبحار ‪ ،‬واختلف ألسنة الناس‬
‫وألوانهم ‪ ،‬وما جبلوا عليه من الرادات والقوى ‪ ،‬وما بينهم من التفاوت في‬
‫العقول والفهوم والحركات ‪ ،‬والسعادة والشقاوة ‪ ،‬وما في تركيبهم من‬
‫الحكم في وضع كل عضو من أعضائهم )‪ (5‬في المحل الذي هو محتاج إليه‬
‫فسك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬من تفكر في‬ ‫صُرو َ‬ ‫م أَفل ت ُب ْ ِ‬ ‫فيه ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَِفي أن ْ ُ ِ ْ‬
‫خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة‪.‬‬
‫ن { يعني ‪:‬‬‫دو َ‬‫ما ُتوعَ ُ‬
‫م { يعني ‪ :‬المطر ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫ماِء رِْزقُك ُ ْ‬ ‫س َ‬
‫ثم قال ‪ } :‬وَِفي ال ّ‬
‫الجنة‪ .‬قاله ابن عباس ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (4539‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1039‬من طريق‬
‫شريك بن عبد الله عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬أو ثمرة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(26/125‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أجسادهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/419‬‬

‫سَل ً‬
‫ما‬ ‫قاُلوا َ‬ ‫خُلوا عَل َي ْهِ فَ َ‬ ‫ن )‪ (24‬إ ِذ ْ د َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مك َْر ِ‬ ‫هي َ‬‫ف إ ِب َْرا ِ‬ ‫ضي ْ ِ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل أ ََتا َ‬‫هَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫قّرب َ ُ‬‫ن )‪ (26‬فَ َ‬ ‫مي ٍ‬ ‫س ِ‬‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬‫جاَء ب ِعِ ْ‬ ‫ن )‪ (25‬فََراغ َ إ ِلى أهْل ِهِ فَ َ‬ ‫من ْكُرو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شُروه ُ ب ِغُلم ٍ‬‫ف وَب َ ّ‬ ‫خ ْ‬ ‫ة َقالوا ل ت َ َ‬ ‫ف ً‬
‫خي َ‬‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن )‪ (27‬فَأوْ َ‬ ‫ُ‬
‫ل أل ت َأكلو َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(29‬‬ ‫قي ٌ‬‫جوٌز عَ ِ‬ ‫ت عَ ُ‬ ‫جهََها وََقال َ ْ‬ ‫ت وَ ْ‬ ‫صك ّ ْ‬ ‫صّرةٍ فَ َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫مَرأت ُ ُ‬ ‫تا ْ‬ ‫عَِليم ٍ )‪ (28‬فَأقْب َل َ ِ‬
‫م )‪(30‬‬ ‫م ال ْعَِلي ُ‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬ ‫ك إ ِن ّ ُ‬‫ل َرب ّ ِ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫َقاُلوا ك َذ َل ِ ِ‬

‫ومجاهد وغير واحد‪.‬‬


‫م‬ ‫ُ‬
‫ماِء رِْزقُك ْ‬‫س َ‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬قرأ واصل الحدب هذه الية ‪ } :‬وَِفي ال ّ‬
‫ن { فقال ‪ :‬أل إني )‪ (1‬أرى رزقي في السماء ‪ ،‬وأنا أطلبه في‬ ‫دو َ‬
‫ما ُتوعَ ُ‬
‫وَ َ‬
‫الرض ؟ فدخل خربة فمكث ]فيها[ )‪ (2‬ثلثا ل يصيب شيئا ‪ ،‬فلما أن كان في‬
‫خَلة من رطب ‪ ،‬وكان له أخ أحسن نية منه ‪ ،‬فدخل‬ ‫اليوم الثالث إذا هو ب ِد َوْ َ‬
‫معه فصارتا دوخلتين ‪ ،‬فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق الموت بينهما )‪.(3‬‬
‫َ‬
‫ن { يقسم‬ ‫قو َ‬ ‫ما أن ّك ُ ْ‬
‫م ت َن ْط ِ ُ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ل َ‬ ‫حق ّ ِ‬‫ه لَ َ‬
‫ض إ ِن ّ ُ‬
‫ماِء َوالْر ِ‬‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬‫وقوله ‪ } :‬فَوََر ّ‬
‫تعالى بنفسه الكريمة أن ما وعدهم به من أمر القيامة والبعث والجزاء ‪،‬‬
‫كائن ل محالة ‪ ،‬وهو حق ل مرية فيه ‪ ،‬فل تشكوا فيه كما ل تشكوا في‬
‫نطقكم حين تنطقون‪ .‬وكان معاذ ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬إذا حدث بالشيء يقول‬
‫لصاحبه ‪ :‬إن هذا لحق كما أنك هاهنا‪.‬‬
‫وف ‪ ،‬عن الحسن البصري قال ‪:‬‬ ‫قال مسدد ‪ ،‬عن ابن أبي عَدِيّ ‪ ،‬عن عَ ْ‬
‫ما أقسم‬ ‫بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬قاتل الله أقوا ً‬
‫لهم ربهم ثم لم يصدقوا"‪.‬‬
‫دار ‪ ،‬عن ابن أبي عدي ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن الحسن ‪،‬‬ ‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن ب ُن ْ َ‬
‫فذكره مرسل )‪.(4‬‬
‫ما‬‫سل ً‬ ‫ُ‬
‫قالوا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خلوا عَلي ْهِ ف َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪ (24‬إ ِذ د َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫مكَر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫هي َ‬ ‫ف إ ِب َْرا ِ‬ ‫ضي ْ ِ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل أ ََتا َ‬ ‫} هَ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫قّرب َ ُ‬‫ن )‪ (26‬فَ َ‬ ‫مي ٍ‬ ‫س ِ‬‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫جاَء ب ِعِ ْ‬ ‫ن )‪ (25‬فََراغ َ إ َِلى أهْل ِهِ فَ َ‬ ‫من ْك َُرو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شُروه ُ ب ُِغلم ٍ‬ ‫ف وَب َ ّ‬ ‫خ ْ‬‫ة َقاُلوا ل ت َ َ‬ ‫ف ً‬
‫خي َ‬‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن )‪ (27‬فَأوْ َ‬ ‫ل أل ت َأك ُُلو َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(29‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫جوٌز عَ ِ‬ ‫ت عَ ُ‬ ‫جهََها وََقال َ ْ‬ ‫ت وَ ْ‬ ‫صك ّ ْ‬ ‫صّرةٍ فَ َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫مَرأت ُ ُ‬ ‫تا ْ‬ ‫عَِليم ٍ )‪ (28‬فَأقْب َل َ ِ‬
‫م )‪{ (30‬‬ ‫ْ‬
‫م العَِلي ُ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ ال َ‬ ‫ك إ ِن ّ ُ‬ ‫ل َرب ّ ِ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫َقاُلوا ك َذ َل ِ َ‬
‫هذه القصة قد تقدمت في سورة "هود" و "الحجر" )‪ (5‬أيضا‪ .‬وقوله ‪ } :‬هَ ْ‬
‫ل‬
‫ن { أي ‪ :‬الذين أرصد لهم الكرامة‪ .‬وقد‬ ‫مي َ‬ ‫مك َْر ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫هي َ‬ ‫ف إ ِب َْرا ِ‬ ‫ضي ْ ِ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫أ ََتا َ‬
‫ذهب المام أحمد وطائفة من العلماء إلى وجوب الضيافة للنزيل ‪ ،‬وقد وردت‬
‫السنة بذلك كما هو ظاهر التنزيل‪.‬‬
‫م { ‪ :‬الرفع أقوى وأثبت من النصب ‪ ،‬فرده‬ ‫سل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫سل ً‬ ‫وقوله ‪َ } :‬قاُلوا َ‬
‫َ‬
‫من َْها‬ ‫ن ِ‬ ‫س َ‬‫ح َ‬‫حّيوا ب ِأ ْ‬ ‫حي ّةٍ فَ َ‬ ‫م ب ِت َ ِ‬ ‫أفضل من التسليم ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬وَإ َِذا ُ‬
‫حّييت ُ ْ‬
‫ها { ] النساء ‪ ، [ 86 :‬فالخليل اختار الفضل‪.‬‬ ‫أ َوْ ُرّدو َ‬
‫ن { ‪ :‬وذلك أن الملئكة وهم ‪ :‬جبريل وإسرافيل‬ ‫من ْك َُرو َ‬ ‫م ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬قَوْ ٌ‬
‫وميكائيل قدموا عليه في صور شبان حسان عليهم مهابة عظيمة ؛ ولهذا قال‬
‫ن {‪.‬‬ ‫من ْك َُرو َ‬ ‫م ُ‬ ‫‪ } :‬قَوْ ٌ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ل أرى رزقي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬بينهما الموت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(26/127‬‬
‫)‪ (5‬تقدم تفسير ذلك في سورة هود عند اليات ‪ 73 - 69 :‬وكذلك في سورة‬
‫الحجر عند اليات ‪.56 - 51 :‬‬

‫) ‪(7/420‬‬

‫َ‬
‫ل‬
‫ج ٍ‬‫جاَء ب ِعِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فََراغ َ إ َِلى أهْل ِهِ { أي ‪ :‬انسل خفية في سرعة ‪ } ،‬فَ َ‬
‫ل‬ ‫سمين { أي ‪ :‬من خيار ماله‪ .‬وفي الية الخرى ‪ } :‬فَما ل َب َ َ‬
‫ج ٍ‬‫جاَء ب ِعِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ِ ٍ‬
‫م { أي ‪ :‬أدناه‬ ‫َ‬
‫ه إ ِلي ْهِ ْ‬‫قّرب َ ُ‬ ‫َ‬
‫حِنيذ ٍ { ] هود ‪ [ 69 :‬أي ‪ :‬مشوي على الّرضف ‪ } ،‬ف َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ :‬تلطف في العبارة وعرض حسن‪.‬‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل َأل تأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫منهم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وهذه الية انتظمت آداب الضيافة ؛ فإنه جاء بطعامه )‪ (1‬من حيث ل‬
‫يشعرون بسرعة ‪ ،‬ولم يمتن عليهم أول فقال ‪" :‬نأتيكم بطعام ؟" بل جاء به‬
‫بسرعة )‪ (2‬وخفاء ‪ ،‬وأتى بأفضل ما وجد من ماله ‪ ،‬وهو عجل فتي سمين‬
‫مشوي ‪ ،‬فقربه إليهم ‪ ،‬لم يضعه ‪ ،‬وقال ‪ :‬اقتربوا ‪ ،‬بل وضعه بين أيديهم ‪،‬‬
‫َ ْ‬
‫ن{‬ ‫ولم يأمرهم أمرا يشق على سامعه بصيغة الجزم ‪ ،‬بل قال ‪ } :‬أل ت َأك ُُلو َ‬
‫على سبيل العرض والتلطف ‪ ،‬كما يقول القائل اليوم ‪ :‬إن رأيت أن تتفضل‬
‫وتحسن وتتصدق ‪ ،‬فافعل )‪.(3‬‬
‫َ‬
‫ة { ‪ :‬هذا محال على ما تقدم في القصة في‬ ‫ف ً‬‫خي َ‬
‫م ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأوْ َ‬
‫َ َ‬
‫ل إ ِل َي ْهِ ن َك َِرهُ ْ‬
‫م‬ ‫ص ُ‬
‫م ل تَ ِ‬ ‫السورة الخرى ‪ ،‬وهو )‪ (4‬قوله ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫ما َرأى أي ْدِي َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫م ٌ‬‫ه َقائ ِ َ‬‫مَرأت ُ ُ‬ ‫ط َوا ْ‬ ‫سل َْنا إ َِلى قَوْم ِ ُلو ٍ‬ ‫ف إ ِّنا أْر ِ‬ ‫ة َقاُلوا ل ت َ َ‬
‫خ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫خي َ‬
‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫س ِ‬‫ج َ‬ ‫وَأوْ َ‬
‫ت { ] هود ‪ [ 71 ، 70 :‬أي ‪ :‬استبشرت بهلكهم ؛ لتمردهم وعتوهم‬ ‫حك َ ْ‬‫ض ِ‬‫فَ َ‬
‫على الله ‪ ،‬فعند ذلك بشرتها الملئكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب‪.‬‬
‫ب َقاُلوا‬ ‫ذا ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫جي ٌ‬ ‫يٌء عَ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫خا إ ِ ّ‬‫شي ْ ً‬‫ذا ب َعِْلي َ‬ ‫جوٌز وَهَ َ‬ ‫ت َيا وَي ْل ََتى أأل ِد ُ وَأَنا عَ ُ‬ ‫} َقال َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جيد ٌ { ]‬‫م ِ‬‫ميد ٌ َ‬‫ح ِ‬
‫ه َ‬‫ت إ ِن ّ ُ‬‫ل ال ْب َي ْ ِ‬‫م أهْ َ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ة الل ّهِ وَب ََر َ‬
‫كات ُ ُ‬ ‫م ُ‬‫ح َ‬ ‫مرِ الل ّهِ َر ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جِبي َ‬‫أت َعْ َ‬
‫شُروهُ ب ُِغلم ٍ عَِليم ٍ { ‪ ،‬فالبشارة له‬ ‫هود ‪ [ 73 ، 72‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬وَب َ ّ‬
‫هي بشارة لها ؛ لن الولد منهما ‪ ،‬فكل منهما بشر به‪.‬‬
‫صّرةٍ { أي ‪ :‬في صرخة عظيمة )‪ (5‬ورنة ‪،‬‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأ َقْبل َت ا َ‬
‫ه ِفي َ‬ ‫مَرأت ُ ُ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وزيد بن أسلم‬
‫جهََها { )‪ (6‬أي ‪:‬‬ ‫ت وَ ْ‬ ‫صك ّ ْ‬‫والثوري والسدي وهي قولها ‪َ } :‬يا وَي ْل ََتا { } فَ َ‬
‫ضربت بيدها على جبينها ‪ ،‬قاله مجاهد وابن )‪ (7‬سابط‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬لطمت ‪ ،‬أي تعجبا كما تتعجب )‪ (8‬النساء من المر الغريب‬
‫ت‬ ‫م { أي ‪ :‬كيف ألد وأنا عجوز ]عقيم[ )‪ ، (9‬وقد كن ُ‬ ‫قي ٌ‬ ‫جوٌز عَ ِ‬ ‫ت عَ ُ‬ ‫‪ } ،‬وََقال َ ْ‬
‫في حال الصبا عقيما ل أحبل ؟‪.‬‬
‫م { )‪ (10‬أي ‪ :‬عليم بما‬ ‫م العَِلي ُ‬‫ْ‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ ال َ‬ ‫ك إ ِن ّ ُ‬ ‫ل َرب ّ ِ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫} َقاُلوا ك َذ َل ِ َ‬
‫تستحقون من الكرامة ‪ ،‬حكيم في أقواله وأفعاله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬بطعام"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬في سرعة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬وقد توسع المام ابن القيم رحمه الله في كتابه "جلء الفهام" )ص ‪181‬‬
‫‪ (184 -‬في الكلم على آداب الضيافة في هذه اليات‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬وهي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وعيطة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬وصكت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬وأبو"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬يتعجب"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في م ‪" :‬العليم الحكيم" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(7/421‬‬

‫ُ‬ ‫خط ْبك ُ َ‬


‫ن)‬‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬‫سل َْنا إ َِلى قَوْم ٍ ُ‬ ‫ن )‪َ (31‬قاُلوا إ ِّنا أْر ِ‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬‫م أي َّها ال ْ ُ‬‫ما َ ُ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن )‪(34‬‬‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬‫ك ل ِل ْ ُ‬‫عن ْد َ َرب ّ َ‬
‫ة ِ‬ ‫م ً‬
‫سو ّ َ‬‫م َ‬ ‫ن )‪ُ (33‬‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جاَرة ً ِ‬ ‫ح َ‬‫م ِ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬‫س َ‬‫‪ (32‬ل ِن ُْر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬
‫َْ َْ ٍ ِ َ‬‫ي‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫نا‬ ‫د‬
‫َ َ َ َْ ِ َ‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ما‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪35‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ني‬
‫ُ ِ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ها‬
‫َ ِ َ ِ َ‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫ن‬
‫جَنا َ ْ‬
‫م‬ ‫خَر ْ‬ ‫فَأ ْ‬
‫َ‬ ‫ن )‪ (36‬وَت ََرك َْنا ِفيَها آ َي َ ً‬
‫م )‪(37‬‬ ‫ب اْلِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ن يَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫خط ْبك ُ َ‬
‫ن)‬
‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬‫م ْ‬‫سل َْنا إ َِلى قَوْم ٍ ُ‬ ‫ن )‪َ (31‬قاُلوا إ ِّنا أْر ِ‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫م أي َّها ال ْ ُ‬
‫ما َ ُ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫} َقا َ‬
‫ن )‪(34‬‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ َرب ّك ل ِل ُ‬‫ة ِ‬ ‫م ً‬‫سو ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ن )‪ُ (33‬‬ ‫َ‬ ‫س َ‬
‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫جاَرة ً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل عَلي ْهِ ْ‬ ‫‪ (32‬ل ِن ُْر ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫َ‬
‫جد َْنا ِفيَها غي َْر ب َي ْ ٍ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (35‬ف َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِفيَها ِ‬ ‫َ‬
‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬‫جَنا َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫فَأ ْ‬
‫م )‪{ (37‬‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫خاُفو َ‬‫ن يَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬‫ن )‪ (36‬وَت ََرك َْنا ِفيَها آي َ ً‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫) ‪(7/421‬‬

‫ن )‪ (38‬فَت َوَّلى ب ُِرك ْن ِهِ وََقا َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫َ‬


‫ل‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬‫طا ٍ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫سل َْناه ُ إ َِلى فِْرعَوْ َ‬ ‫سى إ ِذ ْ أْر َ‬ ‫مو َ‬ ‫وَِفي ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(40‬‬ ‫مِلي ٌ‬ ‫م وَهُوَ ُ‬‫م ِفي ال ْي َ ّ‬ ‫جُنود َه ُ فَن َب َذ َْناهُ ْ‬ ‫خذ َْناه ُ وَ ُ‬‫ن )‪ (39‬فَأ َ‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫حٌر أوْ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫َ‬
‫ت عَل َي ْهِ إ ِلّ‬ ‫شيٍء أتَ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫(‬ ‫‪41‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫قي‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ح‬ ‫ري‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫د‬ ‫عا‬ ‫في‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وَ‬
‫ن‬
‫وا عَ ْ‬ ‫ن )‪ (43‬فَعَت َ ْ‬ ‫حي ٍ‬‫حّتى ِ‬ ‫مت ُّعوا َ‬
‫م تَ َ‬‫ل ل َهُ ْ‬‫مود َ إ ِذ ْ ِقي َ‬
‫ميم ِ )‪ (42‬وَِفي ث َ ُ‬ ‫كالّر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل َت ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ن قَِيام ٍ وَ َ‬ ‫م ْ‬‫عوا ِ‬ ‫ست َطا ُ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ن )‪ (44‬ف َ‬ ‫م ي َن ْظُرو َ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫ق ُ‬‫ع َ‬
‫صا ِ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫م فأ َ‬ ‫مرِ َرب ّهِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫قي َ‬ ‫ما َفا ِ‬
‫س ِ‬ ‫م َ‬
‫كاُنوا قَوْ ً‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫ل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ُنوٍح ِ‬ ‫ن )‪ (45‬وَقَوْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫من ْت َ ِ‬
‫كاُنوا ُ‬ ‫َ‬

‫م الّروْعُ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ما ذ َهَ َ‬ ‫قال الله مخبرا عن إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫م‬‫هي ُ‬ ‫ب َيا إ ِب َْرا ِ‬ ‫مِني ٌ‬ ‫م أّواه ٌ ُ‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫م لَ َ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫ط إِ ّ‬ ‫جادِل َُنا ِفي قَوْم ِ ُلو ٍ‬ ‫شَرى ي ُ َ‬ ‫ه ال ْب ُ ْ‬ ‫جاَءت ْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مْرُدود ٍ { ] هود ‪:‬‬ ‫ب غي ُْر َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م آِتيهِ ْ‬ ‫مُر َرب ّك وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ه قَد ْ َ‬ ‫ذا إ ِن ّ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫أعْرِ ْ‬
‫‪.[ 76 - 74‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ما شأنكم وفيم‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫م أي َّها ال ُ‬ ‫خطب ُك ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال هاهنا ‪ } :‬قال ف َ‬
‫جئتم ؟‪.‬‬
‫ن { يعنون قوم لوط‪.‬‬ ‫مي‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫} َقاُلوا إنا أ ُ‬
‫ْ ٍ ُ ْ ِ ِ َ‬ ‫ِّ ْ ِ َ ِ‬
‫عن ْد َ َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫}‬ ‫معلمة‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ة‬
‫ح َ َ ً ِ ْ ِ ٍ ُ َ ّ َ ً‬
‫م‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫طي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫جا‬ ‫م ِ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫} ل ِن ُْر ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬مكتتبة عنده بأسمائهم ‪ ،‬كل حجر عليه اسم صاحبه ‪ ،‬فقال‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫َ‬
‫ه‬‫جي َن ّ ُ‬ ‫ن ِفيَها ل َن ُن َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن أعْل َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫طا َقاُلوا ن َ ْ‬ ‫ن ِفيَها ُلو ً‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫في سورة العنكبوت ‪َ } :‬قا َ‬
‫وأ َهْل َه إل ا َ‬
‫ن { ] العنكبوت ‪.[32 :‬وقال هاهنا ‪:‬‬ ‫ري َ‬ ‫ن ال َْغاب ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫مَرأت َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َُ ِ‬
‫ن { ‪ ،‬وهم لوط وأهل بيته إل امرأته‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫ر‬ ‫خ َ‬ ‫} فَأ ْ‬
‫ن { احتج بهذه ]الية[ )‪ (1‬من ذهب‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫جد َْنا ِفيَها غَي َْر ب َي ْ ٍ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫} فَ َ‬
‫إلى رأي المعتزلة ‪ ،‬ممن ل يفرق بين مسمى اليمان والسلم ؛ لنه أطلق‬
‫عليهم المؤمنين والمسلمين‪ .‬وهذا الستدلل ضعيف ؛ لن هؤلء كانوا قوما‬
‫مؤمنين ‪ ،‬وعندنا أن كل مؤمن مسلم ل ينعكس ‪ ،‬فاتفق السمان هاهنا‬
‫لخصوصية الحال ‪ ،‬ول يلزم ذلك في كل حال‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬جعلناها عبرة ‪،‬‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت ََرك َْنا ِفيَها آي َ ً‬
‫لما أنزلنا بهم من العذاب والنكال وحجارة السجيل ‪ ،‬وجعلنا )‪ (2‬محلتهم‬
‫ب‬ ‫ذا َ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫بحيرة منتنة خبيثة ‪ ،‬ففي ذلك عبرة للمؤمنين ‪ } ،‬ل ِل ّ ِ‬
‫م{‬ ‫الِلي َ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (38‬فَت َوَّلى ب ُِرك ْن ِ ِ‬
‫ه‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫سل َْناه ُ إ َِلى فِْرعَوْ َ‬ ‫سى إ ِذ ْ أْر َ‬ ‫مو َ‬ ‫} وَِفي ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م)‬ ‫مِلي ٌ‬ ‫م وَهُوَ ُ‬ ‫م ِفي ال ْي َ ّ‬ ‫جُنود َه ُ فَن َب َذ َْناهُ ْ‬ ‫خذ َْناه ُ وَ ُ‬ ‫ن )‪ (39‬فَأ َ‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫حٌر أوْ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ت عَلي ْ ِ‬ ‫يٍء أت َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ت َذ َُر ِ‬ ‫م )‪َ (41‬‬ ‫قي َ‬ ‫ح العَ ِ‬ ‫م الّري َ‬ ‫سلَنا عَلي ْهِ ُ‬ ‫عاد ٍ إ ِذ ْ أْر َ‬ ‫‪ (40‬وَِفي َ‬
‫وا‬ ‫ن )‪ (43‬فَعَت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫مود َ إ ِذ ْ ِقي َ‬ ‫ميم ِ )‪ (42‬وَِفي ث َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل َت ْ ُ‬
‫حي ٍ‬ ‫حّتى ِ‬ ‫مت ُّعوا َ‬ ‫م تَ َ‬ ‫ل لهُ ْ‬
‫َ‬
‫كالّر ِ‬
‫َ‬
‫ِإل َ‬
‫َ‬ ‫ن )‪ (44‬فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬ ‫م فَأ َ‬
‫ن قَِيام ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫عوا ِ‬ ‫ست َطا ُ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م ي َن ْظُرو َ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ع َ‬ ‫صا ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫مرِ َرب ّهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫ن )‪{ (46‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َفا ِ‬ ‫م كاُنوا قَوْ ً‬ ‫َ‬ ‫ل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُنوٍح ِ‬ ‫ن )‪ (45‬وَقَوْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫ما كاُنوا ُ‬ ‫َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫سلَناه ُ إ ِلى فِْرعَوْ َ‬ ‫سى { ]آية[ )‪ } (3‬إ ِذ ْ أْر َ‬ ‫مو َ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬وَِفي ُ‬
‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬بدليل باهر وحجة قاطعة ‪ } ،‬فَت َوَلى ب ُِركن ِهِ { أي ‪ :‬فأعرض‬ ‫ّ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ُ‬
‫فرعون عما جاءه )‪ (4‬به موسى من الحق المبين ‪ ،‬استكبارا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وجعل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬جاء"‪.‬‬

‫) ‪(7/422‬‬
‫وعنادا‪.‬‬
‫دو الله على قومه‪ .‬وقال‬ ‫وقال مجاهد ‪ :‬تعزز بأصحابه‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬غلب ع ُ‬
‫َ‬
‫ن ِلي‬ ‫ابن زيد ‪ } :‬فَت َوَّلى ب ُِرك ْن ِهِ { أي ‪ :‬بجموعه التي معه ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬لوْ أ ّ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ديد ٍ { ] هود ‪.[ 80 :‬‬ ‫ش ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م قُوّة ً أوْ آِوي إ ِلى ُرك ْ ٍ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫ل الل ّهِ { ] الحج ‪:‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫عط ْ ِ‬
‫فهِ ل ِي ُ ِ‬ ‫ي ِ‬ ‫والمعنى الول قوي كقوله ‪َ } :‬ثان ِ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يخلو‬ ‫َ‬ ‫‪ [ 9‬أي ‪ :‬معرض عن الحق مستكبر ‪ } ،‬وََقا َ‬
‫جُنو ٌ‬‫م ْ‬‫حٌر أوْ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َ‬
‫أمرك فيما جئتني به من أن تكون ساحرا ‪ ،‬أو مجنونا‪.‬‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬ألقيناهم في اليم ‪ ،‬وهو‬ ‫جُنود َه ُ فَن َب َذ َْناهُ ْ‬ ‫خذ َْناه ُ وَ ُ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬فَأ َ‬
‫م { أي ‪ :‬وهو ملوم كافر جاحد فاجر معاند‪.‬‬ ‫مِلي ٌ‬
‫البحر ‪ } ،‬وَهُوَ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬المفسدة التي ل‬ ‫قي َ‬ ‫ح العَ ِ‬ ‫م الّري َ‬ ‫سلَنا عَلي ْهِ ُ‬ ‫عاد ٍ إ ِذ ْ أْر َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَِفي َ‬
‫تنتج شيئا‪ .‬قاله الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫ت عَل َي ْهِ { أي ‪ :‬مما تفسده الريح } ِإل‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫يٍء أت َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ت َذ َُر ِ‬ ‫ولهذا قال ‪َ } :‬‬
‫ميم ِ { أي ‪ :‬كالشيء الهالك البالي‪.‬‬ ‫كالّر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل َت ْ ُ‬ ‫َ‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو عبيد الله بن أخي ابن وهب ‪ ،‬حدثنا عمي‬
‫عبد الله بن وهب ‪ ،‬حدثني عبد الله ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن عياش )‪ - (1‬القتباني ‪،‬‬
‫صد َِفي ‪ ،‬عن‬ ‫حدثني عبد الله بن سليمان ‪ ،‬عن دراج ‪ ،‬عن عيسى بن هلل ال ّ‬
‫عبد الله بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الريح‬
‫مسخرة من الثانية ‪ -‬يعني من الرض الثانية ‪ -‬فلما أراد الله أن يهلك عاًدا‬
‫ب ‪ ،‬أرسل‬ ‫أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا ‪ ،‬قال ‪ :‬أي َر َ‬
‫عليهم ]من[ )‪ (2‬الريح قدر منخر الثور ؟ قال له الجبار ‪ :‬ل إًذا تكفأ الرض‬
‫ومن عليها ‪ ،‬ولكن أرسل ]عليهم[ )‪ (3‬بقدر خاتم‪ .‬فهي التي يقول )‪ (4‬الله‬
‫َ‬
‫ميم ِ {‬ ‫كالّر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل َت ْ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ِإل َ‬ ‫يٍء أت َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ت َذ َُر ِ‬ ‫في كتابه ‪َ } :‬‬
‫هذا الحديث رفعه منكر )‪ ، (5‬والقرب أن يكون موقوفا على عبد الله بن‬
‫عمرو ‪ ،‬من زاملتيه اللتين )‪ (6‬أصابهما يوم اليرموك ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م{‬ ‫قي َ‬ ‫ح العَ ِ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ ُ‬
‫م الّري َ‬ ‫قال سعيد بن المسيب وغيره في قوله ‪ } :‬إ ِذ ْ أْر َ‬
‫قالوا ‪ :‬هي الجنوب‪ .‬وقد ثبت في الصحيح من رواية شعبة ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫صبا ‪ ،‬وأهلكت عاد بالدبور" )‪.(7‬‬ ‫"نصرت بال ّ‬
‫ن { قال ابن جرير ‪ :‬يعني إلى وقت‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مود َ إ ِذ ْ ِقيل لهُ ْ‬ ‫} وَِفي ث َ ُ‬
‫حي ٍ‬ ‫حّتى ِ‬ ‫مت ُّعوا َ‬ ‫م تَ َ‬
‫فناء آجالكم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ابن عباس"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الحاكم في المستدرك )‪ (4/594‬وابن منده في كتاب التوحيد )‬
‫‪ (1/186‬من طريق عبد الله بن وهب بأطول منه‪.‬‬
‫وقال ابن منده ‪ :‬إسناده متصل مشهور ورواته مصريين‪ .‬وصححه الحاكم‬
‫وتعقبه الذهبي بقوله ‪" :‬بل منكر ‪ ،‬فيه عبد الله بن عياس ضعفه أبو داود ‪،‬‬
‫وعند مسلم أنه ثقة ‪ ،‬ودراج وهو كثير المناكير"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬اللذين"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صححه مسلم برقم )‪.(900‬‬

‫) ‪(7/423‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫دو َ‬ ‫ماهِ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ها فَن ِعْ َ‬ ‫ض فََر ْ‬
‫شَنا َ‬ ‫ن )‪َ (47‬واْلْر َ‬ ‫سُعو َ‬ ‫مو ِ‬ ‫ها ب ِأي ْد ٍ وَإ ِّنا ل َ ُ‬‫ماَء ب َن َي َْنا َ‬ ‫س َ‬‫َوال ّ‬
‫فّروا إ َِلى الل ّهِ إ ِّني‬ ‫ن )‪ (49‬ف َِ‬ ‫رو‬ ‫ّ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ْ َ َ َ ْ َ ْ ِ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫‪ْ ِ َ (48‬‬
‫م‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ن)‬
‫مِبي ٌ‬
‫ذيٌر ُ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫م ِ‬ ‫خَر إ ِّني ل َك ُ ْ‬
‫معَ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ‬ ‫جعَُلوا َ‬ ‫ن )‪ (50‬وََل ت َ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫م ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫‪(51‬‬

‫‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دى‬ ‫مى عَلى الهُ َ‬ ‫حّبوا العَ َ‬ ‫ست َ َ‬‫م فا ْ‬ ‫مود ُ فهَد َي َْناهُ ْ‬ ‫ما ث َ ُ‬ ‫والظاهر أن هذه كقوله ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫َ‬
‫ن { ] فصلت ‪.[ 17 :‬‬ ‫ب ال ُْهو ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ة ال ْعَ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ع َ‬ ‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خذ َت ْهُ ْ‬ ‫فَأ َ‬
‫حين فَعتوا عَ َ‬
‫ر‬
‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫حّتى ِ ٍ َ َ ْ‬ ‫مت ُّعوا َ‬ ‫م تَ َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫مود َ إ ِذ ْ ِقي َ‬ ‫وهكذا قال هاهنا ‪ } :‬وَِفي ث َ ُ‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلثة‬ ‫م ي َن ْظ ُُرو َ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ع َ‬‫صا ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬ ‫م فَأ َ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫ن قَِيام ٍ {‬ ‫م ْ‬ ‫عوا ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫أيام وجاءهم في صبيحة اليوم الرابع ب ُك َْرة النهار } فَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ول يقدرون على أن‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ب ول نهوض ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫أي ‪ :‬من هََر ٍ‬
‫ينتصروا مما هم فيه‪.‬‬
‫م‬‫ل { أي ‪ :‬وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلء } إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُنوٍح ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَقَوْ َ‬
‫ن { وكل هذه القصص قد تقدمت مبسوطة في أماكن‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َفا ِ‬ ‫كاُنوا قَوْ ً‬ ‫َ‬
‫كثيرة ‪ ،‬من سور متعددة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫دو َ‬ ‫ماهِ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ها فَن ِعْ َ‬ ‫شَنا َ‬ ‫ض فََر ْ‬ ‫ن )‪َ (47‬والْر َ‬ ‫سُعو َ‬ ‫مو ِ‬ ‫ها ب ِأي ْد ٍ وَإ ِّنا ل ُ‬ ‫ماَء ب َن َي َْنا َ‬ ‫س َ‬ ‫} َوال ّ‬
‫ّ‬
‫فّروا إ ِلى اللهِ إ ِّني‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (49‬فَ ِ‬ ‫ّ‬
‫م ت َذ َكُرو َ‬ ‫ُ‬
‫ن لعَلك ْ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫نك ّ‬ ‫ُ‬
‫جي ْ ِ‬ ‫قَنا َزوْ َ‬ ‫خل ْ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫)‪ (48‬وَ ِ‬
‫ن)‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خَر إ ِّني لك ْ‬ ‫َ‬
‫معَ اللهِ إ ِلًها آ َ‬‫ّ‬ ‫جعَلوا َ‬ ‫ُ‬ ‫ن )‪َ (50‬ول ت َ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫‪{ (51‬‬
‫ها {‬ ‫ماَء ب َن َي َْنا َ‬ ‫س َ‬ ‫يقول تعالى منبها على خلق العالم العلوي والسفلي ‪َ } :‬وال ّ‬
‫أي ‪ :‬جعلناها سقفا ]محفوظا[ )‪ (1‬رفيعا } بأيد { أي ‪ :‬بقوة‪ .‬قاله ابن‬
‫ن { ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫سُعو َ‬ ‫مو ِ‬ ‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬وغير واحد ‪ } ،‬وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير عمد ‪ ،‬حتى استقلت كما هي‪.‬‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬ ‫ماهِ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫شا للمخلوقات ‪ } ،‬فَن ِعْ َ‬ ‫ها { أي ‪ :‬جعلناها فرا ً‬ ‫شَنا َ‬ ‫ض فََر ْ‬ ‫} َوالْر َ‬
‫أي ‪ :‬وجعلناها مهدا لهلها‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬جميع المخلوقات أزواج ‪ :‬سماء وأرض‬ ‫جي ْ ِ‬ ‫قَنا َزوْ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫} وَ ِ‬
‫‪ ،‬وليل ونهار ‪ ،‬وشمس وقمر ‪ ،‬وبر وبحر ‪ ،‬وضياء وظلم ‪ ،‬وإيمان وكفر ‪،‬‬
‫وموت وحياة ‪ ،‬وشقاء وسعادة ‪ ،‬وجنة ونار ‪ ،‬حتى الحيوانات ]جن وإنس ‪،‬‬
‫ن { أي ‪ :‬لتعلموا أن‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬‫ذكور وإناث[ )‪ (2‬والنباتات ‪ ،‬ولهذا قال ‪ } :‬ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫الخالق واحد ٌ ل شريك له‪.‬‬
‫فّروا إ َِلى الل ّهِ { أي ‪ :‬الجئوا إليه ‪ ،‬واعتمدوا في أموركم عليه ‪ } ،‬إ ِّني لك ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫} فَ ِ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خَر { أي ‪] :‬و[ )‪ (3‬ل تشركوا به شيئا ‪ } ،‬إ ِّني لك ْ‬ ‫َ‬
‫معَ اللهِ إ ِلًها آ َ‬ ‫ّ‬ ‫جعَلوا َ‬ ‫ُ‬ ‫} َول ت َ ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬

‫) ‪(7/424‬‬
‫ك ما أ َتى ال ّذين من قَبل ِهم من رسول إّل َقاُلوا سا ِ َ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬
‫حٌر أوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ِ ْ ْ ِ ْ ِ ْ َ ُ ٍ ِ‬ ‫ك َذ َل ِ َ َ َ‬
‫مُلوم ٍ )‪ (54‬وَذ َك ّْر‬ ‫َ‬ ‫طا ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ت بِ َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫ن )‪ (53‬فَت َوَ ّ‬ ‫غو َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫وا ب ِهِ ب َ ْ‬ ‫ص ْ‬‫وا َ‬ ‫أت َ َ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬ ‫ن َواْل ِن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬‫ما َ‬ ‫ن )‪ (55‬وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫فعُ ال ْ ُ‬ ‫ن الذ ّك َْرى ت َن ْ َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ه هُوَ الّرّزاقُ ُذو‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ن )‪ (57‬إ ِ ّ‬ ‫مو ِ‬ ‫ن ي ُط ْعِ ُ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬ ‫ق وَ َ‬ ‫ن رِْز ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ما أِريد ُ ِ‬ ‫َ‬
‫م فََل‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫حا‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫نو‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫با‬ ‫نو‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫موا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬‫‪58‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ْ َ ِِ ْ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ُ ً ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ّ ِ ِ َ‬ ‫ا ّ ِ َ ِ ُ‬
‫تي‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫دو َ‬ ‫ذي ُيوعَ ُ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫مهِ ُ‬ ‫ن ي َوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫ن )‪ (59‬فَوَي ْ ٌ‬ ‫جُلو ِ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ك ما أ َتى ال ّذين من قَبل ِهم من رسول إل َقاُلوا سا ِ َ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫جُنو ٌ‬‫م ْ‬ ‫حٌر أوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ِ ْ ْ ِ ْ ِ ْ َ ُ ٍ ِ‬ ‫} ك َذ َل ِ َ َ َ‬
‫مُلوم ٍ )‪ (54‬وَذ َك ّْر‬ ‫َ‬ ‫طا ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ت بِ َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫ن )‪ (53‬فَت َوَ ّ‬ ‫غو َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫وا ب ِهِ ب َ ْ‬ ‫ص ْ‬‫وا َ‬ ‫أت َ َ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫دو ِ‬
‫س ِإل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬‫ما َ‬ ‫ن )‪ (55‬وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫فعُ ال ْ ُ‬ ‫ن الذ ّك َْرى ت َن ْ َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ه هُوَ الّرّزاقُ ُذو‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن )‪ (57‬إ ِ ّ‬ ‫مو ِ‬ ‫ن ي ُط ْعِ ُ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬ ‫ق وَ َ‬ ‫ن رِْز ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ما أِريد ُ ِ‬ ‫َ‬
‫م َفل‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫حا‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫نو‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫با‬ ‫نو‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫موا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬‫‪58‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ْ َ ِِ ْ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ُ ً ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ّ ِ ِ َ‬ ‫ا ّ ِ َ ِ ُ‬
‫تي‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‬
‫ن )‪{ (60‬‬ ‫دو َ‬ ‫ذي ُيوعَ ُ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫مهِ ُ‬ ‫ن ي َوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫ن )‪ (59‬فَوَي ْ ٌ‬ ‫جُلو ِ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫يَ ْ‬

‫) ‪(7/424‬‬

‫يقول تعالى مسليا نبيه صلى الله عليه وسلم ‪ :‬وكما قال لك هؤلء‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما أَتى ال ّ ِ‬ ‫ك َ‬‫المشركون ‪ ،‬قال المكذبون الولون لرسلهم ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ن { !‪.‬‬ ‫قَبل ِهم من رسول إل َقاُلوا سا ِ َ‬
‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬‫حٌر أوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ ْ ِ ْ َ ُ ٍ ِ‬
‫ضهم بعضا بهذه المقالة ؟ " }‬ ‫َ‬
‫وا ب ِهِ { أي ‪ :‬أوصى بع ُ‬ ‫ص ْ‬‫وا َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬أت َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬لكن هم قوم طغاة ‪ ،‬تشابهت قلوبهم ‪ ،‬فقال‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫م َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫بَ ْ‬
‫متأخرهم كما قال متقدمهم‪.‬‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬فَت َوَ ّ‬
‫ما أن ْ َ‬ ‫م { أي ‪ :‬فأعرض عنهم يا محمد ‪ } ،‬ف َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬
‫مُلوم ٍ { يعني ‪ :‬فما نلومك على ذلك‪.‬‬ ‫بِ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما تنتفع )‪ (1‬بها القلوب‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬
‫َْ ُ ُ ِ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫} َ ْ ِ ّ‬
‫إ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ذ‬‫و‬
‫المؤمنة‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما خلقتهم لمرهم‬ ‫دو ِ‬
‫س ِإل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫بعبادتي ‪ ،‬ل لحتياجي إليهم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إل ليقروا‬ ‫دو ِ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ِ } :‬إل ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫بعبادتي طوعا أو كرها )‪ (2‬وهذا اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إل‬ ‫دو ِ‬ ‫جَرْيج ‪ :‬إل ليعرفون‪ .‬وقال الربيع بن أنس ‪ِ } :‬إل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سألت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫للعبادة‪ .‬وقال السدي ‪ :‬من العبادة ما ينفع ومنها ما ل ينفع ‪ } ،‬وَلئ ِ ْ‬
‫ه { ] لقمان ‪ [ 25 :‬هذا منهم عبادة ‪،‬‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫قول ُ ّ‬‫ض ل َي َ ُ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫وليس ينفعهم مع الشرك‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬المراد بذلك المؤمنون‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ه هُوَ الّرّزاقُ ُذو‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن‪ .‬إ ِ ّ‬ ‫مو ِ‬ ‫ن ي ُط ْعِ ُ‬‫ما أِريد ُ أ ْ‬ ‫ق وَ َ‬ ‫ن رِْز ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ما أِريد ُ ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫ن { قال )‪ (3‬المام أحمد ‪:‬‬ ‫مِتي ُ‬ ‫قوّةِ ال ْ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫حدثنا يحيى بن آدم وأبو سعيد قال حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن يزيد )‪ ، (4‬عن عبد الله بن مسعود قال ‪ :‬أقرأني رسول الله )‪(5‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إني لنا الرزاق ذو القوة المتين"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث إسرائيل ‪ ،‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن صحيح )‪.(6‬‬
‫ومعنى الية ‪ :‬أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده ل شريك له ‪ ،‬فمن أطاعه‬
‫جازاه أتم الجزاء ‪ ،‬ومن عصاه عذبه أشد العذاب ‪ ،‬وأخبر أنه غير محتاج إليهم‬
‫‪ ،‬بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ‪ ،‬فهو خالقهم ورازقهم‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله ‪ ،‬حدثنا عمران ‪ -‬يعني ابن زائدة‬
‫شيط ‪ -‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي خالد ‪ -‬هو الوالبي ‪ -‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال‬ ‫بن ن َ ِ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬قال الله ‪" :‬يا ابن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فإنما ينتفع"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬وكرها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (1/394‬وسنن أبي داود برقم )‪ (3989‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (2940‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11527‬‬

‫) ‪(7/425‬‬

‫فّرغ لعبادتي أمل صدرك ِغًنى ‪ ،‬وأسد ّ فقرك ‪ ،‬وإل تفعل ملت صدرك‬ ‫آدم ‪ ،‬ت َ َ‬
‫شغل ولم أسد فقرك"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث عمران بن زائدة ‪ ،‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن غريب )‪.(1‬‬
‫وقد روى المام أحمد عن وكيع وأبي معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن سلم أبي‬
‫حّبة وسواء ابني خالد يقولن ‪ :‬أتينا رسول الله صلى الله‬ ‫حِبيل ‪ ،‬سمعت َ‬ ‫شر ْ‬ ‫ُ‬
‫عليه وسلم وهو يعمل عمل أو يبني بناء ‪ -‬وقال أبو معاوية ‪ :‬يصلح شيئا ‪-‬‬
‫فأعناه عليه ‪ ،‬فلما فرغ دعا لنا وقال ‪" :‬ل تيأسا من الرزق ما تهززت‬
‫رءوسكما ‪ ،‬فإن النسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشرة ‪ ،‬ثم يعطيه الله‬
‫ويرزقه" )‪ .(2‬و ]قد ورد[ )‪ (3‬في بعض الكتب اللهية ‪" :‬يقول الله تعالى ‪:‬‬
‫ابن آدم ‪ ،‬خلقتك لعبادتي فل تلعب ‪ ،‬وتكفلت برزقك فل تتعب فاطلبني‬
‫تجدني ؛ فإن وجدتني وجدت كل شيء ‪ ،‬وإن ُفتك فاتك كل شيء ‪ ،‬وأنا أحب‬
‫إليك من كل شيء"‪.‬‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مثل ذ َُنو ِ‬ ‫موا ذ َُنوًبا { أي ‪ :‬نصيبا من العذاب ‪ِ } ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن ل ِل ّ ِ‬‫وقوله ‪ } :‬فَإ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فل يستعجلون ذلك ‪ ،‬فإنه واقع ]بهم[ )‪ (4‬ل‬ ‫جُلو ِ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫م َفل ي َ ْ‬ ‫حاب ِهِ ْ‬‫ص َ‬‫أ ْ‬
‫محالة‪.‬‬
‫ن { يعني ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬‫دو َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي ُيوعَ ُ‬ ‫مهِ ُ‬
‫ن ي َوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫} فَوَي ْ ٌ‬
‫آخر تفسير سورة الذاريات‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (2/358‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2466‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(4107‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(3/469‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/426‬‬
‫مورِ )‪(4‬‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫معْ ُ‬ ‫شورٍ )‪َ (3‬وال ْب َي ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫طورٍ )‪ِ (2‬في َرقّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫طورِ )‪ (1‬وَك َِتا ٍ‬ ‫َوال ّ‬
‫ما ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫واقِعٌ )‪َ (7‬‬ ‫ك لَ َ‬‫ب َرب ّ َ‬ ‫ذا َ‬‫ن عَ َ‬‫جورِ )‪ (6‬إ ِ ّ‬ ‫س ُ‬
‫م ْ‬ ‫حرِ ال ْ َ‬‫مْرُفوِع )‪َ (5‬وال ْب َ ْ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫س ْ‬ ‫َوال ّ‬
‫سي ًْرا )‪ (10‬فَوَي ْلٌ‬ ‫جَبال َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫سيُر ال ِ‬ ‫موًْرا )‪ (9‬وَت َ ِ‬ ‫ماُء َ‬ ‫س َ‬‫موُر ال ّ‬ ‫م تَ ُ‬‫ن َدافٍِع )‪ (8‬ي َوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن إ َِلى َناِر‬ ‫عو‬ ‫د‬ ‫ي‬
‫َ ْ َ ُ َ ّ َ‬‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫(‬‫‪12‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫بو‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ي‬
‫َ ْ ٍ َ َ ُ َ‬ ‫ض‬ ‫و‬ ‫خ‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِ َ ُ ْ ِ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫(‬ ‫‪11‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يَ ْ َ ِ ٍ ِ ُ ِ َ‬
‫بي‬ ‫ذ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ‬‫عا )‪ (13‬هَذِهِ الّناُر ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م دَ ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫َ‬

‫تفسير سورة الطور‬


‫وهي مكية‬
‫جَبير بن مطعم ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬سمعت‬ ‫قال مالك ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن محمد بن ُ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ‪ ،‬فما سمعت أحدا‬
‫أحسن صوتا ‪ -‬أو قراءة ‪ -‬منه‪.‬‬
‫أخرجاه من طريق مالك )‪ (1‬وقال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا عبد الله بن يوسف ‪ ،‬أخبرنا مالك ‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحمن بن ن َوَْفل‬
‫‪ ،‬عن عُْروَة َ ‪ ،‬عن زينب بنت أبي سلمة ‪ ،‬عن أم سلمة قالت ‪ :‬شكوت إلى‬
‫طوفي من وراء‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي ‪ ،‬فقال ‪ُ " :‬‬
‫الناس وأنت راكبة" ‪ ،‬فطفت ‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى‬
‫جنب البيت يقرأ بالطور وكتاب مسطور )‪.(2‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫مورِ )‪(4‬‬ ‫معْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ت ال َ‬ ‫ْ‬
‫شورٍ )‪َ (3‬والب َي ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫سطورٍ )‪ِ (2‬في َرقّ َ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬
‫طورِ )‪ (1‬وَك َِتا ٍ‬ ‫} َوال ّ‬
‫ما ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫واقِعٌ )‪َ (7‬‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ب َرب ّ َ‬ ‫ذا َ‬‫ن عَ َ‬ ‫جورِ )‪ (6‬إ ِ ّ‬ ‫س ُ‬
‫م ْ‬ ‫حرِ ال ْ َ‬‫مْرُفوِع )‪َ (5‬وال ْب َ ْ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫س ْ‬‫َوال ّ‬
‫سي ًْرا )‪ (10‬فَوَي ْ ٌ‬
‫ل‬ ‫ل َ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ْ‬
‫سيُر ال ِ‬ ‫موًْرا )‪ (9‬وَت َ ِ‬ ‫ماُء َ‬ ‫س َ‬ ‫موُر ال ّ‬ ‫م تَ ُ‬‫ن َدافٍِع )‪ (8‬ي َوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن إ ِلى َناِر‬ ‫عو َ‬ ‫م ي ُد َ ّ‬‫ن )‪ (12‬ي َوْ َ‬ ‫ْ‬
‫ض ي َلعَُبو َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مكذ ِّبي َ‬ ‫ْ‬
‫خو ْ ٍ‬‫م ِفي َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن )‪ (11‬ال ِ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ِل ُ‬
‫ي َوْ َ‬
‫ن )‪{ (14‬‬ ‫َ‬
‫م ب َِها ت ُكذ ُّبو َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫عا )‪ (13‬هَذِهِ الّناُر الِتي كن ْت ُ ْ‬ ‫م دَ ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (4845‬وصحيح مسلم برقم )‪.(463‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (4853‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1276‬‬

‫) ‪(7/427‬‬

‫َ‬ ‫ذا أ َ َ‬ ‫َ‬


‫واٌء‬
‫س َ‬ ‫صب ُِروا أوْ َل ت َ ْ‬
‫صب ُِروا َ‬ ‫صل َوْ َ‬
‫ها َفا ْ‬ ‫ن )‪ (15‬ا ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م َل ت ُب ْ ِ‬ ‫حٌر هَ َ ْ‬
‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫س ْ‬‫أفَ ِ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫صل َوْ َ‬ ‫ذا أ َ َ‬ ‫َ‬
‫واٌء‬ ‫س َ‬
‫صب ُِروا َ‬ ‫ها َفا ْ‬
‫صب ُِروا أوْ ل ت َ ْ‬ ‫ن )‪ (15‬ا ْ‬
‫صُرو َ‬ ‫م ل ت ُب ْ ِ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬‫حٌر هَ َ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫} أفَ ِ‬
‫ن )‪{ (16‬‬‫مُلو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬
‫ما ت ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫يقسم تعالى بمخلوقاته الدالة على قدرته العظيمة ‪ :‬أن عذابه واقع بأعدائه ‪،‬‬
‫وأنه ل دافع له عنهم‪ .‬فالطور هو ‪ :‬الجبل الذي يكون فيه أشجار ‪ ،‬مثل الذي‬
‫كلم الله عليه موسى ‪ ،‬وأرسل منه عيسى ‪ ،‬وما لم يكن فيه شجر ل يسمى‬
‫طورا ‪ ،‬إنما يقال له ‪ :‬جبل‪.‬‬
‫طورٍ { قيل ‪ :‬هو اللوح المحفوظ‪ .‬وقيل ‪ :‬الكتب المنزلة‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ّ‬ ‫} وَك َِتا ٍ‬
‫ت‬ ‫ْ‬
‫شورٍ َوالب َي ْ ِ‬‫من ْ ُ‬
‫المكتوبة التي تقرأ على الناس جهارا ؛ ولهذا قال ‪ِ } :‬في َرقّ َ‬
‫مورِ {‪ .‬ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في‬ ‫معْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حديث السراء ‪ -‬بعد مجاوزته إلى السماء السابعة ‪" : -‬ثم رفع بي )‪ (1‬إلى‬
‫البيت المعمور ‪ ،‬وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألفا ل يعودون إليه آخر ما‬
‫عليهم" يعني ‪ :‬يتعبدون فيه ويطوفون ‪ ،‬كما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬لي"‪.‬‬

‫) ‪(7/427‬‬

‫يطوف أهل الرض بكعبتهم كذلك ذاك البيت ‪ ،‬هو كعبة أهل السماء السابعة ؛‬
‫ولهذا وجد إبراهيم الخليل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مسندا ظهره إلى البيت المعمور ؛‬
‫لنه باني الكعبة الرضية ‪ ،‬والجزاء من جنس العمل ‪ ،‬وهو بحيال الكعبة ‪،‬‬
‫وفي كل سماء بيت يتعبد فيه أهلها ‪ ،‬ويصلون إليه ‪ ،‬والذي في السماء الدنيا‬
‫يقال له ‪ :‬بيت العزة‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا الوليد بن‬
‫مسلم ‪ ،‬حدثنا روح بن جناح ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬في السماء السابعة بيت‬
‫يقال له ‪" :‬المعمور" ؛ بحيال الكعبة ‪ ،‬وفي السماء الرابعة نهر يقال له ‪:‬‬
‫"الحيوان" يدخله جبريل كل يوم ‪ ،‬فينغمس فيه انغماسة ‪ ،‬ثم يخرج فينتفض‬
‫انتفاضة يخر عنه سبعون ألف قطرة ‪ ،‬يخلق الله من كل قطرة ملكا يؤمرون‬
‫أن يأتوا البيت المعمور ‪ ،‬فيصلوا )‪ (1‬فيه فيفعلون ‪ ،‬ثم يخرجون فل يعودون‬
‫إليه أبدا ‪ ،‬ويولي عليهم أحدهم ‪ ،‬يؤمر أن يقف بهم من السماء موقفا‬
‫يسبحون الله فيه إلى أن تقوم الساعة"‪.‬‬
‫هذا حديث غريب جدا ‪ ،‬تفرد به روح بن جناح هذا ‪ ،‬وهو القرشي الموي‬
‫مولهم أبو سعد الدمشقي ‪ ،‬وقد أنكر هذا الحديث عليه جماعة من الحفاظ‬
‫منهم ‪ :‬الجوزجاني ‪ ،‬والعقيلي ‪ ،‬والحاكم أبو عبد الله النيسابوري ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الحاكم ‪ :‬ل أصل له من حديث أبي هريرة ‪ ،‬ول سعيد ‪ ،‬ول الزهري )‪(2‬‬
‫سريّ ‪ ،‬حدثنا أبو الحوص ‪ ،‬عن سماك بن‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا هَّناد بن ال ّ‬
‫حرب ‪ ،‬عن خالد بن )‪ (3‬عرعرة ؛ أن رجل قال لعلي ‪ :‬ما البيت المعمور ؟‬
‫ضراح" وهو بحيال الكعبة من فوقها ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬بيت في السماء يقال له ‪" :‬ال ّ‬
‫حرمته في السماء كحرمة البيت في الرض ‪ ،‬يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا‬
‫من الملئكة ‪ ،‬ل )‪ (4‬يعودون فيه أبدا )‪(5‬‬
‫ماك وعندهما أن ابن الكواء هو‬ ‫س َ‬
‫وكذا رواه شعبة وسفيان الثوري ‪ ،‬عن ِ‬
‫السائل عن ذلك ‪ ،‬ثم رواه ابن جرير عن أبي ك َُريب ‪ ،‬عن ط َْلق بن غنام ‪ ،‬عن‬
‫زائدة ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن علي بن ربيعة قال ‪ :‬سأل ابن الكواء عليا عن البيت‬
‫ضراح" ‪ ،‬يدخله كل يوم‬ ‫المعمور ‪ ،‬قال ‪ :‬مسجد في السماء يقال له ‪" :‬ال ّ‬
‫سبعون ألفا من الملئكة ‪ ،‬ثم ل يعودون فيه أبدا‪ .‬ورواه من حديث أبي‬
‫فْيل ‪ ،‬عن علي بمثله‪.‬‬ ‫الط ّ َ‬
‫وفي عن ابن عباس ‪ :‬هو بيت حذاء العرش ‪ ،‬تعمره الملئكة ‪ ،‬يصلي‬ ‫وقال العَ ْ‬
‫فيه كل يوم سبعون‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬فيصلون"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه ابن عدي في الكامل )‪ (3/144‬من طريق هشام بن عمار به ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬سمعت ابن حماد يقول ‪ :‬قال السعدي ‪ :‬روح بن جناح ذكر‬
‫عنالزهري حديثا معضل في البيت المعمور" ثم ساقه بإسناده وتعقبه بقوله ‪:‬‬
‫"ول يعرف هذا الحديث إل بروح بن جناح عن الزهري"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬ثم ل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪(27/10‬‬

‫) ‪(7/428‬‬

‫ألفا من الملئكة ثم ل يعودون إليه ‪ ،‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والربيع بن‬
‫أنس ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير واحد من السلف‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما‬
‫لصحابه ‪" :‬هل تدرون ما البيت المعمور ؟" قالوا ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة ‪ ،‬لو خر لخر عليها ‪ ،‬يصلي فيه كل يوم‬
‫سبعون ألف ملك ‪ ،‬إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم"‪.‬‬
‫حن )‪ ، (1‬من‬ ‫وزعم الضحاك أنه يعمره طائفة من الملئكة يقال لهم ‪ :‬ال ِ‬
‫قبيلة إبليس )‪ ، (2‬فالله أعلم‪.‬‬
‫مْرُفوِع { ‪ :‬قال سفيان الثوري ‪ ،‬وشعبة ‪ ،‬وأبو‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫س ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ‬
‫ُ‬
‫مْرفوِع‬ ‫ْ‬
‫ف ال َ‬ ‫ق ِ‬ ‫س ْ‬‫ماك ‪ ،‬عن خالد بن عَْرعََرة ‪ ،‬عن علي ‪َ } :‬وال ّ‬ ‫س َ‬ ‫الحوص ‪ ،‬عن ِ‬
‫م‬‫َ ُ ْ‬‫ه‬‫و‬ ‫ظا‬ ‫ً‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ح‬
‫َ ْ‬‫م‬ ‫فا‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫ما‬ ‫س‬
‫ّ َ‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ َ َ َ‬‫ج‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫تل‬ ‫ثم‬ ‫‪:‬‬ ‫سفيان‬ ‫قال‬ ‫‪،‬‬ ‫السماء‬ ‫{ يعني ‪:‬‬
‫ن { ] النبياء ‪ .[ 32 :‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪،‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ن آَيات َِها ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫جَرْيج ‪ ،‬وابن زيد ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬ ‫وابن ُ‬
‫وقال الربيع بن أنس ‪ :‬هو العرش يعني ‪ :‬أنه سقف لجميع المخلوقات ‪ ،‬وله‬
‫اتجاه ‪ ،‬وهو ُيراد مع غيره كما قاله الجمهور‪.‬‬
‫جورِ { ‪ :‬قال الربيع بن أنس ‪ :‬هو الماء الذي تحت‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حرِ ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ْب َ ْ‬
‫العرش ‪ ،‬الذي ينزل ]الله[ )‪ (3‬منه المطر الذي يحيى به الجساد في قبورها‬
‫يوم معادها‪ .‬وقال الجمهور ‪ :‬هو هذا البحر‪ .‬واختلف في معنى قوله ‪:‬‬
‫} المسجور { ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬المراد أنه يوقد يوم القيامة نارا كقوله ‪:‬‬
‫ت { ] التكوير ‪ [ 6 :‬أي ‪ :‬أضرمت فتصير )‪ (4‬نارا تتأجج ‪،‬‬ ‫جَر ْ‬ ‫س ّ‬ ‫حاُر ُ‬ ‫} وَإ َِذا ال ْب ِ َ‬
‫محيطة بأهل الموقف‪ .‬رواه سعيد بن المسيب’ عن علي بن أبي طالب ‪،‬‬
‫وُروي عن ابن عباس‪ .‬وبه يقول سعيد بن جبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعبد الله بن عبيد‬
‫عمير )‪ (5‬وغيرهم‪.‬‬ ‫بن ُ‬
‫وقال العلء بن بدر ‪ :‬إنما سمي البحر المسجور لنه ل ُيشرب منه ماء ‪ ،‬ول‬
‫يسقى به زرع ‪ ،‬وكذلك البحار يوم القيامة‪ .‬كذا رواه عنه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫جورِ { يعني ‪ :‬المرسل‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬ ‫س ُ‬‫م ْ‬‫حرِ ال ْ َ‬‫جبير ‪َ } :‬وال ْب َ ْ‬ ‫وعن سعيد بن ُ‬
‫جورِ { )‪ (6‬المملوء‪ .‬واختاره ابن جرير ووجهه بأنه ليس‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ر[ ال ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫} ]َوال ْب َ ْ‬
‫موقدا اليوم فهو مملوء‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد به الفارغ ‪ ،‬قال الصمعي عن أبي عمرو بن العلء ‪ ،‬عن ذي‬
‫جورِ { قال ‪ :‬الفارغ ؛‬ ‫س ُ‬‫م ْ‬ ‫حرِ ال ْ َ‬‫الرمة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ } :‬وال ْب َ ْ‬
‫خرجت أمة تستسقي فرجعت فقالت ‪" :‬إن الحوض مسجور" ‪ ،‬تعني ‪ :‬فارغا‪.‬‬
‫رواه ابن مردويه في مسانيد الشعراء‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الجن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(27/11‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬فصيرت"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬وعبيد الله بن عمير"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من م‪.‬‬

‫) ‪(7/429‬‬

‫وقيل ‪ :‬المراد بالمسجور ‪ :‬الممنوع المكفوف عن الرض ؛ لئل )‪ (1‬يغمرها‬


‫فيغرق أهلها‪ .‬قاله )‪ (2‬علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ‪ ،‬وبه يقول السدي‬
‫وغيره ‪ ،‬وعليه يدل الحديث الذي رواه المام أحمد ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬في‬
‫مسنده ‪ ،‬فإنه قال ‪:‬‬
‫حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا )‪ (3‬العوام ‪ ،‬حدثني شيخ كان مرابطا بالساحل قال ‪ :‬لقيت‬
‫أبا صالح مولى عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬حدثنا عمر بن الخطاب عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ليس من ليلة إل والبحر يشرف فيها ثلث‬
‫مرات ‪ ،‬يستأذن الله أن ينفضخ )‪ (4‬عليهم ‪ ،‬فيكفه الله عز وجل" )‪.(5‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر السماعيلي ‪ :‬حدثنا الحسن بن سفيان ‪ ،‬عن إسحاق بن‬
‫راهويه ‪ ،‬عن يزيد ‪ -‬وهو ابن هارون ‪ -‬عن العوام بن حوشب ‪ ،‬حدثني شيخ‬
‫مرابط قال ‪ :‬خرجت ليلة لحرسي )‪ (6‬لم يخرج أحد من الحرس غيري ‪،‬‬
‫ي أن البحر يشرف يحاذي رءوس‬ ‫فأتيت الميناء فصعدت ‪ ،‬فجعل يخيل إل ّ‬
‫الجبال ‪ ،‬فعل ذلك مرارا وأنا مستيقظ ‪ ،‬فلقيت أبا صالح فقال ‪ :‬حدثنا عمر‬
‫بن الخطاب ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ما من ليلة إل‬
‫والبحر يشرف ثلث مرات ‪ ،‬يستأذن الله أن ينفضخ عليهم ‪ ،‬فيكفه الله عز‬
‫وجل"‪ .‬فيه رجل مبهم لم يسم )‪.(7‬‬
‫واقِعٌ { ‪ :‬هذا هو المقسم عليه ‪ ،‬أي ‪ :‬الواقع )‪(8‬‬ ‫ك لَ َ‬‫ب َرب ّ َ‬‫ذا َ‬‫ن عَ َ‬‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن َدافٍِع { أي ‪ :‬ليس له دافع‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬
‫بالكافرين ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪َ } :‬‬
‫يدفعه عنهم إذا أراد الله بهم ذلك‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن داود ‪ ،‬عن‬
‫س المدينة‬ ‫صالح المري ‪ ،‬عن جعفر بن )‪ (9‬زيد العبدي قال ‪ :‬خرج عمر ي َعِ ّ‬
‫ذات ليلة ‪ ،‬فمر بدار رجل من المسلمين ‪ ،‬فوافقه قائما يصلي ‪ ،‬فوقف‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫واقِعٌ َ‬‫ك لَ َ‬‫ب َرب ّ َ‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫يستمع قراءته فقرأ ‪ } :‬والطور { حتى بلغ } إ ِ ّ‬
‫َدافٍِع { قال ‪ :‬قسم ‪ -‬ورب الكعبة ‪ -‬حق‪ .‬فنزل عن حماره واستند إلى حائط ‪،‬‬
‫فمكث مليا ‪ ،‬ثم رجع إلى منزله ‪ ،‬فمكث شهرا يعوده الناس ل يدرون ما‬
‫مرضه ‪ ،‬رضي الله عنه )‪.(10‬‬
‫وقال المام أبو عبيد في "فضائل القرآن" ‪ :‬حدثنا محمد بن صالح ‪ ،‬حدثنا‬
‫ما ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫واقِعٌ َ‬ ‫ك لَ َ‬
‫ب َرب ّ َ‬‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬‫هشام بن حسان ‪ ،‬عن الحسن ‪ :‬أن عمر قرأ ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن َدافٍِع { )‪ ، (11‬فربا لها ربوة عيد منها عشرين يوما )‪.(12‬‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫موًْرا { ‪ :‬قال ابن عباس وقتادة ‪ :‬تتحرك تحريكا‪.‬‬ ‫ماُء َ‬ ‫س َ‬‫موُر ال ّ‬ ‫م تَ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬هو تشققها ‪ ،‬وقال مجاهد ‪ :‬تدور دورا‪ .‬وقال الضحاك ‪:‬‬
‫استدارتها وتحريكها لمر الله ‪ ،‬وموج بعضها في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬ينفضح"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (1/43‬ورواه من طريق ابن الجوزي في العلل المتناهية )‬
‫‪ (1/52‬وقال ‪" :‬العوام ضعيف ‪ ،‬والشيخ مجهول"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬لمحرثي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬وذكره المؤلف في مسند عمر )‪ (2/608‬من رواية السماعيلي ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"فيه رجل مبهم لم يسم ‪ ،‬والله أعلم بحاله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬واقع"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (10‬وذكره المؤلف في مسند عمر )‪ (2/608‬من رواية ابن أبي الدنيا وفي‬
‫إسناده صالح المري ‪ ،‬ووقع في مسند عمر "المدني" فإن كان المري فهو‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (12‬فضائل القرآن لبي عبيد )ص ‪.(64‬‬

‫) ‪(7/430‬‬

‫َ‬
‫ب‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬‫م وَوََقاهُ ْ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬
‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫ن بِ َ‬‫ت وَن َِعيم ٍ )‪َ (17‬فاك ِِهي َ‬ ‫جّنا ٍ‬‫ن ِفي َ‬ ‫قي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫سُرٍر‬
‫ن عَلى ُ‬ ‫َ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬
‫ن )‪ُ (19‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫ً‬
‫شَرُبوا هَِنيئا ب ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حيم ِ )‪ (18‬كلوا َوا ْ‬ ‫ج ِ‬‫ال ْ َ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫عي ٍ‬
‫حورٍ ِ‬ ‫م بِ ُ‬
‫جَناهُ ْ‬ ‫فوفَةٍ وََزوّ ْ‬ ‫ص ُ‬‫م ْ‬ ‫َ‬

‫بعض‪ .‬وهذا اختيار ابن جرير أنه التحرك )‪ (1‬في استدارة‪ .‬قال ‪ :‬وأنشد أبو‬
‫عبيدة معمر بن المثنى بيت العشى ‪:‬‬
‫ث ول عجل )‪(2‬‬ ‫موُر السحابة ل َري ْ ٌ‬ ‫جارتها‪َ ...‬‬ ‫ت َ‬ ‫شي ََتها من بي ِ‬ ‫كأن م ْ‬
‫سي ًْرا { أي ‪ :‬تذهب فتصير هباء منبثا ‪ ،‬وتنسف نسفا‪.‬‬ ‫ل َ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ْ‬
‫سيُر ال ِ‬ ‫} وَت َ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬ويل لهم ذلك اليوم من عذاب الله ونكاله‬ ‫مكذ ِّبي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مئ ِذ ٍ ل ِل ُ‬ ‫} فَوَي ْل ي َوْ َ‬ ‫ٌ‬
‫بهم ‪ ،‬وعقابه لهم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬هم في الدنيا يخوضون في الباطل ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫م ِفي َ ْ ٍ َ َ ُ َ‬
‫بو‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫و‬ ‫خ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫ويتخذون دينهم هزوا ولعبا‪.‬‬
‫عا { ‪ :‬وقال‬ ‫م دَ ّ‬ ‫ن { أي ‪ :‬يدفعون ويساقون ‪ } ،‬إ َِلى َنارِ َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫عو َ‬ ‫م ي ُد َ ّ‬ ‫} ي َوْ َ‬
‫مجاهد ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬والثوري ‪:‬‬
‫يدفعون فيها دفعا‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬تقول لهم الزبانية ذلك تقريعا‬ ‫م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ‬ ‫} هَذِهِ الّناُر ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬
‫وتوبيخا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها { أي ‪ :‬ادخلوها دخول من تغمره‬ ‫صلوْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ت ُب ْ ِ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫ذا أ ْ‬ ‫حٌر هَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫} أفَ ِ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬سواء صبرتم‬ ‫واٌء عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫صب ُِروا َ‬ ‫صب ُِروا أوْ ل ت َ ْ‬ ‫من جميع جهاته } َفا ْ‬
‫على عذابها ونكالها أم لم تصبروا ‪ ،‬ل محيد لكم عنها ول خلص لكم منها )‬
‫ن { أي ‪ :‬ول يظلم الله أحدا ‪ ،‬بل يجازي كل‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫‪ } ، (3‬إ ِن ّ َ‬
‫بعمله‪.‬‬
‫م‬
‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫م وَوَقاهُ ْ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫َ‬
‫ت وَن َِعيم ٍ )‪ (17‬فاك ِِهي َ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ن عََلى‬ ‫ئي‬ ‫ك‬
‫ُ ّ ِِ َ‬‫ت‬ ‫م‬ ‫(‬‫‪19‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬
‫ُْ ْ َْ َ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫ً‬
‫ئا‬ ‫ني‬
‫َ ِ‬ ‫ه‬ ‫بوا‬ ‫ر‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫(‬ ‫‪18‬‬ ‫)‬ ‫م‬
‫َ ِ ِ‬ ‫حي‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬
‫ن )‪{ (20‬‬ ‫عي ٍ‬ ‫حورٍ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫جَناهُ ْ‬ ‫فوفَةٍ وََزوّ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سُررٍ َ‬ ‫ُ‬
‫ت وَن َِعيم ٍ { ‪ ،‬وذلك‬ ‫نا‬
‫َ ّ ٍ‬ ‫ج‬ ‫في‬ ‫ن‬
‫ُ ّ ِ َ ِ‬ ‫قي‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫السعداء‬ ‫حال‬ ‫عن‬ ‫تعالى‬ ‫يخبر‬
‫بضد ما أولئك فيه من العذاب والنكال‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬يتفكهون بما آتاهم الله من النعيم ‪ ،‬من‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫} َفاك ِِهي َ‬
‫أصناف الملذ ‪ ،‬من مآكل ومشارب وملبس ومساكن ومراكب وغير ذلك ‪} ،‬‬
‫حيم ِ { أي ‪ :‬وقد نجاهم من عذاب النار ‪ ،‬وتلك نعمة‬ ‫ج ِ‬‫ب ال ْ َ‬
‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬‫وَوََقاهُ ْ‬
‫مستقلة بذاتها على حدتها مع ما أضيف إليها من دخول الجنة ‪ ،‬التي فيها من‬
‫السرور ما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر‪.‬‬
‫ن { ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ك ُُلوا َوا ْ‬
‫شَرُبوا‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫شَرُبوا هَِنيًئا ب ِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك ُُلوا َوا ْ‬
‫م ِفي الّيام ِ ال ْ َ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫َ‬
‫خال ِي َةِ { ] الحاقة ‪ .[ 24 :‬أي هذا بذاك ‪ ،‬تفضل‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬‫هَِنيًئا ب ِ َ‬
‫منه وإحسانا‪.‬‬
‫فوفَةٍ { قال الثوري ‪ ،‬عن حصين ‪ ،‬عن‬ ‫ص ُ‬
‫م ْ‬ ‫سُررٍ َ‬ ‫ن عَلى ُ‬ ‫َ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬ ‫وقوله ‪ُ } :‬‬
‫مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬السرر في الحجال‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬حدثنا صفوان بن عمرو ؛‬
‫أنه سمع الهيثم بن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬المتحرك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬البيت في تفسير الطبري )‪.(27/13‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فيها"‪.‬‬

‫) ‪(7/431‬‬

‫َ‬ ‫وال ّذين آ َمنوا واتبعتهم ذ ُريتهم بإيما َ‬


‫م‬
‫مل ِهِ ْ‬
‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أل َت َْناهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬ ‫قَنا ب ِهِ ْ‬‫ح ْ‬‫ن أل ْ َ‬ ‫َ ِ َ َ ُ َ ََّ ُْ ْ ّ ُُّ ْ ِِ َ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ة‬ ‫ه‬‫ك‬
‫َ ْ َ َْ ُ ْ ِ َِ ٍ َ ْ ٍ ِ ّ‬ ‫فا‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪21‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫هي ٌ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ئ بِ َ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫لا ْ‬ ‫يٍء ك ُ ّ‬‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫م‬ ‫ه‬‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫طو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪23‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫ثي‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫و‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫سا‬ ‫ْ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫ز‬ ‫نا‬‫ت‬ ‫ي‬ ‫(‬ ‫‪22‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫ِْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ِ‬
‫ٌ ِ َ َ َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َََ َ‬ ‫يَ َ ُ َ‬
‫هو‬ ‫ت‬ ‫ش‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫ساَءلو َ‬ ‫ض ي َت َ َ‬ ‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫ن )‪ (24‬وَأقْب َ َ‬ ‫مك ُْنو ٌ‬ ‫م لؤْلؤ ٌ َ‬ ‫م ك َأن ّهُ ْ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ما ٌ‬‫ِغل ْ َ‬
‫ه عَل َي َْنا وَوََقاَنا عَ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫ذا َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن )‪ (26‬فَ َ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِفي أهْل َِنا ُ‬ ‫َقاُلوا إ ِّنا ك ُّنا قَب ْ ُ‬
‫م )‪(28‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ه هُوَ ال ْب َّر الّر ِ‬ ‫عوه ُ إ ِن ّ ُ‬ ‫ل ن َد ْ ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫موم ِ )‪ (27‬إ ِّنا ك ُّنا ِ‬ ‫س ُ‬‫ال ّ‬

‫مالك الطائي يقول ‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن الرجل‬
‫ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحول عنه ول يمله ‪ ،‬يأتيه ما اشتهت‬
‫نفسه ولذت عينه"‪.‬‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هُد َْبة بن خالد ‪ ،‬عن سليمان بن المغيرة ‪ ،‬عن ثابت قال ‪:‬‬
‫بلغنا أن الرجل ليتكئ في الجنة سبعين سنة ‪ ،‬عنده من أزواجه وخدمه وما‬
‫أعطاه الله من الكرامة والنعيم ‪ ،‬فإذا حانت منه نظرة فإذا أزواج له لم يكن‬
‫رآهن قبل ذلك ‪ ،‬فيقلن ‪ :‬قد آن لك أن تجعل لنا منك نصيبا‪.‬‬
‫سُرٍر‬ ‫َ‬
‫ومعنى } مصفوفة { أي ‪ :‬وجوه بعضهم إلى بعض ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬عَلى ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬وجعلناهم‬ ‫عي ٍ‬ ‫حورٍ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫جَناهُ ْ‬ ‫ن { ] الصافات ‪ } .[ 44 :‬وََزوّ ْ‬ ‫قاب ِِلي َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫قرينات صالحات ‪ ،‬وزوجات حسانا من الحور العين‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ } :‬وزوجناهم { ‪ :‬أنكحناهم بحور عين ‪ ،‬وقد تقدم وصفهن في‬
‫غير موضع بما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ألت َْناهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬ ‫قَنا ب ِهِ ْ‬ ‫ح ْ‬‫ن أل َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫م ب ِِإي َ‬ ‫م ذ ُّري ّت ُهُ ْ‬ ‫مُنوا َوات ّب َعَت ْهُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫حم ٍ‬ ‫فاك ِهَةٍ وَل َ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫مد َد َْناهُ ْ‬ ‫ن )‪ (21‬وَأ ْ‬ ‫هي ٌ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ئ بِ َ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫لا ْ‬ ‫يٍء ك ُ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مل ِهِ ْ‬ ‫عَ َ‬
‫م )‪ (23‬وَي َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ف‬
‫طو ُ‬ ‫سا ل ل َغْوٌ ِفيَها َول ت َأِثي ٌ‬ ‫ن ِفيَها ك َأ ً‬ ‫عو َ‬ ‫ن )‪ (22‬ي َت ََناَز ُ‬ ‫شت َُهو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪24‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ٌ‬ ‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َْ ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ ُ ُ ْ‬ ‫َ ُ ٌ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ِْ ْ ِ َ ٌ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه عَل َي َْنا‬ ‫ن الل ُّ‬ ‫ل في أ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪26‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ف‬
‫َ ُ ِ ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫ِّ ّ ْ ِ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫لوا‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ن )‪(25‬‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫م )‪{ (28‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ الب َّر الّر ِ‬ ‫عوه ُ إ ِن ّ ُ‬ ‫ل ن َد ْ ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫موم ِ )‪ (27‬إ ِّنا ك ُّنا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَوََقاَنا عَ َ‬
‫يخبر تعالى عن فضله وكرمه ‪ ،‬وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه ‪ :‬أن المؤمنين‬
‫إذا اتبعتهم ذرياتهم في اليمان ُيلحقهم بآبائهم في المنزلة وإن لم يبلغوا‬
‫عملهم ‪ ،‬لتقر أعين الباء بالبناء عندهم في منازلهم ‪ ،‬فيجمع بينهم على‬
‫أحسن الوجوه ‪ ،‬بأن يرفع الناقص العمل ‪ ،‬بكامل العمل ‪ ،‬ول ينقص ذلك من‬
‫َ‬
‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬
‫م‬ ‫قَنا ب ِهِ ْ‬ ‫عمله ومنزلته ‪ ،‬للتساوي بينه وبين ذاك ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أل ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫َ‬
‫يٍء {‬‫ش ْ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫م ِ‬
‫مل ِهِ ْ‬
‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أل َت َْناهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫وَ َ‬
‫مّرة ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬ ‫قال الثوري ‪ ،‬عن عمرو بن ُ‬
‫إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته ‪ ،‬وإن كانوا دونه في العمل ‪ ،‬لتقر بهم‬
‫عينه ثم قرأ ‪ } :‬وال ّذين آمنوا واتبعتهم ذ ُريتهم بإيما َ‬
‫ما‬
‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬‫قَنا ب ِهِ ْ‬‫ح ْ‬‫ن أل ْ َ‬
‫َ ِ َ َ ُ َ ََّ ُْ ْ ّ ُُّ ْ ِِ َ ٍ‬
‫َ‬
‫يٍء {‬‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫مل ِهِ ْ‬‫ن عَ َ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫أل َت َْناهُ ْ‬
‫رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬به‪ .‬وكذا رواه ابن‬
‫مّرة به )‪ .(1‬ورواه البزار ‪ ،‬عن سهل بن‬ ‫جرير من حديث شعبة عن عمرو بن ُ‬
‫بحر )‪ ، (2‬عن الحسن بن حماد الوراق ‪ ،‬عن قيس بن الربيع ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫مّرة ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن ابن عباس مرفوعا ‪ ،‬فذكره ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وقد رواه‬ ‫ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(27/15‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يحيى"‪.‬‬

‫) ‪(7/432‬‬

‫الثوري ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪ ،‬عن سعيد عن ابن عباس موقوفا )‪.(1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد )‪ (2‬البيروتي ‪ ،‬أخبرني‬
‫محمد بن شعيب )‪ (3‬أخبرني شيبان ‪ ،‬أخبرني ليث ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت‬
‫السدي ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس في قول الله ‪ ،‬عز وجل ‪:‬‬
‫} وال ّذين آمنوا واتبعتهم ذ ُريتهم بإيما َ‬
‫م { قال ‪ :‬هم ذرية‬ ‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬
‫قَنا ب ِهِ ْ‬
‫ح ْ‬‫ن أل ْ َ‬‫َ ِ َ َ ُ َ ََّ ُْ ْ ّ ُُّ ْ ِِ َ ٍ‬
‫المؤمن ‪ ،‬يموتون على اليمان ‪ :‬فإن كانت منازل آبائهم ‪ ،‬أرفع من منازلهم‬
‫ألحقوا بآبائهم ‪ ،‬ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوا شيئا‪.‬‬
‫ري ‪ ،‬حدثنا محمد‬ ‫ست َ ِ‬‫وقال الحافظ الطبراني ‪ :‬حدثنا الحسين بن إسحاق الت ّ ْ‬
‫بن عبد الرحمن بن غَْزوان ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن سالم الفطس ‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬أظنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬إذا‬
‫دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده ‪ ،‬فيقال ‪ :‬إنهم لم يبلغوا‬
‫درجتك‪ .‬فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬قد عملت لي ولهم‪ .‬فيؤمر بإلحاقهم به ‪ ،‬وقرأ ابن‬
‫ن { الية )‪.(4‬‬ ‫ما ٍ‬‫م ب ِِإي َ‬‫م ذ ُّري ّت ُهُ ْ‬
‫مُنوا َوات ّب َعَت ْهُ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫عباس } َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬يقول ‪ :‬والذين أدرك ذريتهم‬ ‫وقال العَ ْ‬
‫اليمان فعملوا بطاعتي ‪ ،‬ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة ‪ ،‬وأولدهم الصغار تلحق‬
‫بهم‪.‬‬
‫وهذا راجع إلى التفسير الول ‪ ،‬فإن ذاك مفسر أصرح من هذا‪ .‬وهكذا يقول‬
‫الشعبي ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وابن زيد‪ .‬وهو اختيار ابن جرير‪ .‬وقد قال عبد الله بن المام أحمد‬
‫‪:‬‬
‫ضْيل ‪ ،‬عن محمد بن عثمان ‪ ،‬عن‬ ‫حدثنا عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا حمد بن فُ َ‬
‫ت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬عن‬ ‫زاذان ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬سأل ْ‬
‫ولدين ماتا لها في الجاهلية ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬هما‬
‫في النار"‪ .‬فلما رأى الكراهة في وجهها قال ‪" :‬لو رأيت مكانهما لبغضتهما"‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬فولدي منك‪ .‬قال ‪ " :‬في الجنة"‪ .‬قال ‪ :‬ثم قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن المؤمنين وأولدهم في الجنة ‪ ،‬وإن‬
‫المشركين وأولدهم في النار"‪ .‬ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫} وال ّذين آمنوا واتبعتهم ذ ُريتهم بإيما َ‬
‫م { ]الية[ )‪.(6) (5‬‬ ‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬
‫قَنا ب ِهِ ْ‬ ‫ن أل ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫َ ِ َ َ ُ َ ََّ ُْ ْ ّ ُُّ ْ ِِ َ ٍ‬
‫هذا فضله تعالى على البناء ببركة عمل الباء ‪ ،‬وأما فضله على الباء ببركة‬
‫دعاء البناء ‪ ،‬فقد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند البزار برقم )‪" (2260‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (7/114‬فيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري ‪ ،‬وفيه ضعف"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬شعبة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه الطبراني في المجمع الكبير )‪ (11/440‬حدثنا محمد بن عبد الله‬
‫الحضرمي حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن غزوان به‪ .‬ورواه في المعجم‬
‫الصغير برقم )‪ (640‬حدثنا عبد الله بن يزيد الدقيقي حدثنا محمد بن عبد‬
‫الرحمن بن غزوان به‪ .‬ولم أجد رواية الحسين بن إبراهيم التستري‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (6‬زوائد عبد الله على المسند )‪ (1/134‬وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (7/217‬فيه محمد بن عثمان ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬

‫) ‪(7/433‬‬

‫قال المام أحمد ‪:‬‬


‫جود ‪ ،‬عن أبي صالح‬ ‫حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عاصم بن أبي الن ّ ُ‬
‫‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله‬
‫ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬أنى لي هذه ؟ فيقول ‪:‬‬
‫باستغفار ولدك لك" )‪.(1‬‬
‫إسناده )‪ (2‬صحيح ‪ ،‬ولم يخرجوه من هذا الوجه ‪ ،‬ولكن له شاهد في صحيح‬
‫مسلم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا مات‬
‫ابن آدم انقطع عمله إل من ثلث ‪ :‬صدقة جارية ‪ ،‬أو علم ينتفع به ‪ ،‬أو ولد‬
‫صالح يدعو له" )‪(3‬‬
‫ن { لما أخبر عن مقام الفضل ‪ ،‬وهو رفع‬ ‫هي‬
‫َ َ َ ِ ٌ‬‫ر‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬‫مرِ ٍ ِ َ‬
‫ب‬ ‫ئ‬ ‫لا ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك ُ ّ‬
‫درجة الذرية إلى منزلة الباء من غير عمل يقتضي ذلك ‪ ،‬أخبر عن مقام‬
‫ن{‬ ‫هي ٌ‬
‫ب َر ِ‬ ‫س َ‬‫ما ك َ َ‬
‫ئ بِ َ‬‫مرِ ٍ‬ ‫لا ْ‬‫العدل ‪ ،‬وهو أنه ل يؤاخذ أحدا بذنب أحد ‪ ،‬بل } ك ُ ّ‬
‫أي ‪ :‬مرتهن بعمله ‪ ،‬ل يحمل عليه ذنب غيره من الناس ‪ ،‬سواء كان أبا أو ابنا‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫جّنا ٍ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬
‫حا َ‬ ‫ص َ‬
‫ة ِإل أ ْ‬ ‫هين َ ٌ‬
‫ت َر ِ‬ ‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬‫س بِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ك ُ ّ‬
‫ن { ] المدثر ‪.[ 41 - 38 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ َ ِ‬ ‫ساَءُلو َ‬
‫ي َت َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬وألحقناهم بفواكه‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫شت َُهو َ‬ ‫م ّ‬ ‫حم ٍ ِ‬ ‫َ‬
‫فاك ِهَةٍ وَل ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫مد َد َْناهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫ولحوم من أنواع شتى ‪ ،‬مما يستطاب ويشتهى‪.‬‬
‫ْ‬
‫سا { أي ‪ :‬يتعاطون فيها كأسا ‪ ،‬أي ‪ :‬من الخمر‪.‬‬ ‫ن ِفيَها ك َأ ً‬ ‫عو َ‬ ‫وقوله } ي َت ََناَز ُ‬
‫م { أي ‪ :‬ل يتكلمون عنها )‪ (4‬بكلم لغ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قاله الضحاك‪ } .‬ل لغْوٌ ِفيَها َول ت َأِثي ٌ‬
‫حش ‪ ،‬كما تتكلم به الشربة من أهل الدنيا‪.‬‬ ‫أي ‪ :‬هَذ ََيان ول إثم أي ‪ :‬فُ ْ‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬اللغو ‪ :‬الباطل‪ .‬والتأثيم ‪ :‬الكذب‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬ل يستبون ول يؤثمون‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان ذلك في الدنيا مع الشيطان‪.‬‬
‫فنزه الله خمر الخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها ‪ ،‬فنفى عنها ‪ -‬كما تقدم‬
‫‪ -‬صداع الرأس ‪ ،‬ووجع البطن ‪ ،‬وإزالة العقل بالكلية ‪ ،‬وأخبر أنها ل تحملهم‬
‫على الكلم السيئ الفارغ عن الفائدة المتضمن هَذ ََيانا وُفحشا ‪ ،‬وأخبر بحسن‬
‫ن ل ِفيَها غَوْ ٌ‬
‫ل‬ ‫شارِِبي َ‬ ‫ضاَء ل َذ ّةٍ ِلل ّ‬
‫منظرها ‪ ،‬وطيب طعمها ومخبرها فقال ‪ } :‬ب َي ْ َ‬
‫ن عَن َْها َول‬ ‫عو َ‬
‫صد ّ ُ‬‫ن { ] الصافات ‪ ، [ 47 ، 46 :‬وقال } ل ي ُ ْ َ‬ ‫م عَن َْها ُينزُفو َ‬ ‫َول هُ ْ‬
‫َ‬
‫سا ل لغْوٌ ِفيَها‬ ‫ن ِفيَها ك َأ ً‬ ‫عو َ‬ ‫ن { ] الواقعة ‪ ، [ 19 :‬وقال هاهنا ‪ } :‬ي َت ََناَز ُ‬ ‫ُينزُفو َ‬
‫م{‬ ‫ْ‬
‫َول ت َأِثي ٌ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(2/509‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬إسناد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(1631‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬فيها"‪.‬‬

‫) ‪(7/434‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ص بِ ِ‬
‫عٌر ن َت ََرب ّ ُ‬
‫شا ِ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫م يَ ُ‬‫ن )‪ (29‬أ ْ‬ ‫جُنو ٍ‬ ‫ن وََل َ‬
‫م ْ‬ ‫ك بِ َ‬
‫كاهِ ٍ‬ ‫مةِ َرب ّ َ‬‫ت ب ِن ِعْ َ‬ ‫فَذ َك ّْر فَ َ‬
‫ما أن ْ َ‬
‫ن )‪(31‬‬‫صي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مت ََرب ّ ِ‬ ‫م َ‬
‫م ِ‬‫معَك ُ ْ‬‫صوا فَإ ِّني َ‬ ‫ل ت ََرب ّ ُ‬‫ن )‪ (30‬قُ ْ‬ ‫مُنو ِ‬‫ب ال ْ َ‬
‫َري ْ َ‬
‫َ‬
‫دمهم‬ ‫خ َ‬ ‫ن { ‪ :‬إخبار عن َ‬ ‫مك ُْنو ٌ‬ ‫م ل ُؤْل ُؤ ٌ َ‬ ‫م ك َأن ّهُ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫ما ٌ‬‫م ِغل ْ َ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫طو ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫شمهم في الجنة كأنهم اللؤلؤ الرطب ‪ ،‬المكنون في حسنهم وبهائهم )‪(1‬‬ ‫ح َ‬ ‫و َ‬
‫ب‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وا ٍ‬‫ن ب ِأك َ‬ ‫دو َ‬‫خل ُ‬ ‫م َ‬
‫ن ُ‬ ‫دا ٌ‬‫م وِل َ‬‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫ونظافتهم وحسن ملبسهم ‪ ،‬كما قال } ي َطو ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ] الواقعة ‪.[ 18 ، 17 :‬‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫وَأَباِريقَ وَك َأ َ ٍ‬
‫ن { أي ‪ :‬أقبلوا يتحادثون‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫ض ي َت َ َ‬
‫م عَلى ب َعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ َ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأقْب َ َ‬
‫ويتساءلون عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا ‪ ،‬وهذا كما يتحادث أهل الشراب‬
‫على شرابهم إذا أخذ فيهم الشراب بما كان من أمرهم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬قد كنا في الدار الدنيا ونحن‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫} َقاُلوا إ ِّنا ك ُّنا قَب ْ ُ‬
‫قي َ‬ ‫ف ِ‬‫ش ِ‬ ‫ل ِفي أهْل َِنا ُ‬
‫ه عَل َي َْنا‬‫ن الل ّ ُ‬‫م ّ‬‫بين أهلنا خائفين من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه ‪ } ،‬فَ َ‬
‫موم ِ { أي ‪ :‬فتصدق علينا وأجارنا مما نخاف‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَوََقاَنا عَ َ‬
‫عوهُ { أي ‪ :‬نتضرع إليه فاستجاب ]الله[ )‪ (2‬لنا وأعطانا‬ ‫ل ن َد ْ ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫} إ ِّنا ك ُّنا ِ‬
‫م{‬ ‫حي ُ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ الب َّر الّر ِ‬ ‫سؤلنا ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫وقد ورد في هذا المقام حديث ‪ ،‬رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده‬
‫فقال ‪ :‬حدثنا سلمة بن شبيب ‪ ،‬حدثنا سعيد بن دينار ‪ ،‬حدثنا الربيع بن صبيح ‪،‬‬
‫عن الحسن ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا‬
‫دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الخوان ‪ ،‬فيجيء سرير هذا حتى يحاذي‬
‫سرير هذا ‪ ،‬فيتحدثان ‪ ،‬فيتكئ هذا ويتكئ هذا ‪ ،‬فيتحدثان بما كان في الدنيا ‪،‬‬
‫فيقول أحدهما لصاحبه ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬تدري أي يوم غفر الله لنا ؟ يوم كنا في‬
‫موضع كذا وكذا ‪ ،‬فدعونا الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فغفر لنا"‪.‬‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬ل نعرفه ي ُْرَوى إل بهذا السناد )‪.(3‬‬
‫قلت ‪ :‬وسعيد بن دينار الدمشقي قال أبو حاتم ‪ :‬هو مجهول ‪ ،‬وشيخه الربيع‬
‫بن صبيح قد تكلم فيه غير واحد من جهة حفظه ‪ ،‬وهو رجل صالح ثقة في‬
‫نفسه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمرو بن عبد الله الوْدِيّ ‪ ،‬حدثنا َوكيع ‪ ،‬عن‬
‫حى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عائشة ؛ أنها قرأت هذه‬ ‫العمش ‪ ،‬عن أبي الض َ‬
‫و‬
‫ه هُ َ‬ ‫عوه ُ إ ِن ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن قب ْل ن َد ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫موم ِ إ ِّنا كّنا ِ‬ ‫س ُ‬‫ب ال ّ‬ ‫ذا َ‬‫ه عَل َي َْنا وَوَقاَنا عَ َ‬
‫َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫الية ‪ } :‬فَ َ‬
‫م ّ‬
‫ن علينا وقنا عذاب السموم ‪ ،‬إنك أنت البر‬ ‫م ّ‬‫م { فقالت ‪ :‬اللهم ُ‬ ‫حي ُ‬ ‫ال ْب َّر الّر ِ‬
‫الرحيم‪ .‬قيل للعمش ‪ :‬في الصلة ؟ قال ‪ :‬نعم )‪.(4‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ص‬
‫عٌر ن َت ََرب ّ ُ‬ ‫شا ِ‬‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫ن )‪ (29‬أ ْ‬ ‫جُنو ٍ‬ ‫م ْ‬‫ن َول َ‬ ‫كاهِ ٍ‬‫ك بِ َ‬ ‫مةِ َرب ّ َ‬
‫ت ب ِن ِعْ َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫} فَذ َك ّْر فَ َ‬
‫ن )‪{ (31‬‬ ‫صي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مت ََرب ّ ِ‬ ‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬‫صوا فَإ ِّني َ‬ ‫ل ت ََرب ّ ُ‬ ‫ن )‪ (30‬قُ ْ‬ ‫مُنو ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬‫ب ِهِ َري ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬وبياضهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬مسند البزار برقم )‪" (3553‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (10/421‬رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن دينار والربيع بن صبيح وهما‬
‫ضعيفان وقد وثقا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في شعيب‬
‫اليمان كما في الدر المنثور للسيوطي )‪.(7/634‬‬

‫) ‪(7/435‬‬

‫ل َل‬ ‫َ‬ ‫أ َم تأ ْمرهُم أ َحَلمهم به َ َ‬


‫قوّل َ ُ‬
‫ه بَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن تَ َ‬ ‫م يَ ُ‬
‫ن )‪ (32‬أ ْ‬ ‫غو َ‬‫طا ُ‬ ‫م َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫م هُ ْ‬
‫ذا أ ْ‬ ‫ْ َ ُ ُ ْ ْ ُ ُْ ْ ِ َ‬
‫ن )‪(34‬‬ ‫قي‬ ‫د‬‫صا‬
‫َ ِ ِ َ‬ ‫نوا‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن )‪ (33‬فَل ْي َأُتوا ِ َ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫دي‬ ‫ح‬‫ب‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬
‫َ‬ ‫} أ َم تأ ْمرهُم أ َحلمهم به َ َ‬
‫قوّل َ ُ‬
‫ه بَ ْ‬
‫لل‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن تَ َ‬ ‫م يَ ُ‬
‫ن )‪ (32‬أ ْ‬ ‫غو َ‬ ‫م َ‬
‫طا ُ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫م هُ ْ‬ ‫ذا أ ْ‬ ‫ْ َ ُ ُ ْ ْ ُْ ُ ْ ِ َ‬
‫ن )‪{ (34‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫َ‬
‫ن كاُنوا َ‬ ‫مث ْل ِهِ إ ِ ْ‬
‫ث ِ‬ ‫دي ٍ‬
‫ح ِ‬ ‫ن )‪ (33‬فَل ْي َأُتوا ب ِ َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬

‫) ‪(7/435‬‬

‫يقول )‪ (1‬تعالى آمرا رسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬بأن يبلغ رسالته‬
‫إلى عباده ‪ ،‬وأن يذكرهم بما أنزل الله عليه‪ .‬ثم نفى عنه ما يرميه به أهل‬
‫ك بِ َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫جُنو ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ن َول َ‬ ‫كاهِ ٍ‬ ‫مةِ َرب ّ َ‬ ‫ت ب ِن ِعْ َ‬‫ما أن ْ َ‬ ‫البهتان والفجور فقال ‪ } :‬فَذ َك ّْر فَ َ‬
‫لست بحمد الله بكاهن كما تقوله )‪ (2‬الجهلة من كفار قريش‪ .‬والكاهن ‪:‬‬
‫الذي يأتيه الرئي من الجان بالكلمة يتلقاها من خبر السماء ‪َ } ،‬ول‬
‫ن { ‪ :‬وهو الذي يتخبطه الشيطان من المس‪.‬‬ ‫جُنو ٍ‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫ثم قال تعالى منكرا عليهم في قولهم في الرسول ‪ ،‬صلوات الله وسلمه‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬قوارع الدهر‪.‬‬ ‫مُنو ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ص ب ِهِ َري ْ َ‬‫عٌر ن َت ََرب ّ ُ‬
‫شا ِ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫م يَ ُ‬
‫عليه ‪ } :‬أ ْ‬
‫والمنون ‪ :‬الموت ‪ :‬يقولون ‪ :‬ننظره ونصبر عليه حتى يأتيه الموت فنستريح‬
‫ن{‬ ‫صي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مت ََرب ّ ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬
‫صوا فَإ ِّني َ‬ ‫منه ومن شأنه ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل ت ََرب ّ ُ‬
‫أي ‪ :‬انتظروا فإني منتظر معكم ‪ ،‬وستعلمون لمن تكون العاقبة والّنصرة في‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن‬ ‫قال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن عبد الله بن أبي ن َ ِ‬
‫عباس ‪ :‬إن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال قائل منهم ‪ :‬احتبسوه )‪ (3‬في وثاق ‪ ،‬ثم تربصوا به ريب المنون‬
‫حتى يهلك ‪ ،‬كما هلك من هلك قبله من الشعراء ‪ :‬زهير والنابغة ‪ ،‬إنما هو‬
‫َ‬
‫ب‬‫ص ب ِهِ َري ْ َ‬
‫عٌر ن َت ََرب ّ ُ‬
‫شا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫كأحدهم‪ .‬فأنزل الله في ذلك من قولهم ‪ } :‬أ ْ‬
‫ن { )‪.(4‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫مُنو ِ‬
‫ذا { أي ‪ :‬عقولهم تأمرهم بهذا الذي‬ ‫م ب ِهَ َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬أ َم تأ ْمرهُ َ‬
‫مهُ ْ‬‫حل ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ُ ُ ْ‬
‫يقولونه فيك من القوال الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور ؟‬
‫طا ُ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ولكن هم قوم ضلل معاندون ‪ ،‬فهذا هو الذي‬ ‫غو َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬
‫م هُ ْ‬
‫}أ ْ‬
‫يحملهم على ما قالوه فيك‪.‬‬
‫َ‬
‫ه { أي ‪ :‬اختلقه وافتراه من عند نفسه ‪ ،‬يعنون‬ ‫قوّل َ ُ‬ ‫ن تَ َ‬‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫وقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬كفرهم هو الذي يحملهم )‪ (5‬على‬ ‫مُنو َ‬ ‫ل ل ي ُؤْ ِ‬ ‫القرآن ‪ :‬قال الله ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬إن كانوا صادقين‬
‫صادِِقي َ‬
‫كاُنوا َ‬‫ن َ‬ ‫مث ْل ِهِ إ ِ ْ‬
‫ث ِ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫هذه المقالة‪ } .‬فَل ْي َأُتوا ب ِ َ‬
‫وله وافتراه" فليأتوا بمثل ما جاء به محمد ]صلى الله عليه‬ ‫في قولهم ‪َ" :‬تق ّ‬
‫وسلم[ )‪ (6‬من هذا القرآن ‪ ،‬فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الرض من‬
‫الجن والنس ‪ ،‬ما جاءوا بمثله ‪ ،‬ول بعشر سور ]من[ )‪ (7‬مثله ‪ ،‬ول بسورة‬
‫من مثله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬يقوله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬احبسوه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (27/19‬من طريق ابن إسحاق به‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬حملهم"‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من م‪.‬‬

‫) ‪(7/436‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ت َواْلْر َ‬
‫ض‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫قوا ال ّ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (35‬أ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م ال ْ َ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫يٍء أ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن غَي ْرِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫خزائ ِن رب َ َ‬ ‫َ‬
‫م ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن )‪ (37‬أ ْ‬ ‫سي ْط ُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫م َ َ ُ َ ّ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن )‪ (36‬أ ْ‬ ‫ل َل ُيوقُِنو َ‬ ‫بَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫ت وَلك ُ‬ ‫ه الب ََنا ُ‬ ‫مل ُ‬ ‫ن )‪ (38‬أ ْ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫معُهُ ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ن ِفيهِ فَلي َأ ِ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫م الغَي ْ ُ‬ ‫عن ْد َهُ ُ‬‫م ِ‬ ‫ن )‪ (40‬أ ْ‬ ‫قلو َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫مغَْرم ٍ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جًرا فَهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سألهُ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن )‪ (39‬أ ْ‬ ‫ال ْب َُنو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫م ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (42‬أ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫فُروا هُ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫دا َفال ّ ِ‬ ‫ن ك َي ْ ً‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ن )‪ (41‬أ ْ‬ ‫م ي َك ْت ُُبو َ‬ ‫فَهُ ْ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫شرِكو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ن اللهِ عَ ّ‬ ‫ّ‬ ‫حا َ‬‫سب ْ َ‬ ‫ّ‬
‫ه غي ُْر اللهِ ُ‬ ‫َ‬ ‫إ ِل َ ٌ‬

‫ض‬ ‫خل َ ُ‬ ‫َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن غَي ْرِ َ‬ ‫َ‬


‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫قوا ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (35‬أ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫يٍء أ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫}أ ْ‬
‫َ‬ ‫خزائ ِن رب َ َ‬ ‫َ‬
‫م ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن )‪ (37‬أ ْ‬ ‫سي ْط ُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫م َ َ ُ َ ّ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن )‪ (36‬أ ْ‬ ‫َبل ل ُيوقُِنو َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ت وَلك ُ‬ ‫ه الب ََنا ُ‬ ‫مل ُ‬ ‫ن )‪ (38‬أ ْ‬ ‫مِبي ٍ‬‫ن ُ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫معُهُ ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ن ِفيهِ فَلي َأ ِ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سل ّ ٌ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫م الغَي ْ ُ‬ ‫عن ْد َهُ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن )‪ (40‬أ ْ‬ ‫قلو َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫مغَْرم ٍ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫جًرا فَهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سألهُ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن )‪ (39‬أ ْ‬ ‫ال ْب َُنو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن )‪ (42‬أ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫كي ُ‬ ‫م ِ‬‫م ال ْ َ‬ ‫فُروا هُ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫دا َفال ّ ِ‬ ‫ن ك َي ْ ً‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ن )‪ (41‬أ ْ‬ ‫م ي َك ْت ُُبو َ‬ ‫فَهُ ْ‬
‫ن )‪{ (43‬‬ ‫شرِكو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ن اللهِ عَ ّ‬ ‫ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ّ‬
‫ه غي ُْر اللهِ ُ‬ ‫َ‬ ‫إ ِل َ ٌ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد اللوهية ‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬أ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬أوجدوا من غير موجد ؟ أم هم أوجدوا‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫غَي ْرِ َ‬
‫قو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫يٍء أ ْ‬ ‫ش ْ‬
‫أنفسهم ؟ أي ‪ :‬ل هذا ول هذا ‪ ،‬بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم‬
‫يكونوا شيئا مذكورا‪.‬‬
‫ميديّ ‪ ،‬حدثنا سفيان قال ‪ :‬حدثوني عن الزهري ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا ال ُ‬
‫عن محمد بن جبير ابن مطعم ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت النبي صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫ن غَي ْ ِ‬
‫ر‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫قوا ِ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وسلم يقرأ في المغرب بالطور ‪ ،‬فلما بلغ هذه الية ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن‪ .‬أ ْ‬ ‫ض َبل ل ُيوقُِنو َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫قوا ال ّ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن‪ .‬أ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م ال ْ َ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫يٍء أ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫خزائ ِن رب َ َ‬
‫ن { كاد قلبي أن يطير )‪.(1‬‬ ‫سي ْط ُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ َ ُ َ ّ‬
‫وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طرق ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به )‪ .(2‬وجبير‬
‫بن مطعم كان قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر في‬
‫فداء السارى ‪ ،‬وكان إذ ذاك مشركا ‪ ،‬وكان سماعه هذه الية من هذه‬
‫السورة من جملة ما حمله على الدخول في السلم بعد ذلك‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬أهم‬ ‫خل َ ُ‬ ‫َ‬
‫ض َبل ل ُيوقُِنو َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫قوا ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬أ ْ‬
‫خلقوا السموات والرض ؟ وهذا إنكار عليهم في شركهم بالله ‪ ،‬وهم يعلمون‬
‫أنه الخالق وحده ‪ ،‬ل شريك له‪ .‬ولكن عدم إيقانهم هو الذي يحملهم على‬
‫خزائ ِن رب َ َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أهم يتصرفون في‬ ‫سي ْط ُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫م هُ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫م َ َ ُ َ ّ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ذلك ‪ } ،‬أ ْ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬المحاسبون‬ ‫سي ْط ُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫الملك وبيدهم مفاتيح الخزائن ‪ } ،‬أ ْ‬
‫للخلئق ‪ ،‬ليس المر كذلك ‪ ،‬بل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬هو المالك المتصرف الفعال‬
‫لما يريد‪.‬‬
‫ن ِفيهِ { أي ‪ :‬مرقاة إلى المل العلى ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫م لهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬فليأت الذي يستمع لهم بحجة‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫معُهُ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫} فَل ْي َأ ِ‬
‫ظاهرة‪.‬‬
‫على صحة ما هم فيه من الفعال والمقال ‪ ،‬أي ‪ :‬وليس لهم سبيل إلى ذلك ‪،‬‬
‫فليسوا على شيء ‪ ،‬ول لهم دليل‪.‬‬
‫ثم قال منكرا عليهم فيما نسبوه إليه من البنات ‪ ،‬وجعلهم الملئكة إناثا ‪،‬‬
‫واختيارهم لنفسهم الذكور على الناث ‪ ،‬بحيث إذا بشر أحدهم بالنثى ظل‬
‫وجهه مسودا وهو كظيم‪ .‬هذا وقد جعلوا الملئكة بنات الله ‪ ،‬وعبدوهم مع‬
‫َ‬
‫ن { وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ‪،‬‬ ‫م ال ْب َُنو َ‬ ‫ت وَل َك ُ ُ‬ ‫ه ال ْب ََنا ُ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫الله ‪ ،‬فقال ‪ } :‬أ ْ‬
‫جًرا { أي ‪ :‬أجرة على إبلغك إياهم رسالة الله ؟ أي ‪ :‬لست‬ ‫} أ َم تسأ َل ُه َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ْ ُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬فهم )‪ (3‬من أدنى‬ ‫قلو َ‬‫ُ‬ ‫مث ْ َ‬‫مغَْرم ٍ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫تسألهم على ذلك شيئا ‪ } ،‬فَهُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب فَهُ ْ‬
‫م‬ ‫م الغَي ْ ُ‬ ‫عن ْد َهُ ُ‬‫م ِ‬ ‫شيء يتبرمون منه ‪ ،‬ويثقلهم ويشق عليهم ‪ } ،‬أ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ليس المر كذلك ‪ ،‬فإنه ل يعلم أحد من أهل السموات‬ ‫ي َك ْت ُُبو َ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬ ‫كي ُ‬
‫م ِ‬‫م ال ْ َ‬ ‫فُروا هُ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫دا َفال ّ ِ‬ ‫ن ك َي ْ ً‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫والرض الغيب إل الله ‪ } ،‬أ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬أم يريد هؤلء بقولهم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(4854‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (4023) ، (765‬وصحيح مسلم برقم )‪.(463‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فإنهم"‪.‬‬

‫) ‪(7/437‬‬

‫حّتى‬‫م َ‬ ‫م )‪ (44‬فَذ َْرهُ ْ‬ ‫كو ٌ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ب َ‬


‫حا ٌ‬
‫س َ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ساقِ ً‬
‫طا ي َ ُ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫س ً‬‫ن ي ََرْوا ك ِ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫شي ًْئا وَل هُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬ ‫َ‬
‫م ل ي ُغِْني عَن ْهُ ْ‬ ‫ن )‪ (45‬ي َوْ َ‬ ‫قو َ‬ ‫صعَ ُ‬
‫ذي ِفيهِ ي ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ي َُلُقوا ي َوْ َ‬
‫ك ول َك َ‬
‫ن)‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ َ ِ ّ‬ ‫ذاًبا ُدو َ‬ ‫موا عَ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬‫ن )‪ (46‬وَإ ِ ّ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي ُن ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫م )‪ (48‬وَ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫مد ِ َرب ّك ِ‬ ‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫حكم ِ َرب ّك فَإ ِن ّك ب ِأعْي ُن َِنا وَ َ‬
‫سب ّ ْ‬ ‫صب ِْر ل ِ ُ‬ ‫‪َ (47‬وا ْ‬
‫جوم ِ )‪(49‬‬ ‫ه وَإ ِد َْباَر الن ّ ُ‬ ‫ح ُ‬‫سب ّ ْ‬‫ل فَ َ‬ ‫الل ّي ْ ِ‬
‫هذا في الرسول وفي الدين غرور الناس وكيد الرسول وأصحابه ‪ ،‬فكيدهم‬
‫َ‬
‫م إ ِل َ ٌ‬
‫ه‬ ‫م ل َهُ ْ‬
‫إنما يرجع وباله على أنفسهم ‪ ،‬فالذين كفروا هم المكيدون ‪ } ،‬أ ْ‬
‫ن {‪ .‬وهذا إنكار شديد على المشركين في‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن الل ّهِ عَ ّ‬
‫ما ي ُ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫غَي ُْر الل ّهِ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫عبادتهم الصنام والنداد مع الله‪ .‬ثم نزه نفسه الكريمة عما يقولون ويفترون‬
‫ن{‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ عَ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ويشركون ‪ ،‬فقال ‪ُ } :‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م )‪ (44‬فذْرهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مْركو ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫س َ‬ ‫قولوا َ‬ ‫ُ‬ ‫ساقِطا ي َ ُ‬ ‫ً‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫س ً‬ ‫ن ي ََرْوا ك ِ ْ‬ ‫} وَإ ِ ْ‬
‫شي ًْئا َول‬ ‫م َ‬ ‫ه‬ ‫د‬
‫َُْ ْ ْ ُ ُ ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ني‬ ‫ُْ ِ‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫َ ْ َ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫(‬ ‫‪45‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫ِ ِ ُ ْ َ‬‫ص‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ ْ َ ُ ُ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫يل‬
‫حّتى ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫با‬‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫موا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪46‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َْ ُ َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ ِ ّ‬ ‫ً ُ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َِ ّ ِ ِ َ‬ ‫هُ ْ ُ ْ َ ُ َ‬
‫رو‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ن‬ ‫مد ِ َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ك فَإ ِن ّ َ‬ ‫حك ْم ِ َرب ّ َ‬
‫م َ‬ ‫م )‪ (48‬وَ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫ك ب ِأعْي ُن َِنا وَ َ‬ ‫صب ِْر ل ِ ُ‬ ‫)‪َ (47‬وا ْ‬
‫جوم ِ )‪{ (49‬‬ ‫ه وَإ ِد َْباَر الن ّ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سب ّ ْ‬‫ل فَ َ‬ ‫الل ّي ْ ِ‬
‫ن ي ََرْوا‬ ‫يقول تعالى مخبرا عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫قوُلوا { أي ‪ :‬عليهم يعذبون به ‪ ،‬لما صدقوا ولما )‬ ‫طا ي َ ُ‬ ‫ساقِ ً‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫س ً‬ ‫كِ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬متراكم‪ .‬وهذه كقوله‬ ‫ُ‬
‫مْركو ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫س َ‬ ‫‪ (1‬أيقنوا ‪ ،‬بل يقولون ‪ :‬هذا } َ‬
‫ما‬‫قالوا إ ِن ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬ل َ‬ ‫جو َ‬ ‫ماِء فَظلوا ِفيهِ ي َعُْر ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م َباًبا ِ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَل َوْ فَت َ ْ‬
‫َ‬
‫ن { ] الحجر ‪ .[ 15 ، 14 :‬قال الله‬ ‫حوُرو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَوْ ٌ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫صاُرَنا ب َ ْ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫سك َّر ْ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫ذي ِفي ِ‬ ‫م ال ِ‬‫ّ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫حّتى ُيلُقوا ي َوْ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬فذرهم { أي ‪ :‬دعهم ‪ -‬يا محمد ‪َ } -‬‬
‫شي ْئا { أي ‪ :‬ل‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫م كي ْد ُهُ ْ‬ ‫م ل ي ُغِْني عَن ْهُ ْ‬ ‫ن { ‪ ،‬وذلك يوم القيامة ‪ } ،‬ي َوْ َ‬ ‫قو َ‬ ‫صعَ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫ينفعهم كيدهم ومكرهم الذي استعملوه في الدنيا ‪ ،‬ل ُيجدي عنهم يوم القيامة‬
‫ن{‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬ ‫شيئا ‪َ } ،‬ول هُ ْ‬
‫ك { أي ‪ :‬قبل ذلك في الدار الدنيا‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫دو‬
‫َ ً ُ َ‬ ‫با‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫موا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬
‫ثم قال ‪ } :‬وَإ ِ ّ ِ ِ َ‬
‫ذي‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫ب الك ْب َرِ ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫ب الد َْنى ُدو َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫قن ّهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَل َن ُ ِ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ن { ] السجدة ‪ ، [ 21 :‬ولهذا قال ‪ } :‬وَل َك ِ ّ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي َْر ِ‬
‫نعذبهم في الدنيا ‪ ،‬ونبتليهم فيها بالمصائب ‪ ،‬لعلهم يرجعون وينيبون )‪ ، (2‬فل‬
‫يفهمون ما يراد بهم ‪ ،‬بل إذا جلي عنهم مما كانوا فيه ‪ ،‬عادوا إلى أسوأ )‪(3‬‬
‫ما كانوا عليه ‪ ،‬كما جاء في بعض الحاديث ‪" :‬إن المنافق إذا مرض وعوفي‬
‫مثله في ذلك كمثل البعير ‪ ،‬ل يدري فيما عقلوه ول فيما أرسلوه" )‪ .(4‬وفي‬
‫الثر اللهي ‪ :‬كم أعصيك ول تعاقبني ؟ قال الله ‪ :‬يا عبدي ‪ ،‬كم أعافيك )‪(5‬‬
‫وأنت ل تدري ؟‬
‫حكم ِ َرب ّك فَإ ِن ّك ب ِأعْي ُن َِنا { أي ‪ :‬اصبر على أذاهم ول تبالهم ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫صب ِْر ل ِ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫فإنك بمرأى منا وتحت كلءتنا ‪ ،‬والله يعصمك من الناس‪.‬‬
‫م { قال الضحاك ‪ :‬أي إلى الصلة ‪:‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مد ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫سبحانك اللهم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ينسون"‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬أشر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪ (3089‬من حديث عامر الرام رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أعاقبك"‪.‬‬

‫) ‪(7/438‬‬

‫وبحمدك ‪ ،‬وتبارك اسمك ‪ ،‬وتعالى جدك ‪ ،‬ول إله غيرك‪.‬‬


‫وقد روي مثله عن الربيع بن أنس ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪،‬‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫وروى مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن عمر أنه كان يقول هذا في ابتداء الصلة )‪.(1‬‬
‫ورواه أحمد وأهل السنن ‪ ،‬عن أبي سعيد وغيره ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه كان يقول ذلك )‪.(2‬‬
‫م { أي ‪ :‬من نومك من‬ ‫قو ُ‬‫ن تَ ُ‬
‫حي َ‬ ‫َ‬
‫مدِ َرب ّك ِ‬
‫ح ْ‬
‫ح بِ َ‬
‫سب ّ ْ‬
‫وقال أبو الجوزاء ‪ } :‬وَ َ‬
‫فراشك‪ .‬واختاره ابن جرير ‪ :‬ويتأيد هذا القول بما رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫مير )‪ (3‬بن هانئ ‪ ،‬حدثني‬ ‫حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬حدثني عُ َ‬
‫جنادة بن أبي أمية ‪ ،‬حدثنا عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬من تعار من الليل فقال ‪ :‬ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬له‬
‫الملك وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ .‬سبحان الله ‪ ،‬والحمد لله ‪ ،‬ول‬
‫إله إل الله ‪ ،‬والله أكبر ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬رب اغفر لي ‪-‬‬
‫أو قال ‪ :‬ثم دعا ‪ -‬استجيب له ‪ ،‬فإن عزم فتوضأ ‪ ،‬ثم صلى تقبلت صلته"‪.‬‬
‫وأخرجه البخاري في صحيحه ‪ ،‬وأهل السنن ‪ ،‬من حديث الوليد بن مسلم ‪ ،‬به‬
‫)‪.(4‬‬
‫م { قال ‪ :‬من‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫َ‬
‫مد ِ َرب ّك ِ‬
‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬
‫سب ّ ْ‬‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ } :‬وَ َ‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫كل مجلس‪.‬‬
‫ن‬‫حي َ‬ ‫َ‬
‫مد ِ َرب ّك ِ‬ ‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬‫وقال الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ } :‬وَ َ‬
‫م { قال ‪ :‬إذا أراد الرجل أن يقوم من مجلسه قال ‪ :‬سبحانك اللهم‬ ‫قو ُ‬‫تَ ُ‬
‫وبحمدك‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم‬
‫الدمشقي ‪ ،‬حدثنا محمد ابن شعيب ‪ ،‬أخبرني طلحة بن عمرو الحضرمي ‪،‬‬
‫ن‬
‫حي َ‬ ‫ك ِ‬‫مد ِ َرب ّ َ‬‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬‫عن عطاء بن أبي رباح ؛ أنه حدثه عن قول الله ‪ } :‬وَ َ‬
‫م { يقول ‪ :‬حين تقوم من كل مجلس ‪ ،‬إن كنت أحسنت ازددت خيرا ‪،‬‬ ‫قو ُ‬‫تَ ُ‬
‫وإن كان غير ذلك كان هذا كفارة له‪.‬‬
‫جَزِري ‪،‬‬ ‫وقد قال عبد الرزاق في جامعه ‪ :‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن عبد الكريم ال َ‬
‫عن أبي عثمان الفقير ؛ أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام‬
‫من مجلسه أن يقول ‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل أنت ‪،‬‬
‫أستغفرك وأتوب إليك‪ .‬قال معمر ‪ :‬وسمعت غيره يقول ‪ :‬هذا القول كفارة‬
‫المجالس )‪(5‬‬
‫وهذا مرسل ‪ ،‬وقد وردت أحاديث مسندة من طرق ‪ -‬يقوي بعضها بعضا ‪-‬‬
‫سهَْيل بن )‪ (6‬أبي صالح ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬ ‫جَرْيج ‪ ،‬عن ُ‬ ‫بذلك ‪ ،‬فمن ذلك حديث ابن ُ‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(399‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (3/50‬وسنن أبي داود برقم )‪ (775‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (242‬وسنن النسائي )‪ (2/132‬وسنن ابن ماجة برقم )‪.(804‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (5/313‬وصحيح البخاري برقم )‪ (1154‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (5060‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3414‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪ (10697‬وسنن ابن ماجة برقم )‪.(3878‬‬
‫)‪ (5‬المصنف برقم )‪.(19796‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬عن"‪.‬‬

‫) ‪(7/439‬‬
‫من جلس في مجلس فكثر )‪ (1‬فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ‪:‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل أنت ‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك ‪ ،‬إل‬
‫غفر )‪ (2‬له ما كان في مجلسه ذلك"‪.‬‬
‫رواه الترمذي ‪ -‬وهذا لفظه ‪ -‬والنسائي في اليوم والليلة ‪ ،‬من حديث ابن‬
‫جريج‪ .‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال ‪:‬‬
‫إسناد على شرط مسلم ‪ ،‬إل أن البخاري علله )‪.(3‬‬
‫قلت ‪ :‬علله المام أحمد ‪ ،‬والبخاري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبو حاتم ‪ ،‬وأبو ُزَرعة ‪،‬‬
‫جَرْيج‪ .‬على أن أبا داود قد‬ ‫والدارقطني ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬ونسبوا الوهم فيه إلى ابن ُ‬
‫رواه في سننه من طريق غير )‪ (4‬ابن جريج إلى أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه )‪ (5‬ورواه أبو داود ‪ -‬واللفظ له‬
‫‪ -‬والنسائي ‪ ،‬والحاكم في المستدرك ‪ ،‬من طريق الحجاج بن دينار ‪ ،‬عن‬
‫هاشم )‪ (6‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي ب َْرَزة السلمي قال ‪ :‬كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس ‪" :‬سبحانك‬
‫اللهم وبحمدك ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل أنت ‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك"‪ .‬فقال‬
‫رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنك لتقول قول ما كنت تقوله فيما مضى ؟! قال ‪:‬‬
‫"كفارة لما يكون في المجلس" )‪.(7‬‬
‫وقد روي مرسل عن أبي العالية ‪ ،‬والله )‪ (8‬أعلم‪ .‬وهكذا رواه النسائي‬
‫ديج ‪،‬‬‫خ ِ‬‫والحاكم ‪ ،‬من حديث الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن رافع بن َ‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء )‪ (9‬وروي مرسل أيضا ‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪ .‬وكذا رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو ؛ أنه قال ‪" :‬كلمات ل يتكلم‬
‫بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلث مرات ‪ ،‬إل كفر بهن عنه ‪ ،‬ول يقولهن‬
‫في مجلس خير ومجلس ذكر ‪ ،‬إل ختم له بهن كما يختم بالخاتم على‬
‫الصحيفة ‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك" )‬
‫‪ (10‬وأخرجه الحاكم من حديث أم المؤمنين عائشة ‪ ،‬وصححه ‪ ،‬ومن رواية‬
‫جَبير بن مطعم )‪ (11‬ورواه أبو بكر السماعيلي عن أمير المؤمنين عمر بن‬ ‫ُ‬
‫الخطاب ‪ ،‬كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقد أفردت لذلك جزءا‬
‫على حدة بذكر طرقه وألفاظه وعلله ‪ ،‬وما يتعلق به ‪ ،‬ولله الحمد والمنة )‬
‫‪(12‬‬
‫ه { أي ‪ :‬اذكره واعبده بالتلوة والصلة في الليل‬ ‫ح ُ‬‫سب ّ ْ‬ ‫َ‬
‫لف َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللي ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ما‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ع‬‫ب‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫ك عَسى أ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫ه‬‫ب‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ه‬
‫ْ ِ ََ ّ ْ ِ ِ َ ِ ً‬‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫َ ً‬ ‫َ ّ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ َ‬
‫موًدا { ] السراء ‪.[ 79 :‬‬ ‫ح ُ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ‪" :‬فأكثر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬إل غفر الله له"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪ (3433‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪ (10230‬والمستدرك )‪.(1/536‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود برقم )‪.(4858‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬عن أبي هاشم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬سنن أبي داود برقم )‪ (4859‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪ (10259‬والمستدرك )‪.(1/537‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬فالله"‪.‬‬
‫)‪ (9‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (10260‬والمستدرك )‪.(1/537‬‬
‫)‪ (10‬سنن أبي داود برقم )‪.(4857‬‬
‫)‪ (11‬المستدرك )‪.(1/537‬‬
‫)‪ (12‬وقد ذكرت أحاديث كفارة المجلس عند تفسير الصافات في خاتمتها‪.‬‬

‫) ‪(7/440‬‬

‫جوم ِ { قد تقدم في حديث ابن عباس أنهما الركعتان‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِد َْباَر الن ّ ُ‬
‫اللتان قبل صلة الفجر ‪ ،‬فإنهما مشروعتان عند إدبار النجوم ‪ ،‬أي ‪ :‬عند‬
‫جنوحها للغيبوبة‪ .‬وقد روى )‪] (1‬في حديث[ )‪ (2‬ابن سيلن ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫عوهما ‪ ،‬وإن طردتكم الخيل"‪ .‬يعني ‪ :‬ركعتي الفجر )‪ (3‬رواه‬ ‫مرفوعا ‪" :‬ل ت َد َ ُ‬
‫أبو داود‪ .‬ومن هذا الحديث حكي عن بعض أصحاب المام أحمد القول‬
‫بوجوبهما ‪ ،‬وهو ضعيف لحديث ‪" :‬خمس صلوات في اليوم والليلة"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫هل علي غيرها )‪ (4‬؟ قال ‪" :‬ل إل أن تطوع" )‪ (5‬وقد ثبت في الصحيحين‬
‫عن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬أنها قالت ‪ :‬لم يكن رسول الله صلى الله عليه‬
‫دا منه على ركعتي الفجر )‪ (6‬وفي‬ ‫وسلم على شيء من النوافل أشد تعاه ً‬
‫لفظ لمسلم ‪" :‬ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" )‪(7‬‬
‫آخر تفسير سورة الطور ] والله أعلم[ )‪(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ورد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪.(1258‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬غيرهن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (46‬ومسلم في صحيحه برقم )‪(11‬‬
‫من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (1169‬وصحيح مسلم برقم )‪.(724‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم برقم )‪.(725‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/441‬‬

‫ن ال ْهَ َ‬
‫وى )‪(3‬‬ ‫ما ي َن ْط ِقُ عَ ِ‬ ‫ما غَ َ‬
‫وى )‪ (2‬وَ َ‬ ‫حب ُك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ض ّ‬
‫ل َ‬ ‫ما َ‬‫وى )‪َ (1‬‬ ‫جم ِ إ َِذا هَ َ‬
‫َوالن ّ ْ‬
‫حى )‪(4‬‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ل‬‫ّ‬
‫ن هُ َ ِ َ ْ ٌ ُ َ‬
‫يو‬ ‫ي‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫إِ ْ‬

‫تفسير سورة النجم‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا نصر بن علي ‪ ،‬أخبرني أبو أحمد ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن‬
‫ل سورة أنزلت فيها‬ ‫أبي إسحاق ‪ ،‬عن السود بن يزيد ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬أو ُ‬
‫جدة ‪ } :‬والّنجم { ‪ ،‬قال ‪ :‬فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد‬ ‫س ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫فا من ت َُراب فسجد عليه ‪ ،‬فرأيته بعد ذلك قِتل‬ ‫من خلفه ‪ ،‬إل رجل رأيته أخذ ك ّ‬
‫خَلف )‪.(1‬‬
‫كافًرا ‪ ،‬وهو أمية بن َ‬
‫وقد رواه البخاري أيضا في مواضع ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من‬
‫طرق ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬به )‪ .(2‬وقوله في الممتنع ‪ :‬إنه أمية بن خلف في‬
‫هذه الرواية مشكل ‪ ،‬فإنه قد جاء من غير هذه الطريق أنه عتبة بن ربيعة‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫وى )‬ ‫ن ال ْهَ َ‬‫ما ي َن ْط ِقُ عَ ِ‬ ‫وى )‪ (2‬وَ َ‬ ‫ما غَ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حب ُك ُ ْ‬
‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ما َ‬ ‫وى )‪َ (1‬‬ ‫جم ِ إ َِذا هَ َ‬‫} َوالن ّ ْ‬
‫حى )‪.{ (4‬‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ن هُوَ ِإل وَ ْ‬ ‫‪ (3‬إ ِ ْ‬
‫خلقه ‪ ،‬والمخلوق ل ينبغي له‬ ‫ْ‬ ‫سم بما شاء من َ‬ ‫قال الشعبي وغيره ‪ :‬الخالق ُيق ِ‬
‫أن يقسم إل بالخالق‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وى { فقال ابن‬ ‫جم ِ إ َِذا هَ َ‬ ‫واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى ‪َ } :‬والن ّ ْ‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬يعني بالنجم ‪ :‬الّثرّيا إذا سقطت مع الفجر‪ .‬وكذا ُروي‬ ‫أبي ن َ ِ‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬وسفيان الثوري‪ .‬واختاره ابن جرير‪ .‬وزعم السدي أنها‬
‫الزهرة‪.‬‬
‫وى { إذا ُرمي به الشياطين‪ .‬وهذا القول له‬ ‫جم ِ إ َِذا هَ َ‬ ‫وقال الضحاك ‪َ } :‬والن ّ ْ‬
‫اتجاه‪.‬‬
‫وى { يعني ‪ :‬القرآن‬ ‫جم ِ إ َِذا هَ َ‬ ‫وروى العمش ‪ ،‬عن مجاهد في قوله ‪َ } :‬والن ّ ْ‬
‫وَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مل ْ‬ ‫س ٌ‬ ‫ق َ‬ ‫هل َ‬ ‫م‪ .‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫جو ِ‬ ‫واقِِع الن ّ ُ‬ ‫م َ‬
‫م بِ َ‬‫س ُ‬ ‫إذا نزل‪ .‬وهذه الية كقوله تعالى ‪َ } :‬فل أقْ ِ‬
‫ن‪.‬‬‫مط َهُّرو َ‬ ‫ه ِإل ال ْ ُ‬‫س ُ‬‫م ّ‬ ‫ن‪ .‬ل ي َ َ‬ ‫مك ُْنو ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫م‪ِ .‬في ك َِتا ٍ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن كَ ِ‬ ‫قْرآ ٌ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫م‪ .‬إ ِن ّ ُ‬ ‫ظي ٌ‬‫ن عَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫ن { ] الواقعة ‪.[ 80 - 75 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫َتنزي ٌ‬
‫وى { هذا هو المقسم عليه ‪ ،‬وهو الشهادة‬ ‫َ‬
‫ما غ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫حب ُك ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫ضل َ‬ ‫ّ‬ ‫ما َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫للرسول ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬بأنه بار راشد تابع للحق ‪ ،‬ليس بضال ‪،‬‬
‫وهو ‪ :‬الجاهل الذي يسلك على غير طريق‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(4863‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (3972 ، 3853 ، 1070‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪ (576‬وسنن أبي داود برقم )‪ (1406‬وسنن النسائي )‪.(2/160‬‬

‫) ‪(7/442‬‬

‫دا إلى غيره ‪ ،‬فنزه الله‬ ‫بغير علم ‪ ،‬والغاوي ‪ :‬هو العالم بالحق العادل عنه قص ً‬
‫عه عن مشابهة أهل )‪ (2‬الضلل كالنصارى‬ ‫شْر َ‬ ‫]سبحانه وتعالى[ )‪ (1‬رسوله و َ‬
‫وطرائق اليهود ‪ ،‬وعن )‪ (3‬علم الشيء وكتمانه والعمل بخلفه ‪ ،‬بل هو‬
‫صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬وما بعثه الله به من الشرع العظيم في غاية‬
‫وى { أي ‪ :‬ما‬ ‫ن ال ْهَ َ‬‫ما ي َن ْط ِقُ عَ ِ‬
‫الستقامة والعتدال والسداد ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫حى { أي ‪ :‬إنما يقول ما‬ ‫ي ُيو َ‬
‫ح ٌ‬
‫ن هُوَ ِإل وَ ْ‬‫يقول قول عن هوى وغرض ‪ } ،‬إ ِ ْ‬
‫أمر به ‪ ،‬يبلغه إلى الناس كامل موفًّرا من غير زيادة ول نقصان ‪ ،‬كما رواه‬
‫المام أحمد‪.‬‬
‫سَرة ‪ ،‬عن أبي‬ ‫مي ْ َ‬
‫ريز بن عثمان ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن َ‬ ‫ح ِ‬
‫حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫ن الجنة‬‫أمامة ؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬ليدخل ّ‬
‫ضر"‪.‬‬‫م َ‬‫ل الحيين ‪ -‬أو ‪ :‬مثل أحد الحيين ‪َ : -‬رِبيعة و ُ‬ ‫بشفاعة رجل ليس بنبي مث ُ‬
‫فقال رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أو ما ربيعة من مضر ؟ قال ‪" :‬إنما أقول ما‬
‫أقول" )‪.(4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن عَُبيد الله بن الخنس ‪ ،‬أخبرنا‬
‫هك ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو قال ‪ :‬كنت‬ ‫ما َ‬
‫الوليد بن عبد الله ‪ ،‬عن يوسف بن َ‬
‫أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه ‪،‬‬
‫فنهتني قريش فقالوا ‪ :‬إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله ‪ ،‬ورسول‬
‫ت عن الكتاب ‪،‬‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم بشر ‪ ،‬يتكلم في الغضب‪ .‬فأمسك ُ‬
‫فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬اكتب ‪ ،‬فوالذي‬
‫نفسي بيده ‪ ،‬ما خرج مني إل حق"‪.‬‬
‫دد وأبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬كلهما عن يحيى بن سعيد‬ ‫س ّ‬‫م َ‬
‫ورواه أبو داود عن ُ‬
‫ق ّ‬
‫طان ‪ ،‬به )‪.(5‬‬ ‫ال َ‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا أحمد بن منصور ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن‬
‫جلن ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبي صالح ‪،‬‬ ‫صالح ‪ ،‬حدثنا الليث ‪ ،‬عن ابن عَ ْ‬
‫عن أبي هَُريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ما أخبرتكم أنه الذي‬
‫ك فيه"‪ .‬ثم قال ‪ :‬ل نعلمه ُيرَوى إل بهذا السناد‬‫ش ّ‬
‫من عند الله ‪ ،‬فهو الذي ل َ‬
‫)‪.(6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا ليث ‪ ،‬عن محمد ‪ ،‬عن سعيد بن أبي‬
‫سعيد ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ل‬
‫أقول إل حقا"‪ .‬قال بعض أصحابه ‪ :‬فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬إني ل‬
‫أقول إل حقا" )‪.(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬أصحاب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬وهي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (5/257‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/381‬رجال أحمد‬
‫رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ميسرة وهو ثقة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (2/162‬وسنن أبي داود برقم )‪.(3646‬‬
‫)‪ (6‬مسند البزار برقم )‪" (203‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (1/179‬فيه أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة ‪ ،‬وفيه كلم ل يضر وبقية‬
‫رجاله رجال الصحيح ‪ ،‬وعبد الله بن صالح مختلف فيه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (2/340‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (1990‬من طريق‬
‫المقبري به وقال ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح"‪.‬‬

‫) ‪(7/443‬‬

‫َ‬ ‫وى )‪ (6‬وَهُوَ ِباْل ُفُ‬


‫م د ََنا‬ ‫ق اْلعَْلى )‪ (7‬ث ُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ست َ َ‬‫مّرةٍ َفا ْ‬ ‫وى )‪ُ (5‬ذو ِ‬ ‫ق َ‬‫ديد ُ ال ْ ُ‬ ‫ه َ‬
‫ش ِ‬ ‫عَل ّ َ‬
‫م ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حى )‪(10‬‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫حى إ َِلى عَب ْدِهِ َ‬ ‫ن أوْ أد َْنى )‪ (9‬فَأوْ َ‬ ‫سي ْ ِ‬‫ب قَوْ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫كا َ‬ ‫فَت َد َّلى )‪ (8‬فَ َ‬
‫َ‬
‫قد ْ َرآه ُ ن َْزل َ ً‬ ‫ما ي ََرى )‪ (12‬وَل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫ماُرون َ ُ‬ ‫ما َرأى )‪ (11‬أفَت ُ َ‬ ‫ؤاد ُ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ما ك َذ َ َ‬ ‫َ‬
‫شى‬ ‫مأَوى )‪ (15‬إ ِذ ْ ي َغْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ة ال َْ‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ها‬‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫(‬ ‫‪14‬‬ ‫)‬ ‫هى‬ ‫ت‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫(‬ ‫‪13‬‬ ‫)‬ ‫رى‬ ‫ُ‬
‫ِ ْ َ َ َ ّ ُ‬ ‫ِ ْ َ ِ َْ ِ ُ ََْ‬ ‫أ ْ َ‬
‫خ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ت َرب ّ ِ‬ ‫ن آ ََيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ْ َرأى ِ‬ ‫ما ط ََغى )‪ (17‬ل َ َ‬ ‫صُر وَ َ‬ ‫ما َزاغَ ال ْب َ َ‬ ‫شى )‪َ (16‬‬ ‫ما ي َغْ َ‬ ‫سد َْرة َ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ال ْك ُب َْرى )‪(18‬‬

‫م د ََنا‬‫ق العَْلى )‪ (7‬ث ُ ّ‬ ‫‪ (6‬وَهُوَ ِبالفُ ِ‬ ‫وى )‬ ‫ست َ َ‬‫مّرةٍ َفا ْ‬ ‫وى )‪ُ (5‬ذو ِ‬ ‫ديد ُ ال ْ ُ‬
‫ق َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬‫} عَل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حى )‪(10‬‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫حى إ َِلى عَب ْدِهِ َ‬ ‫ن أوْ أد َْنى )‪ (9‬فَأوْ َ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫ب قَوْ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫كا َ‬ ‫فَت َد َّلى )‪ (8‬فَ َ‬
‫قد ْ َرآهُ نزل َ ً‬ ‫ما ي ََرى )‪ (12‬وَل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫ماُرون َ ُ‬ ‫ما َرأى )‪ (11‬أفَت ُ َ‬ ‫ؤاد ُ َ‬ ‫ف َ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ما ك َذ َ َ‬ ‫َ‬
‫شى‬ ‫مأَوى )‪ (15‬إ ِذ ْ ي َغْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ة ال َْ‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ها‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫(‬ ‫‪14‬‬ ‫)‬ ‫هى‬ ‫ت‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫(‬ ‫‪13‬‬ ‫)‬ ‫رى‬ ‫ُ‬
‫ِ ْ َ َ َ ّ ُ‬ ‫ِ ْ َ ِ َْ ِ ُ ََْ‬ ‫أ ْ َ‬
‫خ‬
‫َ‬ ‫ما ط ََغى )‪ (17‬ل َ َ‬
‫ه‬
‫ت َرب ّ ِ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ْ َرأى ِ‬ ‫صُر وَ َ‬ ‫ما َزاغَ ال ْب َ َ‬ ‫شى )‪َ (16‬‬ ‫ما ي َغْ َ‬ ‫سد َْرة َ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ال ْك ُب َْرى )‪.{ (18‬‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه عَّلمه‬
‫وى { ‪ ،‬وهو جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كما‬ ‫ق َ‬‫ديد ُ ال ْ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫الذي جاء به إلى الناس } َ‬
‫َ‬
‫مطاٍع ث َ ّ‬
‫م‬ ‫ن‪ُ .‬‬ ‫ْ‬ ‫م‪ِ .‬ذي قُوّةٍ ِ‬ ‫ل كَ ِ‬ ‫قو ْ ُ‬‫ه لَ َ‬
‫كي ٍ‬ ‫م ِ‬‫ش َ‬ ‫عن ْد َ ِذي العَْر ِ‬ ‫ري ٍ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قال ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫ن { ] التكوير ‪.[ 21 - 19 :‬‬ ‫َ‬
‫مي ٍ‬‫أ ِ‬
‫مّرةٍ { أي ‪ :‬ذو قوة‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬ ‫وقال هاهنا ‪ُ } :‬ذو ِ‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬ذو منظر حسن‪.‬‬
‫خْلق طويل حسن‪.‬‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬ذو َ‬
‫ول منافاة بين القولين ؛ فإنه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ذو منظر حسن ‪ ،‬وقوة شديدة‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة وابن عمرو )‪ (1‬أن النبي‬
‫ي" )‪.(2‬‬ ‫سو ِ ّ‬‫ذي مّرة َ‬ ‫ي ‪ ،‬ول ل ِ ِ‬‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل تحل الصدقة لغن ّ‬
‫وى { يعني ‪ :‬جبريل ‪ ،‬عليه السلم‪ .‬قاله مجاهد والحسن‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فا ْ‬
‫ست َ َ‬
‫وقتادة ‪ ،‬والربيع بن أنس‪.‬‬
‫ق العَْلى { يعني ‪ :‬جبريل ‪ ،‬استوى في الفق العلى‪ .‬قاله‬ ‫} وَهُوَ ِبالفُ ِ‬
‫عكرمة وغير واحد‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬والفق العلى ‪ :‬الذي يأتي منه الصبح‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هو مطلع الشمس‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هو الذي يأتي منه النهار‪.‬‬
‫وكذا قال ابن زيد ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫صّرف بن عمرو اليامي أبو‬ ‫م َ‬ ‫عة ‪ ،‬حدثنا ُ‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫القاسم ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن طلحة بن مصرف ‪ ،‬حدثني أبي ‪،‬‬
‫عن الوليد ‪ -‬هو ابن قيس ‪ -‬عن إسحاق بن أبي الك َهْت ََلة أظنه ذكره عن عبد‬
‫الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير جبريل في صورته‬
‫إل مرتين ‪ ،‬أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الفق‪ .‬وأما الثانية‬
‫ق العَْلى {‪.‬‬‫فإنه كان معه حيث صعد ‪ ،‬فذلك )‪ (3‬قوله ‪ } :‬وَهُوَ ِبالفُ ِ‬
‫وقد قال ابن جرير هاهنا قول لم أره لغيره ‪ ،‬ول حكاه هو عن أحد ‪ ،‬وحاصله ‪:‬‬
‫وى { أي ‪ :‬هذا الشديد القوى ذو المرة هو‬ ‫أنه ذهب إلى أن المعنى ‪َ } :‬فا ْ‬
‫ست َ َ‬
‫َ‬
‫ق العْلى { أي ‪ :‬استويا جميعا‬ ‫ومحمد صلى الله عليهما وسلم } ِبالفُ ِ‬
‫بالفق ‪ ،‬وذلك ليلة السراء كذا قال ‪ ،‬ولم يوافقه أحد على ذلك‪ .‬ثم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ابن عمرو وأبي هريرة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬حديث عبد الله بن عمرو ‪ :‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪(1634‬‬
‫والترمذي في السنن برقم )‪ (652‬عن ريحان بن يزيد عنه وحديث أبي هريرة‬
‫‪ :‬رواه النسائي في السنن )‪ (5/99‬وابن ماجه في السنن برقم )‪ (1839‬عن‬
‫سالم بن أبي الجعد عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬فكذلك"‪.‬‬

‫) ‪(7/444‬‬

‫شرع يوجه ما قال من حيث العربية فقال ‪ :‬وهذا كقوله تعالى ‪ } :‬أ َئ ِ َ‬
‫ذا ك ُّنا‬
‫ت َُراًبا َوآَباؤَُنا { ] النمل ‪ ، [ 67 :‬فعطف بالباء على المكّنى في } كنا { من‬
‫وى‪ .‬وَهُوَ { قال ‪ :‬وذكر الفراء عن‬ ‫غير إظهار "نحن" ‪ ،‬فكذلك قوله ‪َ } :‬فا ْ‬
‫ست َ َ‬
‫بعض العرب أنه أنشده ‪:‬‬
‫ف )‪(1‬‬‫ص ُ‬
‫مَتق ّ‬
‫سَتوي والخْروعُ ال ُ‬ ‫عوُده‪ ...‬ول ي َ ْ‬ ‫صل ُ ُ‬
‫ب ُ‬ ‫ن النبعَ ي َ ْ‬
‫ألم ت ََر أ ّ‬
‫وهذا الذي قاله من جهة العربية متجه ‪ ،‬ولكن ل يساعده المعنى على ذلك ؛‬
‫ل الله صلى‬ ‫فإن هذه الرؤية لجبريل لم تكن ليلة السراء ‪ ،‬بل قبلها ‪ ،‬ورسو ُ‬
‫الله عليه وسلم في الرض ‪ ،‬فهبط عليه جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وتدلى إليه ‪،‬‬
‫فاقترب منه وهو على الصورة التي خلقه الله عليها ‪ ،‬له ستمائة جناح ‪ ،‬ثم‬
‫رآه بعد ذلك نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ‪ ،‬يعني ليلة السراء ‪ ،‬وكانت هذه‬
‫الرؤية الولى في أوائل البعثة بعد ما جاءه جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أول مرة ‪،‬‬
‫فأوحى الله إليه صدر سورة "اقرأ" ‪ ،‬ثم فتر الوحي فترة ذهب النبي صلى‬
‫م بذلك ناداه‬ ‫الله عليه وسلم فيها مرارا ليتردى من رؤوس الجبال ‪ ،‬فكلما هَ ّ‬
‫جبريل من الهواء ‪" :‬يا محمد ‪ ،‬أنت رسول الله حقا ‪ ،‬وأنا جبريل"‪ .‬فيسكن‬
‫دى له‬ ‫لذلك جأشه ‪ ،‬وتقر عينه ‪ ،‬وكلما طال عليه المر عاد لمثلها ‪ ،‬حتى ت َب َ ّ‬
‫جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البطح في صورته التي خلقه‬
‫ظم خلقه الفق ‪ ،‬فاقترب منه )‪(2‬‬ ‫الله عليها ‪ ،‬له ستمائة جناح قد سد عُ ْ‬
‫مَلك‬‫وأوحى إليه عن الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ما أمره به ‪ ،‬فعرف عند ذلك عظمة ال َ‬
‫دره ‪ ،‬وعلوّ مكانته عند خالقه الذي بعثه إليه‪.‬‬ ‫الذي جاءه بالرسالة ‪ ،‬وجللة قَ ْ‬
‫فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده حيث قال ‪:‬‬
‫شِبيب ‪ ،‬حدثنا سعيد بن منصور ‪ ،‬حدثنا الحارث بن عبيد ‪ ،‬عن‬ ‫حدثنا سلمة بن َ‬
‫وني ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬ ‫ج ْ‬
‫أبي عمران ال َ‬
‫َ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فوَكز بين كتفي ‪،‬‬
‫فقمت إلى شجرة فيها ك َوَك َْري الطير ‪ ،‬فقعد في أحدهما وقعدت في الخر‪.‬‬
‫دت الخافقين وأنا أقلب طرفي ‪ ،‬ولو شئت أن‬ ‫س ّ‬
‫مت وارتفعت حتى َ‬ ‫فَ َ‬
‫س َ‬
‫ت‬‫ط )‪ ، (3‬فعرف ُ‬ ‫أمس السماء لمسست ‪ ،‬فالتفت إلي جبريل كأنه حْلس ل ٍ‬
‫ب من أبواب السماء ورأيت النور العظم ‪،‬‬ ‫فضل عْلمه بالله علي‪ .‬وفُِتح لي با ٌ‬
‫وإذا دون الحجاب رفرفة الدر والياقوت‪ .‬وأوحى إلي ما شاء الله أن يوحي"‪.‬‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬ل يرويه إل الحارث بن عبيد ‪ ،‬وكان رجل مشهورا من أهل‬
‫البصرة )‪.(4‬‬
‫قلت ‪ :‬الحارث بن عَُبيد هذا هو أبو قدامة اليادي ‪ ،‬أخرج له مسلم في‬
‫صحيحه إل أن ابن معين ضّعفه ‪ ،‬وقال ‪ :‬ليس هو بشيء‪ .‬وقال المام أحمد ‪:‬‬
‫مضطرب الحديث‪ .‬وقال أبو حاتم الرازي ‪ :‬كتب حديثه ول يحتج به‪ .‬وقال ابن‬
‫همه فل يجوز الحتجاج به إذا انفرد‪ .‬فهذا الحديث من غرائب‬ ‫حبان ‪ :‬ك َُثر وَ َ‬
‫رواياته ‪ ،‬فإن فيه نكارة وغرابة ألفاظ وسياًقا عجيبا ‪ ،‬ولعله منام ‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن أبي وائل ‪،‬‬
‫عن عبد الله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البيت في تفسير الطبري )‪ (27/25‬وهو لجرير بن عطية‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬وأقرب منه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬لطي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬مسند البزار برقم )‪.(58‬‬

‫) ‪(7/445‬‬

‫قال ‪ :‬رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة‬
‫سد ّ الفق ‪ ،‬يسقط من جناحه من التهاويل والدر‬ ‫جناح ‪ ،‬كل جناح منها قد َ‬
‫والياقوت ما الله به عليم )‪ .(1‬انفرد به أحمد )‪.(2‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن إدريس بن‬
‫من َّبه ‪ ،‬عن وهب بن منبه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬سأل النبي صلى الله عليه‬ ‫ُ‬
‫وسلم جبريل أن يراه في صورته ‪ ،‬فقال ‪ :‬ادع ربك‪ .‬فدعا ربه ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫فطلع عليه سواد من قبل المشرق ‪ ،‬فجعل يرتفع وينتشر ‪ ،‬فلما رآه النبي‬
‫دقه‪.‬‬ ‫ش ْ‬ ‫شه ومسح البزاق عن ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم صِعق ‪ ،‬فأتاه فَن َعَ َ‬
‫انفرد به أحمد )‪ .(3‬وقد رواه ابن عساكر في ترجمة "عتبة بن أبي لهب" ‪،‬‬
‫من طريق محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن عثمان بن عروة بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫هَّبار بن السود قال ‪ :‬كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام ‪ ،‬فتجهزت‬
‫معهما ‪ ،‬فقال ابنه عتبة ‪ :‬والله لنطلقن إلى محمد ولوذينه في ربه ‪ ،‬سبحانه‬
‫‪ ،‬فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هو يكفر‬
‫بالذي دنى فتدلى ‪ ،‬فكان قاب قوسين أو أدنى‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬اللهم ابعث إليه كلبا من كلبك"‪ .‬ثم انصرف عنه فرجع إلى أبيه‬
‫فقال ‪ :‬يا بني ‪ ،‬ما قلت له ؟ فذكر له ما قال له ‪ ،‬قال ‪ :‬فما قال لك ؟ قال ‪:‬‬
‫ن عليك‬ ‫قال ‪ :‬يا بني ‪ ،‬والله ما آم ُ‬ ‫قال ‪" :‬اللهم سلط عليه كلبا من كلبك"‬
‫معة راهب ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫صوْ َ‬‫دة ‪ ،‬ونزلنا إلى َ‬ ‫س َ‬ ‫ُدعاءه‪ .‬فسرنا حتى نزلنا الشراة ‪ ،‬وهي مأ َ‬
‫سد ُ فيها‬‫فقال الراهب ‪ :‬يا معشر العرب ‪ ،‬ما أنزلكم هذه البلد فإنها تسرح ال ْ‬
‫كما تسرح الغنم ؟ فقال لنا أبو لهب ‪ :‬إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي ‪ ،‬وإن‬
‫هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة ً ‪ -‬والله ‪ -‬ما آمنها عليه ‪ ،‬فاجمعوا متاعكم‬
‫إلى هذه الصومعة ‪ ،‬وافرشوا لبني عليها ‪ ،‬ثم افرشوا حولها‪ .‬ففعلنا ‪ ،‬فجاء‬
‫قّبض ‪ ،‬فوثب ‪ ،‬فإذا هو فوق‬ ‫م وجوهنا ‪ ،‬فلما لم يجد ما يريد ت َ َ‬ ‫ش ّ‬ ‫السد فَ َ‬
‫فضخ رأسه‪ .‬فقال أبو لهب ‪ :‬قد عرفت‬ ‫المتاع ‪ ،‬فشم وجهه ثم هزمه هَْزمة فَ َ‬
‫أنه ل ينفلت عن دعوة محمد )‪.(4‬‬
‫ن أ َوْ أ َد َْنى { أي ‪ :‬فاقترب جبريل إلى محمد لما‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫ب قَوْ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫كا َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫هبط عليه إلى الرض ‪ ،‬حتى كان بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم قاب‬
‫دا‪ .‬قاله )‪ (5‬مجاهد ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬ ‫م ّ‬ ‫قوسين أي ‪ :‬بقدرهما إذا ُ‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن المراد بذلك ُبعد ُ ما بين وتر القوس إلى كبدها‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬أ َوْ أ َد َْنى { قد تقدم أن هذه الصيغة تستعمل في اللغة لثبات‬
‫ن ب َعْد ِ ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫ت قُُلوب ُك ُ ْ‬ ‫م قَ َ‬
‫س ْ‬ ‫المخبر عنه ونفي ما زاد عليه ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫سوَة ً { ] البقرة ‪ ، [ 74 :‬أي ‪ :‬ما هي بألين من‬ ‫شد ّ ق َ ْ‬ ‫جاَرةِ أ َوْ أ َ َ‬ ‫ح َ‬‫كال ْ ِ‬
‫ي َ‬ ‫فَهِ َ‬
‫الحجارة ‪ ،‬بل هي مثلها أو تزيد عليها في الشدة والقسوة‪ .‬وكذا قوله ‪:‬‬
‫ة { ] النساء ‪ ، [ 77 :‬وقوله ‪:‬‬ ‫شي َ ً‬‫خ ْ‬‫شد ّ َ‬ ‫شي َةِ الل ّهِ أ َوْ أ َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫س كَ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬
‫} يَ ْ‬
‫ن { ]الصافات ‪، [147 :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫زي ُ‬‫ف أوْ ي َ ِ‬ ‫مائةِ أل ٍ‬ ‫سلَناه ُ إ ِلى ِ‬ ‫} وَأْر َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أعلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(1/395‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(1/322‬‬
‫)‪ (4‬لم أجد ترجمة عتبة بن أبي لهب في تاريخ دمشق المخطوط ول في‬
‫مختصره لبن منظور‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫) ‪(7/446‬‬

‫أي ‪ :‬ليسوا أقل منها بل هم مائة ألف حقيقة ‪ ،‬أو يزيدون عليها‪ .‬فهذا تحقيق‬
‫للمخبر به ل شك ول تردد )‪ ، (1‬فإن هذا ممتنع هاهنا ‪ ،‬وهكذا هذه الية ‪:‬‬
‫ن أ َوْ أ َد َْنى {‪.‬‬ ‫ب قَوْ َ‬
‫سي ْ ِ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫} فَ َ‬
‫كا َ‬
‫وهذا الذي قلناه من أن هذا المقترب الداني الذي صار بينه وبين محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬إنما هو جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬هو قول أم المؤمنين عائشة‬
‫‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬وأبي ذر ‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬كما سنورد أحاديثهم قريبا إن شاء‬
‫الله‪ .‬وروى مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن ابن عباس أنه قال ‪" :‬رأى محمد ربه‬
‫بفؤاده مرتين" )‪ .(2‬فجعل هذه إحداهما‪ .‬وجاء في حديث شريك بن أبي‬
‫نمر ‪ ،‬عن أنس في حديث السراء ‪" :‬ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى" ولهذا‬
‫تكلم )‪ (3‬كثير من الناس في متن هذه الرواية ‪ ،‬وذكروا أشياء فيها من‬
‫الغرابة ‪ ،‬فإن صح فهو محمول على وقت آخر وقصة أخرى ‪ ،‬ل أنها تفسير‬
‫لهذه الية ؛ فإن هذه كانت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الرض ل‬
‫من ْت ََهى {‬‫سد َْرةِ ال ْ ُ‬ ‫عن ْد َ ِ‬
‫خَرى‪ِ .‬‬ ‫ة أُ ْ‬ ‫قد ْ َرآهُ نزل َ ً‬‫ليلة السراء ؛ ولهذا قال بعده ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫‪ ،‬فهذه هي ليلة السراء والولى كانت في الرض‪.‬‬
‫وقد قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫الواحد بن زياد ‪ ،‬حدثنا سليمان الشيباني ‪ ،‬حدثنا زر بن حبيش قال ‪ :‬قال عبد‬
‫ن أ َوْ أ َد َْنى { ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬ ‫سي ْ ِ‬‫ب قَوْ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫كا َ‬‫الله بن مسعود في هذه الية ‪ } :‬فَ َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬رأيت جبريل له ستمائة جناح" )‪.(4‬‬
‫وقال ابن وهب ‪ :‬حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬عن أبي السود ‪ ،‬عن عُْرَوة ‪ ،‬عن عائشة‬
‫ل شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه‬ ‫قالت ‪ :‬كان أو َ‬
‫جبريل بأجياد ‪ ،‬ثم إنه خرج ليقضي حاجته فصرخ به جبريل ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا‬
‫محمد‪ .‬فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينا وشمال فلم ير شيًئا )‪(5‬‬
‫‪ -‬ثلثا ‪ -‬ثم رفع بصره فإذا هو ثان إحدى رجليه مع )‪ (6‬الخرى على أفق‬
‫كنه ‪ -‬فهرب النبي صلى الله‬ ‫ل ‪ُ -‬يس ّ‬ ‫السماء فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬جبريل ‪ ،‬جبري ُ‬
‫عليه وسلم حتى دخل في الناس ‪ ،‬فنظر فلم ير شيًئا ‪ ،‬ثم خرج من الناس ‪،‬‬
‫ثم نظر فرآه ‪ ،‬فدخل في الناس فلم ير شيًئا ‪ ،‬ثم خرج فنظر فرآه ‪ ،‬فذلك‬
‫وى )‪{ [ (7‬‬ ‫ما غَ َ‬ ‫حب ُك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ما َ‬ ‫وى‪َ ] .‬‬ ‫جم ِ إ َِذا هَ َ‬‫قول الله عز وجل ‪َ } :‬والن ّ ْ‬
‫ن‬ ‫ب قَوْ َ‬
‫سي ْ ِ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫م د ََنا فَت َد َّلى { يعني جبريل إلى محمد ‪ } ،‬فَكا َ‬
‫َ‬ ‫إلى قوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫أ َوْ أ َد َْنى { ‪ :‬ويقولون ‪ :‬القاب نصف الصبع‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬ذراعين كان‬
‫بينهما‪.‬‬
‫رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث ابن وهب )‪ .(8‬وفي حديث‬
‫الزهري عن أبي سلمة ‪ ،‬عن جابر شاهد لهذا‪.‬‬
‫وروى البخاري عن ط َْلق بن غنام ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬عن الشيباني قال ‪ :‬سألت زّرا‬
‫عن قوله ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ول ترديد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪.(176‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬ولهذا قد تكلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(27/27‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬أحدا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(27/27‬‬

‫) ‪(7/447‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫كان َقاب قَوسي َ َ‬


‫حى { قال ‪ :‬حدثنا عبد‬ ‫حى إ َِلى عَب ْدِهِ َ‬
‫ما أوْ َ‬ ‫ن أوْ أد َْنى‪ .‬فَأوْ َ‬
‫ْ َ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫} فَ َ َ‬
‫الله أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح )‪.(1‬‬
‫زيع البغدادي ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن منصور ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني ابن ب َ ِ‬
‫ما‬‫إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن يزيد ‪ ،‬عن عبد الله ‪َ } :‬‬
‫ما َرَأى { قال ‪ :‬رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل‬ ‫ف َ‬
‫ؤاد ُ َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ك َذ َ َ‬
‫عليه حلتا )‪ (2‬رفرف ‪ ،‬قد مل ما بين السماء والرض )‪.(3‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حى { معناه ‪ :‬فأوحى‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫حى إ َِلى عَب ْدِهِ َ‬ ‫فعلى ما ذكرناه يكون قوله ‪ } :‬فَأوْ َ‬
‫جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى‪ .‬أو ‪ :‬فأوحى الله إلى عبده محمد ما‬
‫أوحى بواسطة جبريل وكل المعنيين صحيح ‪ ،‬وقد ُذكر عن سعيد بن جبير في‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حى { ‪ ،‬قال ‪ :‬أوحى إليه ‪" :‬ألم أجدك يتيما"‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫حى إ َِلى عَب ْدِهِ َ‬ ‫قوله ‪ } :‬فَأوْ َ‬
‫ك { ] الشرح ‪.[ 4 :‬‬ ‫ك ذِك َْر َ‬ ‫} ‪ ،‬وََرفَعَْنا ل َ َ‬
‫وقال غيره ‪ :‬أوحى ]الله[ )‪ (4‬إليه أن الجنة محرمة على النبياء حتى تدخلها ‪،‬‬
‫وعلى المم حتى تدخلها أمتك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫ما ي ََرى { قال مسلم ‪:‬‬ ‫ه عَلى َ‬ ‫ما َرأى‪ .‬أفَت ُ َ‬
‫ماُرون َ ُ‬ ‫ف َ‬
‫ؤاد ُ َ‬ ‫ما ك َذ َ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫صين ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا َوكيع ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن زياد بن ُ‬
‫قد ْ َرآهُ‬‫ما َرَأى { ‪ } ،‬وَل َ‬
‫َ‬ ‫ؤاد ُ َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫ما ك َذ َ َ‬ ‫عن أبي العالية ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬‬
‫خَرى { قال ‪ :‬رآه بفؤاده مرتين )‪.(5‬‬ ‫ة أُ ْ‬‫نزل َ ً‬
‫ماك ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬مثله‪ .‬وكذا قال أبو صالح‬ ‫س َ‬ ‫وكذا رواه ِ‬
‫سدي وغيرهما ‪ :‬إنه رآه بفؤاده مرتين ]أو مرة[ )‪ ، (6‬وقد خالفه ابن‬ ‫وال ّ‬
‫مسعود وغيره )‪ ، (7‬وفي رواية عنه أنه أطلق الرؤية ‪ ،‬وهي محمولة على‬
‫المقيدة بالفؤاد‪ .‬ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب ‪ ،‬فإنه ل يصح في ذلك‬
‫ل البغوي في تفسيره ‪ :‬وذهب‬ ‫شيء عن الصحابة ‪ ،‬رضي الله عنهم ‪ ،‬وقو ُ‬
‫ن وعكرمة‪ .‬فيه نظر ‪ ،‬والله‬ ‫جماعة إلى أنه رآه بعينه ‪ ،‬وهو قول أنس والحس ُ‬
‫أعلم )‪.(8‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حدثنا محمد بن عمرو بن ن َْبهان )‪ (9‬بن صفوان ‪ ،‬حدثنا يحيى‬
‫سْلم بن جعفر ‪ ،‬عن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن‬ ‫بن كثير العنبري ‪ ،‬عن َ‬
‫صاُر‬
‫ه الب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬رأى محمد ربه‪ .‬قلت ‪ :‬أليس الله يقول ‪ } :‬ل ت ُد ْرِك ُ‬
‫جلى بنوره الذي‬ ‫صاَر { ]النعام ‪ [103 :‬قال ‪ :‬ويحك! ذاك إذا ت َ َ‬ ‫ك الب ْ َ‬ ‫وَهُوَ ي ُد ْرِ ُ‬
‫هو ُنوُره ‪ ،‬وقد رأى ربه مرتين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(4857‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ليا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(27/29‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(176‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬ابن عمرو عنه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬انظر تفسير البغوي )‪.(7/403‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬منهال"‪.‬‬

‫) ‪(7/448‬‬

‫ثم قال ‪ :‬حسن غريب )‪.(1‬‬


‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن مجالد ‪ ،‬عن الشعبي‬
‫قال ‪ :‬لقي ابن عباس كعًبا بعرفة ‪ ،‬فسأله عن شيء فك َّبر حتى جاوبته الجبال‬
‫‪ ،‬فقال ابن عباس ‪ :‬إنا بنو هاشم فقال كعب ‪ :‬إن الله قسم رؤيته وكلمه بين‬
‫محمد وموسى ‪ ،‬فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين‪ .‬وقال مسروق ‪:‬‬
‫ت على عائشة فقلت ‪ :‬هل رأى محمد ربه ؟ فقالت ‪ :‬لقد تكلمت بشيء‬ ‫دخل ُ‬
‫ت َرب ّهِ ال ْك ُب َْرى {‬ ‫يا‬‫آ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫أى‬‫قد ر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫قرأ‬ ‫ثم‬ ‫‪،‬‬ ‫دا‬ ‫وي‬‫ر‬ ‫‪:‬‬ ‫فقلت‬ ‫شعري‪.‬‬ ‫له‬ ‫قَ ّ‬
‫ف‬
‫ِ ْ َ ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ً‬
‫ب بك ؟ إنما هو جبريل من أخبرك أن محمدا رأى ربه أو‬ ‫فقالت ‪ :‬أين ُيذهَ ُ‬
‫عن ْد َهُ‬
‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫كتم شيئا مما أمَر به ‪ ،‬أو يعلم الخمس التي قال الله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ث { ]لقمان ‪ ، [34 :‬فقد أعظم الفرية )‪ ، (2‬ولكنه‬ ‫ل ال ْغَي ْ َ‬
‫ساعَةِ وَُينز ُ‬ ‫م ال ّ‬‫عل ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫رأى جبريل ‪ ،‬لم يره في صورته إل مرتين ‪ ،‬مرة عند سدرة المنتهى ومرة‬
‫في جياد )‪ ، (3‬وله ستمائة جناح قد سد الفق )‪.(4‬‬
‫وقال النسائي ‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثني أبي‬
‫حّلة‬‫‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬أتعجبون أن تكون ال ُ‬
‫لبراهيم ‪ ،‬والكلم لموسى ‪ ،‬والرؤية لمحمد ‪ ،‬عليهم السلم ؟! )‪.(5‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي ذر قال ‪ :‬سألت رسول الله صلى الله عليه وآله‬
‫ت ربك ؟ فقال ‪" :‬نوٌر أّنى أراه"‪ .‬وفي رواية ‪" :‬رأيت نورا" )‬ ‫وسلم ‪ :‬هل رأي َ‬
‫‪.(6‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد ‪ ،‬عن موسى بن‬
‫عبيدة َ ‪ ،‬عن محمد بن كعب قال ‪ :‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬رأيت )‪ (7‬ربك ؟‬ ‫ُ‬
‫ما َرَأى {‪.‬‬‫ُ َ‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ؤا‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قرأ‬ ‫ثم‬ ‫مرتين"‬ ‫بفؤادي‬ ‫"رأيته‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬
‫مهَْران ‪ ،‬عن موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن‬ ‫ميد ‪ ،‬عن ِ‬ ‫ح َ‬‫ن جرير ‪ ،‬عن ابن ُ‬ ‫ورواه اب ُ‬
‫محمد بن كعب ‪ ،‬عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬قلنا ‪:‬‬
‫يا رسول الله ‪ ،‬هل رأيت ربك ؟ قال ‪" :‬لم أره بعيني ‪ ،‬ورأيته بفؤادي مرتين"‬
‫م د ََنا فَت َد َّلى { )‪.(8‬‬ ‫ثم تل } ث ُ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي برقم )‪.(3279‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬أعظم على الله الفرية"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬أجنادين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي برقم )‪.(3278‬‬
‫)‪ (5‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11539‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪.(178‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬هل رأيت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(27/27‬‬

‫) ‪(7/449‬‬

‫ثم قال ابن أبي حاتم ‪ :‬وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫ما ك َذ َ َ‬
‫ب‬ ‫عبد الله النصاري ‪ ،‬أخبرني عَّباد بن منصور قال ‪ :‬سألت عكرمة ‪َ } :‬‬
‫ما َرَأى { ‪ ،‬فقال عكرمة ‪ :‬تريد أن أخبرك أنه قد رآه ؟ قلت ‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫ف َ‬
‫ؤاد ُ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قال ‪ :‬قد رآه ‪ ،‬ثم قد رآه‪ .‬قال ‪ :‬فسألت عنه الحسن فقال ‪ :‬رأى جلله‬
‫ظمته وِرداَءه‪.‬‬ ‫وع َ َ‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن مجاهد ‪ ،‬حدثنا أبو عامر العقدي ‪ ،‬أخبرنا أبو‬
‫سِئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬هل‬ ‫خلدة ‪ ،‬عن أبي العالية قال ‪ُ :‬‬
‫رأيت ربك ؟ قال ‪" :‬رأيت نهرا ‪ ،‬ورأيت وراء النهر حجابا ‪ ،‬ورأيت وراء‬
‫الحجاب نورا لم أر غير" )‪.(1‬‬
‫وذلك غريب جدا ‪ ،‬فأما الحديث الذي رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬رأيت ربي عز‬
‫وجل" )‪.(2‬‬
‫فإنه حديث إسناده على شرط الصحيح ‪ ،‬لكنه مختصر من حديث المنام كما‬
‫رواه المام أحمد أيضا ‪:‬‬
‫مر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن أبي ِقلبة عن ابن عباس ؛‬ ‫معْ َ‬
‫حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬أتاني ربي الليلة في أحسن‬
‫صورة ‪ -‬أحسبه يعني في النوم ‪ -‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أتدري فيم يختصم المل‬
‫ي‬
‫العلى ؟" قال ‪" :‬قلت ‪ :‬ل‪ .‬فوضع يده بين كتفي حتى وجدت ب َْرَدها بين ثدي ّ‬
‫ري ‪ -‬فعلمت ما في السموات وما في الرض ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬يا‬ ‫ح ِ‬
‫‪ -‬أو قال ‪ :‬ن َ ْ‬
‫محمد ‪ ،‬هل تدري فيم يختصم المل العلى ؟" قال ‪" :‬قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬يختصمون‬
‫في الكفارات والدرجات"‪ .‬قال ‪" :‬وما الكفارات والدرجات ؟" قال ‪" :‬قلت ‪:‬‬
‫معات )‬ ‫ج ُ‬
‫المكث في المساجد بعد الصلوات ‪ ،‬والمشي على القدام إلى ال ُ‬
‫‪ ، (3‬وإبلغ الوضوء في المكاره ‪ ،‬من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير ‪،‬‬
‫وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه‪ .‬وقال ‪ :‬قل يا محمد إذا صليت ‪ :‬اللهم ‪،‬‬
‫ب المساكين ‪ ،‬وإذا أردت‬ ‫إني أسألك الخيرات )‪ (4‬وترك المنكرات ‪ ،‬وح ّ‬
‫ل الطعام ‪،‬‬ ‫بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون"‪ .‬قال ‪" :‬والدرجات ب َذ ْ ُ‬
‫وإفشاء السلم ‪ ،‬والصلة بالليل والناس نيام" )‪.(5‬‬
‫وقد تقدم في آخر سورة "ص" ‪ ،‬عن معاذ نحوه )‪ .(6‬وقد رواه ابن جرير من‬
‫وجه آخر عن ابن عباس ‪ ،‬وفيه سياق آخر وزيادة غريبة فقال ‪:‬‬
‫سّيار ‪ ،‬حدثني‬ ‫مر بن َ‬ ‫حدثني أحمد بن عيسى التميمي ‪ ،‬حدثني سليمان بن عُ َ‬
‫أبي ‪ ،‬عن سعيد بن َزْرِبي ‪ ،‬عن عمر بن سليمان )‪ ، (7‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬رأيت ربي في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه ابن المنذر كما في الدر المنثور )‪ (7/648‬وهو مرسل‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(1/285‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬الجماعات"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬إني أسألك فعل الخيرات"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(1/368‬‬
‫)‪ (6‬انظر تفسير الية ‪ 69 :‬من سورة "ص"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬سليم"‪.‬‬

‫) ‪(7/450‬‬

‫أحسن صورة فقال لي ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هل تدري فيم يختصم المل العلى ؟‬
‫ي ‪ ،‬فعلمت ما‬ ‫فقلت ‪ :‬ل يا رب‪ .‬فوضع يده بين كتفي فوجدت ب َْرَدها بين ثدي ّ‬
‫في السموات والرض ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رب ‪ ،‬في الدرجات والكفارات ‪ ،‬ونقل‬
‫معات )‪ ، (1‬وانتظار الصلة بعد الصلة‪ .‬فقلت ‪ :‬يا رب إنك‬ ‫ج ُ‬
‫القدام إلى ال ُ‬
‫ت موسى تكليما ‪ ،‬وفعلت وفعلت ‪ ،‬فقال ‪ :‬ألم‬ ‫اتخذت إبراهيم خليل وكلم َ‬
‫أشرح لك صدرك ؟ ألم أضع عنك وِْزَرك ؟ ألم أفعل بك ؟ ألم أفعل ؟ قال ‪:‬‬
‫"فأفضى إلي بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها" قال ‪" :‬فذاك قوله في كتابه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كان َقاب قَوسي َ َ‬
‫ما‬
‫حى‪َ .‬‬ ‫حى إ َِلى عَب ْدِهِ َ‬
‫ما أوْ َ‬ ‫ن أوْ أد َْنى‪ .‬فَأوْ َ‬
‫ْ َ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫م د ََنا فَت َد َّلى‪ .‬فَ َ َ‬
‫‪ } :‬ثُ ّ‬
‫ما َرَأى { ‪ ،‬فجعل نور بصري في فؤادي ‪ ،‬فنظرت إليه بفؤادي"‪.‬‬ ‫ؤاد ُ َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫ك َذ َ َ‬
‫إسناده ضعيف )‪.(2‬‬
‫وقد ذكر الحافظ ابن عساكر بسنده إلى هَّبار بن السود ‪ ،‬رضي الله عنه ؛‬
‫أن عتبة بن أبي لهب لما خرج في تجارة إلى الشام قال لهل مكة ‪ :‬اعلموا‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫أني كافر بالذي دنا فتدلى‪ .‬فبلغ قوله رسو َ‬
‫ط الله عليه كلبا من كلبه"‪ .‬قال هبار ‪ :‬فكنت معهم ‪ ،‬فنزلنا‬ ‫سل ّ َ‬ ‫فقال ‪َ " :‬‬
‫بأرض كثيرة السد ‪ ،‬قال ‪ :‬فلقد رأيت السد جاء فجعل يشم رؤوس القوم‬
‫واحدا واحدا ‪ ،‬حتى تخطى إلى عتبة فاقتطع رأسه من بينهم )‪.(3‬‬
‫وذكر ابن إسحاق وغيره في السيرة ‪ :‬أن ذلك كان بأرض الزرقاء ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫بالسراة ‪ ،‬وأنه خاف ليلتئذ ‪ ،‬وأنهم جعلوه بينهم وناموا من حوله ‪ ،‬فجاء السد‬
‫فجعل يزأر ‪ ،‬ثم تخطاهم إليه فضغم رأسه ‪ ،‬لعنه الله‪.‬‬
‫ْ‬
‫مأَوى { ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ة ال َ‬
‫جن ّ ُ‬
‫ها َ‬
‫عن ْد َ َ‬ ‫سد َْرةِ ال ْ ُ‬
‫من ْت ََهى ِ‬ ‫عن ْد َ ِ‬
‫خَرى ِ‬ ‫ة أُ ْ‬‫قد ْ َرآهُ نزل َ ً‬
‫وقوله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫هذه هي المرة الثانية التي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جبريل‬
‫على صورته التي خلقه الله عليها ‪ ،‬وكانت ليلة السراء‪ .‬وقد قدمنا الحاديث‬
‫الواردة في السراء بطرقها وألفاظها في أول سورة "سبحان" بما أغنى عن‬
‫إعادته هاهنا ‪ ،‬وتقدم أن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬كان يثبت الرؤية ليلة‬
‫السراء ‪ ،‬ويستشهد بهذه الية‪ .‬وتابعه جماعة من السلف والخلف ‪ ،‬وقد‬
‫خالفه جماعات من الصحابة ‪ ،‬رضي الله عنهم ‪ ،‬والتابعين وغيرهم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن‬
‫قد ْ‬‫حب َْيش ‪ ،‬عن ابن مسعود في هذه الية ‪ } :‬وَل َ َ‬ ‫عاصم بن ب َهْد ََلة ‪ ،‬عن زر بن ُ‬
‫من ْت ََهى { ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫سد َْرةِ ال ْ ُ‬ ‫عن ْد َ ِ‬
‫خَرى ِ‬ ‫ة أُ ْ‬‫َرآهُ نزل َ ً‬
‫وسلم ‪" :‬رأيت جبريل وله ستمائة جناح ‪ ،‬ينتثر من ريشه التهاويل ‪ :‬الدّر‬
‫والياقوت" )‪ .(4‬وهذا إسناد جيد قوي‪.‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن جامع بن أبي راشد‬
‫‪ ،‬عن أبي وائل ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الجماعات"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(27/28‬‬
‫)‪ (3‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور )‪ (27/63‬ولم يقع لي في ترجمته فيما‬
‫بين يدي من مخطوطات تاريخ دمشق‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(1/460‬‬

‫) ‪(7/451‬‬

‫عن عبد الله قال ‪ :‬رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته‬
‫وله ستمائة جناح ‪ ،‬كل جناح منها قد سد الفق ‪ :‬يسقط من جناحه من‬
‫التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم" )‪ .(1‬إسناده حسن أيضا‪.‬‬
‫حَباب ‪ ،‬حدثني حسين ‪ ،‬حدثني عاصم بن‬ ‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا زيد بن ال ُ‬
‫قيق بن سلمة يقول ‪ :‬سمعت ابن مسعود يقول قال ‪:‬‬ ‫ب َهْد ََلة قال ‪ :‬سمعت َ‬
‫ش ِ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬رأيت جبريل على سدرة )‪ (2‬المنتهى‬
‫وله ستمائة جناح" سألت عاصما عن الجنحة فأبى أن يخبرني‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب )‪ .(3‬وهذا أيضا‬
‫إسناد جيد‪.‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬حدثنا حسين ‪ ،‬حدثني عاصم بن ب َهْد ََلة )‬
‫‪ ، (4‬حدثني )‪ (5‬شقيق )‪ (6‬قال ‪ (7) :‬سمعت ابن مسعود يقول ‪ :‬قال‬
‫خضر‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أتاني جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في ُ‬
‫معلق به الدر )‪ .(9) " (8‬إسناده جيد أيضا‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثني يحيى عن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا عامر قال ‪ :‬أتى‬
‫مسروقُ عائشة فقال ‪ :‬يا أم المؤمنين ‪ ،‬هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ف شعري لما قلت ‪ ،‬أين أنت من‬ ‫ربه عز وجل ؟ قالت ‪ :‬سبحان الله لقد قَ ّ‬
‫دا رأى ربه فقد كذب ‪ ،‬ثم‬ ‫دثكهن فقد كذب ‪ :‬من حدثك أن محم ً‬ ‫ح ّ‬‫ثلث من َ‬
‫ما‬‫صاَر { ] النعام ‪ } ، [ 103 :‬وَ َ‬ ‫ك الب ْ َ‬ ‫صاُر وَهُوَ ي ُد ْرِ ُ‬ ‫ه الب ْ َ‬ ‫قرأت ‪ } :‬ل ت ُد ْرِك ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫كان ل ِب َ َ‬
‫ب { ] الشورى ‪، [ 51 :‬‬ ‫جا ٍ‬
‫ح َ‬ ‫ن وََراِء ِ‬ ‫م ْ‬
‫حًيا أوْ ِ‬ ‫ه ِإل وَ ْ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُك َل ّ َ‬‫شرٍ أ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫عل ْ ُ‬
‫م‬ ‫عن ْد َه ُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ِ‬ ‫ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ‪ ،‬ثم قرأت ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫حام ِ { الية ] لقمان ‪ ، [ 34 :‬ومن‬ ‫ما ِفي الْر َ‬ ‫م َ‬ ‫ث وَي َعْل َ ُ‬ ‫ل ال ْغَي ْ َ‬ ‫ساعَةِ وَُينز ُ‬ ‫ال ّ‬
‫غّ‬
‫ل ب َل ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫أخبرك أن محمدا قد كتم )‪ ، (10‬فقد كذب ‪ ،‬ثم قرأت ‪َ } :‬يا أي َّها الّر ُ‬
‫ك { ] المائدة ‪ ، [ 67 :‬ولكنه رأى جبريل في صورته‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما ُأنز َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫مرتين )‪.(11‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن أبي عدي ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن‬
‫ق‬ ‫ُ‬
‫قد ْ َرآه ُ ِبال ِ‬
‫ف‬ ‫مسروق قال ‪ :‬كنت عند عائشة فقلت ‪ :‬أليس الله يقول ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫خَرى { فقالت ‪ :‬أنا أول هذه‬ ‫ة أُ ْ‬
‫قد ْ َرآهُ نزل َ ً‬ ‫ن { ] التكوير ‪ } ، [ 23 :‬وَل َ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مِبي ِ‬
‫المة سأل )‪ (12‬رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ‪ ،‬فقال ‪" :‬إنما ذاك‬
‫جبريل"‪ .‬لم يره في صورته التي خلق عليها إل مرتين ‪ ،‬رآه منهبطا من‬
‫م خلقه ما بين السماء والرض‪.‬‬ ‫السماء إلى الرض ‪ ،‬ساّدا عُظ ْ ُ‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث الشعبي ‪ ،‬به )‪.(13‬‬
‫رواية أبي ذر ‪ ،‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪،‬‬
‫عن عبد الله بن شقيق‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬لم أجده في المسند وذكره الحافظ ابن حجر في أطرف المسند )‬
‫‪.(4/158‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬السدرة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(1/407‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬حصين"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬قال سمعت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬شقيق بن سلمة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬الدر به"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(1/407‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬كتم شيئا من الوحي"‪.‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪.(6/49‬‬
‫)‪ (12‬في أ ‪" :‬سألت"‪.‬‬
‫)‪ (13‬المسند )‪ (6/241‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4855‬وصحيح مسلم برقم‬
‫)‪ (177‬بنحوه‪.‬‬

‫) ‪(7/452‬‬
‫ت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬قلت لبي ذر ‪ :‬لو رأي ُ‬
‫قال ‪ :‬وما كنت تسأله ؟ قال ‪ :‬كنت أسأله ‪ :‬هل رأى ربه ‪ ،‬عز وجل ؟ فقال ‪:‬‬
‫إني قد سألته فقال ‪" :‬قد رأيته ‪ ،‬نورا أنى أراه" )‪.(1‬‬
‫هكذا وقع في رواية المام أحمد ‪ ،‬وقد أخرجه مسلم من طريقين بلفظين‬
‫كيع ‪ ،‬عن يزيد بن إبراهيم ‪ ،‬عن‬ ‫فقال ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا وَ ِ‬
‫قتادة ‪ ،‬عن عبد الله بن شقيق ‪ ،‬عن أبي ذر قال ‪ :‬سألت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬هل رأيت ربك ؟ فقال ‪" :‬نور أنى أراه"‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن قتادة ‪،‬‬
‫عن عبد الله بن شقيق قال ‪ :‬قلت لبي ذر ‪ :‬لو رأيت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لسألته‪ .‬فقال ‪ :‬عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬كنت‬
‫أسأله ‪ :‬هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر ‪ :‬قد سألت فقال ‪" :‬رأيت نورا" )‪.(2‬‬
‫سئل عن هذا الحديث فقال ‪ :‬ما‬ ‫وقد حكى الخلل في "علله" أن المام أحمد ُ‬
‫ت منكرا له ‪ ،‬وما أدري ما وجهه )‪.(3‬‬ ‫زل ُ‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن عون الواسطي ‪ ،‬أخبرنا‬
‫شْيم ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي ذر قال ‪:‬‬ ‫هُ َ‬
‫رآه بقلبه ‪ ،‬ولم يره بعينه‪.‬‬
‫قيق وبين أبي ذر ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫بن‬ ‫الله‬ ‫عبد‬ ‫بين‬ ‫انقطاعه‬ ‫يدعي‬ ‫خَزيمة أن‬‫وحاول ابن ُ‬
‫وأما ابن الجوزي فتأوله على أن أبا ذر لعله سأل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قبل السراء ‪ ،‬فأجابه بما أجابه به ‪ ،‬ولو سأله بعد السراء لجابه‬
‫بالثبات‪ .‬وهذا ضعيف جدا ‪ ،‬فإن عائشة أم المؤمنين ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬قد‬
‫سألت عن ذلك بعد السراء ‪ ،‬ولم يثبت لها الرؤية‪ .‬ومن قال ‪ :‬إنه خاطبها‬
‫خزيمة في كتاب‬ ‫على قدر عقلها ‪ ،‬أو حاول تخطئتها فيما ذهبت إليه ‪ -‬كابن ُ‬
‫التوحيد )‪ ، - (4‬فإنه هو المخطئ ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال النسائي ‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا هشام )‪ ، (5‬عن منصور ‪،‬‬
‫عن الحكم ‪ ،‬عن يزيد بن شريك ‪ ،‬عن أبي ذر قال ‪ :‬رأى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ربه بقلبه ‪ ،‬ولم يره ببصره )‪.(6‬‬
‫سِهر ‪،‬‬‫م ْ‬ ‫وقد ثبت في صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن علي بن ُ‬
‫عن عبد الملك بن أبي سليمان ‪ ،‬عن عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫خَرى { ‪ ،‬قال ‪ :‬رأى‬ ‫ة أُ ْ‬
‫قد ْ َرآهُ نزل َ ً‬ ‫رضي الله عنه ‪ ،‬أنه قال في قوله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫جبريل )‪ ، (7‬عليه السلم )‪.(8‬‬
‫خَرى { قال ‪ :‬رأى رسول الله‬ ‫ُ‬
‫ةأ ْ‬ ‫قد ْ َرآهُ نزل َ ً‬‫وقال مجاهد في قوله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته مرتين ‪ ،‬وكذا قال قتادة والربيع بن‬
‫أنس ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(5/147‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪.(178‬‬
‫)‪ (3‬ووجه النكار ل محل له في المتن ‪ ،‬فإن له شواهد وهو دليل على نفي‬
‫الرؤية في الدنيا‪.‬‬
‫)‪ (4‬التوحيد لبن خزيمة )ص ‪) (206 ، 205‬ص ‪.(225‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬هشيم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11536‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم برقم )‪.(175‬‬
‫) ‪(7/453‬‬

‫شى { ‪ :‬قد تقدم في أحاديث‬ ‫ما ي َغْ َ‬‫سد َْرة َ َ‬‫شى ال ّ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬إ ِذ ْ ي َغْ َ‬
‫السراء أنه غشيتها الملئكة مثل الِغربان ‪ ،‬وغشيها نور الرب ‪ ،‬وغشيها ألوان‬
‫ما أدري ما هي‪.‬‬
‫ول ‪ ،‬حدثنا الزبير بن عدي ‪ ،‬عن )‪(1‬‬ ‫مغْ َ‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا مالك بن ِ‬
‫طلحة ‪ ،‬عن مرة ‪ ،‬عن عبد الله ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬لما أسري برسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى ‪ ،‬وهي في السماء‬
‫السابعة )‪ ، (2‬إليها ينتهي ما يعرج به من الرض فيقبض منها ‪ ،‬وإليها ينتهي ما‬
‫شى { قال ‪ :‬فراش‬ ‫ما ي َغْ َ‬‫سد َْرة َ َ‬‫شى ال ّ‬ ‫يهبط من فوقها فيقبض منها ‪ } ،‬إ ِذ ْ ي َغْ َ‬
‫من ذهب ‪ ،‬قال ‪ :‬وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثا ‪ :‬أعطي‬
‫غفر لمن ل يشرك بالله‬ ‫الصلوات الخمس ‪ ،‬وأعطي خواتيم سورة البقرة ‪ ،‬و ُ‬
‫مقحمات‪ .‬انفرد به مسلم )‪.(3‬‬ ‫شيًئا من أمته ال ُ‬
‫وقال أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي هريرة أو غيره‬
‫‪ -‬شك أبو جعفر ‪ -‬قال ‪ :‬لما أسري برسول الله انتهى إلى السدرة ‪ ،‬فقيل‬
‫له ‪ :‬هذه السدرة ]قال[ ‪ (4) :‬فغشيها نور الخلق ‪ ،‬وغشيتها الملئكة مثل‬
‫الغربان حين يقعن على الشجر ‪ ،‬قال ‪ :‬فكلمه عند ذلك ‪ ،‬فقال له ‪ :‬سل‪.‬‬
‫شى { قال ‪:‬‬ ‫ما ي َغْ َ‬ ‫سد َْرة َ َ‬ ‫شى ال ّ‬ ‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ } :‬إ ِذ ْ ي َغْ َ‬ ‫وقال )‪ (5‬ابن أبي ن َ ِ‬
‫كان أغصان السدرة لؤلؤا وياقوتا وزبرجدا ‪ ،‬فرآها محمد ‪ ،‬ورأى ربه بقلبه‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أيّ شيء رأيت يغشى تلك السدرة ؟‬
‫َ‬
‫ملكا‬ ‫ش من ذهب ‪ ،‬ورأيت على كل ورقة من ورقها َ‬ ‫ت يغشاها فََرا ٌ‬ ‫قال ‪" :‬رأي ُ‬
‫قائما يسبح الله ‪ ،‬عز وجل" )‪.(6‬‬
‫ما ط ََغى { قال ابن عباس ‪ :‬ما ذهب يمينا ول‬ ‫صُر وَ َ‬‫ما َزاغَ ال ْب َ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫ما ط ََغى { ما جاوز ما أمر به‪.‬‬ ‫شمال } وَ َ‬
‫وهذه صفة عظيمة في الثبات والطاعة ‪ ،‬فإنه ما فعل إل ما أمر به ‪ ،‬ول سأل‬
‫فوق ما أعطي‪ .‬وما أحسن ما قال الناظم ‪:‬‬
‫ها‪...‬‬‫غيُره ُ ما َقد َرآه لَتا َ‬ ‫ما فَوَْقها ‪ ،‬وََلو‪َ ...‬رأى َ‬ ‫َ‬
‫مأَوى وَ َ‬ ‫ة ال َ‬ ‫جن ّ َ‬
‫رأى َ‬
‫ن آَيات َِنا {‬ ‫ت َرب ّهِ ال ْك ُب َْرى { ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ل ِن ُرِي َ َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َ َ‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫م ْ‬‫قد ْ َرأى ِ‬
‫] طه ‪ (7) [ 23 :‬أي ‪ :‬الدالة على قدرتنا وعظمتنا‪ .‬وبهاتين اليتين استدل من‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذهب من أهل السنة أن الرؤية تلك الليلة لم تقع ؛ لنه قال ‪ } :‬ل َ َ‬
‫م ْ‬ ‫قد ْ َرأى ِ‬
‫ت َرب ّهِ ال ْك ُب َْرى { ‪ ،‬ولو كان رأى ربه لخبر بذلك ولقال ذلك للناس ‪ ،‬وقد‬ ‫آَيا ِ‬
‫تقدم تقرير ذلك في سورة "سبحان" وقد قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أبو النضر ‪ ،‬حدثنا محمد بن طلحة ‪ ،‬عن الوليد بن قيس ‪ ،‬عن إسحاق‬
‫بن أبي الك َهَْتلة )‪(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬السادسة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (1/422‬وصحيح مسلم برقم )‪.(173‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬وهذا من مراسيل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬لنريه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الكهبلة"‪.‬‬
‫) ‪(7/454‬‬

‫ه اْل ُن َْثى‬ ‫َ‬ ‫ة اْل ُ ْ‬ ‫َ َ‬


‫م الذ ّك َُر وَل َ ُ‬ ‫خَرى )‪ (20‬أل َك ُ ُ‬ ‫مَناةَ الّثال ِث َ َ‬ ‫ت َوال ْعُّزى )‪ (19‬وَ َ‬ ‫م الّل َ‬ ‫أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م َ‬ ‫م وَآَباؤُك ُ ْ‬ ‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مي ْت ُ ُ‬
‫س ّ‬ ‫ماٌء َ‬ ‫س َ‬‫ي إ ِّل أ ْ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫ضيَزى )‪ (22‬إ ِ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫ك إ ًِذا قِ ْ‬
‫س َ‬ ‫)‪ (21‬ت ِل ْ َ‬
‫م‬
‫جاَءهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫س وَل َ َ‬ ‫ف ُ‬
‫َ‬
‫وى اْلن ْ ُ‬ ‫ما ت َهْ َ‬‫ن وَ َ‬ ‫ن إ ِّل الظ ّ ّ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬‫ن إِ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ه ب َِها ِ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫أ َن َْز َ‬
‫لوَلى )‪(25‬‬ ‫خرةُ وا ْ ُ‬ ‫مّنى )‪ (24‬فَل ِل ّهِ اْل َ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫سا‬ ‫م ل ِْل ِن ْ َ‬‫دى )‪ (23‬أ ْ‬ ‫م ال ْهُ َ‬‫ن َرب ّهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ن ي َأذ َ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شي ْئا إ ِل ِ‬ ‫م َ‬ ‫فاعَت ُهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ل ت ُغِْني َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ك ِفي ال ّ‬ ‫مل ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وَك ْ‬
‫ضى )‪(26‬‬ ‫شاُء وَي َْر َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬

‫قال محمد ‪ :‬أظنه عن ابن مسعود ‪ -‬أنه قال ‪ :‬إن محمدا لم ير جبريل في‬
‫صورته إل مرتين ‪ ،‬أما مرة فإنه سأله أن ُيريه نفسه في صورته ‪ ،‬فأراه‬
‫و‬
‫به‪ .‬وقوله ‪ } :‬وَهُ َ‬ ‫صعد معه حين صعد‬ ‫صورته فسد الفق‪ .‬وأما الخرى فإنه َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م د ََنا فَت َد َّلى‪ .‬فَ َ‬
‫ه‬
‫حى إ ِلى عَب ْدِ ِ‬ ‫ن أوْ أد َْنى‪ .‬فَأوْ َ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫ب قَوْ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫كا َ‬ ‫ق العَْلى‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫ِبال َفُ ِ‬
‫س )‪ (1‬جبريل ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬عاد في صورته‬ ‫حى { قال ‪ :‬فلما أح ّ‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫جن ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها َ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫من ْت ََهى‪ِ .‬‬ ‫سد َْرةِ ال ُ‬ ‫عن ْد َ ِ‬ ‫خَرى‪ِ .‬‬ ‫ةأ ْ‬ ‫قد ْ َرآهُ نزل ً‬ ‫وسجد‪ .‬فقوله ‪ } :‬وَل َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫قد ْ َرأى ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما طَغى‪ .‬ل َ‬ ‫َ‬ ‫صُر وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما َزاغ الب َ َ‬ ‫شى‪َ .‬‬ ‫ما ي َغْ َ‬ ‫سد َْرة َ َ‬ ‫شى ال ّ‬ ‫مأ َْوى‪ .‬إ ِذ ْ ي َغْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خل ْقَ جبريل عليه السلم‪.‬‬ ‫ت َرب ّهِ ال ْك ُب َْرى { قال ‪َ :‬‬ ‫آَيا ِ‬
‫هكذا رواه المام أحمد ‪ ،‬وهو غريب )‪.(2‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫م الذ ّك َُر وَل َ ُ‬
‫ه‬ ‫خَرى )‪ (20‬أل َك ُ ُ‬ ‫ة ال ْ‬ ‫مَناةَ الّثال ِث َ َ‬ ‫ت َوال ْعُّزى )‪ (19‬وَ َ‬ ‫م الل َ‬ ‫} أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫ة ضيزى )‪ (22‬إن هي إل أ َسماٌء سميتمو َ َ‬ ‫الن َْثى )‪ (21‬ت ِل ْ َ‬
‫م‬
‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫َ ّ ُْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ ْ ِ َ ِ‬ ‫م ٌ ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ك إ ًِذا قِ ْ‬
‫س‬
‫ف ُ‬ ‫وى الن ْ ُ‬ ‫ما ت َهْ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ّ‬
‫ن ِإل الظ ّ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫َ‬
‫سلطا ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ب َِها ِ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ما َأنز َ‬ ‫م َ‬ ‫َوآَباؤُك ُ ْ‬
‫خَرةُ‬ ‫ّ‬
‫مّنى )‪ (24‬فَل ِلهِ ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وَل َ َ‬
‫ما ت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م ِللن ْ َ‬ ‫دى )‪ (23‬أ ْ‬ ‫م الهُ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫ن ب َعْدِ‬ ‫م ْ‬ ‫شي ًْئا ِإل ِ‬ ‫م َ‬ ‫فاعَت ُهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ل ت ُغِْني َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫مل َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َوالوَلى )‪ (25‬وَك َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضى )‪{ (26‬‬ ‫شاُء وَي َْر َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ن ي َأذ َ َ‬ ‫أ ْ‬
‫قّرعا للمشركين في عبادتهم الصنام والنداد والوثان ‪،‬‬ ‫م َ‬‫يقول تعالى ُ‬
‫واتخاذهم لها البيوت مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن ‪ ،‬عليه ]الصلة‬
‫َ َ‬
‫ت { ؟ وكانت "اللت" )‪ (4‬صخرة ً بيضاء‬ ‫م الل َ‬ ‫و[ )‪ (3‬السلم ‪ } :‬أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫ظم عند أهل‬ ‫دنة ‪ ،‬وحوله فناء مع ّ‬ ‫س َ‬‫منقوشة ‪ ،‬وعليها بيت بالطائف له أستار و َ‬
‫الطائف ‪ ،‬وهم ثقيف ومن تابعها ‪ ،‬يفتخرون بها على من عداهم من أحياء‬
‫العرب بعد قريش‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله ]تعالى[ )‪ ، (5‬فقالوا ‪:‬‬
‫اللت ‪ ،‬يعنون مؤنثة منه ‪ ،‬تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا‪ .‬وحكي عن ابن‬
‫ت" بتشديد التاء ‪،‬‬ ‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ :‬أنهم قرؤوا "الل ّ‬
‫ت للحجيج في الجاهلية السويق ‪ ،‬فلما مات عكفوا‬ ‫وفسروه بأنه كان رجل ي َل ُ ّ‬
‫على قبره فعبدوه‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا مسلم ‪ -‬هو ابن إبراهيم ‪ -‬حدثنا أبو الشهب ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫ت َوال ْعُّزى { قال ‪ :‬كان اللت رجل يلت‬ ‫الجوزاء عن ابن عباس )‪ } : (6‬الل َ‬
‫سويق ‪ ،‬سويق الحاج )‪.(7‬‬ ‫ال ّ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وكذا العُّزى من العزيز‪.‬‬
‫وكانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة ‪ ،‬وهي بين مكة والطائف ‪ ،‬كانت‬
‫قريش يعظمونها ‪ ،‬كما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أخبر"‪.‬‬
‫المسند )‪.(1/407‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫زيادة من م‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في م ‪" :‬العزى"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫زيادة من م‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في م ‪" :‬عن ابن عباس عن"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫صحيح البخاري برقم )‪.(4859‬‬ ‫)‪(7‬‬

‫) ‪(7/455‬‬

‫قال أبو سفيان يوم أحد ‪ :‬لنا العزى ول عّزى لكم فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬قولوا ‪ :‬الله مولنا ‪ ،‬ول مولى لكم" )‪.(1‬‬
‫ميد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبي‬ ‫ح َ‬‫وروى البخاري من حديث الزهري ‪ ،‬عن ُ‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من حلف فقال في‬
‫حلفه ‪ :‬واللت والعزى ‪ ،‬فليقل ‪ :‬ل إله إل الله‪ .‬ومن قال لصاحبه ‪ :‬تعال‬
‫أَقامْرك ‪ ،‬فليتصدق" )‪.(2‬‬
‫وهذا محمول على من سبق لسانه في )‪ (3‬ذلك ‪ ،‬كما كانت ألسنتهم قد‬
‫كار وعبد‬‫اعتادته في زمن الجاهلية ‪ ،‬كما قال النسائي ‪ :‬أخبرنا أحمد بن ب َ ّ‬
‫خَلد ‪ ،‬حدثنا يونس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬حدثني مصعب بن‬ ‫م ْ‬
‫الحميد بن محمد قال حدثنا َ‬
‫سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬حلفت باللت والعزى ‪ ،‬فقال لي‬
‫أصحابي ‪ :‬بئس ما قلت! قلت هجرا! فأتيت رسول صلى الله عليه سلم ‪،‬‬
‫فذكرت ذلك له ‪ ،‬فقال ‪" :‬قل ‪ :‬ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك‬
‫وذ بالله‬
‫وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ .‬وانفث عن شمالك ثلثا ‪ ،‬وتع ّ‬
‫من الشيطان الرجيم ‪ ،‬ثم ل تعد" )‪.(4‬‬
‫ديد ‪ ،‬بين مكة والمدينة ‪ -‬وكانت‬ ‫شّلل )‪ - (5‬عند قُ َ‬ ‫م َ‬‫وأما "مناة" فكانت بال ُ‬
‫ّ‬
‫خزاعة والوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ‪ ،‬وُيهلون منها للحج إلى‬
‫الكعبة‪ .‬وروى البخاري عن عائشة نحوه )‪ .(6‬وقد كانت بجزيرة العرب‬
‫وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة غير هذه الثلثة التي نص‬
‫عليها في كتابه العزيز ‪ ،‬وإنما أفرد هذه بالذكر لنها أشهر من غيرها‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق في السيرة ‪ :‬وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت ‪،‬‬
‫وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ‪ ،‬بها )‪ (7‬سدنة وحجاب ‪ ،‬وتهدي لها كما‬
‫يهدى )‪ (8‬للكعبة ‪ ،‬وتطوف بها كط َوَْفاِتها بها ‪ ،‬وتنحر عندها ‪ ،‬وهي تعرف‬
‫فضل الكعبة عليها ؛ لنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫ومسجده‪ .‬فكانت لقريش وبني كنانة العُّزى بنخلة ‪ ،‬وكانت سدنتها وحجابها )‬
‫‪ (9‬بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم )‪.(10‬‬
‫قلت ‪ :‬بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدمها ‪،‬‬
‫وجعل يقول ‪:‬‬
‫حاَنك‪ ...‬إني رأيت الله قَد ْ أ َ‬
‫هاَنك‪...‬‬ ‫سب ْ َ‬ ‫يا عُّز ‪ ،‬ك ُ ْ‬
‫فَراَنك ل ُ‬
‫ضْيل ‪ ،‬حدثنا الوليد بن‬ ‫وقال النسائي ‪ :‬أخبرنا علي بن المنذر ‪ ،‬أخبرنا ابن فُ َ‬
‫ل قال ‪ :‬لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة‬ ‫في ْ ِ‬ ‫مْيع ‪ ،‬عن أبي الط ّ َ‬ ‫ج َ‬
‫ُ‬
‫بعث خالد بن الوليد إلى نخلة ‪ ،‬وكانت بها العزى ‪ ،‬فأتاها خالد وكانت على‬
‫مرات ‪ ،‬وهدم البيت الذي كان عليها‪ .‬ثم أتى النبي‬ ‫س ُ‬
‫مرات ‪ ،‬فقطع ال ّ‬ ‫س ُ‬
‫ثلث َ‬
‫صلى الله عليه وسلم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تقدم تخريج الحديث عند تفسير سورة "محمد" الية ‪.11 :‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(4860‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن النسائي )‪.(7/8‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬بالمنال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪.(4861‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬لها"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬تهدي"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬وحجبتها"‪.‬‬
‫)‪ (10‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/83‬‬

‫) ‪(7/456‬‬

‫دنة‬‫س َ‬‫فأخبره فقال ‪" :‬ارجع فإنك لم تصنع شيًئا"‪ .‬فرجع خالد ‪ ،‬فلما أبصرته ال ّ‬
‫حَيل وهم يقولون ‪" :‬يا عزى ‪ ،‬يا عزى"‪ .‬فأتاها‬ ‫جبتها ‪ -‬أمعنوا في ال ِ‬ ‫ح َ‬‫‪ -‬وهم َ‬
‫خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحفن )‪ (1‬التراب على رأسها ‪،‬‬
‫فغمسها بالسيف حتى قتلها ‪ ،‬ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فأخبره ‪ ،‬فقال ‪" :‬تلك العزى" )‪.(2‬‬
‫دنتها وحجابها بنى‬ ‫س َ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكانت اللت لثقيف بالطائف ‪ ،‬وكان َ‬
‫معَّتب )‪.(3‬‬ ‫ُ‬
‫قلت ‪ :‬وقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة وأبا‬
‫سفيان صخر بن حرب ‪ ،‬فهدماها وجعل مكانها مسجد الطائف‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكانت مناة للوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل‬
‫شّلل بقديد ‪ ،‬فبعث رسول الله صلى‬ ‫م َ‬‫يثرب على ساحل البحر من ناحية ال ُ‬
‫الله عليه وسلم ]إليها[ )‪ (4‬أبا سفيان صخر بن حرب ‪ ،‬فهدمها‪ .‬ويقال ‪ :‬علي‬
‫بن أبي طالب‪.‬‬
‫جيلة ‪ ،‬ومن كان ببلدهم من‬ ‫خثعم وب َ ِ‬ ‫دوس و َ‬ ‫خلصة )‪ (5‬ل َ‬ ‫َ‬ ‫قال ‪ :‬وكانت ذو ال َ‬
‫العرب ب ِت ََبالة‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكان يقال لها ‪ :‬الكعبة اليمانية ‪ ،‬وللكعبة التي بمكة الكعبة الشامية‪.‬‬
‫فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي‬
‫فهدمه‪.‬‬
‫سلمى وأجا‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬وكانت فَْلس )‪ (6‬لطيئ ولمن يليها بجبلي طيئ من )‪َ (7‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫سوب‬ ‫وسلم بعث إليه علي بن أبي طالب فهدمه ‪ ،‬واصطفى منه سيفين ‪ :‬الّر ُ‬
‫فله أياهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فهما سيفا علي )‬ ‫ذم ‪َ ،‬فن ّ‬ ‫خ َ‬‫والم ْ‬
‫‪.(8‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له ‪ :‬ريام‪ .‬وذكر‬
‫أنه كان به كلب أسود ‪ ،‬وأن الحبرين اللذين ذهبا مع تبع استخرجاه وقتله ‪،‬‬
‫وهدما البيت‪.‬‬
‫ضاء" بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكانت "ُر َ‬
‫مناة بن تميم ‪ ،‬ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها‬
‫في السلم ‪:‬‬
‫ما‪...‬‬
‫ح َ‬
‫قاع أس َ‬
‫فًرا ب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‪ ...‬فت ََركُتها ق ْ‬ ‫َ‬
‫ضاء شد ّ ً‬ ‫َ‬
‫ت عَلى ُر َ‬ ‫شد َد ْ ُ‬ ‫ولقد َ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬إنه عاش ثلثمائة وثلثين )‪ (9‬سنة ‪ ،‬وهو القائل ‪:‬‬
‫مِئيَنا‪...‬‬
‫ن ِ‬
‫سِني َ‬
‫دد ال ّ‬‫ن عَ َ‬ ‫تم ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ن الحَياةِ وَ ُ‬
‫طول َِها‪ ...‬وَعُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ُ‬‫سئ ِ ْ‬‫قد َ‬ ‫وَل َ َ‬
‫سِنيَنا‪...‬‬
‫شهور ِ‬ ‫دد ال ّ‬‫ن عَ َ‬‫م ْ‬ ‫دها مائ ََتان لي‪ ...‬وازددت )‪ِ (10‬‬ ‫دتها ب َعْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ة َ‬‫مائ َ ً‬
‫دوَنا‪...‬‬ ‫ح ُ‬ ‫مّر وََليل ٌ‬
‫ة تَ ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫قي إل ك َ َ‬
‫ما قَد ْ َفات ََنا‪َ ...‬يو ٌ‬ ‫ما ب َ ِ‬
‫ل َ‬ ‫هَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬تحثو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬النسائي في السنن الكبرى رقم )‪.(11567‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬مغيت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الحليفة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬فيس"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬بين"‪.‬‬
‫)‪ (8‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/87‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬وستون"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وعمرت"‪.‬‬

‫) ‪(7/457‬‬

‫سْنداد وله‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان ذو الك َعََبات لبكر وتغلب ابني وائل ‪ ،‬وإياد ب ِ َ‬
‫يقول أعشى بن قيس بن ثعلبة ‪:‬‬
‫داد )‪(1‬‬ ‫سن ْ َ‬‫ق‪ ...‬والبيت ذو الك َعََبات من َ‬ ‫سدير وََبار ٍ‬ ‫خوَْرَنق وال ّ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خَرى { ؟‪.‬‬ ‫ة ال ْ‬ ‫مَناةَ الّثال ِث َ َ‬ ‫ت َوالعُّزى‪ .‬وَ َ‬ ‫م الل َ‬ ‫ولهذا قال ]تعالى[ )‪ } : (2‬أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫َ‬
‫ه الن َْثى { ؟ أي ‪ :‬أتجعلون له ولدا ‪ ،‬وتجعلون ولده‬ ‫م الذ ّك َُر وَل َ ُ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬أل َك ُ ُ‬
‫أنثى ‪ ،‬وتختارون لنفسكم الذكور ‪ ،‬فلو اقتسمتم أنتم ومخلوق مثلكم هذه‬
‫ضيَزى { أي ‪ :‬جورا باطلة ‪ ،‬فكيف تقاسمون ربكم‬ ‫ة ِ‬ ‫م ٌ‬‫س َ‬ ‫القسمة لكانت } قِ ْ‬
‫هذه القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جورا وسفها‪.‬‬
‫ثم قال منكرا عليهم فيما ابتدعوه وأحدثوه من الكذب والفتراء والكفر ‪ ،‬من‬
‫عبادة الصنام وتسميتها آلهة ‪ } :‬إن هي إل أ َسماٌء سميتمو َ َ‬
‫م{‬‫م َوآَباؤُك ُ ْ‬‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫َ ّ ُْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ ْ ِ َ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬من حجة ‪،‬‬ ‫َ‬
‫سلطا ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ب َِها ِ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنز َ‬ ‫أي ‪ :‬من تلقاء أنفسكم } َ‬
‫س { أي ‪ :‬ليس لهم مستند إل حسن‬ ‫ف ُ‬ ‫وى الن ْ ُ‬ ‫ما ت َهْ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن ِإل الظ ّ ّ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬
‫} إِ ْ‬
‫ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم ‪ ،‬وإل حظ نفوسهم في‬
‫دى { أي ‪:‬‬ ‫م ال ْهُ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ُ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫جاَءهُ ْ‬‫قد ْ َ‬‫رياستهم وتعظيم آبائهم القدمين ‪ } ،‬وَل َ َ‬
‫ولقد أرسل الله إليهم الرسل بالحق المنير والحجة القاطعة ‪ ،‬ومع هذا ما‬
‫اتبعوا ما جاؤوهم به ‪ ،‬ول انقادوا له‪.‬‬
‫مّنى { أي ‪ :‬ليس كل من تمنى خيرا حصل له ‪} ،‬‬ ‫َ‬
‫ما ت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م ِللن ْ َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬أ ْ‬
‫ل َيس بأ َمان ِيك ُم ول أ َمان ِ َ‬
‫ب { ] النساء ‪ ، [ 123 :‬ما كل من زعم‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ي أهْ ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫ْ َ ِ َ ّ ْ َ‬
‫أنه مهتد يكون كما قال ‪ ،‬ول كل من ود )‪ (3‬شيئا يحصل له‪.‬‬
‫وانة ‪ ،‬عن عمر )‪ (4‬بن أبي‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسحاق ‪ ،‬حدثنا أبو عَ َ‬
‫سلمة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى ‪ ،‬فإنه ل يدري ما يكتب له من‬
‫أمنيته"‪ .‬تفرد به أحمد )‪.(5‬‬
‫خَرةُ َوالولى { أي ‪ :‬إنما المر كله لله ‪ ،‬مالك الدنيا‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَل ِل ّهِ ال ِ‬
‫والخرة ‪ ،‬والمتصرف في الدنيا والخرة ‪ ،‬فهو الذي ما شاء كان ‪ ،‬وما لم يشأ‬
‫لم يكن‪.‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫ت ل ت ُغِْني َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬‫م ْ‬‫شي ْئا ِإل ِ‬ ‫فاعَت ُهُ ْ‬‫ش َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫س َ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫مل ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫وقوله ‪ } :‬وَك ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫عن ْد َه ُ ِإل‬
‫فع ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫ذي ي َش َ‬ ‫َ‬
‫ن ذا ال ِ‬ ‫م ْ‬‫ضى { ‪ ،‬كقوله ‪َ } :‬‬ ‫َ‬
‫ن ي َشاُء وَي َْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه لِ َ‬ ‫ي َأذ َ َ‬
‫عنده إل ل ِم َ‬
‫ه { ]سبأ ‪:‬‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن أذِ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ة ِ ْ َ ُ ِ‬ ‫فاعَ ُ‬ ‫فعُ ال ّ‬
‫ش َ‬ ‫ب ِإ ِذ ْن ِهِ { ]البقرة ‪َ } ، [255 :‬ول ت َن ْ َ‬
‫‪ ، [23‬فإذا كان هذا في حق الملئكة المقربين ‪ ،‬فكيف ترجون أيها الجاهلون‬
‫شفاعة هذه الصنام والنداد عند الله ‪ ،‬وهو لم يشرع عبادتها ول أذن فيها ‪،‬‬
‫بل قد نهى عنها على ألسنة جميع رسله ‪ ،‬وأنزل بالنهي عن ذلك جميع‬
‫كتبه ؟‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر السيرة النبوية لبن هشام )‪.(88 ، 1/87‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬رد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (1/357‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/151‬رجاله رجال‬
‫الصحيح"‪.‬‬

‫) ‪(7/458‬‬

‫مي َ َ ُ‬ ‫ن ِباْل َ ِ‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ة اْلن َْثى )‪ (27‬وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫مَلئ ِك َ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫س ّ‬ ‫خَرةِ ل َي ُ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن َل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫شي ًْئا )‪ (28‬فَأعْرِ ْ‬
‫ض‬ ‫حق ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َل ي ُغِْني ِ‬ ‫ن الظ ّ ّ‬ ‫ن وَإ ِ ّ‬ ‫ن إ ِّل الظ ّ ّ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬
‫َ ْ ُ ْ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫(‬ ‫‪29‬‬ ‫)‬ ‫يا‬ ‫ْ‬
‫ّ َ‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫يا‬ ‫َ َ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫د‬‫ر‬ ‫ي‬
‫ِ َ ْ ُ ْ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ت‬
‫ْ َ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل عَن ِ س ِبيل ِه وهُو أ َ‬ ‫َ‬ ‫ك هُو أ َ‬
‫ما ِفي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪30‬‬ ‫)‬ ‫دى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ ِ َ ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ُ ِ َ ْ‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ن َرب ّ َ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ذي َ‬ ‫جزِيَ ال ِ‬ ‫ملوا وَي َ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ساُءوا ب ِ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جزِيَ ال ِ‬ ‫ض ل ِي َ ْ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن كَبائ َِر ال ِث ْم ِ َوال َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ش إ ِل الل َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫جت َن ُِبو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫سَنى )‪ (31‬ال ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫سُنوا ِبال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة ِفي‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ض وَإ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫م إ ِذ ْ أن ْ َ‬ ‫م ب ِك ُ ْ‬ ‫فَرةِ هُوَ أعْل َ ُ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫سعُ ال ْ َ‬ ‫ك َوا ِ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قى )‪(32‬‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م هُوَ أعْل َ ُ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫كوا أن ْ ُ‬ ‫م فََل ت َُز ّ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫طو ِ‬ ‫بُ ُ‬

‫م‬‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ة الن َْثى )‪ (27‬وَ َ‬ ‫مي َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫ملئ ِك َ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫مو َ‬ ‫س ّ‬ ‫خَرةِ ل َي ُ َ‬ ‫ن ِبال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫شي ًْئا )‪(28‬‬ ‫حقّ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل ي ُغِْني ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الظ ّ‬ ‫ن وَإ ِ ّ‬ ‫ّ‬
‫ن ِإل الظ ّ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫علم ٍ إ ِ ْ‬‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِهِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫مب ْلغُهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا )‪ (29‬ذ َل ِ َ‬ ‫م ي ُرِد ْ ِإل ال َ‬ ‫ن ذِك ْرَِنا وَل ْ‬ ‫ن ت َوَلى عَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫فَأعْرِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دى )‪{ (30‬‬ ‫ن اهْت َ َ‬ ‫م ِ‬‫م بِ َ‬ ‫سِبيل ِهِ وَهُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م بِ َ‬ ‫ك هُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن ال ْعِل ْم ِ إ ِ ّ‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫يقول تعالى منكرا على المشركين في تسميتهم الملئكة تسمية النثى ‪،‬‬
‫عَباد ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫ملئ ِك َ َ‬ ‫جعَُلوا ال ْ َ‬ ‫وجعلهم لها أنها بنات الله ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ن إ َِناًثا أ َ َ‬
‫ن { ]الزخرف ‪ [19 :‬؛‬ ‫سألو َ‬ ‫م وَي ُ ْ‬ ‫شَهاد َت ُهُ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ست ُك ْت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫شهِ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫علم { أي ‪ :‬ليس لهم علم صحيح يصدق ما‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫م ب ِهِ ِ‬ ‫َ‬
‫ما لهُ ْ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن‬‫ن وَإ ِ ّ‬ ‫ّ‬
‫ن ِإل الظ ّ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫قالوه ‪ ،‬بل هو كذب وزور وافتراء ‪ ،‬وكفر شنيع‪ } .‬إ ِ ْ‬
‫شي ًْئا { أي ‪ :‬ل يجدي شيئا ‪ ،‬ول يقوم أبدا مقام الحق‪.‬‬ ‫حق ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل ي ُغِْني ِ‬ ‫الظ ّ ّ‬
‫وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إياكم‬
‫والظن ‪ ،‬فإن الظن أكذب الحديث" )‪.(1‬‬
‫َ‬
‫ض‬
‫ض عن الذي أعَر َ‬ ‫ن ذِك ْرَِنا { أي ‪ :‬أعرِ ْ‬ ‫ن ت َوَّلى عَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأعْرِ ْ‬
‫عن الحق واهجره‪.‬‬
‫حَياة َ الد ّن َْيا { أي ‪ :‬وإنما )‪ (2‬أكثر )‪ (3‬همه ومبلغ‬ ‫ْ‬
‫م ي ُرِد ْ ِإل ال َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫مب ْل َغُهُ ْ‬
‫م‬ ‫ك َ‬ ‫علمه الدنيا ‪ ،‬فذاك هو غاية ما ل خير فيه‪ .‬ولذلك )‪ (4‬قال ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫ن ال ْعِل ْم ِ { أي ‪ :‬طلب الدنيا والسعي لها هو غاية ما وصلوا إليه‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫وقد روى المام أحمد عن أم المؤمنين عائشة ]رضي الله عنها[ )‪ (5‬قالت ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الدنيا دار من ل دار له ‪ ،‬ومال من ل‬
‫مال له ‪ ،‬ولها يجمع من ل عقل له" )‪ (6‬وفي الدعاء المأثور ‪" :‬اللهم ل تجعل‬
‫مب ْل َغَ علمنا"‪.‬‬ ‫مَنا ‪ ،‬ول َ‬ ‫الدنيا أكبر هَ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دى { أي ‪:‬‬ ‫ن اهْت َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫سِبيل ِهِ وَهُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬‫ك هُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫هو الخالق لجميع المخلوقات ‪ ،‬والعالم بمصالح عباده ‪ ،‬وهو الذي يهدي من‬
‫يشاء ‪ ،‬ويضل من يشاء ‪ ،‬وذلك كله عن قدرته وعلمه وحكمته ‪ ،‬وهو العادل‬
‫دره‪.‬‬ ‫دا ‪ ،‬ل في شرعه ول في قَ َ‬ ‫الذي ل يجور أب ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ملوا‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ساُءوا ب ِ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جزِيَ ال ِ‬ ‫ض ل ِي َ ْ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫} وَل ِل ّهِ َ‬
‫ن ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ش ِإل‬‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫جت َن ُِبو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫سَنى )‪ (31‬ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫سُنوا ِبال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬‫جزِيَ ال ّ ِ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض وَإ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫شأك ْ‬ ‫م إ ِذ ْ أن ْ َ‬ ‫ُ‬
‫م ب ِك ْ‬ ‫فَرةِ هُوَ أعْل ُ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫سعُ ال َ‬ ‫ن َرب ّك َوا ِ‬ ‫َ‬ ‫م إِ ّ‬
‫م َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قى )‪{ (32‬‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م هُوَ أعْل َ ُ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬‫كوا أن ْ ُ‬ ‫م َفل ت َُز ّ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫طو ِ‬ ‫ة ِفي ب ُ ُ‬ ‫جن ّ ٌ‬‫أ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (5143‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2563‬من حديث‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬وإنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬أكبر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ولهذا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(6/71‬‬

‫) ‪(7/459‬‬

‫يخبر تعالى أنه مالك السموات والرض ‪ ،‬وأنه الغني عما سواه ‪ ،‬الحاكم في‬
‫خلقه بالعدل ‪ ،‬وخلق الخلق بالحق ‪ } ،‬ل ِيجزي ال ّذي َ‬
‫ي‬
‫جزِ َ‬ ‫مُلوا وَي َ ْ‬‫ما عَ ِ‬ ‫ساُءوا ب ِ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ْ ِ َ ِ َ‬
‫ال ّذي َ‬
‫سَنى { أي ‪ :‬يجازي كل بعمله ‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا‬ ‫ح ْ‬ ‫سُنوا ِبال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬
‫فشر‪.‬‬
‫ثم فسر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫يتعاطون المحرمات والكبائر ‪ ،‬وإن وقع منهم بعض الصغائر فإنه يغفر لهم‬
‫ه‬
‫ن عَن ْ ُ‬ ‫جت َن ُِبوا ك ََبائ َِر َ‬
‫ما ت ُن ْهَوْ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ويستر عليهم ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ما { ]النساء ‪ .[31 :‬وقال هاهنا ‪:‬‬ ‫ري ً‬‫خل ك َ ِ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫خل ْك ُ ْ‬
‫م وَن ُد ْ ِ‬‫سي َّئات ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫فْر عَن ْك ُ ْ‬ ‫ن ُك َ ّ‬
‫م {‪ .‬وهذا استثناء منقطع ؛‬ ‫م َ‬ ‫ش ِإل الل ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬‫ف َ‬‫ن ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ‬ ‫جت َن ُِبو َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫لن اللمم من صغائر الذنوب ومحقرات العمال‪.‬‬
‫مر )‪ (1‬عن ابن طاوس ‪ ،‬عن‬ ‫معْ َ‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫مم مما قال أبو هريرة عن‬ ‫أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬ما رأيت شيًئا أشبه بالل َ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪" :‬إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه‬
‫من الزنا ‪ ،‬أدرك ذلك ل محالة ‪ ،‬فَزَِنا العين النظر ‪ ،‬وزنا اللسان النطق ‪،‬‬
‫ذبه"‪.‬‬ ‫دق ذلك أو ي ُك َ ّ‬ ‫شت َِهي ‪ ،‬والفرج ُيص ّ‬ ‫والنفس َتمّنى وت َ ْ‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث عبد الرزاق ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫مر‬‫معْ َ‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد العلى ‪ ،‬أخبرنا ابن )‪ (3‬ثور حدثنا َ‬
‫حى ؛ أن ابن مسعود قال ‪" :‬زنا العينين النظر ‪،‬‬ ‫ض َ‬ ‫‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي ال ّ‬
‫دق‬ ‫وزنا الشفتين التقبيل ‪ ،‬وزنا اليدين البطش ‪ ،‬وزنا الرجلين المشي ‪ ،‬وُيص ّ‬
‫مم" )‪ .(4‬وكذا‬ ‫ذبه ‪ ،‬فإن تقدم بفرجه كان زانيا ‪ ،‬وإل فهو الل ّ َ‬ ‫ذلك الفرج أو ي ُك َ ّ‬
‫قال مسروق ‪ ،‬والشعبي‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن نافع ‪ -‬الذي يقال له ‪ :‬ابن لبابة الطائفي ‪ -‬قال ‪ :‬سألت‬
‫قبلة ‪ ،‬والغمزة ‪ ،‬والنظرة ‪،‬‬ ‫م { قال ‪ :‬ال ُ‬ ‫أبا هريرة عن قول الله ‪ِ } :‬إل الل ّ َ‬
‫م َ‬
‫ن فقد وجب الغسل ‪ ،‬وهو الزنا‪.‬‬ ‫ن الختا َ‬ ‫والمباشرة ‪ ،‬فإذا مس الختا ُ‬
‫م { إل ما سلف‪ .‬وكذا‬ ‫م َ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ِ } :‬إل الل ّ َ‬
‫قال زيد بن أسلم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن المثنى ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن‬
‫م { قال ‪ :‬الذي يلم‬ ‫منصور ‪ ،‬عن مجاهد أنه قال ‪ :‬في هذه الية ‪ِ } :‬إل الل ّ َ‬
‫م َ‬
‫دعه ‪ ،‬قال الشاعر ‪:‬‬ ‫بالذنب ثم ي َ َ‬
‫ما?!‪...‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أل ّ‬
‫ما‪َ ...‬وأيّ عَْبد لك َ‬ ‫ج ّ‬
‫م تغفر َ‬ ‫فر اللهُ ّ‬ ‫ن ت َغْ ِ‬
‫إ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬معمر بن أرطأة" وزيادة "ابن أرطأة" خطأ‪ .‬انظر ‪ :‬تعليق أحمد‬
‫شاكر على المسند على المسند حديث رقم )‪.(7705‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (2/276‬وصحيح البخاري برقم )‪ (6612‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2657‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(27/39‬‬

‫) ‪(7/460‬‬

‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد ‪،‬‬
‫م { قال ‪ :‬الرجل يلم بالذنب ثم ينزع عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫م َ‬‫في قول الله ‪ِ } :‬إل الل ّ َ‬
‫وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون ‪:‬‬
‫إن تغفر اللهم تغفر جما‪ ...‬وأي عبد لك ما ألما?!‪...‬‬
‫وقد رواه ابن جرير وغيره مرفوعا )‪.(1‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثني سليمان بن عبد الجبار ‪ ،‬حدثنا أبو عاصم ‪ ،‬حدثنا زكريا‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫بن إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫م { قال ‪ :‬هو الرجل يلم بالفاحشة ثم‬ ‫م َ‬‫ش ِإل الل ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬‫ف َ‬‫ن ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ‬ ‫جت َن ُِبو َ‬
‫يَ ْ‬
‫يتوب وقال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫إن تغفر اللهم تغفر جما‪ ...‬وأي عبد لك ما ألما?!‪...‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي ‪ ،‬عن أحمد بن عثمان أبي )‪ (2‬عثمان البصري ‪ ،‬عن أبي‬
‫عاصم النبيل‪ .‬ثم قال ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من‬
‫حديث زكريا بن إسحاق‪ .‬وكذا قال البزار ‪ :‬ل نعلمه ُيروى متصل إل من هذا‬
‫الوجه‪ .‬وساقه ابن أبي حاتم والبغوي من حديث أبي عاصم النبيل ‪ ،‬وإنما‬
‫ذكره البغوي في تفسير سورة "تنزيل" وفي صحته مرفوعا نظر )‪.(3‬‬
‫زيع ‪ ،‬حدثنا يزيد بن ُزَرْيع ‪،‬‬ ‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن ب َ ِ‬
‫ن‬
‫جت َن ُِبو َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫حدثنا يونس ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ -‬أراه رفعه ‪ } : -‬ال ِ‬
‫م { قال ‪" :‬اللمة من الزنا ثم يتوب ول يعود ‪،‬‬ ‫م َ‬‫ش ِإل الل ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ‬
‫ف َ‬
‫واللمة من السرقة ثم يتوب ول يعود ‪ ،‬واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ول‬
‫يعود" ‪ ،‬قال ‪" :‬ذلك )‪ (4‬اللمام" )‪.(5‬‬
‫عديّ ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن الحسن في قول الله‬ ‫وحدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا ابن أبي َ‬
‫م { قال ‪ :‬اللمم من الزنا أو‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ش ِإل الل َ‬
‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫جت َن ُِبو َ‬
‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬‫‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫السرقة أو شرب الخمر ‪ ،‬ثم ل يعود‪.‬‬
‫ة ‪ ،‬عن أبي َرجاء ‪ ،‬عن الحسن في قول الله ‪:‬‬ ‫وحدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُل َي ّ َ‬
‫م { قال ‪ :‬كان أصحاب رسول‬ ‫ش ِإل الل ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬
‫ف َ‬‫ن ك ََبائ َِر الث ْم ِ َوال ْ َ‬
‫جت َن ُِبو َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقولون ‪ :‬هو الرجل يصيب اللمة من الزنا ‪ ،‬واللمة‬
‫من شرب الخمر ‪ ،‬فيجتنبها ويتوب منها‪.‬‬
‫م { يلم بها في‬ ‫وقال ابن جرير )‪ ، (6‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ِ } :‬إل الل ّ َ‬
‫م َ‬
‫الحين‪ .‬قلت ‪ :‬الزنا ؟ قال ‪ :‬الزنا ثم يتوب‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضا ‪ :‬حدثنا أبو ك َُرْيب ‪ ،‬حدثنا ابن عُي َي َْنة ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن‬
‫عطاء ‪ ،‬عن ابن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(27/39‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪ (3284‬وتفسير البغوي )‪.(7/128‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬فتلك" وفي أ ‪" :‬فعلك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(27/39‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬جريج"‪.‬‬

‫) ‪(7/461‬‬

‫ة‪.‬‬
‫م { الذي يلم المّر َ‬ ‫م َ‬‫عباس قال ‪ } :‬الل ّ َ‬
‫م { فقلت ‪ :‬هو الرجل‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫وقال السدي ‪ :‬قال أبو صالح ‪ :‬سئلت عن } الل َ‬
‫يصيب الذنب ثم يتوب‪ .‬وأخبرت بذلك ابن عباس فقال ‪ :‬لقد أعانك عليها‬
‫مَلك كريم‪ .‬حكاه البغوي‪.‬‬ ‫َ‬
‫وروى ابن جرير من طريق المثنى بن الصباح ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬عن عمرو بن‬
‫م { ‪ :‬ما دون الشرك‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫شعيب ؛ أن عبد الله بن عمرو قال ‪ } :‬الل ّ َ‬
‫جعفي ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن الزبير ‪ِ } :‬إل‬ ‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن جابر ال ُ‬
‫م { قال ‪ :‬ما بين الحدين ‪ :‬حد الدنيا )‪ (1‬وعذاب الخرة‪ .‬وكذا رواه شعبة‬ ‫م َ‬‫الل ّ َ‬
‫‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬مثله سواء‪.‬‬
‫م { كل شيء بين )‪(2‬‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ِ } :‬إل الل َ‬ ‫وقال العَوْفِ ّ‬
‫الحدين ‪ :‬حد الدنيا )‪ (3‬وحد الخرة ‪ ،‬تكفره الصلوات ‪ ،‬وهو )‪ (4‬اللمم ‪ ،‬وهو‬
‫دون كل موجب ‪ ،‬فأما حد الدنيا فكل حد فرض الله عقوبته في الدنيا ‪ ،‬وأما‬
‫خر عقوبته إلى الخرة‪ .‬وكذا قال‬ ‫حد الخرة فكل شيء ختمه الله بالنار ‪ ،‬وأ ّ‬
‫عكرمة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك‪.‬‬
‫سَعت كل شيء ‪ ،‬ومغفرته‬ ‫فَرةِ { أي ‪ :‬رحمته وَ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫سعُ ال ْ َ‬ ‫ك َوا ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫سَرُفوا عَلى‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سع الذنوب كلها لمن تاب منها ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَبادِيَ ال ِ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫تَ َ‬
‫فوُر‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ الغَ ُ‬ ‫ميًعا إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ب َ‬‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ه ي َغْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ّ‬
‫مةِ اللهِ إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬‫قن َطوا ِ‬‫ُ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫م { ]الزمر ‪.[53 :‬‬ ‫حي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫ن الْرض { أي ‪ :‬هو بصير بكم ‪ ،‬عليم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِذ ْ أن ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫شأك ْ‬ ‫م ب ِك ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬هُوَ أعْل ُ‬
‫بأحوالكم وأفعالكم وأقوالكم التي تصدر )‪ (5‬عنكم وتقع منكم ‪ ،‬حين أنشأ‬
‫ذر ‪ ،‬ثم قسمهم‬ ‫أباكم آدم من الرض ‪ ،‬واستخرج ذريته من صلبه أمثال ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة ِفي‬ ‫جن ّ ٌ‬
‫مأ ِ‬ ‫فريقين ‪ :‬فريقا للجنة وفريقا للسعير )‪ .(6‬وكذا قوله ‪ } :‬وَإ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬
‫جَله وعمله ‪ ،‬وشقي‬ ‫طو ُ‬
‫كل به رزَقه وأ َ‬ ‫م { قد كتب الملك الذي ي ُوَ ّ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬‫نأ ّ‬ ‫بُ ُ ِ‬
‫أم سعيد‪.‬‬
‫قال مكحول ‪ :‬كنا أجنة في بطون أمهاتنا ‪ ،‬فسقط منا من سقط ‪ ،‬وكنا فيمن‬
‫ة‪،‬‬ ‫فعَ ً‬‫بقي ‪ ،‬ثم كنا مراضع فهلك منا من هلك‪ .‬وكنا فيمن بقي ثم صرنا ي َ َ‬
‫فهلك منا من هلك‪ .‬وكنا فيمن بقي ثم صرنا شباًبا فهلك منا من هلك‪ .‬وكنا‬
‫فيمن بقي ثم صرنا شيوخا ‪ -‬ل أبا لك ‪ -‬فماذا بعد هذا ننتظر ؟ )‪ (7‬رواه ابن‬
‫أبي حاتم عنه‪.‬‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم ‪} ،‬‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فل ت َُز ّ‬
‫كوا أن ْ ُ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ُ‬
‫م بَ ِ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬
‫ن أن ْ ُ‬ ‫ن ي َُز ّ‬
‫كو َ‬ ‫ذي َ‬
‫م ت ََر إ ِلى ال ِ‬
‫قى { ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬أل ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬‫م ِ‬
‫م بِ َ‬‫هُوَ أعْل َ ُ‬
‫ن فَِتيل { ]النساء ‪.[49 :‬‬ ‫مو َ‬‫شاُء َول ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫كي َ‬ ‫ي َُز ّ‬
‫مرو الناقد ‪ ،‬حدثنا هاشم بن القاسم ‪،‬‬ ‫وقال مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا عَ ْ‬
‫حدثنا الليث ‪ ،‬عن يزيد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الزنا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬الزنا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬فهو"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ستصدر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬فريقا في الجنة وفريقا في السعير"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ينتظر"‪.‬‬

‫) ‪(7/462‬‬

‫ب فَهُ َ‬
‫و‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬
‫عل ْ ُ‬ ‫دى )‪ (34‬أ َ ِ‬
‫عن ْد َه ُ ِ‬ ‫َ‬
‫طى قَِليًل وَأك ْ َ‬ ‫ذي ت َوَّلى )‪ (33‬وَأ َعْ َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬
‫َ َ‬
‫أفََرأي ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذي وَّفى )‪(37‬‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫هي َ‬ ‫سى )‪ (36‬وَإ ِب َْرا ِ‬ ‫مو َ‬‫ف ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬‫ما ِفي ُ‬ ‫م لَ ْ‬
‫م ي ُن َب ّأ ب ِ َ‬ ‫ي ََرى )‪ (35‬أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َّل ت َزُِر َوازَِرة ٌ وِْزَر أ ُ ْ‬
‫ه‬
‫سعْي َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫سَعى )‪ (39‬وَأ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن إ ِّل َ‬ ‫س ل ِْل ِن ْ َ‬
‫سا ِ‬ ‫ن ل َي ْ َ‬
‫خَرى )‪ (38‬وَأ ْ‬
‫جَزاَء اْل َوَْفى )‪(41‬‬ ‫جَزاهُ ال ْ َ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ف ي َُرى )‪ (40‬ث ُ ّ‬ ‫سو ْ َ‬‫َ‬

‫بن أبي حبيب ‪ ،‬عن محمد بن عمرو بن عطاء قال ‪ :‬سميت ابنتي ب َّرة َ ‪،‬‬
‫فقالت لي زينب بنت أبي سلمة ‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى‬
‫عن هذا السم ‪ ،‬وسميت ب َّرة ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل‬
‫تزكوا أنفسكم ‪ ،‬إن الله أعلم بأهل البر منكم"‪ .‬فقالوا ‪ :‬بم نسميها ؟ قال ‪:‬‬
‫"سموها زينب" )‪.(1‬‬
‫وقد ثبت أيضا في الحديث الذي رواه المام أحمد حيث قال ‪ :‬حدثنا عفان ‪،‬‬
‫ذاء ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي بك َْرة ‪ ،‬عن أبيه‬ ‫ح ّ‬‫حدثنا وهيب ‪ ،‬حدثنا خالد ال َ‬
‫ل رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال رسول الله‬ ‫ج ٌ‬ ‫قال ‪ :‬مدح َر ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ويلك! قطعت عُن ُقَ صاحبك ‪ -‬مراًرا ‪ -‬إذا كان أحدكم‬
‫مادحا صاحبه ل محالة فليقل ‪ :‬أحسب فلنا ‪ -‬والله حسيبه ‪ ،‬ول أزكي على‬
‫الله أحدا ‪ -‬أحسبه كذا وكذا ‪ ،‬إن كان يعلم ذلك" )‪.(2‬‬
‫در ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن خالد الحذاء ‪ ،‬به‪ .‬وكذا رواه البخاري ‪،‬‬ ‫ثم رواه عن غُن ْ َ‬
‫ومسلم ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن خالد الحذاء ‪ ،‬به )‪.(3‬‬
‫كيع ‪ ،‬وعبد الرحمن قال حدثنا سفيان ‪ ،‬عن منصور‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن همام بن الحارث قال ‪ :‬جاء رجل إلى عثمان فأثنى عليه‬
‫في وجهه ‪ ،‬قال ‪ :‬فجعل المقداد بن السود يحثو في وجهه التراب ويقول ‪:‬‬
‫أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقينا المداحين أن نحثو في‬
‫وجوههم التراب‪.‬‬
‫ورواه مسلم وأبو داود من حديث الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬به )‪.(4‬‬
‫و‬ ‫َ‬
‫ب فهُ َ‬ ‫م الغَي ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫عن ْد َه ُ ِ‬ ‫دى )‪ (34‬أ َ ِ‬ ‫َ‬
‫طى قَِليل وَأك ْ َ‬ ‫ذي ت َوَّلى )‪ (33‬وَأ َعْ َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬
‫َ َ‬
‫} أفََرأي ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذي وَّفى )‪(37‬‬ ‫م ال ّ ِ‬‫هي َ‬ ‫سى )‪ (36‬وَإ ِب َْرا ِ‬ ‫مو َ‬‫ف ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ِفي ُ‬ ‫م ي ُن َب ّأ ب ِ َ‬‫م لَ ْ‬ ‫ي ََرى )‪ (35‬أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأل ت َزُِر َوازَِرة ٌ وِْزَر أ ُ ْ‬
‫ه‬
‫سعْي َ ُ‬‫ن َ‬ ‫سَعى )‪ (39‬وَأ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫سا ِ‬ ‫س ِللن ْ َ‬ ‫ن ل َي ْ َ‬
‫خَرى )‪ (38‬وَأ ْ‬
‫جَزاَء الوَْفى )‪.{ (41‬‬ ‫جَزاهُ ال ْ َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ف ي َُرى )‪ (40‬ث ُ ّ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫لى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ص‬‫َ‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫د‬
‫َ ّ‬‫ص‬ ‫فل‬‫َ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الله‬ ‫طاعة‬ ‫عن‬ ‫تولى‬ ‫لمن‬ ‫ما‬‫ّ‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫َ‬ ‫ب وَت َوَّلى { ]القيامة ‪ } ، [32 ، 31 :‬وَأ َعْ َ‬
‫دى { قال ابن‬ ‫طى قَِليل وَأك ْ َ‬ ‫ك َذ ّ َ‬
‫عباس ‪ :‬أطاع قليل ثم قطعه‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعكرمة ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬قال عكرمة وسعيد ‪ :‬كمثل القوم إذا كانوا يحفرون‬
‫بئًرا ‪ ،‬فيجدون في أثناء الحفر صخرة تمنعهم من تمام العمل ‪ ،‬فيقولون ‪:‬‬
‫"أكدينا" ‪ ،‬ويتركون العمل‪.‬‬
‫ب فَهُوَ ي ََرى { أي ‪ :‬أعند هذا الذي قد أمسك يده‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫عن ْد َه ُ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ َ ِ‬
‫خشية النفاق ‪ ،‬وقطع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(2142‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(5/45‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (5/41‬وصحيح البخاري برقم )‪ (2662‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪ (3000‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4805‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(3744‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪ (3002‬وسنن أبي داود برقم )‪.(4804‬‬

‫) ‪(7/463‬‬

‫معروفه ‪ ،‬أعنده علم الغيب أنه سينفد ما في يده ‪ ،‬حتى قد أمسك عن‬
‫معروفه ‪ ،‬فهو يرى ذلك عيانا ؟! أي ‪ :‬ليس المر كذلك ‪ ،‬وإنما أمسك عن‬
‫الصدقة والمعروف والبر والصلة بخل وشحا وهلعا ؛ ولهذا جاء في الحديث ‪:‬‬
‫ما‬‫ش من ذي العرش إقلل" )‪ ، (1‬وقد قال الله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫خ َ‬ ‫"أنفق بلل ول ت َ ْ‬
‫ن { ]سبأ ‪.[39 :‬‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬ ‫ه وَهُوَ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫خل ِ ُ‬
‫يٍء فهُوَ ي ُ ْ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬‫م ِ‬ ‫قت ُ ْ‬ ‫أ َن ْ َ‬
‫ف ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذي وَّفى { قال سعيد‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫هي َ‬
‫سى‪ .‬وَإ ِب َْرا ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬‫ما ِفي ُ‬ ‫م ي ُن َب ّأ ب ِ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫بن جبير ‪ ،‬والثوري أي بّلغ جميع ما أمر به‪.‬‬
‫جَبير ‪ } :‬وَّفى { ما‬ ‫وقال ابن عباس ‪ } :‬وَّفى { لله بالبلغ‪ .‬وقال سعيد بن ُ‬
‫أمر به‪ .‬وقال قتادة ‪ } :‬وَّفى { طاعة الله ‪ ،‬وأدى رسالته الى خلقه‪ .‬وهذا‬
‫القول هو اختيار ابن جرير ‪ ،‬وهو يشمل الذي قبله ‪ ،‬ويشهد له قوله تعالى ‪:‬‬
‫عل ُ َ‬ ‫َ‬
‫ما {‬ ‫ما ً‬ ‫س إِ َ‬
‫ك ِللّنا ِ‬ ‫جا ِ‬
‫ل إ ِّني َ‬ ‫ن َقا َ‬‫مهُ ّ‬ ‫ت فَأت َ ّ‬ ‫ما ٍ‬‫ه ب ِك َل ِ َ‬ ‫م َرب ّ ُ‬ ‫هي َ‬ ‫} وَإ ِذِ اب ْت ََلى إ ِب َْرا ِ‬
‫]البقرة ‪ [124 :‬فقام بجميع الوامر ‪ ،‬وترك جميع النواهي ‪ ،‬وبلغ الرسالة‬
‫على التمام والكمال ‪ ،‬فاستحق بهذا أن يكون للناس إماما ُيقَتدى به في‬
‫ةّ‬
‫مل َ‬ ‫جميع أحواله وأفعاله وأقواله ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬ث ُم أ َوحينا إل َي َ َ‬
‫ن ات ّب ِعْ ِ‬‫كأ ِ‬ ‫ّ ْ َ َْ ِ ْ‬
‫ن { ]النحل ‪.[123 :‬‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫فا وَ َ‬ ‫حِني ً‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫مصي ‪ ،‬حدثنا آدم بن أبي‬ ‫ح ْ‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عوف ال ِ‬
‫أياس العسقلني ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا جعفر بن الزبير ‪ ،‬عن القاسم‬
‫‪ ،‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬تل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الية ‪:‬‬
‫ذي وَّفى { قال ‪" :‬أتدري ما وفى ؟" قلت ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪.‬‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫هي َ‬‫} وَإ ِب َْرا ِ‬
‫قال ‪" :‬وفى عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار"‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير من حديث جعفر بن الزبير ‪ ،‬وهو ضعيف )‪.(2‬‬
‫سِهر ‪،‬‬
‫م ْ‬ ‫مناني ‪ ،‬حدثنا أبو ُ‬
‫س ْ‬
‫وقال الترمذي في جامعه ‪ :‬حدثنا أبو جعفر ال ّ‬
‫مْعدان ‪ ،‬عن‬‫حدثنا إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن بحير بن سعد )‪ ، (3‬عن خالد بن َ‬
‫فير ‪ ،‬عن أبي الدرداء وأبي ذر ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫جبير بن ن ُ َ‬
‫وسلم عن الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أنه قال ‪" :‬ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول‬
‫النهار ‪ ،‬أكفك آخره" )‪.(4‬‬
‫قال ابن أبي حاتم رحمه الله ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الربيع بن سليمان ‪ ،‬حدثنا‬
‫أسد بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن ل َِهيَعة ‪ ،‬حدثنا َزّبان بن قائد ‪ ،‬عن سهل بن معاذ‬
‫بن أنس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬أل‬
‫أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى ؟ إنه كان يقول كلما أصبح‬
‫وأمسى ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬جاء من حديث ابي هريرة وبلل وابن مسعود‪ .‬أما حديث أبي هريرة ‪:‬‬
‫فرواه أبو نعيم في الحلية )‪ (2/280‬والطبراني في المعجم الكبير )‪(1/341‬‬
‫من طريقين عن محمد بن سيرين عنه به‪.‬‬
‫وأما حديث بلل ‪ :‬فرواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (1/359‬من طريق‬
‫أبي إسحاق عن مسروق عنه به‪.‬‬
‫وأما حديث ابن مسعود ‪ :‬فرواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (10/191‬من‬
‫طريق يحيى بن وثاب عن مسروق عنه به‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(27/43‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يحيى بن سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي برقم )‪ (475‬وقال ‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪.‬‬

‫) ‪(7/463‬‬

‫حون { ]الروم ‪ [17 :‬حتى ختم الية‪.‬‬ ‫صب ِ ُ‬


‫ن تُ ْ‬
‫حي َ‬ ‫ن وَ ِ‬‫سو َ‬ ‫م ُ‬
‫ن تُ ْ‬ ‫حي َ‬‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫} فَ ُ‬
‫دين بن سعد ‪ ،‬عن )‪َ (1‬زّبان ‪ ،‬به )‬ ‫ش ِ‬ ‫ُ‬
‫ورواه ابن جرير عن أبي كَرْيب ‪ ،‬عن رِ ْ‬
‫‪.(2‬‬
‫ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال ‪ } :‬ألَ‬
‫خَرى { أي ‪ :‬كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من‬ ‫ت َزُِر َوازَِرة ٌ وِْزَر أ ُ ْ‬
‫قل َ ٌ‬
‫ة‬ ‫مث ْ َ‬
‫ن ت َد ْع ُ ُ‬
‫الذنوب فإنما عليها وزرها ‪ ،‬ل يحمله عنها أحد ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن ل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫ن َذا قُْرَبى { ]فاطر ‪ } ، [18 :‬وَأ ْ‬ ‫يٌء وَل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫مل َِها ل ي ُ ْ‬‫ح ْ‬‫إ َِلى ِ‬
‫سَعى { أي ‪ :‬كما ل يحمل عليه وزر غيره ‪ ،‬كذلك ل يحصل من‬ ‫ما َ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ِللن ْ َ‬
‫الجر إل ما كسب هو لنفسه‪ .‬ومن وهذه الية الكريمة استنبط الشافعي ‪،‬‬
‫رحمه الله ‪ ،‬ومن اتبعه أن القراءة ل يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ؛ لنه‬
‫ليس من عملهم ول كسبهم ؛ ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أمته ول حثهم عليه ‪ ،‬ول أرشدهم إليه بنص ول إيماء ‪ ،‬ولم ينقل ذلك‬
‫عن أحد من الصحابة ‪ ،‬رضي الله عنهم ‪ ،‬ولو كان خيرا لسبقونا إليه ‪ ،‬وباب‬
‫القربات يقتصر فيه على النصوص ‪ ،‬ول يتصرف فيه بأنواع القيسة والراء ‪،‬‬
‫فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ‪ ،‬ومنصوص من الشارع‬
‫عليهما‪.‬‬
‫وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا مات النسان انقطع عمله إل من‬
‫ثلث ‪ :‬من ولد صالح يدعو له ‪ ،‬أو صدقة جارية من بعده ‪ ،‬أو علم ينتفع به" )‬
‫‪ ، (3‬فهذه الثلثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله ‪ ،‬كما جاء في‬
‫الحديث ‪" :‬إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ‪ ،‬وإن ولده من كسبه" )‪.(4‬‬
‫والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه ‪ ،‬وقد قال تعالى ‪:‬‬
‫هم { )‪ (5‬الية ]يس ‪.[12 :‬‬ ‫موا َوآَثاَر ُ‬ ‫ما قَد ّ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫موَْتى وَن َك ْت ُ ُ‬ ‫حِيي ال ْ َ‬ ‫ن نُ ْ‬ ‫ح ُ‬
‫} إ ِّنا ن َ ْ‬
‫والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضا من سعيه‬
‫وعمله ‪ ،‬وثبت في الصحيح ‪" :‬من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور‬
‫من اتبعه ‪ ،‬من غير أن ينقص من أجورهم شيئا"‪.‬‬
‫ف ي َُرى { أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫سوْ َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫سعْي َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫ن إ َِلى َ‬
‫عال ِم ِ‬ ‫ست َُرّدو َ‬
‫ن وَ َ‬ ‫ه َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫سول ُ ُ‬‫م وََر ُ‬ ‫مل َك ُ ْ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫سي ََرى الل ّ ُ‬ ‫مُلوا فَ َ‬ ‫ل اعْ َ‬‫} وَقُ ِ‬
‫ملون { ]التوبة ‪ [105 :‬أي ‪ :‬فيخبركم‬ ‫ُ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ُ‬
‫شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ْ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫ال ْغَي ْ ِ‬
‫به ‪ ،‬ويجزيكم عليه أتم الجزاء ‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا فشر‪ .‬وهكذا قال‬
‫جَزاَء الوَْفى { أي ‪ :‬الوفر‪.‬‬ ‫جَزاهُ ال ْ َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫هاهنا ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪ (27/43‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪(20/192‬‬
‫من كل الطريقين وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/117‬فيه ضعفاء‬
‫وثقوا"‪.‬‬
‫قلت في الولى ‪ :‬ابن لهيعة وهو ضعيف‪.‬‬
‫وفي الثانية ‪ :‬رشدين بن سعد وهو ضعيف‪.‬‬
‫وفيهما ‪ :‬زيان بن فائد وهو ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(1631‬‬
‫)‪ (4‬رواه أحمد في المسند )‪ (6/31‬وأبو داود في السنن برقم )‪(3528‬‬
‫والترمذي في السنن برقم )‪ (1358‬والنسائي في السنن )‪ (7/240‬من‬
‫حديث عائشة رضي الله عنها‪ /‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪) :‬وآثارهم وكل شيء أحصيناه(‪.‬‬

‫) ‪(7/465‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك وَأ َب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫حَيا‬
‫ت وَأ ْ‬
‫ما َ‬
‫ه هُوَ أ َ‬
‫كى )‪ (43‬وَأن ّ ُ‬ ‫ح َ‬
‫ض َ‬
‫ه هُوَ أ ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫من ْت ََهى )‪ (42‬وَأن ّ ُ‬ ‫ن إ َِلى َرب ّ َ‬
‫وَأ ّ‬
‫)‪(44‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك وَأ َب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫ما َ‬
‫ه هُوَ أ َ‬
‫كى )‪ (43‬وَأن ّ ُ‬ ‫ح َ‬
‫ض َ‬
‫ه هُوَ أ ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫من ْت ََهى )‪ (42‬وَأن ّ ُ‬ ‫ن إ َِلى َرب ّ َ‬
‫} وَأ ّ‬
‫حَيا )‪{ (44‬‬ ‫َ‬
‫وَأ ْ‬

‫) ‪(7/466‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن عَل َي ْهِ‬‫مَنى )‪ (46‬وَأ ّ‬ ‫فةٍ إ َِذا ت ُ ْ‬ ‫ن ن ُط ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الذ ّك ََر َواْل ُن َْثى )‪ِ (45‬‬ ‫ِ‬ ‫جي ْ‬‫خل َقَ الّزوْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫وَأن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الن ْ َ‬
‫شعَْرى )‪(49‬‬ ‫ب ال ّ‬‫ه هُوَ َر ّ‬ ‫ه هُوَ أغَْنى وَأقَْنى )‪ (48‬وَأن ّ ُ‬ ‫خَرى )‪ (47‬وَأن ّ ُ‬ ‫شأةَ اْل ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪51‬‬ ‫)‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫لوَلى )‪ (50‬وث َمود فَما أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫دا‬ ‫عا‬
‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫وأ َنه أ َْ‬
‫ه‬
‫َ ْ َ ُ ٍ ِ ْ ْ ِّ ُ ْ‬ ‫َ ُ َ َ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ ّ ُ‬
‫ة أَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫كانوا هُم أ َظ ْل َم وأ َ‬
‫شى )‪(54‬‬ ‫ما غَ ّ‬ ‫َ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫شا‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪53‬‬ ‫)‬ ‫وى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ؤ‬
‫َ ُ َِ‬ ‫م‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫(‬‫‪52‬‬ ‫)‬ ‫غى‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ماَرى )‪(55‬‬ ‫َ‬
‫فَب ِأيّ آَلِء َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ك ت َت َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن عَل َي ْهِ‬ ‫مَنى )‪ (46‬وَأ ّ‬ ‫فةٍ إ َِذا ت ُ ْ‬ ‫ن ن ُط ْ َ‬‫م ْ‬ ‫ن الذ ّك ََر َوالن َْثى )‪ِ (45‬‬ ‫ِ‬ ‫جي ْ‬‫خل َقَ الّزوْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫} وَأن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الن ْ َ‬
‫شعَْرى )‪(49‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ه هُوَ َر ّ‬ ‫ه هُوَ أغَْنى وَأقَْنى )‪ (48‬وَأن ّ ُ‬ ‫خَرى )‪ (47‬وَأن ّ ُ‬ ‫شأةَ ال ْ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن قب ْل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ُنوٍح ِ‬ ‫قى )‪ (51‬وَقوْ َ‬ ‫ما أب ْ َ‬ ‫مود َ ف َ‬
‫عاًدا الولى )‪ (50‬وَث ُ‬ ‫ه أهْلك َ‬ ‫وَأن ّ ُ‬
‫كانوا هُم أ َظ ْل َم وأ َط َْغى )‪ (52‬وال ْمؤْتفك َ َ َ‬
‫شى )‪(54‬‬ ‫ما غَ ّ‬ ‫ها َ‬‫شا َ‬ ‫وى )‪ (53‬فَغَ ّ‬ ‫ة أهْ َ‬ ‫َ ُ َِ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ماَرى )‪{ (55‬‬ ‫فَب ِأيّ آلِء َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ك ت َت َ َ‬
‫َ‬
‫من ْت ََهى { أي ‪ :‬المعاد يوم القيامة‪.‬‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ن إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫يقول تعالى ]مخبرا[ )‪ } (1‬وَأ ّ‬
‫سعيد ‪ ،‬حدثنا مسلم بن‬ ‫ويد بن َ‬ ‫س َ‬ ‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫خالد ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سابط ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون الْوديّ قال ‪ :‬قام‬
‫فينا معاذ بن جبل فقال ‪ :‬يا بني أود ‪ ،‬إني رسول الله إليكم ‪ ،‬تعلمون أن‬
‫المعاد إلى الله ‪ ،‬إلى الجنة أو إلى النار‪.‬‬
‫وذكر البغوي من رواية أبي جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي‬
‫العالية ‪ ،‬عن أبي بن كعب ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ‪:‬‬
‫َ‬
‫من ْت ََهى { ‪ ،‬قال ‪ :‬ل فكرة َ في الرب )‪.(2‬‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ن إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫} وَأ ّ‬
‫كروا في الخلق‬ ‫قال البغوي ‪ :‬وهذا مثل ما ُروي عن أبي هريرة مرفوعا ‪" :‬تف ّ‬
‫كرة"‪.‬‬ ‫ف ْ‬
‫ول تفكروا في الخالق ‪ ،‬فإنه ل تحيط )‪ (3‬به ال ِ‬
‫كذا أورده ‪ ،‬وليس بمحفوظ بهذا اللفظ )‪ ، (4‬وإنما الذي في الصحيح ‪" :‬يأتي‬
‫الشيطان أحدكم فيقول ‪ :‬من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول ‪ :‬من‬
‫خلق ربك ؟ فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ بالله وَل ْي َن َْته" )‪.(5‬‬
‫وفي الحديث الخر الذي في السنن ‪" :‬تفكروا في مخلوقات الله ‪ ،‬ول تفكروا‬
‫سيرة‬ ‫م ِ‬ ‫)‪ (6‬في ذات الله ‪ ،‬فإن الله خلق ملكا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه َ‬
‫ثلثمائة سنة" أو كما قال )‪.(7‬‬
‫كى { أي ‪ :‬خلق في عباده الضحك ‪ ،‬والبكاء‬ ‫ك وَأ َب ْ َ‬‫ح َ‬ ‫ض َ‬
‫َ‬
‫ه هُوَ أ ْ‬
‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَأن ّ ُ‬
‫وسببهما وهما مختلفان‪.‬‬
‫حَياة { ]الملك ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت َوال َ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫خلقَ ال َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حَيا { ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ال ِ‬ ‫ت وَأ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ه هُوَ أ َ‬ ‫} وَأن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫جي ْ ِ‬ ‫خل َقَ الّزوْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫‪ } ، [2‬وَأن ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬معالم التنزيل للبغوي )‪.(7/417‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬يحيط"‪.‬‬
‫)‪ (4‬معالم التنزيل للبغوي )‪ (7/417‬ورواه ابن عساكر في المجلس التاسع‬
‫والثلثون ومائة من المالي )‪ (50/1‬كما في السلسلة الصحيحة )‪ (4/395‬من‬
‫طريق محمد بن سلمة البلخي عن بشر بن الوليد عن عبد العزيز بن أبي‬
‫سلمة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة به ‪ ،‬وفيه بشر بن الوليد‬
‫وهو ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (3276‬وصحيح مسلم برقم )‪.(134‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ول تتفكروا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬لم أجده بهذا اللفظ ‪ ،‬وقد روى أبو داود القطعة الثانية في سننه برقم )‬
‫‪ (4727‬من حديث جابر رضي الله عنه ‪ ،‬مرفوعا بلفظ ‪" :‬أذن لي أن أحدث‬
‫عن ملك من ملئكة الله من حملة العرش ‪ ،‬وإن ما بين شحمه أذنه إلى‬
‫عاتقه مسيرة سبعمائة عام"‪.‬‬
‫والقطعة الولى ‪ :‬رويت من حديث أبي ذر مرفوعا ‪" :‬تفكروا في خلق الله ‪،‬‬
‫ول تتفكروا في الله فتهلكوا"‪.‬‬
‫أخرجه أبو الشيخ في العظمة برقم )‪.(4‬‬
‫) ‪(7/466‬‬

‫فة إَذا تمنى { ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬أ َيحسب النسا َ‬


‫ك‬ ‫ن ي ُت َْر َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫ن ن ُط ْ َ ٍ ِ ُ ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫الذ ّك ََر َوالن َْثى‪ِ .‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫وى‪ .‬فَ َ‬ ‫س ّ‬ ‫خل َقَ فَ َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ق ً‬ ‫ن عَل َ َ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫مَنى‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫ي يُ ْ‬ ‫من ِ ّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ً‬‫ك ن ُط ْ َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫دى‪ .‬أل َ ْ‬ ‫س ً‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موَْتى { ]القيامة ‪:‬‬ ‫ي ال َ‬ ‫حي ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫قادِرٍ عَلى أ ْ‬ ‫س ذ َل ِك ب ِ َ‬ ‫ن الذ ّكَر َوالن َْثى‪ .‬ألي ْ َ‬ ‫جي ْ ِ‬ ‫الّزوْ َ‬
‫‪.(1) .[40 - 36‬‬
‫خَرى { أي ‪ :‬كما خلق البداءة هو قادر على‬ ‫َ‬ ‫ن عَلي ْهِ الن ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شأةَ ال ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫مّلك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه هُوَ أغَْنى وَأقَْنى { أي ‪َ :‬‬ ‫العادة ‪ ،‬وهي النشأة الخرة يوم القيامة‪ } .‬وَأن ّ ُ‬
‫عباده المال ‪ ،‬وجعله لهم قُن َْية مقيما عندهم ‪ ،‬ل يحتاجون إلى بيعه ‪ ،‬فهذا‬
‫تمام النعمة عليهم‪ .‬وعلى هذا يدور كلم كثير من المفسرين ‪ ،‬منهم أبو صالح‬
‫ول ‪ } ،‬وَأ َقَْنى { ‪ :‬أخدم‪.‬‬ ‫م ّ‬
‫َ‬
‫‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وغيرهما‪ .‬وعن مجاهد ‪ } :‬أغَْنى { ‪َ :‬‬
‫وكذا قال قتادة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضى‪.‬‬ ‫وقال ابن عباس ومجاهد أيضا ‪ } :‬أغَْنى { ‪ :‬أعطى ‪ } ،‬وَأقَْنى { ‪َ :‬ر ّ‬
‫وقيل ‪ :‬معناه ‪ :‬أغنى نفسه وأفقر الخلئق إليه ‪ ،‬قاله الحضرمي بن لحق‪.‬‬
‫وقيل ‪ } :‬أ َغَْنى { من شاء من خلقه و } وَأ َقَْنى { ‪ :‬أفقر من شاء منهم ‪،‬‬
‫قاله ابن زيد‪ .‬حكاهما ابن جرير )‪ (2‬وهما بعيدان من حيث اللفظ‪.‬‬
‫شعَْرى { قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬
‫ه هُوَ َر ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأن ّ ُ‬
‫مْرَزم الجوزاء" كانت‬ ‫زيد ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هو هذا النجم الوقاد الذي يقال له ‪ِ " :‬‬
‫طائفة من العرب يعبدونه‪.‬‬
‫عاًدا الوَلى { وهم ‪ :‬قوم هود‪ .‬ويقال لهم ‪ :‬عاد بن إرم بن سام‬ ‫ك َ‬ ‫ه أ َهْل َ َ‬ ‫َ‬
‫} وَأن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ماِد‪.‬‬ ‫ت ال ْعِ َ‬‫م َذا ِ‬ ‫ك ب َِعاٍد‪ .‬إ َِر َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫ف فَعَ َ‬ ‫م ت ََر ك َي ْ َ‬ ‫بن نوح ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫مث ْل َُها ِفي ال ِْبلد ِ { ]الفجر ‪ ، [8 - 6 :‬فكانوا من أشد الناس‬ ‫خل َقْ ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ال ِّتي ل َ ْ‬
‫ر‬
‫ص ٍ‬‫صْر َ‬ ‫ريٍح َ‬ ‫رسوله ‪ ،‬فأهلكهم الله } ب ِ ِ‬ ‫وأقواهم وأعتاهم على الله وعلى‬
‫َ‬
‫ما { ]الحاقة ‪.[7 ، 6 :‬‬ ‫سو ً‬ ‫ح ُ‬ ‫ة أّيام ٍ ُ‬ ‫مان ِي َ َ‬ ‫ل وَث َ َ‬ ‫سب ْعَ ل ََيا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ها عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫س ّ‬ ‫ة‪َ .‬‬ ‫عات ِي َ ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م ُنوٍح‬ ‫قى { ‪ ،‬أي ‪ :‬دمرهم فلم يبق منهم أحدا ‪ } ،‬وَقَوْ َ‬ ‫ما أب ْ َ‬ ‫مود َ فَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَث َ ُ‬
‫م وَأط َْغى { أي ‪ :‬أشد‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أظ ْل َ َ‬ ‫كاُنوا هُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَْبل { أي ‪ :‬من قبل هؤلء ‪ } ،‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫وى { يعني ‪ :‬مدائن لوط ‪ ،‬قَلبها‬ ‫َ‬ ‫فك َ َ‬ ‫ْ‬
‫ة أهْ َ‬ ‫مؤْت َ ِ‬ ‫تمردا من الذين من بعدهم ‪َ } ،‬وال ُ‬
‫عليهم فجعل عاليها سافلها ‪ ،‬وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود ؛ ولهذا‬
‫شى { يعني ‪ :‬من الحجارة التي أرسلها عليهم‬ ‫ما غَ ّ‬ ‫ها َ‬ ‫شا َ‬ ‫قال ‪ } :‬فَغَ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من ْذ َِرين { ]الشعراء ‪.[173 :‬‬ ‫مطُر ال ُ‬ ‫ساَء َ‬ ‫مطًرا فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫مط َْرَنا عَلي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫} وَأ ْ‬
‫قال قتادة ‪ :‬كان في مدائن لوط أربعة آلف ألف إنسان ‪ ،‬فانضرم عليهم‬
‫طران كفم التون )‪ .(3‬رواه )‪ (4‬ابن أبي حاتم ‪،‬‬ ‫الوادي شيئا من نار ونفط وقَ ِ‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن محمد بن وهب بن عطية ‪ ،‬عن الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن خليد ‪،‬‬
‫عنه به‪ .‬وهو غريب جدا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬تمنى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(27/44‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬كتم النوف"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬ورواه"‪.‬‬

‫) ‪(7/467‬‬
‫ت اْل َزِفَ ُ‬ ‫َ‬ ‫من الن ّذ ُر ا ْ ُ‬
‫ن الل ّهِ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ل ََها ِ‬‫ة )‪ (57‬ل َي ْ َ‬ ‫لوَلى )‪ (56‬أزِفَ ِ‬ ‫ذيٌر ِ َ َ ِ‬ ‫ذا ن َ ِ‬ ‫هَ َ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن وَل ت َب ْكو َ‬ ‫ُ‬
‫حكو َ‬ ‫ض َ‬‫ن )‪ (59‬وَت َ ْ‬ ‫جُبو َ‬ ‫ث ت َعْ َ‬‫دي ِ‬‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ذا ال َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ة )‪ (58‬أف ِ‬ ‫ف ٌ‬‫ش َ‬ ‫كا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫دوا )‪(62‬‬ ‫دوا ل ِل ّهِ َواعْب ُ ُ‬
‫ج ُ‬‫س ُ‬ ‫ن )‪َ (61‬فا ْ‬ ‫دو َ‬
‫م ُ‬
‫سا ِ‬
‫م َ‬ ‫وَأن ْت ُ ْ‬

‫ماَرى { أي ‪ :‬ففي أي نعم الله عليك أيها النسان تمتري ؟‬ ‫ك ت َت َ َ‬‫} فَب ِأ َيّ آلءِ َرب ّ َ‬
‫قاله قتادة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ماَرى { يا محمد‪ .‬والول أولى ‪ ،‬وهو‬ ‫جَريج ‪ } :‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ت َت َ َ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س لَها ِ‬ ‫ة )‪ (57‬لي ْ َ‬ ‫ت الزِف ُ‬ ‫ن الن ّذ ُرِ الولى )‪ (56‬أزِف ِ‬ ‫م َ‬ ‫ذيٌر ِ‬ ‫ذا ن َ ِ‬ ‫} هَ َ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َول ت َب ْكو َ‬ ‫حكو َ‬ ‫ض َ‬
‫ن )‪ (59‬وَت َ ْ‬ ‫جُبو َ‬ ‫ث ت َعْ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬‫ذا ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة )‪ (58‬أف ِ‬ ‫ف ٌ‬‫ش َ‬ ‫كا ِ‬
‫َ‬
‫دوا )‪{ (62‬‬ ‫دوا ل ِل ّهِ َواعْب ُ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ن )‪َ (61‬فا ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَأن ْت ُ ْ‬
‫ن الن ّذ ُرِ الوَلى { أي ‪:‬‬ ‫م َ‬
‫ذيٌر { يعني ‪ :‬محمدا صلى الله عليه وسلم } ِ‬ ‫ذا ن َ ِ‬ ‫} هَ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫عا ِ‬‫ت ب ِد ْ ً‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫من جنسهم ‪ ،‬أرسل كما أرسلوا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫سل { ]الحقاف ‪.[9 :‬‬ ‫الّر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫س لَها ِ‬ ‫ت الزَِفة { أي ‪ :‬اقتربت القريبة ‪ ،‬وهي القيامة ‪ } ،‬لي ْ َ‬ ‫} أزِفَ ِ‬
‫ة { أي ‪ :‬ل يدفعها إًذا من دون الله أحد ‪ ،‬ول يطلع على علمها‬ ‫ف ٌ‬‫ش َ‬ ‫كا ِ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫سواه‪.‬‬
‫ثم قال تعالى منكرا على المشركين في استماعهم القرآن وإعراضهم عنه‬
‫ن )‪ { (2‬منه‬ ‫كو َ‬‫ح ُ‬ ‫ض َ‬
‫ن )‪ { (1‬من أن يكون صحيحا ‪ } ،‬وَت َ ْ‬ ‫جُبو َ‬ ‫وتلهيهم ‪ } :‬ت َعْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬كما يفعل الموقنون به ‪ ،‬كما أخبر‬ ‫ُ‬
‫استهزاء وسخرية ‪َ } ،‬ول ت َب ْكو َ‬
‫عا { ]السراء ‪.[109 :‬‬ ‫شو ً‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬
‫زيد ُهُ ْ‬ ‫ن وَي َ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن ي َب ْ ُ‬ ‫ن ِللذ َْقا ِ‬ ‫خّرو َ‬ ‫عنهم ‪ } :‬وَي َ ِ‬
‫ن { قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫م ُ‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأن ْت ُ ْ‬
‫ن )‪ (3‬لنا‪ .‬وكذا قال عكرمة‪.‬‬ ‫مد لنا ‪ :‬غَ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫قال ‪ :‬الغناء ‪ ،‬هي يمانية ‪ ،‬ا ْ‬
‫ن { ‪ :‬معرضون‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪،‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫وفي رواية عن ابن عباس ‪َ } :‬‬
‫وعكرمة‪ .‬وقال الحسن ‪ :‬غافلون‪ .‬وهو رواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي‬
‫طالب‪ .‬وفي رواية عن ابن عباس ‪ :‬تستكبرون‪ .‬وبه يقول السدي‪.‬‬
‫ثم قال آمرا لعباده بالسجود له والعبادة المتابعة لرسوله صلى الله عليه‬
‫دوا { )‪ (4‬أي ‪ :‬فاخضعوا له‬ ‫دوا ل ِل ّهِ َواعْب ُ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫وسلم والتوحيد والخلص ‪َ } :‬فا ْ‬
‫وأخلصوا ووحدوا‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬حدثنا عبد الوارث ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن‬ ‫معْ َ‬ ‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا أبو َ‬
‫عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم ‪،‬‬
‫وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والنس‪ .‬انفرد به دون مسلم )‪.(5‬‬
‫مر ‪ ،‬عن ابن‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن خالد ‪ ،‬حدثنا رباح ‪ ،‬عن َ‬
‫طاوس ‪ ،‬عن عكرمة بن خالد ‪ ،‬عن جعفر بن المطلب بن أبي وََداعة ‪ ،‬عن‬
‫أبيه قال ‪ :‬قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سورة النجم ‪ ،‬فسجد‬
‫ت أن أسجد ‪ ،‬ولم يكن أسلم يومئذ‬ ‫ت رأسي وأبي ُ‬ ‫جد من عنده ‪ ،‬فرفع ُ‬ ‫س َ‬ ‫و َ‬
‫المطلب ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬يعجبون"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬يضحكون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬تغني"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬فليسجدوا" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(4862‬‬
‫) ‪(7/468‬‬

‫دا يقرؤها )‪ (1‬إل سجد معه‪.‬‬ ‫فكان بعد ذلك ل يسمع أح ً‬


‫وقد رواه النسائي في الصلة ‪ ،‬عن عبد الملك بن عبد الحميد ‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫حنبل ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫َ‬
‫ن الن ّذ ُرِ الولى‪.‬‬‫م َ‬‫ذيٌر ِ‬ ‫ذكر حديث له مناسبة بما تقدم من قوله تعالى ‪ } :‬هَ َ‬
‫ذا ن َ ِ‬
‫ت الزَِفة { ‪ ،‬فإن النذير هو ‪ :‬الحذر لما يعاين من الشر ‪ ،‬الذي يخشى‬ ‫َ‬
‫أزِفَ ِ‬
‫ب‬
‫ذا ٍ‬ ‫ن ي َد َيْ عَ َ‬
‫م ب َي ْ َ‬‫ذيٌر ل َك ُ ْ‬
‫ن هُوَ ِإل ن َ ِ‬‫وقوعه فيمن أنذرهم ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ديد { ]سبأ ‪ .[46 :‬وفي الحديث ‪" :‬أنا النذير الُعريان" أي ‪ :‬الذي أعجله‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫شدة ما عاين من الشر عن أن يلبس عليه شيًئا ‪ ،‬بل بادر إلى إنذار قومه‬
‫ت الزَِفة { أي ‪:‬‬ ‫َ‬
‫عريانا مسرعا مناسب لقوله ‪ } :‬أزِفَ ِ‬ ‫قبل ذلك ‪ ،‬فجاءهم ُ‬
‫اقتربت القريبة ‪ ،‬يعني ‪ :‬يوم القيامة كما قال في أول السورة التي بعدها ‪} :‬‬
‫ة { ]القمر ‪ ، [ 1 :‬قال المام أحمد ‪:‬‬ ‫ساعَ ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫اقْت ََرب َ ِ‬
‫حدثنا أنس بن عياض ‪ ،‬حدثني أبو حازم ‪ -‬ل أعلم إل عن سهل بن سعد ‪ -‬قال‬
‫‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إياكم ومحقرات الذنوب ‪ ،‬فإنما‬
‫مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد ‪ ،‬فجاء ذا بعود ‪ ،‬وجاء ذا بعود‬
‫خب َْزتهم ‪ ،‬وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه"‪.‬‬ ‫حتى أنضجوا ُ‬
‫مَرة ‪ :‬ل‬ ‫ض ْ‬
‫وقال أبو حازم ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال أبو َ‬
‫أعلم إل عن سهل بن سعد ‪ -‬قال ‪" :‬مثلي مثل الساعة كهاتين" وفرق بين‬
‫أصبعيه الوسطى والتي تلي البهام ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬مثلي ومثل الساعة كمثل‬
‫هان" ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬مثلي ومثل الساعة كمثل رجل بعثه قومه طليعة ‪،‬‬ ‫سي رِ َ‬ ‫َفر َ‬
‫فلما خشي أن يسبق ألح بثوبه ‪ :‬أتيتم أتيتم"‪ .‬ثم يقول رسول الله صلى الله‬
‫حسان‪.‬‬ ‫عليه وسلم ‪" :‬أنا ذلك" )‪ .(3‬وله شواهد من وجوه أخر من صحاح و ِ‬
‫ولله الحمد والمنة ‪ ،‬وبه الثقة والعصمة‪.‬‬
‫آخر ]تفسير[ )‪ (4‬سورة النجم ولله الحمد والمنة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يقرأ بها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (6/399‬وسنن النسائي )‪.(2/160‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(5/331‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/469‬‬

‫مّر‬
‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬‫قوُلوا ِ‬ ‫ضوا وَي َ ُ‬ ‫ة ي ُعْرِ ُ‬‫ن ي ََرْوا آ َي َ ً‬‫مُر )‪ (1‬وَإ ِ ْ‬ ‫ق َ‬‫شقّ ال ْ َ‬ ‫ة َوان ْ َ‬
‫ساعَ ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫اقْت ََرب َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ن اْلن َْباِء َ‬‫م َ‬
‫م ِ‬
‫جاَءهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬‫قّر )‪ (3‬وَل َ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫مرٍ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫م وَك ُ ّ‬‫واَءهُ ْ‬ ‫)‪ (2‬وَك َذ ُّبوا َوات ّب َُعوا أهْ َ‬
‫ن الن ّذ ُُر )‪(5‬‬ ‫ة فَ َ‬
‫ما ت ُغْ ِ‬ ‫ة َبال ِغَ ٌ‬‫م ٌ‬‫حك ْ َ‬
‫جٌر )‪ِ (4‬‬ ‫مْزد َ َ‬ ‫ِفيهِ ُ‬

‫تفسير سورة القمر )‪(1‬‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫قد تقدم في حديث أبي واقد )‪ : (2‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫ف ْ‬
‫طر ‪ ،‬وكان يقرأ بهما في‬ ‫يقرأ بقاف ‪ ،‬واقتربت الساعة ‪ ،‬في الضحى وال ِ‬
‫المحافل الكبار ‪ ،‬لشتمالهما على ذكر الوعد والوعيد وبدء الخلق وإعادته ‪،‬‬
‫والتوحيد وإثبات النبوات ‪ ،‬وغير ذلك من المقاصد العظيمة‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫حٌر‬ ‫س ْ‬ ‫ُ‬
‫قولوا ِ‬ ‫ضوا وَي َ ُ‬‫ة ي ُعْرِ ُ‬ ‫ن ي ََرْوا آي َ ً‬‫مُر )‪ (1‬وَإ ِ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ْ‬
‫شقّ ال َ‬ ‫ة َوان ْ َ‬ ‫ساعَ ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫} اقْت ََرب َ ِ‬
‫قّر )‪ (3‬وَل َ َ‬ ‫َ‬ ‫م وَك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫م ِ‬ ‫جاَءهُ ْ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مرٍ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫واَءهُ ْ‬‫مّر )‪ (2‬وَك َذ ُّبوا َوات ّب َُعوا أهْ َ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن الن ّذ ُُر )‪{ (5‬‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫ِ َ ٌ َ ِ ٌ َ ُ ِ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫(‬‫‪4‬‬ ‫)‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫د‬ ‫ز‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ ِ ِ ُ ْ َ َ ٌ‬‫في‬ ‫ما‬ ‫ِ‬ ‫ء‬‫با‬
‫َْ‬ ‫ن‬‫ال‬
‫يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها‪ .‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه [ { ] النحل ‪ (3) ، [ 1 :‬وقال ‪:‬‬ ‫حان َ ُ‬ ‫جُلوه ُ ] ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫ست َعْ ِ‬‫مُر الل ّهِ َفل ت َ ْ‬ ‫} أَتى أ ْ‬
‫ن { ] النبياء ‪ [ 1 :‬وقد‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫فل َةٍ ُ‬ ‫م ِفي غَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫ساب ُهُ ْ‬
‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫ب ِللّنا ِ‬ ‫} اقْت ََر َ‬
‫وردت الحاديث بذلك ‪ ،‬قال الحافظ أبو بكر البزار ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي قال حدثنا خلف بن موسى ‪ ،‬حدثني‬
‫ب‬‫خط َ َ‬ ‫أبي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ‬
‫ف )‪(4‬‬ ‫ش ّ‬ ‫أصحابه ذات يوم ‪ ،‬وقد كادت الشمس أن تغرب فلم يبق منها إل ِ‬
‫يسير ‪ ،‬فقال ‪" :‬والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إل كما‬
‫بقي من يومكم هذا فيما مضى منه ‪ ،‬وما نرى من الشمس إل يسيرا" )‪.(5‬‬
‫ي ‪ ،‬عن أبيه‪.‬‬ ‫م ّ‬ ‫قلت ‪ :‬هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف العَ ّ‬
‫حّبان في الثقات ‪ ،‬وقال ‪ :‬ربما أخطأ‪.‬‬ ‫وقد ذكره ابن ِ‬
‫حديث آخر يعضد الذي قبله ويفسره ‪ ،‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا الفضل بن‬
‫د ُك َْين ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬حدثنا سلمة بن ك ُهَْيل ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪:‬‬
‫قعان بعد‬ ‫كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على قُعَي ْ ِ‬
‫العصر ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما أعماركم في أعمار من مضى إل كما بقي من النهار فيما‬
‫مضى" )‪.(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬اقتربت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر أول تفسير سورة ‪" :‬ق"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬شيء"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الطبري في تاريخه )‪ (1/11‬حدثنا ابن بشار ومحمد بن المثنى عن‬
‫خلف بن موسى به‪.‬‬
‫قال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/311‬رواه البزار من طريق خلف بن‬
‫موسى عن أبيه وقد وثقا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(2/115‬‬

‫) ‪(7/470‬‬

‫مط َّرف ‪ ،‬عن أبي حازم ‪،‬‬


‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن ُ‬
‫عن سهل بن سعد قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫ت والساعة )‪ (1‬هكذا"‪ .‬وأشار بإصبعيه ‪ :‬السبابة والوسطى‪.‬‬ ‫"ب ُِعث ُ‬
‫أخرجاه من حديث أبي حازم سلمة بن دينار )‪.(2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن عَُبيد ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن أبي خالد ‪،‬‬
‫وائي قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬بعثت أنا‬ ‫س َ‬
‫عن وهب ال ّ‬
‫والساعة كهذه من هذه إن كادت لتسبقها )‪ " (3‬وجمع العمش بين السبابة‬
‫والوسطى )‪.(4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن‬
‫عبيد )‪ (5‬الله ‪ ،‬قال ‪ :‬قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فسأله ‪:‬‬
‫ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر به الساعة ؟ فقال ‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬أنتم والساعة كهاتين"‪.‬‬
‫تفرد به أحمد ‪ ،‬رحمه الله )‪ .(6‬وشاهد ذلك أيضا في الصحيح في أسماء‬
‫شُر الناس على‬ ‫ح َ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أنه الحاشر الذي ي ُ ْ‬
‫قدميه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ب َهُْز بن أسد ‪ ،‬حدثنا سليمان بن المغيرة ‪ ،‬حدثنا‬
‫حميد بن هلل ‪ ،‬عن خالد بن عمير قال ‪ :‬خطب عتبة بن غَْزَوان ‪ -‬قال بهز ‪:‬‬
‫وقال قبل هذه المرة ‪ -‬خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬فحمد‬
‫صْرم ٍ وولت حذاء ‪،‬‬ ‫الله وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬أما بعد ‪ ،‬فإن الدنيا قد آذنت ب َ‬
‫صَبابة كصبابة الناء يتصابها صاحبها ‪ ،‬وإنكم منتقلون منها‬ ‫ولم يبق منها إل ُ‬
‫إلى دار ل زوال لها ‪ ،‬فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ‪ ،‬فإنه قد ذكر لنا أن الحجر‬
‫قى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما )‪ (7‬ما يدرك لها قعًرا ‪ ،‬والله‬ ‫ُيل َ‬
‫عي الجنة مسيرة‬ ‫صَرا َ‬ ‫م ْ‬‫لتملؤنه ‪ ،‬أفعجبتم! والله لقد ذكر لنا أن ما بين ِ‬
‫أربعين عاما ‪ ،‬وليأتين عليه يوم وهو كظيظ الزحام" وذكر تمام الحديث ‪،‬‬
‫انفرد به مسلم )‪.(8‬‬
‫ة ‪ ،‬أخبرنا عطاء بن‬ ‫ي‬
‫ُ ّ َ‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ابن‬ ‫حدثني‬ ‫‪،‬‬ ‫يعقوب‬ ‫حدثني‬ ‫‪:‬‬ ‫جرير‬ ‫وقال أبو جعفر بن‬
‫سَلمي قال ‪ :‬نزلنا المدائن فكنا منها على‬ ‫السائب ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن ال ّ‬
‫سخ ‪ ،‬فجاءت )‪ (9‬الجمعة ‪ ،‬فحضر أبي وحضرت معه فخطبنا حذيفة‬ ‫فَْر َ‬
‫مُر { ‪ ،‬أل وإن الساعة‬ ‫ق َ‬‫شقّ ال ْ َ‬‫ة َوان ْ َ‬
‫ساعَ ُ‬
‫ت ال ّ‬‫فقال ‪ :‬أل إن الله يقول ‪ } :‬اقْت ََرب َ ِ‬
‫قد اقتربت ‪ ،‬أل وإن القمر قد انشق ‪ ،‬أل وإن الدنيا قد آذنت بفراق ‪ ،‬أل وإن‬
‫اليوم المضمار ‪ ،‬وغدا السباق ‪ ،‬فقلت لبي ‪ :‬أيستبق الناس غدا ؟ فقال ‪ :‬يا‬
‫بني إنك لجاهل ‪ ،‬إنما هو السباق بالعمال‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬بعثت أنا والساعة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (5/388‬وصحيح البخاري برقم )‪ (6503‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2950‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬لتسبقني"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(4/309‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬عبد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(3/223‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬خريفا"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (4/174‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2967‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬حانت"‪.‬‬

‫) ‪(7/471‬‬

‫ثم جاءت الجمعة الخرى فحضرنا فخطب حذيفة ‪ ،‬فقال ‪ :‬أل إن الله ‪ ،‬عز‬
‫مُر { ‪ ،‬أل وإن الدنيا قد آذنت‬ ‫شقّ ال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫ة َوان ْ َ‬
‫ساعَ ُ‬
‫ت ال ّ‬‫وجل يقول ‪ } :‬اقْت ََرب َ ِ‬
‫بفراق ‪ ،‬أل وإن اليوم المضمار وغدا السباق ‪ ،‬أل وإن الغاية النار ‪ ،‬والسابق‬
‫من سبق إلى الجنة )‪.(1‬‬
‫مُر { ‪ :‬قد كان هذا في زمان رسول الله صلى الله‬ ‫ق َ‬‫شقّ ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وان ْ َ‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬كما ثبت ذلك في الحاديث المتواترة بالسانيد الصحيحة‪ .‬وقد‬
‫ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال ‪" :‬خمس قد مضين ‪ :‬الروم ‪،‬‬
‫والدخان ‪ ،‬واللزام ‪ ،‬والبطشة ‪ ،‬والقمر" )‪ .(2‬وهذا أمر متفق عليه بين‬
‫العلماء أي انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأنه‬
‫كان إحدى المعجزات الباهرات‪.‬‬
‫ذكر الحاديث الواردة في ذلك ‪:‬‬
‫رواية أنس بن مالك ‪:‬‬
‫مر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس بن‬ ‫معْ َ‬‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫مالك قال ‪ :‬سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية ‪ ،‬فانشق القمر‬
‫مُر {‪.‬‬ ‫شقّ ال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫ة َوان ْ َ‬
‫ساعَ ُ‬
‫ت ال ّ‬‫بمكة مرتين ‪ ،‬فقال ‪ } :‬اقْت ََرب َ ِ‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬عن محمد بن رافع ‪ ،‬عن عبد الرزاق )‪.(3‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثني عبد الله بن عبد الوهاب ‪ ،‬حدثنا بشر بن المفضل ‪،‬‬
‫حدثنا سعيد بن أبي عَُروبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس بن مالك ؛ أن أهل مكة‬
‫قين ‪،‬‬‫ش ّ‬
‫سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ‪ ،‬فأراهم القمر ِ‬
‫حَراء بينهما )‪.(4‬‬
‫حتى رأوا ِ‬
‫دب ‪ ،‬عن شيبان ‪ ،‬عن قتادة )‬ ‫وأخرجاه أيضا من حديث يونس بن محمد المؤ ّ‬
‫‪ .(5‬ورواه مسلم أيضا من حديث أبي داود الطيالسي ‪ ،‬ويحيى القطان ‪،‬‬
‫وغيرهما ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬به )‪.(6‬‬
‫رواية جبير بن مطعم رضي الله عنه ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن كثير ‪ ،‬حدثنا سليمان بن كثير ‪ ،‬عن حصين‬
‫بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن محمد بن جبير بن مطعم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬انشق‬
‫القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين ‪ :‬فرقة على‬
‫هذا الجبل ‪ ،‬وفرقة على هذا الجبل ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬سحرنا محمد‪ .‬فقالوا ‪ :‬إن كان‬
‫سحرنا فإنه ل يستطيع أن يسحر الناس كلهم‪.‬‬
‫تفرد به المام أحمد من هذا الوجه ‪ ،‬وأسنده البيهقي في "الدلئل" من‬
‫طريق محمد بن كثير ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(27/51‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(4767‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (3/165‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2802‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(3868‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (4867‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2802‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪ (2802‬ورواه البخاري في صحيحه برقم )‪(4868‬‬
‫من طريق يحيى عن شعبة به‪.‬‬

‫) ‪(7/472‬‬

‫عن أخيه سليمان بن كثير ‪ ،‬عن حصين بن عبد الرحمن ‪] ،‬به[ )‪.(2) (1‬‬
‫وهكذا رواه ابن جرير )‪ (3‬من حديث محمد بن فضيل وغيره ‪ ،‬عن حصين ‪،‬‬
‫مان وهُ َ‬
‫شْيم ‪ ،‬كلهما‬ ‫به )‪ .(4‬ورواه البيهقي أيضا من طريق إبراهيم بن ط َهْ َ‬
‫صين عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده‬ ‫ح َ‬‫عن ُ‬
‫فذكره )‪.(5‬‬
‫رواية عبد الله بن عباس ]رضي الله عنهما[ )‪(6‬‬
‫عَراك بن‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا يحيى بن بكير ‪ ،‬حدثنا بكر ‪ ،‬عن جعفر ‪ ،‬عن ِ‬
‫مالك ‪ ،‬عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬انشق القمر‬
‫في زمان رسول )‪ (7‬الله صلى الله عليه وسلم )‪.(8‬‬
‫ورواه البخاري أيضا ومسلم ‪ ،‬من حديث بكر بن مضر ‪ ،‬عن جعفر بن ربيعة ‪،‬‬
‫عَراك ]بن مالك[ )‪ ، (9‬به مثله )‪.(10‬‬ ‫عن ِ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن مثنى ‪ ،‬حدثنا عبد العلى ‪ ،‬حدثنا داود بن أبي‬
‫ة‬
‫ساعَ ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫هند ‪ ،‬عن علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ } :‬اقْت ََرب َ ِ‬
‫مّر { قال ‪ :‬قد مضى‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬‫حٌر ُ‬‫س ْ‬‫قوُلوا ِ‬ ‫ضوا وَي َ ُ‬‫ة ي ُعْرِ ُ‬‫ن ي ََرْوا آي َ ً‬ ‫مُر‪ .‬وَإ ِ ْ‬ ‫شقّ ال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫َوان ْ َ‬
‫ذلك ‪ ،‬كان قبل الهجرة ‪ ،‬انشق القمر حتى رأوا شقيه‪.‬‬
‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس نحو هذا‪.‬‬ ‫وروى العَ ْ‬
‫َ‬
‫قطِعي‬ ‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن عمرو البزار ‪ ،‬حدثنا محمد بن يحيى ال ُ‬
‫‪ ،‬حدثنا محمد بن بكر ‪ ،‬حدثنا ابن جريج ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عكرمة ‪،‬‬
‫ف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه‬ ‫س َ‬ ‫عن ابن عباس قال ‪ :‬ك ُ ِ‬
‫مُر { إلى‬ ‫ق َ‬‫شقّ ال ْ َ‬ ‫ة َوان ْ َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫ت ال ّ‬‫حر القمر‪ .‬فنزلت ‪ } :‬اقْت ََرب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫وسلم فقالوا ‪ُ :‬‬
‫قوله ‪ } :‬مستمر {‪.‬‬
‫رواية عبد الله بن عمر ‪:‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن‬
‫الحسن القاضي قال حدثنا أبو العباس الصم ‪ ،‬حدثنا العباس بن محمد‬
‫دوري ‪ ،‬حدثنا وهب بن جرير ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن‬ ‫ال ّ‬
‫مُر { قال ‪:‬‬ ‫ق َ‬‫شقّ ال ْ َ‬ ‫ة َوان ْ َ‬‫ساعَ ُ‬
‫ت ال ّ‬ ‫عبد الله بن عمر في قوله تعالى ‪ } :‬اقْت ََرب َ ِ‬
‫قَتين ‪:‬‬ ‫وقد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فِل ْ َ‬
‫قة من دون الجبل ‪ ،‬وفلقة من خلف الجبل ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه‬ ‫فِل ْ َ‬
‫وسلم ‪" :‬اللهم اشهد"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (4/81‬ودلئل النبوة للبيهقي )‪.(2/268‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬جبير"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(27/51‬‬
‫)‪ (5‬دلئل النبوة )‪.(2/268‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪.(4866‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬صحيح البخاري برقم )‪ (3638‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2803‬‬

‫) ‪(7/473‬‬

‫وهكذا رواه مسلم ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬من طرق عن شعبة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد ‪ ،‬به )‪ .(1‬قال مسلم كرواية مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود‪.‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫رواية عبد الله ابن مسعود ‪:‬‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن أبي‬‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن ابن أبي ن َ ِ‬
‫مر ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله‬ ‫معْ َ‬
‫َ‬
‫عليه وسلم شقين حتى نظروا إليه ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫"اشهدوا"‪.‬‬
‫وهكذا رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬به )‪ .(2‬وأخرجاه‬
‫خب ََرة ‪ ،‬عن‬‫س ْ‬‫من حديث العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن أبي معمر عبد الله بن َ‬
‫ابن مسعود ‪ ،‬به )‪.(3‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ‪ ،‬حدثنا عمي‬
‫يحيى بن عيسى ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن عبد الله ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى فانشق القمر ‪ ،‬فأخذت فرقة‬
‫خلف الجبل ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اشهدوا ‪ ،‬اشهدوا" )‬
‫‪.(4‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬وقال أبو الضحى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد الله ‪ :‬بمكة )‪.(5‬‬
‫حى ‪،‬‬ ‫ض َ‬‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا أبو عوانة ‪ ،‬عن المغيرة ‪ ،‬عن أبي ال ّ‬
‫عن مسروق ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود ‪ ،‬قال ‪ :‬انشق القمر على عهد رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقالت قريش ‪ :‬هذا سحر ابن أبي كبشة‪ .‬قال ‪:‬‬
‫دا ل يستطيع أن يسحر الناس‬ ‫فار ‪ ،‬فإن محم ً‬ ‫س ّ‬
‫فقالوا ‪ :‬انظروا ما يأتيكم به ال ّ‬
‫فار فقالوا ‪ :‬ذلك )‪.(6‬‬ ‫س ّ‬‫كلهم‪ .‬قال ‪ :‬فجاء ال ّ‬
‫وقال البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ‪ ،‬أخبرنا أبو العباس محمد بن‬
‫يعقوب ‪ ،‬حدثنا العباس بن محمد الد ّْوري ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سليمان ‪ ،‬حدثنا‬
‫شْيم ‪ ،‬حدثنا مغيرة ‪ ،‬عن أبى الضحى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد الله ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫هُ َ‬
‫انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين ‪ ،‬فقال كفار قريش أهل مكة ‪ :‬هذا سحر‬
‫شة ‪ ،‬انظروا السفار ‪ ،‬فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد‬ ‫سحركم به ابن أبي ك َب ْ َ‬
‫حٌر سحركم به‪ .‬قال ‪ :‬فسئل‬ ‫س ْ‬
‫صدق ‪ ،‬وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو ِ‬
‫السفار ‪ ،‬قال ‪ :‬وقدموا من كل وجهة ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬رأيناه‪.‬‬
‫رواه ابن جرير من حديث المغيرة ‪ ،‬به )‪ .(7‬وزاد ‪ :‬فأنزل الله عز وجل ‪:‬‬
‫مُر {‪ .‬ثم قال ابن جرير ‪:‬‬ ‫شقّ ال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫ة َوان ْ َ‬
‫ساعَ ُ‬ ‫} اقْت ََرب َ ِ‬
‫ت ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬دلئل النبوة للبيهقي )‪ (2/267‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2801‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪.(3288‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (1/377‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4865‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2800‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (4864‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2800‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(27/50‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(295‬‬
‫)‪ (6‬مسند الطيالسي برقم )‪.(295‬‬
‫)‪ (7‬دلئل النبوة للبيهقي )‪ (2/266‬وتفسير الطبري )‪.(27/50‬‬

‫) ‪(7/474‬‬

‫حدثني يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن عُل َّية ‪ ،‬أخبرنا أيوب ‪ ،‬عن محمد ‪ -‬هو‬
‫ابن سيرين ‪ -‬قال ‪ :‬نبئت أن ابن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬كان يقول ‪ :‬لقد‬
‫انشق القمر )‪.(1‬‬
‫وقال ابن جرير أيضا ‪ :‬حدثني محمد بن عمارة ‪ ،‬حدثنا عمرو بن حماد ‪ ،‬حدثنا‬
‫أسباط ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن السود ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬لقد‬
‫رأيت الجبل من فَْرج القمر حين انشق‪.‬‬
‫ماك ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن‬ ‫س َ‬ ‫مل ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن ِ‬ ‫مؤ َ ّ‬ ‫ورواه المام أحمد عن ُ‬
‫السود ‪ ،‬عن عبد الله ‪ ،‬قال ‪ :‬انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى رأيت الجبل من بين فرجتي القمر )‪.(2‬‬
‫وقال ليث عن مجاهد ‪ :‬انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فصار فرقتين ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبي بكر ‪" :‬اشهد يا‬
‫حر القمر حتى انشق )‪.(3‬‬ ‫س ِ‬ ‫أبا بكر"‪ .‬فقال المشركون ‪ُ :‬‬
‫ة { أي ‪ :‬دليل وحجة وبرهانا } يعرضوا { أي ‪ :‬ل‬ ‫ن ي ََرْوا آي َ ً‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫حٌر‬
‫س ْ‬
‫قولوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ينقادون له ‪ ،‬بل يعرضون عنه ويتركونه وراء ظهورهم ‪ } ،‬وَي َ ُ‬
‫مّر { أي ‪ :‬ويقولون ‪ :‬هذا الذي شاهدناه من الحجج ‪ ،‬سحٌر سحرنا به‪.‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫مّر { أي ‪ :‬ذاهب‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬أي ‪ :‬باطل‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫}‬ ‫ومعنى‬
‫مضمحل ‪ ،‬ل دوام له‪.‬‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬كذبوا بالحق إذ جاءهم ‪ ،‬واتبعوا ما أمرتهم‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫} وَك َذ ُّبوا َوات ّب َُعوا أهْ َ‬
‫به آراؤهم وأهواؤهم من جهلهم وسخافة عقلهم‪.‬‬
‫قّر { قال )‪ (4‬قتادة ‪ :‬معناه ‪ :‬أن الخير واقع بأهل‬ ‫وقوله ‪ } :‬وك ُ ّ َ‬
‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫مرٍ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ‬
‫الخير ‪ ،‬والشر واقع بأهل الشر‪.‬‬
‫قّر { أي ‪ :‬يوم‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫مرٍ ُ‬ ‫وقال ابن جريج ‪ :‬مستقر بأهله‪ .‬وقال مجاهد ‪ } :‬وَكل أ ْ‬
‫القيامة‪.‬‬
‫قّر { أي ‪ :‬واقع‪.‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال السدي ‪ُ } :‬‬
‫ن الن َْباِء { أي ‪ :‬من الخبار عن قصص المم‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫المكذبين بالرسل ‪ ،‬وما حل بهم من العقاب والنكال والعذاب ‪ ،‬مما يتلى‬
‫جٌر { أي ‪ :‬ما فيه واعظ لهم عن‬ ‫مْزد َ َ‬ ‫ما ِفيهِ ُ‬ ‫عليهم في هذا القرآن ‪َ } ،‬‬
‫الشرك والتمادي على التكذيب‪.‬‬
‫ة { أي ‪ :‬في هدايته تعالى لمن هداه وإضلله لمن‬ ‫ة َبال ِغَ ٌ‬ ‫م ٌ‬‫حك ْ َ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬‬
‫ن الن ّذ ُُر { يعني )‪ : (5‬أي شيء تغني النذر عمن كتب الله‬ ‫ما ت ُغْ ِ‬ ‫أضله ‪ } ،‬فَ َ‬
‫عليه الشقاوة ‪ ،‬وختم على قلبه ؟ فمن الذي يهديه من بعد الله ؟ وهذه الية‬
‫شاَء ل َهداك ُ َ‬ ‫ة فَل َوْ َ‬
‫ة ال َْبال ِغَ ُ‬
‫ن { ] النعام ‪:‬‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ج ُ‬
‫ح ّ‬‫ل فَل ِل ّهِ ال ْ ُ‬ ‫كقوله تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ن قوْم ٍ ل‬‫َ‬ ‫ت َوالن ّذ ُُر عَ ْ‬ ‫ما ت ُغِْني )‪ (6‬الَيا ُ‬ ‫‪ ، [ 149‬وكذا قوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ] يونس ‪.[ 101 :‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(27/51‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(1/413‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(27/51‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬قاله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬بمعنى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فما تغني"‪.‬‬

‫) ‪(7/475‬‬

‫يءٍ ن ُك ُرٍ )‪(6‬‬ ‫داِع إ َِلى َ‬


‫ش ْ‬ ‫م ي َد ْعُ ال ّ‬
‫م ي َوْ َ‬ ‫فَت َوَ ّ‬
‫ل عَن ْهُ ْ‬

‫يءٍ ن ُك ُرٍ )‪{ (6‬‬ ‫عي إ َِلى َ‬


‫ش ْ‬ ‫دا ِ‬
‫عو ال ّ‬
‫م ي َد ْ ُ‬
‫م ي َوْ َ‬ ‫} فَت َوَ ّ‬
‫ل عَن ْهُ ْ‬

‫) ‪(7/476‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ َِلى‬ ‫مهْط ِِعي َ‬ ‫شٌر )‪ُ (7‬‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫جَراد ٌ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ث ك َأن ّهُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن اْل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫صاُرهُ ْ‬ ‫شًعا أب ْ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ُ‬
‫م ُنوٍح فَك َذ ُّبوا عَب ْد ََنا‬ ‫و‬
‫َ ْ ْ ُ ْ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫(‬ ‫‪8‬‬ ‫)‬ ‫ر‬ ‫س‬
‫َ ْ ٌ َ ِ ٌ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ه‬
‫ِ ُ َ َ‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫ّ ِ َ‬ ‫ع‬ ‫دا‬ ‫ال‬
‫فتحنا أ َ‬ ‫ُ‬ ‫عا ربه أ َ‬
‫ب‬ ‫وا‬
‫َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪10‬‬ ‫)‬ ‫ر‬
‫َْ ِ ْ‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ٌ‬ ‫لو‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ني‬ ‫َ ّ ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪9‬‬ ‫)‬ ‫ر‬ ‫وََقاُلوا َ ْ ُ ٌ َ ْ ُ ِ َ‬
‫ج‬ ‫د‬ ‫ز‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫ج‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مرٍ قَد ْ قُدَِر‬ ‫ماُء عََلى أ ْ‬ ‫قى ال ْ َ‬ ‫ض عُُيوًنا َفال ْت َ َ‬ ‫جْرَنا اْلْر َ‬ ‫مرٍ )‪ (11‬وَفَ ّ‬ ‫من ْهَ ِ‬ ‫ماٍء ُ‬ ‫ماِء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فَر‬ ‫ن كُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاًء ل ِ َ‬ ‫ري ب ِأعْي ُن َِنا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سرٍ )‪ (13‬ت َ ْ‬ ‫واٍح وَد ُ ُ‬ ‫ت أل ْ َ‬ ‫مل َْناه ُ عََلى َذا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫)‪ (12‬وَ َ‬
‫ذاِبي وَن ُذ ُرِ )‪(16‬‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫مد ّك ِرٍ )‪ (15‬فَك َي ْ َ‬ ‫ة فَهَ ْ‬ ‫َ‬ ‫قد ْ ت ََرك َْنا َ‬ ‫)‪ (14‬وَل َ َ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ها آي َ ً‬
‫مد ّك ِرٍ )‪(17‬‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ‬ ‫قْرآ َ َ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫وَل َ َ‬

‫ن إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫مهْط ِِعي َ‬ ‫شٌر )‪ُ (7‬‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫جَراد ٌ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ث ك َأن ّهُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫صاُرهُ ْ‬ ‫شًعا أب ْ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫} ُ‬
‫سٌر )‪.{ (8‬‬ ‫ع‬
‫ِ ُ َ َ َ ْ ٌ َ ِ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫عي‬ ‫دا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬فتول يا محمد عن هؤلء الذين إذا رأوا آية يعرضون ويقولون ‪:‬‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫عي إ َِلى َ‬ ‫دا ِ‬ ‫عو ال ّ‬ ‫م ي َد ْ ُ‬ ‫هذا سحر مستمر ‪ ،‬أعرض عنهم وانتظرهم ‪ } ،‬ي َوْ َ‬
‫ن ُك ُرٍ { أي ‪ :‬إلى شيء منكر فظيع ‪ ،‬وهو موقف الحساب وما فيه من البلء ‪،‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫بل والزلزل والهوال ‪ } ،‬خ ّ‬
‫جو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م { أي ‪ :‬ذليلة أبصارهم } ي َ ْ‬ ‫صاُرهُ ْ‬ ‫شًعا أب ْ َ َ‬
‫شٌر { أي ‪ :‬كأنهم في‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫جَراد ٌ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ث { وهي ‪ :‬القبور ‪ } ،‬ك َأن ّهُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫جَراد ٌ‬ ‫انتشارهم وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب إجابة للداعي } َ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬مسرعين } إ ِلى‬ ‫مهْط ِِعي َ‬ ‫شٌر { في الفاق ؛ ولهذا قال ‪ُ } :‬‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫ُ‬
‫سٌر { أي ‪:‬‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ذا ي َوْ ٌ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ل الكافُِرو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫عي { ‪ ،‬ل يخالفون ول يتأخرون ‪ } ،‬ي َ ُ‬ ‫دا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫َ‬
‫سيٌر‪ .‬عَلى الكافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َوْ ٌ‬ ‫رير } فَذ َل ِك ي َوْ َ‬ ‫َ‬ ‫مط ِ‬ ‫َ‬ ‫يوم شديد الهول عَُبوس قَ ْ‬
‫سيرٍ { ] المدثر ‪.[ 10 ، 9 :‬‬ ‫غَي ُْر ي َ ِ‬
‫ه‬‫عا َرب ّ ُ‬ ‫جَر )‪ (9‬فَد َ َ‬ ‫ن َواْزد ُ ِ‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُنوٍح فَك َذ ُّبوا عَب ْد ََنا وََقاُلوا َ‬ ‫م قَوْ ُ‬ ‫ت قَب ْل َهُ ْ‬ ‫} ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جْرَنا‬ ‫مرٍ )‪ (11‬وَفَ ّ‬ ‫من ْهَ ِ‬ ‫ماٍء ُ‬ ‫ماِء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وا َ‬ ‫حَنا أب ْ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫صْر )‪ (10‬فَ َ‬ ‫ب َفان ْت َ ِ‬ ‫مغُْلو ٌ‬ ‫أّني َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واٍح‬ ‫ت أل ْ َ‬ ‫مل َْناه ُ عََلى َذا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مرٍ قَد ْ قُدَِر )‪ (12‬وَ َ‬ ‫ماُء عََلى أ ْ‬ ‫قى ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ض عُُيوًنا َفال ْت َ َ‬ ‫الْر َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ة فَهَ ْ‬ ‫ها آي َ ً‬ ‫قد ْ ت ََرك َْنا َ‬ ‫فَر )‪ (14‬وَل َ َ‬ ‫ن كُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاًء ل ِ َ‬ ‫ري ب ِأعْي ُن َِنا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سرٍ )‪ (13‬ت َ ْ‬ ‫وَد ُ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫ذاِبي وَن ُذ ُرِ )‪ (16‬وَل َ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫مد ّك ِرٍ )‪ (15‬فَك َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫مد ّك ِرٍ )‪.{ (17‬‬ ‫ُ‬
‫م ُنوٍح فَك َذ ُّبوا عَب ْد ََنا { أي ‪:‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫}‬ ‫محمد‬ ‫يا‬ ‫قومك‬ ‫قبل‬ ‫{‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫جَر { قال‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ز‬
‫ْ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ٌ‬ ‫نو‬
‫ُ‬ ‫ج‬‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫بالجنون‬ ‫واتهموه‬ ‫صرحوا له بالتكذيب‬
‫جَر { أي ‪ :‬انتهروه‬ ‫جَر { أي ‪ :‬استطير جنونا‪ .‬وقيل ‪َ } :‬واْزد ُ ِ‬ ‫مجاهد ‪َ } :‬واْزد ُ ِ‬
‫ن { ] الشعراء‬ ‫مي َ‬ ‫جو ِ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ح لت َكون َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ت َن ْت َهِ َيا ُنو ُ‬ ‫نل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وزجروه وأوعدوه ‪ } :‬لئ ِ ْ‬
‫‪ .[ 116 :‬قاله ابن زيد ‪ ،‬وهذا متوجه حسن‪.‬‬
‫عا رب َ‬
‫صْر { أي ‪ :‬إني ضعيف عن هؤلء وعن مقاومتهم‬ ‫ب َفان ْت َ ِ‬ ‫مغُْلو ٌ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫} فَد َ َ َ ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫م ٍ‬ ‫من ْهَ ِ‬ ‫ماٍء ُ‬ ‫ماِء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وا َ‬ ‫حَنا أب ْ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫صْر { أنت لدينك‪ .‬قال الله تعالى ‪ } :‬ف َ‬ ‫} َفان ْت َ ِ‬
‫ض عُُيوًنا { أي ‪ :‬نبعت جميعُ أرجاء‬ ‫جْرَنا الْر َ‬ ‫{‪ .‬قال السدي ‪ :‬هو الكثير } وَفَ ّ‬
‫ماُء {‬ ‫قى ال ْ َ‬ ‫الرض ‪ ،‬حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيونا ‪َ } ،‬فال ْت َ َ‬
‫َ‬
‫مرٍ قَد ْ قُدَِر { أي ‪ :‬أمر مقدر‪.‬‬ ‫أي ‪ :‬من السماء ومن الرض } عََلى أ ْ‬
‫مرٍ { كثير ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫جَرْيج ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬فَ َ‬
‫من ْهَ ِ‬ ‫ماٍء ُ‬ ‫ماِء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وا َ‬ ‫حَنا أب ْ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫قال ابن ُ‬
‫لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ول بعده ‪ ،‬ول من السحاب ؛ فتحت أبواب‬
‫السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم ‪ ،‬فالتقى الماءان على أمر قد قدر‪.‬‬
‫واء سأل عليا عن المجرة فقال ‪ :‬هي شرج‬ ‫وروى ابن أبي حاتم أن ابن الك ُ ّ‬
‫السماء ‪ ،‬ومنها فتحت‬

‫) ‪(7/476‬‬
‫السماء بماء منهمر‪.‬‬
‫سرٍ { ‪ :‬قال ابن عباس ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪،‬‬ ‫د‬‫و‬ ‫ح‬ ‫وا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫} وحمل ْناه عََلى َذات أ َ‬
‫َ ٍ َ ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬
‫والقرظي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد ‪ :‬هي المسامير ‪ ،‬واختاره ابن جرير ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫حُبك‪.‬‬ ‫وواحدها دسار ‪ ،‬ويقال ‪َ :‬دسير ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬حبيك وحباك ‪ ،‬والجمع ُ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬الدسر ‪ :‬أضلع السفينة‪ .‬وقال عكرمة والحسن ‪ :‬هو صدرها‬
‫الذي يضرب به الموج‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬الدسر ‪ :‬طرفها وأصلها‪.‬‬
‫وفي عن ابن عباس ‪ :‬هو كلكلها‪.‬‬ ‫وقال العَ ْ‬
‫ري ب ِأعْي ُن َِنا { أي ‪ :‬بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلءتنا‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬‫وقوله ‪ } :‬ت َ ْ‬
‫فَر { أي جزاء لهم على كفرهم بالله وانتصاًرا لنوح ‪ ،‬عليه‬ ‫نك ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاًء ل ِ َ‬ ‫} َ‬
‫السلم‪.‬‬
‫ة { قال قتادة ‪ :‬أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها‬ ‫ها آي َ ً‬ ‫ْ‬
‫قد ْ ت ََركَنا َ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَل َ‬
‫أول هذه المة‪ .‬والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن ‪ ،‬كقوله تعالى ‪:‬‬
‫ة ل َه َ‬
‫مث ْل ِهِ َ‬
‫ما‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قَنا ل َهُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن‪ .‬وَ َ‬ ‫حو ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫م ِفي ال ْ ُ‬ ‫مل َْنا ذ ُّري ّت َهُ ْ‬ ‫ح َ‬‫م أّنا َ‬ ‫} َوآي َ ٌ ُ ْ‬
‫م ِفي‬ ‫مل َْناك ُْ‬ ‫ح‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫غى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫ِّ ّ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫وقال‬ ‫[‪.‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪:‬‬ ‫يس‬ ‫]‬ ‫ن{‬ ‫ي َْرك َُبو َ‬
‫ُ‬
‫ة { ] الحاقة ‪ [12 ، 11 :‬؛ ولهذا‬ ‫عي َ ٌ‬‫ن َوا ِ‬ ‫م ت َذ ْك َِرةً وَت َعِي ََها أذ ُ ٌ‬ ‫جعَل ََها ل َك ُ ْ‬ ‫ة‪ .‬ل ِن َ ْ‬ ‫جارِي َ ِ‬‫ال ْ َ‬
‫مد ّك ِرٍ { أي ‪ :‬فهل من يتذكر ويتعظ ؟‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قال ها هنا ‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫السود ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬قال ‪ :‬أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ذكر ؟ قال ‪:‬‬ ‫م ّ‬‫دكر أو ُ‬ ‫م ّ‬ ‫مد ّك ِرٍ { فقال رجل ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن ‪ُ ،‬‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫} فَهَ ْ‬
‫مد ّك ِرٍ { )‪(1‬‬ ‫أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ُ } :‬‬
‫وهكذا رواه البخاري ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن أبي‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن السود )‪ (2‬بن يزيد ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬قرأت على النبي‬
‫مذ ّك ِرٍ { فقال النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫مد ّك ِرٍ { )‪(3‬‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫وروى البخاري أيضا من حديث شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن السود ‪ ،‬عن‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫عبد الله ‪ ،‬قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫مد ّك ِرٍ { )‪.(4‬‬ ‫ُ‬
‫وقال ‪ :‬حدثنا أبو ن َُعيم ‪ ،‬حدثنا ُزهَْير ‪ ،‬عن أبي إسحاق ؛ أنه سمع رجل يسأل‬
‫كر { ؟ قال ‪ :‬سمعت عبد الله يقرأ ‪:‬‬ ‫مذ ّ ِ‬ ‫مد ّك ِرٍ { أو } ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫السود ‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫مد ّك ِرٍ {‪ .‬وقال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫} فَهَ ْ‬
‫مد ّك ِرٍ { دال‪.‬‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫‪ } :‬فَهَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(1/395‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬عن أبي السود"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4874‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(4869‬‬

‫) ‪(7/477‬‬
‫َ‬
‫صًرا ِفي‬ ‫صْر َ‬
‫حا َ‬‫م ِري ً‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫ذاِبي وَن ُذ ُرِ )‪ (18‬إ ِّنا أْر َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ف َ‬
‫كا َ‬ ‫عاد ٌ فَك َي ْ َ‬
‫ت َ‬ ‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫قعِرٍ )‪ (20‬فَك َي ْ َ‬ ‫من ْ َ‬‫ل ُ‬ ‫خ ٍ‬ ‫جاُز ن َ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫س ك َأن ّهُ ْ‬ ‫مّر )‪ (19‬ت َن ْزِعُ الّنا َ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬‫س ُ‬ ‫ح ٍ‬ ‫ي َوْم ِ ن َ ْ‬
‫مد ّك ِرٍ )‪(22‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِللذكرِ فهَل ِ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫سْرَنا ال ُ‬
‫قد ْ ي َ ّ‬
‫ن عَذاِبي وَن ُذرِ )‪ (21‬وَل َ‬ ‫كا َ‬

‫وقد أخرج مسلم هذا الحديث وأهل السنن إل ابن ماجه ‪ ،‬من حديث أبي‬
‫إسحاق )‪.(1‬‬
‫ذاِبي وَن ُذ ُرِ { أي ‪ :‬كيف كان عذابي لمن كفر بي‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ف كا َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬فَكي ْ َ‬
‫ذري ‪ ،‬وكيف انتصرت لهم ‪ ،‬وأخذت‬ ‫وكذب رسلي ولم يتعظ بما جاءت به ن ُ ُ‬
‫لهم بالثأر‪.‬‬
‫ن ِللذ ّكرِ { أي ‪ :‬سهلنا لفظه ‪ ،‬ويسرنا معناه لمن أراده ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ْ‬
‫سْرَنا ال ُ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫ك ل ِي َد ّب ُّروا آَيات ِهِ وَل ِي َت َذ َك َّر )‪(2‬‬ ‫مَباَر ٌ‬ ‫َ‬
‫ب أنزل َْناهُ إ ِل َي ْ َ‬
‫ك ُ‬ ‫ليتذكر الناس‪ .‬كما قال ‪ } :‬ك َِتا ٌ‬
‫ُ‬
‫ه‬
‫شَر ب ِ ِ‬ ‫ك ل ِت ُب َ ّ‬ ‫سان ِ َ‬‫سْرَناه ُ ب ِل ِ َ‬ ‫ما ي َ ّ‬ ‫ب { ] ص ‪ ، [ 29 :‬وقال تعالى ‪ } :‬فَإ ِن ّ َ‬ ‫أوُلو الل َْبا ِ‬
‫دا { ] مريم ‪.[ 97 :‬‬ ‫ما ل ُ ّ‬ ‫ن وَت ُن ْذَِر ب ِهِ قَوْ ً‬ ‫قي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬
‫ن ِللذ ّك ْرِ { يعني ‪ :‬هَوّّنا قراءته‪.‬‬ ‫قْرآ َ‬‫سْرَنا ال ْ ُ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫قال مجاهد ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫وقال السدي ‪ :‬يسرنا تلوته على اللسن‪.‬‬
‫وقال الضحاك عن ابن عباس ‪ :‬لول أن الله يسره على لسان الدميين ‪ ،‬ما‬
‫استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلم الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫دم عن النبي‬ ‫قلت ‪ :‬ومن تيسيره ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬على الناس تلوة القرآن ما َتق ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف"‪.‬‬
‫وأوردنا الحديث بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته هاهنا ‪ ،‬ولله الحمد‬
‫والمنة‪.‬‬
‫سر‬ ‫مد ّك ِرٍ { أي ‪ :‬فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد ي َ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬فهَ ْ‬
‫الله حفظه ومعناه ؟‬
‫وقال محمد بن كعب القرظي ‪ :‬فهل من منزجر عن المعاصي ؟‬
‫مَرة )‪، (3‬‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الحسن بن رافع ‪ ،‬حدثنا َ ْ‬
‫ض‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫طر ‪ -‬هو الوراق ‪ -‬في قوله تعالى ‪ } :‬فَهَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫شوَْذب ‪ ،‬عن َ‬ ‫عن ابن َ‬
‫مد ّك ِرٍ { هل من طالب علم فَي َُعان عليه ؟‬ ‫ُ‬
‫وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم ‪ ،‬عن )‪ (4‬مطر الوراق و]كذا[ )‪ (5‬رواه ابن‬
‫جرير )‪ ، (6‬وروي عن قتادة مثله‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫عاد ٌ فَك َي ْ َ‬
‫صًرا ِفي‬ ‫صْر َ‬ ‫حا َ‬ ‫م ِري ً‬ ‫سلَنا عَلي ْهِ ْ‬ ‫ذاِبي وَن ُذ ُرِ )‪ (18‬إ ِّنا أْر َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ت َ‬ ‫} ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫قعِرٍ )‪ (20‬فَكي ْ َ‬ ‫من ْ َ‬
‫ل ُ‬ ‫خ ٍ‬‫جاُز ن َ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫س كأن ّهُ ْ‬ ‫مّر )‪َ (19‬تنزعُ الّنا َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ٍ‬ ‫ي َوْم ِ ن َ ْ‬
‫مد ّك ِرٍ )‪.{ (22‬‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ِللذ ّكرِ فَهَ ْ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ْ‬
‫سْرَنا ال ُ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫َ‬
‫ذاِبي وَن ُذ ُرِ )‪ (21‬وَل َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن عاد قوم هود ‪ :‬إنهم كذبوا رسولهم أيضا ‪ ،‬كما صنع‬
‫قوم نوح ‪ ،‬وأنه تعالى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (4871‬وصحيح مسلم برقم )‪ (823‬وسنن أبي‬
‫داود برقم )‪ (3994‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2937‬وسنن النسائي )‪.(2/150‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬ليذكر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬حمزة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(27/57‬‬

‫) ‪(7/478‬‬
‫سعُرٍ‬‫ل وَ ُ‬‫ضَل ٍ‬
‫في َ‬ ‫ه إ ِّنا إ ًِذا ل َ ِ‬
‫دا ن َت ّب ِعُ ُ‬‫ح ً‬ ‫مّنا َوا ِ‬ ‫شًرا ِ‬ ‫قاُلوا أ َب َ َ‬ ‫مود ُ ِبالن ّذ ُرِ )‪ (23‬فَ َ‬ ‫ت ثَ ُ‬ ‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ِ‬
‫دا َ‬‫ن غَ ً‬ ‫سي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫شٌر )‪َ (25‬‬ ‫بأ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ل هُوَ ك َ ّ‬ ‫ن ب َي ْن َِنا ب َ ْ‬
‫م ْ‬‫ي الذ ّك ُْر عَل َي ْهِ ِ‬‫ق َ‬ ‫)‪ (24‬أؤُل ْ ِ‬
‫صط َب ِْر )‪(27‬‬ ‫َ‬
‫م َوا ْ‬ ‫قب ْهُ ْ‬‫م َفاْرت َ ِ‬ ‫ة ل َهُ ْ‬ ‫سُلو الّناقَةِ فِت ْن َ ً‬ ‫مْر ِ‬ ‫شُر )‪ (26‬إ ِّنا ُ‬ ‫ب اْل ِ‬ ‫ذا ُ‬‫ال ْك َ ّ‬

‫صًرا { ‪ ،‬وهي الباردة الشديدة البرد ‪ِ } ،‬في ي َوْم ِ‬ ‫صْر َ‬


‫حا َ‬ ‫م ِري ً‬ ‫أرسل } عَل َي ْهِ ْ‬
‫مّر { عليهم‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫دي‪ُ } .‬‬ ‫س ّ‬ ‫س { أي ‪ :‬عليهم‪ .‬قاله الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وال ّ‬ ‫ح ٍ‬ ‫نَ ْ‬
‫نحسه ودماره ؛ لنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالخروي‪.‬‬
‫قعِرٍ { وذلك أن الريح كانت تأتي‬ ‫من ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬تنزعُ الناس ك َأ َنه َ‬
‫ل ُ‬ ‫خ ٍ‬ ‫جاُز ن َ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬
‫أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن البصار ‪ ،‬ثم تنكسه على أم رأسه ‪ ،‬فيسقط‬
‫جاُز‬ ‫إلى الرض ‪ ،‬فتثلغ رأسه فيبقى جثة بل رأس ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ك َأ َنه َ‬
‫م أعْ َ‬ ‫ُّ ْ‬
‫ر‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫م‬
‫ِ ْ ُ ّ ِ ٍ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫ذاِبي وَن ُذ ُِر‪ .‬وَل َ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ف َ‬
‫كا َ‬ ‫ر‪ .‬فَك َي ْ َ‬ ‫قعِ ٍ‬ ‫من ْ َ‬
‫ل ُ‬ ‫خ ٍ‬ ‫نَ ْ‬
‫{‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬
‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ه إ ِّنا إ ًِذا ل ِ‬ ‫دا ن َت ّب ِعُ ُ‬ ‫ح ً‬ ‫مّنا َوا ِ‬ ‫شًرا ِ‬ ‫قالوا أب َ َ‬ ‫مود ُ ِبالن ّذ ُرِ )‪ (23‬فَ َ‬ ‫ت ثَ ُ‬ ‫} ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل هُوَ ك َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مو َ‬ ‫سي َعْل ُ‬ ‫شٌر )‪َ (25‬‬ ‫بأ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ن ب َي ْن َِنا ب َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ي الذ ّك ُْر عَلي ْهِ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫سعُرٍ )‪ (24‬أؤُل ِ‬ ‫وَ ُ‬
‫َ‬
‫صطب ِْر )‬ ‫م َوا ْ‬ ‫قب ْهُ ْ‬‫م َفاْرت َ ِ‬ ‫ة لهُ ْ‬‫َ‬ ‫سلو الّناقَةِ فِت ْن َ ً‬ ‫ُ‬ ‫مْر ِ‬ ‫شُر )‪ (26‬إ ِّنا ُ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ن الك َ ّ‬‫ْ‬ ‫غَ ً‬
‫م ِ‬‫دا َ‬
‫‪.{ (27‬‬

‫) ‪(7/479‬‬

‫م فَت ََعا َ‬ ‫ونبئ ْه َ‬


‫طى‬ ‫حب َهُ ْ‬
‫صا ِ‬ ‫ضٌر )‪ (28‬فََناد َْوا َ‬ ‫حت َ َ‬ ‫م ْ‬
‫ب ُ‬ ‫شْر ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫م كُ ّ‬
‫ة ب َي ْن َهُ ْ‬
‫م ٌ‬‫س َ‬ ‫ماَء قِ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مأ ّ‬ ‫ََّ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَعَ َ‬
‫حد َةً‬
‫ة َوا ِ‬ ‫ح ً‬‫صي ْ َ‬
‫م َ‬ ‫سلَنا عَلي ْهِ ْ‬ ‫ذاِبي وَن ُذ ُرِ )‪ (30‬إ ِّنا أْر َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ف كا َ‬ ‫قَر )‪ (29‬فكي ْ َ‬
‫َ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬ ‫حت َظ ِرِ )‪ (31‬وَل َ َ‬
‫مد ّك ِرٍ )‪(32‬‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫م ْ‬‫شيم ِ ال ْ ُ‬ ‫كاُنوا ك َهَ ِ‬‫فَ َ‬
‫} ونبئ ْه َ‬
‫م‬‫حب َهُ ْ‬‫صا ِ‬ ‫ضٌر )‪ (28‬فََناد َْوا َ‬ ‫حت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫شْر ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ة ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫س َ‬ ‫ماَء قِ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ََّ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قَر )‪ (29‬فَكي ْ َ‬ ‫طى فَعَ َ‬ ‫فَت ََعا َ‬
‫ة‬
‫ح ً‬ ‫صي ْ َ‬‫م َ‬ ‫سلَنا عَلي ْهِ ْ‬ ‫ذاِبي وَن ُذ ُرِ )‪ (30‬إ ِّنا أْر َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ف كا َ‬
‫ر‬
‫مد ّك ِ ٍ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫حت َظ ِرِ )‪ (31‬وَل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شيم ِ ال ْ ُ‬ ‫كاُنوا ك َهَ ِ‬ ‫حد َة ً فَ َ‬ ‫َوا ِ‬
‫)‪.{ (32‬‬
‫دا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قالوا أب َ َ‬ ‫َ‬
‫ح ً‬ ‫مّنا َوا ِ‬ ‫شًرا ِ‬ ‫وهذا إخبار عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم صالحا ‪ } ،‬ف َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫سعُرٍ { ‪ ،‬يقولون ‪ :‬لقد خبنا وخسرنا إن سلمنا كلنا‬ ‫ل وَ ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ه إ ِّنا إ ًِذا ل َ ِ‬ ‫ن َت ّب ِعُ ُ‬
‫قيادنا لواحد منا!‬
‫ثم تعجبوا من إلقاء الوحي عليه خاصة من دونهم ‪ ،‬ثم رموه بالكذب فقالوا ‪:‬‬
‫شٌر { أي ‪ :‬متجاوز في حد الكذب‪ .‬قال الله تعالى ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ل هُوَ ك َ ّ‬ ‫} بَ ْ‬
‫بأ ِ‬ ‫ذا ٌ‬
‫شُر { وهذا تهديد لهم شديد ووعيد أكيد‪.‬‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ن ال ْك َ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ن غَ ً‬ ‫مو َ‬ ‫سي َعْل َ ُ‬ ‫} َ‬
‫م { أي ‪ :‬اختبارا لهم ؛ أخرج الله‬ ‫ة ل َهُ ْ‬ ‫سُلو الّناقَةِ فِت ْن َ ً‬ ‫مْر ِ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬إ ِّنا ُ‬
‫ماء طبق ما سألوا ‪ ،‬لتكون حجة الله‬ ‫عشراء من صخرة ص ّ‬ ‫لهم ناقة عظيمة ُ‬
‫عليهم في تصديق صالح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيما جاءهم به‪.‬‬
‫صط َب ِْر { أي ‪ :‬انتظر ما‬ ‫م َوا ْ‬ ‫قب ْهُ ْ‬‫ثم قال آمرا لعبده ورسوله صالح ‪َ } :‬فاْرت َ ِ‬
‫يؤول إليه أمرهم ‪ ،‬واصبر عليهم ‪ ،‬فإن العاقبة لك والنصر لك في الدنيا‬
‫والخرة ‪ } ،‬ونبئ ْه َ‬
‫م { أي ‪ :‬يوم لهم ويوم للناقة ؛ كقوله‬ ‫ة ب َي ْن َهُ ْ‬‫م ٌ‬‫س َ‬ ‫ماَء قِ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ََّ ُ ْ‬
‫معْلوم ٍ { ]الشعراء ‪.[155 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ب ي َوْم ٍ َ‬ ‫شْر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب وَلك ْ‬ ‫شْر ٌ‬ ‫ة لَها ِ‬ ‫َ‬ ‫ل هَذِهِ َناقَ ٌ‬ ‫‪َ } :‬قا َ‬
‫ضٌر { قال مجاهد ‪ :‬إذا غابت حضروا الماء ‪ ،‬وإذا‬ ‫حت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫شْر ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬ك ّ‬
‫جاءت حضروا اللبن‪.‬‬
‫قَر { قال المفسرون ‪ :‬هو عاقر‬ ‫م فَت ََعا َ‬
‫طى فَعَ َ‬ ‫حب َهُ ْ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬فََناد َْوا َ‬
‫صا ِ‬
‫ث‬
‫دار بن سالف ‪ ،‬وكان أشقى قومه‪ .‬كقوله ‪ } :‬إ ِذِ ان ْب َعَ َ‬ ‫الناقة ‪ ،‬واسمه قُ ّ‬
‫جسر )‪(1‬‬ ‫طى { أي ‪ :‬فَ َ‬ ‫ها { ] الشمس ‪ } .[ 12 :‬فَت ََعا َ‬ ‫قا َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ش َ‬
‫ذاِبي وَن ُذ ُرِ { أي ‪ :‬فعاقبتهم ‪ ،‬فكيف كان عقابي )‪(2‬‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كا َ‬‫ف َ‬‫قَر‪ .‬فَك َي ْ َ‬‫} فَعَ َ‬
‫]لهم[ )‪ (3‬على كفرهم بي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬حسر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬عذابي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/479‬‬

‫صًبا إ ِّل آ َ َ‬ ‫َ‬


‫م‬‫جي َْناهُ ْ‬
‫ط نَ ّ‬ ‫ل ُلو ٍ‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ط ِبالن ّذ ُرِ )‪ (33‬إ ِّنا أْر َ‬ ‫م ُلو ٍ‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫م ب َط ْ َ‬ ‫َ‬ ‫شك ََر )‪ (35‬وَل َ َ‬ ‫عن ْدَِنا ك َذ َل ِ َ‬
‫شت ََنا‬ ‫قد ْ أن ْذ ََرهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬‫حرٍ )‪ (34‬ن ِعْ َ‬ ‫س َ‬ ‫بِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذاِبي‬ ‫ذوقوا عَ َ‬ ‫مف ُ‬ ‫سَنا أعْي ُن َهُ ْ‬ ‫م ْ‬‫فهِ فط َ‬ ‫ضي ْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫قد ْ َراوَُدوهُ عَ ْ‬ ‫ماَرْوا ِبالن ّذ ُرِ )‪ (36‬وَل َ‬ ‫فَت َ َ‬
‫ذاِبي وَن ُذ ُرِ )‪(39‬‬ ‫ذوُقوا عَ َ‬ ‫قّر )‪ (38‬فَ ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م ب ُك َْرة ً عَ َ‬ ‫حهُ ْ‬ ‫صب ّ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫وَن ُذ ُرِ )‪ (37‬وَل َ َ‬
‫مد ّك ِرٍ )‪(40‬‬ ‫ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ‬ ‫َ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬ ‫وَل َ َ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬
‫َ‬
‫شيم ِ‬‫كاُنوا ك َهَ ِ‬ ‫حد َة ً فَ َ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫ح ً‬ ‫صي ْ َ‬‫م َ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫وتكذيبهم رسولي ؟ } إ ِّنا أْر َ‬
‫مدوا‬ ‫مدوا وهَ َ‬ ‫خ َ‬ ‫حت َظ ِرِ { أي ‪ :‬فبادوا عن آخرهم لم تبق )‪ (1‬منهم باقية ‪ ،‬و َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫كما يهمد ي َِبيس الزرع والنبات‪ .‬قاله غير واحد من المفسرين‪ .‬والمحتظر ‪-‬‬
‫قال السدي ‪ : -‬هو المرعى بالصحراء حين يبيس وتحرق ونسفته الريح‪.‬‬
‫ظاًرا على البل والمواشي من ي َِبيس‬ ‫ح َ‬ ‫وقال ابن زيد ‪ :‬كانت العرب يجعلون ِ‬
‫حت َظ ِرِ {‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫شيم ِ ال ُ‬ ‫الشوك ‪ ،‬فهو المراد من قوله ‪ } :‬ك َهَ ِ‬
‫حت َظ ِرِ { ‪ :‬هو التراب المتناثر من الحائط‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫شيم ِ ال ْ ُ‬ ‫جَبير ‪ } :‬ك َهَ ِ‬ ‫وقال سعيد بن ُ‬
‫وهذا قول غريب ‪ ،‬والول أقوى ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫جي َْناهُ ْ‬‫ط نَ ّ‬‫ل ُلو ٍ‬ ‫صًبا ِإل آ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ط ِبالن ّذ ُرِ )‪ (33‬إ ِّنا أْر َ‬ ‫م ُلو ٍ‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫} ك َذ ّب َ ْ‬
‫م ب َط ْ َ‬ ‫َ‬ ‫شك ََر )‪ (35‬وَل َ َ‬ ‫عن ْدَِنا ك َذ َل ِ َ‬
‫شت ََنا‬ ‫قد ْ أن ْذ ََرهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬
‫حرٍ )‪ (34‬ن ِعْ َ‬ ‫س َ‬ ‫بِ َ‬
‫ذوُقوا عَ َ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذاِبي‬ ‫سَنا أعْي ُن َهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فهِ فَط َ‬ ‫ضي ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫قد ْ َراوَُدوهُ عَ ْ‬ ‫ماَرْوا ِبالن ّذ ُرِ )‪ (36‬وَل َ‬ ‫فَت َ َ‬
‫ذاِبي وَن ُذ ُرِ )‪(39‬‬ ‫ذوُقوا عَ َ‬ ‫قّر )‪ (38‬فَ ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م ب ُك َْرة ً عَ َ‬ ‫حهُ ْ‬ ‫صب ّ َ‬‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫وَن ُذ ُرِ )‪ (37‬وَل َ‬
‫مد ّك ِرٍ )‪.{ (40‬‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ِللذ ّكرِ فَهَ ْ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫وَل َ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن قوم لوط كيف كذبوا رسولهم وخالفوه ‪ ،‬وارتكبوا‬
‫المكروه من إتيان الذكور ‪ ،‬وهي الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من‬
‫ة من المم ‪ ،‬فإنه تعالى أمر‬ ‫العالمين ؛ ولهذا أهلكهم الله هلكا لم ُيهلكه أم ً‬
‫جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فحمل مدائنهم حتى وصل بها إلى عََنان السماء ‪ ،‬ثم‬
‫قلبها عليهم وأرسلها ‪ ،‬وأتبعت بحجارة من سجيل منضود ؛ ولهذا قال هاهنا‪.‬‬
‫َ‬
‫حرٍ {‬ ‫س َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫جي َْناهُ ْ‬ ‫ط نَ ّ‬ ‫ل ُلو ٍ‬ ‫صًبا { وهي ‪ :‬الحجارة ‪ِ } ،‬إل آ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫} إ ِّنا أْر َ‬
‫أي ‪ :‬خرجوا من آخر الليل فنجوا مما أصاب قومهم ‪ ،‬ولم يؤمن بلوط من‬
‫قومه أحد ول رجل واحد حتى ول امرأته ‪ ،‬أصابها ما أصاب قومها ‪ ،‬وخرج نبي‬
‫سه سوء ؛ ولهذا قال‬ ‫س ْ‬ ‫الله لوط وبنات له من بين أظهرهم سالما لم يم َ‬
‫م ب َط ْ َ‬ ‫شك َر‪ .‬ول َ َ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫شت ََنا { أي ‪ :‬ولقد كان قبل‬ ‫قد ْ أن ْذ ََرهُ ْ‬ ‫ن َ َ َ‬ ‫م ْ‬
‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫ك نَ ْ‬
‫حلول العذاب بهم قد أنذرهم بأس الله وعذابه ‪ ،‬فما التفتوا إلى ذلك ‪ ،‬ول‬
‫فهِ { وذلك ليلة‬ ‫ضي ْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫قد ْ َراوَُدوه ُ عَ ْ‬ ‫أصغوا إليه ‪ ،‬بل شكوا فيه وتماروا به ‪ } ،‬وَل َ َ‬
‫مرد‬‫وَرد َ عليه الملئكة ‪ :‬جبريل ‪ ،‬وميكائيل ‪ ،‬وإسرافيل في صورة شباب ُ‬
‫ة من الله بهم ‪ ،‬فأضافهم لوط ]عليه السلم[ )‪ (2‬وبعثت امرأته‬ ‫حسان محن َ ً‬ ‫ِ‬
‫ن إليه من‬ ‫عو َ‬‫العجوز السوُء إلى قومها ‪ ،‬فأعلمتهم بأضياف لوط ‪ ،‬فأقبلوا ي ُهَْر ُ‬
‫كل مكان ‪ ،‬فأغلق لوط دونهم الباب ‪ ،‬فجعلوا يحاولون كسر الباب ‪ ،‬وذلك‬
‫عشية ‪ ،‬ولوط ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه ‪ ،‬ويقول لهم ‪:‬‬
‫ن { ] الحجر ‪[ 71 :‬‬ ‫عِلي َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م َفا ِ‬ ‫ؤلِء ب ََناِتي { يعني ‪ :‬نساءهم ‪ } ،‬إ ِ ْ‬ ‫} هَ ُ‬
‫ب‪،‬‬ ‫حقّ { أي ‪ :‬ليس لنا فيهن أَر ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫َ‬
‫ما لَنا ِفي ب ََنات ِ َ‬‫ت َ‬ ‫م َ‬‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫} َقالوا ل َ‬
‫ريد ُ { ] هود ‪ [ 79 :‬فلما اشتد الحال وأبوا إل الدخول ‪،‬‬ ‫ما ن ُ ِ‬‫م َ‬ ‫ك ل َت َعْل ُ‬
‫َ‬ ‫} وَإ ِن ّ َ‬
‫خرج عليهم جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فضرب أعينهم بطرف جناحه ‪،‬‬
‫فانطمست أعينهم‪ .‬يقال ‪ :‬إنها غارت من وجوههم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يبق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/480‬‬

‫َ‬
‫قت َدِرٍ )‬‫م ْ‬
‫زيزٍ ُ‬ ‫خذ َ ع َ ِ‬‫م أَ ْ‬ ‫ن الن ّذ ُُر )‪ (41‬ك َذ ُّبوا ب ِآ ََيات َِنا ك ُل َّها فَأ َ‬
‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫جاَء آ َ َ‬ ‫وَل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫م ب ََراَءة ٌ ِفي الّزب ُرِ )‪ (43‬أ ْ‬ ‫م ل َك ُ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫ن أول َئ ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫خي ٌْر ِ‬ ‫فاُرك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫‪ (42‬أك ُ ّ‬
‫م‬‫عد ُهُ ْ‬‫مو ْ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫ل ال ّ‬‫ن الد ّب َُر )‪ (45‬ب َ ِ‬ ‫معُ وَي ُوَّلو َ‬ ‫ج ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫سي ُهَْز ُ‬‫صٌر )‪َ (44‬‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫ميعٌ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫مّر )‪(46‬‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫هى‬‫َ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫سا‬ ‫وال‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ‬

‫وقيل ‪ :‬إنه لم تبق لهم عيون بالكلية ‪ ،‬فرجعوا على أدبارهم يتحسسون‬
‫بالحيطان ‪ ،‬ويتوعدون لوطا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إلى الصباح‪.‬‬
‫قّر { أي ‪ :‬ل محيد لهم عنه‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م ب ُك َْرة ً عَ َ‬ ‫حهُ ْ‬ ‫صب ّ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن ِللذ ّك ْرِ فَهَ ْ‬
‫ل‬ ‫قْرآ َ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫ذاِبي وَن ُذ ُِر‪ .‬وَل َ َ‬ ‫ذوُقوا عَ َ‬ ‫‪ ،‬ول انفكاك لهم منه ‪ } ،‬فَ ُ‬
‫مد ّك ِرٍ {‪.‬‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ز‬ ‫زي‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫نا‬‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ها‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫نا‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫بآ‬ ‫بوا‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫(‬ ‫‪41‬‬ ‫)‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫آ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬
‫َ ِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ُ ِ َ َ‬ ‫ِ ْ ْ َ ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫قو‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫(‬ ‫‪43‬‬ ‫)‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫را‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫خير من ُأول َئ ِك ُم أ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫فا‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫قتدر )‪ (42‬أ َ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ُ ْ ٌْ‬ ‫م ْ َ ِ ٍ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫ساعَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫(‬ ‫‪45‬‬ ‫)‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫لو‬ ‫ّ‬ ‫و‬
‫ْ َ َ‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ز‬‫َ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫(‬ ‫‪44‬‬ ‫)‬ ‫ر‬
‫ٌ‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ع‬ ‫مي‬‫ِ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫نَ ُ‬ ‫ح‬
‫ْ‬
‫مّر )‪.{ (46‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هى وَأ َ‬ ‫ة أد ْ َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫عد ُهُ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن فرعون وقومه إنهم جاءهم رسول الله موسى وأخوه‬
‫هارون بالبشارة إن آمنوا ‪ ،‬والنذارة إن كفروا ‪ ،‬وأيدهما بمعجزات عظيمة‬
‫وآيات متعددة ‪ ،‬فكذبوا بها كلها ‪ ،‬فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫فأبادهم الله ولم )‪ُ (1‬يبق منهم مخبًرا ول عيًنا ول أثًرا‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫م { أي ‪ :‬أيها المشركون من كفار قريش } َ‬ ‫فاُرك ُ ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬أ َك ُ ّ‬
‫ُ‬
‫م { يعني ‪ :‬من الذين تقدم ذكرهم ممن أهلكوا بسبب تكذيبهم الرسل ‪،‬‬ ‫أول َئ ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫م ب ََراَءة ٌ ِفي الّزب ُرِ { أي ‪ :‬أم‬ ‫م ل َك ُ ْ‬ ‫وكفرهم بالكتب ‪ :‬أأنتم خير أم أولئك ؟ } أ ْ‬
‫معكم )‪ (2‬من الله براءة أل ينالكم عذاب ول نكال ؟‪.‬‬
‫َ‬
‫صٌر { أي ‪ :‬يعتقدون أنهم‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫ميعٌ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ثم قال مخبرا عنهم ‪ } :‬أ ْ‬
‫مناصرون )‪ (3‬بعضهم بعضا ‪ ،‬وأن جمعهم يغني عنهم من أرادهم بسوء ‪ ،‬قال‬
‫ن الد ّب َُر { أي ‪ :‬سيتفرق شملهم ويغلبون‪.‬‬ ‫معُ وَي ُوَّلو َ‬ ‫ج ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫سي ُهَْز ُ‬ ‫الله تعالى ‪َ } :‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا إسحاق ‪ ،‬حدثنا خالد ‪ ،‬عن خالد ‪ -‬وقال أيضا ‪ :‬حدثنا‬
‫محمد ‪ ،‬حدثنا )‪ (4‬عفان بن مسلم ‪ ،‬عن ُوهيب ‪ ،‬عن خالد ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ -‬وهو في قبة له يوم بدر ‪: -‬‬
‫"أنشدك عهدك ووعدك ‪ ،‬اللهم إن شئت لم ُتعبد بعد اليوم )‪ (5‬أبدا"‪ .‬فأخذ‬
‫أبو بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬بيده وقال ‪ :‬حسبك يا رسول الله! ألححت على‬
‫معُ وَي ُوَّلو َ‬
‫ن الد ّب َُر‪.‬‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ج ْ‬ ‫سي ُهَْز ُ‬
‫ربك‪ .‬فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول ‪َ } :‬‬
‫مّر {‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ة أ َد ْ َ‬
‫هى وَأ َ‬ ‫ساعَ ُ‬
‫م َوال ّ‬‫عد ُهُ ْ‬
‫مو ْ ِ‬
‫ة َ‬‫ساعَ ُ‬
‫ل ال ّ‬
‫بَ ِ‬
‫مْهران )‬ ‫وكذا رواه البخاري والنسائي في غير موضع ‪ ،‬من حديث خالد ‪ -‬وهو ِ‬
‫‪ (6‬الحذاء ‪ -‬به )‪.(7‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الربيع الّزهَراني ‪ ،‬حدثنا حماد عن‬
‫ن الد ّب َُر { ]قال[‬ ‫معُ وَي ُوَّلو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ج ْ‬ ‫سي ُهَْز ُ‬
‫أيوب ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬قال ‪ :‬لما نزلت } َ‬
‫مع‬‫ج ْ‬‫مع يهزم ؟ أيّ َ‬ ‫)‪ (8‬قال عمر ‪ :‬أيّ ج َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬فلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬معهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يتناصرون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬بعد اليوم في الرض"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو ابن مهران"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪ (4877 ، 4875 ، 3953 ، 2915‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم )‪.(11557‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/481‬‬

‫م‬ ‫ن ِفي الّنارِ عََلى وُ ُ‬


‫جوهِهِ ْ‬ ‫حُبو َ‬‫س َ‬ ‫م يُ ْ‬‫سعُرٍ )‪ (47‬ي َوْ َ‬ ‫ل وَ ُ‬‫ضَل ٍ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫مي َ‬‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫إِ ّ‬
‫قد َرٍ )‪(49‬‬‫قَناهُ ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫ُ‬
‫قَر )‪ (48‬إ ِّنا ك ّ‬‫س َ‬
‫س َ‬ ‫م ّ‬ ‫ُذوُقوا َ‬

‫يغلب ؟ قال عمر ‪ :‬فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ن الد ّب َُر { فعرفت تأويلها‬ ‫معُ وَي ُوَّلو َ‬ ‫ج ْ‬‫م ال ْ َ‬ ‫سي ُهَْز ُ‬ ‫يثب في الدرع ‪ ،‬وهو يقول ‪َ } :‬‬
‫يومئذ )‪.(1‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن موسى ‪ ،‬حدثنا هشام بن يوسف ؛ أن ابن‬
‫ك قال ‪ :‬إني عند عائشة أم المؤمنين ‪،‬‬ ‫جَريج أخبرهم ‪ :‬أخبرني يوسف بن ماهَ َ‬ ‫ُ‬
‫قالت ‪ :‬نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة ‪ -‬وإني لجارية ألعب ‪-‬‬
‫مّر { هكذا رواه ها هنا مختصرا )‪.(2‬‬ ‫َ‬ ‫ة أ َد ْ َ‬
‫هى وَأ َ‬ ‫ساعَ ُ‬‫م َوال ّ‬‫عد ُهُ ْ‬
‫مو ْ ِ‬‫ة َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫} بَ ِ‬
‫ورواه في فضائل القرآن مطول )‪ ، (3‬ولم يخرجه مسلم‪.‬‬
‫م‬
‫جوهِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي الّنارِ عَلى وُ ُ‬‫حُبو َ‬‫س َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫سعُرٍ )‪ (47‬ي َوْ َ‬ ‫ل وَ ُ‬‫ضل ٍ‬‫ن ِفي َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬‫} إِ ّ‬
‫قد َرٍ )‪.{ (49‬‬ ‫قَناهُ ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫قَر )‪ (48‬إ ِّنا كل َ‬ ‫س َ‬
‫س َ‬ ‫م ّ‬ ‫ُذوُقوا َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه عبد الرزاق في تفسيره )‪ (2/209‬من طريق معمر عن أيوب به‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(4876‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4993‬‬

‫) ‪(7/482‬‬
‫مد ّك ِرٍ )‬‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫م فَهَ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫شَياعَك ُ ْ‬‫قد ْ أ َهْل َك َْنا أ َ ْ‬‫صرِ )‪ (50‬وَل َ َ‬‫مٍح ِبال ْب َ َ‬
‫حد َة ٌ ك َل َ ْ‬ ‫مُرَنا إ ِّل َوا ِ‬ ‫َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ست َطٌر )‪ (53‬إ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫صِغيرٍ وَكِبيرٍ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫يٍء فعَلوه ُ ِفي الّزب ُرِ )‪ (52‬وَكل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫‪ (51‬وَكل َ‬
‫قت َدِرٍ )‪(55‬‬‫م ْ‬‫ك ُ‬ ‫مِلي ٍ‬‫عن ْد َ َ‬‫ق ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫قعَدِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت وَن َهَرٍ )‪ِ (54‬في َ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬

‫ر‬
‫مد ّك ِ ٍ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م فَهَ ْ‬ ‫شَياعَك ُ ْ‬ ‫قد ْ أ َهْل َك َْنا أ َ ْ‬ ‫صرِ )‪ (50‬وَل َ َ‬ ‫مٍح ِبال ْب َ َ‬ ‫حد َة ٌ ك َل َ ْ‬ ‫مُرَنا ِإل َوا ِ‬ ‫َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن‬
‫ست َطٌر )‪ (53‬إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫صِغيرٍ وَكِبيرٍ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫يٍء فَعَلوه ُ ِفي الّزب ُرِ )‪ (52‬وَك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫)‪ (51‬وَك ّ‬
‫قت َدِرٍ )‪{ (55‬‬ ‫م ْ‬
‫ك ُ‬ ‫مِلي ٍ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫قعَدِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت وَن َهَرٍ )‪ِ (54‬في َ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قي َ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫سُعر مما هم‬ ‫يخبرنا )‪ (1‬تعالى عن المجرمين أنهم في ضلل عن الحق ‪ ،‬و ُ‬
‫فيه من الشكوك والضطراب في الراء ‪ ،‬وهذا يشمل كل من اتصف بذلك‬
‫من كافر ومبتدع من سائر الفرق‪.‬‬
‫سُعر‬ ‫ُ‬ ‫في‬ ‫كانوا‬ ‫كما‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ُ ُ ِ ِ ْ‬ ‫جو‬ ‫و‬ ‫لى‬‫َ‬ ‫ن ِفي الّنارِ َ‬
‫ع‬ ‫حُبو َ‬ ‫س َ‬‫م يُ ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫سحبوا فيها على وجوههم ‪،‬‬ ‫وشك وتردد أورثهم ذلك النار ‪ ،‬وكما كانوا ضلل ُ‬
‫قَر {‪.‬‬ ‫س َ‬‫س َ‬ ‫م ّ‬ ‫ل يدرون أين يذهبون ‪ ،‬ويقال لهم تقريعا وتوبيخا ‪ُ } :‬ذوُقوا َ‬
‫قد َّرهُ‬ ‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خل َقَ ك ُ ّ‬ ‫قد َرٍ { ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَ َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناه ُ ب ِ َ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِّنا ك ُ ّ‬
‫ق‬
‫خل َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ك العْلى‪ .‬ال ِ‬ ‫َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫س َ‬‫سب ِّح ا ْ‬ ‫ديًرا { ] الفرقان ‪ [ 2 :‬وكقوله ‪َ } :‬‬ ‫ق ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫دى { ] العلى ‪ [ 3 - 1 :‬أي ‪ :‬قدر قدرا ‪ ،‬وهدى‬ ‫ذي قَد َّر فَهَ َ‬ ‫ّ‬
‫وى‪َ .‬وال ِ‬ ‫س ّ‬ ‫فَ َ‬
‫در‬‫ة السنة على إثبات قَ َ‬ ‫الخلئق إليه ؛ ولهذا يستدل بهذه الية الكريمة أئم ُ‬
‫الله السابق لخلقه ‪ ،‬وهو علمه الشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها ‪،‬‬
‫ورّدوا بهذه الية وبما )‪ (2‬شاكلها من اليات ‪ ،‬وما ورد في معناها من‬
‫قدرية الذين نبغوا )‪ (3‬في أواخر عصر‬ ‫الحاديث الثابتات على الفْرقة ال َ‬
‫الصحابة‪ .‬وقد تكلمنا على هذا المقام مفصل وما ورد فيه من الحاديث في‬
‫شرح "كتاب اليمان" من "صحيح البخاري" رحمه الله ‪ ،‬ولنذكر هاهنا‬
‫الحاديث المتعلقة بهذه الية الكريمة ‪:‬‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا سفيان الثوري ‪ ،‬عن زياد بن إسماعيل‬ ‫قال أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫السهمي ‪ ،‬عن محمد بن عباد بن جعفر ‪ ،‬عن أبي هَُريَرة قال ‪ :‬جاء مشركو‬
‫م‬‫قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر ‪ ،‬فنزلت ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫قَناهُ‬ ‫خل َ ْ‬‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قَر‪ .‬إ ِّنا ك ُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫س َ‬ ‫م ّ‬ ‫م ُذوُقوا َ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫ن ِفي الّنارِ عََلى وُ ُ‬ ‫حُبو َ‬ ‫س َ‬ ‫يُ ْ‬
‫قد َرٍ {‪.‬‬ ‫بِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬يخبر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬وما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬سعوا"‪.‬‬

‫) ‪(7/482‬‬

‫وهكذا رواه مسلم والترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث وكيع ‪ ،‬عن سفيان‬
‫الثوري ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫خَلد ‪ ،‬حدثنا يونس بن‬ ‫م‬
‫َ ْ‬ ‫بن‬ ‫الضحاك‬ ‫حدثنا‬ ‫‪،‬‬ ‫على‬ ‫بن‬ ‫عمرو‬ ‫حدثنا‬ ‫وقال البزار ‪:‬‬
‫الحارث ‪ ،‬عن عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬ما نزلت هذه‬
‫ن ِفي الّنارِ عََلى‬ ‫حُبو َ‬
‫س َ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ر‪ .‬ي َوْ َ‬‫سعُ ٍ‬
‫ل وَ ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫اليات ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫قد َرٍ { ‪ ،‬إل في أهل القدر )‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناه ُ ب ِ َ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫قَر‪ .‬إ ِّنا ك ُ ّ‬
‫س َ‬‫س َ‬ ‫م ّ‬ ‫م ُذوُقوا َ‬ ‫جوهِهِ ْ‬‫وُ ُ‬
‫‪.(2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سهل )‪ (3‬بن صالح النطاكي ‪ ،‬حدثني‬
‫قُّرة بن حبيب ‪ ،‬عن كنانة حدثنا جرير بن حازم ‪ ،‬عن سعيد بن عمرو بن‬
‫جعْد َة َ ‪ ،‬عن ابن ُزَرارة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تل هذه‬ ‫َ‬
‫قد َرٍ { ‪ ،‬قال ‪" :‬نزلت في‬ ‫قَناه ُ ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫يٍء َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫قَر‪ .‬إ ِّنا كل ش ْ‬ ‫س َ‬
‫س َ‬ ‫م ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الية ‪ } :‬ذوقوا َ‬
‫أناس من أمتي يكونون في آخر الزمان يكذبون بقدر الله" )‪.(4‬‬
‫مْروان بن شجاع الجَزري ‪ ،‬عن عبد الملك‬ ‫وحدثنا الحسن بن عرفة ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن عطاء بن أبي َرَباح ‪ ،‬قال ‪ :‬أتيت ابن عباس وهو َينزع من‬ ‫بن ُ‬
‫ّ‬
‫زمزم ‪ ،‬وقد ابتلت أسافل ثيابه ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬قد ت ُك ُلم في القدر‪ .‬فقال ‪ :‬أو‬ ‫ّ‬
‫]قد[ )‪ (5‬فعلوها ؟ قلت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فوالله ما نزلت هذه الية إل فيهم ‪:‬‬
‫قد َرٍ { ‪ ،‬أولئك شرار هذه المة ‪،‬‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناه ُ ب ِ َ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫قَر‪ .‬إ ِّنا ك ُ ّ‬
‫س َ‬‫س َ‬ ‫م ّ‬ ‫} ُذوُقوا َ‬
‫صلوا على موتاهم ‪ ،‬إن رأيت أحدا منهم فقأت عينيه‬ ‫ّ‬ ‫فل تعودوا مرضاهم ول ت ُ َ‬
‫ي هاتين‪.‬‬ ‫بأصبع ّ‬
‫وقد رواه المام أحمد من وجه آخر ‪ ،‬وفيه مرفوع ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬عن بعض إخوته ‪ ،‬عن محمد بن عَُبيد‬
‫ذب‬ ‫المكي ‪ ،‬عن عبد الله بن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬قيل له ‪ :‬إن رجل قدم علينا ي ُك َ ّ‬
‫بالقدر فقال ‪ :‬دلوني عليه ‪ -‬وهو أعمى ‪ -‬قالوا ‪ :‬وما تصنع به يا أبا عباس قال‬
‫ن أنفه حتى أقطعه ‪ ،‬ولئن‬ ‫ض ّ‬‫‪ :‬والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لع ّ‬
‫وقعت رقبته في يدي لدقنها ؛ فإني )‪ (6‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫ن بالخزرج ‪ ،‬تصطفق ألياتهن‬ ‫ف َ‬‫وسلم يقول ‪" :‬كأني بنساء بني فِْهر ي َط ُ ْ‬
‫مشركات ‪ ،‬هذا أول شرك هذه المة ‪ ،‬والذي نفسي بيده لينتهين بهم سوء‬
‫در خيرا ‪ ،‬كما أخرجوه من أن يكون‬ ‫رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قَ ّ‬
‫قدر شرا" )‪.(7‬‬
‫ثم رواه أحمد عن أبي المغيرة ‪ ،‬عن الوزاعي ‪ ،‬عن العلء بن الحجاج ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عبيد ‪ ،‬فذكر مثله )‪ .(8‬لم يخرجوه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (2/444‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2656‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (3290‬وسنن ابن ماجة برقم )‪.(83‬‬
‫)‪ (2‬مسند البزار برقم )‪" (2265‬كشف الستار" ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع‬
‫)‪" : (7/117‬فيه يونس بن الحارث ‪ ،‬وثقه ابن معين وابن حيان وفيه ضعف ‪،‬‬
‫وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬سهيل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (5/276‬من طريق قرة بن حبيب‬
‫عن جرير بن حازم ‪ -‬وأظن أن كنانة ساقط منه ‪ -‬عن سعيد بن عمرو به‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(1/330‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(1/330‬‬

‫) ‪(7/483‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الله بن يزيد ‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي أيوب ‪،‬‬
‫حدثني أبو صخر ‪ ،‬عن نافع قال ‪ :‬كان لبن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه‬
‫)‪ ، (1‬فكتب إليه عبد الله بن عمر ‪ :‬إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من‬
‫ي ‪ ،‬فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫القدر ‪ ،‬فإياك أن تكتب إل ّ‬
‫يقول ‪" :‬سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر"‪.‬‬
‫رواه أبو داود ‪ ،‬عن أحمد بن حنبل ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫فَرة ‪ ،‬عن‬ ‫ُ‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا أنس بن عياض ‪ ،‬حدثنا عمر بن عبد الله مولى غ ْ‬
‫عبد الله بن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬لكل أمة‬
‫مجوس ‪ ،‬ومجوس أمتي الذين يقولون ‪ :‬ل قدر‪ .‬إن مرضوا فل تعودوهم ‪،‬‬
‫وإن ماتوا فل تشهدوهم" )‪.(3‬‬
‫لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه‪.‬‬
‫ميد بن زياد ‪ ،‬عن‬ ‫ح َ‬
‫دين ‪ ،‬عن أبي صخر ُ‬ ‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا رِ ْ‬
‫ش ِ‬
‫نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫"سيكون في هذه المة مسخ ‪ ،‬أل وذاك في المكذبين بالقدر والزنديقية"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث أبي صخر حميد بن زياد ‪ ،‬به )‪.(4‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا إسحاق بن الطباع ‪ ،‬أخبرني مالك ‪ ،‬عن زياد بن سعد ‪،‬‬
‫عن عمرو بن مسلم ‪ ،‬عن طاوس اليماني قال ‪ :‬سمعت ابن عمر قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كل شيء بقدرن حتى العجز والكيس"‪.‬‬
‫ورواه مسلم منفردا به ‪ ،‬من حديث مالك )‪.(6) (5‬‬
‫وفي الحديث الصحيح ‪" :‬استعن بالله ول تعجز ‪ ،‬فإن أصابك أمر فقل ‪ :‬قَد ُّر‬
‫الله وما شاء فعل ‪ ،‬ول تقل ‪ :‬لو أني فعلت لكان كذا ‪ ،‬فإن لو تفتح عمل‬
‫الشيطان" )‪.(7‬‬
‫وفي حديث ابن عباس ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ‪:‬‬
‫"واعلم أن المة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء ‪ ،‬لم يكتبه الله لك ‪ ،‬لم‬
‫ينفعوك ‪ ،‬ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ‪ ،‬لم يكتبه الله عليك ‪ ،‬لم‬
‫فت القلم وطويت الصحف" )‪.(8‬‬ ‫يضروك‪ .‬ج ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬فكاتبه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (2/90‬وسنن أبي داود برقم )‪.(4613‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(2/86‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (2/108‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2152‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(4061‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬ورواه مسلم من حديث مالك منفردا به"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (2/110‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2655‬‬
‫)‪ (7‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2664‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه المام أحمد في مسنده )‪.(1/293‬‬

‫) ‪(7/484‬‬

‫وار ‪ ،‬حدثنا الليث )‪ ، (1‬عن معاوية ‪،‬‬


‫س ّ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا الحسن بن َ‬
‫عن أيوب بن زياد ‪ ،‬حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة ‪ ،‬حدثني أبي قال ‪:‬‬
‫دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أبتاه ‪ ،‬أوصني‬
‫واجتهد لي‪ .‬فقال ‪ :‬أجلسوني‪ .‬فلما أجلسوه قال ‪ :‬يا بني ‪ ،‬إنك لما تطعم‬
‫طعم اليمان ‪ ،‬ولم تبلغ حق حقيقة العلم بالله ‪ ،‬حتى تؤمن بالقدر خيره‬
‫وشره‪ .‬قلت ‪ :‬يا أبتاه ‪ ،‬وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره ؟ قال ‪ :‬تعلم‬
‫أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ‪ ،‬وما أصابك لم يكن ليخطئك‪ .‬يا بني ‪ ،‬إني‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إن أول ما خلق الله القلم‪.‬‬
‫ثم قال له ‪ :‬اكتب‪ .‬فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة" يا‬
‫ت على ذلك دخلت النار )‪.(2‬‬ ‫ت ولس َ‬ ‫بني ‪ ،‬إن م ّ‬
‫خي ‪ ،‬عن أبي داود الطيالسي ‪ ،‬عن‬ ‫ورواه الترمذي عن يحيى بن موسى الب َل ْ ِ‬
‫عبد الواحد بن سليم ‪ ،‬عن عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬عن الوليد بن عبادة ‪ ،‬عن أبيه‬
‫‪ ،‬به‪ .‬وقال ‪ :‬حسن صحيح غريب )‪.(3‬‬
‫خَراش ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن‬ ‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن رِب ِْعي بن ِ‬
‫علي بن أبي طالب قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يؤمن‬
‫عبد حتى يؤمن بأربع ‪ :‬يشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأني رسول الله ‪ ،‬بعثني‬
‫بالحق ‪ ،‬ويؤمن بالموت ‪ ،‬ويؤمن بالبعث بعد الموت ‪ ،‬ويؤمن بالقدر خيره‬
‫وشره"‪.‬‬
‫مْيل ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬به‬ ‫ش َ‬ ‫وكذا رواه الترمذي من حديث النضر بن ُ‬
‫)‪ .(4‬ورواه من حديث أبي داود الطيالسي ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن )‪ (5‬منصور ‪،‬‬
‫عن ربعي ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬فذكره وقال ‪" :‬هذا عندي أصح"‪ .‬وكذا رواه ابن ماجه‬
‫من حديث شريك ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن ربعي ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬به )‪.(6‬‬
‫وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن وهب وغيره ‪ ،‬عن أبي )‪(7‬‬
‫حُبلي ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫هانئ الخولني ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن ال ُ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله كتب مقادير الخلئق قبل أن‬
‫ه‬
‫ش ُ‬‫ن عَْر ُ‬ ‫يخلق السموات والرض بخمسين ألف سنة" زاد ابن وهب ‪ } :‬وَ َ‬
‫كا َ‬
‫ماِء { ]هود ‪ .[7 :‬ورواه الترمذي وقال ‪ :‬حسن صحيح غريب )‪.(8‬‬ ‫عََلى ال ْ َ‬
‫َ‬
‫صرِ {‪ .‬وهو إخبار عن نفوذ مشيئته‬ ‫مٍح ِبال ْب َ َ‬
‫حد َة ٌ ك َل َ ْ‬
‫مُرَنا ِإل َوا ِ‬
‫ما أ ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫في خلقه كما أخبر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ليث"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(5/317‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪.(3319‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي برقم )‪ (2145‬ورواه أحمد في مسنده )‪ (1/133‬عن وكيع‬
‫والحاكم في مستدركه )‪ (1/33‬عن أبي حذيفة ‪ ،‬كلهما عن سفيان الثوري‬
‫به‪.‬‬
‫وقد رجح هذه الرواية الدارقطني في العلل )‪ (3/196‬فقال ‪" :‬حديث شريك‬
‫وورقاء وجرير وعمرو بن أبي قيس عن منصور عن ربعي عن علي‪ .‬وخالفهم‬
‫سفيان الثوري وزائدة أبو الحوص وسليمان التيمي فرووه ‪ :‬عن منصور عن‬
‫ربعي عن رجل من بني راشد عن علي وهو الصواب"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن الترمذي برقم )‪ (2145‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(81‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬أم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم برقم )‪ (2653‬وسنن الترمذي برقم )‪.(2156‬‬

‫) ‪(7/485‬‬

‫حد َةٌ { أي ‪ :‬إنما نأمر بالشيء‬


‫مُرَنا ِإل َوا ِ‬ ‫َ‬
‫ما أ ْ‬
‫بنفوذ قدره فيهم ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫مرة واحدة ‪ ،‬ل نحتاج إلى تأكيد بثانية ‪ ،‬فيكون ذلك الذي نأمر به حاصل‬
‫موجودا كلمح البصر )‪ ، (1‬ل يتأخر طرفة عين ‪ ،‬وما أحسن ما قال بعض‬
‫الشعراء ‪:‬‬
‫ن‪...‬‬ ‫ُ‬
‫ة )‪ (2‬في َكو ُ‬‫َ‬ ‫ول ً‬ ‫َ‬
‫ن‪،‬ق َ‬ ‫ُ‬
‫ه‪:‬ك ْ‬ ‫ُ‬
‫قول ل ُ‬ ‫مًرا فإ ِّنما‪ ...‬ي ُ‬ ‫َ‬ ‫إَذا ما أَراد َ الله أ ْ‬
‫م { يعني ‪ :‬أمثالكم وسلفكم من المم السابقة‬ ‫شَياعَك ُ ْ‬ ‫قد ْ أ َهْل َك َْنا أ ْ‬
‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫مد ّك ِرٍ { أي ‪ :‬فهل من متعظ بما أخزى الله‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫المكذبين بالرسل ‪ } ،‬فَهَ ْ‬
‫ن كَ َ‬
‫ما‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫شت َُهو َ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَب َي ْ َ‬ ‫حي َ‬
‫ل ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫أولئك ‪ ،‬وقدر لهم من العذاب ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ل { ] سبأ ‪.[ 54 :‬‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عهِ ْ‬ ‫شَيا ِ‬‫ل ب ِأ َ ْ‬ ‫فُعِ َ‬
‫يٍء فَعَلوه ُ ِفي الّزب ُرِ { أي ‪ :‬مكتوب عليهم في الكتب التي‬ ‫ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَك ُ ّ‬
‫صِغيرٍ وَك َِبيرٍ { أي ‪ :‬من أعمالهم‬ ‫ل َ‬ ‫بأيدي الملئكة عليهم السلم ‪ } ،‬وَك ُ ّ‬
‫ست َط ٌَر { أي ‪ :‬مجموع عليهم ‪ ،‬ومسطر في صحائفهم ‪ ،‬ل يغادر صغيرة‬ ‫م ْ‬ ‫} ُ‬
‫ول كبيرة إل أحصاها‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا سعيد بن مسلم بن بانك ‪:‬‬
‫سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير ‪ ،‬حدثني عوف بن الحارث ‪ -‬وهو ابن‬
‫أخي عائشة لمها ‪ -‬عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫قرات الذنوب ‪ ،‬فإن لها من الله طالبا"‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫يقول ‪" :‬يا عائشة ‪ ،‬إياك و ُ‬
‫ورواه النسائي وابن ماجه ‪ ،‬من طريق سعيد بن مسلم بن بانك المدني )‪.(3‬‬
‫وثقه )‪ (4‬أحمد ‪ ،‬وابن معين ‪ ،‬وأبو حاتم ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة سعيد بن مسلم هذا من وجه آخر )‬
‫‪ ، (5‬ثم قال سعيد ‪ :‬فحدثت بهذا الحديث عامر بن هشام فقال لي ‪ :‬ويحك يا‬
‫سعيد بن مسلم! لقد حدثني سليمان بن المغيرة أنه عمل ذنبا فاستصغره ‪،‬‬
‫فأتاه آت في منامه فقال له ‪ :‬يا سليمان ‪:‬‬
‫دا يعود )‪ (6‬كبيرا‪...‬‬ ‫صغير غ ً‬ ‫صِغيرا‪ ...‬إن ال ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ن الذنو ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قر ّ‬ ‫ح ِ‬‫ل تَ ْ‬
‫سطٌر تسطيرا‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫إن الصغير ولو تقادم عهده‪ ...‬عند الله ُ‬
‫فازجر هواك عن البطالة ل تكن‪ ...‬صعب القياد وشمرن )‪ (7‬تشميرا‪...‬‬
‫ه‪ ...‬طار الفؤاد وأ ُل ِْهم التفكيرا‪...‬‬ ‫ب إذا أحب إله ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ِ‬ ‫إن ال ُ‬
‫فى ب َِرب ّك هاديا ونصيرا )‪(8‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فاسأل هدايتك الله ب ِن ِّية‪ ...‬فَك َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬كلمح البصر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬في الوجود"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (6/151‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(4243‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الذي وثقه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تاريخ دمشق )‪" 7/353‬المخطوط"( من طريق أبي عامر العقدي‬
‫والقعنبي ‪ ،‬كلهما عن سعيد بن مسلم به‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬يكون"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬وشمر"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تاريخ دمشق )‪" 7/353‬القسم المخطوط"(‪.‬‬

‫) ‪(7/486‬‬

‫ت وَن َهَرٍ { أي ‪ :‬بعكس ما الشقياء فيه من‬


‫جّنا ٍ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫قي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫سعر والسحب في النار على وجوههم ‪ ،‬مع التوبيخ والتقريع‬ ‫الضلل وال ّ‬
‫والتهديد‪.‬‬
‫ق { أي ‪ :‬في دار كرامة الله ورضوانه وفضله ‪،‬‬ ‫صد ْ ٍ‬
‫قعَدِ ِ‬ ‫م ْ‬‫وقوله ‪ِ } :‬في َ‬
‫قت َدِرٍ { أي ‪ :‬عند الملك العظيم‬
‫م ْ‬
‫ك ُ‬‫مِلي ٍ‬
‫عن ْد َ َ‬
‫وامتنانه وجوده وإحسانه ‪ِ } ،‬‬
‫الخالق للشياء كلها ومقدرها ‪ ،‬وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون‬
‫؛ وقد قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عمرو بن أوس ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫عمرو )‪َ - (1‬يبل ُغُ به النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬المقسطون عند الله‬
‫يوم القيامة على منابر من نور ‪ ،‬عن يمين الرحمن ‪ ،‬وكلتا يديه يمين ‪ :‬الذين‬
‫يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم والنسائي ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬بإسناده مثله )‬
‫‪.(2‬‬
‫آخر تفسير سورة "اقتربت" ‪ ،‬ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬عبد الله بن أبي عمرو" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪ (1827‬وسنن النسائي )‪.(8/221‬‬

‫) ‪(7/487‬‬

‫تفسير سورة الرحمن‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن زِّر ‪ ،‬أن رجل‬
‫قال لبن مسعود ‪ :‬كيف تعرف هذا الحرف ‪" :‬ماء غير ياسن أو آسن" ؟ فقال‬
‫‪ :‬كل القرآن قد قرأت‪ .‬قال ‪ :‬إني لقرأ المفصل ؛ أجمع في ركعة واحدة‪.‬‬
‫ذا كهذ ّ الشعر ‪ ،‬ل أبا لك ؟ قد علمت قرائن النبي صلى الله عليه‬ ‫فقال ‪ :‬أه ّ‬
‫وسلم التي كان يقرن قرينتين قرينتين من أول المفصل ‪ ،‬وكان أول مفصل‬
‫ابن مسعود ‪ } :‬الرحمن { )‪.(1‬‬
‫وقال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن واقد أبو مسلم ‪ ،‬حدثنا‬
‫در ‪ ،‬عن جابر قال‬ ‫من ْك َ ِ‬
‫الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن زهير بن محمد ‪ ،‬عن محمد بن ال ُ‬
‫‪ :‬خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة‬
‫"الرحمن" من أولها إلى آخرها ‪ ،‬فسكتوا فقال ‪" :‬لقد قرأتها على الجن ليلة‬
‫الجن ‪ ،‬فكانوا أحسن مردودا منكم ‪ ،‬كنت كلما أتيت على قوله ‪ } :‬فَب ِأ َيّ آلِء‬
‫ن { ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ل بشيء من نعمك ‪ -‬ربنا ‪ -‬نكذب ‪ ،‬فلك الحمد" )‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫َرب ّك ُ َ‬
‫‪.(2‬‬
‫ثم قال ‪ :‬هذا حديث غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن‬
‫زهير بن محمد‪ .‬ثم حكي عن المام أحمد أنه كان ل يعرفه ‪ ،‬ينكر )‪ (3‬رواية‬
‫أهل الشام عن زهير بن محمد هذا‪.‬‬
‫ورواه الحافظ أبو بكر البزار ‪ ،‬عن عمرو بن مالك ‪ ،‬عن الوليد بن مسلم‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن أحمد بن شبوية ‪ ،‬عن هشام بن عمار ‪ ،‬كلهما عن الوليد‬
‫بن مسلم ‪ ،‬به‪ .‬ثم قال ‪ :‬ل نعرفه يروى إل من هذا الوجه )‪.(4‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عباد بن موسى ‪ ،‬وعمرو بن مالك‬
‫البصري قال حدثنا يحيى بن سليم ‪ ،‬عن إسماعيل بن أمية ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن‬
‫ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة "الرحمن" ‪ -‬أو ‪:‬‬
‫قُرَِئت عنده ‪ -‬فقال ‪" :‬ما لي أسمع الجن أحسن جوابا لربها منكم ؟" قالوا ‪:‬‬
‫َ‬
‫وما ذاك يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬ما أتيت على قول الله ‪ } :‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫ما‬
‫ن { إل قالت الجن ‪ :‬ل بشيء من نعمة )‪ (5‬ربنا نكذب"‪.‬‬ ‫ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫ورواه الحافظ البزار عن عمرو بن مالك ‪ ،‬به )‪ .(6‬ثم قال ‪ :‬ل نعلمه يروى‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم إل من هذا الوجه بهذا السناد‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(1/412‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي برقم )‪.(3291‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يستنكر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/473‬من طريق هشام بن عمار وعبد‬
‫الرحمن بن واقد ‪ ،‬كلهما عن الوليد بن مسلم به‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬نعم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬مسند البزار )‪" (2269‬كشف الستار" وشيخه عمرو بن مالك الراسبي‬
‫ضعفه الجمهور ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات‪.‬‬

‫) ‪(7/488‬‬

‫س‬
‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن )‪ (4‬ال ّ‬ ‫ه ال ْب ََيا َ‬ ‫ن )‪ (3‬عَل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫سا َ‬ ‫خل َقَ اْل ِن ْ َ‬ ‫ن )‪َ (2‬‬ ‫قْرآ َ َ‬‫م ال ْ ُ‬‫ن )‪ (1‬عَل ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫ع‬
‫ض َ‬ ‫َ‬
‫ماَء َرفعََها وَوَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن )‪َ (6‬وال ّ‬ ‫دا ِ‬
‫ج َ‬ ‫س ُ‬‫جُر ي َ ْ‬‫ش َ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫ج ُ‬
‫ن )‪َ (5‬والن ّ ْ‬ ‫سَبا ٍ‬
‫ح ْ‬‫مُر ب ِ ُ‬ ‫ق َ‬‫َوال ْ َ‬
‫ط وََل ت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سُروا‬‫خ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ِبال ْ ِ‬ ‫موا ال ْوَْز َ‬ ‫ن )‪ (8‬وَأِقي ُ‬ ‫ميَزا ِ‬ ‫وا ِفي ال ْ ِ‬ ‫ن )‪ (7‬أّل ت َط ْغَ ْ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مام ِ )‬‫ت اْلك ْ َ‬ ‫ل َذا ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ة َوالن ّ ْ‬ ‫ضعََها ل ِْلَنام ِ )‪ِ (10‬فيَها َفاك ِهَ ٌ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ن )‪َ (9‬واْلْر َ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (12‬فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ف َوالّري ْ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ب ُذو ال ْعَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫‪َ (11‬وال ْ َ‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫س‬
‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن )‪ (4‬ال ّ‬ ‫ْ‬
‫ه الب ََيا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (3‬عَل َ‬ ‫سا َ‬ ‫خلقَ الن ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪َ (2‬‬ ‫قْرآ َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ن )‪ (1‬عَل ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫} الّر ْ‬
‫ع‬
‫ض َ‬ ‫َ‬
‫ماءَ َرفعََها وَوَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن )‪َ (6‬وال ّ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫س ُ‬‫جُر ي َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫ج ُ‬‫ن )‪َ (5‬والن ّ ْ‬ ‫سَبا ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫مُر ب ِ ُ‬ ‫ق َ‬‫َوال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سُروا‬ ‫خ ِ‬ ‫ط َول ت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ِبال ْ ِ‬ ‫موا ال ْوَْز َ‬ ‫ن )‪ (8‬وَأِقي ُ‬ ‫ميَزا ِ‬ ‫وا ِفي ال ْ ِ‬ ‫ن )‪ (7‬أل ت َط ْغَ ْ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫مام ِ )‬ ‫ت الك ْ َ‬ ‫ل َذا ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ة َوالن ّ ْ‬ ‫ضعََها ِللَنام ِ )‪ِ (10‬فيَها َفاك ِهَ ٌ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ن )‪َ (9‬والْر َ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (13‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (12‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ف َوالّري ْ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ب ُذو ال ْعَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫‪َ (11‬وال ْ َ‬
‫يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه ‪ :‬أنه أنزل على عباده القرآن ويسر‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫ن‪َ .‬‬ ‫قْرآ َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ن‪ .‬عَل ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫حفظه وفهمه على من رحمه ‪ ،‬فقال ‪ } :‬الّر ْ‬
‫ن { قال الحسن ‪ :‬يعني ‪ :‬النطق )‪ .(1‬وقال الضحاك ‪،‬‬ ‫ه ال ْب ََيا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن‪ .‬عَل ّ َ‬ ‫سا َ‬ ‫الن ْ َ‬
‫وقتادة ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬يعني الخير والشر‪ .‬وقول الحسن ها هنا أحسن وأقوى ؛‬
‫لن السياق في تعليمه تعالى القرآن ‪ ،‬وهو أداء تلوته ‪ ،‬وإنما يكون ذلك‬
‫بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق‬
‫واللسان والشفتين ‪ ،‬على اختلف مخارجها وأنواعها‪.‬‬
‫قّنن ل‬ ‫م َ‬ ‫ن { أي ‪ :‬يجريان متعاقبين بحساب ُ‬ ‫سَبا ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫مُر ب ِ ُ‬ ‫ق َ‬‫س َوال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ال ّ‬
‫ق‬ ‫ّ‬
‫مَر َول اللي ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يختلف ول يضطرب ‪ } ،‬ل ال ّ‬
‫ساب ِ ُ‬‫ل َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ت ُد ْرِك ال َ‬ ‫س ي َن ْب َِغي لَها أ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬
‫صَباِح‬ ‫َ‬
‫ن { ] يس ‪ ، [ 40 :‬وقال تعالى ‪ } :‬فال ِقُ ال ْ‬ ‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬‫ك يَ ْ‬ ‫ل ِفي فَل َ ٍ‬ ‫الن َّهارِ وَك ُ ّ‬
‫زيزِ ال ْعَِليم ِ {‬ ‫ديُر ال ْعَ ِ‬ ‫ق ِ‬‫ك تَ ْ‬‫سَباًنا ذ َل ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫مَر ُ‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫سك ًَنا َوال ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل الل ّي ْ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫وَ َ‬
‫] النعام ‪.[ 96 :‬‬
‫وعن عكرمة أنه قال ‪ :‬لو جعل الله نور جميع أبصار النس والجن والدواب‬
‫والطير في عيني عبد ‪ ،‬ثم كشف حجابا واحدا من سبعين حجابا دون‬
‫الشمس ‪ ،‬لما استطاع أن ينظر إليها‪ .‬ونور الشمس جزء من سبعين جزًءا‬
‫من نور الكرسي ‪ ،‬ونور الكرسي جزء من سبعين جزًءا من نور العرش ‪،‬‬
‫ونور العرش جزء من سبعين جزًءا من نور الستر‪ .‬فانظر ماذا أعطى الله‬
‫عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عيانا‪ .‬رواه ابن أبي‬
‫حاتم‪.‬‬
‫ن { قال ابن جرير ‪ :‬اختلف المفسرون في‬ ‫دا ِ‬
‫ج َ‬
‫س ُ‬‫جُر ي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫م َوالش َ‬ ‫ج ُ‬‫وقوله ‪َ } :‬والن ّ ْ‬
‫معنى قوله ‪ } :‬والنجم { بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق ‪،‬‬
‫فروى علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬النجم ما انبسط على وجه‬
‫الرض ‪ -‬يعني من النبات‪ .‬وكذا قال سعيد بن جبير ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وسفيان‬
‫الثوري‪ .‬وقد اختاره ابن جرير رحمه الله‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬النجم الذي في السماء‪ .‬وكذا قال الحسن وقتادة‪ .‬وهذا القول‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫م ْ‬ ‫جد ُ ل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫س ُ‬‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫هو الظهر والله أعلم ؛ لقوله تعالى ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫م ت ََر أ ّ‬
‫جُر‬‫ش َ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫م َوال ْ ِ‬
‫جَبا ُ‬ ‫جو ُ‬‫مُر َوالن ّ ُ‬‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬
‫م ُ‬‫ش ْ‬ ‫ض َوال ّ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬
‫وا ِ‬‫م َ‬
‫س َ‬‫ال ّ‬
‫س { الية ] الحج ‪.[ 18 :‬‬ ‫ن الّنا ِ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫ب وَكِثيٌر ِ‬ ‫َوالد َّوا ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬المنطق"‪.‬‬

‫) ‪(7/489‬‬

‫ن { يعني ‪ :‬العدل ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ل َ َ‬


‫قد ْ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ضعَ ال ْ ِ‬ ‫ماَء َرفَعََها وَوَ َ‬ ‫س َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ط{‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬‫س ِبال ْ ِ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫قو َ‬‫ن ل ِي َ ُ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫معَهُ ُ‬ ‫ت وَأنزل َْنا َ‬‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫أْر َ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬خلق‬ ‫وا ِفي ال ْ ِ‬
‫ميَزا ِ‬ ‫] الحديد ‪ ، [ 25 :‬وهكذا قال هاهنا ‪ } :‬أل ت َط ْغَ ْ‬
‫السموات والرض بالحق والعدل ‪ ،‬لتكون )‪ (1‬الشياء كلها بالحق والعدل ؛‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل تبخسوا‬ ‫ميَزا َ‬ ‫سُروا ال ْ ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ط َول ت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ِبال ْ ِ‬
‫موا ال ْوَْز َ‬
‫ولهذا قال ‪ } :‬وَأِقي ُ‬
‫س‬ ‫ق ْ َ‬ ‫الوزن ‪ ،‬بل ِزنوا بالحق والقسط ‪ ،‬كما قال ]تعالى[ )‪ } (2‬وَزُِنوا ِبال ْ ِ‬
‫سطا ِ‬
‫قيم ِ { ] الشعراء ‪.[ 182 :‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ضعََها ِللَنام ِ { أي ‪ :‬كما رفع السماء وضع الرض‬ ‫ض وَ َ‬‫وقوله ‪َ } :‬والْر َ‬
‫ومهدها ‪ ،‬وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات ‪ ،‬لتستقر لما على وجهها من‬
‫النام ‪ ،‬وهم ‪ :‬الخلئق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم ‪ ،‬في‬
‫سائر أقطارها وأرجائها‪ .‬قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد ‪ :‬النام ‪:‬‬
‫الخلق‪.‬‬
‫خل َذا ُ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ة { أي ‪ :‬مختلفة اللوان والطعوم والروائح ‪َ } ،‬والن ّ ْ‬ ‫َ‬
‫} ِفيَها فاك ِهَ ٌ‬
‫مام ِ { أفرده بالذكر لشرفه ونفعه ‪ ،‬رطبا ويابسا‪ .‬والكمام ‪ -‬قال ابن‬ ‫الك ْ َ‬
‫جَرْيج عن ابن عباس ‪ :‬هي أوعية الطلع‪ .‬وهكذا قال غير واحد من‬ ‫ُ‬
‫المفسرين ‪ ،‬وهو الذي يطلع فيه القنو ثم ينشق عن العنقود ‪ ،‬فيكون بسرا‬
‫ثم رطبا ‪ ،‬ثم ينضج ويتناهى ي َن ُْعه واستواؤه‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم )‪ (3‬ذ ُك َِر عن عمرو بن علي الصيرفي ‪ :‬حدثنا أبو قتيبة ‪،‬‬
‫حدثنا يونس بن الحارث الطائفي ‪ ،‬عن الشعبي قال ‪ :‬كتب قيصر إلى عمر‬
‫بن الخطاب ‪ :‬أخبرك أن رسلي أتتني من قبلك ‪ ،‬فزعمت أن قبلكم شجرة‬
‫ليست بخليقة لشيء من الخير ‪ ،‬تخرج مثل آذان الحمير ‪ ،‬ثم تشقق مثل‬
‫اللؤلؤ ‪ ،‬ثم تخضر فتكون مثل الزمرد )‪ (4‬الخضر ‪ ،‬ثم تحمر فتكون كالياقوت‬
‫كل ‪ ،‬ثم تيبس فتكون عصمة‬ ‫ُ‬
‫الحمر ‪ ،‬ثم ت َي َْنع وتنضج فتكون كأطيب فالوذج أ ِ‬
‫للمقيم وزاًدا للمسافر ‪ ،‬فإن تكن رسلي صدقتني فل أرى هذه الشجرة إل‬
‫من شجر الجنة‪ .‬فكتب إليه عمر بن الخطاب )‪ (5‬من عمر أمير المؤمنين إلى‬
‫قيصر ملك الروم ‪ ،‬إن رسلك قد صدقوك )‪ ، (6‬هذه الشجرة عندنا ‪ ،‬وهي‬
‫الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها ‪ ،‬فاتق الله ول‬
‫ه‬ ‫خل َ َ‬
‫ق ُ‬ ‫م َ‬
‫ل آد َ َ‬ ‫مث َ ِ‬‫عن ْد َ الل ّهِ ك َ َ‬‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫مث َ َ‬
‫ل ِ‬ ‫تتخذ عيسى إلها من دون الله ‪ ،‬فإن } َ‬
‫ن { ] آل‬ ‫ري َ‬‫مت َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك فل ت َك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ ِ‬‫ن‪ .‬ال ْ َ‬ ‫ن فَي َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫م َقا َ‬
‫ب ثُ ّ‬
‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫عمران ‪.(7) [ 60 ، 59 :‬‬
‫وقيل ‪ :‬الكمام رفاتها ‪ ،‬وهو ‪ :‬الليف الذي على عنق النخلة‪ .‬وهو قول الحسن‬
‫وقتادة‪.‬‬
‫ن { قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ‪:‬‬ ‫حا ُ‬
‫ف َوالّري ْ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ب ُذو ال ْعَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫} َوال ْ َ‬
‫ف { يعني ‪ :‬التبن‪.‬‬ ‫ص ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ُذو العَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫} َوال ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ليكون"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬ابن جرير"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬كالرمد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬عمر بن عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬صدقتك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬تكونن"‪.‬‬

‫) ‪(7/490‬‬

‫ف { ورق الزرع الخضر الذي قطع‬ ‫ص ِ‬ ‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ال ْعَ ْ‬ ‫وقال العَ ْ‬
‫رؤوسه ‪ ،‬فهو يسمى العصف إذا يبس‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وأبو‬
‫مالك ‪ :‬عصفه ‪ :‬تبنه‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ } :‬والريحان { يعني ‪ :‬الورق‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ :‬هو ريحانكم هذا‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬والريحان { خضر )‪ (1‬الزرع‪.‬‬
‫ومعنى هذا ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما له في حال‬
‫نباته عصف ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما على السنبلة ‪ ،‬وريحان ‪ ،‬وهو ‪ :‬الورق الملتف على‬
‫ساقها‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬العصف ‪ :‬الورق أول ما ينبت الزرع بقل‪ .‬والريحان ‪ :‬الورق ‪ ،‬يعني ‪:‬‬
‫إذا أدجن وانعقد فيه الحب‪ .‬كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته‬
‫المشهورة‪.‬‬
‫ح منه البق ُ‬
‫ل ي َهْت َّز رابيا?‪...‬‬ ‫ب‬ ‫ص‬
‫ُ ْ ِ َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ثرى‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ب‬‫َ ّ‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ب‬
‫ُِْ ُ‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫من‬ ‫وَُقول له ‪:‬‬
‫ن واعيا )‪(2‬‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫حّبه في ُرؤوسه?‪َ ...‬ففي ذاك آيا ٌ‬ ‫ج مْنه َ‬ ‫خر َ‬
‫وَي ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فبأي اللء )‪ - (3‬يا معشر الثقلين ‪،‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬‫وقوله ‪ } :‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫من النس والجن ‪ -‬تكذبان ؟ قاله مجاهد ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬ويدل عليه السياق‬
‫م ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها ‪ ،‬ل تستطيعون إنكارها‬ ‫بعده ‪ ،‬أي ‪ :‬الن ّعَ ُ‬
‫ول جحودها )‪ ، (4‬فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ول بشيء‬
‫ذب ‪ ،‬فلك الحمد"‪ .‬وكان ابن عباس يقول ‪" :‬ل بأّيها يا رب"‪.‬‬ ‫من آلئك ربنا نك ّ‬
‫أي ‪ :‬ل نكذب بشيء منها‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬عن أبي‬
‫السود ‪ ،‬عن عُْرَوة ‪ ،‬عن أسماء بنت أبي بكر قالت ‪ :‬سمعت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ‪ ،‬وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما‬
‫َ‬
‫ن { )‪.(6‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫يؤمر ‪ ،‬والمشركون يستمعون )‪ } (5‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫__________‬
‫في أ ‪" :‬خضرة"‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫انظر البيات في السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/228‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫في م ‪" :‬آلء"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في م ‪" :‬جحدها"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في م ‪" :‬يسمعون"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫المسند )‪.(6/349‬‬ ‫)‪(6‬‬

‫) ‪(7/491‬‬

‫ن َنارٍ )‪(15‬‬
‫م ْ‬
‫مارٍِج ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫خل َقَ ال ْ َ‬
‫جا ّ‬ ‫خارِ )‪ (14‬وَ َ‬ ‫كال ْ َ‬
‫ف ّ‬ ‫ل َ‬ ‫صل ْ َ‬
‫صا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫سا َ‬‫خل َقَ اْل ِن ْ َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬
‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬
‫ن َنارٍ )‬
‫م ْ‬
‫مارٍِج ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫خل َقَ ال ْ َ‬
‫جا ّ‬ ‫خارِ )‪ (14‬وَ َ‬ ‫كال ْ َ‬
‫ف ّ‬ ‫ل َ‬
‫صا ٍ‬‫صل ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫خل َقَ الن ْ َ‬
‫سا َ‬ ‫} َ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (16‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫‪ (15‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬

‫) ‪(7/492‬‬

‫َ َ‬
‫ج‬
‫مَر َ‬ ‫ن )‪َ (18‬‬ ‫ما َ ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (17‬فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫مغْرِب َي ْ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ن وََر ّ‬ ‫شرِقَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫َر ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْب َ ْ‬
‫ن)‬ ‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (20‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬ ‫خ ل ي َب ْغَِيا ِ‬ ‫ما ب َْرَز ٌ‬ ‫ن )‪ (19‬ب َي ْن َهُ َ‬ ‫قَيا ِ‬ ‫ن ي َلت َ ِ‬ ‫حَري ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (23‬وَل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (22‬فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫جا ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما الل ّؤْل ُؤ ُ َوال ْ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫‪ (21‬ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫َ‬
‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬ ‫ُ‬
‫حرِ كالعْلم ِ )‪ (24‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬ ‫َ‬ ‫ت ِفي الب َ ْ‬ ‫شآ ُ‬ ‫من ْ َ‬ ‫وارِ ال ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ج‬ ‫مَر َ‬ ‫ن )‪َ (18‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (17‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫مغْرِب َي ْ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ن وََر ّ‬‫شرِقَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫} َر ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن)‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (20‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫خ ل ي َب ْغَِيا ِ‬ ‫ما ب َْرَز ٌ‬ ‫ن )‪ (19‬ب َي ْن َهُ َ‬ ‫قَيا ِ‬ ‫ن ي َلت َ ِ‬ ‫حَري ْ ِ‬ ‫ال ْب َ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ن )‪ (23‬وَل َ ُ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (22‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫جا ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما الل ّؤْل ُؤ ُ َوال ْ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫‪ (21‬ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪.{ (25‬‬ ‫َ‬
‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬ ‫ُ‬
‫علم ِ )‪ (24‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬ ‫حرِ كال ْ‬ ‫َ‬ ‫ت ِفي الب َ ْ‬ ‫شآ ُ‬ ‫من ْ َ‬ ‫واِري ال ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫يذكر تعالى خلقه النسان من صلصال كالفخار ‪ ،‬وخلقه )‪ (1‬الجان من مارج‬
‫من نار ‪ ،‬وهو ‪ :‬طرف لهبها‪ .‬قاله الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وبه يقول عكرمة‬
‫‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫ن َنارٍ { من لهب النار ‪ ،‬من‬ ‫م ْ‬ ‫مارٍِج ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ِ } :‬‬ ‫وقال العَ ْ‬
‫أحسنها‪.‬‬
‫ن َنارٍ { من خالص‬ ‫م ْ‬ ‫مارٍِج ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ِ } :‬‬
‫النار‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك وغيرهم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن‬
‫عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬خلقت‬
‫الملئكة من نور ‪ ،‬وخلق الجان من مارج من نار ‪ ،‬وخلق آدم مما وصف‬
‫لكم"‪.‬‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬عن محمد بن رافع ‪ ،‬وعبد بن حميد ‪ ،‬كلهما عن عبد الرزاق ‪،‬‬
‫به )‪.(2‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { تقدم تفسيره‪.‬‬ ‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬
‫ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ن { يعني ‪ :‬مشرقي الصيف والشتاء ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫مغْرِب َي ْ ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ن وََر ّ‬‫شرِقَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫} َر ّ‬
‫ق‬
‫شارِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ب ال َ‬ ‫م ب َِر ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ومغربي الصيف والشتاء‪ .‬وقال في الية الخرى ‪َ } :‬فل أقْ ِ‬
‫ب { ] المعارج ‪ ، [ 40 :‬وذلك باختلف مطالع الشمس وتنقلها في‬ ‫مَغارِ ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ق‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫كل يوم ‪ ،‬وبروزها منه إلى الناس‪ .‬وقال في الية الخرى ‪َ } :‬ر ّ‬
‫كيل { ] المزمل ‪ .[ 9 :‬وهذا المراد منه جنس‬ ‫خذ ْه ُ وَ ِ‬ ‫ه ِإل هُوَ َفات ّ ِ‬ ‫ب ل إ ِل َ َ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫المشارق والمغارب ‪ ،‬ولما كان في اختلف هذه المشارق والمغارب ‪ ،‬مصالح‬
‫َ‬
‫ن { ؟‪.‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫للخلق من الجن والنس قال ‪ } :‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫ن { قال ابن عباس ‪ :‬أي أرسلهما‪.‬‬ ‫قَيا ِ‬‫ن ي َل ْت َ ِ‬ ‫حَري ْ ِ‬ ‫ج ال ْب َ ْ‬ ‫مَر َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫وقوله ‪ } :‬يلتقيان { قال ابن زيد ‪ :‬أي ‪ :‬منعهما أن يلتقيا ‪ ،‬بما جعل بينهما‬
‫من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما‪.‬‬
‫والمراد بقوله ‪ } :‬البحرين { الملح والحلو ‪ ،‬فالحلو هذه النهار السارحة بين‬
‫الناس‪ .‬وقد قدمنا الكلم على ذلك في سورة "الفرقان" عند قوله تعالى ‪:‬‬
‫ذا مل ْ ُ‬
‫خا‬
‫ما ب َْرَز ً‬
‫ل ب َي ْن َهُ َ‬‫جعَ َ‬‫ج وَ َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫حأ َ‬ ‫ت وَهَ َ ِ ٌ‬ ‫ب فَُرا ٌ‬‫ذا عَذ ْ ٌ‬‫ن هَ َ‬ ‫حَري ْ ِ‬‫ج ال ْب َ ْ‬ ‫مَر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫جوًرا { ] الفرقان ‪ .[ 53 :‬وقد اختار ابن جرير هاهنا أن المراد‬ ‫ح ُ‬
‫م ْ‬ ‫جًرا َ‬‫ح ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫بالبحرين ‪ :‬بحر السماء وبحر الرض ‪ ،‬وهو مروي عن مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬وعطية وابن أب َْزى‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬لن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء ‪ ،‬وأصداف )‪ (3‬بحر الرض )‬
‫‪ .(4‬وهذا وإن كان هكذا ليس المراد ]بذلك[ )‪ (5‬ما ذهب إليه ‪ ،‬فإنه ل‬
‫ن { أي ‪ :‬وجعل‬ ‫خ ل ي َب ْغَِيا ِ‬ ‫ما ب َْرَز ٌ‬ ‫يساعده اللفظ ؛ فإنه تعالى قد قال ‪ } :‬ب َي ْن َهُ َ‬
‫بينهما برزخا ‪ ،‬وهو ‪ :‬الحاجز من الرض ‪ ،‬لئل يبغي هذا على هذا ‪ ،‬وهذا على‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬خلق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (6/168‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2996‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬واختلف"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(27/75‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/492‬‬

‫هذا ‪ ،‬فيفسد كل واحد منهما الخر ‪ ،‬ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه‪.‬‬
‫وما بين السماء والرض ل يسمى برزخا وحجرا محجورا‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬من مجموعهما ‪ ،‬فإذا وجد‬ ‫جا ُ‬
‫مْر َ‬‫ما الل ّؤْل ُؤ ُ َوال ْ َ‬‫من ْهُ َ‬
‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ي َأت ِك ْ‬
‫س أل ْ‬‫ن َوالن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫معْشَر ال ِ‬ ‫ذلك لحدهما )‪ (1‬كفى ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬يا َ‬
‫م { ] النعام ‪ [ 130 :‬والرسل إنما كانوا في النس خاصة دون‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫س ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫ُر ُ‬
‫الجن ‪ ،‬وقد صح هذا الطلق‪ .‬واللؤلؤ معروف ‪ ،‬وأما المرجان فقيل ‪ :‬هو‬
‫صغار اللؤلؤ‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبو رزين ‪ ،‬والضحاك‪ .‬وروي عن علي‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬كباره وجيده‪ .‬حكاه ابن جرير عن بعض السلف‪ .‬ورواه ابن أبي حاتم‬
‫عن الربيع بن )‪ (2‬أنس ‪ ،‬وحكاه عن السدي ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫وروي مثله عن علي ‪ ،‬ومجاهد أيضا ‪ ،‬ومرة الهمداني‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو نوع من الجواهر أحمر اللون‪ .‬قال السدي ‪ ،‬عن أبي مالك ‪ ،‬عن‬
‫مسروق ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬المرجان ‪ :‬الخرز الحمر‪ .‬قال السدي وهو‬
‫سذ )‪ (3‬بالفارسية‪.‬‬ ‫الب ُ ّ‬
‫سون ََها {‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫نك ّ‬
‫ة ت َلب َ ُ‬
‫حلي َ ً‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬‫خرِ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫ما طرِّيا وَت َ ْ‬ ‫ح ً‬‫نل ْ‬ ‫ل ت َأكلو َ‬ ‫م ْ‬‫وأما قوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫] فاطر ‪ ، [ 12 :‬فاللحم من كل من الجاج والعذب ‪ ،‬والحلية ‪ ،‬إنما هي من‬
‫الملح دون العذب‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر ‪ ،‬فوقعت في‬
‫صدفة إل صار منها لؤلؤة‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬وزاد ‪ :‬فإذا لم تقع في صدفة‬
‫نبتت بها عنبرة‪ .‬وروي من غير وجه عن ابن عباس نحوه‪.‬‬
‫مهْدِيّ ‪،‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سنان ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن َ‬
‫حدثنا سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عبد الله بن عبد الله ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪،‬‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬إذا أمطرت السماء ‪ ،‬فتحت الصداف في البحر أفواهها‬
‫‪ ،‬فما وقع فيها ‪ -‬يعني ‪ :‬من قطر ‪ -‬فهو اللؤلؤ‪.‬‬
‫إسناده )‪ (4‬صحيح ‪ ،‬ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الرض ‪ ،‬امتن‬
‫َ‬
‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫بها عليهم فقال )‪ } : (5‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫ت { يعني ‪ :‬السفن التي تجري في البحر ‪ ،‬قال‬ ‫شآ ُ‬ ‫وارِ ال ْ ُ‬
‫من ْ َ‬ ‫ج َ‬‫ه ال ْ َ‬‫وقوله ‪ } :‬وَل َ ُ‬
‫مجاهد ‪ :‬ما رفع قلعه من السفن فهي منشأة ‪ ،‬وما لم يرفع قلعه فليس‬
‫بمنشأة ‪ ،‬وقال قتادة ‪ } :‬المنشآت { يعني المخلوقات‪ .‬وقال غيره ‪:‬‬
‫المنشآت ‪ -‬بكسر الشين ‪ -‬يعني ‪ :‬البادئات‪.‬‬
‫} كالعلم { أي ‪ :‬كالجبال في كبرها ‪ ،‬وما فيها من المتاجر والمكاسب‬
‫المنقولة من قطر إلى قطر ‪ ،‬وإقليم إلى إقليم ‪ ،‬مما فيه من صلح للناس‬
‫في )‪ (6‬جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع ؛ ولهذا قال ]تعالى[ )‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫‪ } (7‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أحدهما"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الكسد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬إسناد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/493‬‬

‫ل َواْل ِك َْرام ِ )‪ (27‬فَب ِأ َيّ آ ََلءِ‬


‫جَل ِ‬ ‫ك ُذو ال ْ َ‬‫ه َرب ّ َ‬
‫ج ُ‬
‫قى وَ ْ‬‫ن )‪ (26‬وَي َب ْ َ‬ ‫ن عَل َي َْها َفا ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫شأ ٍ‬ ‫ل ي َوْم ٍ هُوَ ِفي َ‬ ‫ض كُ ّ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سأل ُ ُ‬‫ن )‪ (28‬ي َ ْ‬ ‫ما ت ُ َك َذ َّبا ِ‬
‫َرب ّك ُ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫‪ (29‬فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬حدثنا العرار بن سويد ‪ ،‬عن عميرة بن سعد قال ‪ :‬كنت مع علي بن‬
‫أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬على شاطئ الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع‬
‫واِري‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫ج َ‬ ‫شراعها ‪ ،‬فبسط على يديه ثم قال ‪ :‬يقول الله عز وجل ‪ } :‬وَل َ ُ‬
‫علم ِ {‪ .‬والذي أنشأها تجري في ]بحر من[ )‪(1‬‬ ‫كال ْ‬ ‫حرِ َ‬ ‫ت ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫شآ ُ‬ ‫من ْ َ‬‫ال ْ ُ‬
‫ت عثمان ‪ ،‬ول مالت على قتله‪.‬‬ ‫بحوره ما قتل ُ‬
‫ك ُذو ال ْجلل والك ْرام )‪ (27‬فَبأ َ‬
‫ي‬
‫ِ ّ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ه‬‫ج‬
‫َ ْ ُ َ ّ‬ ‫و‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ي‬
‫ََْ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫(‬ ‫‪26‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫ٍ‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ها‬‫ن عَل َي ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫} كُ ّ‬
‫ل ي َوْم ٍ هُوَ ِفي‬ ‫ض كُ ّ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬
‫ه َ‬ ‫سأل ُ ُ‬‫ن )‪ (28‬ي َ ْ‬ ‫ما ت ُك َذ ّ ََبا ِ‬
‫آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫َ ْ‬
‫ن )‪{ (30‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (29‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫شأ ٍ‬
‫يخبر تعالى أن جميع أهل الرض سيذهبون ويموتون أجمعون ‪ ،‬وكذلك أهل‬
‫السموات ‪ ،‬إل من شاء الله ‪ ،‬ول يبقى أحد سوى وجهه الكريم ؛ فإن الرب ‪-‬‬
‫تعالى وتقدس ‪ -‬ل يموت ‪ ،‬بل هو الحي الذي ل يموت أبدا‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬أنبأ بما خلق ‪ ،‬ثم أنبأ أن ذلك كله كان )‪.(2‬‬
‫وفي الدعاء المأثور ‪ :‬يا حي ‪ ،‬يا قيوم ‪ ،‬يا بديع السموات والرض ‪ ،‬يا ذا‬
‫الجلل والكرام ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬برحمتك نستغيث )‪ ، (3‬أصلح لنا شأننا كله ‪،‬‬
‫ول تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ‪ ،‬ول إلى أحد من خلقك‪.‬‬
‫ن { ‪ ،‬فل تسكت حتى تقرأ ‪:‬‬ ‫ن عَل َي َْها َفا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وقال الشعبي ‪ :‬إذا قرأت } ك ُ ّ‬
‫ل َوالك َْرام ِ {‪.‬‬ ‫جل ِ‬ ‫ك ُذو ال ْ َ‬ ‫ه َرب ّ َ‬ ‫ج ُ‬‫قى وَ ْ‬ ‫} وَي َب ْ َ‬
‫ه { ] القصص ‪، [ 88 :‬‬ ‫جهَ ُ‬ ‫ك ِإل وَ ْ‬ ‫هال ِ ٌ‬‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وهذه الية كقوله تعالى ‪ } :‬ك ُ ّ‬
‫ْ‬
‫ل َوالك َْرام ِ‬ ‫جل ِ‬‫وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الية الكريمة بأنه } ُذو ال َ‬
‫صب ِْر‬‫{ أي ‪ :‬هو أهل أن يجل فل يعصى ‪ ،‬وأن يطاع فل يخالف ‪ ،‬كقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫ه { ] الكهف ‪28 :‬‬ ‫جهَ ُ‬
‫ن وَ ْ‬‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ي يُ ِ‬‫ش ّ‬ ‫داةِ َوال ْعَ ِ‬ ‫م ِبال ْغَ َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫جهِ اللهِ { ] النسان ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫م ل ِوَ ْ‬ ‫ُ‬
‫مك ْ‬ ‫ْ‬
‫ما ن ُطعِ ُ‬ ‫[ ‪ ،‬وكقوله إخبارا عن المتصدقين ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫‪[9‬‬
‫ل َوالكَرام ِ { ذو العظمة والكبرياء‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫جل ِ‬ ‫ْ‬
‫قال ابن عباس ‪ُ } :‬ذو ال َ‬
‫ولما أخبر عن تساوي أهل الرض كلهم في الوفاة ‪ ،‬وأنهم سيصيرون إلى‬
‫َ‬
‫الدار الخرة ‪ ،‬فيحكم فيهم ذو الجلل والكرام بحكمه العدل قال ‪ } :‬فَب ِأ ّ‬
‫ي‬
‫ْ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ما ت ُك َذ ّ ََبا ِ‬‫آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫ن { وهذا‬ ‫شأ ٍ‬ ‫ل ي َوْم ٍ هُوَ ِفي َ‬ ‫ض كُ ّ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫سأل ُ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫إخبار عن غناه عما سواه وافتقار الخلئق إليه في جميع النات ‪ ،‬وأنهم‬
‫يسألونه بلسان حالهم وقالهم ‪ ،‬وأنه كل يوم هو في شأن‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬فان"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬استغيث"‪.‬‬

‫) ‪(7/494‬‬

‫ل يوم هو في َ ْ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫شأ ٍ‬ ‫قال العمش ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن عبيد بن عمير ‪ } :‬ك ُ ّ َ ْ ٍ ُ َ ِ‬
‫قال ‪ :‬من شأنه أن يجيب داعيا ‪ ،‬أو يعطي سائل أو يفك عانيا ‪ ،‬أو يشفي‬
‫سقيما‪.‬‬
‫وقال ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬كل يوم هو يجيب داعيا ‪ ،‬ويكشف كربا‬
‫‪ ،‬ويجيب مضطرا ويغفر ذنبا‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ل يستغني عنه أهل السموات والرض ‪ ،‬يحيي حيا ‪ ،‬ويميت‬
‫ميتا ‪ ،‬ويربي صغيرا ‪ ،‬ويفك أسيرا ‪ ،‬وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ‪،‬‬
‫ومنتهى شكواهم‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬حدثنا حرير بن‬ ‫مص ّ‬‫ح ْ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو اليمان ال ِ‬
‫سوَْيد بن جبلة ‪ -‬هو الفزاري ‪ -‬قال ‪ :‬إن ربكم كل يوم هو في‬ ‫عثمان ‪ ،‬عن ُ‬
‫شأن ‪ ،‬فيعتق رقابا ‪ ،‬ويعطي رغابا ‪ ،‬ويقحم عقابا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغُّزي ‪ ،‬حدثني إبراهيم‬
‫كسكي )‪ ، (1‬حدثنا‬ ‫س ْ‬‫بن محمد بن يوسف الفريابي ‪ ،‬حدثني عمرو بن بكر ال ّ‬
‫الحارث بن عبدة بن رباح الغساني ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن منيب بن عبد الله بن‬
‫منيب الزدي ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬تل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الية ‪:‬‬
‫ل يوم هو في َ ْ‬
‫ن { ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وما ذاك الشأن ؟ قال ‪:‬‬ ‫شأ ٍ‬ ‫} كُ ّ َ ْ ٍ ُ َ ِ‬
‫"أن يغفر ذنبا ‪ ،‬ويفرج كربا ‪ ،‬ويرفع قوما ‪ ،‬ويضع آخرين )‪.(3) " (2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬وسليمان بن أحمد‬
‫صِبيح الثقفي أبو روح الدمشقي ‪-‬‬ ‫الواسطي قال حدثنا الوزير )‪ (4‬بن َ‬
‫حلَبس ‪ ،‬يحدث عن أم‬ ‫ْ‬ ‫والسياق لهشام ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت يونس بن ميسرة بن َ‬
‫الدرداء عن أبي الدرداء ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬قال الله عز‬
‫ل يوم هو في َ ْ‬
‫ن { قال ‪" :‬من شأنه أن يغفر ذنبا ‪ ،‬ويفرج‬ ‫شأ ٍ‬ ‫وجل ‪ } :‬ك ُ ّ َ ْ ٍ ُ َ ِ‬
‫كربا ‪ ،‬ويرفع قوما ‪ ،‬ويضع آخرين )‪.(6) " (5‬‬
‫وقد رواه ابن عساكر من طرق متعددة ‪ ،‬عن هشام بن عمار ‪ ،‬به‪ .‬ثم ساقه‬
‫صِبيح قال ‪ :‬ودلنا عليه‬ ‫من حديث أبي همام الوليد بن شجاع ‪ ،‬عن الوزير بن َ‬
‫مطّرف ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن أم الدرداء ‪ ،‬عن أبي‬ ‫الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن ُ‬
‫الدرداء ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره‪ .‬قال ‪ :‬والصحيح الول‪ .‬يعني‬
‫إسناده الول )‪.(7‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد روي موقوفا ‪ ،‬كما )‪ (8‬علقه البخاري بصيغة الجزم ‪ ،‬فجعله من‬
‫كلم أبي الدرداء )‪ ، (9‬فالله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬الشكسي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬قوما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪ (27/79‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )‬
‫‪" (3401‬مجمع البحرين" والبزار في مسنده برقم )‪" (2266‬كشف الستار"‬
‫من طريق عمرو بن بكر السكسكي ‪ -‬وهو متروك ‪ -‬عن الحارث بن عبدة به‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬أبو رزين"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪ :‬قوما"‪.‬‬
‫)‪ (6‬رواه ابن ماجه برقم )‪ (202‬من طريق هشام بن عمار به‪.‬‬
‫قال البوصيري في الزوائد )‪" : (1/88‬هذا إسناد حسن لتقاصر الوزير عن‬
‫درجة الحفظ والتقان"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تاريخ دمشق )‪" (17/771‬القسم المخطوط"(‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وقد"‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري )‪" (8/620‬فتح" ‪ ،‬ورواه البيهقي في شعب اليمان‬
‫موصول برقم )‪ (1102‬من طريق إسماعيل بن عبد الله عن أم الدرداء عن‬
‫أبي الدرداء موقوفا‪.‬‬

‫) ‪(7/495‬‬

‫َ َ‬ ‫م أ َي َّها الث ّ َ‬
‫ن‬
‫ج ّ‬‫شَر ال ْ ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫ن )‪َ (32‬يا َ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (31‬فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫قَل ِ‬ ‫فُرغُ ل َك ُ ْ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫َ‬
‫ذوا لَ‬ ‫ف ُ‬‫ض َفان ْ ُ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ما‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫طا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ذوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ْ‬
‫َ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َوا ِ ِ ِ ِ ْ‬
‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ل‬
‫واظٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ش َ‬‫ما ُ‬ ‫ل عَلي ْك ُ َ‬ ‫س ُ‬‫ن )‪ (34‬ي ُْر َ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (33‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ن إ ِّل ب ِ ُ‬ ‫ذو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ت َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬‫ن )‪ (35‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫س فَل ت َن ْت َ ِ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ن َنارٍ وَن ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫وقال البزار ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا محمد بن الحارث ‪ ،‬حدثنا محمد‬
‫بن عبد الرحمن بن البيلماني ‪ ،‬عن أبيه عن ابن عمر ‪ ،‬عن النبي صلى الله‬
‫ل يوم هو في َ ْ‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪" :‬يغفر ذنبا ‪ ،‬ويكشف كربا" )‬
‫شأ ٍ‬ ‫عليه وسلم ‪ } :‬ك ُ ّ َ ْ ٍ ُ َ ِ‬
‫‪.(1‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬وحدثنا أبو ك َُرْيب ‪ ،‬حدثنا عبيد الله بن موسى ‪ ،‬عن أبي‬
‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أن الله خلق لوحا‬
‫مالي ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬ ‫حمزة الث ّ َ‬
‫محفوظا من درة بيضاء ‪ ،‬دّفتاه ياقوتة حمراء ‪ ،‬قلمه نور ‪ ،‬وكتابه نور ‪ ،‬عرضه‬
‫ما بين السماء والرض ‪ ،‬ينظر فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة ‪ ،‬يخلق في‬
‫كل نظرة ‪ ،‬ويحيي ويميت ‪ ،‬ويعز ويذل ‪ ،‬ويفعل ما يشاء )‪.(2‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م أ َي َّها الث ّ َ‬
‫ن‬‫ِ ّ‬‫ج‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ن )‪َ ْ َ َ 32‬‬
‫ش‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫(‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (31‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫قل ِ‬ ‫فُرغ ُ ل َك ُ ْ‬ ‫سن َ ْ‬‫} َ‬
‫ن أقْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذوا ل‬ ‫ف ُ‬‫ض َفان ْ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫طارِ ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ذوا ِ‬ ‫ف ُ‬‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫س إِ ِ‬ ‫َوالن ْ ِ‬
‫وا ٌ‬ ‫َ‬
‫ظ‬ ‫ش َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن )‪ (34‬ي ُْر َ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (33‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ن ِإل ب ِ ُ‬ ‫ذو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ت َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (36‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (35‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫س َفل ت َن ْت َ ِ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ن َنارٍ وَن ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م أي َّها‬ ‫فُرغُ لك ُ ْ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ } :‬‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪ :‬وعيد من الله للعباد ‪ ،‬وليس بالله شغل وهو فارغ‪ .‬وكذا‬ ‫قل ِ‬ ‫الث ّ َ‬
‫قال الضحاك ‪ :‬هذا وعيد‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬قد دنا من الله فراغ لخلقه‪ .‬وقال ابن‬
‫م { أي ‪ :‬سنقضي لكم‪.‬‬ ‫فُرغ ُ ل َك ُ ْ‬ ‫سن َ ْ‬‫جريج ‪َ } :‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬سنحاسبكم )‪ ، (3‬ل يشغله شيء عن شيء ‪ ،‬وهو معروف‬
‫في كلم العرب ‪ ،‬يقال )‪ (4‬لتفرغن لك" وما به شغل ‪ ،‬يقول ‪" :‬لخذنك على‬
‫ِغّرتك )‪." (5‬‬
‫ن { الثقلن ‪ :‬النس والجن ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪:‬‬ ‫قل ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ َي َّها الث َ‬
‫ّ‬
‫"يسمعها كل شيء إل الثقلين" وفي رواية ‪" :‬إل الجن والنس"‪ .‬وفي حديث‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫الصور ‪" :‬الثقلن النس والجن" } فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫طاِر‬ ‫ن أ َقْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫ف ُ‬‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫شر ال ْجن والنس إن استط َعت َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ِ ّ َ ْ ِ ِ ِ ْ َ ُْ ْ‬ ‫معْ َ َ‬ ‫ثم قال ‪َ } :‬يا َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل تستطيعون هربا‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ن ِإل ب ِ ُ‬ ‫ذو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذوا ل ت َن ْ ُ‬ ‫ف ُ‬‫ض َفان ْ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫من أمر الله وقدره ‪ ،‬بل هو محيط بكم ‪ ،‬ل تقدرون على التخلص من حكمه ‪،‬‬
‫ول النفوذ عن حكمه فيكم ‪ ،‬أينما ذهبتم أحيط بكم ‪ ،‬وهذا في مقام المحشر ‪،‬‬
‫الملئكة محدقة بالخلئق ‪ ،‬سبع صفوف من كل جانب ‪ ،‬فل يقدر أحد على‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫قو ُ‬ ‫سل ْ َ‬
‫مئ ِذ ٍ أي ْ َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ل الن ْ َ‬ ‫ن { أي ‪ :‬إل بأمر الله ‪ } ،‬ي َ ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫الذهاب } ِإل ب ِ ُ‬
‫قّر { ] القيامة ‪ .[ 12 - 10 :‬وقال‬ ‫ست َ َ‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫مئ ِذٍ ال ُ‬ ‫َ‬
‫كل ل وََزَر‪ .‬إ ِلى َرب ّك ي َوْ َ‬ ‫َ‬ ‫فّر‪َ .‬‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫م ذِل ّ ٌ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫مث ْل َِها وَت َْرهَ ُ‬ ‫سي ّئ َةٍ ب ِ ِ‬‫جَزاُء َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫سُبوا ال ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ما أول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫مظ ْل ِ ً‬ ‫ل ُ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م قِط ًَعا ِ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫ت وُ ُ‬ ‫شي َ ْ‬ ‫ما أغْ ِ‬ ‫صم ٍ ك َأن ّ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫الل ّهِ ِ‬
‫ن { ] يونس ‪[ 27 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫الّنارِ هُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند البزار برقم )‪" (2268‬كشف الستار"‪ .‬قال ابن حجر ‪" :‬البيلماني‬
‫ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(27/79‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬سيحاسبكم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬غرة"‪.‬‬

‫) ‪(7/496‬‬

‫ن {‪.‬‬ ‫س َفل ت َن ْت َ ِ‬
‫صَرا ِ‬ ‫حا ٌ‬
‫ن َنارٍ وَن ُ َ‬
‫م ْ‬ ‫وا ٌ‬
‫ظ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ َ‬
‫ما ُ‬ ‫س ُ‬
‫؛ ولهذا قال ‪ } :‬ي ُْر َ‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الشواظ ‪ :‬هو لهب النار‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الشواظ ‪ :‬الدخان‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هو ‪ :‬اللهيب )‪ (1‬الخضر المنقطع‪ .‬وقال أبو صالح الشواظ هو‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ظ ِ‬‫وا ٌ‬ ‫اللهيب )‪ (2‬الذي فوق النار ودون الدخان‪ .‬وقال الضحاك ‪ُ } :‬‬
‫ش َ‬
‫َنارٍ { سيل من نار‪.‬‬
‫س{‬‫حا ٌ‬‫س { قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَن ُ َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَن ُ َ‬
‫دخان النار‪ .‬وروي مثله عن أبي صالح ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وأبي سنان‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬والعرب تسمي الدخان نحاسا ‪ -‬بضم النون وكسرها ‪-‬‬
‫والقراء )‪ (3‬مجمعة على الضم ‪ ،‬ومن النحاس بمعنى الدخان قول نابغة‬
‫حاسا‬ ‫ه فيه ن ُ َ‬‫جَعل الل ُ‬ ‫سِليـ‪ ...‬ـط لم ي َ ْ‬ ‫ضوِء سراج ال ّ‬ ‫ضيُء ك َ َ‬ ‫جعدة )‪ (4‬ي ُ ِ‬
‫يعني ‪ :‬دخانا ‪ ،‬هكذا قال )‪.(5‬‬
‫جوي َْبر ‪ ،‬عن الضحاك ؛ أن نافع بن الزرق سأل‬ ‫وقد روى الطبراني من طريق ُ‬
‫ابن عباس عن الشواظ فقال ‪ :‬هو اللهب الذي ل دخان معه‪ .‬فسأله شاهدا‬
‫على ذلك من اللغة ‪ ،‬فأنشده قول أمية بن أبي الصلت في حسان ‪:‬‬
‫ظ‪...‬‬ ‫ب )‪ (6‬إلى عُ َ‬
‫كا ِ‬ ‫ة تد ّ‬ ‫مغَْلغل ً‬ ‫سان عَّني‪ُ ...‬‬ ‫ح ّ‬ ‫مبلغٌ َ‬ ‫أل من ُ‬
‫فاظ‪...‬‬ ‫ح َ‬
‫سل في ال َ‬ ‫دى )‪ (7‬القيَنات فَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أليس أُبوك ِفيَنا كان َقيًنا‪ ...‬ل َ‬
‫شواظ‪...‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬
‫كيًرا‪ ...‬وينفخ دائًبا لهَ َ‬ ‫مان ِّيا يظل َيشد ُ )‪ِ (8‬‬ ‫يَ َ‬
‫قال ‪ :‬صدقت ‪ ،‬فما النحاس ؟ قال ‪ :‬هو الدخان الذي ل لهب له‪ .‬قال ‪ :‬فهل‬
‫تعرفه العرب ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول )‪(9‬‬
‫حاسا )‪(10‬‬ ‫ه فيه ن ُ َ‬ ‫جَعل الل ُ‬ ‫م يَ ْ‬‫سليط‪ ...‬ل َ ْ‬ ‫سراج ال ّ‬ ‫ضوء َ‬ ‫ضيُء ك َ َ‬
‫يُ ِ‬
‫فر ‪ ،‬يذاب )‪ (11‬فيصب على رؤوسهم‪ .‬وكذا قال‬ ‫ص ّ‬‫وقال مجاهد ‪ :‬النحاس ‪ :‬ال ّ‬
‫قتادة‪ .‬وقال‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬اللهب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬اللهب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬القراءة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ "نابغة بني جعدة" وفي تفسير الطبري ‪" :‬نابغة بني ذبيان" ولم‬
‫أجده في ديوانه ‪ ،‬والبيت في مجاز القرآن لبي عبيدة منسوبا للنابغة الجهدي‬
‫‪ ، 245 ، 2/244‬والبيت أيضا في ديوان الجعدي واللسان ‪ ،‬مادة "نحس"‬
‫مستفادا من هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(27/81‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬يدب"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬يشب"‪.‬‬
‫)‪ (9‬كذا ‪ ،‬وقد سبق تخريج البيت ونسبته إلى الجعدي‪.‬‬
‫)‪ (10‬المعجم الكبير )‪ (10/305‬وفيه جويبر وهو متروك لم يلق ابن عباس‪.‬‬
‫)‪ (11‬في م ‪" :‬المذاب"‪.‬‬

‫) ‪(7/497‬‬

‫َ َ‬
‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫ن )‪ (37‬فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫ها ِ‬ ‫ت وَْرد َة ً َ‬
‫كالد ّ َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ماُء فَ َ‬ ‫س َ‬
‫ت ال ّ‬ ‫ق ِ‬‫ش ّ‬ ‫فَإ َِذا ان ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (39‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬ ‫جا ّ‬
‫س وَل َ‬ ‫ن ذ َن ْب ِهِ إ ِن ْ ٌ‬
‫ل عَ ْ‬‫سأ ُ‬‫مئ ِذ ٍ ل ي ُ ْ‬‫فَي َوْ َ‬

‫الضحاك ‪ } :‬ونحاس { سيل من نحاس‪.‬‬


‫والمعنى على كل قول ‪ :‬لو ذهبتم هاربين يوم القيامة لردتكم الملئكة‬
‫والزبانية بإرسال اللهب من النار والنحاس المذاب عليكم لترجعوا )‪ (1‬؛‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫ن‪ .‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫صَرا ِ‬‫ولهذا قال ‪َ } :‬فل ت َن ْت َ ِ‬
‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫ن)‬ ‫ن )‪ (37‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫ها ِ‬‫كالد ّ َ‬ ‫ت وَْرد َة ً َ‬ ‫ماُء فَ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬‫ق ِ‬ ‫} فَإ َِذا ان ْ َ‬
‫ش ّ‬
‫َ‬ ‫سأ َ ُ‬
‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫ن)‬ ‫ن )‪ (39‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫جا ّ‬ ‫ن ذ َن ْب ِهِ إ ِن ْ ٌ‬
‫س َول َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫‪ (38‬فَي َوْ َ‬
‫مئ ِذ ٍ ل ي ُ ْ‬
‫‪{ (40‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬لرجعوا"‪.‬‬

‫) ‪(7/498‬‬

‫َ َ‬ ‫صي َواْل َقْ َ‬


‫دام ِ )‪ (41‬فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ‬
‫ما‬ ‫وا ِ‬‫خذ ُ ِبالن ّ َ‬‫م فَي ُؤْ َ‬ ‫ماهُ ْ‬‫سي َ‬ ‫ن بِ ِ‬‫مو َ‬‫جرِ ُ‬ ‫ف ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ي ُعَْر ُ‬
‫ن‬
‫ن ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (43‬ي َطوُفو َ‬‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ب َِها ال ُ‬ ‫ّ‬
‫م الِتي ي ُك َذ ّ ُ‬ ‫جهَن ّ ُ‬‫ن )‪ (42‬هَذِهِ َ‬ ‫ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (44‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬ ‫ميم ٍ آ ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ما‬‫دام ِ )‪ (41‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫صي َوالقْ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫خذ ُ ِبالن ّ َ‬‫م فَي ُؤْ َ‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ف ال ْ ُ‬ ‫} ي ُعَْر ُ‬
‫ن‬‫ن ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ‬ ‫طوُفو َ‬ ‫ن )‪ (43‬ي َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫ب ب َِها ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ال ِّتي ي ُك َذ ّ ُ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫ن )‪ (42‬هَذِهِ َ‬ ‫ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪.{ (45‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (44‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫ميم ٍ آ ٍ‬ ‫ح ِ‬‫َ‬
‫ماُء { يوم القيامة ‪ ،‬كما دلت عليه‬ ‫ّ َ‬‫س‬ ‫ال‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ِ‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫)‬ ‫]تعالى[‬ ‫يقول‬
‫ت‬‫ق ِ‬ ‫ش ّ‬‫هذه الية مع ما شاكلها من اليات الواردة في معناها ‪ ،‬كقوله ‪َ } :‬وان ْ َ‬
‫ماُء‬ ‫س َ‬ ‫ققُ ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫م تَ َ‬‫ة { ] الحاقة ‪ ، [ 16 :‬وقوله ‪ } :‬وَي َوْ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ َواهِي َ ٌ‬ ‫ي ي َوْ َ‬ ‫ماُء فَهِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ماُء‬‫س َ‬‫ة َتنزيل { ] الفرقان ‪ ، [ 25 :‬وقوله ‪ } :‬إ َِذا ال ّ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫مام ِ َونز َ‬ ‫ِبال ْغَ َ‬
‫ت { ] النشقاق ‪.[ 2 ، 1 :‬‬ ‫َ‬ ‫ان ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت ل َِرب َّها وَ ُ‬ ‫ت‪ .‬وَأذِن َ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ش ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬تذوب كما يذوب الد ّْردي والفضة في‬ ‫ها ِ‬ ‫َ‬
‫ت وَْرد َة ً كالد ّ َ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬فَكان َ ْ‬
‫السبك ‪ ،‬وتتلون كما تتلون الصباغ التي يدهن بها ‪ ،‬فتارة حمراء وصفراء‬
‫وزرقاء وخضراء ‪ ،‬وذلك من شدة المر وهول يوم القيامة العظيم‪ .‬وقد قال‬
‫المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن عبد الملك ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء ‪ ،‬حدثنا نافع‬
‫أبو غالب الباهلي ‪ ،‬حدثنا أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫طش عليهم" )‪.(2‬‬ ‫وسلم ‪" :‬يبعث الناس يوم القيامة والسماء ت َ ِ‬
‫قال الجوهري ‪ :‬الطش ‪ :‬المطر الضعيف‪.‬‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪ :‬هو‬ ‫ها ِ‬‫كالد ّ َ‬‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَْرد َة ً َ‬
‫الديم الحمر‪ .‬وقال أبو ك ُد َْينة ‪ ،‬عن قابوس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫ن { ‪ :‬كالفرس الورد‪ .‬وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬ ‫ها ِ‬ ‫كالد ّ َ‬ ‫ت وَْرد َةً َ‬ ‫} فَ َ‬
‫كان َ ْ‬
‫تغير لونها‪ .‬وقال أبو صالح ‪ :‬كالب ِْرَذون الورد ‪ ،‬ثم كانت بعد كالدهان‪.‬‬
‫وحكى الب ََغوي وغيره ‪ :‬أن الفرس الورد تكون في الربيع صفراء ‪ ،‬وفي‬
‫الشتاء حمراء ‪ ،‬فإذا اشتد البرد اغْب َّر لونها‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬تكون ألوانا‪ .‬وقال السدي‪ .‬تكون كلون البغلة‬
‫هان { ‪ :‬كألوان‬ ‫كالد ّ َ‬‫الوردة ‪ ،‬وتكون كالمهل كدردي الزيت‪ .‬وقال مجاهد ‪َ } :‬‬
‫هن الوَْرد في الصفرة‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬ ‫الدهان‪ .‬وقال عطاء الخراساني ‪ :‬كلون د ُ ْ‬
‫هي اليوم خضراء ‪ ،‬ويومئذ لونها إلى الحمرة يوم ذي ألوان‪ .‬وقال أبو الجوزاء‬
‫‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(3/226‬‬

‫) ‪(7/498‬‬
‫في صفاء الدهن‪ .‬وقال ]أبو صالح[ )‪ (1‬بن جريج ‪ :‬تصير السماء كالدهن‬
‫الذائب ‪ ،‬وذلك حين ُيصيبها حر جهنم‪.‬‬
‫ن { ‪ ،‬وهذه كقوله ‪ } :‬هَ َ‬
‫ذا‬ ‫جا ّ‬ ‫س َول َ‬ ‫ن ذ َن ْب ِهِ إ ِن ْ ٌ‬‫ل عَ ْ‬ ‫سأ َ ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ي ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَي َوْ َ‬
‫ن { ] المرسلت ‪ ، [ 36 ، 35 :‬فهذا‬ ‫م فَي َعْت َذُِرو َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ن‪َ .‬ول ي ُؤْذ َ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫م ل ي َن ْط ِ ُ‬‫ي َوْ ُ‬
‫م حال يسأل الخلئق فيها عن جميع أعمالهم ‪ ،‬قال الله تعالى ‪:‬‬ ‫في حال ‪ ،‬وث َ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ] الحجر ‪ [ 93 ، 92 :‬؛‬ ‫ملو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن‪ .‬عَ ّ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫سألن ّهُ ْ‬ ‫ك ل َن َ ْ‬‫} فَوََرب ّ َ‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪ :‬قد‬ ‫جا ّ‬ ‫ن ذ َن ْب ِهِ إ ِن ْ ٌ‬
‫س َول َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫سأ ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ي ُ ْ‬ ‫ولهذه قال قتادة ‪ } :‬فَي َوْ َ‬
‫كانت مسألة ‪ ،‬ثم ختم على أفواه القوم ‪ ،‬وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا‬
‫يعملون‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬ل يسألهم ‪ :‬هل عملتم كذا وكذا ؟‬
‫لنه أعلم بذلك منهم ‪ ،‬ولكن يقول ‪ :‬لم عملتم كذا وكذا ؟ فهو قول ثان‪.‬‬
‫وقال مجاهد في هذه الية ‪ :‬ل يسأل الملئكة عن المجرم ‪ ،‬ي ُعَْرُفون‬
‫بسيماهم‪.‬‬
‫وهذا قول )‪ (2‬ثالث‪ .‬وكأن هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النار ‪ ،‬فذلك الوقت ل‬
‫يسألون عن ذنوبهم ‪ ،‬بل يقادون إليها )‪ (3‬ويلقون فيها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫م { أي ‪ :‬بعلمات تظهر عليهم‪.‬‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ال ْ ُ‬ ‫} ي ُعَْر ُ‬
‫وقال الحسن وقتادة ‪ :‬يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء‪.‬‬
‫دام ِ { أي ‪ :‬تجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ‪،‬‬ ‫صي َوالقْ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫خذ ُ ِبالن ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَي ُؤْ َ‬
‫ويلقونه في النار كذلك‪.‬‬
‫وقال العمش عن ابن عباس ‪ :‬يؤخذ بناصيته وقدمه )‪ ، (4‬فيكسر كما يكسر‬
‫الحطب في التنور‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬يجمع بين ناصيته وقدميه )‪ (5‬في سلسلة من وراء ظهره‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬يجمع بين ناصية الكافر وقدميه ‪ ،‬فتربط ناصيته بقدمه ‪ ،‬وُيفتل‬
‫ظهره‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ‪ ،‬حدثنا معاوية‬
‫بن سلم ‪ ،‬عن أخيه زيد بن سلم أنه سمع أبا سلم ‪ -‬يعني جده ‪ -‬أخبرني‬
‫عبد الرحمن ‪ ،‬حدثني رجل من كندة قال ‪ :‬أتيت عائشة فدخلت عليها ‪ ،‬وبيني‬
‫وبينها حجاب ‪ ،‬فقلت ‪ :‬حدثك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأتي عليه‬
‫ساعة ل يملك لحد فيها شفاعة ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬لقد سألته عن هذا وأنا وهو‬
‫شَعار واحد ‪ ،‬قال ‪" :‬نعم حين يوضع الصراط ‪ ،‬ول أملك لحد فيها شفاعة‬ ‫في ِ‬
‫‪ ،‬حتى أعلم أين يسلك بي ؟ ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه ‪ ،‬حتى أنظر ماذا‬
‫يفعل بي ‪ -‬أو قال ‪ :‬يوحى ‪ -‬وعند الجسر حين يستحد ويستحر" فقالت ‪ :‬وما‬
‫يستحد وما يستحر ؟ قال ‪" :‬يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف ‪ ،‬ويستحر‬
‫حتى يكون‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬جواب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬إلى النار"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬قدميه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬قدمه"‪.‬‬

‫) ‪(7/499‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن)‬ ‫ن )‪َ (47‬ذ ََواَتا أفَْنا ٍ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (46‬فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫جن َّتا ِ‬ ‫م َرب ّهِ َ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫من َ‬ ‫ول ِ َ‬
‫ن )‪ (50‬فَب ِأيّ آ ََلِء َرب ّك َُ‬
‫ما‬ ‫يا‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫نا‬ ‫ي‬‫ع‬ ‫ما‬‫ه‬ ‫في‬ ‫(‬‫‪49‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫با‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ي‬‫َ‪ْ (48‬فَبأ َ‬
‫ِ ِ َ َ ْ َ ِ َ ْ َِ َ ِ‬ ‫َ ّ َ ُ َ ِ‬ ‫ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫با‬‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ك‬‫ت‬
‫َ ّ َ ُ َ ِ‬ ‫ما‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ء‬‫ل‬ ‫آ‬ ‫ي‬
‫ِ ّ‬‫أ‬‫ب‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪52‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫جا‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫ة‬
‫َِ ٍ َ ْ َ ِ‬‫ه‬‫ك‬‫فا‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ما‬
‫ِ ِ َ ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫(‬ ‫‪51‬‬ ‫ن)‬ ‫ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫مثل الجمرة ‪ ،‬فأما المؤمن فيجيزه ل يضره ‪ ،‬وأما المنافق فيتعلق حتى إذا‬
‫بلغ أوسطه خر من قدمه فيهوي بيده إلى قدميه ‪ ،‬فتضربه الزبانية بخطاف‬
‫في ناصيته وقدمه ‪ ،‬فتقذفه في جهنم ‪ ،‬فيهوي )‪ (1‬فيها مقدار خمسين‬
‫عاما"‪ .‬قلت ‪ :‬ما ثقل الرجل ؟ قالت ‪ :‬ثقل عشر خلفات سمان ‪ ،‬فيومئذ‬
‫يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والقدام‪.‬‬
‫هذا حديث غريب ]جدا[ )‪ ، (2‬وفيه ألفاظ منكر رفعها ‪ ،‬وفي السناد من لم‬
‫م ‪ ،‬ومثله ل يحتج به )‪ ، (3‬والله أعلم‪.‬‬ ‫س ّ‬‫يُ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬هذه النار التي كنتم‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ب ب َِها ال ْ ُ‬ ‫م ال ِّتي ي ُك َذ ّ ُ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬هَذِهِ َ‬
‫تكذبون بوجودها ها هي حاضرة تشاهدونها عياًنا ‪ ،‬يقال لهم ذلك تقريعا‬
‫وتوبيخا وتصغيرا وتحقيرا‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬تارة يعذبون في الجحيم ‪،‬‬ ‫ميم ٍ آ ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ‬ ‫طوُفو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َ ُ‬
‫وتارة يسقون من الحميم ‪ ،‬وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب ‪ ،‬يقطع‬
‫س ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫غل ُ‬ ‫المعاء والحشاء ‪ ،‬وهذه كقوله تعالى ‪ } :‬إ ِذِ ال ْ‬
‫سل ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫ل ِفي أعَْناقِهِ ْ‬
‫ن { ] غافر ‪.[ 72 ، 71 :‬‬ ‫جُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي الّنارِ ي ُ ْ‬ ‫ميم ِ ث ُ ّ‬ ‫ح ِ‬‫ن‪ِ .‬في ال ْ َ‬ ‫حُبو َ‬ ‫س َ‬‫يُ ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬آن { أي ‪ :‬حار وقد بلغ الغاية في الحرارة ‪ ،‬ل يستطاع من شدة‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن { قد انتهى غليه ‪،‬‬ ‫ميم ٍ آ ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قال ابن عباس في قوله ‪ } :‬ي َطوفو َ‬
‫واشتد حّره‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫والثوري ‪ ،‬والسدي‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قد أَنى طبخه منذ خلق الله السموات والرض‪ .‬وقال محمد بن‬
‫ك بناصيته في ذلك الحميم ‪ ،‬حتى يذوب )‪(4‬‬ ‫كعب القرظي ‪ :‬يؤخذ العبد فيحّر ُ‬
‫اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس‪ .‬وهي كالتي يقول الله تعالى ‪:‬‬
‫ن {‪ .‬والحميم الن ‪ :‬يعني الحار‪ .‬وعن‬ ‫جُرو َ‬ ‫س َ‬‫م ِفي الّنارِ ي ُ ْ‬ ‫ميم ِ ث ُ ّ‬ ‫ح ِ‬‫} ِفي ال ْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬حاضر‪ .‬وهو قول ابن زيد أيضا ‪،‬‬ ‫ميم ٍ آ ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫القرظي رواية أخرى ‪َ } :‬‬
‫والحاضر ‪ ،‬ل ينافي ما روي عن القرظي أول أنه الحار ‪ ،‬كقوله تعالى ‪:‬‬
‫ن آن ِي َةٍ { ] الغاشية ‪ [ 5 :‬أي حارة شديدة الحر ل تستطاع‪.‬‬ ‫ن عَي ْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫قى ِ‬ ‫س َ‬ ‫} تُ ْ‬
‫ن إ َِناه ُ { ] الحزاب ‪ [ 53 :‬يعني ‪ :‬استواءه ونضجه‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫وكقوله ‪ } :‬غَي َْر َناظ ِ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬حميم حار جدا‪ .‬ولما كان معاقبة العصاة )‪(5‬‬ ‫ميم ٍ آ ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫فقوله ‪َ } :‬‬
‫المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه ‪ ،‬وكان‬
‫إنذاره لهم عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫وغير ذلك ‪ ،‬قال ممتنا بذلك على بريته ‪ } :‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن )‪ (َ 47‬ذ ََواَتا أفَْنا ٍ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (46‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫جن َّتا ِ‬ ‫م َرب ّهِ َ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬
‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫} وَل ِ َ‬
‫ما‬‫ن )‪ (50‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫ج َرَِيا ِ‬‫ن تَ ْ‬ ‫ما عَي َْنا ِ‬ ‫ن )‪ِ (49‬فيهِ َ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫)‪ (48‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫ن)‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (52‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ل َفاك ِهَةٍ َزوْ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن )‪ِ (51‬فيهِ َ‬ ‫ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫‪.{ (53‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬فهوى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه عبد الرزاق في المصنف كما في الدر المنثور )‪ (7/704‬عن رجل‬
‫من كنده بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬حتى تذوب"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬العاصين"‪.‬‬

‫) ‪(7/500‬‬

‫م‬‫قا َ‬ ‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وذب ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ :‬نزلت هذه الية ‪ } :‬وَل ِ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫قال ابن َ‬
‫ن { في أبي بكر الصديق‪.‬‬ ‫جن َّتا ِ‬‫َرب ّهِ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن مصفى ‪ ،‬حدثنا َبقّية ‪ ،‬عن‬
‫م‬
‫قا َ‬ ‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫أبي بكر بن أبي مريم ‪ ،‬عن عطية بن قيس في قوله ‪ } :‬وَل ِ َ‬
‫ن { ‪ :‬نزلت في الذي قال ‪ :‬أحرقوني بالنار ‪ ،‬لعلي أضل الله ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫جن َّتا ِ‬‫َرب ّهِ َ‬
‫تاب يوما وليلة بعد أن تكلم بهذا ‪ ،‬فقبل الله منه وأدخله الجنة‪.‬‬
‫والصحيح أن هذه الية عامة كما قاله ابن عباس وغيره ‪ ،‬يقول تعالى ‪ :‬ولمن‬
‫ن‬‫س عَ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫خاف مقامه بين يدي الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬يوم القيامة ‪ } ،‬وَن ََهى الن ّ ْ‬
‫وى { ] النازعات ‪ ، [ 40 :‬ولم يطغ ‪ ،‬ول آثر الدنيا ‪ ،‬وعلم أن الخرة خير‬ ‫ال ْهَ َ‬
‫وأبقى ‪ ،‬فأدى فرائض الله ‪ ،‬واجتنب محارمه ‪ ،‬فله يوم القيامة عند ربه جنتان‬
‫‪ ،‬كما قال البخاري ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫مي ‪،‬‬ ‫حدثنا عبد الله بن أبي السود ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العَ ّ‬
‫وني ‪ ،‬عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ‪ ،‬عن أبيه ؛ أن‬ ‫ج ْ‬ ‫مران ال َ‬ ‫ع ْ‬ ‫حدثنا أبو ِ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬جنتان من فضة ‪ ،‬آنيتهما وما فيهما ‪،‬‬
‫وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم‬
‫عز وجل إل رداُء الكبرياء على وجهه في جنة عدن"‪.‬‬
‫وأخرجه بقية الجماعة إل أبا داود ‪ ،‬من حديث عبد العزيز ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي موسى ‪ ،‬عن أبيه ‪-‬‬
‫ه‬
‫م َرب ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬
‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قال حماد ‪ :‬ول أعلمه إل قد رفعه ‪ -‬في قوله تعالى ‪ } :‬وَل ِ َ‬
‫ن { ]قال [ ‪ (2) :‬جنتان من ذهب‬ ‫جن َّتا ِ‬
‫ما َ‬ ‫ن ُدون ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن { ‪ ،‬وفي قوله ‪ } :‬وَ ِ‬ ‫جن َّتا ِ‬
‫َ‬
‫للمقربين ‪ ،‬وجنتان من وِرق لصحاب اليمين‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري )‪ ، (3‬حدثنا ابن أبي‬
‫مَلة ‪ ،‬عن عطاء بن‬ ‫حْر َ‬
‫مريم ‪ ،‬أخبرنا محمد بن جعفر ‪ ،‬عن محمد بن أبي َ‬
‫سار ‪ ،‬أخبرني أبو الدرداء ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوما‬ ‫يَ َ‬
‫ن { ‪ ،‬فقلت ‪ :‬وإن زنى أو سرق ؟‬ ‫تا‬‫ن‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫قا‬
‫َِ َ ْ َ َ َ َ َ ّ ِ َ َّ ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ف‬ ‫خا‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الية‬ ‫هذه‬
‫ن { ‪ ،‬فقلت ‪ :‬وإن زنى وإن سرق ؟‬ ‫جن َّتا ِ‬ ‫م َرب ّهِ َ‬ ‫قا َ‬‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فقال ‪ } :‬وَل ِ َ‬
‫ن {‪ .‬فقلت ‪ :‬وإن زنى وإن سرق يا‬ ‫جن َّتا ِ‬ ‫م َرب ّهِ َ‬ ‫قا َ‬‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فقال ‪ } :‬وَل ِ َ‬
‫رسول الله ؟ فقال ‪" :‬وإن رغم أنف أبي الدرداء"‪.‬‬
‫مَلة ‪ ،‬به )‪ (4‬ورواه النسائي أيضا‬ ‫حْر َ‬‫ورواه النسائي من حديث محمد بن أبي َ‬
‫جَريري ‪ ،‬عن موسى ‪ ،‬عن‬ ‫مل )‪ (5‬بن هشام ‪ ،‬عن إسماعيل ‪ ،‬عن ال ُ‬ ‫عن مؤ ّ‬
‫محمد بن سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬به )‪ .(6‬وقد روي موقوًفا‬
‫ن‬‫على أبي الدرداء‪ .‬وروي عنه أنه قال ‪ :‬إن من خاف مقام ربه لم يْز ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (4878‬وصحيح مسلم برقم )‪ (180‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪ (2528‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (7765‬وسنن‬
‫ابن ماجه برقم )‪.(186‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬المقري"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪" (5/490‬ط‪ .‬المعارف" ‪ ،‬والنسائي في السنن الكبرى‬
‫برقم )‪.(11560‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬موسى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11561‬‬

‫) ‪(7/501‬‬

‫ولم يسرق‪.‬‬
‫وهذه الية عامة في النس والجن ‪ ،‬فهي من أدل دليل على أن الجن يدخلون‬
‫الجنة إذا آمنوا واتقوا ؛ ولهذا امتن الله تعالى على الثقلين بهذا الجزاء فقال ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫ن‪ .‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫جن َّتا ِ‬ ‫م َرب ّهِ َ‬‫قا َ‬
‫م َ‬
‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫} وَل ِ َ‬
‫َ‬
‫ضَرة حسنة ‪،‬‬ ‫ن { أي ‪ :‬أغصان ن َ ِ‬ ‫ثم نعت هاتين الجنتين فقال ‪ } :‬ذ ََواَتا أفْ ََنا ٍ‬
‫ن {‪ .‬هكذا )‪(1‬‬ ‫َ‬
‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬ ‫ُ‬
‫تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة ‪ } ،‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬
‫ضها‬‫جر يمس بع ُ‬ ‫قال عطاء الخراساني وجماعة ‪ :‬إن الفنان أغصان الش َ‬
‫بعضا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا مسلم بن قتيبة‬
‫َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫‪ ،‬حدثنا عبد الله بن النعمان ‪ ،‬سمعت عكرمة يقول ‪ } :‬ذ ََواَتا أفَْنا ٍ‬
‫ظل الغصان على الحيطان ‪ ،‬ألم تسمع قول الشاعر حيث يقول ‪:‬‬ ‫يقول ‪ِ :‬‬
‫ماما‪...‬‬ ‫ح َ‬ ‫صون َ‬ ‫عو على فََنن الغُ ُ‬ ‫ة‪ ...‬ت َد ْ ُ‬
‫م ٍ‬
‫ما َ‬‫ح َ‬ ‫هديل َ‬ ‫ك من َ‬ ‫شوقَ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ها َ‬
‫خين صادف طاويا‪ ...‬ذا مخلبين من الصقور َقطاما )‪(2‬‬ ‫عو أبا فَْر َ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫وحكى البغوي ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والكلبي ‪ :‬أنه الغصن‬
‫المستقيم )‪] (3‬طوال[ )‪.(4‬‬
‫قال ‪ :‬وحدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا عبد السلم بن حرب ‪ ،‬حدثنا عطاء بن‬
‫َ‬
‫ن { ‪ :‬ذواتا ألوان‪.‬‬ ‫السائب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ذ ََواَتا أفَْنا ٍ‬
‫صيف ‪،‬‬ ‫خ َ‬ ‫قال ‪ :‬و ]قد[ )‪ (5‬روي عن سعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬و ُ‬
‫سَنان مثل ذلك‪ .‬ومعنى هذا القول أن فيهما‬ ‫والنضر بن عربي )‪ ، (6‬وأبي ِ‬
‫فنونا من الملذ ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال عطاء ‪ :‬كل غصن يجمع فنونا من الفاكهة ‪ ،‬وقال الربيع بن أنس ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن { ‪ :‬واسعتا الفناء‪.‬‬ ‫} ذ ََواَتا أفَْنا ٍ‬
‫وكل هذه القوال صحيحة ‪ ،‬ول منافاة بينها ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وقال قتادة ‪ } :‬ذ ََواَتا‬
‫َ‬
‫ن { ينبئ بسعتها وفضلها )‪ (7‬ومزيتها على ما سواها‪.‬‬ ‫أفَْنا ٍ‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن أسماء )‪ (8‬قالت ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وذكر‬
‫فَنن منها الراكب مائة سنة ‪ -‬أو‬ ‫سدرة المنتهى ‪ -‬فقال ‪" :‬يسير في ظل ال َ‬
‫فَنن منها مائة راكب ‪ -‬فيها فراش الذهب ‪ ،‬كأن‬ ‫قال ‪ :‬يستظل في ظل ال َ‬
‫قلل"‪.‬‬ ‫ثمرها ال ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وكذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه عبد بن حميد وابن المنذر وأبو بكر بن حيان في الفنون وابن‬
‫النباري في الوقف والبتداء كما في الدر المنثور )‪.(7/709‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬الغصن المنيف طول"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫زيادة من م‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في أ ‪" :‬عدي"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫في م ‪" :‬بفضلها وسعتها"‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫في م ‪" :‬أسماء بنت يزيد" ‪ ،‬وفي ا ‪" :‬أسماء بنت أبي بكر"‪.‬‬ ‫)‪(8‬‬

‫) ‪(7/502‬‬

‫ن )‪ (54‬فَب ِأ َيّ آ ََلءِ‬ ‫ن َدا ٍ‬ ‫جن ّت َي ْ ِ‬ ‫جَنى ال ْ َ‬ ‫ق وَ َ‬ ‫ست َب َْر ٍ‬


‫ن إِ ْ‬ ‫م ْ‬‫طائ ِن َُها ِ‬‫ن عََلى فُُرش ب َ َ‬
‫ٍ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬ ‫ُ‬
‫ن)‬‫جا ّ‬ ‫َ‬
‫م وَل َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ن‬
‫ُ ّ ِ ٌ‬‫إ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ر‬‫ّ‬ ‫ط‬
‫َ ُ َ ْ‬‫ال‬ ‫ت‬ ‫را‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫ه‬ ‫في‬
‫ِ‬ ‫(‬ ‫‪55‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫با‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ما‬
‫َر َ‬‫ُ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (58‬فَب ِأيّ آلءِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جا ُ‬ ‫مْر َ‬
‫ت َوال َ‬ ‫ن الَياُقو ُ‬ ‫ن )‪ (57‬كأن ّهُ ّ‬ ‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬ ‫‪ (56‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪ (60‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬
‫ما‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إ ِل ال ِ ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جَزاُء ال ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪ (59‬هَ ْ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫َرب ّك ُ َ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫رواه الترمذي من حديث يونس بن )‪ (1‬بكير ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫ن { أي ‪ :‬تسرحان لسقي تلك الشجار والغصان فتثمر‬ ‫جرَِيا ِ‬ ‫ن تَ ْ‬‫ما عَي َْنا ِ‬ ‫} ِفيهِ َ‬
‫َ‬
‫ن { قال الحسن البصري ‪:‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫من جميع اللوان ‪ } ،‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫إحداهما يقال لها ‪" :‬تسنيم" ‪ ،‬والخرى "السلسبيل"‪.‬‬
‫وقال عطية ‪ :‬إحداهما من ماء غير آسن ‪ ،‬والخرى من خمر لذة للشاربين‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬من جميع أنواع‬ ‫جا ِ‬ ‫ل َفاك ِهَةٍ َزوْ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ولهذا قال بعد هذا ‪ِ } :‬فيهِ َ‬
‫الثمار مما يعلمون وخير مما يعلمون ‪ ،‬ومما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪،‬‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ول خطر على قلب بشر ‪ } ،‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫قال إبراهيم بن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬ما‬
‫في الدنيا ثمرة حلوة ول مرة إل وهي في الجنة حتى الحنظلة )‪.(3‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬ليس في الدنيا مما في الخرة إل السماء ‪ ،‬يعني ‪ :‬أن بين‬
‫ذلك َبوًنا عظيما ‪ ،‬وفرًقا بينا في التفاضل‪.‬‬
‫َ‬
‫ن )‪ (54‬فَب ِأيّ آلِء‬ ‫ن َدا ٍ‬ ‫جن ّت َي ْ ِ‬‫جَنى ال ْ َ‬ ‫ق وَ َ‬ ‫ست َب َْر ٍ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عََلى فُُرش ب َ َ‬
‫طائ ِن َُها ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬ ‫} ُ‬
‫ن)‬ ‫جا ّ‬‫م َول َ‬ ‫س قَب ْل َهُ ْ‬ ‫ن إ ِن ْ ٌ‬‫مث ْهُ ّ‬ ‫م ي َط ْ ِ‬ ‫ف لَ ْ‬ ‫ت الط ّْر ِ‬ ‫صَرا ُ‬ ‫ن َقا ِ‬ ‫ن )‪ِ (55‬فيهِ ّ‬ ‫ما ت ُ َك َذ َّبا ِ‬‫َرب ّك ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (58‬فَب ِأيّ آلِء‬ ‫جا ُ‬‫مْر َ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫ن ال َْياُقو ُ‬ ‫ن )‪ (57‬ك َأن ّهُ ّ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫‪ (56‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫َ‬
‫ما‬‫ن )‪ (60‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِإل ال ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جَزاُء ال ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪ (59‬هَ ْ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫َرب ّك ُ َ‬
‫ن )‪.{ (61‬‬ ‫ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫ن { يعني ‪ :‬أهل الجنة‪ .‬والمراد بالتكاء هاهنا ‪:‬‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬‫يقول تعالى ‪ُ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ش ب َطائ ِن َُها ِ‬ ‫الضطجاع‪ .‬ويقال ‪ :‬الجلوس على صفة الّترّبع‪ } .‬عَلى فُُر ٍ‬
‫ق { وهو ‪ :‬ما غلظ من الديباج‪ .‬قاله عكرمة ‪ ،‬والضحاك وقتادة‪.‬‬ ‫ست َب َْر ٍ‬ ‫إِ ْ‬
‫وني ‪ :‬هو الديباج المغَّري )‪ (4‬بالذهب‪ .‬فنبه على شرف‬ ‫ج ْ‬‫مران ال َ‬ ‫ع ْ‬‫وقال أبو ِ‬
‫الظهارة بشرف البطانة‪ .‬وهذا من التنبيه بالدنى على العلى‪.‬‬
‫ريم )‪ ، (5‬عن عبد الله بن مسعود قال ‪:‬‬ ‫قال أبو إسحاق ‪ ،‬عن هُب َْيرة بن ي َ ِ‬
‫هذه البطائن فكيف لو رأيتم الظواهر ؟‬
‫وقال مالك بن دينار ‪ :‬بطائنها من إستبرق ‪ ،‬وظواهرها من نور‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي برقم )‪ (2541‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬الحنظل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬المعمول"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬سرية"‪.‬‬

‫) ‪(7/503‬‬

‫وقال سفيان الثوري ‪ -‬أو شريك ‪ : -‬بطائنها من إستبرق وظواهرها من نور‬


‫جامد‪.‬‬
‫وقال القاسم بن محمد )‪ : (1‬بطائنها من إستبرق ‪ ،‬وظواهرها من الرحمة‪.‬‬
‫شوَْذب ‪ ،‬عن أبي عبد الله الشامي ‪ :‬ذكر الله البطائن ولم يذكر‬ ‫وقال ابن َ‬
‫الظواهر ‪ ،‬وعلى الظواهر المحابس ‪ ،‬ول يعلم ما تحت المحابس إل الله‪ .‬ذكر‬
‫ذلك كله المام ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ثمرها قريب إليهم ‪ ،‬متى شاءوا تناولوه على أي‬ ‫ن َدا ٍ‬ ‫جَنى ال ْ َ‬
‫جن ّت َي ْ ِ‬ ‫} وَ َ‬
‫ة‬
‫ة { ] الحاقة ‪ ، [ 23 :‬وقال ‪ } :‬وََدان ِي َ ً‬ ‫ُ‬
‫صفة كانوا ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬قُطوفَُها َدان ِي َ ٌ‬
‫طوفَُها ت َذ ِْليل { ] النسان ‪ [ 14 :‬أي ‪ :‬ل تمنع ممن‬ ‫ت قُ ُ‬ ‫ظلل َُها وَذ ُل ّل َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫تناولها ‪ ،‬بل تنحط إليه من أغصانها ‪ } ،‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في الفرش‬ ‫ولما ذكر الفرش وعظمتها قال بعد ذلك ‪ِ } :‬فيهِ ّ‬
‫ف { أي غضيضات عن غير أزواجهن ‪ ،‬فل يرين شيئا أحسن‬ ‫ت الط ّْر ِ‬ ‫صَرا ُ‬ ‫} َقا ِ‬
‫في الجنة من أزواجهن‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وابن‬
‫زيد‪.‬‬
‫وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها ‪ :‬والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن‬
‫منك ‪ ،‬ول في الجنة شيئ أحب إلي منك ‪ ،‬فالحمد لله الذي جعلك لي‬
‫وجعلني لك‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬بل هن أبكار عرب أتراب ‪ ،‬لم‬ ‫جا ّ‬‫م َول َ‬ ‫َ‬
‫س قَب ْلهُ ْ‬ ‫ن إ ِن ْ ٌ‬ ‫مث ْهُ ّ‬ ‫م ي َط ْ ِ‬ ‫} لَ ْ‬
‫يطأهن أحد قبل أزواجهن من النس والجن‪ .‬وهذه أيضا من الدلة على دخول‬
‫مؤمني الجن الجنة‪.‬‬
‫مَرة ُ بن حبيب ‪ :‬هل يدخل الجن الجنة ؟ قال ‪:‬‬ ‫ض ْ‬‫قال أرطاة بن المنذر ‪ :‬سئل َ‬
‫مث ْهُ ّ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫م ي َط ِ‬ ‫َ‬
‫نعم ‪ ،‬وينكحون ‪ ،‬للجن جنيات ‪ ،‬وللنس إنسيات‪ .‬وذلك قوله ‪ } :‬ل ْ‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن‪ .‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫جا ّ‬ ‫م َول َ‬ ‫س قَب ْل َهُ ْ‬ ‫إ ِن ْ ٌ‬
‫ن { ‪ ،‬قال مجاهد ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جا ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫ت َوال َ‬ ‫ن الَياقو ُ‬ ‫ثم قال ينعتهن للخطاب ‪ } :‬كأن ّهُ ّ‬
‫والحسن ‪] ،‬والسدي[ )‪ ، (2‬وابن زيد ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬في صفاء الياقوت وبياض‬
‫المرجان ‪ ،‬فجعلوا المرجان هاهنا اللؤلؤ‪.‬‬
‫مْيد‬ ‫ح َ‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن حاتم ‪ ،‬حدثنا عُِبيدة بن ُ‬
‫‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون الودي )‪ ، (3‬عن عبد الله بن‬
‫مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن المرأة من نساء أهل‬
‫الجنة لُيرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة من الحرير )‪ ، (4‬حتى يرى‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬فأما‬ ‫جا ُ‬
‫مْر َ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫ن ال َْياُقو ُ‬ ‫مخها ‪ ،‬وذلك أن الله تعالى يقول ‪ } :‬ك َأن ّهُ ّ‬
‫جٌر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه"‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫الياقوت فإنه َ‬
‫دة بن حميد وأبي الحوص ‪ ،‬عن عطاء بن‬ ‫وهكذا رواه الترمذي من حديث عُب َي ْ َ‬
‫السائب ‪ ،‬به )‪ .(5‬ورواه موقوفا ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وهو أصح )‪.(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬مخيمر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬الزدي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬حرير"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي برقم )‪.(2533‬‬
‫)‪ (6‬سنن الترمذي برقم )‪.(2534‬‬

‫) ‪(7/504‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا يونس ‪ ،‬عن‬
‫رين ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫سي ِ‬‫محمد بن ِ‬
‫"للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين ‪ ،‬على كل واحدة سبعون‬
‫حلة ‪ُ ،‬يرى مخ ساقها من وراء الثياب"‪.‬‬
‫تفرد به المام أحمد من هذا الوجه )‪ .(1‬وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل‬
‫بن عُل َّية ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن محمد بن سيرين قال ‪ :‬إما تفاخروا وإما تذكروا ‪،‬‬
‫الرجال أكثر في الجنة أم النساء ؟ فقال أبو هريرة ‪ :‬أو لم يقل أبو القاسم‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة‬
‫وأ كوكب د ُّري في السماء ‪ ،‬لكل امرئ منهم‬ ‫ض َ‬
‫البدر ‪ ،‬والتي تليها على أ ْ‬
‫زوجتان اثنتان ‪ ،‬ي َُرى مخ سوقهما من وراء اللحم ‪ ،‬وما في الجنة أعزب" )‪.(2‬‬
‫عة ‪،‬‬ ‫من َّبه وأبي ُزْر َ‬‫مام بن ُ‬ ‫ج في الصحيحين ‪ ،‬من حديث هَ ّ‬ ‫خّر ٌ‬
‫م َ‬ ‫وهذا الحديث ُ‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه )‪.(3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو النضر ‪ ،‬حدثنا محمد بن طلحة ‪ ،‬عن حميد عن‬
‫أنس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل َغَد ْوَةٌ في سبيل الله أو‬
‫ب قوس أحدكم ‪ -‬أو موضع قيده )‪- (4‬‬ ‫قا ُ‬ ‫روحة خير من الدنيا وما فيها ‪ ،‬وَل َ َ‬
‫يعني ‪ :‬سوطه ‪ -‬من الجنة خير من الدنيا وما فيها ‪ ،‬ولو اطلعت امرأة من‬
‫نساء أهل الجنة إلى الرض لملت ما بينهما ريحا ‪ ،‬ولطاب ما بينهما ‪،‬‬
‫صيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها"‪.‬‬ ‫ولن َ ِ‬
‫ورواه البخاري من حديث أبي إسحاق ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن أنس بنحوه )‪.(5‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ما لمن أحسن في الدنيا‬ ‫سا ُ‬‫ح َ‬ ‫ن ِإل ال ْ‬ ‫سا ِ‬‫ح َ‬
‫جَزاُء ال ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬هَ ْ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫العمل )‪ (6‬إل الحسان إليه في الدار الخرة‪ .‬كما قال تعالى ‪ } :‬ل ِل ِ‬
‫َ‬
‫سَنى وَزَِياد َة ٌ { ] يونس ‪.[ 26 :‬‬ ‫ح ْ‬‫سُنوا ال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫حي ‪ ،‬حدثنا أبو إسحاق الثعلبي ‪ ،‬أخبرني‬ ‫شري ِ‬ ‫وقال البغوي ‪ :‬أخبرنا أبو سعيد ال ّ‬
‫ويه ‪ ،‬حدثنا ابن شيبة ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن ب َهَْرام ‪ ،‬حدثنا‬ ‫ج َ‬‫ابن َفن ُ‬
‫شر بن الحسين ‪ ،‬عن الزبير بن عَدِيّ ‪،‬‬ ‫مك َْتب ‪ ،‬حدثنا ب ِ ْ‬ ‫الحجاج بن يوسف ال ُ‬
‫جَزاُء‬‫ل َ‬ ‫عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬هَ ْ‬
‫ن { ‪ ،‬قال ‪" :‬هل تدرون ما قال ربكم ؟" قالوا ‪ :‬الله‬ ‫سا ُ‬‫ح َ‬ ‫ن ِإل ال ْ‬ ‫سا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ال ْ‬
‫ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬يقول هل جزاء ما أنعمت عليه بالتوحيد إل الجنة" )‪.(7‬‬
‫ولما كان في الذي ذ ُك َِر نعم عظيمة ل يقاومها عمل ‪ ،‬بل مجرد تفضل‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫وامتنان ‪ ،‬قال بعد ذلك كله ‪ } :‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(2/345‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪.(2834‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (3245‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2834‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬قده" وفي أ ‪" :‬قدمه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (3/141‬وصحيح البخاري برقم )‪.(2796‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬العمل في الدنيا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬معالم التنزيل للبغوي )‪ (7/456‬وفيه بشر الصبهاني يروي عن الزبير بن‬
‫عدي عن أنس بنسخة موضوعة‪.‬‬

‫) ‪(7/505‬‬

‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن )‪ (64‬فَب ِأ ّ‬
‫ي‬ ‫مَتا ِ‬‫ها ّ‬
‫مد ْ َ‬
‫ن )‪ُ (63‬‬ ‫ِ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا‬‫ن )‪ (62‬فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫جن َّتا ِ‬
‫ما َ‬ ‫ن ُدون ِهِ َ‬ ‫م ْ‬‫وَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫ن )‪ (66‬فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ‬
‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫خَتا ِ‬ ‫ضا َ‬
‫ن نَ ّ‬ ‫ما عَي َْنا ِ‬
‫ن )‪ِ (65‬فيهِ َ‬‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬‫آَلِء َرب ّك ُ َ‬
‫‪(67‬‬

‫ن { ‪ ،‬ما رواه الترمذي‬ ‫جن َّتا ِ‬


‫م َرب ّهِ َ‬ ‫قا َ‬‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ومما يتعلق بقوله تعالى ‪ } :‬وَل ِ َ‬
‫والبغوي ‪ ،‬من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم ‪ ،‬عن أبي عقيل الثقفي ‪،‬‬
‫سنان الّرهاوي ‪ ،‬عن ب ُك َْير ابن فيروز )‪ ، (1‬عن أبي‬ ‫عن أبي فروة يزيد بن ِ‬
‫هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من خاف أدلج ‪ ،‬ومن‬
‫أدلج بلغ المنزل ‪ ،‬أل إن سلعة الله غالية ‪ ،‬أل إن سلعة الله الجنة"‪.‬‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث أبي النضر )‪.(2‬‬
‫جر ‪ ،‬عن إسماعيل بن جعفر ‪ ،‬عن محمد‬ ‫ح ْ‬ ‫وروى البغوي من حديث علي بن ُ‬
‫سار ‪ ،‬عن أبي‬ ‫مَلة ‪ -‬مولى حويطب بن عبد العزى ‪ -‬عن عطاء بن ي َ َ‬ ‫حْر َ‬ ‫بن أبي َ‬
‫الدرداء ؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو‬
‫ن { ‪ ،‬قلت ‪ :‬وإن زنى وإن سرق يا‬ ‫جن َّتا ِ‬ ‫م َرب ّهِ َ‬ ‫قا َ‬‫م َ‬
‫ف َ‬‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫يقول ‪ } :‬وَل ِ َ‬
‫م‬
‫قا َ‬
‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬وَل ِ َ‬
‫ن {‪ .‬فقلت الثانية ‪ :‬وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال‬ ‫جن َّتا ِ‬‫َرب ّهِ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫جن َّتا ِ‬‫م َرب ّهِ َ‬ ‫قا َ‬‫م َ‬
‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫]رسول الله صلى الله عليه وسلم[ )‪ } (3‬وَل ِ َ‬
‫فقلت الثالثة ‪ :‬وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال ‪" :‬وإن ‪ ،‬رغم أنف‬
‫أبي الدرداء" )‪.(4‬‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫تا‬ ‫م‬ ‫ها‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫(‬ ‫‪63‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫با‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ء‬‫آل‬ ‫ي‬ ‫} ومن دونهما جنتان )‪ (62‬فَبأ َ‬
‫ُ ْ َ ّ َ ِ‬ ‫َ ّ َ ُ َ ِ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ََ ِ ْ ُ ِ ِ َ َ َّ ِ‬
‫ن )‪ (66‬فَب ِأ َيّ آلِء َرب ّك َُ‬
‫ما‬ ‫تا‬ ‫خ‬‫َ‬
‫َْ ِ َ ّ َ ِ‬ ‫ضا‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫نا‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ما‬ ‫ه‬
‫ِ ِ َ‬‫في‬ ‫(‬ ‫‪65‬‬ ‫)‬ ‫ما ت ُك َذ ّ َ ِ‬
‫ن‬ ‫با‬ ‫فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫ن )‪.{ (67‬‬ ‫ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فيروز الديلمي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي برقم )‪ (2450‬وتفسير البغوي )‪.(7/451‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬معالم التنزيل للبغوي )‪.(7/452‬‬

‫) ‪(7/506‬‬

‫َ َ‬
‫ت‬
‫خي َْرا ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫ن )‪ِ (69‬فيهِ ّ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (68‬فَب ِأيّ آَلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫ما ٌ‬ ‫ل وَُر ّ‬ ‫خ ٌ‬ ‫ة وَن َ ْ‬ ‫ما َفاك ِهَ ٌ‬ ‫ِفيهِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خَيام ِ )‪(72‬‬
‫َ‬
‫ت ِفي ال ِ‬ ‫صوَرا ٌ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حوٌر َ‬ ‫ن )‪ُ (71‬‬ ‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (70‬فب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬ ‫سا ٌ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (74‬فب ِأيّ آلِء‬ ‫جا ّ‬‫م وَل َ‬ ‫س قب ْلهُ ْ‬ ‫ن إ ِن ْ ٌ‬ ‫ْ‬
‫مثهُ ّ‬ ‫م ي َط ِ‬ ‫ن )‪ (73‬ل ْ‬ ‫ّ‬
‫ما ت ُكذَبا ِ‬ ‫فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (76‬فَب ِأيّ آَلءِ‬ ‫سا ٍ‬‫ح َ‬ ‫قرِيّ ِ‬ ‫ضرٍ وَعَب ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ف ُ‬‫ن عََلى َرفَْر ٍ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬ ‫ن )‪ُ (75‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫َرب ّك ُ َ‬
‫ل َواْل ِك َْرام ِ )‪(78‬‬ ‫جَل ِ‬ ‫ك ِذي ال ْ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫س ُ‬‫كا ْ‬ ‫ن )‪ (77‬ت ََباَر َ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫َرب ّك ُ َ‬
‫َ‬
‫ت‬
‫خي َْرا ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫ن )‪ِ (69‬فيهِ ّ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫ن )‪ (68‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫ما ٌ‬ ‫ل وَُر ّ‬ ‫خ ٌ‬ ‫ة وَن َ ْ‬
‫َ‬
‫ما َفاك ِهَ ٌ‬ ‫} ِفيهِ َ‬
‫خَيام ِ )‪(72‬‬ ‫ْ‬
‫ت ِفي ال ِ‬ ‫صوَرا ٌ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حوٌر َ‬ ‫ن )‪ُ (71‬‬ ‫َ‬
‫ما ت ُكذ َّبا ِ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (70‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك َ‬ ‫سا ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪ (74‬فَب ِأ َيّ آلءِ‬ ‫جا ّ‬ ‫س قَب ْل َهُ ْ‬
‫م َول َ‬ ‫ٌ‬ ‫ن إ ِن ْ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ي َط ْ ِ‬
‫مث ْه‬ ‫ن )‪ (73‬ل َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا‬
‫فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (76‬فَب ِأ َيّ آلءِ‬ ‫سا ٍ‬‫ح َ‬‫قرِيّ ِ‬‫ضرٍ وَعَب ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن عََلى َرفَْر ٍ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬
‫ن )‪ُ (75‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬‫َرب ّك ُ َ‬
‫ل َوالك َْرام ِ )‪.{ (78‬‬ ‫جل ِ‬ ‫ك ِذي ال ْ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫س ُ‬‫كا ْ‬‫ن )‪ (77‬ت ََباَر َ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬‫َرب ّك ُ َ‬
‫هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة بنص‬
‫ن {‪.‬‬ ‫جن َّتا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ُدون ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫القرآن ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫وقد تقدم في الحديث ‪" :‬جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬وجنتان من فضة‬
‫آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬فالوليان )‪ (1‬للمقربين ‪ ،‬والخريان )‪ (2‬لصحاب اليمين"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬فالولتان"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬والخيرتان"‪.‬‬

‫) ‪(7/506‬‬

‫وقال أبو موسى ‪ :‬جنتان من ذهب للمقربين ‪ ،‬وجنتان من فضة لصحاب‬


‫اليمين‪.‬‬
‫ن { من دونهما في الدرج‪ .‬وقال ابن‬ ‫جن َّتا ِ‬‫ما َ‬ ‫ن ُدون ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال ابن عباس ‪ } :‬وَ ِ‬
‫زيد ‪ :‬من دونهما في الفضل‪.‬‬
‫والدليل على شرف الوليين على الخريين وجوه ‪ :‬أحدها ‪ :‬أنه نعت الولين‬
‫ن {‪.‬‬ ‫جن َّتا ِ‬
‫ما َ‬‫ن ُدون ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قبل هاتين ‪ ،‬والتقديم يدل على العتناء ثم قال ‪ } :‬وَ ِ‬
‫وهذا ظاهر في شرف التقدم )‪ (1‬وعلوه على الثاني‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { ‪ :‬وهي الغصان أو الفنون في الملذ ‪ ،‬وقال‬ ‫وقال هناك ‪ } :‬ذ ََواَتا أفَْنا ٍ‬
‫مَتان { أي سوداوان من شدة الري‪.‬‬ ‫ها ّ‬‫مد ْ َ‬‫هاهنا ‪ُ } :‬‬
‫مَتان { قد اسودتا من الخضرة ‪ ،‬من شدة‬ ‫ها ّ‬
‫مد ْ َ‬ ‫قال ابن عباس في قوله ‪ُ } :‬‬
‫الري من الماء‪.‬‬
‫ضْيل ‪ ،‬حدثنا عطاء‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا ابن فُ َ‬
‫مَتان { ‪ :‬قال ‪:‬‬ ‫ها ّ‬‫مد ْ َ‬‫بن السائب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ُ } :‬‬
‫خضراوان‪ .‬وُروي عن أبي أيوب النصاري ‪ ،‬وعبد الله بن الزبير ‪ ،‬وعبد الله‬
‫َ‬
‫جَبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ -‬في إحدى الروايات ‪-‬‬ ‫بن أبي أوَْفى ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫وفي ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬ويحيى بن رافع ‪ ،‬وسفيان‬ ‫وعطاء ‪ ،‬وعطية العَ ْ‬
‫الثوري ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬
‫مَتان { ‪ :‬ممتلئتان من الخضرة‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬ ‫ها‬
‫ُ ْ َ ّ‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫كعب‬ ‫وقال محمد بن‬
‫خضراوان من الري ناعمتان‪ .‬ول شك في نضارة الغصان على الشجار‬
‫ن { ‪ ،‬وقال‬ ‫جرَِيا ِ‬ ‫ن تَ ْ‬‫ما عَي َْنا ِ‬
‫المشبكة بعضها في بعض‪ .‬وقال هناك ‪ِ } :‬فيهِ َ‬
‫خَتان { ‪ ،‬وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أي‬ ‫ضا َ‬‫هاهنا ‪ } :‬ن َ ّ‬
‫فياضتان‪ .‬والجري أقوى من النضخ‪.‬‬
‫خَتان { أي ممتلئتان ل تنقطعان‪.‬‬ ‫ضا َ‬ ‫وقال الضحاك ‪ } :‬ن َ ّ‬
‫ما َفاك ِهَ ٌ‬
‫ة‬ ‫ن { ‪ ،‬وقال هاهنا ‪ِ } :‬فيهِ َ‬ ‫ل َفاك ِهَةٍ َزوْ َ‬
‫جا ِ‬ ‫ُ‬
‫نك ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫وقال هناك ‪ِ } :‬فيهِ َ‬
‫ن { ‪ ،‬ول شك أن الولى أعم وأكثر في الفراد والتنويع على‬ ‫ما ٌ‬‫ل وَُر ّ‬‫خ ٌ‬‫وَن َ ْ‬
‫خ ٌ‬
‫ل‬ ‫فاكهة ‪ ،‬وهي نكرة في سياق الثبات ل تعم ؛ ولهذا فسر قوله ‪ } :‬وَن َ ْ‬
‫ن { من باب عطف الخاص على العام ‪ ،‬كما قرره البخاري وغيره ‪،‬‬ ‫ما ٌ‬‫وَُر ّ‬
‫وإنما أفرد النخل والرمان بالذكر لشرفهما على غيرهما‪.‬‬
‫قال عبد بن حميد ‪ :‬حدثنا يحيى بن عبد الحميد ‪ ،‬حدثنا حصين بن عمر ‪ ،‬حدثنا‬
‫مخارق ‪ ،‬عن طارق بن شهاب ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب قال ‪ :‬جاء أناس من‬
‫اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أفي )‪(2‬‬
‫الجنة فاكهة ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬فيها فاكهة ونخل ورمان"‪ .‬قالوا ‪ :‬أفيأكلون كما‬
‫يأكلون في الدنيا ؟ قال ‪" :‬نعم وأضعاف"‪ .‬قالوا ‪ :‬فيقضون الحوائج ؟ قال ‪:‬‬
‫"ل ولكنهم يعرقون ويرشحون ‪ ،‬فيذهب الله ما في بطونهم من أذى" )‪.(3‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬التقديم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المنتخب برقم )‪ (35‬وفيه حصين بن عمر وهو متروك‪.‬‬

‫) ‪(7/507‬‬

‫ضل بن د ُك َْين ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن‬ ‫ف ْ‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي حدثنا ال َ‬
‫جَبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬نخل الجنة سعفها كسوة‬ ‫حماد ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫حللهم ‪ ،‬وكَرُبها ذهب أحمر ‪ ،‬وجذوعها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قطَعاتهم ‪ ،‬ومنها ُ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬‫لهل الجنة ‪ ،‬منها ُ‬
‫زمرد أخضر ‪ ،‬وثمرها أحلى من العسل ‪ ،‬وألين من الزبد ‪ ،‬وليس له عجم‪.‬‬
‫وحدثنا أبي ‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ -‬هو ابن سلمة ‪ -‬عن‬
‫أبي هارون ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قَتب" )‪.(1‬‬ ‫م ْ‬
‫قال ‪" :‬نظرت إلى الجنة فإذا الّرمانة من رمانها كمثل البعير ال ُ‬
‫ن { قيل ‪ :‬المراد خيرات كثيرة حسنة في‬ ‫سا ٌ‬‫ح َ‬‫ت ِ‬ ‫خي َْرا ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫ثم قال ‪ِ } :‬فيهِ ّ‬
‫الجنة ‪ ،‬قاله قتادة‪ .‬وقيل ‪ :‬خيرات جمع خيرة ‪ ،‬وهي المرأة الصالحة الحسنة‬
‫خُلق الحسنة الوجه ‪ ،‬قاله الجمهور‪ .‬وروي مرفوعا عن أم سلمة )‪ .(2‬وفي‬ ‫ال ُ‬
‫الحديث الخر الذي سنورده في سورة "الواقعة" )‪ : (3‬أن الحور العين يغنين‬
‫‪ :‬نحن الخيرات الحسان ‪ ،‬خلقنا لزواج كرام‪ .‬ولهذا قرأ بعضهم ‪" :‬فيهن‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫ن‪ .‬فَب ِأيّ آلِء َرب ّك ُ َ‬ ‫سا ٌ‬‫ح َ‬‫خّيرات" ‪ ،‬بالتشديد } ِ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ن َقا ِ‬
‫صَرا ُ‬ ‫خَيام ِ { ‪ ،‬وهناك قال ‪ِ } :‬فيهِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ت ِفي ال ِ‬ ‫صوَرا ٌ‬ ‫ق ُ‬‫م ْ‬‫حوٌر َ‬ ‫ثم قال ‪ُ } :‬‬
‫صَرت طرفها بنفسها أفضل ممن ُقصرت ‪،‬‬ ‫ف { ‪ ،‬ول شك أن التي قد قَ َ‬ ‫الط ّْر ِ‬
‫وإن كان الجميع مخدرات‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمرو بن عبد الله الودي ‪ ،‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن سفيان‬
‫‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن القاسم بن أبي بّزة ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن‬
‫خيرة خيمة ‪ ،‬ولكل خيمة أربعة‬ ‫خيرة ‪ ،‬ولكل َ‬ ‫عبد الله قال ‪ :‬إن لكل مسلم َ‬
‫أبواب ‪ ،‬يدخل عليها )‪ (4‬كل يوم تحفة وكرامة وهدية لم تكن قبل ذلك ‪ ،‬ل‬
‫ماحات ‪ ،‬ول بخرات ول ذفرات ‪ ،‬حور عين ‪ ،‬كأنهن بيض‬ ‫مّراحات ول ط َ ّ‬ ‫َ‬
‫مكنون‪.‬‬
‫خَيام ِ { ‪ ،‬قال البخاري ‪:‬‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬في ال ْ ِ‬
‫حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ‪ ،‬حدثنا أبو عمران‬
‫الجوني ‪ ،‬عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ‪ ،‬عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة ‪ ،‬عرضها ستون‬
‫ل ما َيرون الخرين ‪ ،‬يطوف عليهم المؤمنون"‪.‬‬ ‫)‪ (5‬ميل في كل زاوية منها أه ٌ‬
‫ورواه أيضا من حديث أبي عمران ‪ ،‬به )‪ .(6‬وقال ‪" :‬ثلثون ميل"‪ .‬وأخرجه‬
‫ة من‬ ‫مسلم من حديث أبي عمران ‪ ،‬به‪ .‬ولفظه ‪" :‬إن للمؤمن في الجنة لخيم ً‬
‫لؤلؤة واحدة مجوفة ‪ ،‬طولها ستون ميل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج الحياء )‪ (6/2787‬وابن عساكر‬
‫في تاريخ دمشق كما في تهذيبه )‪ (5/462‬من طريق أبي هارون العبدي به‪.‬‬
‫وأبو هارون العبدي اسمه عمارة بن جوين كذبه بعض الئمة‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (23/367‬مطول وفيه سليمان بن‬
‫أبي كريمة وهو ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (3‬عند تفسير اليات ‪ 38 - 35‬من نفس السورة‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬سبعون"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪.(3243) ، (4879‬‬

‫) ‪(7/508‬‬

‫للمؤمن فيها أهل )‪ (1‬يطوف عليهم المؤمن ‪ ،‬فل يرى بعضهم بعضا" )‪.(2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن أبي الربيع ‪ ،‬حدثنا عبد الرّزاق ‪ ،‬أخبرنا‬
‫صري ‪ ،‬عن أبي الدرداء قال ‪ :‬الخيمة‬ ‫خل َْيد العَ َ‬ ‫معمر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬أخبرني ُ‬
‫لؤلؤة واحدة ‪ ،‬فيها سبعون بابا من در‪.‬‬
‫وحدثنا أبي حدثنا عيسى بن أبي فاطمة ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن‬
‫ت ِفي‬ ‫صوَرا ٌ‬‫ق ُ‬‫م ْ‬‫حوٌر َ‬ ‫محمد بن المثنى ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ُ } :‬‬
‫خَيام ِ { ‪ ،‬وقال ‪] :‬في[ )‪ (3‬خيام اللؤلؤ ‪ ،‬وفي الجنة خيمة واحدة من‬ ‫ال ْ ِ‬
‫لؤلؤة ‪ ،‬أربع فراسخ في أربعة فراسخ ‪ ،‬عليها أربعة آلف مصراع من الذهب‪.‬‬
‫سمح حدثه ‪ ،‬عن أبي‬ ‫وقال عبد الله بن وهب ‪ :‬أخبرنا عمرو أن د َّراجا أبا ال ّ‬
‫الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪" :‬أدنى أهل‬
‫الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم ‪ ،‬واثنتان وسبعون زوجة ‪ ،‬وتنصب له‬
‫قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت ‪ ،‬كما بين الجابية وصنعاء"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي من حديث عمرو بن الحارث ‪ ،‬به )‪.(4‬‬
‫ن { ‪] :‬قد[ )‪ (5‬تقدم مثله سواء ‪ ،‬إل‬ ‫جا ّ‬ ‫م َول َ‬ ‫س قَب ْل َهُ ْ‬‫ن إ ِن ْ ٌ‬ ‫م ي َط ْ ِ‬
‫مث ْهُ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬فَب ِأيّ آلِء‬
‫جا ُ‬ ‫ت َوال ْ َ‬
‫مْر َ‬ ‫ن ال َْياُقو ُ‬ ‫أنه زاد في وصف الوائل بقوله ‪ } :‬ك َأن ّهُ ّ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬
‫َرب ّك ُ َ‬
‫ن { ‪ :‬قال علي بن أبي‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫قرِيّ ِ‬ ‫ضرٍ وَعَب ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن عََلى َرفَْر ٍ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬‫وقوله ‪ُ } :‬‬
‫طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الرفرف ‪ :‬المحابس‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪،‬‬
‫والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬هي المحابس‪ .‬وقال العلء بن بدر‬
‫)‪ (6‬الرفرف على السرير ‪ ،‬كهيئة المحابس المتدلي‪.‬‬
‫ضرٍ { يعني ‪ :‬الوسائد‪ .‬وهو‬ ‫خ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن عََلى َرفَْر ٍ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬‫وقال عاصم الجحدري ‪ُ } :‬‬
‫قول الحسن البصري في رواية عنه‪.‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير في‬
‫ضرٍ { قال ‪ :‬الرفرف ‪ :‬رياض الجنة‪.‬‬ ‫خ ْ‬‫ف ُ‬ ‫ن عََلى َرفَْر ٍ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬‫قوله ‪ُ } :‬‬
‫ن { ‪ :‬قال ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫قرِيّ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَعَب ْ َ‬
‫‪ :‬العبقري ‪ :‬الزرابي‪ .‬وقال سعيد بن جبير ‪ :‬هي عتاق الزرابي ‪ ،‬يعني ‪:‬‬
‫جيادها‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬العبقري ‪ :‬الديباج‪.‬‬
‫ن { فقال ‪ :‬هي بسط‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫قرِيّ ِ‬ ‫وسئل الحسن البصري عن قوله ‪ } :‬وَعَب ْ َ‬
‫أهل الجنة ‪ -‬ل أبا لكم ‪-‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬أهلون"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪.(2838‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي برقم )‪ (2562‬وقال ‪" :‬هذا حديث غريب ل نعرفه إل من‬
‫حديث رشدين"‪ .‬ولم يتفرد به رشدين بل تابعه ابن وهب كما هنا ‪ ،‬وفي‬
‫إسناده دراج يروي عن أبي الهيثم مناكير‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬زيد"‪.‬‬

‫) ‪(7/509‬‬

‫فاطلبوها‪ .‬وعن الحسن ]البصري[ )‪ (1‬رواية ‪ :‬أنها المرافق‪ .‬وقال زيد بن‬
‫أسلم ‪ :‬العبقري ‪ :‬أحمر وأصفر وأخضر‪ .‬وسئل العلء بن زيد عن العبقري ‪،‬‬
‫حْزَرة )‪ (2‬يعقوب بن مجاهد ‪:‬‬ ‫فقال ‪ :‬البسط أسفل من ذلك‪ .‬وقال أبو َ‬
‫العبقري ‪ :‬من ثياب أهل الجنة ‪ ،‬ل يعرفه أحد‪ .‬وقال أبو العالية ‪ :‬العبقري ‪:‬‬
‫وشى عند‬ ‫م َ‬ ‫ملة ‪ ،‬إلى الرقة ما هي‪ .‬وقال القتيبي ‪ :‬كل ثوب ُ‬ ‫خ َ‬
‫الطنافس الم ْ‬
‫العرب عبقري‪ .‬وقال أبو عبيدة ‪ :‬هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي‪.‬‬
‫وقال الخليل بن أحمد ‪ :‬كل شيء يسر )‪ (3‬من الرجال وغير ذلك يسمى عند‬
‫العرب عبقريا‪ .‬ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر ‪" :‬فلم أر‬
‫عبقريا يفري فريه" )‪.(4‬‬
‫وعلى كل تقدير فصفة مرافق أهل الجنتين الوليين أرفع وأعلى من هذه‬
‫ق{‪،‬‬ ‫ست َب َْر ٍ‬‫ن إِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن عََلى فُُرش ب َ َ‬
‫طائ ِن َُها ِ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬
‫الصفة ؛ فإنه قد قال هناك ‪ُ } :‬‬
‫ٍ‬
‫فنعت بطائن فرشهم وسكت عن ظهائرها )‪ ، (5‬اكتفاًء بما مدح به البطائن‬
‫بطريق الولى والحرى‪ .‬وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات المتقدمة ‪ } :‬هَ ْ‬
‫ل‬
‫ن { فوصف أهلها بالحسان وهو أعلى المراتب‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِإل ال ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬
‫جَزاُء ال ْ‬
‫َ‬
‫والنهايات ‪ ،‬كما في حديث جبريل لما سأل عن السلم ‪ ،‬ثم اليمان‪ .‬فهذه‬
‫وجوه عديدة في تفضيل الجنتين الوليين على هاتين الخيريين )‪ ، (6‬ونسأل‬
‫الله الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل الوليين‪.‬‬
‫ل َوالك َْرام ِ { أي ‪ :‬هو أهل أن يجل فل‬ ‫جل ِ‬ ‫ك ِذي ال ْ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫س ُ‬‫كا ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ت ََباَر َ‬
‫يعصى ‪ ،‬وأن يكرم فيعبد ‪ ،‬ويشكر فل يكفر ‪ ،‬وأن يذكر فل ينسى‪.‬‬
‫ل َوالك َْرام ِ { ذي العظمة والكبرياء‪.‬‬ ‫وقال ابن عباس ‪ِ } :‬ذي ال ْ َ‬
‫جل ِ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا موسى بن داود ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن‬
‫ثوبان ‪ ،‬عن عمير )‪ (7‬بن هانئ ‪ ،‬عن أبي العذراء ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫دوا الله يغفر لكم" )‪.(8‬‬ ‫ج ّ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أ ِ‬
‫وفي الحديث الخر ‪" :‬إن من إجلل الله إكرام ذي الشيبة المسلم ‪ ،‬وذي‬
‫السلطان ‪ ،‬وحامل القرآن )‪ (9‬غير الغالي فيه ول الجافي عنه" )‪.(10‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا أبو يوسف الجيزي )‪ ، (11‬حدثنا مؤمل بن‬
‫إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬حدثنا حميد الطويل ‪ ،‬عن أنس أن رسول الله صلى‬
‫ظوا بيا ذا الجلل والكرام"‪.‬‬ ‫الله عليه وسلم قال ‪" :‬أل ّ‬
‫وكذا رواه الترمذي ‪ ،‬عن محمود بن غيلن ‪ ،‬عن مؤمل بن إسماعيل ‪ ،‬عن‬
‫حماد بن سلمة ‪ ،‬به )‪.(12‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬حزيرة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬نفيس"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (3682‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2393‬من حديث‬
‫عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬ظهارتها"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬الخيرتين"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (5/199‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (1/31‬وفي إسناده أبو‬
‫العذراء وهو مجهول"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬الذكر"‪.‬‬
‫)‪ (10‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪ (4843‬والبيهقي في السنن الكبرى )‬
‫‪ (8/163‬من حديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (11‬في الصل وبقية النسخ ‪" :‬الحربي" والتصويب من أبي يعلى‪.‬‬
‫)‪ (12‬مسند أبي يعلى )‪ (6/445‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3522‬‬
‫وقال ابن طاهر ‪" :‬وقد تابع المؤمل فيه روح بن عبادة وروح حافظ ثقة"‪.‬‬
‫أخرجه ابن مردويه في تفسيره كما في تخريج الكشاف للزيلعي )‪(3/396‬‬
‫من طريق روح بن عبادة عن حماد بن سلمة عن‪+‬‬

‫) ‪(7/510‬‬

‫ثم قال ‪ :‬غلط المؤمل فيه ‪ ،‬وهو غريب وليس بمحفوظ ‪ ،‬وإنما يروى هذا عن‬
‫حماد بن سلمة ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن المبارك ‪،‬‬
‫عن يحيى بن حسان المقدسي ‪ ،‬عن ربيعة بن عامر قال ‪ :‬سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬ألظوا بذي الجلل والكرام"‪.‬‬
‫ورواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫وقال الجوهري ‪ :‬ألظ فلن بفلن ‪ :‬إذا لزمه )‪.(2‬‬
‫وقول ابن مسعود ‪" :‬ألظوا بيا ذا الجلل والكرام" أي ‪ :‬الزموا‪ .‬ويقال ‪:‬‬
‫اللظاظ هو اللحاح‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكلهما قريب من الخر ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬وهو المداومة واللزوم‬
‫واللحاح‪ .‬وفي صحيح مسلم والسنن الربعة من حديث عبد الله بن الحارث ‪،‬‬
‫عن عائشة قالت ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم ل يقعد ‪-‬‬
‫يعني ‪ :‬بعد الصلة ‪ -‬إل قدر ما يقول ‪" :‬اللهم أنت السلم ومنك السلم ‪،‬‬
‫تباركت ذا الجلل والكرام" )‪.(3‬‬
‫آخر تفسير سورة الرحمن ‪ ،‬ولله الحمد ]والمنة[ )‪(4‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (4/177‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(11563‬‬
‫)‪ (2‬لسان العرب )‪.(7/459‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪ (592‬وسنن أبي داود برقم )‪ (1512‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪ (298‬وسنن النسائي )‪ (3/69‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(924‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(7/511‬‬
‫تفسير سورة الواقعة‬
‫وهي مكية‪.‬‬
‫مة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال أبو بكر ‪ :‬يا رسول‬ ‫ْ‬
‫عكرِ َ‬ ‫قال أبو إسحاق عن ِ‬
‫م‬‫َ ّ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫والمرسلت‬ ‫‪،‬‬ ‫والواقعة‬ ‫‪،‬‬ ‫هود‬ ‫يبتني‬
‫ّ‬ ‫"ش‬ ‫‪:‬‬ ‫ت ؟ قال‬‫الله ‪ ،‬قد شب َ‬
‫يتساءلون ‪ ،‬وإذا الشمس كورت"‪.‬‬
‫رواه الترمذي وقال ‪ :‬حسن غريب )‪(1‬‬
‫وقال الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن مسعود بسنده إلى عمرو‬
‫سّري بن يحيى الشيباني ‪ ،‬عن أبي‬ ‫بن الربيع بن طارق المصري ‪ :‬حدثنا ال ّ‬
‫شجاع ‪ ،‬عن أبي ظبية قال ‪ :‬مرض عبد الله مرضه الذي توفي فيه ‪ ،‬فعاده‬
‫عثمان بن عفان فقال ‪ :‬ما تشتكي ؟ قال ‪ :‬ذنوبي‪ .‬قال ‪ :‬فما تشتهي ؟ قال ‪:‬‬
‫رحمة ربي‪ .‬قال أل آمر لك بطبيب ؟ قال ‪ :‬الطبيب أمرضني‪ .‬قال ‪ :‬أل آمر‬
‫لك بعطاء ؟ قال ‪ :‬ل حاجة لي فيه‪ .‬قال ‪ :‬يكون لبناتك من بعدك ؟ قال ‪:‬‬
‫أتخشى على بناتي الفقر ؟ إني أمرت بناتي يقرأن كل ليلة سورة الواقعة ‪،‬‬
‫إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬من قرأ سورة الواقعة‬
‫كل ليلة ‪ ،‬لم تصبه فاقة أبدا"‪.(2) .‬‬
‫ثم قال ابن عساكر ‪ :‬كذا قال والصواب ‪ :‬عن "شجاع" ‪ ،‬كما رواه عبد الله‬
‫سّري بن يحيى أن‬ ‫سّري‪ .‬وقال عبد الله بن وهب ‪ :‬أخبرني ال ّ‬ ‫بن وهب عن ال ّ‬
‫دثه ‪ ،‬عن أبي ظ َب َْية ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت‬ ‫ح ّ‬
‫شجاعا َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم‬
‫تصبه فاقة أبدا"‪ .‬فكان أبو ظبية ل يدعها )‪.(3‬‬
‫مِنيب ‪ ،‬عن‬ ‫وكذا رواه أبو يعلى ‪ ،‬عن إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬عن محمد بن ُ‬
‫سّري بن يحيى ‪ ،‬عن شجاع ‪ ،‬عن أبي ظ َب َْية ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬به‪ .‬ثم رواه‬ ‫ال ّ‬
‫سّري بن‬ ‫مِنيب العدني ‪ ،‬عن ال ّ‬ ‫عن إسحاق بن أبي إسرائيل ‪ ،‬عن محمد بن ُ‬
‫يحيى ‪ ،‬عن أبي ظبية ‪ ،‬عن ابن مسعود ؛ أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة ‪ ،‬لم تصبه فاقة أبدا"‪ .‬لم‬
‫يذكر في سنده "شجاعا" )‪ .(4‬قال ‪ :‬وقد أمرت بناتي أن يقرأنها كل ليلة‪.‬‬
‫وقد رواه ابن عساكر أيضا من حديث حجاج بن نصير وعثمان بن اليمان ‪ ،‬عن‬
‫السري بن يحيى ‪ ،‬عن شجاع ‪ ،‬عن أبي فاطمة قال ‪ :‬مرض عبد الله ‪ ،‬فأتاه‬
‫عثمان بن عفان يعوده ‪ ،‬فذكر الحديث‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي برقم )‪.(3297‬‬
‫)‪ (2‬تاريخ دمشق )ق ‪" (294‬مصورة معهد المخطوطات" ورواه ابن عبد البر‬
‫في التمهيد )‪ (5/269‬من طريق حبشي بن عمرو بن الربيع ‪ ،‬عن أبيه عمرو‬
‫بن الربيع المصري به‪.‬‬
‫)‪ (3‬ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية )‪ (1/112‬من طريق خالد عن عبد‬
‫الله بن وهب به‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه عن أبي يعلى أبو بكر بن السني في عمل اليوم والليلة برقم )‬
‫‪.(674‬‬

‫) ‪(7/512‬‬

‫ت‬‫ج ِ‬‫ة )‪ (3‬إ َِذا ُر ّ‬ ‫ة َرافِعَ ٌ‬‫ض ٌ‬


‫خافِ َ‬ ‫ة )‪َ (2‬‬ ‫كاذِب َ ٌ‬ ‫ة )‪ (1‬ل َي ْ َ‬
‫س ل ِوَقْعَت َِها َ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫واقِعَ ُ‬ ‫إ َِذا وَقَعَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جا‬ ‫من ْب َّثا )‪ (6‬وَك ُن ْت ُ ْ‬
‫م أْزَوا ً‬ ‫ت هََباًء ُ‬ ‫سا )‪ (5‬فَ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ل بَ ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫جَبا ُ‬ ‫س ِ‬
‫جا )‪ (4‬وَب ُ ّ‬ ‫ض َر ّ‬‫اْلْر ُ‬
‫ما‬ ‫ث ََلث َة )‪ (7‬فَأ َصحاب ال ْميمنة ما أ َصحاب ال ْميمنة )‪ (8‬وأ َصحاب ال ْم ْ َ‬
‫مةِ َ‬
‫شأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫َ ْ َ َ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ ْ َ َ ِ َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ً‬
‫ن )‪ِ (11‬في‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قّرُبو َ‬
‫م َ‬
‫ن )‪ (10‬أولئ ِك ال ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬
‫ساب ِ ُ‬
‫مةِ )‪َ (9‬وال ّ‬
‫شأ َ‬ ‫ب ال َ‬‫حا ُ‬
‫ص َ‬‫أ ْ‬
‫ت الن ِّعيم ِ )‪(12‬‬
‫جّنا ِ‬‫َ‬

‫بطوله‪ .‬قال عثمان بن اليمان ‪ :‬كان أبو فاطمة هذا مولى لعلي بن أبي طالب‬
‫)‪.(1‬‬
‫وقال ]المام[ )‪ (2‬أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬ويحيى بن‬
‫مَرة يقول ‪:‬‬ ‫س ُ‬ ‫ماك بن حرب ؛ أنه سمع جابر بن َ‬ ‫س َ‬ ‫آدم ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن ِ‬
‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات كنحو من صلتكم التي‬
‫تصلون اليوم ‪ ،‬ولكنه كان يخفف‪ .‬كانت صلته أخف من صلتكم ‪ ،‬وكان يقرأ‬
‫في الفجر "الواقعة" ونحوها من السور )‪.(3‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ت‬
‫ج ِ‬ ‫ة )‪ (3‬إ َِذا ُر ّ‬ ‫ة َرافِعَ ٌ‬ ‫ض ٌ‬ ‫خافِ َ‬ ‫ة )‪َ (2‬‬ ‫كاذِب َ ٌ‬ ‫س ل ِوَقْعَت َِها َ‬ ‫ة )‪ (1‬ل َي ْ َ‬ ‫واقِعَ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫} إ َِذا وَقَعَ ِ‬
‫َ‬
‫جا‬
‫م أْزَوا ً‬ ‫من ْب َّثا )‪ (6‬وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ت هََباًء ُ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫سا )‪ (5‬فَ َ‬ ‫ل بَ ّ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫جا )‪ (4‬وَب ُ ّ‬ ‫ض َر ّ‬ ‫الْر ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫مةِ َ‬ ‫شأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫من َةِ )‪ (8‬وَأ ْ‬ ‫مي ْ َ‬
‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫من َةِ َ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫َ‬ ‫ة )‪ (7‬فَأ ْ‬ ‫َثلث َ ً‬
‫ن )‪ِ (11‬في‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (10‬أولئ ِ َ‬‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قّرُبو َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ال ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫مةِ )‪َ (9‬وال ّ‬ ‫شأ َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫ت الن ِّعيم ِ )‪.{ (12‬‬ ‫جّنا ِ‬ ‫َ‬
‫الواقعة ‪ :‬من أسماء يوم القيامة ‪ ،‬سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها ‪ ،‬كما‬
‫ة { ]الحاقة ‪[15 :‬‬ ‫واقِعَ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ وَقَعَ ِ‬ ‫قال ‪ } :‬فَي َوْ َ‬
‫ة { أي ‪ :‬ليس لوقوعها إذا أراد الله كونها صارف‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫س ل ِوَقْعَت َِها كاذِب َ ٌ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ي ي َوْ ٌ‬ ‫ن ي َأت ِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جيُبوا ل َِرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫يصرفها ‪ ،‬ول دافع يدفعها ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ا ْ‬
‫َ‬
‫ب َواقٍِع‪.‬‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ل ب ِعَ َ‬‫سائ ِ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫سأ َ‬ ‫ن الل ّهِ { ]الشورى ‪ ، [47 :‬وقال ‪َ } :‬‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫مَرد ّ ل َ ُ‬ ‫ل َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫قول ك ْ‬ ‫ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه َدافِعٌ { ]المعارج ‪ ، [2 ، 1 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَي َوْ َ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫ن لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫كاِفري َ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫و‬
‫شَهاد َةِ وَهُ َ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬ ‫عال ِ ُ‬ ‫صورِ َ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫ف ُ‬‫م ي ُن ْ َ‬‫ك ي َوْ َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫حقّ وَل َ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ن قَوْل ُ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫خِبيُر { ]النعام ‪.[73 :‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كاذَِبة { ‪ -‬كما قال محمد بن كعب ‪ : -‬ل بد أن تكون‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬ ‫ومعنى } َ‬
‫ليس فيها مثنوية ول‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تاريخ دمشق )ق ‪" (294‬مصورة معهد المخطوطات" وكذا رواه حجاج‬
‫بن المنهال عن السري بن يحيى فقال ‪ :‬عن أبي فاطمة ‪ :‬أخرجه البيهقي في‬
‫شعب اليمان برقم )‪ (2498‬وقد أعمل الزيلعي رحمه الله هذا الحديث بأربع‬
‫علل تلجح بعدها ضعفه ‪ :‬الولى ‪ :‬النقطاع كما ذكره الدارقطني وابن أبي‬
‫حاتم في علله نقل عن أبيه‪ .‬الثانية ‪ :‬نكارة متنه قاله المام أحمد‪ .‬الثالثة ‪:‬‬
‫ضعف رواته ‪ :‬السري بن يحيى وشجاع كما ذكره ابن الجوزي‪ .‬الرابعة ‪:‬‬
‫الضطراب فمنهم من يقول ‪ :‬أبو طيبة بالطاء المهملة ومنهم من يقول ‪ :‬أبو‬
‫ظبية بالظاء المعجمة‪ .‬ومنهم من يقول ‪ :‬أبو فاطمة ومنهم من يقول ‪ :‬شجاع‬
‫ومنهم من يقول ‪ :‬أبو شجاع وقد اجتمع على ضعفه ‪ :‬المام أحمد وأبو حاتم‬
‫وابنه والدار قطني والبيهقي وابن الجوزي تلويحا وتصريحا والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(5/104‬‬

‫) ‪(7/513‬‬
‫ارتداد ول رجعة‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬والكاذبة ‪ :‬مصدر كالعاقبة والعافية‪.‬‬
‫ة { أي ‪ :‬تحفض )‪ (1‬أقواما إلى أسفل سافلين إلى‬ ‫ة َرافِعَ ٌ‬ ‫ض ٌ‬ ‫خافِ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫الجحيم ‪ ،‬وإن كانوا في الدنيا أعّزاء‪ .‬وترفع آخرين إلى أعلى علّيين ‪ ،‬إلى‬
‫النعيم المقيم ‪ ،‬وإن كانوا في الدنيا وضعاء‪ .‬وهكذا قال الحسن وقتادة ‪،‬‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يزيد بن عبد الرحمن بن مصعب‬
‫ماك ‪ ،‬عن‬ ‫س َ‬‫المعنى ‪ ،‬حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ِ‬
‫سا وترفع آخرين‪.‬‬ ‫ة { تخفض أنا ً‬ ‫ة َرافِعَ ٌ‬ ‫ض ٌ‬
‫خافِ َ‬ ‫مة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬‬ ‫عك ْرِ َ‬
‫ِ‬
‫وقال عبيد الله )‪ (2‬العتكي ‪ ،‬عن عثمان بن سراقة ‪ ،‬ابن خالة عمر بن‬
‫ة { ]قال )‪ : [ (3‬الساعة خفضت أعداء الله إلى‬ ‫ة َرافِعَ ٌ‬ ‫ض ٌ‬‫خافِ َ‬ ‫الخطاب ‪َ } :‬‬
‫النار ‪ ،‬ورفعت أولياء الله إلى الجنة‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬تخفض رجال كانوا في الدنيا مرتفعين ‪ ،‬وترفع رجال‬
‫كانوا في الدنيا مخفوضين‪.‬‬
‫سد ّيّ ‪ :‬خفضت المتكبرين ‪ ،‬ورفعت المتواضعين‪.‬‬ ‫وقال ال ّ‬
‫ة { أسمعت القريب والبعيد‪.‬‬ ‫ة َرافِعَ ٌ‬ ‫ض ٌ‬
‫خافِ َ‬ ‫ي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬‬ ‫وقال العَوْفِ ّ‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬خفضت فأسمعت الدنى ‪ ،‬ورفعت فأسمعت القصى‪ .‬وكذا‬
‫قال الضحاك ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫جا { أي ‪ :‬حركت تحريكا فاهتزت واضطربت‬ ‫ض َر ّ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ َِذا ُر ّ‬
‫بطولها وعرضها‪ .‬ولهذا قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد في‬
‫جا { أي ‪ :‬زلزلت زلزال ]شديدا[ )‪.(4‬‬ ‫ض َر ّ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫قوله ‪ } :‬إ َِذا ُر ّ‬
‫وقال الربيع بن أنس ‪ :‬ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه‪.‬‬
‫ض زِل َْزال ََها { ]الزلزلة ‪ ، [1 :‬وقال‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫وهذه كقوله تعالى ‪ } :‬إ َِذا ُزل ْزِل َ ِ‬
‫ن َزل َْزل َ َ‬ ‫َ‬
‫م { ]الحج ‪:‬‬ ‫ظي ٌ‬
‫يٌء عَ ِ‬‫ش ْ‬‫ساعَةِ َ‬‫ة ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫‪.[1‬‬
‫ت فَّتا )‪ .(5‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد‬ ‫سا { أي ‪ :‬فُت ّت َ ْ‬ ‫ل بَ ّ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ْ‬
‫ت ال ِ‬ ‫س ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَب ُ ّ‬
‫مة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫عك ْرِ َ‬ ‫‪،‬و ِ‬
‫مِهيل {‬ ‫َ‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬صارت الجبال كما قال ]الله[ )‪ (6‬تعالى ‪ } :‬كِثيًبا َ‬
‫]المزمل ‪.[14 :‬‬
‫من ْب َّثا { ‪ ،‬قال أبو إسحاق ‪ ،‬عن الحارث ‪ ،‬عن علي ‪،‬‬ ‫كان َ ْ َ َ ُ‬
‫ً‬ ‫ء‬ ‫با‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫من ْب َّثا {‬ ‫رضي الله عنه ‪ } :‬هََباًء ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬تخفض"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬تفتيتا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/514‬‬

‫هج الغبار يسطع ثم يذهب ‪ ،‬فل يبقى منه شيء‪.‬‬ ‫كر َ‬


‫ّ‬
‫من ْب َثا { ‪ :‬الهباء الذي‬
‫ت هََباًء ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬فكان َ ْ‬
‫وقال العَوْفِ ّ‬
‫يطير من النار ‪ ،‬إذا اضطرمت )‪ (1‬يطير منه الشرر ‪ ،‬فإذا وقع لم يكن شيئا‪.‬‬
‫من ْب َّثا {‬ ‫وقال عكرمة ‪ :‬المنبث ‪ :‬الذي ذرته الريح وبثته‪ .‬وقال قتادة ‪ } :‬هََباًء ُ‬
‫كيبيس الشجر الذي تذروه )‪ (2‬الرياح‪.‬‬
‫وهذه الية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة ‪ ،‬وذهابها‬
‫وتسييرها ونسفها ‪ -‬أي قلعها ‪ -‬وصيرورتها كالعهن المنفوش‪.‬‬
‫ة { أي ‪ :‬ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلثة‬ ‫جا َثلث َ ً‬ ‫وقوله ‪ } :‬وك ُنت َ‬
‫م أْزَوا ً‬ ‫َ ُْ ْ‬
‫أصناف ‪ :‬قوم عن يمين العرش ‪ ،‬وهم الذين خرجوا من شق آدم اليمن ‪،‬‬
‫سد ّيّ ‪ :‬وهم جمهور‬ ‫ويؤتون كتبهم بأيمانهم ‪ ،‬ويؤخذ بهم ذات اليمين‪ .‬قال ال ّ‬
‫أهل الجنة‪ .‬وآخرون عن يسار العرش ‪ ،‬وهم الذين خرجوا من شق آدم‬
‫اليسر ‪ ،‬ويؤتون كتبهم بشمائلهم ‪ ،‬ويؤخذ بهم ذات الشمال ‪ ،‬وهم عامة أهل‬
‫النار ‪ -‬عياًذا بالله من صنيعهم ‪ -‬وطائفة سابقون بين يديه وهم أخص وأحظى‬
‫وأقرب من أصحاب اليمين الذين هم سادتهم ‪ ،‬فيهم الرسل والنبياء‬
‫والصديقون والشهداء ‪ ،‬وهم أقل عددا من أصحاب اليمين ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫} فَأ َصحاب ال ْميمنة ما أ َصحاب ال ْميمنة‪ .‬وأ َصحاب ال ْم ْ َ‬
‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫مةِ َ‬ ‫شأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ِ َ ْ َ ُ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ ْ َ َ ِ َ‬ ‫ْ َ ُ‬
‫ن { وهكذا قسمهم إلى هذه النواع الثلثة في‬ ‫ال ْم ْ َ‬
‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫ة‪َ .‬وال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫شأ َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫م أوَْرثَنا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫آخر السورة وقت احتضارهم ‪ ،‬وهكذا ذكرهم في قوله تعالى ‪ } :‬ث ّ‬
‫م‬
‫ص ٌ َ ِ ُْ ْ‬
‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫قت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سهِ وَ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل ِن َ ْ‬ ‫م َ‬
‫ظال ِ ٌ‬ ‫عَبادَِنا فَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫في َْنا ِ‬ ‫صط َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫ن الل ّهِ { الية ]فاطر ‪ ، [32 :‬وذلك على أحد القولين في‬ ‫ت ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ساب ِقٌ ِبال ْ َ‬ ‫َ‬
‫الظالم لنفسه كما تقدم بيانه‪.‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن جابر الجعفي ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس في‬
‫قوله ‪ } :‬وك ُنت َ‬
‫ة { قال ‪ :‬هي التي في سورة الملئكة ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫جا َثلث َ ً‬ ‫م أْزَوا ً‬ ‫َ ُْ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫صد ٌ‬ ‫قت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سهِ وَ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل ِن َ ْ‬‫م ظال ِ ٌ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫عَبادَِنا فَ ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫في َْنا ِ‬ ‫صط َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫أوَْرث َْنا ال ْك َِتا َ‬
‫ت {‪.‬‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ساب ِقٌ ِبال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫جَرْيج عن ابن عباس ‪ :‬هذه الزواج الثلثة هم المذكورون في آخر‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫السورة وفي سورة الملئكة‪.‬‬
‫ة{‬ ‫جا َثلث َ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م أْزَوا ً‬ ‫وقال يزيد الرقاشي ‪ :‬سألت ابن عباس عن قوله ‪ } :‬وَكن ْت ُ ْ‬
‫قال ‪ :‬أصنافا ثلثة‪.‬‬
‫ة { ]قال[ )‪ : (4‬يعني ‪ :‬فرقا ثلثة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جا ثلث ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م أْزَوا ً‬ ‫وقال )‪ (3‬مجاهد ‪ } :‬وَكن ْت ُ ْ‬
‫مْهران ‪ :‬أفواجا ثلثة‪ .‬وقال عَُبيد الله )‪ (5‬العتكي ‪ ،‬عن‬ ‫وقال ميمون بن ِ‬
‫ة { اثنان‬ ‫جا َثلث ًَ‬ ‫وا‬ ‫ز‬ ‫عثمان بن سراقة ابن خالة عمر بن الخطاب ‪ } :‬وك ُنتم أ َ‬
‫َ ُْ ْ ْ َ ً‬
‫في الجنة ‪ ،‬وواحد في النار‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬اضطربت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬تذراه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬

‫) ‪(7/515‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا الوليد بن‬
‫ماك ‪ ،‬عن النعمان بن بشير قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬ ‫س َ‬‫أبي ثور ‪ ،‬عن ِ‬
‫ت { ]التكوير ‪ [7 :‬قال ‪ :‬الضرباء ‪ ،‬كل‬‫ج ْ‬
‫س ُزوّ َ‬
‫فو ُ‬ ‫َ‬
‫عليه وسلم ‪ } :‬وَإ ِذا الن ّ ُ‬
‫جا‬ ‫رجل من قوم كانوا يعملون عمله ‪ ،‬وذلك بأن الله يقول ‪ } :‬وك ُنت َ‬
‫م أْزَوا ً‬ ‫َ ُْ ْ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َثلث َة‪ .‬فَأ َصحاب ال ْميمنة ما أ َصحاب ال ْميمنة‪ .‬وأ َصحاب ال ْم ْ َ‬
‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫مةِ َ‬ ‫شأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ِ َ ْ َ ُ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ ْ َ َ ِ َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫ن { قال ‪ :‬هم الضرباء )‪.(1‬‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫ة‪َ .‬وال ّ‬ ‫م ِ‬
‫مشأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله المثنى ‪ ،‬حدثنا البراء الغنوي ‪،‬‬
‫حدثنا الحسن ‪ ،‬عن معاذ بن جبل ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تل )‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل { )‪ (4‬فقبض‬ ‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫ن { )‪ } ، (3‬وَأ ْ‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫‪ (2‬هذه الية ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫بيده قبضتين فقال ‪" :‬هذه للجنة )‪ (5‬ول أبالي ‪ ،‬وهذه للنار )‪ (6‬ول أبالي" )‬
‫‪.(7‬‬
‫َ‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن لِهيَعة ‪ ،‬حدثنا خالد بن أبي‬
‫عمران ‪ ،‬عن القاسم بن محمد ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬أنه قال ‪" :‬أتدرون من السابقون إلى ظل يوم القيامة ؟" قالوا ‪ :‬الله‬
‫ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ‪ ،‬وإذا سئلوه بذلوه ‪،‬‬
‫وحكموا للناس كحكمهم لنفسهم" )‪.(8‬‬
‫ن‬‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫حْرَزة َ يعقوب بن مجاهد ‪َ } :‬وال ّ‬ ‫وقال محمد بن كعب وأبو َ‬
‫سد ّيّ ‪ :‬هم أهل عليين‪.‬‬ ‫ن { ‪ :‬هم النبياء ‪ ،‬عليهم السلم‪ .‬وقال ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن{‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬وال ّ‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬يوشع بن نون ‪ ،‬سبق إلى موسى ‪ ،‬ومؤمن آل "يس" ‪ ،‬سبق إلى‬
‫عيسى ‪ ،‬وعلي بن أبي طالب ‪ ،‬سبق إلى محمد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن محمد بن هارون الفلس ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫شعَْيب بن الضحاك المدائني ‪ ،‬عن سفيان بن‬ ‫إسماعيل المدائني البزاز ‪ ،‬عن ُ‬
‫جيح به‪.‬‬ ‫عُي َي َْنة ‪ ،‬عن ابن أبي ن َ ِ‬
‫مهَْران ‪ ،‬عن‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬وذكر محمد )‪ (9‬بن أبي حماد ‪ ،‬حدثنا ِ‬
‫ن { الذين صلوا‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬‫سيرين ‪َ } :‬وال ّ‬ ‫خارجة ‪ ،‬عن قُّرة ‪ ،‬عن ابن ِ‬
‫للقبلتين‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير )‪ (10‬من حديث خارجة ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬من كل أمة‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬
‫ن ال ّ‬
‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫وقال الحسن وقتادة ‪َ } :‬وال ّ‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫وقال الوزاعي ‪ ،‬عن عثمان بن أبي سودة أنه قرأ هذه الية ‪َ } :‬وال ّ‬
‫حا إلى المسجد ‪ ،‬وأولهم‬ ‫ن { ثم قال ‪ :‬أولهم روا ً‬ ‫قّرُبو َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ن‪ُ .‬أول َئ ِ َ‬‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫جا في سبيل الله‪.‬‬ ‫خرو ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سيأتي تخريج الحديث عند الية ‪ 7 :‬من سورة التكوير‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬قرأ"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬هذه في الجنة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذه في النار"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (5/239‬والحسن لم يسمع من معاذ‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(6/67‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬وذكر عن محمد"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير"‪.‬‬

‫) ‪(7/516‬‬
‫ن اْل َ ِ‬ ‫َ‬
‫ضون َةٍ )‪(15‬‬
‫مو ْ ُ‬ ‫ن )‪ (14‬عََلى ُ‬
‫سُررٍ َ‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬ ‫م َ‬
‫ل ِ‬‫ن )‪ (13‬وَقَِلي ٌ‬ ‫ن اْلوِّلي َ‬ ‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫ث ُل ّ ٌ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫قاب ِِلي َ‬ ‫ن عَل َي َْها ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬‫ُ‬

‫وهذه القوال كلها صحيحة ‪ ،‬فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل‬
‫ة‬
‫جن ّ ٍ‬
‫م وَ َ‬‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةٍ ِ‬‫مغْ ِ‬‫عوا إ َِلى َ‬
‫سارِ ُ‬‫الخيرات كما أمروا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫قوا إ ِلى‬ ‫ساب ِ ُ‬‫ض { ]آل عمران ‪ ، [133 :‬وقال ‪َ } :‬‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َ‬‫س َ‬
‫ضَها ال ّ‬ ‫عَْر ُ‬
‫ض { ]الحديد ‪، [22 :‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ض ال ّ‬ ‫ضَها كعَْر ِ‬ ‫جن ّةٍ عَْر ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن َرب ّك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةٍ ِ‬ ‫مغْ ِ‬‫َ‬
‫فمن سابق إلى هذه الدنيا وسبق إلى الخير ‪ ،‬كان في الخرة من السابقين‬
‫إلى الكرامة ‪ ،‬فإن الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬وكما تدين تدان ؛ ولهذا قال‬
‫ت الن ِّعيم ِ {‪.‬‬ ‫جّنا ِ‬ ‫ن‪ِ .‬في َ‬ ‫قّرُبو َ‬
‫م َ‬‫ك ال ْ ُ‬ ‫تعالى ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن زكريا القزاز )‪ (1‬الرازي ‪،‬‬
‫مصَعب ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن عبد‬ ‫حدثنا خارجة بن ُ‬
‫الله بن عمرو قال ‪ :‬قالت الملئكة ‪ :‬يا رب ‪ ،‬جعلت لبني آدم الدنيا فهم‬
‫يأكلون ويشربون ويتزوجون ‪ ،‬فاجعل لنا الخرة‪ .‬فقال ‪ :‬ل أفعل‪ .‬فراجعوا‬
‫ثلثا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له ‪ :‬كن ‪ ،‬فكان‪ .‬ثم قرأ عبد‬
‫ت الن ِّعيم ِ {‪.‬‬ ‫جّنا ِ‬‫ن‪ِ .‬في َ‬ ‫قّرُبو َ‬ ‫م َ‬‫ك ال ْ ُ‬ ‫ن‪ُ .‬أول َئ ِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫الله ‪َ } :‬وال ّ‬
‫وقد روى هذا الثر المام عثمان )‪ (2‬بن سعيد الدارمي في كتابه ‪" :‬الرد على‬
‫الجهمية" ‪ ،‬ولفظه ‪ :‬فقال الله عز وجل ‪" :‬لن أجعل صالح ذرية من خلقت‬
‫بيدي ‪ ،‬كمن قلت له ‪ :‬كن فكان" )‪.(3‬‬
‫ضون َةٍ )‪(15‬‬ ‫مو ْ ُ‬‫سُررٍ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (14‬عَلى ُ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬‫ن )‪ (13‬وَقَِلي ٌ‬ ‫ن الوِّلي َ‬ ‫م َ‬‫ة ِ‬‫} ث ُل ّ ٌ‬
‫ن )‪.{ (16‬‬ ‫قاب ِِلي َ‬‫مت َ َ‬ ‫ن عَل َي َْها ُ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬ ‫ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الفزاري"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬وقد رواه عثمان بن سعيد الدارمي فرفعه كما في البداية والنهاية )‬
‫‪ (1/55‬للمؤلف وقال ‪" :‬وهو أصح" وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر بن‬
‫الخطاب رواه ابن الجوزي في العلل المتناهية )‪ (1/48‬وقال ‪" :‬هذا حديث ل‬
‫يصح"‪.‬‬

‫) ‪(7/517‬‬

‫ن )‪َ (18‬ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫مِعي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ب وَأَباِريقَ وَك َأ ٍ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ن )‪ (17‬ب ِأك ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫دا ٌ‬ ‫م وِل ْ َ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫طو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ما‬
‫م ّ‬ ‫حم ِ ط َي ْرٍ ِ‬ ‫ن )‪ (20‬وَل َ ْ‬ ‫خي ُّرو َ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن )‪ (19‬وََفاك ِهَةٍ ِ‬ ‫ن عَن َْها وََل ي ُن ْزُِفو َ‬ ‫عو َ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫ن )‪َ (23‬‬ ‫مكُنو ِ‬ ‫ل اللؤْلؤِ ال َ‬
‫ْ‬ ‫مَثا ِ‬‫ن )‪ (22‬كأ ْ‬ ‫عي ٌ‬ ‫حوٌر ِ‬ ‫ن )‪ (21‬وَ ُ‬ ‫شت َُهو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ما )‪(26‬‬ ‫سل ً‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ما )‪ (25‬إ ِل ِقيل َ‬ ‫وا وَل ت َأِثي ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفيَها لغْ ً‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (24‬ل ي َ ْ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ب وَأَباِريقَ وَك َأ ٍ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ن )‪ (17‬ب ِأك ْ َ‬ ‫دو َ‬‫خل ّ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫دا ٌ‬ ‫م وِل ْ َ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫طو ُ‬ ‫} يَ ُ‬
‫ما‬ ‫حم ِ ط َي ْرٍ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ن )‪ (20‬وَل َ ْ‬ ‫خي ُّرو َ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن )‪ (19‬وََفاك ِهَةٍ ِ‬ ‫ن عَن َْها َول ُينزُفو َ‬ ‫عو َ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫ل يُ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫ن )‪َ (23‬‬ ‫مكُنو ِ‬ ‫ل اللؤْلؤِ ال َ‬
‫ْ‬ ‫مَثا ِ‬‫ن )‪ (22‬كأ ْ‬ ‫عي ٌ‬ ‫حوٌر ِ‬ ‫ن )‪ (21‬وَ ُ‬ ‫شت َُهو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ما )‬ ‫سل ً‬ ‫ما َ‬ ‫سل ً‬ ‫ما )‪ِ (25‬إل ِقيل َ‬ ‫وا َول ت َأِثي ً‬ ‫َ‬
‫ن ِفيَها لغْ ً‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ن )‪ (24‬ل ي َ ْ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫‪.{ (26‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ة { أي ‪ :‬جماعة } ِ‬ ‫ّ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن هؤلء السابقين أنهم } ث ُل ٌ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫ن {‪ .‬وقد اختلفوا في المراد بقوله ‪ } :‬الوِّلي َ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن‪ .‬وَقَِلي ٌ‬ ‫الوِّلي َ‬
‫ن {‪ .‬فقيل ‪ :‬المراد بالولين ‪ :‬المم الماضية ‪ ،‬والخرين ‪ :‬هذه‬
‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫و } ال ِ‬
‫المة‪ .‬هذا رواية عن مجاهد ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬رواها عنهما ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وهو اختيار ابن جرير ‪ ،‬واستأنس بقوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬نحن الخرون‬
‫السابقون يوم القيامة" )‪ .(1‬ولم يحك غيره ول عزاه إلى أحد‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬لم أجد الحديث في تفسير الطبري والحديث أخرجه البخاري في صحيحه‬
‫برقم )‪ (896‬ومسلم في صحيحه برقم )‪ (885‬من حديث أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(7/517‬‬

‫ومما يستأنس به لهذا القول ‪ ،‬ما رواه المام أبو محمد بن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا‬
‫أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن محمد بن عبد‬
‫ن‪.‬‬‫ن الوِّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫الرحمن ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬لما نزلت ‪ } :‬ث ُل ّ ٌ‬
‫ن { شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫وَقَِلي ٌ‬
‫ن { فقال النبي صلى الله عليه‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ن‪ .‬وث ُل ّ ٌ‬ ‫ن الوِّلي َ‬ ‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫فنزلت ‪ } :‬ث ُل ّ ٌ‬
‫وسلم ‪ :‬إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ‪ ،‬ثلث أهل الجنة ‪ ،‬بل أنتم نصف‬
‫أهل الجنة ‪ -‬أو ‪ :‬شطر أهل الجنة ‪ -‬وتقاسمونهم النصف الثاني"‪.‬‬
‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬عن أسود بن عامر ‪ ،‬عن شريك ‪ ،‬عن محمد ‪ ،‬بياع الملء‬
‫‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬فذكره )‪ .(1‬وقد روي من حديث جابر نحو هذا ‪،‬‬
‫ورواه الحافظ ابن عساكر من طريق هشام بن عمار ‪ :‬حدثنا عبد ربه بن‬
‫صالح ‪ ،‬عن عروة بن رويم ‪ ،‬عن جابر بن عبد الله ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫ن‪.‬‬‫ن الوِّلي َ‬ ‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫ة { ‪ ،‬ذكر فيها } ث ُل ّ ٌ‬ ‫واقِعَ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ وَقَعَ ِ‬ ‫وسلم ‪ :‬لما نزلت ‪ } :‬فَي َوْ َ‬
‫ن { ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ثلة من الولين وقليل منا ؟‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫وَقَِلي ٌ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫ّ‬
‫ن‪ .‬وَث ُل ٌ‬ ‫ن الوِّلي َ‬ ‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫ّ‬
‫قال ‪ :‬فأمسك آخر السورة سنة ‪ ،‬ثم نزل ‪ } :‬ث ُل ٌ‬
‫ن { ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا عمر ‪ ،‬تعال فاسمع‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ي‬
‫ن { ‪ ،‬أل وإن من آدم إل ّ‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ّ‬
‫ن‪ .‬وَث ُل ٌ‬ ‫ن الوِّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ّ‬
‫ما قد أنزل الله ‪ } :‬ث ُل ٌ‬
‫ثلة ‪ ،‬وأمتي ثلة ‪ ،‬ولن نستكمل ثلتنا حتى نستعين بالسودان من رعاة البل ‪،‬‬
‫ممن شهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له"‪.‬‬
‫هكذا أورده في ترجمة "عروة بن رويم" )‪ ، (2‬إسنادا ومتنا ‪ ،‬ولكن في‬
‫إسناده نظر‪ .‬وقد وردت طرق كثيرة متعددة بقوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" الحديث بتمامه )‪ ، (3‬وهو مفرد في‬
‫"صفة الجنة" ولله الحمد والمنة‪ .‬وهذا الذي اختاره ابن جرير هاهنا ‪ ،‬فيه نظر‬
‫‪ ،‬بل هو قول ضعيف ؛ لن هذه المة هي خير المم بنص القرآن ‪ ،‬فيبعد أن‬
‫يكون المقربون في غيرها أكثر منها ‪ ،‬اللهم إل أن يقابل مجموع المم بهذه‬
‫المة‪ .‬والظاهر أن المقربين من هؤلء أكثر من سائر المم ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫فالقول الثاني في هذا المقام ‪ ،‬هو الراجح ‪ ،‬وهو أن يكون المراد بقوله ‪:‬‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن { أي ‪ :‬من صدر هذه المة ‪ } ،‬وَقَِلي ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫ن الوِّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫} ث ُل ّ ٌ‬
‫من هذه المة‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا‬
‫عبد الله بن بكر )‪ (4‬المزني ‪ ،‬سمعت الحسن ‪ :‬أتى على هذه الية ‪:‬‬
‫ن { فقال ‪ :‬أما السابقون ‪ ،‬فقد‬ ‫قّرُبو َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬‫ن‪ُ .‬أول َئ ِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫} َوال ّ‬
‫مضوا ‪ ،‬ولكن اللهم اجعلنا من أهل اليمين‪.‬‬
‫سّريّ بن يحيى قال ‪ :‬قرأ‬ ‫ثم قال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الوليد ‪ ،‬حدثنا ال ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫ة ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م‪ .‬ثل ٌ‬ ‫ت الن ِّعي ِ‬
‫جّنا ِ‬
‫ن‪ِ .‬في َ‬
‫قّرُبو َ‬
‫م َ‬ ‫ن‪ُ .‬أول َئ ِ َ‬
‫ك ال ْ ُ‬ ‫قو َ‬
‫ساب ِ ُ‬
‫ن ال ّ‬
‫قو َ‬‫ساب ِ ُ‬
‫الحسن ‪َ } :‬وال ّ‬
‫ن { ثلة ممن مضى من هذه المة‪.‬‬ ‫الوِّلي َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(2/391‬‬
‫)‪ (2‬تاريخ دمشق لبن عساكر )‪/11‬ق ‪" (279‬مصورة معهد المخطوطات"‪.‬‬
‫)‪ (3‬منها حديث عمران بن حصين ‪ ،‬أخرجه الترمذي في السنن برقم )‬
‫‪ (3168‬وحديث عبد الله بن مسعود ‪ ،‬أخرجه أحمد في المسند )‪.(1/420‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬بكير" وفي م ‪" :‬أبي بكر"‪.‬‬

‫) ‪(7/518‬‬

‫قري ‪ ،‬حدثنا أبو هلل ‪ ،‬عن‬ ‫من ْ َ‬


‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن المغيرة ال َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬وَقِلي ٌ‬
‫ن الوِّلي َ‬
‫م َ‬
‫ة ِ‬ ‫ّ‬
‫محمد بن سيرين ‪ ،‬أنه قال في هذه الية ‪ } :‬ث ُل ٌ‬
‫ن { قال ‪ :‬كانوا يقولون ‪ ،‬أو يرجون ‪ ،‬أن يكونوا كلهم من هذه المة‪.‬‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫ال ِ‬
‫فهذا قول الحسن وابن سيرين أن الجميع من هذه المة‪ .‬ول شك أن أول كل‬
‫أمة خير من آخرها ‪ ،‬فيحتمل أن يعم المر )‪ (1‬جميع المم كل أمة بحسبها ؛‬
‫ولهذا ثبت في الصحاح وغيرها ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬خير القرون قرني ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم" )‪(2‬‬
‫الحديث بتمامه‪.‬‬
‫فأما الحديث الذي رواه المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا زياد أبو عمر‬
‫‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن عمار بن ياسر ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬مثل أمتي مثل المطر ‪ ،‬ل يدرى أوله خير أم آخره" )‪ ، (3‬فهذا‬
‫الحديث ‪ ،‬بعد الحكم بصحة إسناده ‪ ،‬محمول على أن الدين كما هو محتاج‬
‫إلى أول المة في إبلغه إلى من بعدهم ‪ ،‬كذلك هو محتاج إلى القائمين به‬
‫في أواخرها ‪ ،‬وتثبيت الناس على السنة وروايتها وإظهارها ‪ ،‬والفضل‬
‫للمتقدم‪ .‬وكذلك الزرع الذي يحتاج )‪ (4‬إلى المطر الول وإلى المطر الثاني ‪،‬‬
‫ولكن العمدة الكبرى على الول ‪ ،‬واحتياج الزرع إليه آكد ‪ ،‬فإنه لوله ما نبت‬
‫في الرض ‪ ،‬ول تعلق أساسه فيها ؛ ولهذا قال ‪ ،‬عليه السلم ‪" :‬ل تزال‬
‫طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ‪ ،‬ل يضرهم من خذلهم ‪ ،‬ول من‬
‫خالفهم ‪ ،‬إلى قيام الساعة"‪ .‬وفي لفظ ‪" :‬حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"‪.‬‬
‫والغرض أن هذه المة أشرف من سائر المم ‪ ،‬والمقربون فيها أكثر من‬
‫غيرها وأعلى منزلة ؛ لشرف دينها وعظم نبيها‪ .‬ولهذا ثبت بالتواتر عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن في هذه المة سبعين ألفا يدخلون‬
‫الجنة بغير حساب‪ .‬وفي لفظ ‪" :‬مع كل ألف سبعون ألفا"‪ .‬وفي آخر )‪ (5‬مع‬
‫كل واحد سبعون ألفا"‪.‬‬
‫وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا هشام )‪ (6‬بن مرثد )‪(7‬‬
‫الطبراني ‪ ،‬حدثنا محمد ‪ -‬هو ابن إسماعيل بن عياش ‪ -‬حدثني أبي ‪ ،‬حدثني‬
‫عة ‪ -‬عن شريح ‪ -‬هو ابن عبيد ‪ -‬عن أبي مالك ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ضم ‪ -‬يعني ابن ُزْر َ‬‫م َ‬ ‫ض ْ‬
‫َ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أما والذي نفسي بيده ‪ ،‬ليبعثن‬
‫منكم يوم القيامة مثل الليل السود زمرة جميعها يحيطون الرض ‪ ،‬تقول‬
‫الملئكة لما جاء مع محمد صلى الله عليه وسلم أكثر مما جاء مع النبياء ‪،‬‬
‫عليهم السلم" )‪.(8‬‬
‫ن{[‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫ن ال ِ‬
‫م َ‬ ‫ن‪ .‬وَقَِلي ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫ن الوِّلي َ‬
‫م َ‬ ‫وحسن أن يذكر هاهنا ]عند قوله ‪ } :‬ث ُل ّ ٌ‬
‫ة ِ‬
‫)‪ (9‬الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في "دلئل النبوة" حيث‬
‫قال ‪ :‬أخبرنا أبو نصر بن قتادة ‪ ،‬أخبرنا أبو عمرو بن مطر ‪ ،‬حدثنا جعفر ‪-‬‬
‫]هو[ )‪ (10‬بن محمد بن المستفاض الفريابي ‪ -‬حدثني أبو وهب الوليد بن‬
‫عبد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬المة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (3651‬من حديث عبد الله بن مسعود‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(4/319‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬هو محتاج"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬آخره"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬هاشم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في هـ وبقية النسخ ‪" :‬يزيد" والتصويب من المعجم الكبير‪.‬‬
‫)‪ (8‬المعجم الكبير )‪ (3/297‬وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وهو‬
‫ضعيف لم يسمع من أبيه‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(7/519‬‬

‫سّرح الحّراني ‪ ،‬حدثنا سليمان بن عطاء‬‫م َ‬ ‫الملك بن عبيد الله )‪ (1‬بن ُ‬


‫القرشي الحراني ‪ ،‬عن مسلمة )‪ (2‬بن عبد الله الجهني ‪ ،‬عن عمه أبي‬
‫مل الجهني ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كان رسول‬ ‫جعة بن رِب ِْعي ‪ ،‬عن ابن َز ْ‬ ‫م ْ‬
‫ش َ‬ ‫َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح قال ‪ ،‬وهو ثان رجله ‪" :‬سبحان‬
‫الله وبحمده‪ .‬أستغفر الله ‪ ،‬إن الله كان توابا" سبعين مرة ‪ ،‬ثم يقول ‪:‬‬
‫"سبعين بسبعمائة ‪ ،‬ل خير لمن كانت ذنوبه في يوم واحد أكثر من سبعمائة"‪.‬‬
‫ثم يقول ذلك مرتين ‪ ،‬ثم يستقبل الناس بوجهه ‪ ،‬وكان يعجبه الرؤيا ‪ ،‬ثم‬
‫يقول ‪" :‬هل رأى أحد منكم شيئا ؟" قال ابن زمل ‪ :‬فقلت ‪ :‬أنا يا رسول الله‪.‬‬
‫فقال ‪" :‬خير تلقاه ‪ ،‬وشر توقاه ‪ ،‬وخير لنا ‪ ،‬وشر على أعدائنا ‪ ،‬والحمد لله‬
‫رب العالمين‪ .‬اقصص رؤياك"‪ .‬فقلت ‪ :‬رأيت جميع الناس على طريق رحب‬
‫سهل ل حب ‪ ،‬والناس على الجادة منطلقين ‪ ،‬فبينما هم كذلك ‪ ،‬إذ أشفى‬
‫ذلك الطريق على مرج لم تر عيني مثله ‪ ،‬يرف رفيفا يقطر ماؤه ‪ ،‬فيه من‬
‫أنواع الكل قال ‪ :‬وكأني بالرعلة )‪ (3‬الولى حين أشفوا على المرج كّبروا ‪ ،‬ثم‬
‫أكبوا رواحلهم في الطريق ‪ ،‬فلم يظلموه يمينا ول شمال‪ .‬قال ‪ :‬فكأني أنظر‬
‫إليهم منطلقين‪ .‬ثم جاءت الرعلة الثانية وهم أكثر منهم أضعافا ‪ ،‬فلما أشفوا‬
‫على المرج كّبروا ‪ ،‬ثم أكبوا رواحلهم في الطريق ‪ ،‬فمنهم المرتع ‪ ،‬ومنهم‬
‫الخذ الضغث‪ .‬ومضوا على ذلك‪ .‬قال ‪ :‬ثم قدم عظم الناس ‪ ،‬فلما أشفوا‬
‫على المرج كبروا وقالوا ‪) :‬هذا خير المنزل(‪ .‬كأني أنظر إليهم يميلون يمينا‬
‫وشمال فلما رأيت ذلك ‪ ،‬لزمت الطريق حتى آتي أقصى المرج ‪ ،‬فإذا أنا بك‬
‫يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات وأنت في أعلها درجة ‪ ،‬وإذا عن‬
‫يمينك رجل آدم شثل أقنى ‪ ،‬إذا هو تكلم يسمو فيفرع الرجال طول وإذا عن‬
‫يسارك رجل ربعة باذ )‪ (4‬كثير خيلن الوجه ‪ ،‬كأنما حمم شعره بالماء ‪ ،‬إذا‬
‫هو تكلم أصغيتم إكراما له‪ .‬وإذا أمام ذلك رجل شيخ أشبه الناس بك خلقا‬
‫ووجها ‪ ،‬كلكم تؤمونه تريدونه ‪ ،‬وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف ‪ ،‬وإذا أنت‬
‫يا رسول الله كأنك تبعثها‪ .‬قال ‪ :‬فامتقع لون رسول الله صلى الله عليه‬
‫ما ما‬ ‫ّ‬ ‫"أ‬ ‫وسلم ساعة ثم سري عنه ‪ ،‬وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫رأيت من الطريق السهل الرحب الل حب ‪ ،‬فذاك ما حملتم )‪ (5‬عليه من‬
‫الهدى وأنتم عليه‪ .‬وأما المرج الذي رأيت ‪ ،‬فالدنيا )‪ (6‬مضيت أنا وأصحابي‬
‫لم نتعلق منها بشيء ‪ ،‬ولم تتعلق منا ‪ ،‬ولم نردها ولم تردنا‪ .‬ثم جاءت )‪(7‬‬
‫الرعلة الثانية من بعدنا وهم أكثر منا أضعافا ‪ ،‬فمنهم المرتع ‪ ،‬ومنهم الخذ‬
‫الضغث ‪ ،‬ونجوا )‪ (8‬على ذلك‪ .‬ثم جاء عظم الناس ‪ ،‬فمالوا في المرج يمينا‬
‫وشمال فإنا لله وإنا إليه راجعون‪ .‬وأما أنت ‪ ،‬فمضيت على طريقة صالحة ‪،‬‬
‫فلن تزال عليها حتى تلقاني‪ .‬وأما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات وأنا في‬
‫أعلها درجة ‪ ،‬فالدنيا سبعة آلف سنة ‪ ،‬أنا في آخرها ألفا‪ .‬وأما الرجل الذي‬
‫رأيت على يميني الدم الشثل ‪ ،‬فذلك موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إذا تكلم ‪ ،‬يعلو‬
‫الرجال بفضل كلم الله إياه‪ .‬والذي رأيت عن يساري الباز الربعة الكثير‬
‫خيلن الوجه ‪ ،‬كأنما حمم شعره بالماء ‪ ،‬فذلك عيسى ابن مريم ‪ ،‬نكرمه‬
‫لكرام الله إياه‪ .‬وأما الشيخ الذي رأيت أشبه الناس بي خلقا ووجها فذاك‬
‫أبونا إبراهيم ‪ ،‬كلنا نؤمه ونقتدي به‪ .‬وأما الناقة التي رأيت ورأيتني أبعثها ‪،‬‬
‫فهي الساعة ‪ ،‬علينا تقوم ‪ ،‬ل نبي بعدي ‪ ،‬ول أمة بعد أمتي"‪ .‬قال ‪ :‬فما سأل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رؤيا بعد هذا إل أن يجيء الرجل ‪،‬‬
‫فيحدثه بها متبرعا )‪.(9‬‬
‫ضون َةٍ { قال ابن عباس ‪ :‬أي مرمولة بالذهب ‪،‬‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫سُررٍ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬عََلى ُ‬
‫جب َْير ‪ ،‬وزيد بن‬ ‫مة ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬ ‫عك ْرِ َ‬ ‫يعني ‪ :‬منسوجة به‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫أسلم ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫سد ّيّ ‪ :‬مرمولة بالذهب واللؤلؤ‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬مشبكة بالدر‬ ‫وقال ال ّ‬
‫والياقوت‪ .‬وقال ابن جرير ‪ :‬ومنه سمي وضين الناقة الذي تحت بطنها ‪ ،‬وهو‬
‫فعيل بمعنى مفعول ؛ لنه مضفور ‪ ،‬وكذلك السرر في الجنة مضفورة‬
‫بالذهب والللئ‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬وجوه بعضهم إلى بعض ‪ ،‬ليس أحد‬ ‫قاب ِِلي َ‬
‫مت َ َ‬‫ن عَلي َْها ُ‬‫َ‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬
‫وقال ‪ُ } :‬‬
‫ن { أي ‪ :‬مخلدون على صفة‬ ‫دو َ‬ ‫ّ‬
‫خل ُ‬ ‫م َ‬‫ن ُ‬‫دا ٌ‬ ‫ْ‬
‫م ول َ‬ ‫َ‬
‫ف عَلي ْه ْ‬ ‫ُ‬
‫وراء أحد‪ } .‬ي َطو ُ‬
‫س‬ ‫واحدة ‪ ،‬ل يكبرون عنها ِول ِيشيبون ول يتغيرون ‪ } ،‬بأ َك ْواب وأ َباريق وك َأ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ َ ٍ َ َ ِ َ َ‬
‫ن { ‪ ،‬أما الكواب فهي ‪ :‬الكيزان التي ل خراطيم لها ول آذان‪.‬‬ ‫مِعي ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫والباريق ‪ :‬التي جمعت الوصفين‪ .‬والكؤوس ‪ :‬الهنابات ‪ ،‬والجميع من خمر‬
‫مِعين ‪ ،‬ليس من أوعية تنقطع وتفرغ ‪ ،‬بل من عيون سارحة‪.‬‬ ‫من عين جارية َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل تصدع رؤوسهم ول تنزف‬ ‫ن عَن َْها َول ُينزُفو َ‬ ‫عو َ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ي ُ َ‬
‫عقولهم ‪ ،‬بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة‪.‬‬
‫وروى الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬في الخمر أربع خصال ‪ :‬السكر ‪،‬‬
‫والصداع ‪ ،‬والقيء ‪ ،‬والبول‪ .‬فذكر الله خمر الجنة ونزهها عن هذه الخصال‪.‬‬
‫سد ّيّ ‪ } :‬ل‬ ‫جب َْير ‪ ،‬وعطية ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وال ّ‬ ‫مة ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬ ‫عك ْرِ َ‬ ‫وقال مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫ن عَن َْها { يقول ‪ :‬ليس لهم فيها صداع رأس‪.‬‬ ‫عو َ‬‫صد ّ ُ‬‫يُ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل تذهب بعقولهم‪.‬‬ ‫وقالوا في قوله ‪َ } :‬ول ُينزُفو َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ويطوفون‬ ‫شت َُهو َ‬‫ما ي َ ْ‬
‫م ّ‬ ‫َ‬
‫حم ِ طي ْرٍ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬وَل ْ‬‫خي ُّرو َ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وََفاك ِهَةٍ ِ‬
‫عليهم بما يتخيرون من الثمار‪.‬‬
‫وهذه الية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخير لها ‪ ،‬ويدل على‬
‫كراش بن ذؤيب" الذي رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪،‬‬ ‫ع ْ‬ ‫ذلك حديث " ِ‬
‫سي ‪ ،‬حدثنا العلء بن‬ ‫رحمه الله ‪ ،‬في مسنده ‪ :‬حدثنا العباس بن الوليد الن ّْر ِ‬
‫عكراش ‪ ،‬عن أبيه‬ ‫ْ‬ ‫الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية ‪ ،‬حدثنا عبيد الله بن ِ‬
‫كراش بن ذؤيب ‪ ،‬قال ‪ :‬بعثني بنو مرة في صدقات أموالهم إلى رسول‬ ‫ع ْ‬
‫ِ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقدمت المدينة فإذا هو جالس بين المهاجرين‬
‫والنصار ‪ ،‬وقدمت عليه بإبل كأنها عروق الرطى ‪ ،‬قال ‪" :‬من الرجل ؟"‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬مسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬وكانوا بالرعلة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬بار"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬حملتكم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فالدنيا ونضارة عيشها"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬ثم كانت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬ثم نجوا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬دلئل النبوة )‪ (7/36‬وفي إسناده سليمان بن عطاء بن قيس ‪ ،‬قال ابن‬
‫حبان في المجروحين )‪" : (1/329‬شيخ يروي عن مسلمة ابن عبد الله‬
‫الجهني عن عمه أبي مشجعة بن ربعي بأشياء موضوعة ل تشبه حديث‬
‫الثقات فلست أدري التخليط فيها منه أو من مسلمة بن عبد الله"‪.‬‬

‫) ‪(7/520‬‬

‫كراش بن ذؤيب‪ .‬قال ‪" :‬ارفع في النسب" ‪ ،‬فانتسبت له إلى "مرة‬ ‫ع ْ‬ ‫قلت ‪ِ :‬‬
‫بن عبيد" ‪ ،‬وهذه صدقة "مرة بن عبيد"‪ .‬فتبسم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬قال ‪ :‬هذه إبل قومي ‪ ،‬هذه صدقات قومي‪ .‬ثم أمر بها أن توسم‬
‫بميسم إبل الصدقة وتضم إليها‪ .‬ثم أخذ بيدي فانطلقنا إلى منزل أم سلمة ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬هل من طعام ؟" فأتينا بحفنة كثيرة الثريد والوذر ‪ ،‬فجعل يأكل‬
‫منها ‪ ،‬فأقبلت أخبط بيدي في جوانبها ‪ ،‬فقبض رسول الله صلى الله عليه‬
‫كراش ‪ ،‬كل من موضع‬ ‫ع ْ‬
‫وسلم بيده اليسرى على يدي اليمنى ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا ِ‬
‫واحد ‪ ،‬فإنه طعام واحد"‪ .‬ثم أتينا بطبق فيه تمر ‪ ،‬أو رطب ‪ -‬شك عبيد الله‬
‫رطبا كان أو تمرا ‪ -‬فجعلت آكل من بين يدي ‪ ،‬وجالت يد رسول الله صلى‬
‫كراش ‪ ،‬كل من حيث شئت فإنه‬ ‫ع ْ‬
‫الله عليه وسلم في الطبق ‪ ،‬وقال ‪" :‬يا ِ‬
‫غير لون واحد"‪ .‬ثم أتينا بماء ‪ ،‬فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده‬
‫كراش ‪ ،‬هذا‬‫ع ْ‬
‫ل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه ثلثا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬يا ِ‬ ‫ومسح ب ِب َل َ ِ‬
‫الوضوء مما غيرت النار"‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي مطول وابن ماجه جميًعا ‪ ،‬عن محمد بن بشار ‪ ،‬عن أبي‬
‫الهزيل العلء بن الفضل ‪ ،‬به )‪ .(1‬وقال الترمذي ‪ :‬غريب ل نعرفه إل من‬
‫حديثه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا بهز بن أسد وعفان ‪ -‬وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا‬
‫شيبان ‪ -‬قالوا ‪ :‬حدثنا سليمان بن المغيرة ‪ ،‬حدثنا ثابت ‪ ،‬قال ‪ :‬قال أنس ‪:‬‬
‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا ‪ ،‬فربما رأى الرجل الرؤيا‬
‫فسأل عنه إذا لم يكن يعرفه ‪ ،‬فإذا أثني عليه معروف ‪ ،‬كان أعجب لرؤياه‬
‫إليه‪ .‬فأتته امرأة فقالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬رأيت كأني أتيت فأخرجت من‬
‫المدينة ‪ ،‬فأدخلت الجنة فسمعت َوجَبة انتحبت لها الجنة ‪ ،‬فنظرت فإذا فلن‬
‫ت اثني عشر رجل كان النبي صلى الله‬ ‫م ْ‬
‫س ّ‬
‫ابن فلن ‪ ،‬وفلن ابن فلن ‪ ،‬ف َ‬
‫عليه وسلم قد بعث سرية قبل ذلك ‪ ،‬فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب‬
‫أوداجهم ‪ ،‬فقيل ‪ :‬اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ ‪ -‬أو ‪ :‬البيذخ ‪ -‬قال ‪ :‬فغمسوا فيه‬
‫‪ ،‬فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر ‪ ،‬فأتوا بصحفة من ذهب فيها ُبسر ‪،‬‬
‫فأكلوا من ُبسره ما شاؤوا ‪ ،‬فما يقلبونها من وجه إل أكلوا من الفاكهة ما‬
‫أرادوا ‪ ،‬وأكلت معهم‪ .‬فجاء البشير من تلك السرية ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان )‪ (2‬من‬
‫أمرنا )‪ (3‬كذا وكذا ‪ ،‬وأصيب )‪ (4‬فلن وفلن‪ .‬حتى عد اثني عشر رجل فدعا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة فقال ‪" :‬قصي رؤياك" فقصتها ‪،‬‬
‫وجعلت تقول ‪ :‬فجيء بفلن وفلن كما قال‪.‬‬
‫هذا لفظ أبي يعلى ‪ ،‬قال الحافظ الضياء ‪ :‬وهذا على شرط مسلم )‪.(5‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا معاذ بن المثنى ‪ ،‬حدثنا علي بن‬
‫المديني ‪ ،‬حدثنا ريحان بن سعيد ‪ ،‬عن عباد بن منصور ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن أبي‬
‫ِقلبة ‪ ،‬عن أبي أسماء ‪ ،‬عن ثوبان ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي برقم )‪ (1848‬وسنن ابن ماجة برقم )‪ (3274‬وعبيد الله‬
‫بن عكراش تكلم فيه ‪ ،‬وتكلم في حديثه هذا‪.‬‬
‫قال البخاري ‪" :‬ل يثبت حديثه" ونقل العقيلي عنه أنه قال ‪" :‬في إسناده‬
‫نظر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال ‪ :‬ما كان"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬رؤيا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فأصيب"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند للمام أحمد )‪ (3/135‬ومسند أبي يعلى برقم )‪(6/44) (3289‬‬
‫وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/175‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬

‫) ‪(7/522‬‬

‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الرجل إذا نزع ثمرة في الجنة ‪،‬‬
‫عادت مكانها أخرى" )‪.(1‬‬
‫ن { ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫شت َُهو َ‬ ‫م ّ‬‫حم ِ ط َي ْرٍ ِ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫حدثنا سيار بن حاتم ‪ ،‬حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ‪ ،‬حدثنا ثابت ‪ ،‬عن‬
‫أنس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن طير الجنة كأمثال‬
‫البخت ‪ ،‬يرعى )‪ (2‬في شجر الجنة"‪ .‬فقال أبو بكر ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن هذه‬
‫لطير ناعمة فقال ‪" :‬أكلتها )‪ (3‬أنعم منها ‪ -‬قالها ثلثا ‪ -‬وإني لرجو أن تكون‬
‫ممن يأكل منها"‪ .‬تفرد به أحمد من هذا الوجه )‪.(4‬‬
‫وروى الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه "صفة الجنة" من حديث‬
‫خُيوطي ‪ ،‬عن عبد الجبار بن‬‫ي ‪ ،‬عن أحمد بن علي ال ُ‬ ‫خط َب ِ ّ‬‫إسماعيل بن علي ال ُ‬
‫عة ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫عاصم ‪ ،‬عن عبد الله بن زياد ‪ ،‬عن ُزْر َ‬
‫ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم طوبى ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬يا أبا بكر ‪ ،‬هل بلغك ما طوبى ؟" قال ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪.‬‬
‫قال ‪" :‬طوبى شجرة في الجنة ‪ ،‬ما يعلم طولها إل الله ‪ ،‬يسير الراكب تحت‬
‫غصن من أغصانها سبعين خريفا ‪ ،‬ورقها الحلل ‪ ،‬يقع عليها الطير كأمثال‬
‫البخت"‪ .‬فقال أبو بكر ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن هناك لطيرا ناعما ؟ قال ‪" :‬أنعم‬
‫منه من يأكله ‪ ،‬وأنت منهم إن شاء الله" )‪.(5‬‬
‫ن { ‪ :‬ذكر لنا أن أبا بكر قال ‪:‬‬ ‫شت َُهو َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫حم ِ ط َي ْرٍ ِ‬
‫م ّ‬ ‫وقال قتادة في قوله ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫يا رسول الله ‪ ،‬إني أرى طيرها ناعمة كما أهلها ناعمون‪ .‬قال ‪" :‬من يأكلها ‪-‬‬
‫والله يا أبا بكر )‪ - (6‬أنعم منها ‪ ،‬وإنها لمثال البخت ‪ ،‬وإني لحتسب على‬
‫الله أن تأكل منها )‪ (7‬يا أبا بكر" )‪.(8‬‬
‫ن بن عيسى‬ ‫معْ ُ‬‫وقال أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثني مجاهد بن موسى ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫‪ ،‬حدثني ابن أخي ابن شهاب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أنس بن مالك ؛ أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم سئل عن الكوثر فقال ‪" :‬نهر أعطانيه ربي ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫في الجنة ‪ ،‬أشد بياضا من اللبن ‪ ،‬وأحلى من العسل ‪ ،‬فيه طيور أعناقها يعني‬
‫كأعناق الجزر"‪ .‬فقال عمر ‪ :‬إنها لناعمة‪ .‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬آكلها أنعم منها"‪.‬‬
‫قعْن َِبي ‪ ،‬عن محمد بن عبد‬ ‫وكذا رواه الترمذي عن عبد )‪ (9‬بن حميد ‪ ،‬عن ال َ‬
‫الله بن مسلم بن شهاب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬وقال ‪ :‬حسن )‪.(10‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن محمد الط َّناِفسي ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫ي ‪ ،‬عن‬ ‫صافي ‪ ،‬عن عطية العَوْفِ ّ‬ ‫معاوية ‪ ،‬عن عبيد الله )‪ (11‬بن الوليد الوَ ّ‬
‫أبي سعيد الخدري ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المعجم الكبير )‪ (2/102‬وفي إسناده عباد متكلم فيه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬ترعى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أكلها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(3/221‬‬
‫)‪ (5‬ورواه ابن مردويه في تفسيره كما في الدر المنثور )‪.(4/649‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬يا أبا بكر والله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬أن آكل منها"‪.‬‬
‫)‪ (8‬وهذا مرسل وقد روى من طريق الحسن مرسل أيضا أخرجه ابن أبي‬
‫شيبة في المصنف )‪.(12/13‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬عبيد" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (10‬سنن الترمذي برقم )‪ (2542‬وقال فيه ‪" :‬حسن غريب"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬

‫) ‪(7/523‬‬

‫"إن في الجنة لطيرا فيه سبعون ألف ريشة ‪ ،‬فيقع على صحفة الرجل من‬
‫أهل الجنة فينتفض ‪ ،‬فيخرج من كل ريشة ‪ -‬يعني ‪ :‬لونا ‪ -‬أبيض من اللبن ‪،‬‬
‫وألين من الزبد ‪ ،‬وأعذب من الشهد ‪ ،‬ليس منها لون يشبه صاحبه )‪ (1‬ثم‬
‫يطير" )‪.(2‬‬
‫صافي وشيخه ضعيفان‪ .‬ثم قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬ ‫هذا حديث غريب جدا ‪ ،‬والوَ ّ‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن صالح ‪ -‬كاتب الليث ‪ -‬حدثني الليث ‪ ،‬حدثنا خالد‬
‫بن يزيد ‪ ،‬عن سعيد بن أبي هلل ‪ ،‬عن أبي حازم عن عطاء ‪ ،‬عن كعب ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬إن طائر الجنة أمثال البخت ‪ ،‬يأكل )‪ (3‬مما خلق من ثمرات الجنة ‪،‬‬
‫ويشرب )‪ (4‬من أنهار الجنة ‪ ،‬فيصطففن له ‪ ،‬فإذا اشتهى منها شيئا أتاه حتى‬
‫يقع بين يديه ‪ ،‬فيأكل من خارجه وداخله ثم يطير لم ينقص منه شيء‪ .‬صحيح‬
‫إلى كعب‪.‬‬
‫وقال الحسن بن عرفة ‪ :‬حدثنا خلف بن خليفة ‪ ،‬عن حميد العرج ‪ ،‬عن عبد‬
‫الله بن الحارث ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود ‪ ،‬قال ‪ :‬قال لي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك‬
‫مشويا" )‪.(5‬‬
‫ن { قرأ بعضهم بالرفع ‪،‬‬ ‫نو‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ؤ‬‫ُ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ثا‬ ‫م‬‫وقوله ‪ } :‬وحور عين‪ .‬ك َأ َ‬
‫ِ َ ُ ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُ ٌ ِ ٌ‬
‫وتقديره ‪ :‬ولهم فيها حور عين‪ .‬وقراءة الجر تحتمل معنيين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬أن‬
‫ن‪.‬‬
‫دو َ‬ ‫خل ّ ُ‬‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫دا ٌ‬‫م وِل ْ َ‬‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫طو ُ‬ ‫يكون العراب على التباع بما قبله ؛ لقوله ‪ } :‬ي َ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬ ‫ن‪ .‬وََفاك ِهَةٍ ِ‬ ‫ن عَن َْها َول ُينزُفو َ‬ ‫عو َ‬‫صد ّ ُ‬ ‫ن‪ .‬ل ي ُ َ‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ب وَأَباِريقَ وَك َأ ٍ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ب ِأك ْ َ‬
‫حوا‬‫س ُ‬‫م َ‬ ‫ل } َوا ْ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ن { ‪ ،‬كَ َ‬ ‫عي ٌ‬‫حوٌر ِ‬ ‫ن‪ .‬وَ ُ‬ ‫شت َُهو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫حم ِ ط َي ْرٍ ِ‬ ‫ن‪ .‬وَل َ ْ‬ ‫خي ُّرو َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫سن ْد ُ ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫م ث َِيا ُ‬ ‫عال ِي َهُ ْ‬
‫م { ]المائدة ‪ ، [6 :‬وكما قال ‪َ } :‬‬ ‫جل ك ُ ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ب ُِرُءو ِ‬
‫ست َب َْرقٌ { ]النسان ‪ .[21 :‬والحتمال الثاني ‪ :‬أن يكون مما يطوف به‬ ‫ضٌر وَإ ِ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ُ‬
‫الولدان المخلدون عليهم الحور العين ‪ ،‬ولكن يكون ذلك في القصور ‪ ،‬ل بين‬
‫بعضهم بعضا ‪ ،‬بل في الخيام يطوف عليهم الخدام بالحور العين ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬كأنهن اللؤلؤ الرطب في بياضه‬ ‫ِ‬ ‫مك ُْنو‬ ‫ل الل ّؤْل ُؤِ ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َأ ْ‬
‫مَثا‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫مك ُْنو ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ب َي ْ ٌ‬ ‫وصفائه ‪ ،‬كما تقدم في "سورة الصافات" } ك َأن ّهُ ّ‬
‫]الصافات ‪ [49 :‬وقد تقدم في سورة "الرحمن" وصفهن أيضا ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫ن { أي ‪ :‬هذا الذي اتحفناهم به مجازاة لهم على ما‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫} َ‬
‫أحسنوا من العمل‪.‬‬
‫ْ‬
‫ما { أي ‪ :‬ل‬ ‫سل ً‬ ‫ما َ‬ ‫سل ً‬ ‫ما‪ِ .‬إل ِقيل َ‬ ‫وا َول ت َأِثي ً‬ ‫ن ِفيَها ل َغْ ً‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫ما لغيا ‪ ،‬أي ‪ :‬غثا )‪ (6‬خاليا عن المعنى ‪ ،‬أو مشتمل‬ ‫يسمعون في الجنة كل ً‬
‫ة { ]الغاشية ‪:‬‬ ‫معُ ِفيَها لِغي َ ً‬ ‫س َ‬ ‫على معنى حقير أو ضعيف ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ل ت َ ْ‬
‫‪[11‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الخر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه هناد في الزهد برقم )‪ (119‬حدثنا أبو معاوية به‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬يأكلن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬يشربن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬جزء الحسن بن عرفة برقم )‪ (22‬وحميد العرج منكر الحديث‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬عبثا"‪.‬‬

‫) ‪(7/524‬‬

‫ضود ٍ )‪ (28‬وَط َل ٍْح‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫خ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سد ْرٍ َ‬ ‫ن )‪ِ (27‬في ِ‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ب )‪ (31‬وََفاك ِهَةٍ ك َِثيَرةٍ )‪َ (32‬ل‬ ‫كو ٍ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ماٍء َ‬ ‫دود ٍ )‪ (30‬وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ضود ٍ )‪ (29‬وَظ ِ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫َ‬
‫شاًء )‪(35‬‬ ‫ن إ ِن ْ َ‬ ‫ه‬‫نا‬ ‫ْ‬ ‫أ‬‫ش‬‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫(‬‫‪34‬‬ ‫)‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ش‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪33‬‬ ‫)‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫طو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫و‬‫من اْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ث‬ ‫(‬ ‫‪38‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ب‬ ‫حا‬ ‫َ‬ ‫ص‬ ‫كارا )‪ (36‬عُرًبا أ َت ْراًبا ٍ)‪ِ (37‬ل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫فَجعل ْناهُن أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫ري‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫من اْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫)‪ (39‬وَث ُل ّ‬
‫ِ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ْ‬
‫سل ً‬ ‫ما فيه قبح )‪ِ } ، (1‬إل ِقيل َ‬ ‫ما { أي ‪ :‬ول كل ً‬ ‫أي ‪ :‬كلمة لغية } َول ت َأِثي ً‬
‫م ِفيَها‬ ‫حي ّت ُهُ ْ‬ ‫ما { أي ‪ :‬إل التسليم منهم بعضهم على بعض ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ت َ ِ‬ ‫سل ً‬ ‫َ‬
‫ضا سالم من اللغو والثم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أي‬ ‫وكلمهم‬ ‫[‬ ‫‪23‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]إبراهيم‬ ‫{‬ ‫م‬
‫َ ٌ‬ ‫سل‬
‫ضود ٍ )‪ (28‬وَط َل ٍْح‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫(‬ ‫‪27‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ب‬ ‫حا‬ ‫ص‬ ‫} وأ َصحاب ال ْيمين ما أ َ‬
‫ُ‬ ‫ِ ْ ٍ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ ِ ِ َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬
‫ب )‪ (31‬وََفاك ِهَةٍ ك َِثيَرةٍ )‪ (32‬ل‬ ‫ٍ‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫َ ْ‬‫م‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ما‬‫َ َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪30‬‬ ‫)‬ ‫ٍ‬ ‫د‬ ‫دو‬ ‫َ ْ ُ‬‫م‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪29‬‬ ‫ضود ٍ )‬ ‫من ْ ُ‬ ‫َ‬
‫شاًء )‪(35‬‬ ‫ن إ ِن ْ َ‬ ‫ه‬‫نا‬ ‫ْ‬ ‫أ‬‫ش‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫(‬‫‪34‬‬ ‫)‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ش‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪33‬‬ ‫)‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ول‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫طو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ٍ َ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (38‬ث ُل ّ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َب ْ َ‬
‫ن‬
‫ن الوِّلي َ‬ ‫م َ‬
‫ة ِ‬ ‫مي ِ‬‫ب ال ْي َ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫كاًرا )‪ (36‬عُُرًبا أت َْراًبا )‪ (37‬ل ْ‬ ‫جعَل َْناهُ ّ‬ ‫فَ َ‬
‫ن )‪.{ (40‬‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫)‪ (39‬وَث ُل ّ ٌ‬
‫لما ذكر تعالى مآل السابقين ‪ -‬وهم المقربون ‪ -‬عطف عليهم بذكر أصحاب‬
‫مهَْران ‪ :‬أصحاب اليمين منزلة دون‬ ‫اليمين ‪ -‬وهم البرار ‪ -‬كما قال ميمون بن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أي شيء‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬
‫مي ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي ِ‬‫ب ال ْي َ ِ‬
‫حا ُ‬‫ص َ‬
‫المقربين ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫أصحاب اليمين ؟ وما حالهم ؟ وكيف مآلهم )‪ (2‬؟ ثم فسر ذلك فقال ‪ِ } :‬في‬
‫مة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وأبو الحوص ‪،‬‬ ‫عك ْرِ َ‬‫ضود ٍ {‪ .‬قال ابن عباس ‪ ،‬و ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سد ْرٍ َ‬ ‫ِ‬
‫سير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعبد الله بن‬ ‫سفر بن ن ُ َ‬ ‫هير ‪ ،‬وال ّ‬ ‫سامة بن ُز َ‬ ‫وق َ‬
‫حْرَزة ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هو الذي ل شوك فيه‪ .‬وعن ابن‬ ‫سد ّيّ ‪ ،‬وأبو َ‬ ‫كثير ‪ ،‬وال ّ‬
‫مة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وكذا قال قتادة‬ ‫عكرِ َ‬‫ْ‬ ‫موََقر بالثمر‪ .‬وهو رواية عن ِ‬ ‫عباس ‪ :‬هو ال ُ‬
‫موَقر الذي ل شوك فيه‪.‬‬ ‫دث أنه ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫أيضا ‪ :‬كنا ن ُ َ‬
‫والظاهر أن المراد هذا وهذا فإن سدر الدنيا كثير الشوك قليل الثمر ‪ ،‬وفي‬
‫الخرة على عكس من هذا ل شوك فيه ‪ ،‬وفيه الثمر الكثير الذي قد أثقل‬
‫جاد‪.‬‬ ‫أصله ‪ ،‬كما قال الحافظ أبو بكر بن سلمان الن ّ‬
‫حدثنا محمد )‪ (3‬بن محمد هو البغوي ‪ ،‬حدثني حمزة بن عباس )‪ ، (4‬حدثنا‬
‫عبد الله بن عثمان ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن المبارك ‪ ،‬أخبرنا صفوان بن عمرو ‪،‬‬
‫عن سليم بن عامر ‪ ،‬قال ‪ :‬كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ما‬
‫يقولون ‪ :‬إن الله لينفعنا بالعراب ومسائلهم ؛ قال ‪ :‬أقبل أعرابي يو ً‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ؟ فقال‬
‫سدر ‪ ،‬فإن له شو ً‬
‫كا‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬وما هي ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ال ّ‬
‫موذًيا ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أليس الله يقول ‪ِ } :‬في‬
‫ضد الله شوكه ‪ ،‬فجعل مكان كل شوكة ثمرة ‪ ،‬فإنها‬ ‫خ َ‬ ‫ضود ٍ { ‪َ ،‬‬ ‫خ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سد ْرٍ َ‬ ‫ِ‬
‫فّتق الثمرة ُ منها عن اثنين )‪ (5‬وسبعين لوًنا من طعام ‪ ،‬ما فيها‬ ‫لتنبت ثمًرا ت َ َ‬
‫لون يشبه الخر" )‪.(6‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أبو بكر بن أبي داود ‪ :‬حدثنا محمد بن المصفى ‪ ،‬حدثنا‬
‫محمد بن المبارك ‪ ،‬حدثنا يحيى بن حمزة ‪ ،‬حدثني ثور بن يزيد ‪ ،‬حدثني‬
‫حبيب بن عبيد ‪ ،‬عن عُْتبة بن عبد السلمي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬قبيحا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وكيف حالهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬وحدثنا عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬بن العباس"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬عن مائتي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/476‬من طريق الربيع ‪ ،‬عن بشر بن‬
‫بكر عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن أبي أمامة قال ‪ :‬كان‬
‫أصحاب رسول الله فذكر مثله ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬صحيح السناد ولم يخرجاه"‪.‬‬

‫) ‪(7/525‬‬

‫سا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فجاء أعرابي‬ ‫قال ‪ :‬كنت جال ً‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أسمعك تذكر في الجنة شجرة ل أعلم شجرة أكثر‬
‫شو ً‬
‫كا منها ؟ يعني ‪ :‬الطلح ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن‬
‫وة التيس الملبود ‪ ،‬فيها‬
‫ص َ‬
‫خ ْ‬
‫الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل ُ‬
‫سبعون لوًنا من الطعام ‪ ،‬ل يشبه لون آخر" )‪.(1‬‬
‫ضودٍ { ‪ :‬الطلح ‪ :‬شجر عظام يكون بأرض الحجاز ‪ ،‬من‬ ‫من ْ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَط َل ٍْح َ‬
‫ضاه ‪ ،‬واحدته طلحة ‪ ،‬وهو شجر كثير الشوك ‪ ،‬وأنشد ابن جرير‬ ‫شجر الع َ‬
‫لبعض الحداة )‪: (2‬‬
‫ح والجَبال‪...‬‬ ‫ن ال ّ‬
‫طل َ‬ ‫دا َتري َ‬
‫ها َدليلها وقال‪ ...‬غ ً‬ ‫بَ ّ‬
‫شَر َ‬
‫شا ؛ لنهم‬ ‫ضود ٍ { أي ‪ :‬متراكم الثمر ‪ ،‬يذكر بذلك قري ً‬ ‫من ْ ُ‬ ‫وقال مجاهد ‪َ } :‬‬
‫ج ‪ ،‬وظلله من طلح وسدر‪.‬‬ ‫كانوا يعجبون من وَ ّ‬
‫ضود ٍ { ‪ :‬مصفوف‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬يشبه طلح الدنيا ‪،‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫دي ‪َ } :‬‬ ‫س ّ‬‫وقال ال ّ‬
‫ولكن له ثمر أحلى من العسل‪.‬‬
‫قال الجوهري ‪ :‬والطلح لغة في الطلع‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد روى ابن أبي حاتم من حديث الحسن بن سعد ‪ ،‬عن شيخ من‬
‫ضود ٍ { قال ‪:‬‬ ‫همدان قال ‪ :‬سمعت علّيا يقول ‪ :‬هذا الحرف في } وَط َل ٍْح َ‬
‫من ْ ُ‬
‫طلع منضود ‪ ،‬فعلى هذا يكون هذا من صفة السدر ‪ ،‬فكأنه وصفه بأنه‬
‫مخضود وهو الذي ل شوك له ‪ ،‬وأن طلعه منضود ‪ ،‬وهو كثرة ثمره ‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن إدريس ‪،‬‬
‫ضودٍ { قال‬ ‫عن جعفر بن إياس ‪ ،‬عن أبي نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ } :‬وَط َل ٍْح َ‬
‫من ْ ُ‬
‫مة ‪،‬‬‫عك ْرِ َ‬
‫‪ :‬الموز‪ .‬قال ‪ :‬وروي عن ابن عباس ‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬و ِ‬
‫حْزَرة ‪ ،‬مثل ذلك ‪ ،‬وبه قال مجاهد وابن زيد‬ ‫وقسامة بن زهير ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبي َ‬
‫‪ -‬وزاد فقال ‪ :‬أهل اليمن يسمون الموز الطلح‪ .‬ولم يحك ابن جرير غير هذا‬
‫القول )‪.(3‬‬
‫دود ٍ { ‪ :‬قال البخاري ‪ :‬حدثنا علي بن عبد الله ‪ ،‬حدثنا‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬‫وقوله ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫سفيان ‪ ،‬عن أبي الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ -‬يبلغُ به النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة‬
‫دود ٍ {‪.‬‬‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫عام ل يقطعها ‪ ،‬اقرؤوا إن شئتم ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬
‫ورواه مسلم من حديث العرج ‪ ،‬به )‪.(4‬‬
‫سَريج ‪ ،‬حدثنا فليح ‪ ،‬عن هلل بن علي ‪ ،‬عن عبد‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫مرة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬ ‫الرحمن بن أبي عَ ْ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ‪ ،‬اقرؤوا‬
‫دودٍ {‪.‬‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫إن شئتم ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البعث لبن أبي داود برقم )‪ (69‬ورواه الطبراني في مسند الشاميين‬
‫برقم )‪ (492‬وعنه أبو نعيم في الحلية )‪ (6/103‬عن أبي زرعة عن أبي‬
‫مسهر عن يحيى بن حمزة به ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع )‪: (10/414‬‬
‫"رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(27/104‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(27/104‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (4881‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2826‬‬

‫) ‪(7/526‬‬

‫سَنان )‪ ، (1‬عن فَُليح به )‪ ، (2‬وكذا رواه‬


‫وكذا رواه البخاري ‪ ،‬عن محمد بن ِ‬
‫مام ‪ ،‬عن أبي هريرة )‪ .(3‬وكذا رواه حماد بن‬ ‫مر ‪ ،‬عن هَ ّ‬
‫معْ َ‬
‫عبد الرزاق ‪ ،‬عن َ‬
‫سلمة ‪ ،‬عن محمد بن زياد ‪ ،‬عن أبي هريرة )‪ ، (4‬والليث بن سعد ‪ ،‬عن‬
‫قب ُرِيّ ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة )‪ ، (5‬وعوف ‪ ،‬عن ابن سيرين ‪،‬‬ ‫م ْ‬
‫سعيد ال َ‬
‫عن أبي هَُريرة ]به[ )‪.(6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قال حدثنا شعبة ‪ ،‬سمعت‬
‫أبا الضحاك يحدث عن أبي هَُريرة ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال ‪" :‬إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين ‪ ،‬أو مائة سنة ‪،‬‬
‫هي شجرة الخلد" )‪.(7‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سنان ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬عن محمد‬
‫بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن رسول الله قال ‪" :‬في‬
‫الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها ‪ ،‬واقرؤوا إن‬
‫دود ٍ {‪.‬‬
‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫ل َ‬‫شئتم ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫إسناده جيد ‪ ،‬ولم يخرجوه )‪ .(8‬وهكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن أبي كَرْيب ‪ ،‬عن‬
‫عبدة وعبد الرحيم ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬به‪ .‬وقد رواه الترمذي ‪ ،‬من حديث‬
‫عبد الرحيم بن سليمان ‪ ،‬به )‪.(9‬‬
‫مهَْران ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن أبي‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا ِ‬
‫خالد ‪ ،‬عن زياد ‪ -‬مولى بني مخزوم ‪ -‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬إن في الجنة‬
‫لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ‪ ،‬اقرؤوا إن شئتم ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬
‫ل‬
‫دود ٍ {‪ .‬فبلغ ذلك كعًبا فقال ‪ :‬صدق ‪ ،‬والذي أنزل التوراة على موسى‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫ذعة ‪ ،‬ثم دار حول )‪(10‬‬ ‫ج َ‬
‫َ‬ ‫أو‬ ‫قة‬ ‫ّ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ركب‬ ‫رجل‬ ‫أن‬ ‫لو‬ ‫‪،‬‬ ‫محمد‬ ‫على‬ ‫والفرقان‬
‫ما ‪ ،‬إن الله غرسها بيده ونفخ فيها من‬ ‫تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هََر ً‬
‫روحه ‪ ،‬وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة ‪ ،‬وما في الجنة نهر إل وهو يخرج‬
‫من أصل تلك الشجرة )‪.(11‬‬
‫من َْهال الضرير ‪ ،‬حدثنا يزيد‬‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا محمد بن ِ‬
‫بن ُزَريع ‪ ،‬عن سعد بن أبي عروبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫دود ٍ { ‪ ،‬قال ‪" :‬في الجنة‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬‫ل َ‬‫الله عليه وسلم في قول الله عز وجل ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬
‫شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها"‪.‬‬
‫وكذا رواه البخاري ‪ ،‬عن روح بن عبد المؤمن ‪ ،‬عن يزيد بن ُزَريع )‪، (12‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في هـ ‪" :‬محمد بن شيبان" والمثبت من م ‪ ،‬أ ‪ ،‬وصحيح البخاري‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (2/482‬وصحيح البخاري برقم )‪.(3252‬‬
‫)‪ (3‬المصنف لعبد الرزاق برقم )‪.(20877‬‬
‫)‪ (4‬رواه أحمد في المسند )‪.(2/469‬‬
‫)‪ (5‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪.(2826‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(2/445‬‬
‫)‪ (8‬رواه ابن ماجة في السنن برقم )‪ (4335‬من طريق عبد الرحمن بن‬
‫عثمان عن محمد بن عمرو به مثله‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪ (27/105‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3292‬‬
‫)‪ (10‬في م ‪" :‬بأعلى" وفي أ ‪" :‬بأصل"‪.‬‬
‫)‪ (11‬تفسير الطبري )‪.(27/105‬‬
‫)‪ (12‬صحيح البخاري برقم )‪.(3251‬‬

‫) ‪(7/527‬‬
‫مر ‪،‬‬‫معْ َ‬ ‫الطيالسي ‪ ،‬عن عمران بن َداَور القطان ‪ ،‬عن قتادة به‪ .‬وكذا رواه َ‬
‫وأبو هلل ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬به‪ .‬وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد‬
‫وسهل بن سعد ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن في الجنة‬
‫مر السريع مائة عام ما يقطعها" )‪.(1‬‬ ‫ض ّ‬‫م َ‬‫شجرة يسير الراكب الجواد ال ُ‬
‫فهذا حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬بل متواتر مقطوع‬
‫بصحته عند أئمة الحديث النقاد ‪ ،‬لتعدد طرقه ‪ ،‬وقوة أسانيده ‪ ،‬وثقة رجاله‪.‬‬
‫ب ‪ ،‬حدثنا أبو بكر ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقد قال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا أبو ك َُري ْ َ‬
‫صين قال ‪ :‬كنا على باب في موضع ‪ ،‬ومعنا أبو صالح وشقيق ‪ -‬يعني ‪:‬‬ ‫ح َ‬‫أبو ُ‬
‫الضبي ‪ -‬فحدث أبو صالح قال ‪ :‬حدثني أبو هَُري َْرة قال ‪ :‬إن في الجنة شجرةً‬
‫ذب أبا هريرة ؟‬ ‫ما‪ .‬قال أبو صالح ‪ :‬أتك َ ّ‬ ‫يسير الراكب في ظلها سبعين عا ً‬
‫ذبك أنت‪ .‬فشق ذلك على القراء يومئذ )‬ ‫ذب أبا هريرة ‪ ،‬ولكني أك ّ‬ ‫قال ‪ :‬ما أك ّ‬
‫‪.(2‬‬
‫قلت ‪ :‬فقد أبطل من يكذب بهذا الحديث ‪ ،‬مع ثبوته وصحته ورفعه إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فَرات‬ ‫وقال الترمذي ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا زياد بن الحسن بن ال ُ‬
‫قّزاز ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬ ‫ال َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما في الجنة شجرة إل ساقها من‬
‫ذهب"‪ .‬ثم قال ‪ :‬حسن غريب )‪.(3‬‬
‫قدي ‪،‬‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن أبي الربيع ‪ ،‬حدثنا أبو عامر العَ َ‬
‫مة ‪ ،‬عن ابن عباس قال‬ ‫عك ْرِ َ‬ ‫عن زمعة بن صالح ‪ ،‬عن سلمة بن وهرام ‪ ،‬عن ِ‬
‫‪ :‬الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق ظلها ‪ ،‬قدر ما يسير الراكب في‬
‫نواحيها مائة عام‪ .‬قال ‪ :‬فيخرج إليها أهل الجنة ؛ أهل الغرف وغيرهم ‪،‬‬
‫فيتحدثون في ظلها‪ .‬قال ‪ :‬فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا ‪ ،‬فيرسل الله‬
‫حا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا‪.‬‬ ‫ري ً‬
‫هذا أثر غريب وإسناده جيد َقويّ حسن‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا ابن )‪ (4‬يمان ‪ ،‬حدثنا‬
‫سفيان ‪ ،‬حدثنا أبو إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون في قوله ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬
‫ل‬
‫دار ‪ ،‬عن ابن‬ ‫دودٍ { قال ‪ :‬سبعون ألف سنة‪ .‬وكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن ب ُن ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫مهدي ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬مثله‪ .‬ثم قال ابن جرير ‪:‬‬
‫مهَْران ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن‬ ‫حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا ِ‬
‫دود ٍ { قال ‪ :‬خمسمائة ألف سنة‪.‬‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬ ‫ميمون ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬
‫ل َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الوليد الطيالسي ‪ ،‬حدثنا حصين بن‬
‫دودٍ { قال ‪ :‬في الجنة‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫نافع ‪ ،‬عن الحسن في قوله الله تعالى ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬
‫شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ل يقطعها‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (6553 ، 6552‬وصحيح مسلم برقم )‪، 2827‬‬
‫‪.(2828‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(27/106‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪.(2525‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬حدثنا أبو"‪.‬‬

‫) ‪(7/528‬‬
‫وقال عوف عن الحسن ‪ :‬بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها"‪ .‬رواه ابن‬
‫جرير )‪.(1‬‬
‫جر ل يحمل ‪ُ ،‬يستظ َ ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫الجنة‬ ‫في‬ ‫‪:‬‬ ‫عباس‬ ‫ابن‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫مة‬ ‫ر‬
‫ِ ِ َ‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ع‬ ‫عن‬ ‫شبيب‬ ‫وقال‬
‫به‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫دودٍ { ل ينقطع ‪،‬‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫حْرَزة َ في قوله ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬ ‫سد ّيّ ‪ ،‬وأبو َ‬ ‫وقال الضحاك ‪ ،‬وال ّ‬
‫ليس فيها شمس ول حر ‪ ،‬مثل قبل طلوع الفجر‪.‬‬
‫سج ‪ ،‬كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس‪.‬‬ ‫ج َ‬ ‫س ْ‬‫وقال ابن مسعود ‪ :‬الجنة َ‬
‫ظل ظِليل { ]النساء ‪ ، [57 :‬وقوله ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫خلهُ ْ‬ ‫وقد تقدمت اليات كقوله ‪ } :‬وَن ُد ْ ِ‬
‫ُ‬
‫ن{‬ ‫ل وَعُُيو ٍ‬ ‫ظل ٍ‬ ‫م وَظ ِل َّها { ]الرعد ‪ ، [35 :‬وقوله ‪ِ } :‬في ِ‬ ‫} أك ُل َُها َدائ ِ ٌ‬
‫]المرسلت ‪ [41 :‬إلى غير ذلك من اليات‪.‬‬
‫ب { قال الثوري ‪] :‬يعني[ )‪ (2‬يجري في غير أخدود‪.‬‬ ‫كو ٍ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ماٍء َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماٍء غي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقد تقدم الكلم عند )‪ (3‬تفسير قوله تعالى ‪ِ } :‬فيَها أن َْهاٌر ِ‬
‫ن { الية ]محمد ‪ ، [15 :‬بما أغنى عن إعادته هاهنا‪.‬‬ ‫س ٍ‬ ‫آ ِ‬
‫مُنوعَةٍ { أي ‪ :‬وعندهم من الفواكه‬ ‫م ْ‬
‫قطوعَةٍ َول َ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬‫ة‪ .‬ل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَفاك ِهَةٍ كِثيَر ٍ‬
‫الكثيرة المتنوعة في اللوان ما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على‬
‫ل‬‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ذي ُرزِقَْنا ِ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬ ‫مَرةٍ رِْزًقا َقاُلوا هَ َ‬‫ن ثَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫من َْها ِ‬‫ما ُرزُِقوا ِ‬ ‫قلب بشر ‪ } ،‬ك ُل ّ َ‬
‫ل ‪ ،‬ولكن الطعم‬ ‫ل الشك َ‬ ‫شاب ًِها { ]البقرة ‪ [25 :‬أي ‪ :‬يشبه الشك ُ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫وَأُتوا ب ِهِ ُ‬
‫غيُر الطعم‪ .‬وفي الصحيحين في ذكر سدرة المنتهى قال ‪" :‬فإذا ورقها كآذان‬
‫ل هجر" )‪.(4‬‬ ‫الفيلة ونبقها مثل قل َ‬
‫ضا من حديث مالك ‪ ،‬عن زيد ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن ابن عباس‬ ‫وفيهما أي ً‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم والناس‬ ‫فت الشمس ‪ ،‬فصلى رسو ُ‬ ‫س َ‬ ‫خ ِ‬ ‫قال ‪ُ :‬‬
‫معه ‪ ،‬فذكر الصلة‪ .‬وفيه ‪ :‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬رأيناك تناولت شيًئا في‬
‫مقامك هذا ‪ ،‬ثم رأيناك تكعكعت )‪ .(5‬قال ‪" :‬إني رأيت الجنة ‪ ،‬فتناولت منها‬
‫عنقوًدا ‪ ،‬ولو أخذته لكلتم منه ما بقيت الدنيا" )‪.(6‬‬
‫خي َْثمة ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن جعفر ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا أبو َ‬
‫عبيد الله ‪ ،‬حدثنا ابن )‪ (7‬عقيل ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬بينا نحن في صلة الظهر ‪،‬‬
‫إذ تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدمنا معه ‪ ،‬ثم تناول شيًئا‬
‫ي بن كعب ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬ ‫ليأخذه ثم تأخر ‪ ،‬فلما قضى الصلة قال له أب ّ‬
‫م‬
‫ت اليو َ‬ ‫صنع َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(27/105‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (3207‬وصحيح مسلم برقم )‪ (162‬من حديث‬
‫أنس رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬تكفكفت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (1052‬وصحيح مسلم برقم )‪.(907‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثنا أبو"‪.‬‬

‫) ‪(7/529‬‬
‫ي الجنة ‪ ،‬وما فيها‬ ‫ت عل َ ّ‬ ‫ض ْ‬‫في الصلة شيًئا ما كنت تصنعه ؟ قال ‪" :‬إنه عُرِ َ‬
‫ل بيني‬ ‫حي َ‬
‫فا من عنب لتيكم به ‪ ،‬ف ِ‬ ‫ضَرة ‪ ،‬فتناولت منها قِط ْ ً‬ ‫من الّزهَْرة والن ّ ْ‬
‫وبينه ‪ ،‬ولو أتيتكم به لكل منه من بين السماء والرض ل ينقصونه" )‪.(1‬‬
‫وروى مسلم ‪ ،‬من حديث أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬نحوه )‪.(2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن بحر ‪ ،‬حدثنا هشام بن يوسف ‪ ،‬أخبرنا‬
‫كالي ‪ :‬أنه سمع عتبة بن‬ ‫مر ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن عامر بن زيد الب َ َ‬ ‫معْ َ‬
‫َ‬
‫عبد السلمي يقول ‪ :‬جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فسأله عن الحوض وذكر الجنة ‪ ،‬ثم قال )‪ (3‬العرابي ‪ :‬فيها فاكهة ؟ قال ‪:‬‬
‫"نعم ‪ ،‬وفيها شجرة تدعى طوبى" فذكر شيًئا ل أدري ما هو ‪ ،‬قال ‪ :‬أي شجر‬
‫أرضنا تشبه ؟ قال ‪" :‬ليست تشبه شيئا من شجر أرضك"‪ .‬فقال النبي صلى‬
‫ت الشام ؟" قال ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪" :‬تشبه شجرة بالشام‬ ‫الله عليه وسلم ‪" :‬أتي َ‬
‫جوزة ‪ ،‬تنبت على ساق واحد ‪ ،‬وينفرش أعلها"‪ .‬قال ‪ :‬ما عظم‬ ‫تدعى ال َ‬
‫عة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى‬ ‫جذ َ‬‫أصلها ؟ قال ‪" :‬لو ارتحلت َ‬
‫ما"‪ .‬قال ‪ :‬فيها عنب ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬فما عظم‬ ‫تنكسر ترقوتها هر ً‬
‫َ‬
‫العنقود ؟ قال ‪" :‬مسيرة شهر للغراب البقع ‪ ،‬ول يفتر"‪ .‬قال ‪ :‬فما عظم‬
‫ما ؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫سا من غنمه قط عظي ً‬ ‫حّبة ؟ قال ‪" :‬هل ذبح أبوك تي ً‬ ‫ال َ‬
‫وا ؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال‬ ‫ً‬ ‫دل‬ ‫منه‬ ‫لنا‬ ‫اتخذي‬ ‫‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫‪،‬‬ ‫أمك‬ ‫فأعطاه‬ ‫إهابه‬ ‫"فسلخ‬
‫مة عشيرتك"‬ ‫ّ‬ ‫وعا‬ ‫"نعم‬ ‫‪:‬‬ ‫العرابي ‪ :‬فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي ؟ قال‬
‫)‪.(4‬‬
‫فا ‪ ،‬بل أكلها‬ ‫مُنوعَةٍ { أي ‪ :‬ل تنقطع شتاء ول صي ً‬ ‫م ْ‬‫طوعَةٍ َول َ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬ل َ‬
‫دا ‪ ،‬مهما طلبوا وجدوا ‪ ،‬ل يمتنع عليهم بقدرة الله شيء‪.‬‬ ‫دائم مستمر أب ً‬
‫د‪ .‬وقد تقدم في‬ ‫ك ول ُبع ٌ‬ ‫قال قتادة ‪ :‬ل يمنعهم من تناولها عود ٌ ول شو ٌ‬
‫الحديث ‪" :‬إذا تناول الرجل الثمرة عادت مكانها أخرى"‪.‬‬
‫مْرُفوعَةٍ { أي ‪ :‬عالية وطيئة ناعمة‪.‬‬ ‫ش َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَفُُر ٍ‬
‫دين بن‬ ‫ش ِ‬ ‫ُ‬
‫قال النسائي وأبو عيسى الترمذي ‪ :‬حدثنا أبو كَرْيب ‪ ،‬حدثنا رِ ْ‬
‫سعد ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن د َّراج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪،‬‬
‫مْرُفوعَةٍ { قال ‪:‬‬ ‫ش َ‬ ‫عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ‪ } :‬وَفُُر ٍ‬
‫"ارتفاعها كما بين السماء والرض ‪ ،‬ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام" )‪.(5‬‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن غريب ل نعرفه ‪ ،‬إل من حديث رشدين‬
‫بن سعد‪ .‬قال ‪ :‬وقال بعض أهل العلم ‪ :‬معنى هذا الحديث ‪ :‬ارتفاع الفرش‬
‫في الدرجات ‪ ،‬وبعد ما بين الدرجتين كما بين السماء والرض‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تقدم تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 35 :‬من سورة الرعد‪.‬‬
‫)‪ (2‬تقدم الحديث في الموضع السابق‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(4/184‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي برقم )‪ (2540‬ووقع فيه ‪" :‬هذا حديث غريب ل نعرفه"‬
‫ليس فيه ‪" :‬حسن" وكذا وقع في تحفة الشراف‪.‬‬

‫) ‪(7/530‬‬

‫هكذا قال ‪ :‬إنه ل يعرف هذا إل من رواية رشدين بن سعد ‪ ،‬وهو المصري ‪،‬‬
‫وهو ضعيف‪ .‬وهكذا رواه أبو جعفر بن جرير ‪ ،‬عن أبي ك َُرْيب ‪ ،‬عن رشدين )‬
‫‪ .(1‬ثم رواه هو وابن أبي حاتم ‪ ،‬كلهما عن يونس بن عبد العلى ‪ ،‬عن ابن‬
‫ضا عن‬ ‫وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ‪ ،‬فذكره‪ .‬وكذا رواه ابن أبي حاتم أي ً‬
‫ن َُعيم بن حماد ‪ ،‬عن ابن وهب‪ .‬وأخرجه الضياء في صفة الجنة من حديث‬
‫حرملة عن ابن وهب ‪ ،‬به مثله‪ .‬ورواه المام أحمد عن حسن بن موسى ‪،‬‬
‫عن ابن ل َِهيَعة ‪ ،‬حدثنا دراج ‪ ،‬فذكره )‪.(2‬‬
‫جوَْيبر ‪،‬‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن ُ‬
‫مْرُفوعَةٍ {‬ ‫ش َ‬ ‫عن أبي سهل ‪ -‬يعني ‪ :‬كثير بن زياد ‪ -‬عن الحسن ‪ } : :‬وَفُُر ٍ‬
‫قال ‪ :‬ارتفاع فراش الرجل من أهل الجنة مسيرة ثمانين سنة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ن أ َب ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إنا أ َن َ ْ‬
‫ب‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫كاًرا‪ .‬عُُرًبا أت َْراًبا‪ .‬ل ْ‬ ‫جعَل َْناهُ ّ‬‫شاًء‪ .‬فَ َ‬ ‫ن إ ِن ْ َ‬ ‫شأَناهُ ّ‬ ‫ِّ ْ‬
‫ن { جرى الضمير على غير مذكور‪ .‬لكن لما دل السياق ‪ ،‬وهو ذكر‬ ‫مي ِ‬ ‫ال ْي َ ِ‬
‫جعن فيها ‪ ،‬اكتفى بذلك عن ذكرهن ‪ ،‬وعاد‬ ‫الفرش على النساء اللتي يضا َ‬
‫جَياُد‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ت ال ِ‬ ‫صافَِنا ُ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ْ‬
‫ض عَلي ْهِ ِبالعَ ِ‬ ‫َ‬ ‫الضمير عليهن ‪ ،‬كما في قوله ‪ } :‬إ ِذ ْ عُرِ َ‬
‫ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب { ]ص ‪، 31 :‬‬ ‫جا ِ‬‫ح َ‬ ‫ت ِبال ِ‬ ‫واَر ْ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫ن ذِك ْرِ َرّبي َ‬ ‫خي ْرِ عَ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ت ُ‬ ‫حب َب ْ ُ‬‫ل إ ِّني أ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫‪ [32‬يعني ‪ :‬الشمس ‪ ،‬على المشهور من قول المفسرين‪.‬‬
‫شاًء { أضمرهن ولم يذكرهن قبل‬ ‫ن إ ِن ْ َ‬ ‫قال الخفش في قوله ‪ } :‬إنا أ َن َ ْ‬
‫ّ‬ ‫شأَناهُ‬ ‫ِّ ْ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مكُنو ِ‬ ‫ل اللؤلؤِ ال َ‬ ‫مثا ِ‬ ‫ن‪ .‬كأ ْ‬ ‫عي ٌ‬ ‫حوٌر ِ‬ ‫ذلك‪ .‬وقال أبو عبيدة ‪ :‬ذكرن في قوله ‪ } :‬وَ ُ‬
‫{ ]الواقعة ‪.[23 ، 22 :‬‬
‫فقوله ‪ } :‬إنا أ َن َ ْ‬
‫ن عجائز )‬ ‫ن { أي ‪ :‬أعدناهن في النشأة الخرة بعدما ك ُ ّ‬ ‫شأَناهُ ّ‬ ‫ِّ ْ‬
‫دن أبكاًرا عُُرًبا ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ثيوبة‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫بعد‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫‪،‬‬ ‫با‬
‫ً‬ ‫عر‬ ‫را‬ ‫ً‬ ‫أبكا‬ ‫صرن‬ ‫صا ‪،‬‬ ‫م ً‬‫‪ُ (3‬ر ْ‬
‫متحببات إلى أزواجهن بالحلوة والظرافة والملحة‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ } :‬عُُرًبا { أي ‪ :‬غَِنجات‪.‬‬
‫ذي ‪ ،‬عن يزيد الرقاشي ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪:‬‬ ‫قال موسى بن عَُبيدة الّرب َ ِ‬
‫شاًء { قال ‪" :‬نساء‬ ‫ن إ ِن ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬إ ِّنا أن ْ َ‬
‫شأَناهُ ّ‬
‫صا"‪ .‬رواه الترمذي ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وابن أبي‬ ‫م ً‬ ‫شا ُر ْ‬ ‫م ً‬ ‫ن في الدنيا عُ ْ‬ ‫عجائز ك ُ ّ‬
‫حاتم‪ .‬ثم قال الترمذي ‪ :‬غريب ‪ ،‬وموسى ويزيد ضعيفا )‪.(5) (4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عوف الحمصي ‪ ،‬حدثنا آدم ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن‬
‫مّرة ‪ ،‬عن سلمة بن يزيد‬ ‫أبي إياس ‪ -‬حدثنا شيبان ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن يزيد بن ُ‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله ‪ } :‬إ ِّنا‬ ‫ت رسو َ‬ ‫قال ‪ :‬سمع ُ‬
‫ن في الدنيا" )‪.(6‬‬ ‫ُ‬ ‫ن إ ِن ْ َ‬ ‫أ َن َ ْ‬
‫شاًء { يعني ‪" :‬الثيب والبكار اللتي ك ّ‬ ‫شأَناهُ ّ‬ ‫ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(27/106‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(3/75‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬ماكن عجاف"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ضعيفان"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي برقم )‪ (3296‬وتفسير الطبري )‪.(27/107‬‬
‫)‪ (6‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (7/40‬وأبو نعيم في صفة الجنة‬
‫برقم )‪ (389‬من طريق شيبان به ‪ ،‬وجابر بن يزيد ضعيف‪.‬‬

‫) ‪(7/531‬‬

‫ميد ‪ :‬حدثنا مصعب بن المقدام ‪ ،‬حدثنا المبارك بن فضالة ‪،‬‬ ‫ح َ‬


‫وقال عبد بن ُ‬
‫عن الحسن قال ‪ :‬أتت عجوز فقالت ‪ :‬يا رسول الله ادع الله أن يدخلني‬
‫الجنة‪ .‬فقال ‪" :‬يا أم فلن ‪ ،‬إن الجنة ل تدخلها عجوز"‪ .‬قال ‪ :‬فَوَّلت تبكي ‪،‬‬
‫قال ‪" :‬أخبروها أنها ل تدخلها وهي عجوز ‪ ،‬إن الله تعالى يقول ‪ } :‬إ ِّنا‬
‫ن أ َب ْ َ‬ ‫أ َن َ ْ‬
‫كاًرا {‬ ‫جعَل َْناهُ ّ‬‫شاًء‪ .‬فَ َ‬ ‫ن إ ِن ْ َ‬‫شأَناهُ ّ‬ ‫ْ‬
‫وهكذا رواه الترمذي في الشمائل عن عبد بن حميد )‪.(1‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا بكر بن سهل الدمياطي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن‬
‫هاشم البيروتي ‪ ،‬حدثنا سليمان بن أبي كريمة ‪ ،‬عن هشام بن حسان ‪ ،‬عن‬
‫الحسن ‪ ،‬عن أمه ‪ ،‬عن أم سلمة قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أخبرني عن‬
‫ن { ]الواقعة ‪ ، [22 :‬قال ‪" :‬حور ‪ :‬بيض ‪ ،‬عين ‪:‬‬ ‫عي ٌ‬ ‫حوٌر ِ‬ ‫قول الله ‪ } :‬وَ ُ‬
‫فر الحوراء بمنزلة جناح النسر"‪ .‬قلت ‪ :‬أخبرني عن قوله ‪:‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ضخام العيون ‪ُ ،‬‬
‫َ‬
‫ن { ]الواقعة ‪ (2) ، [23 :‬قال ‪" :‬صفاؤهن صفاُء الدر‬ ‫مك ُْنو ِ‬ ‫ل الل ّؤْل ُؤِ ال َ‬
‫ْ‬ ‫} ك َأ ْ‬
‫مَثا ِ‬
‫سه اليدي"‪ .‬قلت ‪ :‬أخبرني عن قوله ‪:‬‬ ‫م ّ‬ ‫الذي في الصداف ‪ ،‬الذي لم ت َ َ‬
‫حسان‬ ‫ت الخلق ‪ِ ،‬‬ ‫خّيرا ُ‬ ‫ن { ]الرحمن ‪ .[70 :‬قال ‪َ " :‬‬ ‫سا ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ِ‬ ‫خي َْرا ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫} ِفيهِ ّ‬
‫ن { ]الصافات ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مكُنو ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ب َي ْ ٌ‬
‫الوجوه"‪ .‬قلت ‪ :‬أخبرني عن قوله ‪ } :‬كأن ّهُ ّ‬
‫‪ ، [49‬قال ‪" :‬رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر‬
‫ئ"‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أخبرني عن قوله ‪ } :‬عُُرًبا أ َت َْراًبا {‪.‬‬ ‫‪ ،‬وهو ‪ :‬الغِْرق ُ‬
‫شمطا ‪ ،‬خلقهن الله بعد‬ ‫ً‬ ‫صا ُ‬ ‫م ً‬ ‫قال ‪" :‬هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز ُر ْ‬
‫الكبر ‪ ،‬فجعلهن عذارى عُُرًبا متعشقات محببات ‪ ،‬أتراًبا على ميلد واحد"‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬نساء الدنيا أفضل أم الحور العين ؟ قال ‪" :‬بل نساء‬
‫ظهارة على البطانة"‪ .‬قلت ‪ :‬يا‬ ‫الدنيا أفضل من الحور العين ‪ ،‬كفضل ال ّ‬
‫رسول الله ‪ ،‬وبم ذاك ؟ قال ‪" :‬بصلتهن وصيامهن وعبادتهن الله ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫ألبس الله وجوههن النور ‪ ،‬وأجسادهن الحرير ‪ ،‬بيض اللوان ‪ ،‬خضر الثياب ‪،‬‬
‫ن الد ّّر ‪ ،‬وأمشاطهن الذهب ‪ ،‬يقلن ‪ :‬نحن الخالدات فل‬ ‫مُرهُ ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫م َ‬‫صفر الحلي ‪َ ،‬‬
‫دا ‪،‬‬
‫دا ‪ ،‬ونحن المقيمات فل نظعن أب ً‬ ‫دا ‪ ،‬ونحن الناعمات فل نبأس أب ً‬ ‫نموت أب ً‬
‫ُ‬
‫دا ‪ ،‬طوبى لمن كّنا له وكان لنا"‪ .‬قلت ‪ :‬يا‬ ‫أل ونحن الراضيات فل نسخط أب ً‬
‫رسول الله ‪ ،‬المرأة منا تتزوج زوجين والثلثة والربعة ‪ ،‬ثم تموت فتدخل‬
‫خّير‬‫الجنة ويدخلون معها ‪ ،‬من يكون زوجها ؟ قال ‪" :‬يا أم سلمة ‪ ،‬إنها ت ُ َ‬
‫قا معي‬ ‫قا ‪ ،‬فتقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إن هذا كان أحسن خل ً‬ ‫فتختار أحسنهم خل ً‬
‫فزوجنيه ‪ ،‬يا أم سلمة )‪ (3‬ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والخرة" )‪.(4‬‬
‫وفي حديث الصور الطويل المشهور )‪ (5‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يشفع للمؤمنين كلهم في دخول الجنة فيقول الله ‪ :‬قد شفعتك وأذنت‬
‫لهم في دخولها‪ .‬فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬والذي‬
‫بعثني بالحق ‪ ،‬ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة‬
‫بأزواجهم ومساكنهم ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الشمائل المحمدية للترمذي برقم )‪.(230‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬كأنهن" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يا أم سليم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المعجم الكبير )‪ (23/368‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/119‬فيه‬
‫إسماعيل بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم وابن عدي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬حديث الصور مضى عند تفسير الية ‪ 73 :‬من سورة النعام‪.‬‬

‫) ‪(7/532‬‬
‫فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ‪ ،‬سبعين مما ينشئ الله ‪،‬‬
‫وثنتين من ولد )‪ (1‬آدم لهما فضل على من أنشأ الله ‪ ،‬بعبادتهما الله في‬
‫الدنيا ‪ ،‬يدخل على الولى منهما في غرفة من ياقوتة ‪ ،‬على سرير من ذهب‬
‫دس وإستبرق وإنه ليضع يده بين‬ ‫سن ْ ُ‬
‫جا من ُ‬‫مك َّلل باللؤلؤ ‪ ،‬عليه سبعون زو ً‬ ‫ُ‬
‫كتفيها ‪ ،‬ثم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ‪ ،‬وإنه‬
‫لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت ‪ ،‬كبده‬
‫لها مرآة ‪ -‬يعني ‪ :‬وكبدها له مرآة ‪ -‬فبينما هو عندها ل يملها ول تمله ‪ ،‬ول‬
‫يأتيها من مرة إل وجدها عذراء ‪ ،‬ما يفتر ذ َك َُره ‪ ،‬ول تشتكي قُُبلها إل أنه ل‬
‫منّية ‪ ،‬فبينما هو كذلك إذ نودي ‪ :‬إنا قد عرفنا أنك ل تمل ول تمل ‪،‬‬ ‫مني ول َ‬
‫جا غيرها ‪ ،‬فيخرج ‪ ،‬فيأتيهن واحدة واحدة )‪ ، (2‬كلما جاء واحدة‬ ‫إل أن لك أزوا ً‬
‫ي‬
‫قالت ‪ :‬والله ما في الجنة شيء أحسن منك ‪ ،‬وما في الجنة شيء أحب إل ّ‬
‫منك"‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن وهب ‪ :‬أخبرني عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن د َّراج ‪ ،‬عن ابن‬
‫جيرة )‪ ، (3‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‬ ‫ح َ‬
‫ُ‬
‫ما ‪ ،‬فإذا قام‬ ‫َ‬
‫ما دح ً‬‫ح ً‬
‫له ‪ :‬أَنطأ في الجنة ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬والذي نفسي بيده د َ ْ‬
‫مطّهرة بكًرا" )‪.(4‬‬‫ت ُ‬‫جع ْ‬‫عنها َر َ‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن جابر الفقيه البغدادي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد‬
‫الملك الدقيق الواسطي ‪ ،‬حدثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي ‪ ،‬حدثنا‬
‫شريك ‪ ،‬عن عاصم الحول ‪ ،‬عن أبي المتوكل ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال‬
‫عدن‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم ُ‬
‫مران ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس ‪،‬‬ ‫ع ْ‬
‫أبكاًرا" )‪ .(5‬وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا ِ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يعطى المؤمن في الجنة قوة‬
‫كذا وكذا في النساء"‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ويطيق ذلك ؟ قال ‪" :‬يعطى‬
‫قوة مائة"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي من حديث أبي داود وقال ‪ :‬صحيح غريب )‪.(6‬‬
‫وروى أبو القاسم الطبراني من حديث حسين بن علي الجعفي ‪ ،‬عن زائدة ‪،‬‬
‫عن هشام بن حسان ‪ ،‬عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬هل نصل إلى نسائنا في الجنة ؟ قال ‪" :‬إن الرجل ليصل في‬
‫اليوم إلى مائة عذراء" )‪.(7‬‬
‫قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي ‪ :‬هذا الحديث عندي على شرط الصحيح ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬عُُرًبا { قال سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني متحببات إلى‬
‫أزواجهن ‪ ،‬ألم تر إلى الناقة الضبعة ‪ ،‬هي كذلك‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬العُُرب ‪ :‬العواشق لزواجهن ‪ ،‬وأزواجهن‬
‫سْرجس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وأبو‬ ‫لهن عاشقون‪ .‬وكذا قال عبد الله بن َ‬
‫العالية ‪ ،‬ويحيى بن أبي كثير ‪ ،‬وعطية ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬من ابن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬واحدة بعد واحدة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬عن ابن حجرة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه ابن حبان في صحيحه برقم )‪" (2633‬موارد" وأبو نعيم في صفة‬
‫الجنة برقم )‪ (393‬من طريق ابن وهب به ‪ ،‬ودراج متكلم فيه‪.‬‬
‫)‪ (5‬المعجم الصغير )‪ (1/91‬وفيه معلى بن عبد الرحمن وهو كذاب‪.‬‬
‫)‪ (6‬مسند الطيالسي برقم )‪ (2012‬وسنن الترمذي برقم )‪.(2536‬‬
‫)‪ (7‬المعجم الصغير )‪.(13 ، 2/12‬‬

‫) ‪(7/533‬‬

‫والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬


‫مة قال ‪ :‬سئل ابن عباس عن قوله ‪ } :‬عُُرًبا {‬ ‫عك ْرِ َ‬‫وقال ثور بن زيد ‪ ،‬عن ِ‬
‫ة لزوجها‪.‬‬ ‫ق ُ‬
‫قال ‪ :‬هي المل ِ َ‬
‫ماك ‪ ،‬عن عكرمة ‪ :‬هي الغَِنجة‪.‬‬ ‫س َ‬‫وقال شعبة ‪ ،‬عن ِ‬
‫شكلة‪.‬‬‫وقال الجلح بن عبد الله ‪ ،‬عن عكرمة ‪ :‬هي ال ّ‬
‫دة في قوله ‪ } :‬عُُرًبا { قال ‪:‬‬ ‫حّيان ‪ ،‬عن عبد الله بن ب َُري ْ َ‬ ‫وقال صالح )‪ (1‬بن َ‬
‫الشكلة بلغة أهل مكة ‪ ،‬والغنجة )‪ (2‬بلغة أهل المدينة‪.‬‬
‫وقال تميم بن حذلم ‪ :‬هي حسن الت َّبعل‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪ ،‬وابنه عبد الرحمن ‪ :‬العُُرب ‪ :‬حسنات الكلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر عن سهل بن عثمان العسكري ‪ :‬حدثنا أبو علي ‪،‬‬
‫عن جعفر بن محمد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ } :‬عُُرًبا { قال ‪" :‬كلمهن عربي"‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬أ َت َْراًبا { قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس يعني ‪ :‬في سن واحدة ‪،‬‬
‫ثلث وثلثين سنة‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬التراب ‪ :‬المستويات‪ .‬وفي رواية عنه ‪ :‬المثال‪ .‬وقال عطية ‪:‬‬
‫القران‪ .‬وقال السدي ‪ } :‬أ َت َْراًبا { أي ‪ :‬في الخلق المتواخيات بينهن ‪ ،‬ليس‬
‫بينهن تباغض ول تحاسد ‪ ،‬يعني ‪ :‬ل كما كن ضرائر ]في الدنيا[ )‪ (3‬ضرائر‬
‫متعاديات‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن عبد الله‬
‫بن الكهف ‪ ،‬عن الحسن ومحمد ‪ } :‬عُُرًبا أ َت َْراًبا { قال المستويات السنان ‪،‬‬
‫يأتلفن جميًعا ‪ ،‬ويلعبن جميًعا‪.‬‬
‫وقد روى أبو عيسى الترمذي ‪ ،‬عن أحمد بن منيع ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن النعمان بن سعد ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن في الجنة لمجتمًعا للحور‬
‫العين ‪ ،‬يرفعن أصواًتا لم تسمع الخلئق بمثلها ‪ ،‬يقلن )‪ (4‬نحن الخالدات فل‬
‫نِبيد ‪ ،‬ونحن الناعمات فل نبأس ‪ ،‬ونحن الراضيات فل نسخط ‪ ،‬طوبى لمن‬
‫كان لنا وك ُّنا له"‪ .‬ثم قال ‪ :‬هذا حديث غريب )‪.(5‬‬
‫خي َْثمة ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عمر ‪،‬‬ ‫وقال الحافظ أبو )‪ (6‬يعلى ‪ :‬حدثنا أبو َ‬
‫حدثنا ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن فلن بن عبد الله بن رافع ‪ ،‬عن بعض ولد أنس بن‬
‫مالك ‪ ،‬عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن الحور العين‬
‫خّبئنا لزواج كرام" )‪.(8‬‬
‫حسان ‪ُ ،‬‬ ‫خّيرات ِ‬ ‫ليغنين )‪ (7‬في الجنة ‪ ،‬يقلن نحن َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أبو صالح"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬والمفتوجة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬قلن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن لبترمذي برقم )‪.(2564‬‬
‫)‪ (6‬في هـ ‪" :‬ابن" والصواب ما أثبتناه من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬ليتغنين"‪.‬‬
‫)‪ (8‬ذكره الحافظ بن حجر في المطالب العالية )‪ (4/402‬وعزاه لبي يعلى ‪،‬‬
‫ونقل المحقق قول البصيري ‪" :‬ورواه أبو يعلى وفيه راو لم يسم"‪ .‬ورواه ابن‬
‫أبي الدنيا في صفة الجنة برقم )‪ : (254‬حدثنا أبو خيثمة ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن‬
‫عمر ‪ ،‬حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن عبد الله بن رافع عن بعض ولد أنس بن‬
‫مالك ‪ ،‬عن أنس بن مالك به‪.‬‬

‫) ‪(7/534‬‬

‫مر هذا هو أبو المنذر الواسطي أحد الثقات الثبات‪.‬‬ ‫قلت ‪ :‬إسماعيل بن عُ َ‬
‫حْيم ‪ ،‬عن ابن‬ ‫وقد روى هذا الحديث المام عبد الرحيم بن إبراهيم الملقب بد ُ َ‬
‫أبي فُد َْيك ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن عون بن الخطاب بن عبد الله بن رافع ‪،‬‬
‫ن لنس ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن‬ ‫عن اب ٍ‬
‫الحور العين يغنين في الجنة ‪ :‬نحن الجوار الحسان ‪ ،‬خلقنا لزواج كرام" )‪.(1‬‬
‫ن { أي ‪ :‬خلقنا لصحاب اليمين ‪ ،‬أو ‪ :‬ادخرن‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬‫حا ِ‬ ‫ص َ‬‫وقوله ‪ } :‬ل ْ‬
‫لصحاب اليمين ‪ ،‬أو ‪ :‬زوجن لصحاب اليمين‪ .‬والظهر أنه متعلق بقوله ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ن أ َب ْ َ‬ ‫} إنا أ َن َ ْ‬
‫ن{‬ ‫مي ِ‬‫ب ال ْي َ ِ‬
‫حا ِ‬ ‫ص َ‬
‫كاًرا‪ .‬عُُرًبا أت َْراًبا‪ .‬ل ْ‬ ‫جعَل َْناهُ ّ‬ ‫شاًء‪ .‬فَ َ‬ ‫ن إ ِن ْ َ‬
‫شأَناهُ ّ‬ ‫ِّ ْ‬
‫فتقديره ‪ :‬أنشأناهن لصحاب اليمين‪ .‬وهذا توجيه ابن جرير )‪.(2‬‬
‫ت ليلة ‪ ،‬ثم جلست‬ ‫داراني ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬قال ‪ :‬صلي ُ‬ ‫ُرِوي عن أبي سليمان ال ّ‬
‫دا ‪ ،‬فجعلت أدعو بيد واحدة ‪ ،‬فأخذتني عيني فنمت ‪،‬‬ ‫أدعو ‪ ،‬وكان البرد ُ شدي ً‬
‫فرأيت حوراء لم ير مثلها وهي تقول ‪ :‬يا أبا سليمان ‪ ،‬أتدعو بيد واحدة وأنا‬
‫ذى لك في النعيم من خمسمائة سنة!‬ ‫ُأغ ّ‬
‫قا بما قبله ‪ ،‬وهو‬ ‫ن { متعل ً‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬
‫حا ِ‬‫ص َ‬
‫قلت ‪ :‬ويحتمل أن يكون قوله ‪ } :‬ل ْ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في أسنانهم‪ .‬كما جاء في الحديث‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬
‫قوله ‪ } :‬أت َْراًبا ل ْ‬
‫مارة بن القعقاع ‪ ،‬عن‬ ‫الذي رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬من حديث جرير ‪ ،‬عن عُ َ‬
‫عة ‪ ،‬عن أبي هَُريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫أبي ُزْر َ‬
‫"أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ‪ ،‬والذين يلونهم على‬
‫ضوء أشد كوكب د ُّريّ في السماء إضاءة ‪ ،‬ل يبولون ول يتغوطون ‪ ،‬ول‬
‫يتفلون ول يتمخطون ‪ ،‬أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم‬
‫خْلق رجل واحد ‪ ،‬على صورة‬ ‫وة ‪ ،‬وأزواجهم الحور العين ‪ ،‬أخلقهم على َ‬ ‫الل ُ ّ‬
‫عا في السماء" )‪.(3‬‬ ‫أبيهم آدم ‪ ،‬ستون ذرا ً‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون وعفان قال حدثنا حماد بن سلمة ‪-‬‬
‫وروى الطبراني ‪ ،‬واللفظ له ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة ‪ -‬عن علي بن زيد‬
‫عان ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله‬ ‫جد ْ َ‬
‫بن ُ‬
‫جعاًدا‬ ‫ضا ِ‬ ‫مرًدا بي ً‬ ‫جردا ُ‬ ‫ة ُ‬‫ل الجنةِ الجن َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يدخل أه ُ‬
‫عا في‬ ‫خلق آدم ستون ذرا ً‬ ‫ْ‬ ‫حلين ‪ ،‬أبناء ثلثين أو ثلث وثلثين ‪ ،‬وهم على َ‬ ‫مك َ ّ‬ ‫ُ‬
‫عرض سبعة أذرع" )‪.(4‬‬
‫وروى الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي ‪ ،‬عن عمران القطان ‪ ،‬عن‬
‫جَبل ‪،‬‬ ‫مَعاذ بن َ‬ ‫وشب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن غَْنم ‪ ،‬عن ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫شْهر بن َ‬ ‫قتادة ‪ ،‬عن َ‬
‫جرًدا‬ ‫ة ُ‬ ‫ل الجنةِ الجن َ‬ ‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬يدخل أه ُ‬
‫دا مكحلين أبناء ثلثين ‪ ،‬أو ثلث وثلثين سنة"‪ .‬ثم قال ‪ :‬حسن غريب )‪(5‬‬ ‫مر ً‬ ‫ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم )‪ (432‬من طريق دحيم به ‪ ،‬ورواه‬
‫البيهقي في البعث برقم )‪ (420‬من طريق ابن عبد الحكم ‪ ،‬وابن أبي داود‬
‫في البعث برقم )‪ (75‬عن كثير بن عبيد كلهما عن ابن أبي فديك به نحوه ‪،‬‬
‫ورواه الطبراني في الوسط برقم )‪" (4887‬مجمع البحرين" من طريق‬
‫الحسن بن داود عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن عون بن الخطاب‬
‫عن أنس به نحوه‪ .‬قال المنذري في الترغيب والترهيب )‪" : (4/226‬رواه ابن‬
‫أبي الدنيا والطبراني وإسناده مقارب ‪ ،‬ورواه البيهقي عن ابن لنس لم‬
‫يسمه عن أنس" وأشار البخاري إلى اختلف فيه في التاريخ الكبير )‪.(7/16‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(27/109‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (3327‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2834‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (2/295‬والمعجم الوسط برقم )‪" (4894‬مجمع البحرين"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي برقم )‪.(2545‬‬

‫) ‪(7/535‬‬

‫دثه عن أبي‬ ‫ح ّ‬‫جا أبا السمح َ‬ ‫ن د َّرا ً‬


‫وقال ابن وهب ‪ :‬أخبرنا عمرو بن الحارث أ ّ‬
‫الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من‬
‫مات من أهل الجنة من صغير أو كبير ‪ ،‬ي َُردون بني ثلث وثلثين في الجنة ‪ ،‬ل‬
‫دا ‪ ،‬وكذلك أهل النار"‪.‬‬ ‫يزيدون عليها أب ً‬
‫سوَْيد بن نصر ‪ ،‬عن ابن المبارك ‪ ،‬عن رشدين بن سعد ‪،‬‬ ‫ورواه الترمذي عن ُ‬
‫عن عمرو بن الحارث ‪ ،‬به )‪(1‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا القاسم بن هاشم ‪ ،‬حدثنا صفوان بن صالح‬
‫‪ ،‬حدثنا رّواد بن الجراح العسقلني ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬عن هارون بن رئاب ‪،‬‬
‫ة‬
‫ل الجن ِ‬ ‫عن أنس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يدخل أه ُ‬
‫سن يوسف ‪ ،‬وعلى‬ ‫ح ْ‬‫عا بذراع الملك! على ُ‬ ‫ة على طول آدم ستين ذرا ً‬ ‫الجن َ‬
‫حلون" )‬ ‫ُ‬ ‫مك ّ‬‫َ‬ ‫مْرد ٌ ُ‬
‫جْرد ٌ ُ‬ ‫ميلد عيسى ثلث وثلثين سنة ‪ ،‬وعلى لسان محمد ‪ُ ،‬‬
‫‪.(2‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي داود ‪ :‬حدثنا محمود بن خالد وعباس بن الوليد قال حدثنا‬
‫عمر عن الوزاعي ‪ ،‬عن هارون بن رئاب ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ُ" :‬يبعث )‪ (3‬أهل الجنة على صورة آدم في‬
‫مرًدا مكحلين ‪ ،‬ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة‬ ‫جرًدا ُ‬ ‫ث وثلثين ‪ُ ،‬‬ ‫ميلد ثل ٍ‬
‫فيكسون منها ‪ ،‬ل تبلى ثيابهم ‪ ،‬ول يفنى شبابهم" )‪.(4‬‬
‫ن { أي ‪ :‬جماعة من الولين‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫ن ال ِ‬
‫م َ‬
‫ة ِ‬‫ن‪ .‬وَث ُل ّ ٌ‬‫ن الوِّلي َ‬‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُل ّ ٌ‬
‫ة ِ‬
‫وجماعة من الخرين‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا المنذر بن شاذان ‪ ،‬حدثنا محمد بن بكار ‪ ،‬حدثنا‬
‫صين ‪ ،‬عن عبد‬ ‫ح َ‬ ‫سعيد بن َبشير ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن عمران بن ُ‬
‫الله بن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬وكان بعضهم يأخذ عن بعض ‪ -‬قال ‪ :‬أكرينا ذات ليلة‬
‫ي‬
‫عرضت عل ّ‬ ‫عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم غدونا عليه ‪ ،‬فقال ‪ُ " :‬‬
‫النبياء وأتباعها بأممها ‪ ،‬فيمر علي النبي ‪ ،‬والنبي في العصابة ‪ ،‬والنبي في‬
‫َ‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫م َر ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫س ِ‬ ‫الثلثة ‪ ،‬والنبي ليس معه أحد ‪ -‬وتل قتادة هذه الية ‪ } :‬أل َي ْ َ‬
‫ي موسى بن عمران في كبكبة من‬ ‫شيد ٌ { ]هود ‪ - [78 :‬قال ‪ :‬حتى مّر عل ّ‬ ‫َر ِ‬
‫ت ‪ :‬ربي من هذا ؟ قال ‪ :‬هذا أخوك موسى بن‬ ‫بني إسرائيل"‪ .‬قال ‪" :‬قل ُ‬
‫عمران ومن معه )‪ (5‬من بني إسرائيل"‪ .‬قال ‪" :‬قلت ‪ :‬رب فأين أمتي ؟ قال‬
‫‪ :‬انظر عن يمينك في الظراب )‪ .(6‬قال ‪" :‬فإذا وجوه الرجال"‪ .‬قال ‪" :‬قال ‪:‬‬
‫أرضيت ؟" قال ‪ :‬قلت ‪" :‬قد رضيت ‪ ،‬رب"‪ .‬قال ‪ :‬انظر إلى الفق عن‬
‫يسارك فإذا وجوه الرجال‪ .‬قال ‪ :‬أرضيت ؟ قلت ‪" :‬رضيت ‪ ،‬رب"‪ .‬قال ‪ :‬فإن‬
‫كاشة بن‬‫مع هؤلء سبعين ألفا ‪ ،‬يدخلون الجنة بغير حساب"‪ .‬قال ‪ :‬وأنشأ عُ ّ‬
‫درّيا ‪ -‬قال ‪ :‬يا نبي الله ‪ ،‬ادع الله‬
‫صن من بني أسد ‪ -‬قال سعيد ‪ :‬وكان ب َ ْ‬ ‫ح َ‬‫م ْ‬
‫ُ‬
‫أن يجعلني منهم‪ .‬قال ‪ :‬فقال ‪" :‬اللهم اجعله منهم"‪ .‬قال ‪ :‬أنشأ )‪ (7‬رجل‬
‫آخر ‪ ،‬قال ‪ :‬يا نبي الله ‪ ،‬ادع الله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي برقم )‪ (2562‬ورواه من طريق ابن وهب وأبو نعيم في‬
‫صفة الجنة برقم )‪.(259‬‬
‫)‪ (2‬صفة الجنة لبن أبي الدنيا برقم )‪.(215‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يدخل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬البعث لبن أبي داود برقم )‪ (64‬وانظر كلم المحقق الفاضل في سماع‬
‫هارون بن رئاب عن أنس‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬ومن تبعه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الضراب"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬ثم أنشأ"‪.‬‬

‫) ‪(7/536‬‬

‫ميم ٍ )‪ (42‬وَظ ِ ّ‬
‫ل‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬ ‫موم ٍ وَ َ‬ ‫س ُ‬
‫ل )‪ِ (41‬في َ‬ ‫ما ِ‬
‫ش َ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬‫ما أ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ِ‬‫ش َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫وَأ ْ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫مت َْرِفي َ‬‫ك ُ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬‫كاُنوا قَب ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ريم ٍ )‪ (44‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫موم ٍ )‪َ (43‬ل َبارِدٍ وََل ك َ‬ ‫ح ُ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا‬ ‫َ‬
‫ن أئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ظيم ِ )‪ (46‬وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫قولو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ُ‬ ‫ث العَ ِ‬ ‫حن ْ ِ‬
‫ن عَلى ال ِ‬ ‫صّرو َ‬ ‫كاُنوا ي ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن )‪ (48‬قُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َوال ِ‬ ‫ن الوِّلي َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن )‪ (47‬أوَآَباؤَُنا الوّلو َ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬‫ما أئ ِّنا ل َ‬ ‫عظا ً‬ ‫وَ ِ‬
‫معْلوم ٍ )‪(50‬‬ ‫ُ‬ ‫ت ي َوْم ٍ َ‬ ‫قا ِ‬‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلى ِ‬ ‫عو َ‬ ‫مو ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫‪ (49‬ل َ‬

‫أن يجعلني منهم‪ .‬فقال ‪" :‬سبقك بها عكاشة" قال ‪ :‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬فإن استطعتم ‪ -‬فداكم أبي وأمي ‪ -‬أن تكونوا من أصحاب‬
‫السبعين فافعلوا وإل فكونوا )‪ (1‬من أصحاب الظراب )‪ ، (2‬وإل فكونوا من‬
‫شبوا حوله" )‪ .(3‬ثم قال ‪:‬‬ ‫سا كثيًرا قد تأ ّ‬ ‫أصحاب الفق ‪ ،‬فإني قد رأيت نا ً‬
‫"إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة"‪ .‬فكبرنا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إني لرجو أن‬
‫تكونوا ثلث أهل الجنة"‪ .‬قال ‪ :‬فكبرنا ‪ ،‬قال ‪" :‬إني لرجو أن تكونوا نصف‬
‫أهل الجنة"‪ .‬قال ‪ :‬فكبرنا‪ .‬ثم تل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه‬
‫ن { قال ‪ :‬فقلنا بيننا ‪ :‬من هؤلء‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬
‫ن ال ِ‬‫م َ‬
‫ة ِ‬‫ن‪ .‬وَث ُل ّ ٌ‬‫ن الوِّلي َ‬‫م َ‬ ‫الية ‪ } :‬ث ُل ّ ٌ‬
‫ة ِ‬
‫السبعون ألفا ؟ فقلنا ‪ :‬هم الذين ولدوا في السلم ‪ ،‬ولم يشركوا‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فبلغه ذلك فقال ‪" :‬بل هم الذين ل يكتوون ول يسترقون ول يتطيرون ‪ ،‬وعلى‬
‫ربهم يتوكلون"‪.‬‬
‫وكذا رواه ابن جرير من طريقين آخرين عن قتادة ‪ ،‬به نحوه )‪ .(4‬وهذا‬
‫الحديث له طرق كثيرة من غير هذا الوجه في الصحاح وغيرها‪.‬‬
‫مهَْران ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبان بن‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا ِ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ة ِ‬‫ن‪ .‬وَث ُل ّ ٌ‬
‫ن الوِّلي َ‬ ‫م َ‬
‫ة ِ‬ ‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ث ُل ّ ٌ‬ ‫أبي عياش ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫ما جميًعا من‬ ‫ن { قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬هُ َ‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬‫ال ِ‬
‫أمتي" )‪.(5‬‬
‫ميم ٍ )‪ (42‬وَظ ِ ّ‬
‫ل‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬ ‫موم ٍ وَ َ‬ ‫س ُ‬‫ل )‪ِ (41‬في َ‬ ‫ما ِ‬‫ش َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ما أ ْ‬‫ل َ‬ ‫ما ِ‬
‫ش َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫} وَأ ْ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫مت َْرِفي َ‬
‫ك ُ‬‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫كاُنوا قَب ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫موم ٍ )‪ (43‬ل َبارِدٍ َول ك َ ِ‬
‫ريم ٍ )‪ (44‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫مت َْنا وَكّنا ت َُراًبا‬ ‫َ‬
‫ن أئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا ِ‬ ‫قولو َ‬ ‫ظيم ِ )‪ (46‬وَكاُنوا ي َ ُ‬ ‫ث العَ ِ‬ ‫حن ْ ِ‬
‫ن عَلى ال ِ‬ ‫صّرو َ‬ ‫وَكاُنوا ي ُ ِ‬
‫ن)‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬
‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َوال ِ‬ ‫ن الوِّلي َ‬ ‫ن )‪ (48‬قل إ ِ ّ‬ ‫ن )‪ (47‬أَوآَباؤَنا الوّلو َ‬ ‫مب ُْعوثو َ‬ ‫ما أئ ِّنا ل َ‬ ‫ظا ً‬ ‫وَ ِ‬
‫معُْلوم ٍ )‪.{ (50‬‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬
‫ِ َ ْ ٍ َ‬ ‫ت‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫مي‬‫ِ‬ ‫لى‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫ن‬‫عو‬
‫َ ْ ُ ُ َ ِ‬‫مو‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫(‬‫‪49‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ول تكونوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الضراب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬حوالهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(27/109‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪ (27/110‬ورواه ابن عدي في الكامل )‪ (1/387‬من‬
‫طريق محمد بن كثير ‪ ،‬عن سفيان الثوري عن أبان بن أبي عياش به ‪ ،‬وقال‬
‫ابن عدي ‪" :‬أبان بن أبي عياش له روايات غير ما ذكرت وعامة ما يرويه ل‬
‫يتابع عليه"‪.‬‬

‫) ‪(7/537‬‬

‫ث ُم إنك ُ َ‬
‫ن َزّقوم ٍ )‪(52‬‬ ‫م ْ‬
‫جرٍ ِ‬‫ش َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن )‪َ (51‬ل َك ُِلو َ‬ ‫مك َذ ُّبو َ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫ضاّلو َ‬ ‫م أي َّها ال ّ‬ ‫ّ ِّ ْ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫ش‬ ‫ن‬ ‫بو‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫شا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬‫‪54‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫مي‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫بو‬ ‫ر‬‫شا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪53‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫طو‬‫ُ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫مال ُِئو َ ِ ْ َ‬
‫ها‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫فَ َ‬
‫ْ َ‬ ‫ُِ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ْ ِ ِ َ‬ ‫ُِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫دي ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ذا ن ُُزل ُهُ ْ‬
‫م ي َوْ َ‬ ‫ال ِْهيم ِ )‪ (55‬هَ َ‬
‫} ث ُم إنك ُ َ‬
‫ن َزّقوم ٍ )‪(52‬‬ ‫م ْ‬‫جرٍ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن )‪ (51‬لك ُِلو َ‬ ‫مك َذ ُّبو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫ضاّلو َ‬ ‫م أي َّها ال ّ‬ ‫ّ ِّ ْ‬
‫ب‬‫شْر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شارُِبو َ‬ ‫َ‬
‫ميم ِ )‪ (54‬ف َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْهِ ِ‬ ‫شارُِبو َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (53‬ف َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫من َْها الب ُطو َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مال ُِئو َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن )‪.{ (56‬‬ ‫دي ِ‬‫م ال ّ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ذا نزل ُهُ ْ‬ ‫ال ِْهيم ِ )‪ (55‬هَ َ‬
‫لما )‪ (1‬ذكر تعالى حال أصحاب اليمين ‪ ،‬عطف عليهم بذكر أصحاب‬
‫ل { أي ‪ :‬أي شيء‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬
‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ِ‬‫ش َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫الشمال ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫موم ٍ { وهو ‪ :‬الهواء‬ ‫س ُ‬ ‫سر ذلك فقال ‪ِ } :‬في َ‬ ‫هم فيه أصحاب الشمال ؟ ثم فَ ّ‬
‫ميم ٍ { وهو ‪ :‬الماء الحار‪.‬‬ ‫ح ِ‬ ‫الحار } وَ َ‬
‫موم ٍ { قال ابن عباس ‪ :‬ظل الدخان‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪،‬‬ ‫ح ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫} وَظ ِ ّ‬
‫سد ّيّ ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وهذه كقوله تعالى ‪:‬‬ ‫مة ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وال ّ‬ ‫عك ْرِ َ‬ ‫و ِ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ب‪ .‬ل ظِلي ٍ‬ ‫شعَ ٍ‬ ‫ث ُ‬ ‫ل ِذي َثل ِ‬ ‫قوا إ ِلى ظ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬ان ْطل ِ ُ‬ ‫م ب ِهِ ت ُك َذ ُّبو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫قوا إ ِلى َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫} ان ْطل ِ ُ‬
‫فٌر‪ .‬وَي ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مي ب ِ َ‬ ‫ّ‬
‫مئ ِذٍ‬‫ل ي َوْ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫مال ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ر‪ .‬كأن ّ ُ‬ ‫ص ِ‬‫ق ْ‬ ‫شَررٍ كال َ‬ ‫ب‪ .‬إ ِن َّها ت َْر ِ‬ ‫ن اللهَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َول ي ُغِْني ِ‬
‫ن { ]المرسلت ‪، [34 ، 29 :‬‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ولما"‪.‬‬

‫) ‪(7/537‬‬

‫موم ٍ { وهو الدخان السود } ل َبارِد ٍ َول‬


‫ح ُ‬
‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬
‫ل ِ‬
‫سن المنظر ‪ ،‬كما قال الحسن وقتادة ‪:‬‬ ‫ح َ‬
‫ريم ٍ { أي ‪ :‬ليس طيب الهبوب ول َ‬ ‫كَ ِ‬
‫ريم ٍ { أي ‪ :‬ول كريم المنظر‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬كل شراب ليس بعذب‬ ‫} َول ك َ ِ‬
‫فليس بكريم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬العرب تتبع هذه اللفظة في النفي ‪ ،‬فيقولون ‪" :‬هذا الطعام‬
‫ليس بطيب ول كريم ‪ ،‬هذا اللحم ليس بسمين ول كريم ‪ ،‬وهذه الدار ليست‬
‫بنظيفة ول كريمة"‪.‬‬
‫ن‬
‫مت َْرِفي َ‬ ‫َ‬
‫م كاُنوا قب ْل ذ َل ِك ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ثم ذكر تعالى استحقاقهم لذلك ‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫{ أي ‪ :‬كانوا في الدار الدنيا منعمين مقبلين على لذات أنفسهم ‪ ،‬ل يلوون‬
‫على ما جاءتهم به الرسل‪.‬‬
‫ظيم ِ {‬ ‫ث ال ْعَ ِ‬ ‫حن ْ ِ‬ ‫ممون ول ينوون توبة } عََلى ال ْ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن { أي ‪ :‬ي ُ َ‬ ‫صّرو َ‬ ‫كاُنوا ي ُ ِ‬ ‫} وَ َ‬
‫وهو الكفر بالله ‪ ،‬وجعل الوثان والنداد أرباًبا من دون الله‪.‬‬
‫مة ‪،‬‬ ‫عك ْرِ َ‬ ‫ظيم ِ { الشرك‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬و ِ‬ ‫ث ال ْعَ ِ‬ ‫حن ْ ِ‬‫قال ابن عباس ‪ } :‬ال ْ ِ‬
‫سد ّيّ ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وال ّ‬
‫وقال الشعبي ‪ :‬هو اليمين الغموس‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َئ ِ َ‬
‫ن‪ .‬أَوآَباؤَُنا‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬ ‫ما أئ ِّنا ل َ‬ ‫عظا ً‬ ‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا وَ ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ُ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن { ؟ يعني ‪ :‬أنهم يقولون ذلك مكذبين به مستبعدين لوقوعه ‪ ،‬قال‬ ‫الوُّلو َ‬
‫معُْلوم ٍ {‬ ‫ت ي َوْم ٍ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ن إ َِلى ِ‬ ‫عو َ‬ ‫مو ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬‫ن‪ .‬ل َ َ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬‫ن َوال ِ‬ ‫ن الوِّلي َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫الله تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫أي ‪ :‬أخبرهم يا محمد أن الولين والخرين من بني آدم سيجمعون إلى‬
‫موع ٌ ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ي َوْ ٌ‬ ‫دا ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬ ‫عََرصات القيامة ‪ ،‬ل نغادر منهم أح ً‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫س وَذ َل ِ َ‬
‫س‬
‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ت ل ت َكل ُ‬ ‫م ي َأ ِ‬ ‫دوٍد‪ .‬ي َوْ َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫خُرهُ ِإل ل َ‬ ‫ما ن ُؤَ ّ‬ ‫شُهوٌد‪ .‬وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ي َوْ ٌ‬ ‫الّنا ُ‬
‫سِعيد ٌ { ]هود ‪ .[105 - 103 :‬ولهذا قال هاهنا ‪:‬‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫مش ِ‬ ‫َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ ف ِ‬
‫دد ‪ ،‬ل‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫معُْلوم ٍ { أي ‪ :‬هو موقت بوقت ُ‬ ‫ت ي َوْم ٍ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ن إ َِلى ِ‬ ‫عو َ‬ ‫مو ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬ ‫} لَ َ‬
‫يتقدم ول يتأخر ‪ ،‬ول يزيد ول ينقص‪.‬‬
‫} ث ُم إنك ُ َ‬
‫من َْها‬
‫ن ِ‬ ‫مال ُِئو َ‬ ‫م‪ .‬فَ َ‬ ‫ن َزّقو ٍ‬ ‫م ْ‬‫جرٍ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن‪ .‬لك ُِلو َ‬ ‫مك َذ ُّبو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ضاّلو َ‬ ‫م أي َّها ال ّ‬ ‫ّ ِّ ْ‬
‫جرون حتى يأكلوا من شجر الزقوم ‪،‬‬ ‫س‬
‫ُ َ َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫يقبضون‬ ‫أنهم‬ ‫وذلك‬ ‫‪:‬‬ ‫ن{‬ ‫طو َ‬ ‫ال ْب ُ ُ‬
‫ب‬
‫شْر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شارُِبو َ‬ ‫م‪ .‬فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫حتى يملؤوا منها بطونهم ‪ } ،‬فَ َ‬
‫مي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬‫ن عَلي ْهِ ِ‬ ‫شارُِبو َ‬
‫ال ِْهيم ِ { وهي البل العطاش ‪ ،‬واحدها أهيم ‪ ،‬والنثى هيماء ‪ ،‬ويقال ‪ :‬هائم‬
‫وهائمة‪.‬‬
‫جب َْير ‪ ،‬وعكرمة ‪ :‬الِهيم ‪ :‬البل العطاش‬ ‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫الظماء‪.‬‬
‫صا ول ت َْرَوى‪.‬‬ ‫م ّ‬ ‫مة أنه قال ‪ :‬الهيم ‪ :‬البل المراض ‪َ ،‬تمص الماء َ‬ ‫عكرِ َ‬‫ْ‬ ‫وعن ِ‬
‫دا حتى تموت ‪ ،‬فكذلك أهل‬ ‫وقال السدي ‪ :‬الهيم ‪ :‬داء يأخذ البل فل ت َْرَوى أب ً‬
‫دا‪.‬‬
‫جهنم ل يروون من الحميم أب ً‬

‫) ‪(7/538‬‬

‫قون َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫م‬
‫هأ ْ‬ ‫خل ُ ُ َ ُ‬‫م تَ ْ‬
‫ن )‪ (58‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬‫م َ‬ ‫ن )‪ (57‬أفََرأي ْت ُ ْ‬ ‫صد ُّقو َ‬ ‫م فَل َوَْل ت ُ َ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن )‪ (60‬عََلى‬ ‫سُبوِقي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِ َ‬
‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬
‫ت وَ َ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن قَد ّْرَنا ب َي ْن َك ُ ُ‬‫ح ُ‬‫ن )‪ (59‬ن َ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شأةَ الولى‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬‫ن )‪ (61‬وَل َ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل ُ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫شئ َك ُ ْ‬ ‫مَثالك ُ ْ‬
‫م وَن ُن ْ ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن ن ُب َد ّ َ‬‫أ ْ‬
‫ن )‪(62‬‬ ‫فَل َوَْل ت َذ َك ُّرو َ‬

‫ب الهيم عَّبة واحدة من‬ ‫شْر َ‬ ‫وعن خالد بن معدان ‪ :‬أنه كان يكره أن يشرب ُ‬
‫غير أن يتنفس ثلًثا‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم‬ ‫دي ِ‬ ‫م ال ّ‬
‫م ي َوْ َ‬‫ذا نزل ُهُ ْ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬هَ َ‬
‫مُنوا‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫عند ربهم يوم حسابهم ‪ ،‬كما قال في حق المؤمنين ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫س نزل { ]الكهف ‪ [107 :‬أي ‪:‬‬ ‫فْرد َوْ ِ‬ ‫ت ال ْ ِ‬‫جّنا ُ‬
‫م َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ت َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫ضيافة وكرامة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫م‬
‫هأ ْ‬ ‫قون َ ُ‬
‫خل ُ‬‫م تَ ْ‬
‫ن )‪ (58‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬‫ما ت ُ ْ‬
‫م َ‬‫ن )‪ (57‬أفََرأي ْت ُ ْ‬ ‫صد ُّقو َ‬ ‫ول ت ُ َ‬ ‫م فَل ْ‬‫قَناك ُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫ح ُ‬
‫} نَ ْ‬
‫ن )‪ (60‬عََلى‬ ‫سُبوِقي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن قَد ّْرَنا ب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن )‪ (59‬ن َ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬
‫شأةَ الولى‬ ‫َ‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مت ُ ُ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫ن )‪ (61‬وَل َ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل ُ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫شئ ك ْ‬ ‫م وَن ُن ْ ِ‬ ‫مثالك ْ‬ ‫ن ن ُب َد ّل أ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪.{ (62‬‬ ‫ول ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫مقرًرا للمعاد )‪ ، (1‬ورّدا على المكذبين به من أهل الزيغ واللحاد‬ ‫يقول تعالى ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]الصافات ‪:‬‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬ ‫ما أئ ِّنا ل َ َ‬ ‫ظا ً‬ ‫ع َ‬ ‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُراًبا وَ ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫‪ ،‬من الذين قالوا ‪ } :‬أئ ِ َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫‪ ، [16‬وقولهم ذلك صدر منهم على وجه التكذيب والستبعاد ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ن َ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬نحن ابتدأنا خلقكم بعد أن لم تكونوا شيًئا مذكوًرا ‪ ،‬أفليس‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫الذي قدر على البداءة بقادر على العادة بطريق الولى والحرى ؛ فلهذا قال‬
‫ن { أي ‪ :‬فهل تصدقون بالبعث! ثم قال مستدل عليهم بقوله‬ ‫صد ُّقو َ‬ ‫ول ت ُ َ‬ ‫‪ } :‬فَل َ ْ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫قون َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أنتم تقرونه في‬ ‫قو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫خل ُ ُ َ ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن‪ .‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫‪ } :‬أفََرأي ْت ُ ْ‬
‫الرحام وتخلقونه فيها ‪ ،‬أم الله الخالق لذلك ؟‬
‫ت { أي ‪ :‬صرفناه بينكم‪.‬‬ ‫مو ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن قَد ّْرَنا ب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ن َ ْ‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬ساوى فيه بين أهل السماء والرض‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬وما نحن بعاجزين‪.‬‬ ‫سُبوِقي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫ما‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِفي َ‬ ‫شئ ك ْ‬ ‫م { أي ‪ :‬نغير خلقكم يوم القيامة ‪ } ،‬وَن ُن ْ ِ‬ ‫مثالك ْ‬ ‫ن ن ُب َد ّل أ ْ‬ ‫} عَلى أ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬من الصفات والحوال‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ل ت َعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬قد علمتم أن‬ ‫ول ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫شأةَ الوَلى فَل َ ْ‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫الله أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيًئا مذكوًرا ‪ ،‬فخلقكم وجعل لكم السمع‬
‫والبصار والفئدة ‪ ،‬فهل تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة ‪-‬‬
‫وهي الَبداءة ‪ -‬قادر على النشأة الخرى ‪ ،‬وهي العادة بطريق الولى‬
‫ن عَل َي ْهِ {‬ ‫َ‬ ‫ذي ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬
‫م ي ُِعيد ُه ُ وَهُوَ أهْوَ ُ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫والحرى ‪ ،‬وكما قال ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫م يَ ُ‬
‫ك‬ ‫ل وَل َ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قَناه ُ ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن أ َّنا َ‬ ‫سا ُ‬ ‫]الروم ‪ ، [27 :‬وقال ‪ } :‬أَول ي َذ ْك ُُر الن ْ َ‬
‫َ‬
‫فةٍ فَإ َِذا هُ َ‬
‫و‬ ‫ن ن ُط ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَناه ُ ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن أ َّنا َ‬ ‫سا ُ‬ ‫م ي ََر الن ْ َ‬
‫َ‬
‫شي ًْئا { ]مريم ‪ ، [67 :‬وقال ‪ } :‬أوَل َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‪.‬‬‫مي ٌ‬‫ي َر ِ‬ ‫م وَهِ َ‬ ‫َ‬
‫حِيي العِظا َ‬ ‫ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ‬ ‫ْ‬ ‫ي َ‬ ‫س َ‬ ‫مَثل وَن َ ِ‬ ‫ب لَنا َ‬ ‫َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ن‪ .‬وَ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫صي ٌ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫م { ]يس ‪، [79 - 77 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫مّرةٍ وَهُوَ ب ِك ّ‬ ‫ها أوّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذي أن ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫قُ ْ‬
‫ق عَِلي ٌ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ل َ‬ ‫شأ َ‬ ‫حِييَها ال ِ‬ ‫ل يُ ْ‬
‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من ِ ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ً‬ ‫م ي َك ن ُط َ‬ ‫دى‪ .‬أل ْ‬ ‫س ً‬ ‫ن ي ُت َْرك ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ب الن ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬أي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن عَل َ َ‬ ‫م َ‬
‫ن الذ ّكَر َوالن َْثى‪ .‬ألي ْ َ‬
‫س‬ ‫جي ْ ِ‬ ‫ه الّزوْ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫وى‪ .‬ف َ‬ ‫س ّ‬ ‫خل ق َ ف َ‬ ‫ةف َ‬ ‫ق ً‬ ‫كا َ‬ ‫مَنى‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫يُ ْ‬
‫موَْتى { ؟ ]القيامة ‪.[40 - 36 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذ َل ِك ب ِ َ‬
‫ي ال َ‬ ‫حي ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫قادِرٍ عَلى أ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬للعباد"‪.‬‬

‫) ‪(7/539‬‬

‫ن )‪ (64‬ل َوْ ن َ َ‬ ‫عون َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬


‫شاُء‬ ‫عو َ‬‫ن الّزارِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م ت َْزَر ُ َ ُ‬ ‫ن )‪ (63‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫حُرُثو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬‫أفََرأي ْت ُ ْ‬
‫ن)‬
‫مو َ‬ ‫حُرو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ن )‪ (66‬ب َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مغَْر ُ‬ ‫ن )‪ (65‬إ ِّنا ل َ ُ‬ ‫فك ُّهو َ‬ ‫م تَ َ‬ ‫ما فَظ َل ْت ُ ْ‬ ‫طا ً‬ ‫ح َ‬ ‫جعَل َْناه ُ ُ‬ ‫لَ َ‬
‫شربون )‪ (68‬أ َأ َنتم أ َنزل ْتموه من ال ْمز َ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ْ ِ‬ ‫ُْ ْ َْ ُ ُ ُ ِ َ‬ ‫ذي ت َ ْ َ ُ َ‬ ‫ماَء ال ّ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫‪ (67‬أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫م الّناَر ال ِّتي‬ ‫َ َ‬ ‫جا فَل َوَْل ت َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (70‬أفََرأي ْت ُ ُ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫جا ً‬ ‫جعَل َْناه ُ أ َ‬ ‫شاُء َ‬ ‫ن )‪ (69‬ل َوْ ن َ َ‬ ‫من ْزُِلو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَل َْنا َ‬
‫ها‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬‫ن )‪ (72‬ن َ ْ‬ ‫شُئو َ‬‫من ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جَرت ََها أ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫شأت ُ ْ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫ن )‪ (71‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫ُتوُرو َ‬
‫ظيم ِ )‪(74‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سم ِ َرب ّك العَ ِ‬ ‫ح ِبا ْ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫ن )‪ (73‬فَ َ‬ ‫وي َ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫عا ل ِل ُ‬ ‫مَتا ً‬ ‫ت َذ ْك َِرة ً وَ َ‬

‫ن )‪ (64‬ل َوْ ن َ َ‬ ‫عون َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬


‫شاءُ‬ ‫عو َ‬ ‫ن الّزارِ ُ‬‫ح ُ‬
‫م نَ ْ‬‫هأ ْ‬ ‫م ت َْزَر ُ َ ُ‬‫ن )‪ (63‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫حُرُثو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫} أفََرأي ْت ُ ْ‬
‫ن)‬
‫مو َ‬ ‫حُرو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬‫ح ُ‬‫ل نَ ْ‬‫ن )‪ (66‬ب َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مغَْر ُ‬‫ن )‪ (65‬إ ِّنا ل َ ُ‬ ‫فك ُّهو َ‬ ‫ما فَظ َل ْت ُ ْ‬
‫م تَ َ‬ ‫طا ً‬‫ح َ‬ ‫جعَل َْناه ُ ُ‬ ‫لَ َ‬
‫شربون )‪ (68‬أ َأ َنتم َأنزل ْتموه من ال ْمز َ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ْ ِ‬ ‫ُ ُ ُ ِ َ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫ذي ت َ ْ َ ُ َ‬ ‫ماَء ال ّ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬‫‪ (67‬أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫م الّناَر ال ِّتي‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (70‬أفََرأي ْت ُ ُ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫جا فَل َ ْ‬ ‫جا ً‬ ‫جعَل َْناه ُ أ َ‬ ‫شاُء َ‬
‫ْ‬
‫ن )‪ (69‬ل َوْ ن َ َ‬ ‫منزُلو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫جعَل َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن )‪ (72‬ن َ ْ‬ ‫شُئو َ‬ ‫من ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬‫جَرت ََها أ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫شأت ُ ْ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫ن )‪ (71‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫ُتوُرو َ‬
‫ظيم ِ )‪{ (74‬‬ ‫ْ‬
‫سم ِ َرب ّك العَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ح ِبا ْ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (73‬ف َ‬ ‫وي َ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫عا ل ِل ُ‬ ‫مَتا ً‬ ‫ت َذ ْك َِرة ً وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ؟ وهو شق الرض وإثارتها والبذر فيها ‪،‬‬ ‫حُرُثو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫يقول ‪ .} :‬أفََرأي ْت ُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬بل‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫عو َ‬ ‫ن الّزارِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ه { أي ‪ :‬تنبتونه في الرض } أ ْ‬ ‫عون َ ُ‬ ‫م ت َْزَر ُ‬ ‫} أأن ْت ُ ْ‬
‫قّره قراره وننبته في الرض‪.‬‬ ‫نحن الذين ن ُ ِ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وقد حدثني أحمد بن الوليد القرشي ‪ ،‬حدثنا مسلم بن أبي‬
‫جْرمي ‪ ،‬حدثنا مخلد بن الحسين ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن محمد ‪ ،‬عن أبي‬ ‫مسلم ال َ‬
‫ت‪،‬‬ ‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل تقولن ‪ :‬زرع ُ‬
‫َ َ‬
‫ما‬‫م َ‬ ‫ت" قال أبو هريرة ‪ :‬ألم تسمع إلى قوله ‪ } :‬أفََرأي ْت ُ ْ‬ ‫ولكن قل ‪ :‬حرث ُ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫عو َ‬ ‫ن الّزارِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫عون َ ُ‬ ‫م ت َْزَر ُ‬ ‫ن‪ .‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫حُرُثو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ورواه البزار ‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحيم ‪ ،‬عن مسلم ‪ ،‬الجميع به )‪.(1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪،‬‬
‫عن عطاء ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن ‪ :‬ل تقولوا ‪ :‬زرعنا ولكن قولوا ‪ :‬حرثنا‪.‬‬
‫ن‬ ‫عون َ‬ ‫ََ‬
‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م ت َْزَر ُ َ ُ‬ ‫جر المد َرِيّ أنه كان إذا قرأ ‪ } :‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫وروي عن ُ‬
‫ن { وأمثالها يقول ‪ :‬بل أنت يا رب‪.‬‬ ‫عو َ‬ ‫الّزارِ ُ‬
‫ما { أي ‪ :‬نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫طا‬‫َ‬ ‫ح‬ ‫ه‬
‫َ َ َ ُ ُ‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫شا‬‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫ما ‪ ،‬أي ‪ :‬ليبسناه قبل‬ ‫وأبقيناه لكم رحمة بكم ‪ ،‬ولو نشاء لجعلناه حطا ً‬
‫ن {‪ .‬ثم فسر ذلك بقوله ‪ } :‬إ ِّنا‬ ‫فك ُّهو َ‬ ‫م تَ َ‬ ‫استوائه واستحصاده ‪ } ،‬فَظ َل ْت ُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬لو جعلناه حطاما لظ َل ُْتم تفكهون في‬ ‫مو َ‬ ‫حُرو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ن‪ .‬ب َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مغَْر ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫قون‪.‬‬ ‫مل َ‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل ُ‬ ‫مو َ‬ ‫مغَْر ُ‬ ‫َ‬
‫المقالة ‪ ،‬تنوعون كلمكم ‪ ،‬فتقولون تارة ‪ } :‬إ ِّنا ل ُ‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ :‬إنا لمولع بنا ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬معذبون‪ .‬وتاره تقولون ‪:‬‬
‫بل نحن محرومون‪.‬‬
‫حاَرفون ‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫ن { ملقون للشر ‪ ،‬أي ‪ :‬بل نحن ُ‬ ‫مو َ‬ ‫مغَْر ُ‬ ‫َ‬
‫وقال مجاهد أيضا ‪ } :‬إ ِّنا ل ُ‬
‫قاله قتادة ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يثبت لنا مال ‪ ،‬ول ينتج لنا ربح‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪ (27/114‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم )‪(1135‬‬
‫والبيهقي في السنن الكبرى )‪ (6/138‬من طريق مسلم بن أبي مسلم‬
‫الجرمي عن مخلد بن الحسين به نحوه وضعفه السيوطي في الدر المنثور )‬
‫‪ (8/23‬وأشار البيهقي إلى ضعفه فقال بعد أن ذكره من قول مجاهد ‪" :‬وقد‬
‫روى فيه حديث مرفوع غير قوي"‪.‬‬

‫) ‪(7/540‬‬

‫ن { أي ‪ :‬مجدودون ‪ ،‬يعني ‪ :‬ل حظ لنا‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫حُرو ُ‬‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫ن { ‪ :‬تعجبون‪ .‬وقال مجاهد‬ ‫فك ُّهو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ } :‬فَظلت ُ ْ‬
‫م تَ َ‬
‫ن { تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم‪.‬‬ ‫فك ُّهو َ‬ ‫م تَ َ‬ ‫ضا ‪ } :‬فَظ َل ْت ُ ْ‬
‫أي ً‬
‫وهذا يرجع إلى الول ‪ ،‬وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في‬
‫مالهم‪ .‬وهذا اختيار ابن جرير )‪.(1‬‬
‫ن { تلومون‪ .‬وقال الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬ ‫فك ُّهو َ‬ ‫م تَ َ‬ ‫وقال عكرمة ‪ } :‬فَظ َل ْت ُ ْ‬
‫ن { تندمون‪ .‬ومعناه إما على ما أنفقتم ‪ ،‬أو على‬ ‫فك ُّهو َ‬ ‫م تَ َ‬ ‫والسدي ‪ } :‬فَظ َل ْت ُ ْ‬
‫ما أسلفتم من الذنوب‪.‬‬
‫قال الكسائي )‪ : (2‬تفكه من الضداد ‪ ،‬تقول العرب ‪ :‬تفكهت بمعنى تنعمت ‪،‬‬
‫وتفكهت بمعنى حزنت‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن{‬ ‫مْز ِ‬‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫موه ُ ِ‬ ‫م أنزلت ُ ُ‬ ‫ن‪ .‬أأن ْت ُ ْ‬ ‫شَرُبو َ‬ ‫ذي ت َ ْ‬ ‫ماَء ال ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫يعني ‪ :‬السحاب‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد وغير واحد‪ .} .‬أ ْ‬
‫ن { يقول ‪ :‬بل نحن المنزلون‪.‬‬ ‫منزُلو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ُ‬
‫مّرا ل يصلح لشرب ول زرع ‪ } ،‬فَل َ ْ‬
‫ول‬ ‫جا { أي ‪ُ :‬زعاًقا ُ‬ ‫جا ً‬ ‫جعَل َْناه ُ أ َ‬ ‫شاُء َ‬ ‫} ل َوْ ن َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فهل تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذًبا‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫م ب ِهِ الّزْرعَ‬ ‫َ‬
‫ت لك ُ ْ‬ ‫ن‪ .‬ي ُن ْب ِ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سي ُ‬‫جٌر ِفيهِ ت ُ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ب وَ ِ‬ ‫شَرا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫زلل! } لك ُ ْ‬
‫قوْم ٍ‬‫ة لِ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ل الث ّ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب وَ ِ‬ ‫ل َوالعَْنا َ‬ ‫خي َ‬ ‫ن َوالن ّ ِ‬ ‫َوالّزي ُْتو َ‬
‫ن { ]النحل ‪.[11 ، 10 :‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عثمان بن سعيد بن مرة ‪ ،‬حدثنا‬
‫ضيل بن مرزوق ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن أبي جعفر ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬ ‫فُ َ‬
‫وسلم ‪ :‬أنه إذا شرب الماء قال ‪" :‬الحمد لله الذي سقانا عذًبا فراًتا برحمته ‪،‬‬
‫جا بذنوبنا" )‪.(3‬‬ ‫حا أجا ً‬ ‫ولم يجعله مل ً‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬تقدحون من الزناد وتستخرجونها‬ ‫م الّناَر الِتي ُتوُرو َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫)‪ (4‬من أصلها‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬بل نحن الذين جعلناها‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫} أ َأ َنتم أ َن َ ْ‬
‫شئو َ‬ ‫من ْ ِ‬‫ن ال ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جَرت ََها أ ْ‬ ‫مش َ‬ ‫شأت ُ ْ‬ ‫ُْ ْ ْ‬
‫مودعة في موضعها ‪ ،‬وللعرب شجرتان ‪ :‬إحداهما ‪ :‬المرخ ‪ ،‬والخرى ‪:‬‬
‫حك أحدهما بالخر ‪ ،‬تناثر من بينهما‬ ‫فار ‪ ،‬إذا أخذ منهما غصنان أخضران ف ُ‬ ‫العَ َ‬
‫شرر النار‪.‬‬
‫كر الناَر الكبرى‪.‬‬ ‫ها ت َذ ْك َِرة ً { قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬أي ت ُذ َ ّ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ن َ ْ‬
‫قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬يا قوم ‪ ،‬ناركم‬
‫هذه التي توقدون جزء من سبعين جزًءا من نار جهنم"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله‬
‫ضربت بالماء ضربتين ‪ -‬أو ‪ :‬مرتين ‪ -‬حتى‬ ‫إن كانت لكافية! قال ‪" :‬قد ُ‬
‫يستنفع بها بنو آدم ويدنوا منها" )‪.(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(27/115‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬قال السدي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬وهذا مرسل وعزاه الهندي في كنز العمال )‪ (7/111‬إلى أبي نعيم في‬
‫الحلية‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬وتستخرجون"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(27/117‬‬

‫) ‪(7/541‬‬

‫وهذا الذي أرسله قتادة رواه المام أحمد في مسنده ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي الّزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬إن ناركم هذه جزء من سبعين جزًءا من نار جهنم ‪،‬‬
‫وضربت بالبحر مرتين ‪ ،‬ولول ذلك ما جعل الله فيها منفعة لحد" )‪.(1‬‬
‫وقال المام مالك ‪ ،‬عن أبي الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين‬
‫جزًءا من نار جهنم"‪ .‬فقالوا ‪ :‬يا رسول الله إن كانت لكافية فقال ‪" :‬إنها‬
‫فضلت عليها بتسعة وستين جزًءا"‪.‬‬
‫رواه البخاري من حديث مالك ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬من حديث أبي الزناد )‪ ، (2‬ورواه‬
‫مر ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬به‬ ‫معْ َ‬
‫مسلم ‪ ،‬من حديث عبد الرزاق ‪ ،‬عن َ‬
‫ضلت عليها بتسعة وستين جزًءا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫)‪ .(3‬وفي لفظ ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لقد ف ّ‬
‫كلهن مثل حرها"‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن عمرو الخلل ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن‬
‫مْعن بن عيسى القزاز ‪ ،‬عن مالك ‪ ،‬عن عمه أبي‬ ‫المنذر الحزامي ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫السهيل ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم ؟ لهي أشد سواًدا من‬
‫فا" )‪.(5‬‬ ‫]دخان[ )‪ (4‬ناركم هذه بسبعين ضع ً‬
‫قال الضياء المقدسي ‪ :‬وقد رواه ابن )‪ (6‬مصعب عن مالك ‪ ،‬ولم يرفعه ‪،‬‬
‫وهو عندي على شرط الصحيح‪.‬‬
‫ن { قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬ ‫وي َ‬‫ق ِ‬‫م ْ‬‫عا ل ِل ْ ُ‬‫مَتا ً‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { المسافرين ‪ ،‬واختاره ابن جرير ‪،‬‬ ‫وي َ‬
‫ق ِ‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫والنضر بن عربي ‪ :‬معنى } ل ِل ُ‬
‫وقال ‪ :‬ومنه قولهم ‪" :‬أقوت الدار إذا رحل أهلها"‪.‬‬
‫واء ‪ :‬القفر الخالي البعيد من العمران‪.‬‬ ‫ق َ‬‫ي وال َ‬ ‫وقال غيره ‪ :‬الق ّ‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬المقوي هنا الجائع‪.‬‬
‫ن { للحاضر‬‫وي َ‬
‫ق ِ‬ ‫عا ل ِل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫مَتا ً‬ ‫وقال ليث ابن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ } :‬وَ َ‬
‫والمسافر ‪ ،‬لكل طعام ل يصلحه إل النار‪ .‬وكذا روى سفيان ‪ ،‬عن جابر‬
‫الجعفي ‪ ،‬عن مجاهد‪.‬‬
‫ن { المستمتعين ‪ ،‬الناس‬ ‫وي َ‬ ‫ق ِ‬‫م ْ‬‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد قوله ‪ } :‬ل ِل ْ ُ‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫أجمعين‪ .‬وكذا ذكر عن عكرمة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(2/244‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (3265‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2843‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(2843‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من المعجم الوسط للطبراني‪.‬‬
‫)‪ (5‬المعجم الوسط برقم )‪" (4843‬مجمع البحرين"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وقد رواه أبو"‪.‬‬

‫) ‪(7/542‬‬

‫ُ‬
‫م )‪(76‬‬
‫ظي ٌ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫م ل َوْ ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫س ٌ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ق َ‬ ‫جوم ِ )‪ (75‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫واقِِع الن ّ ُ‬
‫م َ‬
‫م بِ َ‬ ‫فََل أقْ ِ‬
‫س ُ‬

‫وهذا التفسير أعم من غيره ‪ ،‬فإن الحاضر والبادي من غني وفقير الكل )‪(1‬‬
‫محتاجون للطبخ والصطلء والضاءة وغير ذلك من المنافع‪ .‬ثم من لطف‬
‫الله تعالى أن أودعها في الحجار ‪ ،‬وخالص الحديد بحيث يتمكن المسافر من‬
‫حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه ‪ ،‬فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زنده‬
‫وأورى ‪ ،‬وأوقد ناره فأطبخ بها واصطلى ‪ ،‬واشتوى واستأنس بها ‪ ،‬وانتفع بها‬
‫ما في حق الناس‬ ‫سائر النتفاعات‪ .‬فلهذا أفرد المسافرون وإن كان ذلك عا ّ‬
‫داش‬ ‫خ َ‬
‫كلهم‪ .‬وقد يستدل له بما رواه المام أحمد وأبو داود من حديث أبي ِ‬
‫شامي ‪ ،‬عن رجل من المهاجرين من قََرن ‪ ،‬أن‬ ‫عبي ال ّ‬
‫شر َ‬‫حّبان بن َزيد ال ّ‬
‫َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬المسلمون شركاء في ثلثة ‪ :‬النار‬
‫والكل والماء" )‪.(2‬‬
‫وروى ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫ن ‪ :‬الماء والكل والنار" )‪.(3‬‬ ‫من َعْ َ‬ ‫ث ل يُ ْ‬ ‫عليه وسلم ‪" :‬ثل ٌ‬
‫عا مثل هذا وزيادة ‪" :‬وثمنه حرام" )‪ .(4‬ولكن‬ ‫وله من حديث ابن عباس مرفو ً‬
‫وشب" وهو ضعيف ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫ح ْ‬
‫خَراش بن َ‬ ‫في إسناده "عبد الله بن ِ‬
‫ظيم ِ { أي ‪ :‬الذي بقدرته خلق هذه الشياء‬ ‫َ ِ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫سم ِ َرب ّ‬ ‫ح ِبا ْ‬
‫سب ّ ْ‬‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫جا‬
‫حا أجا ً‬
‫المختلفة المتضادة الماء العذب الزلل البارد ‪ ،‬ولو شاء لجعله مل ً‬
‫كالبحار المغرقة‪ .‬وخلق النار المحرقة ‪ ،‬وجعل ذلك مصلحة للعباد ‪ ،‬وجعل‬
‫هذه منفعة لهم في معاش دنياهم ‪ ،‬وزاجًرا لهم في المعاد‪.‬‬
‫ُ‬
‫م )‪.{ (76‬‬ ‫ظي ٌ‬
‫ن عَ ِ‬
‫مو َ‬‫م ل َوْ ت َعْل َ ُ‬
‫س ٌ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ق َ‬ ‫جوم ِ )‪ (75‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫واقِِع الن ّ ُ‬
‫م َ‬‫م بِ َ‬ ‫} َفل أقْ ِ‬
‫س ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الجميع"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (5/364‬وسنن أبي داود برقم )‪.(3477‬‬
‫)‪ (3‬سنن ابن ماجه برقم )‪.(2472‬‬
‫)‪ (4‬سنن ابن ماجه برقم )‪.(2472‬‬

‫) ‪(7/543‬‬

‫ن )‪(79‬‬ ‫مط َهُّرو َ‬‫ه إ ِّل ال ْ ُ‬


‫س ُ‬
‫م ّ‬‫ن )‪َ (78‬ل ي َ َ‬ ‫مك ُْنو ٍ‬‫ب َ‬ ‫م )‪ِ (77‬في ك َِتا ٍ‬ ‫ري ٌ‬‫ِ‬ ‫ن كَ‬ ‫قْرآ َ ٌ‬‫ه لَ ُ‬‫إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَُلو َ‬
‫ن‬ ‫ن )‪ (81‬وَت َ ْ‬ ‫مد ْهُِنو َ‬‫م ُ‬ ‫ث أن ْت ُ ْ‬
‫دي ِ‬ ‫ذا ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ن )‪ (80‬أفَب ِهَ َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫زي ٌ‬‫ت َن ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫م ت ُك َذ ُّبو َ‬‫م أن ّك ُ ْ‬‫رِْزقَك ُ ْ‬

‫ن )‪(79‬‬ ‫مط َهُّرو َ‬ ‫ه ِإل ال ْ ُ‬‫س ُ‬


‫م ّ‬ ‫ن )‪ (78‬ل ي َ َ‬ ‫مك ُْنو ٍ‬‫ب َ‬ ‫م )‪ِ (77‬في ك َِتا ٍ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن كَ ِ‬‫قْرآ ٌ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫} إ ِن ّ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (80‬أفب ِهَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َتنزي ٌ‬
‫جعَلو َ‬
‫ن )‪ (81‬وَت َ ْ‬ ‫مد ْهُِنو َ‬ ‫م ُ‬‫ث أن ْت ُ ْ‬
‫دي ِ‬
‫ح ِ‬‫ذا ال َ‬ ‫مي َ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪.{ (82‬‬ ‫م ت ُكذ ُّبو َ‬
‫م أن ّك ْ‬ ‫رِْزقَك ْ‬
‫ويبر ‪ ،‬عن الضحاك ‪ :‬إن الله ل يقسم بشيء من خلقه ‪ ،‬ولكنه استفتاح‬ ‫ج َ‬‫قال ُ‬
‫يستفتح به كلمه‪.‬‬
‫وهذا القول ضعيف‪ .‬والذي عليه الجمهور أنه قسم من الله عز وجل ‪ ،‬يقسم‬
‫بما شاء من خلقه ‪ ،‬وهو دليل على عظمته‪ .‬ثم قال بعض المفسرين ‪" :‬ل"‬
‫هاهنا زائدة ‪ ،‬وتقديره ‪ :‬أقسم بمواقع النجوم‪ .‬ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫م {‪.‬‬ ‫ري ٌ‬‫ن كَ ِ‬ ‫قْرآ ٌ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫جب َْير‪ .‬ويكون جوابه ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫وقال آخرون ‪ :‬ليست "ل" زائدة ل معنى لها ‪ ،‬بل يؤتى بها في أول القسم إذا‬
‫ما به على منفي ‪ ،‬كقول عائشة رضي الله عنها ‪" :‬ل والله ما‬ ‫كان مقس ً‬
‫مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط" وهكذا هاهنا تقدير‬
‫الكلم ‪" :‬ل أقسم بمواقع النجوم ليس المر كما زعمتم في القرآن أنه سحر‬
‫أو كهانة ‪ ،‬بل هو قرآن كريم"‪.‬‬

‫) ‪(7/543‬‬

‫ُ‬
‫م { فليس‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬وقال بعض أهل العربية ‪ :‬معنى قوله ‪َ } :‬فل أقْ ِ‬
‫س ُ‬
‫المر كما تقولون ‪ ،‬ثم استأنف القسم بعد فقيل ‪ :‬أقسم‪.‬‬
‫جب َْير ‪ ،‬عن‬
‫جوم ِ { ‪ ،‬فقال حكيم بن ُ‬ ‫واقِِع الن ّ ُ‬
‫م َ‬
‫واختلفوا في معنى قوله ‪ } :‬ب ِ َ‬
‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس يعني ‪ :‬نجوم القرآن ؛ فإنه نزل جملة ليلة‬ ‫سعيد بن ُ‬
‫فّرًقا )‪ (1‬في السنين‬ ‫م َ‬
‫القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا ‪ ،‬ثم نزل ُ‬
‫بعد‪ .‬ثم قرأ ابن عباس هذه الية‪.‬‬
‫وقال الضحاك عن ابن عباس ‪ :‬نزل القرآن جملة من عند الله من اللوح‬
‫سفرة‬ ‫مته ال ّ‬ ‫ج َ‬‫فرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا ‪ ،‬فن ّ‬ ‫س َ‬ ‫المحفوظ إلى ال ّ‬
‫على جبريل عشرين ليلة ‪ ،‬ونجمه جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ُ‬
‫جوم ِ { نجوم القرآن‪.‬‬ ‫واقِِع الن ّ ُ‬ ‫م َ‬‫م بِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫عشرين سنة ‪ ،‬فهو قوله ‪َ } :‬فل أقْ ِ‬
‫حْزَرة‪.‬‬ ‫سد ّيّ ‪ ،‬وأبو َ‬ ‫مة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وال ّ‬ ‫عك ْرِ َ‬ ‫وكذا قال ِ‬
‫جوم ِ { في السماء ‪ ،‬ويقال ‪ :‬مطالعها‬ ‫واقِِع الن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ضا ‪ } :‬ب ِ َ‬ ‫وقال مجاهد أي ً‬
‫ومشارقها‪ .‬وكذا قال الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير‪ .‬وعن قتادة ‪:‬‬
‫ضا ‪ :‬أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة‪.‬‬ ‫مواقعها ‪ :‬منازلها‪ .‬وعن الحسن أي ً‬
‫ُ‬
‫جوم ِ { يعني بذلك ‪ :‬النواء التي كان‬ ‫واقِِع الن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫س ُ‬‫وقال الضحاك ‪َ } :‬فل أقْ ِ‬
‫طروا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬مطرنا بنوء كذا وكذا‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫أهل الجاهلية إذا ُ‬
‫م { أي ‪ :‬وإن هذا القسم الذي أقسمت‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م لوْ ت َعْل ُ‬ ‫َ‬ ‫س ٌ‬‫ق َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬
‫به لقسم عظيم ‪ ،‬لو تعلمون )‪ (2‬عظمته لعظمتم المقسم به عليه ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫م { أي ‪ :‬إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم‪ِ } .‬في‬ ‫ري ٌ‬‫ن كَ ِ‬‫قْرآ ٌ‬‫لَ ُ‬
‫ظم في كتاب معظم محفوظ موقر‪.‬‬ ‫ن { أي ‪ :‬مع ّ‬ ‫مك ُْنو ٍ‬‫ب َ‬ ‫ك َِتا ٍ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثني إسماعيل بن موسى )‪ ، (3‬أخبرنا شريك ‪ ،‬عن حكيم ‪-‬‬
‫ن‬‫مط َهُّرو َ‬ ‫ه ِإل ال ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ل ي َ َ‬ ‫هو ابن جبير ‪ -‬عن سعيد بن ُ‬
‫{ قال ‪ :‬الكتاب الذي في السماء‪.‬‬
‫ن { )‪ (4‬يعني ‪:‬‬ ‫مط َهُّرو َ‬ ‫ه [ ِإل ال ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ] } :‬ل ي َ َ‬ ‫وقال العَوْفِ ّ‬
‫جب َْير ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬ ‫مة ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬ ‫عك ْرِ َ‬ ‫الملئكة‪ .‬وكذا قال أنس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫سد ّيّ ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن‬ ‫وأبو الشعثاء جابر بن زيد ‪ ،‬وأبو ن َِهيك ‪ ،‬وال ّ‬
‫أسلم ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن ثور ‪ ،‬حدثنا معمر ‪ ،‬عن‬
‫ن { قال ‪ :‬ل يمسه عند الله إل المطهرون ‪،‬‬ ‫مط َهُّرو َ‬ ‫ه ِإل ال ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫قتادة ‪ } :‬ل ي َ َ‬
‫فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ‪ ،‬والمنافق الرجس‪ .‬وقال ‪:‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مط َهُّرو َ‬ ‫ه ِإل ال ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫وهي في قراءة ابن مسعود ‪َ } :‬‬
‫ن { ليس أنتم أصحاب الذنوب‪.‬‬ ‫مطهُّرو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه ِإل ال ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫وقال أبو العالية ‪ } :‬ل ي َ َ‬
‫عمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين ‪،‬‬ ‫وقال ابن زيد ‪َ :‬ز َ‬
‫ه‬
‫ت بِ ِ‬ ‫َ‬
‫ما َتنزل ْ‬ ‫فأخبر الله تعالى أنه ل يمسه إل المطهرون كما قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن{‬ ‫ُ‬
‫معُْزولو َ‬ ‫َ‬
‫مِع ل َ‬ ‫س ْ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ما ي َن ْب َِغي ل َهُ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫م عَ ِ‬ ‫ن‪ .‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن‪ .‬وَ َ‬ ‫طي ُ‬‫شَيا ِ‬
‫]الشعراء ‪.[212 - 210 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬متفرقا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬لو علمتم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬موسى ابن إسماعيل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م‪.‬‬

‫) ‪(7/544‬‬

‫وهذا القول قول جيد ‪ ،‬وهو ل يخرج عن القوال التي قبله‪.‬‬


‫وقال الفراء ‪ :‬ل يجد طعمه ونفعه إل من آمن به‪.‬‬
‫مط َهُّرو َ‬
‫ن { أي ‪ :‬من الجنابة والحدث‪ .‬قالوا ‪:‬‬ ‫ه ِإل ال ْ ُ‬
‫س ُ‬
‫م ّ‬
‫وقال آخرون ‪ } :‬ل ي َ َ‬
‫ولفظ الية خبر ومعناها الطلب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬والمراد بالقرآن هاهنا المصحف ‪،‬‬
‫كما روى مسلم ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى‬
‫أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ‪ ،‬مخافة أن يناله العدو )‪ .(1‬واحتجوا في‬
‫ذلك بما رواه المام مالك في موطئه ‪ ،‬عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن‬
‫حزم ‪ :‬أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫عمرو بن َ‬
‫لعمرو بن حزم ‪ :‬أل يمس القرآن إل طاهر )‪ .(2‬وروى أبو داود في المراسيل‬
‫‪ ،‬من حديث الزهري قال ‪ :‬قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن‬
‫عمرو بن حزم ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ول يمس‬
‫القرآن إل طاهر" )‪.(3‬‬
‫جادة ٌ جيدة‪ .‬قد قرأها الزهري وغيره ‪ ،‬ومثل هذا ينبغي )‪ (4‬الخذ به‪.‬‬ ‫وهذه وِ َ‬
‫وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم ‪ ،‬وعبد الله بن عمر ‪ ،‬وعثمان بن‬
‫أبي العاص ‪ ،‬وفي إسناد كل منها نظر )‪ ، (5‬والله أعلم‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬هذا القرآن منزل من ]الله[ )‪(6‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬تنزي ٌ‬
‫ل ِ‬
‫شعر ‪ ،‬بل هو‬ ‫رب العالمين ‪ ،‬وليس هو كما يقولون ‪ :‬إنه سحر ‪ ،‬أو كهانة ‪ ،‬أو ِ‬
‫مْرية فيه ‪ ،‬وليس وراءه حق نافع‪.‬‬ ‫الحق الذي ل ِ‬
‫ي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ َفَب ِهَ َ‬
‫ن { قال العَوْفِ ّ‬
‫مد ْهُِنو َ‬‫م ُ‬ ‫ث أن ْت ُ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذا ال َ‬
‫ي‪.‬‬ ‫سد ّ ّ‬
‫حْزَرة ‪ ،‬وال ّ‬
‫مكذبون غير مصدقين‪ .‬وكذا قال الضحاك ‪ ،‬وأبو َ‬
‫ن { أي ‪ :‬تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم‪.‬‬ ‫مد ْهُِنو َ‬ ‫وقال مجاهد ‪ُ } :‬‬
‫ن { قال بعضهم ‪ :‬يعني ‪ :‬وتجعلون رزقكم‬ ‫بو‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫} وتجعُلون رزقَك ُم أ َ‬
‫ْ ّ ْ ُ ُ َ‬ ‫َ ِْ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫بمعنى شكركم أنكم تكذبون ‪ ،‬أي ‪ :‬تكذبون بدل الشكر‪.‬‬
‫وقد روي عن علي ‪ ،‬وابن عباس أنهما قرآها ‪" :‬وتجعلون شكركم )‪ (7‬أنكم‬
‫تكذبون" كما سيأتي‪.‬‬
‫شنوءةَ ‪ :‬ما‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬وقد ذكر عن الهيثم بن عدي ‪ :‬أن من لغة أزد َ‬
‫رزق فلن بمعنى ‪ :‬ما شكر فلن‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسين بن محمد ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن عبد‬
‫العلى ‪ ،‬عن أبي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪ (1869‬وهو أيضا في صحيح البخاري برقم )‬
‫‪.(2990‬‬
‫)‪ (2‬الموطأ )‪.(1/199‬‬
‫)‪ (3‬المراسيل برقم )‪.(257‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ل ينبغي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن الدار قطني )‪.(122 ، 1/12‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬بشكركم"‪.‬‬

‫) ‪(7/545‬‬

‫عبد الرحمن ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫م ت ُك َذ ُّبو َ‬
‫م { ‪ ،‬يقول ‪" :‬شكركم } أن ّك ُ ْ‬ ‫جعَُلو َ‬
‫ن رِْزقَك ُ ْ‬ ‫عليه وسلم ‪ } :‬وَت َ ْ‬
‫تقولون ‪ :‬مطرنا ب َِنوء كذا وكذا ‪ ،‬بنجم كذا وكذا" )‪.(1‬‬
‫ول )‪ (2‬بن إبراهيم النهدي ‪-‬‬ ‫خ ّ‬
‫م َ‬
‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ُ‬
‫وابن جرير ‪ ،‬عن محمد بن المثنى ‪ ،‬عن عبيد الله بن موسى ‪ ،‬وعن يعقوب‬
‫بن إبراهيم ‪ ،‬عن يحيى بن أبي ب ُك َْير ‪ ،‬ثلثتهم عن إسرائيل ‪ ،‬به مرفو ً‬
‫عا )‪.(3‬‬
‫مِنيع ‪ ،‬عن حسين بن محمد ‪ -‬وهو‬ ‫وكذا رواه الترمذي ‪ ،‬عن أحمد بن َ‬
‫المروزي ‪ -‬به‪ .‬وقال ‪" :‬حسن غريب"‪ .‬وقد رواه سفيان ‪ ،‬عن عبد العلى ‪،‬‬
‫ولم يرفعه )‪.(4‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪،‬‬
‫مط َِر قوم قط إل‬ ‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬ما ُ‬ ‫عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫مط ِْرَنا بنوء كذا وكذا‪ .‬وقرأ ابن عباس ‪:‬‬ ‫أصبح بعضهم كافًرا يقولون ‪ُ :‬‬
‫"وتجعلون شكركم أنكم تكذبون"‪.‬‬
‫وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس‪.‬‬
‫سان ‪ ،‬عن عبيد الله بن عبد الله بن‬ ‫وقال مالك في الموطأ ‪ ،‬عن صالح بن كي ْ َ‬
‫جهَّني أنه قال ‪ :‬صلى بنا رسول الله‬ ‫عتبة بن مسعود ‪ ،‬عن زيد بن خالد ال ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم صلة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل ‪،‬‬
‫فلما انصرف أقبل على الناس فقال ‪" :‬هل تدرون ماذا قال ربكم ؟" قالوا ‪:‬‬
‫الله ورسوله أعلم‪" .‬قال ‪ :‬أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ‪ ،‬فأما من قال ‪:‬‬
‫مطرنا بفضل الله ورحمته ‪ ،‬فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب‪ .‬وأما من قال ‪:‬‬
‫مطرنا بنوء كذا وكذا‪ .‬فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬كلهم من حديث مالك ‪ ،‬به )‬
‫‪.(5‬‬
‫واد ‪ ،‬حدثنا عبد‬ ‫َ ّ‬ ‫س‬ ‫بن‬ ‫مرو‬ ‫َ ْ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫المرادي‬ ‫سلمة‬ ‫بن‬ ‫محمد‬ ‫حدثنا‬ ‫‪:‬‬ ‫مسلم‬ ‫وقال‬
‫دثه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬ ‫الله بن وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ؛ أن أبا يونس َ ّ‬
‫ح‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ما أنزل الله من السماء من‬
‫بركة إل أصبح فريق من الناس بها كافرين ‪ ،‬ينزل الغيث ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬بكوكب‬
‫كذا وكذا"‪.‬‬
‫فّرد به مسلم من هذا الوجه )‪.(6‬‬ ‫تَ َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة أن‬
‫م بالنعمة أو‬ ‫ح القو َ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن الله ل َي ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬
‫طرنا بنوء كذا وكذا"‪.‬‬ ‫م ِ‬‫ُيمسيهم بها فيصبح بها قوم كافرين يقولون ‪ُ :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(1/108‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬عن محمد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(27/119‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي برقم )‪.(3295‬‬
‫)‪ (5‬الموطأ )‪ (1/192‬وصحيح البخاري برقم )‪ (846‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪ (71‬وسنن أبي داود برقم )‪ (3906‬وسنن النسائي )‪.(3/164‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪.(72‬‬

‫) ‪(7/546‬‬

‫حينئ ِذ تنظ ُرون )‪ (84‬ونح َ‬ ‫َ‬


‫ب إ ِل َي ْهِ‬
‫ن أقَْر ُ‬ ‫ََ ْ ُ‬ ‫م ِ َ ٍ َْ ُ َ‬ ‫م )‪ (83‬وَأن ْت ُ ْ‬ ‫حل ْ ُ‬
‫قو َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫فَل َوَْل إ َِذا ب َل َغَ ِ‬
‫ن‬
‫جُعون ََها إ ِ ْ‬ ‫ن )‪ (86‬ت َْر ِ‬
‫ديِني َ‬
‫م ِ‬ ‫ن )‪ (85‬فَل َوَْل إ ِ ْ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م غَي َْر َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ن َل ت ُب ْ ِ‬‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫كن ْت ُ ْ‬

‫قال محمد ‪ -‬هو ابن إبراهيم ‪ : -‬فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ونحن قد سمعنا من أبي هَُريرة ‪ ،‬وقد أخبرني من شهد عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬وهو يستسقي ‪ ،‬فلما استسقى التفت إلى العباس‬
‫فقال ‪ :‬يا عباس ‪ ،‬يا عم رسول الله ‪ ،‬كم بقى من نوء الثريا ؟ فقال ‪ :‬العلماء‬
‫يزعمون أنها تعترض في الفق بعد سقوطها سبًعا‪ .‬قال ‪ :‬فما مضت سابعة‬
‫طروا )‪.(1‬‬ ‫م ِ‬ ‫حتى ُ‬
‫محمول على السؤال عن الوقت الذي أجرى الله فيه العادة بإنزال‬ ‫وهذا َ‬
‫المطر ‪ ،‬ل أن ذلك النوء يؤثر بنفسه في نزول المطر ؛ فإن هذا هو المنهي‬
‫فت َِح الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫عن اعتقاده‪ .‬وقد تقدم شيء من هذه الحاديث عند قوله ‪َ } :‬‬
‫ك ل ََها { ]فاطر ‪.[2 :‬‬ ‫س َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مةٍ َفل ُ‬ ‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن إسماعيل بن أمية ‪-‬‬
‫أحسبه أو غيره ‪ -‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجل ‪ -‬ومطروا ‪-‬‬
‫شانين السد‪ .‬فقال ‪" :‬كذبت! بل هو رزق الله" )‪.(2‬‬ ‫طرنا ببعض عَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫يقول ‪ُ :‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬حدثني أبو صالح الصراري ‪ ،‬حدثنا أبو جابر محمد بن عبد‬
‫الملك الزدي )‪ ، (3‬حدثنا جعفر بن الزبير ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬عن أبي أمامة ‪ ،‬عن‬
‫طر قوم من ليلة إل أصبح قوم بها‬ ‫م ِ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ما ُ‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ،‬يقول قائل ‪:‬‬ ‫َ‬
‫م ت ُكذ ُّبو َ‬ ‫ُ‬
‫م أن ّك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن رِْزقك ْ‬ ‫جعَُلو َ‬ ‫كافرين" )‪ .(4‬ثم قال ‪ } " :‬وَت َ ْ‬
‫طرنا بنجم كذا وكذا" )‪.(5‬‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ط الناس سبع سنين ثم مطروا‬ ‫ح َ‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫"لو‬ ‫‪:‬‬ ‫عا‬‫ً‬ ‫مرفو‬ ‫سعيد‬ ‫أبي‬ ‫عن‬ ‫حديث‬ ‫وفي‬
‫دح" )‪.(6‬‬ ‫ج َ‬ ‫م ْ‬‫لقالوا ‪ :‬مطرنا بنوء ال ِ‬
‫َ‬
‫ن { قال ‪ :‬قولهم في النواء ‪:‬‬ ‫م ت ُك َذ ُّبو َ‬ ‫م أن ّك ُ ْ‬ ‫ن رِْزقَك ُ ْ‬ ‫جعَُلو َ‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬وَت َ ْ‬
‫طرنا بنوء كذا ‪ ،‬وبنوء كذا ‪ ،‬يقول ‪ :‬قولوا ‪ :‬هو من عند الله ‪ ،‬وهو رزقه‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫وهكذا قال الضحاك وغير واحد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أما الحسن فكان يقول ‪ :‬بئس ما أخذ قوم لنفسهم ‪ ،‬لم يرزقوا‬
‫من كتاب الله إل التكذيب‪ .‬فمعنى قول الحسن هذا ‪ :‬وتجعلون حظكم من‬
‫َ‬ ‫كتاب الله أنكم تكذبون به ؛ ولهذا قال قبله ‪ } :‬أ َفَب ِهَ َ‬
‫ن‪.‬‬
‫مد ْهُِنو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ث أن ْت ُ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬‫ذا ال ْ َ‬
‫وتجعُلون رزقَك ُ َ‬
‫ن{‬ ‫م ت ُك َذ ُّبو َ‬ ‫م أن ّك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِْ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ب إ ِلي ْ ِ‬‫ن أقَْر ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن )‪ (84‬وَن َ ْ‬ ‫حين َئ ِذ ٍ ت َن ْظُرو َ‬ ‫م ِ‬ ‫م )‪ (83‬وَأن ْت ُ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫حل ُ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ول إ َِذا ب َلغَ ِ‬ ‫} فَل َ ْ‬
‫ن‬
‫جُعون ََها إ ِ ْ‬ ‫ن )‪ (86‬ت َْر ِ‬ ‫ديِني َ‬ ‫م ِ‬ ‫م غَي َْر َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ول إ ِ ْ‬ ‫ن )‪ (85‬فَل َ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ن ل ت ُب ْ ِ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪.{ (87‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫كن ْت ُ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬الحلق ‪،‬‬ ‫قو َ‬ ‫ْ‬
‫حل ُ‬ ‫ْ‬
‫ت { أي ‪ :‬الروح } ال ُ‬ ‫َ‬
‫ول إ َِذا ب َلغَ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ } :‬فل ْ‬
‫وذلك حين الحتضار‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(27/120‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(27/120‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬الودي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬كافرون" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(27/120‬‬
‫)‪ (6‬رواه المام أحمد في مسنده )‪ (3/7‬وابن حبان في صحيحه برقم )‪(606‬‬
‫"موارد" من طريق عمرو بن دينار عن عتاب بن حنين عن أبي سعيد بلفظ ‪:‬‬
‫"لو أمسك الله القطر عن الناس سبع سنين ثم أرسله لصبحت طائفة بها‬
‫كافرين يقولون ‪ :‬مطرنا بنوء المجدح"‪.‬‬

‫) ‪(7/547‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ما إ ِ ْ‬ ‫ة ن َِعيم ٍ )‪ (89‬وَأ ّ‬ ‫جن ّ ُ‬‫ن وَ َ‬‫حا ٌ‬ ‫ح وََري ْ َ‬ ‫ن )‪ (88‬فََروْ ٌ‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما إ ِ ْ‬ ‫فَأ ّ‬
‫َ‬ ‫كم َ‬ ‫م َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما إ ِ ْ‬ ‫ن )‪ (91‬وَأ ّ‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬ ‫حا ِ‬‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م لَ َ ِ ْ‬ ‫سَل ٌ‬‫ن )‪ (90‬فَ َ‬ ‫مي ِ‬‫ب ال ْي َ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن‬
‫حيم ٍ )‪ (94‬إ ِ ّ‬ ‫ج ِ‬
‫ة َ‬
‫صل ِي َ ُ‬‫ميم ٍ )‪ (93‬وَت َ ْ‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (92‬فن ُُزل ِ‬ ‫ّ‬
‫ضالي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ّ‬
‫مكذِبي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ظيم ِ )‪(96‬‬ ‫َ ِ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫با‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬‫‪95‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫َ ّ ْ ِ ْ ِ َ ّ‬ ‫ُ َ َ ّ َِ ِ‬
‫ق‪َ .‬وال ْت َ ّ‬ ‫ل من راق‪ .‬وظ َ َ‬
‫ت‬ ‫ف ِ‬ ‫فَرا ُ‬ ‫ه ال ْ ِ‬ ‫ن أن ّ ُ‬ ‫ي‪ .‬وَِقي َ َ ْ َ ٍ َ ّ‬ ‫ت الت َّراقِ َ‬ ‫كل إ َِذا ب َل َغَ ِ‬ ‫كما قال ‪َ } :‬‬
‫ساقُ { ]القيامة ‪ [30 ، 26 :‬؛ ولهذا قال‬ ‫م َ‬ ‫مئ ِذٍ ال ْ َ‬ ‫ك ي َوْ َ‬ ‫ق‪ .‬إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ساقُ ِبال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬إلى المحتضر وما ُيكابده من سكرات‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حين َئ ِذ ٍ ت َن ْظُرو َ‬ ‫م ِ‬ ‫هاهنا ‪ } :‬وَأن ْت ُ ْ‬
‫الموت‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ولكن ل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صُرو َ‬ ‫ن ل ت ُب ْ ِ‬ ‫م { أي ‪ :‬بملئكتنا } وَلك ِ ْ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ب إ ِلي ْهِ ِ‬ ‫ن أقَر ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫} وَن َ ْ‬
‫ل عَل َي ْك ُْ‬
‫م‬ ‫س ُ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫ِ ُ ْ َ ِ َ ِ ِ َُْ ِ‬ ‫د‬ ‫با‬ ‫ع‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫َ ُ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الخرى‬ ‫الية‬ ‫في‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫ترونهم‪.‬‬
‫م ُرّدوا إ َِلى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬ث ُّ‬ ‫َ‬ ‫طو‬ ‫ر‬ ‫ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ه ُر ُ َ َ ُ ْ‬
‫ه‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ت ت َوَفّت ْ ُ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حد َك ُ ُ‬ ‫جاَء أ َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ة َ‬ ‫فظ َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]النعام ‪.[62 ، 61 :‬‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫حا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫أل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ول‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬
‫َ ِ ِ َ‬ ‫ُ ُ َ ُ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ِ َ ْ ُ ُ‬
‫جُعون ََها { ‪ :‬معناه ‪ :‬فهل َترجُعون هذه‬ ‫ر‬
‫َ َْ ِ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫دي‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ْ ِ ْ ُْ ْ َْ َ ِ‬‫غ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫وقوله ‪} :‬‬
‫النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مكانها الول )‪ ، (1‬ومقرها في الجسد إن‬
‫كنتم غير مدينين‪.‬‬
‫مة ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬ ‫عكرِ َ‬ ‫ْ‬ ‫قال ابن عباس ‪ :‬يعني محاسبين‪ .‬وُروي عن مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫حْزَرة ‪ ،‬مثله‪.‬‬ ‫سد ّيّ ‪ ،‬وأبي َ‬ ‫وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وال ّ‬
‫ن { غير‬ ‫ديِني َ‬ ‫م غَي َْر َ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ول إ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ري ‪ } :‬فَل ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫جب َْير ‪ ،‬والحسن الب َ ْ‬ ‫وقال سعيد بن ُ‬
‫مصدقين أنكم ُتدانون وتبعثون وتجزون ‪ ،‬فردوا هذه النفس‪.‬‬
‫ن { غير موقنين‪.‬‬ ‫ديِني َ‬ ‫م ِ‬ ‫وعن مجاهد ‪ } :‬غَي َْر َ‬
‫مْهران ‪ :‬غير معذبين مقهورين‪.‬‬ ‫وقال ميمون بن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ما إ ِ ْ‬ ‫ة ن َِعيم ٍ )‪ (89‬وَأ ّ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ح وََري ْ َ‬ ‫ن )‪ (88‬فَروْ ٌ‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما إ ِ ْ‬ ‫} فَأ ّ‬
‫َ‬ ‫كم َ‬ ‫كان م َ‬
‫ن‬
‫ما إ ِ ْ‬ ‫ن )‪ (91‬وَأ ّ‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م لَ َ ِ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ن )‪ (90‬فَ َ‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ِ ْ‬
‫حيم ٍ )‪(94‬‬ ‫ج ِ‬‫ة َ‬ ‫صل ِي َ ُ‬ ‫ميم ٍ )‪ (93‬وَت َ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن )‪َ (92‬فنز ٌ‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ظيم ِ )‪.{ (96‬‬ ‫ك ال ْعَ ِ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ِبا ْ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫ن )‪ (95‬فَ َ‬ ‫قي ِ‬ ‫حقّ ال ْي َ ِ‬ ‫ذا ل َهُوَ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫هذه الحوال الثلثة هي أحوال الناس عند احتضارهم ‪ :‬إما أن يكون من‬
‫المقربين )‪ ، (2‬أو يكون ممن دونهم من أصحاب اليمين‪ .‬وإما أن يكون من‬
‫َ‬
‫المكذبين الضالين عن الهدى ‪ ،‬الجاهلين بأمر الله ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬فَأ ّ‬
‫ما‬
‫ن { ‪ ،‬وهم الذين فعلوا الواجبات‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن { أي ‪ :‬المحتضر ‪ِ } ،‬‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫إِ ْ‬
‫والمستحبات ‪ ،‬وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات ‪ } ،‬فََروْ ٌ‬
‫ح‬
‫ة ن َِعيم ٍ { أي ‪ :‬فلهم روح وريحان ‪ ،‬وتبشرهم الملئكة بذلك عند‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫وََري ْ َ‬
‫الموت ‪ ،‬كما تقدم في حديث البراء ‪ :‬أن ملئكة الرحمة تقول ‪" :‬أيتها الروح‬
‫الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ‪ ،‬اخرجي إلى روح وريحان ‪ ،‬ورب‬
‫غير غضبان"‪.‬‬
‫ح { يقول ‪ :‬راحة وريحان ‪،‬‬ ‫َ‬
‫قال علي بن طلحة )‪ ، (3‬عن ابن عباس ‪ } :‬فَروْ ٌ‬
‫يقول ‪ :‬مستراحة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬الولى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬المقربين العلية"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬علي بن أبي طلحة"‪.‬‬

‫) ‪(7/548‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ :‬إن الروح ‪ :‬الستراحة‪.‬‬
‫جب َْير ‪ ،‬والسدي ‪ :‬الروح ‪:‬‬ ‫حْزَرة ‪ :‬الراحة من الدنيا‪ .‬وقال سعيد بن ُ‬ ‫وقال أبو َ‬
‫ن { ‪ :‬جنة ورخاء‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬فروح‬ ‫حا ٌ‬ ‫ح وََري ْ َ‬ ‫َ‬
‫الفرح‪ .‬وعن مجاهد ‪ } :‬فَروْ ٌ‬
‫ن{‪:‬‬ ‫حا‬‫ي‬
‫ََ ْ َ ٌ‬‫ر‬‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫جبير‬ ‫بن‬ ‫وسعيد‬ ‫‪،‬‬ ‫ومجاهد‬ ‫‪،‬‬ ‫ورحمة )‪ .(1‬وقال ابن عباس‬
‫ورزق‪.‬‬
‫وكل هذه القوال متقاربة صحيحة ‪ ،‬فإن من مات مقرًبا حصل له جميعُ ذلك‬
‫ة‬‫جن ّ ُ‬
‫من الرحمة والراحة والستراحة ‪ ،‬والفرح والسرور والرزق الحسن ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن َِعيم ٍ {‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ :‬ل يفارق أحد من المقربين حتى ي ُؤَْتى بغصن من ريحان‬
‫الجنة ‪ ،‬فيقبض روحه فيه‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬ل يموت أحد ٌ من الناس حتى يعلم ‪ :‬أمن أهل الجنة‬
‫هو أم ]من[ )‪ (2‬أهل النار ؟‬
‫هّ‬
‫ت الل ُ‬ ‫وقد قدمنا أحاديث الحتضار عند قوله تعالى في سورة إبراهيم ‪ } :‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫خَرةِ [ { ]إبراهيم ‪، [27 :‬‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬‫ت ]ِفي ال ْ َ‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬ ‫قو ْ ِ‬‫مُنوا ِبال ْ َ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫)‪ ، (3‬ولو كتبت هاهنا لكان حسًنا! ومن جملتها حديث تميم الداري ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬يقول الله لملك الموت ‪ :‬انطلق إلى‬
‫فلن )‪ (4‬فأتني به ‪ ،‬فإنه قد جربته بالسراء والضراء فوجدته حيث أحب ‪،‬‬
‫ائتني به فلريحنه‪ .‬قال ‪ :‬فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من‬
‫ضَبائر الريحان ‪ ،‬أصل‬ ‫حُنوط من الجنة ‪ ،‬ومعهم َ‬ ‫الملئكة ‪ ،‬معهم أكفان و َ‬
‫الريحانة واحد وفي رأسها عشرون لوًنا ‪ ،‬لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه‬
‫‪ ،‬ومعهم الحرير البيض فيه المسك"‪.‬‬
‫وذكر تمام الحديث بطوله كما تقدم )‪ ، (5‬وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه‬
‫الية ‪ :‬قال )‪ (6‬المام أحمد ‪:‬‬
‫ديل بن ميسرة )‪ ، (7‬عن عبد‬ ‫حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا هارون ‪ ،‬عن ب ُ َ‬
‫قيق ‪ ،‬عن عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ش ِ‬‫الله بن َ‬
‫ن { برفع الراء‪.‬‬ ‫حا ٌ‬‫ح وََري ْ َ‬ ‫يقرأ ‪ } :‬فَُروْ ٌ‬
‫وكذا رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث هارون ‪ -‬وهو ابن‬
‫موسى العور ‪ -‬به )‪ ، (8‬وقال الترمذي ‪ :‬ل نعرفه إل من حديثه‪.‬‬
‫ح{‬ ‫َ‬
‫وهذه القراءة هي قراءة يعقوب وحده ‪ ،‬وخالفه الباقون فقرؤوا ‪ } :‬فَروْ ٌ‬
‫بفتح الراء‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فروح وريحان"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬إلى وليي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬انظر ‪ :‬تفسير سورة إبراهيم الية ‪.27 :‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬بن قيس"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (6/64‬وسنن أبي داود برقم )‪ (3991‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (2938‬وسنن النسائي الكبرى برقم )‪.(11566‬‬

‫) ‪(7/549‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن ل َِهيَعة ‪ ،‬حدثنا أبو السود محمد‬
‫بن عبد الرحمن بن نوفل ‪ :‬أنه سمع دّرة بنت معاذ تحدث عن أم هانئ ‪ :‬أنها‬
‫ضا ؟‬‫سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بع ً‬
‫م )‪ (1‬طيًرا يعلق‬ ‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬تكون الَنس ُ‬
‫بالشجر ‪ ،‬حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها" )‪.(2‬‬
‫هذا الحديث فيه بشارة لكل مؤمن ‪ ،‬ومعنى "يعلق" ‪ :‬يأكل ‪ ،‬ويشهد له‬
‫ضا ما رواه المام أحمد ‪ ،‬عن المام محمد بن إدريس الشافعي ‪،‬‬ ‫بالصحة أي ً‬
‫عن المام مالك بن أنس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن كعب بن‬
‫سمة‬ ‫مالك ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إنما ن َ َ‬
‫المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه" )‬
‫‪ .(3‬وهذا إسناد عظيم ‪ ،‬ومتن قويم‪.‬‬
‫وفي الصحيح ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن أرواح‬
‫الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة )‪ (4‬حيث شاءت ‪ ،‬ثم تأوي‬
‫إلى قناديل معلقة بالعرش" )‪ (5‬الحديث‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬حدثنا عطاء بن السائب قال ‪:‬‬
‫خا )‪ (6‬أبيض‬ ‫كان أول يوم عرفت فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ :‬رأيت شي ً‬
‫الرأس واللحية على حمار ‪ ،‬وهو يتبع جنازة ‪ ،‬فسمعته يقول ‪ :‬حدثني فلن بن‬
‫فلن ‪ ،‬سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬من أحب لقاء الله‬
‫أحب الله لقاءه ‪ ،‬ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"‪ .‬قال ‪ :‬فأكب القوم‬
‫يبكون فقال ‪" :‬ما ُيبكيكم ؟" فقالوا ‪ :‬إنا نكره الموت‪ .‬قال ‪" :‬ليس ذاك ‪،‬‬
‫َ‬
‫ة ن َِعيم ٍ { ‪،‬‬
‫جن ّ ُ‬‫ن وَ َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ح وََري ْ َ‬‫ن‪ .‬فََروْ ٌ‬ ‫قّرِبي َ‬‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما إ ِ ْ‬ ‫ضر } فَأ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ولكنه إذا ُ‬
‫شر بذلك أحب لقاء الله عز وجل ‪ ،‬والله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬للقائه أحب‬ ‫فإذا ب ُ ّ‬
‫ن‪َ .‬فنز ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م[ { )‬ ‫حي ٍ‬ ‫ج ِ‬
‫ة َ‬ ‫صل ِي َ ُ‬
‫ميم ٍ ] وَت َ ْ‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ضالي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مكذ ِّبي َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫ما إ ِ ْ‬‫} وَأ ّ‬
‫شر بذلك كره لقاء الله ‪ ،‬والله للقاءه أكره‪.‬‬ ‫‪ (7‬فإذا ب ُ ّ‬
‫هكذا رواه المام أحمد )‪ ، (8‬وفي الصحيح عن عائشة ‪ -‬رضي الله عنها ‪-‬‬
‫شاهد لمعناه )‪.(9‬‬
‫ن { أي ‪ :‬وأما إن كان المحتضر من‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي ِ‬‫ب الي َ ِ‬ ‫حا ِ‬
‫كم َ‬
‫ص َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫ما إ ِ ْ‬‫وقوله ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬تبشرهم الملئكة‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م لَ َ ِ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫أصحاب اليمين ‪ } ،‬فَ َ‬
‫بذلك ‪ ،‬تقول لحدهم ‪ :‬سلم لك ‪ ،‬أي ‪ :‬ل بأس عليك ‪ ،‬أنت إلى سلمة ‪ ،‬أنت‬
‫من أصحاب اليمين‪.‬‬
‫سّلمت عليه ملئكة الله‪ .‬كما‬ ‫م من عذاب الله ‪ ،‬و َ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫وقال قتادة وابن زيد ‪َ :‬‬
‫مة تسلم عليه الملئكة ‪ ،‬وتخبره أنه من أصحاب اليمين‪.‬‬ ‫عك ْرِ َ‬‫قال ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬النسمة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(6/424‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(3/455‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬في رياض الجنة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تقدم الحديث عند تفسير الية ‪ 169 :‬من سورة آل عمران ‪ ،‬وانظر‬
‫تخريجه هناك‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬شخصا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(4/259‬‬
‫)‪ (9‬صحيح مسلم برقم )‪.(2684‬‬
‫) ‪(7/550‬‬

‫م‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬


‫ه ثُ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫وهذا معنى حسن ويكون ذلك كقوله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ة َأل ت َ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫جن ّةِ الِتي كن ْت ُ ْ‬ ‫شُروا ِبال َ‬ ‫حَزُنوا وَأب ْ ِ‬ ‫خاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫موا ت ََتنز ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ما ت َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شت َِهي‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫خَرةِ وَلك ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫م ِفي ال َ‬ ‫ن أوْل َِياؤُك ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن‪ .‬ن َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ُتوعَ ُ‬
‫حيم ٍ { ]فصلت ‪.[32 - 30 :‬‬ ‫فورٍ َر ِ‬ ‫َ‬
‫نغ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن‪ .‬نزل ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ّ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ُ‬
‫م وَلك ْ‬ ‫َ‬ ‫سك ْ‬‫ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫مسلم لك ‪ ،‬أنك من أصحاب اليمين‪.‬‬ ‫ك { أي ‪ُ :‬‬ ‫م لَ َ‬ ‫سل ٌ‬ ‫وقال البخاري ‪ } :‬فَ َ‬
‫صدق مسافر عن قليل‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫وألغيت "إن" )‪ (1‬وهو ‪ :‬معناها ‪ ،‬كما تقول ‪ :‬أنت ُ‬
‫إذا كان قد قال ‪ :‬إني مسافر عن قليل‪ .‬وقد يكون كالدعاء له ‪ ،‬كقولك ‪:‬‬
‫سقًيا لك من الرجال ‪ ،‬إن رفعت "السلم" فهو من الدعاء )‪.(2‬‬
‫وقد حكاه ابن جرير هكذا عن بعض أهل العربية ‪ ،‬ومال إليه ‪ ،‬والله أعلم )‪.(3‬‬
‫َ‬
‫ة‬
‫صل ِي َ ُ‬‫ميم ٍ وَت َ ْ‬ ‫ح ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن‪َ .‬فنز ٌ‬ ‫ضاّلي َ‬‫ن ال ّ‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما إ ِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫حيم ٍ { أي ‪ :‬وأما إن كان المحتضر من المكذبين بالحق ‪ ،‬الضالين عن‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ميم ٍ { وهو المذاب الذي يصهر به ما‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫}‬ ‫فضيافة‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫فنز‬ ‫َ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫الهدى‬
‫حيم ٍ { أي ‪ :‬وتقرير له في النار التي تغمره‬ ‫ج ِ‬‫ة َ‬ ‫صل ِي َ ُ‬ ‫في بطونهم والجلود ‪ } ،‬وَت َ ْ‬
‫من جميع جهاته‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إن هذا الخبر لهو حق اليقين‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن هَ َ‬
‫قي ِ‬ ‫حقّ الي َ ِ‬ ‫ذا لهُوَ َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫الذي ل مرية فيه ‪ ،‬ول محيد لحد عنه‪.‬‬
‫ظيم ِ { قال أحمد ‪:‬‬ ‫ك ال ْعَ ِ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ِبا ْ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫} فَ َ‬
‫مي إياس‬ ‫حدثنا أبو عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا موسى بن أيوب الغافقي ‪ ،‬حدثني ع ّ‬
‫بن عامر ‪ ،‬عن عقبة بن عامر الجهني قال ‪ :‬لما نزلت على رسول الله صلى‬
‫ظيم ِ { قال ‪" :‬اجعلوها في‬ ‫ك ال ْعَ ِ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ِبا ْ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ } :‬فَ َ‬
‫ك العَْلى { ]العلى ‪ ، [1 :‬قال رسول‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫حا ْ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫ركوعكم" ولما نزلت ‪َ } :‬‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اجعلوها في سجودكم"‪.‬‬
‫وكذا رواه أبو داود ‪ ،‬وابن ماجة من حديث عبد الله بن المبارك ‪ ،‬عن موسى‬
‫بن أيوب ‪ ،‬به )‪.(4‬‬
‫ف ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر قال ‪:‬‬ ‫صوا ُ‬ ‫ج ال ّ‬ ‫جا ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫وقال روح بن عبادة ‪ :‬حدثنا َ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من قال ‪ :‬سبحان الله العظيم‬
‫ت له نخلة في الجنة"‪.‬‬ ‫س ْ‬ ‫وبحمده ‪ ،‬غُرِ َ‬
‫ضا من حديث‬ ‫هكذا رواه الترمذي من حديث روح )‪ ، (5‬ورواه هو والنسائي أي ً‬
‫حماد بن سلمة ‪ ،‬من حديث أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم )‪ ، (6‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث أبي‬
‫الزبير‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري )‪" (8/625‬فتح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(27/123‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (4/155‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2869‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(887‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي برقم )‪.(3464‬‬
‫)‪ (6‬سنن الترمذي برقم )‪ (3465‬وسنن النسائي الكبرى برقم )‪(10663‬‬
‫لكن النسائي رواه من طريق حماد بن سلمة عن حجاج الصواف ‪ ،‬عن أبي‬
‫الزبير خلفا للترمذي ‪ ،‬فإنه لم يذكر في هذه الرواية حجاج الصواف فليتنبه‪.‬‬
‫) ‪(7/551‬‬

‫وقال البخاري في آخر كتابه ‪ :‬حدثنا أحمد بن إشكاب ‪ ،‬حدثنا محمد بن فضيل‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول‬ ‫عة ‪ ،‬عن أبي ُ‬
‫عمارة بن القعقاع ‪ ،‬عن أبي ُزْر َ‬
‫‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كلمتان خفيفتان على اللسان ‪ ،‬ثقيلتان في‬
‫الميزان ‪ ،‬حبيبتان إلى الرحمن ‪ :‬سبحان الله وبحمده ‪ ،‬سبحان الله العظيم"‪.‬‬
‫ورواه بقية الجماعة إل أبا داود ‪ ،‬من حديث محمد بن فضيل ‪ ،‬بإسناده ‪ ،‬مثله‬
‫)‪.(1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (7563‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2694‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪ (3467‬وسنن النسائي الكبرى برقم )‪ (10666‬وسنن ابن‬
‫ماجه برقم )‪.(3806‬‬

‫) ‪(7/552‬‬

‫ت‬
‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ك ال ّ‬ ‫م )‪ (1‬ل َ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫كي ُ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ض وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َواْل َْر‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ح ل ِل ّهِ َ‬
‫سب ّ َ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫خُر َوالظاهُِر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل َوال ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ديٌر )‪ (2‬هُوَ الوّ ُ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬‫ُ‬ ‫ه‬‫و‬ ‫ت‬ ‫مي‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫يي‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫واْل َ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ِ‬
‫م )‪(3‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫َوال َْباط ِ ُ َ َ‬
‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ن‬

‫تفسير سورة الحديد‬


‫وهي مدنية‪.‬‬
‫قّية بن الوليد ‪ ،‬حدثني بحير‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن عبد ربه ‪ ،‬حدثنا ب َ ِ‬
‫عْرَباض بن سارية ‪،‬‬ ‫دان ‪ ،‬عن بن أبي بلل ‪ ،‬عن ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫بن سعد ‪ ،‬عن خالد بن َ‬
‫أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن‬
‫يرقد ‪ ،‬وقال ‪" :‬إن فيهن آية أفضل من ألف آية"‪.‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من طرق عن بقية ‪ ،‬به )‪(1‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫ورواه النسائي عن ابن أبي السرح ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن معاوية بن صالح ‪،‬‬
‫عن بحير بن سعد ‪ ،‬عن خالد بن معدان قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫سل لم يذكر عبد الله بن أبي بلل ‪ ،‬ول العرباض بن‬ ‫مْر َ‬ ‫وسلم‪ ...‬فذكره ُ‬
‫سارية )‪(2‬‬
‫خُر‬‫ل َوال ِ‬ ‫والية المشار إليها في الحديث هي ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬قوله ‪ } :‬هُوَ الوّ ُ‬
‫م { كما سيأتي بيانه إن شاء الله وبه‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن وَهُوَ ب ِك ُ ّ‬ ‫ظاهُِر َوال َْباط ِ ُ‬ ‫َوال ّ‬
‫الثقة )‪(3‬‬
‫ت‬
‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫م )‪ (1‬ل ُ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫زيُز ال َ‬ ‫ْ‬
‫ض وَهُوَ العَ ِ‬ ‫ح ل ِل ّهِ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫سب ّ َ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫خُر َوالظاهُِر‬ ‫ل َوال ِ‬ ‫ديٌر )‪ (2‬هُوَ الوّ ُ‬ ‫يٍء قَ ِ‬‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ُ َ َ‬‫ه‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫مي‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫يي‬ ‫ِ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫وال‬
‫َ ْ ِ‬
‫م )‪(3‬‬ ‫ٌ‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬‫ي‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َوال َْباط ِ ُ َ َ ِ‬
‫ب‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ن‬
‫يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السموات والرض أي ‪ :‬من الحيوانات‬
‫ض‬
‫سب ْعُ َوالْر ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ماَوا ُ‬
‫س َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ح لَ ُ‬‫سب ّ ُ‬ ‫والنباتات ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ } :‬ت ُ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬
‫حهُ ْ‬‫سِبي َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬‫ن ل تَ ْ‬ ‫َ‬
‫مدِهِ وَلك ِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ُ‬‫يٍء ِإل ي ُ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ن ِفيهِ ّ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫فوًرا { ]السراء ‪.[44 :‬‬ ‫َ‬
‫ما غ ُ‬ ‫حِلي ً‬ ‫َ‬
‫زيُز { أي ‪ :‬الذي قد خضع له كل شيء } الحكيم { في‬ ‫ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ العَ ِ‬
‫خلقه وأمره وشرعه‬
‫ت { أي ‪ :‬هو المالك المتصرف في‬ ‫مي ُ‬‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ض يُ ْ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ك ال ّ‬ ‫} لَ ُ‬
‫ه ُ‬
‫يٍء قَ ِ‬
‫ديٌر‬ ‫خلقه فيحيي ويميت ‪ ،‬ويعطي من يشاء ما يشاء ‪ } ،‬وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬
‫ل َ‬
‫ش ْ‬
‫{ أي ‪ :‬ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫ن { وهذه الية هي المشار إليها‬ ‫ظاهُِر َوال َْباط ِ ُ‬
‫خُر َوال ّ‬‫ل َوال ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬هُوَ الوّ ُ‬
‫في حديث العرباض بن سارية ‪ :‬أنها أفضل من ألف آية‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (4/128‬وسنن أبي داود برقم )‪ (5057‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (3406‬وسنن النسائي الكبرى برقم )‪(8026‬‬
‫)‪ (2‬سنن النسائي الكبرى برقم )‪.(10551‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬سيأتي بيانه قريًبا إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلن‬
‫وهو حسبنا ونعم الوكيل"‪.‬‬

‫) ‪(7/5‬‬

‫وقال أبو داود حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثنا النضر بن محمد ‪ ،‬حدثنا‬
‫مْيل قال ‪ :‬سألت بن عباس فقلت ‪ :‬ما‬ ‫عكرمة ‪ -‬يعنى بن عمار ‪ -‬حدثنا أبو ُز َ‬
‫شيء أجده في صدري ؟ قال ما هو ؟ قلت والله ل أتكلم به قال ‪ :‬فقال لي‬
‫أشيء من شك ؟ قال ‪ -‬وضحك ‪ -‬قال ‪ :‬ما نجا من ذلك أحد قال حتى أنزل‬
‫ك َفا َ‬ ‫ما َأنزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫ب ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬
‫قَرُءو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سأ ِ‬‫ْ‬ ‫م ّ‬
‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬
‫ت ِفي َ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬
‫الله } فَإ ِ ْ‬
‫ك [ { )‪ (1‬الية ]يونس ‪ [94 :‬قال ‪ :‬وقال لي ‪:‬‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬‫حقّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫جاَء َ‬
‫ك ال َ‬ ‫قد ْ َ‬‫ك ] لَ َ‬
‫قَب ْل ِ َ‬
‫و‬
‫ن وَهُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫خُر َوالظاهُِر َوالَباط ِ ُ‬ ‫ل َوال ِ‬ ‫ً‬
‫إذا وجدت في نفسك شيئا فقل ‪ } :‬هُوَ الوّ ُ‬
‫م { )‪(2‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ب ِك ُ ّ‬
‫وقد اختلفت عبارات المفسرين في هذه الية وأقوالهم على نحو من بضعة‬
‫عشر قول‪.‬‬
‫ما والباطن على كل‬ ‫وقال البخاري ‪ :‬قال يحيى ‪ :‬الظاهر على كل شيء عل ً‬
‫ما )‪(3‬‬ ‫شيء عل ً‬
‫قال شيخنا الحافظ المزيّ ‪ :‬يحيى هذا هو بن زياد الفراء ‪ ،‬له كتاب سماه ‪:‬‬
‫"معاني القرآن"‪.‬‬
‫وقد ورد في ذلك أحاديث ‪ ،‬فمن ذلك ما قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا خلف بن‬
‫سهيل بن أبي صالح ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي‬ ‫الوليد ‪ ،‬حدثنا ابن عياش ‪ ،‬عن ُ‬
‫هريرة ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو )‪ (4‬عند النوم ‪:‬‬
‫"اللهم ‪ ،‬رب السموات السبع ‪ ،‬ورب العرش العظيم ‪ ،‬ربنا ورب كل شيء ‪،‬‬
‫منزل التوراة والنجيل والفرقان ‪ ،‬فالق الحب والنوى ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬أعوذ‬
‫بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته ‪ ،‬أنت الول ليس )‪ (5‬قبلك شيء‬
‫وأنت الخر ليس )‪ (6‬بعدك شيء ‪ ،‬وأنت الظاهر ليس فوقك شيء وأنت‬
‫الباطن ليس دونك شيء‪ .‬اقض عنا الدين ‪ ،‬وأغننا من الفقر" )‪(7‬‬
‫سَهيل‬ ‫ورواه مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثني زهير بن حرب ‪ ،‬حدثنا جرير عن ُ‬
‫قال ‪ :‬كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام ‪ :‬أن يضطجع على شقه‬
‫ب العرش العظيم ‪،‬‬ ‫ب الرض ور ّ‬ ‫ب السموات ور ّ‬ ‫اليمن ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬ر ّ‬
‫ب كل شيء ‪ ،‬فالق الحب والنوى ‪ ،‬ومنزل التوراة والنجيل‬ ‫َرب َّنا ور ّ‬
‫والفرقان ‪ ،‬أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ‪ ،‬اللهم ‪ ،‬أنت الول‬
‫فليس قبلك شيء ‪ ،‬وأنت الخر فليس بعدك شيء ‪ ،‬وأنت الظاهر فليس‬
‫فوقك شيء ‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك شيء ‪ ،‬اقض عنا الدين ‪ ،‬وأغننا من‬
‫الفقر‪.‬‬
‫وكان يروي ذلك ‪ ،‬عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم )‪(8‬‬
‫وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن عائشة أم المؤمنين نحو‬
‫هذا ‪ ،‬فقال حدثنا عقبة ‪ ،‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا السري بن إسماعيل ‪ ،‬عن‬
‫الشعبى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عائشة أنها قالت ‪ :‬كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يأمر بفراشه فيفرش له مستقبل القبلة ‪ ،‬فإذا أوى إليه توسد‬
‫كفه اليمنى ‪ ،‬ثم همس ‪ -‬ما يدرى ما يقول ‪ -‬فإذا كان في آخر الليل رفع‬
‫صوته فقال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬رب السموات السبع ورب العرش العظيم ‪ ،‬إله كل‬
‫شيء ‪ ،‬ورب كل شيء ‪ ،‬ومنزل التوراة والنجيل والفرقان ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود برقم )‪.(5110‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري )‪" (13/361‬فتح"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬فليس"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬فليس"‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(2/404‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم برقم )‪.(2713‬‬

‫) ‪(7/6‬‬

‫فالق الحب والنوى ‪ ،‬أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم ‪ ،‬أنت‬
‫الول الذي ليس )‪ (1‬قبلك شيء ‪ ،‬وأنت الخر الذي ليس بعدك شيء ‪ ،‬وأنت‬
‫الظاهر فليس فوقك شيء ‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك شيء ‪ ،‬اقض عنا‬
‫الدين ‪ ،‬وأغننا من الفقر" )‪(2‬‬
‫ً‬
‫السري بن إسماعيل هذا ابن عم الشعبي ‪ ،‬وهو ضعيف جدا والله أعلم‪.‬‬
‫وقال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا عبد ُ بن حميد وغير‬
‫واحد ‪ -‬المعنى واحد ‪ -‬قالوا ‪ :‬حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا شيبان بن عبد‬
‫الرحمن عن قتادة قال ‪ :‬حدث الحسن ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬بينما رسول‬
‫حاب فقال نبي‬ ‫س َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه ‪ ،‬إذ أتى عليهم َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬هل تدرون ما هذا ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬الله ورسوله‬
‫أعلم‪ .‬قال ‪" :‬هذا العََنان ‪ ،‬هذه َرَوايا الرض تسوقه إلى قوم ل يشكرونه ول‬
‫عونه"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال "‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫فإنها الرقيع ‪ ،‬سقف محفوظ ‪ ،‬وموج مكفوف"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هل تدرون كم‬
‫بينكم وبينها" قالوا ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬بينكم وبينها خمسمائة سنة"‪.‬‬
‫ثم قال ‪" :‬هل تدرون ما فوق ذلك ؟" قالوا ‪ :‬الله ورسوله أعلم قال ‪ " :‬فإن‬
‫فوق ذلك سماء )‪ُ (3‬بعد ُ ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة ‪ -‬حتى عد ّ سبع‬
‫سموات ‪ -‬ما بين كل سماءين كما بين السماء والرض"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هل‬
‫تدرون ما فوق ذلك ؟" قالوا ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪ " :‬فإن فوق ذلك‬
‫العرش ‪ ،‬وبينه وبين السماء ُبعد ُ )‪ (4‬ما بين السماءين"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هل تدرون‬
‫ما الذي تحتكم ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬فإنها الرض"‪ .‬ثم قال ‪:‬‬
‫"هل تدرون ما الذي تحت ذلك ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬فإن‬
‫تحتها أرضا ً أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة ‪ -‬حتى عد ّ )‪ (5‬سبع أرضين ‪-‬‬
‫ضْين مسيرة خمسمائة سنة"‪ .‬ثم قال ‪" :‬والذي نفس محمد بيده ‪،‬‬ ‫َ‬
‫بين كل أْر َ‬
‫و‬
‫لو أنكم َدليتم بحبل إلى الرض السفلي لهبط على الله" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬هُ َ‬
‫م{‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬‫ش ْ‬‫ل َ‬‫ن وَهُوَ ب ِك ُ ّ‬ ‫ظاهُِر َوال َْباط ِ ُ‬‫خُر َوال ّ‬ ‫ل َوال ِ‬‫الوّ ُ‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث غريب من هذا الوجه ‪ ،‬وُيروى عن أيوب ويونس‬
‫‪ -‬يعني بن عبيد ‪ -‬وعلي بن زيد قالوا ‪ :‬لم يسمع الحسن من أبي هريرة‪.‬‬
‫وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا ‪ :‬إنما هََبط على عْلم الله وقدرته‬
‫وسلطانه ‪ ،‬وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان ‪ ،‬وهو على العرش ‪،‬‬
‫كما وصف في كتابه‪ .‬انتهى كلمه )‪(6‬‬
‫وقد روى المام أحمد هذا الحديث عن سريج ‪ ،‬عن الحكم بن عبد الملك ‪،‬‬
‫عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فذكره ‪ ،‬وعنده ُبعد ُ ما بين الْرضين مسيرة سبعمائة عام ‪ ،‬وقال ‪" :‬لو دليتم‬
‫و‬
‫أحدكم بحبل إلى الرض السفلي السابعة لهبط على الله" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬هُ َ‬
‫م{‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬‫ش ْ‬‫ل َ‬‫ن وَهُوَ ب ِك ُ ّ‬ ‫ظاهُِر َوال َْباط ِ ُ‬‫خُر َوال ّ‬ ‫ل َوال ِ‬‫الوّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬فليس"‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسند أبي يعلى )‪.(8/210‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬سماء بعد سماء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬مثل بعد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬عدد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن الترمذي برقم )‪.(3298‬‬

‫) ‪(7/7‬‬

‫ورواه بن أبي حاتم والبزار من حديث أبي جعفر الرازي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن‬
‫الحسن ‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ...‬فذكر الحديث ‪ ،‬ولم يذكر بن أبي حاتم آخره وهو‬
‫قوله ‪" :‬لو دليتم بحبل" ‪ ،‬وإنما قال ‪" :‬حتى عَد ّ سبع أرضين بين كل أرضين‬
‫ُ‬
‫ن وَهُوَ ب ِك ّ‬
‫ل‬ ‫ظاهُِر َوال َْباط ِ ُ‬
‫خُر َوال ّ‬ ‫مسيرة خمسمائة عام" ‪ ،‬ثم تل } هُوَ الوّ ُ‬
‫ل َوال ِ‬
‫م{‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬
‫وقال البزار ‪ :‬لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إل أبو هريرة‪.‬‬
‫ورواه بن جرير ‪ ،‬عن بشر ‪ ،‬عن يزيد ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ } :‬هُوَ الوّ ُ‬
‫ل‬
‫ن { ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بينما هو‬ ‫ظاهُِر َوال َْباط ِ ُ‬
‫خُر َوال ّ‬ ‫َوال ِ‬
‫جالس في أصحابه إذ ثار عليهم سحاب ‪ ،‬فقال ‪" :‬هل تدرون ما هذا ؟" )‪(1‬‬
‫وذكر الحديث مثل سياق الترمذي سواء ‪ ،‬إل أنه مرسل من هذا الوجه ‪،‬‬
‫ولعل هذا هو المحفوظ ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وقد روي من حديث أبي ذر الغفاري ‪،‬‬
‫رضي الله عنه وأرضاه ‪ ،‬رواه البزار في مسنده ‪ ،‬والبيهقي في كتاب السماء‬
‫والصفات )‪ (2‬ولكن في إسناده نظر ‪ ،‬وفي متنه غرابة ونكارة ‪ ،‬والله سبحانه‬
‫وتعالى أعلم‪.‬‬
‫ن { ]الطلق "‪ ["12‬حدثنا‬ ‫َ‬
‫مث ْلهُ ّ‬‫ض ِ‬
‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬‫وقال ابن جرير عند قوله تعالى } وَ ِ‬
‫مر ‪ ،‬عن قتادة قال ‪ :‬التقى أربعة من‬ ‫معْ َ‬‫ابن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن ثور ‪ ،‬عن َ‬
‫الملئكة بين السماء والرض ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬من أين جئت ؟ قال‬
‫م ‪ ،‬قال الخر‬ ‫أحدهم ‪ :‬أرسلني ربي ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬من السماء السابعة وتركته ث َ ّ‬
‫م ‪ ،‬قال الخر ‪:‬‬ ‫‪ :‬أرسلني ربي ‪ ،‬عز وجل من الرض السابعة وتركته ث َ ّ‬
‫م ‪ ،‬قال الخر ‪ :‬أرسلني ربي من المغرب‬‫أرسلني ربي من المشرق وتركته ث َ ّ‬
‫وتركته ث َ ّ‬
‫م )‪(3‬‬
‫وهذا ]حديث[ )‪ (4‬غريب جدا ً ‪ ،‬وقد يكون الحديث الول موقوًفا على قتادة‬
‫كما روي هاهنا من قوله ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(27/124‬‬
‫)‪ (2‬السماء والصفات للبيهقي )ص ‪ (506‬من طريق أحمد بن عبد الجبار ‪،‬‬
‫عن أبي معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي نصر ‪ ،‬عن أبي ذر ‪ ،‬ومن طريق‬
‫البيهقي رواه الجوزقاني في الباطيل )‪ (1/68‬وقال ‪" :‬هذا حديث منكر"‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(28/99‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م‪.‬‬

‫) ‪(7/8‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ش ي َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫وى عَلى العَْر ِ‬
‫َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ست ّةِ أّيام ٍ ث ُ ّ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫و‬ ‫ما ي َن ْزِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ج ِفيَها وَهُ َ‬ ‫ما ي َعُْر ُ‬
‫ماِء وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ج َِفي الْر ِ‬ ‫ما ي َل ِ ُ‬
‫َ‬
‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ما‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫(‬‫‪4‬‬ ‫)‬ ‫ر‬ ‫صي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ّ َ َ ِ َ ْ ِ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ ِ ٌ‬ ‫ُْ ْ َ ُ ِ َ َْ َ‬
‫ُ‬
‫َ َ ْ ْ َ َ‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬
‫ْ ِ َ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ر‬‫ها‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ج‬
‫َّ ِ َُ ِ ُ َّ َ ِ‬ ‫ل‬ ‫يو‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ْ ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ج‬ ‫ل‬
‫ُ ِ ُ‬ ‫يو‬ ‫(‬ ‫‪5‬‬ ‫)‬ ‫ر‬‫ُ ُ‬‫مو‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫وَإ َِلى الل ّهِ ت ُ ْ َ ُ‬
‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬
‫دورِ )‪(6‬‬ ‫ص ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫م بِ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش‬
‫وى عَلى العَْر ِ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ست ّةِ أّيام ٍ ث ُ ّ‬‫ض ِفي ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫} هُوَ ال ّ ِ‬
‫ج ِفيَها‬
‫ما ي َعُْر ُ‬ ‫ماِء وَ َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬‫ما َينز ُ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ض وَ َ‬‫ج َِفي الْر ِ‬ ‫ما ي َل ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ت‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫صيٌر )‪ (4‬ل َ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬‫م أي ْ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫وَهُوَ َ‬
‫ج الن َّهاَر ِفي‬ ‫ج اللي ْل ِفي الن َّهارِ وَُيول ِ ُ‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫موُر )‪ُ (5‬يول ِ ُ‬ ‫جعُ ال ُ‬ ‫ّ‬
‫ض وَإ ِلى اللهِ ت ُْر َ‬‫َ‬
‫َوالْر ِ‬
‫دورِ )‪{ (6‬‬ ‫ّ ُ‬‫ص‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ل وَ ُ َ َ ِ ٌ ِ ِ‬
‫ذا‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫لي‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫الل ّي ْ ِ‬
‫يخبر تعالى عن خلقه السموات والرض وما بينهما في ستة أيام ‪ ،‬ثم أخبر‬
‫باستوائه على العرش بعد خلقهن ‪ ،‬وقد تقدم الكلم على هذه الية وأشباهها‬
‫في سورة "العراف )‪ (1‬بما أغنى عن إعادته هاهنا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬عند تفسير الية ‪.54 :‬‬

‫) ‪(8/8‬‬

‫ض { أي ‪ :‬يعلم عدد ما يدخل فيها من حب وقطر‬ ‫ج ِفي الْر ِ‬ ‫ما ي َل ِ ُ‬‫م َ‬ ‫} ي َعْل َ ُ‬
‫ب‬‫ح ال ْغَي ْ ِ‬‫فات ِ ُ‬
‫م َ‬
‫عن ْد َه ُ َ‬
‫من َْها { من زرع وَنبات وثمار ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫مَها َول‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن وََرقةٍ ِإل ي َعْل ُ‬ ‫م ْ‬‫قط ِ‬ ‫ُ‬ ‫س ُ‬‫ما ت َ ْ‬
‫حرِ وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ما ِفي الب َّر َوالب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫مَها ِإل هُوَ وَي َعْل ُ‬ ‫َ‬
‫ل ي َعْل ُ‬
‫ن { ]النعام ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫س ِإل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ب َول َياب ِ ٍ‬ ‫ض َول َرط ٍ‬ ‫ت الْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫حب ّةٍ ِفي ظل َ‬ ‫َ‬
‫‪.[59‬‬
‫ماِء { أي ‪ :‬من المطار ‪ ،‬والثلوج والبَرد ‪،‬‬ ‫س‬
‫ّ َ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬‫م‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ينز‬ ‫ما‬
‫َ َ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫والقدار والحكام مع الملئكة الكرام ‪ ،‬وقد تقدم في سورة "البقرة" أنه ما‬
‫ينزل من قطرة من السماء إل ومعها ملك ُيقّررها في المكان الذي يأمر الله‬
‫به حيث يشاء تعالى‪.‬‬
‫ج ِفيَها { أي ‪ :‬من الملئكة والعمال ‪ ،‬كما جاء في الصحيح‬ ‫ما ي َعُْر ُ‬‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ل الليل قبل النهار ‪ ،‬وعمل النهار قبل الليل" )‪(1‬‬ ‫م ُ‬ ‫‪" :‬ي ُْرفَعُ إليه عَ َ‬
‫َ‬
‫صيٌر { أي ‪ :‬رقيب‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ َ‬
‫عليكم ‪ ،‬شهيد على أعمالكم حيث أنتم ‪ ،‬وأين كنتم ‪ ،‬من بر أو بحر ‪ ،‬في ليل‬
‫أو نهار ‪ ،‬في البيوت أو القفار ‪ ،‬الجميع في علمه على السواء ‪ ،‬وتحت بصره‬
‫وسمعه ‪ ،‬فيسمع كلمكم ويرى مكانكم ‪ ،‬ويعلم سركم ونجواكم ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫ما‬‫م َ‬‫م ي َعْل َ ُ‬‫ن ث َِياب َهُ ْ‬
‫شو َ‬ ‫ست َغْ ُ‬‫ن يَ ْ‬‫حي َ‬ ‫ه َأل ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫فوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ل ِي َ ْ‬
‫دوَرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ي َث ُْنو َ‬
‫َ‬
‫} أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫م‬‫من ْك ُ ْ‬
‫واٌء ِ‬ ‫س َ‬ ‫دورِ { ]هود ‪ .[5 :‬وقال } َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫سّرو َ‬ ‫يُ ِ‬
‫ب ِبالن َّهارِ {‬ ‫ّ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سارِ ٌ‬
‫ل وَ َ‬ ‫ف ِباللي ْ ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ست َ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جهََر ب ِهِ وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سّر ال َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫]الرعد ‪ ، [10 :‬فل إله غيره ول رب سواه‪ .‬وقد ثبت في الصحيح أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه سلم قال لجبريل ‪ ،‬لما سأله عن الحسان ‪" :‬أن تعبد الله‬
‫كأنك تراه ‪ ،‬فإن لم تكن تراه فإنه يراك"‪.‬‬
‫وروى الحافظ أبو بكر السماعيلي من حديث نصر بن خزيمة بن جنادة بن‬
‫محفوظ بن علقمة ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن نصر بن علقمة ‪ ،‬عن أخيه ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن عائذ قال ‪ :‬قال عمر ‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫صاِلح‬ ‫ست َِح الله كما تستحي رجل من َ‬ ‫فقال ‪ :‬زودني كلمة أعيش بها فقال ‪" :‬ا ْ‬
‫عشيرتك ل يفارقك" )‪(2‬‬
‫هذا حديث غريب ‪ ،‬وروى أبو نعيم من حديث عبد الله بن معاوية الغاضري‬
‫م اليمان ‪ :‬من عبد الله وحده ‪ ،‬وأعطى‬ ‫ن فقد ط َعِ َ‬ ‫عا ‪" :‬ثلث من فَعَل َهُ ّ‬ ‫مرفو ً‬
‫درنة ‪ ،‬ول‬ ‫ة بها نفسه في كل عام ‪ ،‬ولم يعط الهََرمة ول ال َ‬ ‫زكاة ماله طيب ً‬
‫سه" وقال‬ ‫ف َ‬ ‫شرط اللئيمة ول المريضة ولكن من أوسط أموالكم‪ .‬وزكى ن َ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما تزكية المرء نفسه ؟ فقال ‪" :‬يعلم أن الله معه‬
‫حيث كان" )‪(3‬‬
‫ماد ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار‬ ‫ح ّ‬‫وقال ن ُعَْيم بن َ‬
‫الحمصي ‪ ،‬عن محمد بن مهاجر ‪ ،‬عن عُْروَة َ بن ُرَويم ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬
‫غنم ‪ ،‬عن عبادة بن الصامت قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬‬ ‫َ‬
‫إن أفضل اليمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت"‪ .‬غريب‪(4) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪ (179‬من حديث أبي موسى الشعري ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬وذكره المؤلف في مسند عمر بن الخطاب )‪ (2/609‬من طريق‬
‫السماعيلي وقال ‪" :‬إسناده غريب ‪ ،‬وفي حديث القدر ‪" :‬فإن لم تكن تراه‬
‫فإنه يراك" وله شاهد من حديث سعيد بن يزيد عن بن عم له قال ‪ :‬قلت يا‬
‫رسول الله أوصني ‪ ،‬قال ‪" :‬استح من الله كما تستحي من الرجل الصالح‬
‫من قومك"‪ .‬أخرجه مجشل في تاريخ واسط )ص ‪.(209‬‬
‫)‪ (3‬ورواه البيهقي في السنن الكبرى )‪ (4/96‬من طريق الزبيدي عن يحيى‬
‫بن جابر ‪ ،‬أن عبد الرحمن بن جبير حدثه أن أباه حدثه أن عبد الله بن معاوية‬
‫الغاضري به ‪ ،‬ورواه أبو داود من طريق الزبيدي عن يحيى بن جابر ‪ ،‬عن‬
‫جبير بن نفير به نحوه ‪ ،‬والول أصح‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )‪" (47‬مجمع البحرين" عن‬
‫مطلب ‪ ،‬عن نعيم بن حماد به وقال ‪" :‬تفرد به عثمان"‪ .‬ورواه أبو نعيم في‬
‫الحلية )‪ (6/124‬عن الطبراني ‪ ،‬عن يحيى بن عثمان ‪ ،‬عن نعيم بن حماد به ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬غريب من حديث عروة لم نكتبه إل من حديث محمد بن مهاجر"‪.‬‬
‫وعثمان بن سعيد لم يعرفه الهيثمي في المجمع )‪ ، (1/60‬وذكره بن أبي‬
‫حاتم في الجرح والتعديل )‪ (6/152‬ونقل عن يحيى بن معين أنه ثقة‪.‬‬
‫) ‪(8/9‬‬

‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬
‫ن ِفيهِ َفال ّ ِ َ‬ ‫في َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫قوا ِ‬ ‫سول ِهِ وَأ َن ْفِ ُ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫آَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫م ل ِت ُؤْ ِ‬ ‫عوك ُ ْ‬ ‫ل ي َد ْ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوالّر ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م َل ت ُؤْ ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫جٌر ك َِبيٌر )‪ (7‬وَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫قوا ل َهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫وَأن ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬
‫ل عَلى عَب ْدِهِ آَيا ٍ‬ ‫ذي ي ُن َّز ُ‬ ‫ن )‪ (8‬هُوَ ال ِ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ميَثاقَك ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫م وَقَد ْ أ َ‬ ‫ب َِرب ّك ْ‬
‫ما‬ ‫م )‪ (9‬وَ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫م لَرُءو ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه ب ِك ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ت إ ِلى الّنورِ وَإ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الظل َ‬ ‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫جك ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ت ل ِي ُ ْ‬ ‫ب َي َّنا ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫وي ِ‬ ‫ست َ ِ‬‫ض ل يَ ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ث ال ّ‬ ‫ميَرا ُ‬ ‫ل اللهِ وَل ِلهِ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قوا ِفي َ‬ ‫م أل ت ُن ْفِ ُ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْد ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬‫م د ََر َ‬ ‫ك أعْظ َ ُ‬ ‫ل أول َئ ِ َ‬ ‫فت ِْح وََقات َ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فق َ ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫ن ذا ال ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫خِبيٌر )‪َ (10‬‬ ‫ن َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫سَنى َوالل ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ال ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وَقات َلوا وَكل وَعَد َ الل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فه ل َه ول َه أ َ‬
‫م )‪(11‬‬ ‫َ‬
‫ح َ ً ُ َ ِ ُ ُ َ ُ ْ ٌ ِ ٌ‬
‫ري‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ضا‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫س‬ ‫ضا َ‬ ‫ه قَْر ً‬ ‫ض الل ّ َ‬ ‫قرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬

‫وكان المام أحمد ينشد هذين البيتين ‪:‬‬


‫ب‪...‬‬ ‫ي َرِقي ُ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬عَل ّ‬ ‫ن قُ ْ‬ ‫ت وَلك ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫خل َوْ ُ‬ ‫ل‪َ ...‬‬ ‫ق ْ‬ ‫ما َفل ت َ ُ‬ ‫ت الد ّهَْر ي َوْ ً‬ ‫خل َوْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫إ َِذا َ‬
‫ب‪...‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف ُ‬
‫فى عَلي ْهِ ي َِغي ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ة‪َ ...‬ول أ ّ‬ ‫ساعَ ً‬ ‫ل َ‬ ‫ه ي َغْ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫َول ت َ ْ‬
‫موُر { أي ‪ :‬هو‬ ‫جعُ ال ُ‬ ‫ض وَإ ِلى اللهِ ت ُْر َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ملك ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ُ‬
‫خَرةَ َوالولى { ]الليل ‪، [13 :‬‬ ‫َ‬ ‫ن لَنا لل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫المالك للدنيا والخرة كما قال ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫مد ُ ِفي‬ ‫َ ْ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ِ َ ِ ُ َ ُ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫إل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫وهو المحمود على ذلك ‪ ،‬كما قال ‪َ ُ َ } :‬‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬
‫ما ِفي‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫خَرةِ { ]القصص ‪ ، [70 :‬وقال } ال ْ َ‬ ‫الوَلى َوال ِ‬
‫خِبيُر { ]سبأ ‪:‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫خَرةِ وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫مد ُ ِفي ال ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ض وَل َ ُ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ .[1‬فجميع ما في السماوات والرض ملك له ‪ ،‬وأهلهما عبيد أرقاء أذلء بين‬
‫قد ْ‬ ‫دا ل َ َ‬ ‫ن عَب ْ ً‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ض ِإل آِتي الّر ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫يديه كما قال ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مةِ فَْرًدا { ]مريم ‪ .[95 - 93 :‬ولهذا‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م آِتيهِ ي َوْ َ‬ ‫دا وَك ُلهُ ْ‬ ‫م عَ ّ‬ ‫م وَعَد ّهُ ْ‬ ‫صاهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫موُر { أي ‪ :‬إليه المرجع يوم القيامة ‪ ،‬فيحكم في‬ ‫جعُ ال ُ‬ ‫قال ‪ } :‬وَإ َِلى الل ّهِ ت ُْر َ‬
‫خلقه بما يشاء ‪ ،‬وهو العادل الذي ل يجور ول يظلم مثقال ذرة ‪ ،‬بل إن يكن‬
‫جًرا‬ ‫أحدهم عمل حسنة واحدة يضاعفها إلى عشر أمثالها ‪ } ،‬ويؤْت من ل َدن َ‬
‫هأ ْ‬ ‫َُ ِ ِ ْ ُْ ُ‬
‫ق ْ َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ضعُ ال ْ َ‬
‫سط ل ِي َوْم ِ‬ ‫َ‬
‫واِزي َ‬ ‫م َ‬ ‫ما { ]النساء ‪ [40 :‬وكما قال تعالى ‪ } :‬وَن َ َ‬ ‫ظي ً‬ ‫عَ ِ‬
‫فى ب َِنا‬ ‫َ‬
‫ل أت َي َْنا ب َِها وَك َ‬ ‫خْرد َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حب ّةٍ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫َ‬ ‫شي ًْئا وَإ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مةِ َفل ت ُظل ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ن { ]النبياء ‪.[47 :‬‬ ‫سِبي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫َ‬
‫ل { أي ‪ :‬هو المتصرف‬ ‫ّ‬
‫ج الن َّهاَر ِفي اللي ْ ِ‬ ‫ج اللي ْل ِفي الن َّهارِ وَُيول ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وقوله ‪ُ } :‬يول ِ ُ‬
‫في الخلق ‪ ،‬يقلب الليل والنهار ويقدرهما بحكمته كما يشاء ‪ ،‬فتارة يطول‬
‫الليل ويقصر النهار ‪ ،‬وتارة بالعكس ‪ ،‬وتارة يتركهما معتدلين‪ .‬وتارة يكون‬
‫فا ‪ ،‬وكل ذلك بحكمته وتقديره لما‬ ‫ظا ثم خري ً‬ ‫الفصل شتاء ثم ربيًعا ثم قي ً‬
‫دورِ { أي ‪ :‬يعلم السرائر وإن دقت ‪،‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫يريده بخلقه ‪ } ،‬وَهُوَ عَِلي ٌ‬
‫وإن خفيت‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِفيهِ َفال ِ‬ ‫في َ‬ ‫خل ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَلك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫قوا ِ‬ ‫سول ِهِ وَأن ْفِ ُ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫}آ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَأ َن ْ َ‬
‫مُنوا‬ ‫م ل ِت ُؤْ ِ‬ ‫عوك ُ ْ‬ ‫ل ي َد ْ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن ِباللهِ َوالّر ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ل ت ُؤْ ِ‬ ‫ما لك ُ ْ‬ ‫جٌر ك َِبيٌر )‪ (7‬وَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫قوا لهُ ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ت‬‫ل عََلى عَب ْدِهِ آَيا ٍ‬ ‫ذي ُينز ُ‬ ‫ن )‪ (8‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ميَثاقَك ُ ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫م وَقَد ْ أ َ َ‬ ‫ب َِرب ّك ُ ْ‬
‫ما‬ ‫م )‪ (9‬وَ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫م ل ََرُءو ٌ‬ ‫ه ب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت إ َِلى الّنورِ وَإ ِ ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ت ل ِي ُ ْ‬ ‫ب َي َّنا ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫وي ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ض ل يَ ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ث ال ّ‬ ‫ميَرا ُ‬ ‫ل اللهِ وَل ِلهِ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قوا ِفي َ‬ ‫م أل ت ُن ْفِ ُ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْد ُ‬ ‫م ْ‬‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫م د ََر َ‬ ‫ك أعْظ َ ُ‬ ‫ل أول َئ ِ َ‬ ‫فت ِْح وََقات َ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فق َ ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫ن َذا ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خِبيٌر )‪َ (10‬‬ ‫ن َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫سَنى َوالل ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫وَقات َلوا وَكل وَعَد َ الل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪{ (11‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫َ‬
‫جٌر ك ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ه وَل ُ‬ ‫هل ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫سًنا في ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫ضا َ‬ ‫ه قَْر ً‬ ‫ض الل ّ َ‬ ‫قرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫) ‪(8/10‬‬

‫أمر تعالى باليمان به وبرسوله على الوجه الكمل ‪ ،‬والدوام والثبات على‬
‫ذلك والستمرار ‪ ،‬وحث على النفاق مما جعلكم مستخلفين فيه أي مما هو‬
‫معكم على سبيل العارية ‪ ،‬فإنه قد كان في أيدي من قبلكم ثم صار إليكم ‪،‬‬
‫فأرشد تعالى إلى استعمال ما استخلفهم فيه من المال في طاعته ‪ ،‬فإن )‪(1‬‬
‫يفعلوا وإل حاسبهم عليه وعاقبهم لتركهم الواجبات فيه‪.‬‬
‫فا‬ ‫ن ِفيهِ { فيه إشارة إلى أنه سيكون مخل ً‬ ‫في َ‬ ‫خل َ ِ‬‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬‫وقوله ‪ِ } :‬‬
‫عنك ‪ ،‬فلعل وارثك أن يطيع الله فيه ‪ ،‬فيكون أسعد بما أنعم الله به عليك‬
‫منك ‪ ،‬أو يعصي الله فيه فتكون قد سعيت في معاونته على الثم والعدوان‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬سمعت قتادة‬
‫خير ‪ -‬عن أبيه قال ‪ :‬انتهيت‬ ‫ش ّ‬ ‫مط َّرف ‪ -‬يعني بن عبد الله بن ال ّ‬ ‫يحدث ‪ ،‬عن ُ‬
‫م الت ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كاث ُُر {‬ ‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ‪ } " :‬ألَهاك ُ ُ‬
‫]التكاثر ‪ ، [1 :‬يقول ابن آدم ‪ :‬مالي مالي! وهل لك من مالك إل ما أكلت‬
‫فأفنيت ‪ ،‬أو لبست فأبليت ‪ ،‬أو تصدقت فأمضيت ؟"‪.‬‬
‫ورواه مسلم من حديث شعبة ‪ ،‬به )‪ (2‬وزاد ‪" :‬وما سوى ذلك فذاهب وتاركه‬
‫للناس"‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫جٌر كِبيٌر { ترغيب في اليمان‬ ‫مأ ْ‬ ‫قوا لهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فال ِ‬
‫والنفاق في الطاعة ‪،‬‬
‫م{؟‬ ‫ُ‬
‫مُنوا ب َِرب ّك ْ‬ ‫م ل ِت ُؤْ ِ‬ ‫ُ‬
‫عوك ْ‬ ‫ل ي َد ْ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن ِباللهِ َوالّر ُ‬ ‫ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ل ت ُؤْ ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫أي ‪ :‬وأي شيء يمنعكم من اليمان والرسول بين أظهركم ‪ ،‬يدعوكم إلى‬
‫ذلك ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به ؟ وقد روينا في‬
‫الحديث من ط ُُرق في أوائل شرح "كتاب اليمان" من صحيح البخاري ‪ :‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لصحابه ‪" :‬أيّ المؤمنين أعجب‬
‫إليكم إيماًنا ؟" قالوا ‪ :‬الملئكة‪ .‬قال ‪" :‬وما لهم ل يؤمنون وهم عند ربهم ؟"‬
‫قالوا ‪ :‬فالنبياء‪ .‬قال ‪" :‬وما لهم ل يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟"‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫فنحن ؟ قال ‪" :‬وما لكم ل تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ ولكن أعجب المؤمنين‬
‫فا يؤمنون بما فيها" )‪(3‬‬ ‫ح ً‬‫ص ُ‬‫إيمانا قوم يجيؤون بعدكم يجدون ُ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقد ذكرنا طرًفا من هذا في أول سورة "البقرة" عند قوله ‪ } :‬ال ِ‬
‫ب { ]البقرة ‪.[3 :‬‬ ‫ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫َ‬
‫ميَثاقَ ُ‬
‫ه‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م { كما قال ‪َ } :‬واذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ميَثاقَك ُ ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَقَد ْ أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫معَْنا وَأطعَْنا { ]المائدة ‪ .[7 :‬ويعني بذلك ‪ :‬بيعة‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ب ِهِ إ ِذ ْ قُلت ُ ْ‬ ‫قك ُ ْ‬
‫ذي َواث َ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وزعم ابن جرير أن المراد بذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم ‪ ،‬وهو‬
‫مذهب مجاهد ‪ ،‬فالله أعلم‪.‬‬
‫جا واضحات ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حج‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫ت‬
‫َْ ِ ِ َ ٍ ََّ ٍ‬ ‫يا‬ ‫آ‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ل عَ‬ ‫ذي ُينز ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ت إ َِلى الّنورِ {‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫جك ُ ْ‬‫خرِ َ‬ ‫ودلئل باهرات ‪ ،‬وبراهين قاطعات ‪ } ،‬ل ِي ُ ْ‬
‫أي ‪ :‬من ظلمات الجهل والكفر والراء‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬وإن لم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (4/24‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2958‬‬
‫)‪ (3‬سبق تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 3 :‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫) ‪(8/11‬‬

‫م{‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫م ل ََرُءو ٌ‬ ‫ه ب ِك ُ ْ‬‫ن الل ّ َ‬


‫المتضادة إلى نور الهدى واليقين واليمان ‪ } ،‬وَإ ِ ّ‬
‫أي ‪ :‬في إنزاله الكتب وإرساله الرسل لهداية الناس ‪ ،‬وإزاحة العلل وإزالة‬
‫الشبه‪.‬‬
‫ولما أمرهم أول باليمان والنفاق ‪ ،‬ثم حثهم على اليمان ‪ ،‬وبين أنه قد أزال‬
‫قوا ِفي‬ ‫م َأل ت ُن ْفِ ُ‬‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ضا على النفاق‪ .‬فقال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫عنهم موانعه ‪ ،‬حثهم )‪ (1‬أي ً‬
‫شوا فقًرا )‪(2‬‬ ‫ض { أي ‪ :‬أنفقوا ول تخ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ث ال ّ‬ ‫ميَرا ُ‬ ‫ل الل ّهِ وَل ِل ّهِ ِ‬ ‫سِبي ِ‬‫َ‬
‫وإقلل فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السموات والرض ‪ ،‬وبيده‬
‫مقاليدهما ‪ ،‬وعنده خزائنهما ‪ ،‬وهو مالك العرش بما حوى ‪ ،‬وهو القائل ‪:‬‬
‫ن { ]سبأ ‪ ، [39 :‬وقال }‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬ ‫ه وَهُوَ َ‬‫ف ُ‬ ‫خل ِ ُ‬‫يٍء فَهُوَ ي ُ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قت ُ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫ما أ َن ْ َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ق { ]النحل ‪ [96 :‬فمن توكل على الله أنفق ‪،‬‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َبا ٍ‬ ‫ما ِ‬ ‫فد ُ و َ َ‬ ‫م ي َن ْ َ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫ولم يخش من ذي العرش إقلل وعلم أن الله سيخلفه عليه‪.‬‬
‫ل { أي ‪ :‬ل يستوي‬ ‫فت ِْح وََقات َ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬
‫م ْ‬
‫فق َ ِ‬ ‫ن أ َن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬‫من ْك ُ ْ‬‫وي ِ‬ ‫ست َ ِ‬
‫وقوله ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫دا ‪ ،‬فلم‬ ‫هذا ومن لم يفعل كفعله ‪ ،‬وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شدي ً‬
‫يكن يؤمن حينئذ إل الصديقون ‪ ،‬وأما بعد الفتح فإنه ظهر السلم ظهوًرا‬
‫عظيما ‪ ،‬ودخل الناس في دين الله أفواجا ؛ ولهذا قال ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ َ‬
‫ة‬
‫ج ً‬‫م د ََر َ‬ ‫ك أعْظ َ ُ‬ ‫ً‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سَنى {‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫ن ب َعْد ُ وََقات َلوا وَكل وَعَد َ الل ُ‬ ‫م ْ‬‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫والجمهور على أن المراد بالفتح هاهنا فتح مكة‪ .‬وعن الشعبي وغيره أن‬
‫المراد بالفتح هاهنا ‪ :‬صلح الحديبية ‪ ،‬وقد يستدل لهذا القول بما قال المام‬
‫أحمد ‪:‬‬
‫ميد الطويل ‪ ،‬عن أنس‬ ‫ح َ‬ ‫هير ‪ ،‬حدثنا ُ‬ ‫حدثنا أحمد بن عبد الملك ‪ ،‬حدثنا ُز َ‬
‫قال ‪ :‬كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلم ‪ ،‬فقال خالد‬
‫لعبد الرحمن ‪ :‬تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها ؟ فبلغنا أن ذلك ُذكر للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال ‪ " :‬دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده ‪ ،‬لو‬
‫أنفقتم مثل أحد ‪ -‬أو مثل الجبال ‪ -‬ذهًبا ‪ ،‬ما بلغتم أعمالهم" )‪(3‬‬
‫ومعلوم أن إسلم خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح‬
‫جذيمة الذين بعث‬ ‫الحديبية وفتح مكة ‪ ،‬وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني َ‬
‫إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بعد الفتح ‪ ،‬فجعلوا‬
‫يقولون ‪" :‬صبأنا ‪ ،‬صبأنا" ‪ ،‬فلم يحسنوا أن يقولوا ‪" :‬أسلمنا" ‪ ،‬فأمر خالد‬
‫بقتلهم وقتل من أسر منهم ‪ ،‬فخالفه عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫عمر وغيرهما‪ .‬فاختصم خالد وعبد الرحمن بسبب ذلك )‪(4‬‬
‫والذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬ل تسبوا‬
‫مد ّ‬ ‫أصحابي ‪ ،‬فوالذي نفسي بيده ‪ ،‬لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهًبا ‪ ،‬ما بلغ ُ‬
‫أحدهم ول َنصيفه" )‪(5‬‬
‫وروى ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث ابن وهب ‪ :‬أخبرنا هشام بن‬
‫سعد ‪ ،‬عن زيد بن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ثم حثهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬قتًرا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(3/266‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (7189‬من حديث بن عمر ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (3673‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2541‬من حديث‬
‫أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(8/12‬‬

‫أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري أنه قال ‪ :‬خرجنا مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ‪ ،‬حتى إذا كنا بعسفان قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم‬
‫مع أعمالهم" فقلنا ‪ :‬من هم يا رسول الله أقريش ؟ قال ‪ :‬ل ولكن أهل‬
‫اليمن ‪ ،‬هم أرق أفئدة ً وألين قلوًبا"‪ .‬فقلنا ‪ :‬أهم خير منا يا رسول الله ؟‬
‫مد ّ أحدكم ول‬ ‫قال ‪" :‬لو كان لحدهم جبل من ذهب فأنفقه ‪ ،‬ما أدرك ُ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ف َ‬‫ن أن ْ َ‬‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫من ْك ْ‬‫وي ِ‬ ‫ست َ ِ‬‫َنصيفه ‪ ،‬أل إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس ‪ } ،‬ل ي َ ْ‬
‫ن ب َعْد ُ وََقات َُلوا وَكلُ‬
‫م ْ‬‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬‫ن أ َن ْ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬
‫ة ِ‬
‫ج ً‬‫م د ََر َ‬‫ك أعْظ َ ُ‬
‫ل ُأول َئ ِ َ َ‬‫فت ِْح وََقات َ َ‬‫ل ال ْ َ‬‫ن قَب ْ ِ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫خِبيٌر { )‪(1‬‬ ‫ن َ‬ ‫ملو َ‬‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫سَنى َوالل ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ال ُ‬ ‫ّ‬
‫وَعَد َ الل ُ‬
‫[وهذا الحديث غريب بهذا السياق ‪ ،‬والذي في الصحيحين من رواية جماعة ‪،‬‬
‫كر الخوارج ‪" : -‬تحقرون صلتكم مع‬ ‫عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ‪ -‬ذ َ َ‬
‫صلتهم ‪ ،‬وصيامكم مع صيامهم ‪ ،‬يمرقون من الدين كما يمرق السهم من‬
‫الرمية" )‪ (2‬الحديث‪ .‬ولكن روى ابن جرير هذا الحديث من وجه آخر ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫حدثني بن البرقي ‪ ،‬حدثنا بن أبي مريم ‪ ،‬أخبرنا محمد بن جعفر ‪ ،‬أخبرني زيد‬
‫بن أسلم ‪ ،‬عن أبي سعيد التمار ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ :‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع‬
‫أعمالهم"‪ .‬قلنا ‪ :‬من هم يا رسول الله ؟ قريش ؟ قال ‪" :‬ل ولكن أهل‬
‫اليمن ‪ ،‬لنهم أرق أفئدة ‪ ،‬وألين قلوًبا"‪ .‬وأشار بيده إلى اليمن ‪ ،‬فقال ‪" :‬هم‬
‫أهل اليمن ‪ ،‬أل إن اليمان يمان ‪ ،‬والحكمة يمانية"‪ .‬فقلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫هم خير منا ؟ قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لو كان لحدهم جبل من ذهب‬
‫مد ّ أحدكم ول نصيفه"‪ .‬ثم جمع أصابعه ومد خنصره ‪ ،‬وقال ‪:‬‬ ‫ينفقه ما أدى ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫"أل إن هذا فض ُ‬
‫ن قب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فق َ ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫وي ِ‬ ‫ست َ ِ‬‫ل ما بيننا وبين الناس ‪ } ،‬ل ي َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فتح وَقات َ ُ‬
‫ُ‬
‫ن ب َعْد ُ وَقات َلوا وَكل وَعَد َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬
‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬‫ن أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫م د ََر َ‬ ‫ل أول َئ ِك أعْظ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ َ ْ ِ َ َ‬
‫خِبيٌر { [" )‪(4) (3‬‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫سَنى َوالل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫فهذا السياق ليس فيه ذكر الحديبية فإن كان ذلك محفوظا كما تقدم ‪،‬‬
‫فيحتمل أنه أنزل قبل الفتح إخبارا عما بعده ‪ ،‬كما في قوله تعالى في سورة‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫"المزمل" ‪ -‬وهي مكية ‪ ،‬من أوائل ما نزل ‪َ } : -‬وآ َ‬
‫الل ّهِ { الية ]المزمل ‪ [20 :‬فهي بشارة بما يستقبل ‪ ،‬وهكذا هذه والله أعلم‪.‬‬
‫سَنى { يعني المنفقين قبل الفتح وبعده ‪ ،‬كلهم‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫كل وَعَد َ الل ّ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ ُ‬
‫لهم ثواب على ما عملوا ‪ ،‬وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء كما قال ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ضَررِ َوال ْ ُ‬ ‫ن غَي ُْر أوِلي ال ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫} ل يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَلى‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِأ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫م فَ ّ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫الل ّهِ ب ِأ ْ‬
‫ن‬
‫دي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫قا ِ‬‫ن عََلى ال ْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬‫ه ال ْ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫سَنى وَفَ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫كل وَعَد َ الل ّ ُ‬ ‫ة وَ ُ‬ ‫ج ً‬‫ن د ََر َ‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬‫قا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ما { ]النساء ‪ .[95 :‬وهكذا )‪ (5‬الحديث الذي في الصحيح ‪:‬‬ ‫َ‬
‫ظي ً‬ ‫جًرا عَ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(27/127‬‬
‫صحيح البخاري برقم )‪ (6931‬وصحيح مسلم برقم )‪.(4601‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(17/127‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫) ‪(8/13‬‬

‫وفي كل خير" )‪ (1‬وإنما ن َّبه بهذا لئل ُيهدَر جانب الخر بمدح الول دون‬
‫الخر ‪ ،‬فيتوهم متوهم ذمه ؛ فلهذا عطف بمدح الخر والثناء عليه ‪ ،‬مع‬
‫خِبيٌر { أي ‪ :‬فلخبرته‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬ ‫تفضيل الول عليه ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل ‪ ،‬ومن فعل ذلك بعد ذلك ‪،‬‬
‫وما ذلك إل لعلمه بقصد الول وإخلصه التام ‪ ،‬وإنفاقه في حال الجهد والقلة‬
‫والضيق‪ .‬وفي الحديث ‪" :‬سبق درهم مائة ألف" )‪ (2‬ول شك عند أهل‬
‫اليمان أن الصديق أبا بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬له الحظ الوفر من هذه الية ‪،‬‬
‫فإنه سّيد من عمل بها من سائر أمم النبياء ‪ ،‬فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه‬
‫الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ولم يكن لحد عنده نعمة يجزيه بها‪.‬‬
‫وقد قال أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي عند تفسير هذه الية أخبرنا‬
‫أحمد بن إبراهيم الشريحي )‪ (3‬أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم‬
‫الثعلبي ‪ ،‬أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد ‪ ،‬أخبرنا أحمد بن إسحاق بن‬
‫أيوب ‪ ،‬أخبرنا محمد بن يونس ‪ ،‬حدثنا العلء بن عمرو الشيباني ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫إسحاق الفزاري ‪ ،‬حدثنا سفيان بن سعيد ‪ ،‬عن آدم بن علي ‪ ،‬عن ابن عمر‬
‫قال ‪ :‬كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق ‪ ،‬وعليه‬
‫خّلها في صدره بخلل ‪ ،‬فنزل جبريل فقال ‪ :‬مالي أرى أبا بكر عليه‬ ‫عباءة قد َ‬
‫ي قبل الفتح" قال ‪:‬‬ ‫خلها في صدره ِبخلل ؟ فقال ‪" :‬أنفق ماله عل ّ‬ ‫ّ‬ ‫عباءة قد َ‬
‫فإن الله يقول ‪ :‬اقرأ عليه السلم ‪ ،‬وقل له ‪ :‬أراض أنت عني في فقرك هذا‬
‫أم ساخط ؟ فقال رسول الله ‪" :‬يا أبا بكر ‪ ،‬إن الله يقرأ عليك السلم ‪،‬‬
‫عني في فقرك هذا أم ساخط ؟" فقال ‪ :‬أبو بكر ‪،‬‬ ‫ويقول لك ‪ :‬أراض أنت َ‬
‫رضي الله عنه ‪ :‬أسخط على ربي عز وجل ؟ إني عن ربي راض )‪(4‬‬
‫هذا الحديث ضعيف السناد من هذا الوجه‪.‬‬
‫سًنا { قال عمر بن الخطاب ‪ :‬هو‬ ‫ح َ‬ ‫ضا َ‬ ‫ه قَْر ً‬ ‫ض الل ّ َ‬
‫قرِ ُ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ن َذا ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫النفاق في سبيل الله ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو النفقة على العيال والصحيح أنه أعم من‬
‫ذلك ‪ ،‬فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة وعزيمة صادقة ‪ ،‬دخل في‬
‫سًنا‬‫ح َ‬‫ضا َ‬ ‫ه قَْر ً‬ ‫ض الل ّ َ‬ ‫قرِ ُ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ن َذا ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬‫عموم هذه الية ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫قب ِ ُ‬ ‫ضَعاًفا ك َِثيَرة ً َوالل ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ه { كما قال في الية الخرى ‪ } :‬أ ْ‬ ‫ه لَ ُ‬‫ف ُ‬
‫ع َ‬ ‫فَي ُ َ‬
‫ضا ِ‬
‫ن { ]البقرة ‪ (5) [245 :‬أي ‪ :‬جزاء جميل ورزق باهر ‪-‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫َ‬
‫صط وَإ ِلي ْهِ ت ُْر َ‬‫ُ‬ ‫وَي َب ْ ُ‬
‫وهو الجنة ‪ -‬يوم القيامة‪.‬‬
‫قال بن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة ‪ ،‬حدثنا خلف بن خليفة ‪ ،‬عن حميد‬
‫العرج ‪ ،‬عن عبد الله بن الحارث ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود قال ‪ :‬لما نزلت‬
‫ه { قال أبو‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ف ُ‬‫ع َ‬
‫ضا ِ‬ ‫سًنا فَي ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ضا َ‬‫ه قَْر ً‬ ‫ض الل ّ َ‬ ‫قرِ ُ‬‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ن َذا ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬‫هذه الية ‪َ } :‬‬
‫الدحداح النصاري ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وإن الله ليريد منا القرض ؟ " قال ‪" :‬نعم‬
‫‪ ،‬يا أبا الدحداح"‪ .‬قال أرني يدك يا رسول الله قال ‪ :‬فناوله يده قال ‪ :‬فإني‬
‫قد أقرضت ربي حائطي ‪ -‬وله حائط )‪ (6‬فيه ستمائة نخلة ‪ ،‬وأم الدحداح فيه‬
‫وعيالها ‪ -‬قال ‪ :‬فجاء‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪ (2664‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه النسائي في السنن )‪ (5/59‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬الشرعي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬معالم التنزيل للبغوي )‪ (8/34‬وفيه ‪" :‬إني عن ربي راض" مرتين ‪ ،‬ووجه‬
‫ضعفه أنه فيه العلء بن عمرو‪ .‬قال بن حبان ‪" :‬يروى أبي إسحاق الفزاري‬
‫العجائب ‪ ،‬ل يجوز الحتجاج به بحال" وساق الحديث‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪ ،‬م ‪ ،‬هـ ‪" :‬أضعاًفا كثيرة وله أجر كريم" وهوخطأ ‪ ،‬والصواب ما‬
‫أثبتناه‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬وحائط له"‪.‬‬

‫) ‪(8/14‬‬

‫أبو الدحداح فنادها ‪ :‬يا أم الدحداح‪ .‬قالت ‪ :‬لبيك‪ .‬فقال ‪ :‬اخرجي ‪ ،‬فقد‬
‫أقرضته ربي ‪ ،‬عز وجل ‪ -‬وفي رواية ‪ :‬أنها قالت له ‪َ :‬ربح بيعك يا أبا الدحداح‪.‬‬
‫ونقلت منه متاعها وصبيانها ‪ ،‬وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ذق َرَداح في الجنة لبي الدحداح"‪ .‬وفي لفظ ‪" :‬رب نخلة مدلة‬ ‫"كم من عَ ْ‬
‫عروقها دّر وياقوت لبي الدحداح في الجنة"‪(1) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه أبو يعلى في مسنده )‪ (8/404‬عن محرز بن عون ‪ ،‬عن خلف بن‬
‫خليفة به ‪ ،‬وضعفه الحافظ بن حجر في المطالب العالية برقم )‪ (4080‬كما‬
‫ذكره المحقق الفاضل حسين أسد‪.‬‬

‫) ‪(8/15‬‬

‫َ‬ ‫يوم ترى ال ْمؤْمِنين وال ْمؤْمنات يسعى نورهُم بي َ‬


‫شَراك ُ ُ‬
‫م‬ ‫م بُ ْ‬‫مان ِهِ ْ‬ ‫م وَب ِأي ْ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ُ ُ ْ َْ َ‬ ‫ُ ِ َ َ ُ ِ َ ِ َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ ََ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م )‪(12‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز العَ ِ‬ ‫َ‬
‫ن ِفيَها ذ َل ِك هُوَ ال َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْي َوْ َ‬
‫مُنوا ان ْظ ُُروَنا ن َ ْ‬ ‫ذي َ‬
‫م ِقي َ‬
‫ل‬ ‫ن ُنورِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫قت َب ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ت ل ِل ّ ِ َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مَنافِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫ة‬
‫م ُ‬
‫ح َ‬ ‫ه ِفيهِ الّر ْ‬ ‫ب َباط ِن ُ ُ‬ ‫ه َبا ٌ‬ ‫َ‬
‫سورٍ ل ُ‬ ‫م بِ ُ‬‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫َ‬
‫سوا ُنوًرا ف ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫م فالت َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جُعوا وََراَءك ْ‬ ‫اْر ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن قِب َل ِهِ العَ َ‬ ‫َ‬
‫م قالوا ب َلى وَلك ِن ّك ْ‬ ‫معَك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ن َك ْ‬ ‫م أل ْ‬ ‫ب )‪ (13‬ي َُناُدون َهُ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وَظاهُِرهُ ِ‬
‫مُر الل ّهِ وَغَّرك ُْ‬
‫م‬ ‫فسك ُم وتربصتم وارتبتم وغَرتك ُم اْل َمان ِي حتى جاَء أ َ‬ ‫فَتنت َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ َ ّ‬ ‫م أن ْ ُ َ ْ َ َ َ ّ ْ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ ّ ْ ُ‬ ‫َُْ ْ‬
‫م الّناُر‬ ‫مأ َْواك ُُ‬ ‫َ‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬
‫ِ ْ ْ ِ َْ ٌ َ ِ َ‬‫ة‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫و‬
‫َ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫فا‬ ‫َ‬ ‫(‬ ‫‪14‬‬ ‫)‬ ‫ر‬
‫ُ ُ‬‫رو‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ِبالل ّهِ‬
‫صيُر )‪(15‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫م وَب ِئ ْ َ‬ ‫موَْلك ُ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫هِ َ‬
‫َ‬ ‫} يوم ترى ال ْمؤْمِنين وال ْمؤْمنات يسعى نورهُم بي َ‬
‫شَراك ُ ُ‬
‫م‬ ‫م بُ ْ‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫م وَب ِأي ْ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ُ ُ ْ َْ َ‬ ‫ُ ِ َ َ ُ ِ َ ِ َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ ََ‬
‫م )‪(12‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفيَها ذ َل ِك هُوَ ال َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْي َوْ َ‬
‫م ِقي َ‬
‫ل‬ ‫ن ُنورِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫قت َب ِ ْ‬ ‫مُنوا ان ْظ ُُروَنا ن َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ل ِل ّ ِ‬‫قا ُ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫ة‬
‫م ُ‬
‫ح َ‬‫ه ِفيهِ الّر ْ‬ ‫ب َباط ِن ُ ُ‬ ‫ه َبا ٌ‬ ‫َ‬
‫سورٍ ل ُ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ضر َ‬ ‫َ‬
‫سوا ُنوًرا ف ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫م فالت َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جُعوا وََراَءك ْ‬ ‫اْر ِ‬
‫م َقاُلوا ب ََلى وَل َك ِن ّك ُْ‬
‫م‬ ‫معَك ُْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ذاب )‪ (13‬ينا ِدونهم أ َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ب‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ظا‬
‫ْ َ ْ َ‬ ‫َُ ُ َُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ُ ُ ِ ْ ِ َِ ِ َ‬ ‫وَ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر الل ّهِ وَغَّرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ي َ‬ ‫مان ِ ّ‬ ‫م ال َ‬ ‫م وَغَّرت ْك ُ ُ‬ ‫م َواْرت َب ْت ُ ْ‬ ‫صت ُ ْ‬ ‫م وَت ََرب ّ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬‫م أن ْ ُ‬ ‫فَت َن ْت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫م الّناُر‬ ‫مأَواك ُ ُ‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة َول ِ‬ ‫م فِد ْي َ ٌ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫خذ ُ ِ‬ ‫م ل ي ُؤْ َ‬ ‫ِبالل ّهِ ال ْغَُروُر )‪َ (14‬فال ْي َوْ َ‬
‫صيُر )‪{ (15‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫م وَب ِئ ْ َ‬ ‫ولك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ي َ‬ ‫هِ َ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن المؤمنين المتصدقين ‪ :‬أنهم )‪ (1‬يوم القيامة يسَعى‬
‫عرصات القيامة ‪ ،‬بحسب أعمالهم ‪ ،‬كما قال عبد الله‬ ‫نورهم بين أيديهم في َ‬
‫م { قال ‪ :‬على قدر أعمالهم‬ ‫َ‬
‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬
‫سَعى ُنوُرهُ ْ‬ ‫بن مسعود في قوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫من نوره مثل‬ ‫من نوره مثل الجبل ‪ ،‬ومنهم َ‬ ‫يمرون على الصراط ‪ ،‬منهم َ‬
‫من نوره في‬ ‫را‬
‫ً َ‬ ‫نو‬ ‫وأدناهم‬ ‫‪،‬‬ ‫القائم‬ ‫الرجل‬ ‫من نوره مثل‬ ‫النخلة ‪ ،‬ومنهم َ‬
‫إبهامه يّتقد مرة ويطفأ مرة )‪ (2‬ورواه بن أبي حاتم وبن جرير‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ‪" :‬من‬
‫عدن أبين وصنعاء فدون ذلك ‪،‬‬ ‫المؤمنين من يضيء ُنوره من المدينة إلى َ‬
‫حتى إن من المؤمنين من يضيء نوره موضع قدميه" )‪(3‬‬
‫جَنادة بن أمية قال ‪ :‬إنكم‬ ‫صين ‪ ،‬عن مجاهد عن ُ‬ ‫ح َ‬‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن ُ‬
‫حلكم ‪ ،‬ونجواكم ومجالسكم ‪ ،‬فإذا‬ ‫مكتوبون عند الله بأسمائكم ‪ ،‬وسيماكم و ُ‬
‫كان يوم القيامة قيل ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬هذا نورك‪ .‬يا فلن ‪ ،‬ل نور لك‪ .‬وقرأ ‪:‬‬
‫م{‬ ‫} يسعى نورهُم بي َ‬
‫ديهِ ْ‬
‫ن أي ْ ِ‬
‫ُ ُ ْ َْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬ليس لحد إل يعطى نوًرا يوم القيامة ‪ ،‬فإذا انتهوا إلى‬
‫الصراط طفئ نور المنافقين ‪ ،‬فلما رأي ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ‬
‫طفئ نور المنافقين ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ربنا ‪ ،‬أتمم لنا نورنا‪.‬‬ ‫نورهم كما ُ‬
‫م { يعني ‪ :‬على‬ ‫َ‬
‫ديهِ ْ‬
‫ن أي ْ ِ‬
‫م ب َي ْ َ‬‫سَعى ُنوُرهُ ْ‬ ‫وقال الحسن ]في قوله[ )‪ } (4‬ي َ ْ‬
‫الصراط‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬ويطفأ أخرى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(27/128‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(8/15‬‬

‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ‪،‬‬
‫أخبرنا عمي )‪ (1‬عن يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن سعيد )‪ (2‬بن مسعود ‪ :‬أنه‬
‫مع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن‬ ‫س ِ‬‫جب َْير يحدث ‪ :‬أنه َ‬ ‫سمع عبد الرحمن بن ُ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬أنا أول من يؤذن له يوم القيامة‬
‫بالسجود ‪ ،‬وأول من يؤذن له برفع رأسه ‪ ،‬فأنظر من بين يدي ومن خلفي ‪،‬‬
‫وعن يميني وعن شمالي ‪ ،‬فأعرف أمتي من بين المم"‪ .‬فقال له رجل ‪ :‬يا‬
‫نبي الله ‪ ،‬كيف تعرف أمتك من بين المم ‪ ،‬ما بين نوح إلى أمتك ؟ قال ‪:‬‬
‫جلون من أثر الوضوء ‪ ،‬ول يكون لحد من المم غيرهم ‪،‬‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫"أعرفهم ‪ُ ،‬‬
‫وأعرفهم ي ُؤَْتون كتبهم بأيمانهم ‪ ،‬وأعرفهم بسيماهم في وجوههم ‪ ،‬وأعرفهم‬
‫بنورهم يسعى بين أيديهم وذريتهم )‪(4) (3‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م { قال الضحاك ‪ :‬أي وبأيمانهم كتبهم ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬فَ َ‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫وقوله } وَب ِأي ْ َ‬
‫مين ِهِ { ]السراء ‪.[71 :‬‬ ‫ُ‬
‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫ي ك َِتاب َ ُ‬ ‫أوت ِ َ‬
‫حت َِها الن َْهاُر { أي ‪ :‬يقال لهم ‪:‬‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٌ‬
‫م َ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬
‫شَراك ُ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ب ُ ْ‬
‫بشراكم اليوم جنات ‪ ،‬أي ‪ :‬لكم البشارة بجنات تجري من تحتها النهار ‪،‬‬
‫م {‪.‬‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫دا } ذ َل ِ َ‬ ‫ن ِفيَها { أي ‪ :‬ماكثين فيها أب ً‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫} َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫س ِ‬‫قت َب ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫مُنوا ان ْظُروَنا ن َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ت ل ِل ِ‬ ‫قا ُ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫قو َ‬‫مَنافِ ُ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫م { وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من‬ ‫ُنورِك ُ ْ‬
‫الهوال المزعجة ‪ ،‬والزلزل العظيمة ‪ ،‬والمور الفظيعة )‪ (5‬وإنه ل ينجو‬
‫يومئذ إل من آمن بالله ورسوله ‪ ،‬وعمل بما أمر الله ‪ ،‬به وترك ما عنه زجر‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبدة بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪،‬‬
‫حدثنا صفوان بن عمرو ‪ ،‬حدثني سليم بن عامر قال ‪ :‬خرجنا على جنازة في‬
‫باب دمشق ‪ ،‬ومعنا أبو أمامة الباهلي ‪ ،‬فلما صلى على الجنازة وأخذوا في‬
‫دفنها ‪ ،‬قال أبو أمامة ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل‬
‫تقتسمون فيه الحسنات والسيئات ‪ ،‬وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل‬
‫آخر ‪ ،‬وهو هذا ‪ -‬يشير إلى القبر ‪ -‬بيت الوحدة ‪ ،‬وبيت الظلمة ‪ ،‬وبيت الدود ‪،‬‬
‫وبيت الضيق ‪ ،‬إل ما وسع الله ‪ ،‬تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة ‪ ،‬فإنكم‬
‫في بعض تلك المواطن ]حتى[ )‪ (6‬يغشى الناس أمر من الله ‪ ،‬فتبيض وجوه‬
‫وتسود وجوه ‪ ،‬ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فتغشى الناس ظلمة شديدة ‪،‬‬
‫ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نوًرا ويترك الكافر والمنافق فل يعطيان‬
‫َ‬
‫ر‬
‫ح ٍ‬‫ت ِفي ب َ ْ‬‫ما ٍ‬‫شيًئا ‪ ،‬وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه ‪ ،‬قال } أوْ ك َظ ُل ُ َ‬
‫ن ُنورٍ { ]النور ‪ ، [40 :‬فل يستضيء الكافر‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫ي { إلى قوله ‪ } :‬فَ َ‬‫ج ّ‬ ‫لُ ّ‬
‫والمنافق بنور المؤمن كما ل يستضيء العمى بنور )‪ (7‬البصير ‪ ،‬ويقول‬
‫م‬‫جُعوا وََراَءك ُ ْ‬
‫ل اْر ِ‬ ‫م ِقي َ‬ ‫ن ُنورِك ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫س ِ‬ ‫المنافقون للذين آمنوا ‪ } :‬ان ْظ ُُروَنا ن َ ْ‬
‫قت َب ِ ْ‬
‫سوا ُنوًرا { وهي خدعة الله التي خدع‬ ‫َفال ْت َ ِ‬
‫م ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أخي"‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬وبأيمانهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/478‬من طريق عبد الله بن صالح ‪،‬‬
‫عن الليث بن سعد ‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيب به نحوه ‪ ،‬وله طريق آخر سيأتي‬
‫عند تفسير سورة التحريم‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬العظيمة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في هـ ‪" :‬يوم" ‪ ،‬والمثبت من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬ببصر"‪.‬‬

‫) ‪(8/16‬‬

‫م { ]النساء ‪:‬‬ ‫خادِعُهُ ْ‬ ‫ه وَهُوَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬


‫عو َ‬
‫خادِ ُ‬
‫بها المنافقين )‪ (1‬حيث قال ‪ } :‬ي ُ َ‬
‫‪ .[142‬فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور ‪ ،‬فل يجدون شيًئا‬
‫ة‬
‫م ُ‬
‫ح َ‬ ‫ه ِفيهِ الّر ْ‬ ‫فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور له باب ‪َ } ،‬باط ِن ُ ُ‬
‫ب { الية‪ .‬يقول سليم بن عامر ‪ :‬فما يزال المنافق‬ ‫ن قِب َل ِهِ ال ْعَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫م ْ‬
‫ظاهُِرهُ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫مغتًرا حتى يقسم النور ‪ ،‬ويميز الله بين والمؤمن المنافق‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عثمان ‪ ،‬حدثنا ابن حيوة ‪ ،‬حدثنا أرطأة‬
‫ث ظلمة يوم‬ ‫بن المنذر ‪ ،‬حدثنا يوسف بن الحجاج ‪ ،‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬ت ُب ْعَ ُ‬
‫القيامة ‪ ،‬فما من مؤمن ول كافر يرى كفه ‪ ،‬حتى يبعث الله بالنور إلى‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫س ِ‬
‫قت َب ِ ْ‬‫المؤمنين بقدر أعمالهم ‪ ،‬فيتبعهم المنافقون فيقولون ‪ } :‬ان ْظ ُُروَنا ن َ ْ‬
‫م {‪.‬‬ ‫ُنورِك ُ ْ‬
‫وفي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬بينما الناس في ظلمة‬ ‫وقال العَ ْ‬
‫إذ بعث الله نوًرا فلما رأي المؤمنون النور توجهوا نحوه ‪ ،‬وكان النور )‪ (2‬دليل‬
‫من الله إلى الجنة ‪ ،‬فلما رأي المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم ‪،‬‬
‫م{‬ ‫ن ُنورِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫قت َب ِ ْ‬ ‫فأظلم الله على المنافقين ‪ ،‬فقالوا حينئذ ‪ } :‬ان ْظ ُُروَنا ن َ ْ‬
‫جُعوا { من حيث جئتم من‬ ‫فإنا كنا معكم في الدنيا‪ .‬قال المؤمنون ‪ } :‬اْر ِ‬
‫الظلمة ‪ ،‬فالتمسوا هنالك النور‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا الحسن بن علوية القطان ‪ ،‬حدثنا‬
‫إسماعيل بن عيسى العطار ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن بشر أبو )‪ (3‬حذيفة ‪ ،‬حدثنا‬
‫مل َْيكة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬ ‫ابن جريج ‪ ،‬عن ابن أبي ُ‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم ستًرا منه على‬
‫عباده ‪ ،‬وأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نوًرا ‪ ،‬وكل منافق نوًرا ‪،‬‬
‫فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات فقال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫المنافقون ‪ } :‬ان ْظ ُُروَنا ن َ ْ‬
‫م لَنا‬ ‫م ْ‬‫م { وقال المؤمنون ‪َ } :‬رب َّنا أت ْ ِ‬ ‫ن ُنورِك ُ ْ‬‫م ْ‬‫س ِ‬‫قت َب ِ ْ‬
‫ب‬‫ضرِ َ‬ ‫دا" )‪ (4‬وقوله ‪ } :‬فَ ُ‬ ‫ُنوَرَنا { ]التحريم ‪ .[8 :‬فل يذكر عند ذلك أحد أح ً‬
‫ب { قال‬ ‫ْ‬
‫ن قِب َل ِهِ العَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ظاهُِرهُ ِ‬‫ة وَ َ‬ ‫م ُ‬
‫ح َ‬
‫ه ِفيهِ الّر ْ‬ ‫ب َباط ِن ُ ُ‬ ‫سورٍ ل َ ُ‬
‫ه َبا ٌ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬هو حائط بين الجنة النار‪.‬‬
‫ما‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬هو الذي قال الله تعالى ‪ } :‬وَب َي ْن َهُ َ‬
‫ب { ]العراف ‪ .[46 :‬وهكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬وغير واحد ‪،‬‬ ‫جا ٌ‬‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫وهو الصحيح‪.‬‬
‫ب{‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن قِب َل ِهِ العَذا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ة { أي ‪ :‬الجنة وما فيها } وَظاهُِرهُ ِ‬ ‫م ُ‬
‫ح َ‬‫ه ِفيهِ الّر ْ‬‫} َباط ِن ُ ُ‬
‫أي ‪ :‬النار‪ .‬قاله قتادة ‪ ،‬وبن زيد ‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫قال بن جرير ‪ :‬وقد قيل ‪ :‬إن ذلك السور سوُر بيت المقدس عند وادي جهنم‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا ابن البرقي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن أبي سلمة ‪ ،‬عن سعيد بن عطية‬
‫بن قيس ‪ ،‬عن أبي العوام ‪-‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬المنافقون" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬النور لهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬ابن" ‪ ،‬والصواب ما أثبتناه من المعجم الكبير‪.‬‬
‫)‪ (4‬المعجم الكبير )‪ (11/122‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/395‬فيه‬
‫إسحاق بن بشر وهو متروك"‪.‬‬

‫) ‪(8/17‬‬

‫مؤذن بيت المقدس ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت عبد الله بن عمرو يقول ‪ :‬إن السور‬
‫ه‬
‫ه ِفي ِ‬ ‫ب َباط ِن ُ ُ‬ ‫سورٍ ل َ ُ‬
‫ه َبا ٌ‬ ‫م بِ ُ‬
‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫الذي ذكر )‪ (1‬الله في القرآن ‪ } :‬فَ ُ‬
‫ضرِ َ‬
‫ب { هو السور الشرقي باطنه المسجد وما‬ ‫ن قِب َل ِهِ ال ْعَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة وَ َ‬
‫ظاهُِرهُ ِ‬ ‫م ُ‬
‫ح َ‬
‫الّر ْ‬
‫يليه ‪ ،‬وظاهره وادي جهنم‪.‬‬
‫ثم روي عن عبادة بن الصامت ‪ ،‬وكعب الحبار ‪ ،‬وعلي بن الحسين زين‬
‫العابدين ‪ ،‬نحو ذلك‪ .‬وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى‬
‫ومثال لذلك ‪ ،‬ل أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين ونفس‬
‫المسجد وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم ؛ فإن الجنة في‬
‫السموات في أعلى عليين ‪ ،‬والنار في الدركات أسفل سافلين‪ .‬وقول كعب‬
‫الحبار ‪ :‬إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب‬
‫ضَرب يوم‬ ‫المسجد ‪ ،‬فهذا من إسرائيلياته وت ُّرهاته‪ .‬وإنما المراد بذلك ‪ :‬سوٌر ي ُ ْ‬
‫القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين ‪ ،‬فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه‬
‫من بابه ‪ ،‬فإذا استكملوا ُدخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في‬
‫الحيرة والظلمة والعذاب ‪ ،‬كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك‬
‫وحيرة } ينادونه َ‬
‫م { أي ‪ :‬ينادي المنافقون المؤمنين ‪ :‬أما )‪(2‬‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ن َك ُ ْ‬ ‫م أل َ ْ‬ ‫َُ ُ َُ ْ‬
‫كنا معكم في الدار الدنيا ‪ ،‬نشهد معكم الجمعات ‪ ،‬ونصلي معكم الجماعات ‪،‬‬
‫ونقف معكم بعرفات ‪ ،‬ونحضر معكم الغزوات ‪ ،‬ونؤدي معكم سائر‬
‫الواجبات ؟ } َقاُلوا ب ََلى { أي ‪ :‬فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين ‪ :‬بلى ‪ ،‬قد‬
‫ي { قال‬ ‫مان ِ ّ‬ ‫م ال َ‬ ‫م وَغَّرت ْك ُ ُ‬ ‫م َواْرت َب ْت ُ ْ‬ ‫صت ُ ْ‬‫م وَت ََرب ّ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م أ َن ْ ُ‬‫م فَت َن ْت ُ ْ‬ ‫كنتم معنا ‪ } ،‬وَل َك ِن ّك ُ ْ‬
‫بعض السلف ‪ :‬أي فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات‬
‫م { أي ‪ :‬أخرتم التوبة من وقت إلى وقت‪.‬‬ ‫صت ُ ْ‬ ‫} وَت ََرب ّ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬بالبعث بعد الموت‬ ‫م { بالحق وأهله } َواْرت َب ْت ُ ْ‬ ‫صت ُ ْ‬‫وقال قتادة ‪ } :‬وَت ََرب ّ ْ‬
‫جاَء‬
‫حّتى َ‬ ‫ي { أي ‪ :‬قلتم ‪ :‬سيغفر لنا‪ .‬وقيل ‪ :‬غرتكم الدنيا } َ‬ ‫مان ِ ّ‬ ‫م ال َ‬ ‫} وَغَّرت ْك ُ ُ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ِباللهِ الغَُروُر { أي‬ ‫مُر الل ّهِ { أي ‪ :‬ما زلتم في هذا حتى جاء الموت } وَغَّرك ْ‬
‫ُ‬ ‫أ ْ‬
‫‪ :‬الشيطان‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬كانوا على خدعة من الشيطان ‪ ،‬والله ما زالوا عليها حتى قذفهم‬
‫الله في النار‪.‬‬
‫ومعنى هذا الكلم من المؤمنين للمنافقين ‪ :‬إنكم كنتم معنا ]أي[ )‪ (3‬بأبدان‬
‫ل نية لها ول قلوب معها ‪ ،‬وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم ُتراؤون الناس ول‬
‫تذكرون الله إل قليل‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم‬
‫ويعاشرونهم ‪ ،‬وكانوا معهم أمواتا ‪ ،‬ويعطون النور جميًعا يوم القيامة ‪ ،‬ويطفأ‬
‫النور من المنافقين إذا بلغوا السور ‪ ،‬وُيماز بينهم حينئذ‪.‬‬
‫وهذا القول من المؤمنين ل ينافي قولهم الذي أخبر الله به عنهم ‪ ،‬حيث‬
‫َ‬
‫ب‬‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫ة ِإل أ ْ‬ ‫هين َ ٌ‬ ‫ت َر ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫يقول ‪ -‬وهو أصدق القائلين ‪ } : -‬ك ُ ّ‬
‫م نَ ُ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قَر َقالوا ل ْ‬ ‫س َ‬‫م ِفي َ‬ ‫سلك َك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫ال ْي َ ِ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ت ي َت َ َ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫مي ِ‬
‫ب‬‫ن وَك ُّنا ن ُك َذ ّ ُ‬ ‫ضي َ‬ ‫خائ ِ ِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫ض َ‬ ‫خو ُ‬ ‫ن وَك ُّنا ن َ ُ‬ ‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ك ن ُط ْعِ ُ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ن وَل َ ْ‬ ‫صّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن { ]المدثر ‪، [47 - 38 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قي ُ‬ ‫حّتى أَتاَنا الي َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ب ِي َوْم ِ ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ذكره"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬إنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬

‫) ‪(8/18‬‬

‫حقّ وََل ي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫كوُنوا‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ن ََز َ‬ ‫م ل ِذِك ْرِ الل ّهِ وَ َ‬ ‫شعَ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ َ‬‫م ي َأ ِ‬‫أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫كال ّذي ُ‬
‫م‬ ‫م وَك َِثيٌر ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ق َ‬ ‫مد ُ ف َ َ‬‫م اْل َ‬‫ل عَل َي ْهِ ُ‬‫طا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫َ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫م الَيا ِ‬ ‫موْت َِها قَد ْ ب َي ّّنا لك ُ ُ‬ ‫ض ب َعْد َ َ‬
‫حِيي الْر َ‬ ‫ه يُ ْ‬
‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ن )‪ (16‬اعْل ُ‬ ‫قو َ‬ ‫َفا ِ‬
‫س ُ‬
‫ن )‪(17‬‬ ‫ُ‬
‫قلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬‫ل َعَل ّك ُ ْ‬

‫ما‬‫فهذا إنما خرج منهم على وجه التقريع لهم والتوبيخ‪ .‬ثم قال تعالى ‪ } :‬فَ َ‬
‫ن { ]المدثر ‪ ، [48 :‬كما قال تعالى هاهنا ‪َ } :‬فال ْي َوْ َ‬
‫م‬ ‫ة ال ّ‬
‫شافِِعي َ‬ ‫فاعَ ُ‬ ‫م َ‬
‫ش َ‬ ‫فعُهُ ْ‬ ‫ت َن ْ َ‬
‫فُروا { أي ‪ :‬لو جاء أحدكم اليوم بملء‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬‫ة َول ِ‬ ‫م فِد ْي َ ٌ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫خذ ُ ِ‬‫ل ي ُؤْ َ‬
‫الرض ذهًبا ومثله معه ليفتدى به من عذاب الله ‪ ،‬ما قبل منه‪.‬‬
‫وقوله ‪ْ } :‬‬
‫م الّناُر { أي ‪ :‬هي مصيركم وإليها منقلبكم‪.‬‬ ‫مأَواك ُ ُ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬هي أولى بكم من كل منزل على كفركم‬ ‫ولك ُْ‬ ‫َ َ ْ‬‫م‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫وقوله ‪} :‬‬
‫وارتيابكم ‪ ،‬وبئس المصير‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حقّ َول‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫ما نز َ‬ ‫م ل ِذِك ْرِ الل ّهِ وَ َ‬ ‫شعَ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫م ي َأ ِ‬
‫كال ّذي ُ‬
‫م وَك َِثيٌر‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫س ْ‬‫ق َ‬ ‫مد ُ ف َ َ‬ ‫م ال َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫طا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫كوُنوا َ ِ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬
‫ت‬
‫م الَيا ِ‬ ‫موْت َِها قَد ْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُ‬‫ض ب َعْد َ َ‬ ‫حِيي الْر َ‬ ‫ه يُ ْ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ن )‪ (16‬اعْل َ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪{ (17‬‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫لَ َ ْ َ ْ ِ‬
‫ق‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫يقول الله تعالى ‪ :‬أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ‪ ،‬أي ‪ :‬تلين‬
‫عند الذكر والموعظة وسماع القرآن ‪ ،‬فتفهمه وتنقاد ُ له وتسمع له وتطيعه‪.‬‬
‫مّري ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن ابن عباس‬ ‫قال عبد الله بن المبارك ‪ :‬حدثنا صالح ال ُ‬
‫أنه قال ‪ :‬إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلث عشرة‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ل ِذِك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫شعَ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫م ي َأ ِ‬ ‫من نزول القرآن ‪ ،‬فقال ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫الل ّهِ { الية ‪ ،‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن الحسن بن محمد بن الصباح ‪ ،‬عن‬
‫حسين المروزي ‪ ،‬عن ابن المبارك ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ثم قال هو ومسلم ‪ :‬حدثنا يونس بن عبد العلى ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني‬
‫عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن سعيد بن أبي هلل ‪ -‬يعني الليث ‪ -‬عن عون بن عبد‬
‫الله ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ما كان بين إسلمنا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ل ِذِك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫شعَ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫م ي َأ ِ‬ ‫وبين أن عاتبنا الله بهذه الية } أل َ ْ‬
‫الل ّهِ { ]الية[ )‪ (1‬إل أربع سنين )‪(2‬‬
‫كذا رواه مسلم في آخر الكتاب‪ .‬وأخرجه النسائي عند تفسير هذه الية ‪ ،‬عن‬
‫هارون بن سعيد اليلي ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬به )‪ (3‬وقد رواه ابن ماجة من‬
‫حديث موسى بن يعقوب الزمعي )‪ (4‬عن أبي حزم ‪ ،‬عن عامر بن عبد الله‬
‫بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬مثله )‪ (5‬فجعله من مسند بن الزبير‪ .‬لكن رواه البزار‬
‫في مسنده من طريق موسى بن يعقوب ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن عامر ‪ ،‬عن‬
‫بن الزبير ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪.(3027‬‬
‫)‪ (3‬سنن النسائي الكبري برقم )‪(11568‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الربعي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن ابن ماجة برقم )‪.(4192‬‬

‫) ‪(8/19‬‬

‫عن ابن مسعود ‪ ،‬فذكره )‪(1‬‬


‫ل أصحاب رسول‬ ‫م ّ‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن المسعودي ‪ ،‬عن القاسم قال ‪َ :‬‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ملة ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬حدثنا يا رسول الله‪ .‬فأنزل الله‬
‫ص { ]يوسف ‪ [3 :‬قال ‪ :‬ثم ملوا ملة‬ ‫ص‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قص عَل َي َ َ‬
‫ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬‫ح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن نَ ُ ّ‬ ‫ح ُ‬‫تعالى ‪ } :‬ن َ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ه نز َ‬ ‫ّ‬
‫س َ‬
‫ح َ‬
‫لأ ْ‬ ‫فقالوا ‪ :‬حدثنا يا رسول الله ‪ ،‬فأنزل الله تعالى ‪ } :‬الل ُ‬
‫ث { ]الزمر ‪ .[23 :‬ثم ملوا ملة فقالوا ‪ :‬حدثنا يا رسول الله‪ .‬فأنزل‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬‫ال ْ َ‬
‫م ل ِذِك ْرِ الل ّهِ { )‪(2‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شعَ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫خ َ‬‫ن تَ ْ‬
‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫ذي ْ َ‬ ‫م ي َأ ِ‬‫الله ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫م ل ِذِك ْرِ الل ّهِ { ذ ُك َِر لنا أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شعَ قُُلوب ُهُ ْ‬‫خ َ‬ ‫ن تَ ْ‬‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫م ي َأ ِ‬ ‫وقال قتادة ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫شداد بن أوس كان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن‬
‫أول ما يرفع )‪ (3‬من الناس الخشوع" )‪(4‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كال ّذي ُ‬
‫ت‬
‫س ْ‬
‫ق َ‬ ‫َ‬
‫مد ُ ف َ‬ ‫م ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن قب ْل فطال عَلي ْهِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫كوُنوا َ ِ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ي َ ُ‬
‫م { نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب قبلهم من‬ ‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫اليهود والنصارى ‪ ،‬لما تطاول عليهم المد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم‬
‫واشتروا به ثمًنا قليل ونبذوه وراء ظهورهم ‪ ،‬وأقبلوا على الراء المختلفة‬
‫والقوال المؤتفكة ‪ ،‬وقلدوا الرجال في دين الله ‪ ،‬واتخذوا أحبارهم ورهبانهم‬
‫أرباًبا من دون الله ‪ ،‬فعند ذلك قست قلوبهم ‪ ،‬فل يقبلون موعظة ‪ ،‬ول تلين‬
‫قلوبهم بوعد ول وعيد‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬في العمال ‪ ،‬فقلوبهم فاسدة ‪ ،‬وأعمالهم‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫} وَك َِثيٌر ِ‬
‫ة‬ ‫م َقا ِ‬
‫سي َ ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا قُلوب َهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫َ‬
‫م لعَّناهُ ْ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬
‫م ِ‬‫ضهِ ْ‬‫ق ِ‬‫ما ن َ ْ‬‫باطلة‪ .‬كما قال ‪ } :‬فَب ِ َ‬
‫ما ذ ُك ُّروا ب ِهِ { ]المائدة ‪، [13 :‬‬ ‫م ّ‬‫حظا ِ‬‫ّ‬ ‫سوا َ‬‫ضعِهِ وَن َ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫ن َ‬‫م عَ ْ‬ ‫ن ال ْك َل ِ َ‬
‫حّرُفو َ‬ ‫يُ َ‬
‫أي ‪ :‬فسدت قلوبهم فقست وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه ‪،‬‬
‫وتركوا العمال التي أمروا بها ‪ ،‬وارتكبوا ما نهو عنه ؛ ولهذا نهى الله‬
‫المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من المور الصلية والفرعية‪.‬‬
‫وقد قال بن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا شهاب بن‬
‫خراش ‪ ،‬حدثنا حجاج بن دينار ‪ ،‬عن منصور بن المعتمر ‪ ،‬عن الربيع بن أبي‬ ‫ِ‬
‫ي‬‫ميلة الفزاري قال ‪ :‬حدثنا عبد الله بن مسعود حديًثا ما سمعت أعجب إل ّ‬ ‫عَ ِ‬
‫ً‬
‫منه ‪ ،‬إل شيئا من كتاب الله ‪ -‬أو ‪ :‬شيئا قاله النبي صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ً‬
‫قال ‪" :‬إن بني إسرائيل لما طال عليهم المد فقست قلوبهم اخترعوا كتاًبا‬
‫من عند أنفسهم ‪ ،‬استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم )‪ (5‬واستلذته ‪ ،‬وكان‬
‫الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم فقالوا ‪ :‬تعالوا ندع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند البزار برقم )‪ (1443‬وقال ‪" :‬ل نعلم روى ابن الزبير عن ابن‬
‫مسعود إل هذا الحديث"‪.‬‬
‫)‪ (2‬روى ابن جرير في تفسير )‪ (15/552‬ط ‪ -‬المعارف ‪ ،‬من طريق‬
‫المسعودى عن عون بن عبد الله نحوه مرسل ً دون ذكر الشاهد هنا‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يرفع الله‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (27/131‬ووصله الطبراني في المعجم‬
‫الكبير )‪ (7/295‬فرواه من طريق عمران القطان ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪،‬‬
‫عا به ‪ ،‬وعمران القطان متكلم فيه‪.‬‬ ‫عن شداد بن أوس مرفو ً‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أنفسهم"‪.‬‬

‫) ‪(8/20‬‬

‫بني إسرائيل إلى كتابنا هذا ‪ ،‬فمن تابعنا عليه تركناه ‪ ،‬ومن كره أن يتابعنا )‬
‫مد َ‬‫‪ (1‬قتلناه‪ .‬ففعلوا ذلك ‪ ،‬وكان فيهم رجل فقيه ‪ ،‬فلما رأي ما يصنعون عَ َ‬
‫إلى ما يعرف من كتاب الله فكتبه في شيء لطيف ‪ ،‬ثم أدرجه ‪ ،‬فجعله في‬
‫قرن ثم علق ذلك القرن في عنقه ‪ ،‬فلما أكثروا القتل قال بعضهم لبعض ‪ :‬يا‬
‫هؤلء ‪ ،‬إنكم قد أفشيتم القتل في بني إسرائيل ‪ ،‬فادعوا فلنا فاعرضوا عليه‬
‫كتابكم ‪ ،‬فإنه إن تابعكم فسيتابعكم بقية الناس ‪ ،‬وإن أبى فاقتلوه‪ .‬فدعوا‬
‫فلًنا ذلك الفقيه فقالوا ‪ :‬تؤمن بما في كتابنا ؟ قال ‪ :‬وما فيه ؟ اعرضوه‬
‫ي‪ .‬فعرضوه عليه إلى آخره ‪ ،‬ثم قالوا ‪ :‬أتؤمن بهذا ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬آمنت‬ ‫عل ّ‬
‫بما في هذا وأشار بيده إلى القرن ‪ -‬فتركوه ‪ ،‬فلما مات نبشوه فوجدوه‬
‫قا )‪ (2‬ذلك القرن ‪ ،‬فوجدوا فيه ما يعرف من كتاب الله ‪ ،‬فقال بعضهم‬ ‫مت َعَل ّ ً‬
‫ُ‬
‫لبعض ‪ :‬يا هؤلء ‪ ،‬ما كنا نسمع هذا أصابه فتنة‪ .‬فافترقت بنو إسرائيل على‬
‫ثنتين وسبعين ملة ‪ ،‬وخير مَللهم ملة أصحاب ذي القرن"‪.‬‬
‫قال ابن مسعود ‪] :‬وإنكم[ )‪ (3‬أوشك بكم إن بقيتم ‪ -‬أو ‪ :‬بقي من بقي منكم‬
‫)‪ - (4‬أن تروا أمورا تنكرونها ‪ ،‬ل تستطيعون لها ِغي ًَرا ‪ ،‬فبحسب المرء منكم‬
‫أن يعلم الله من قلبه أنه لها كاره‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر الطبري ‪ :‬حدثنا ابن )‪ (5‬حميد ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن مغيرة ‪ ،‬عن‬
‫عرقوب )‪ (6‬إلى بن مسعود‬ ‫أبي معشر ‪ ،‬عن إبراهيم قال ‪ :‬جاء عتريس بن ُ‬
‫فقال ‪ :‬يا أبا عبد الله )‪ (7‬هلك من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر‪.‬‬
‫فقال عبد الله ‪ :‬هلك من لم يعرف قلُبه معروًفا ولم ينكر قلُبه منكًرا ؛ إن‬
‫بني إسرائيل لما طال عليهم المد وقست قلوبهم ‪ ،‬اخترعوا كتاًبا من بين‬
‫أيديهم وأرجلهم ‪ ،‬استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬نعرض على‬
‫بني إسرائيل هذا الكتاب فمن آمن به تركناه ‪ ،‬ومن كفر به قتلناه‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فجعل رجل منهم كتاب الله في قَْرن ‪ ،‬ثم جعل القرن بين ثندوتيه فلما قيل‬
‫دوتيه ‪ -‬ومالي ل‬ ‫له ‪ :‬أتؤمن بهذا ؟ قال آمنت به ‪ -‬ويومئ إلى القرن بين ث َن ْ ُ‬
‫قرن )‪(8‬‬ ‫مّلة صاحب ال َ‬ ‫مل َِلهم اليوم ِ‬ ‫أؤمن بهذا الكتاب ؟ فمن خير ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ت لعَلك ْ‬‫م الَيا ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫موْت َِها قد ْ ب َي ّّنا لك ُ‬
‫ض ب َعْد َ َ‬
‫حِيي الْر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ْ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬اعْل َ ُ‬
‫ن { فيه إشارة إلى أنه ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬يلين القلوب بعد قسوتها ‪ ،‬وَيهدي‬ ‫قُلو َ‬
‫ت َعْ ِ‬
‫ضلتها ‪ ،‬ويفّرج الكروب بعد شدتها ‪ ،‬فكما يحيي الرض الميتة‬ ‫حَيارى بعد َ‬ ‫ال َ‬
‫المجدبة الهامدة بالغيث الهّتان ]الوابل[ )‪ (9‬كذلك يهدي القلوب القاسية‬
‫ببراهين القرآن والدلئل ‪ ،‬ويولج إليها النور بعد ما كانت مقفلة ل يصل إليها‬
‫الواصل ‪ ،‬فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلل ‪ ،‬والمضل لمن أراد بعد‬
‫الكمال ‪ ،‬الذي هو لما يشاء فعال ‪ ،‬وهو الحكم العدل في جميع الفعال ‪،‬‬
‫اللطيف الخبير الكبير المتعال‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬يتابعنا عليه"‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬معلقًا"‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬معكم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أبو"‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬جابر بن سويد عن قرب"‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬يا أبا عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(27/132‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(8/21‬‬

‫ف ل َهم ول َه َ‬ ‫َ‬
‫جٌر‬
‫مأ ْ‬‫ضاعَ ُ ُ ْ َ ُ ْ‬
‫سًنا ي ُ َ‬
‫ح َ‬
‫ضا َ‬ ‫ضوا الل ّ َ‬
‫ه قَْر ً‬ ‫ت وَأقَْر ُ‬
‫صد َّقا ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫م ّ‬ ‫صد ِّقي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ّ‬ ‫إِ ّ‬
‫م )‪(18‬‬ ‫كَ ِ‬
‫ري ٌ‬
‫َ‬
‫م وَل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ف ل َهُ ْ‬
‫ضاعَ ُ‬
‫سًنا ي ُ َ‬
‫ح َ‬
‫ضا َ‬ ‫ضوا الل ّ َ‬
‫ه قَْر ً‬ ‫ت وَأقَْر ُ‬
‫صد َّقا ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫م ّ‬ ‫صد ِّقي َ‬
‫م ّ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬
‫م )‪{ (18‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫جٌر ك َ ِ‬‫أ ْ‬

‫) ‪(8/22‬‬
‫م ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬
‫داُء ِ‬
‫شهَ َ‬‫ن َوال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫دي ُ‬
‫ص ّ‬‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سل ِهِ ُأول َئ ِ َ‬
‫مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ‬
‫ذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫َوال ّ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حيم ِ )‪(19‬‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ج ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫كأ ْ‬ ‫فُروا وَك َذ ُّبوا ب ِآَيات َِنا أول َئ ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م وَُنوُرهُ ْ‬
‫جُرهُ ْ‬ ‫أ ْ‬

‫م ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬
‫داُء ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سل ِهِ ُأول َئ ِ َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حيم ِ )‪{ (19‬‬ ‫ج ِ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫فُروا وَك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا أول َئ ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫م وَُنوُرهُ ْ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫صدقات بأموالهم على أهل الحاجة‬ ‫م ّ‬ ‫صدقين وال ُ‬ ‫م ّ‬ ‫يخبر تعالى عما يثيب به ال ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫سًنا { أي ‪ :‬دفعوه بنية خالصة‬ ‫ح َ‬ ‫ضا َ‬ ‫ه قَْر ً‬ ‫ضوا الل َ‬ ‫والفقر والمسكنة ‪ } ،‬وَأقَْر ُ‬
‫ابتغاء وجه الله ‪ ،‬ل يريدون جزاء ممن أعطوه ول شكوًرا ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫م { أي ‪ :‬يقابل لهم الحسنة بعشر أمثالها ‪ ،‬ويزداد على ذلك إلى‬ ‫ف ل َهُ ُ‬ ‫ضاعَ ُ‬ ‫} يُ َ‬
‫م { أي ‪ :‬ثواب جزيل حسن ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري ٌ‬ ‫جٌر ك ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سبعمائة ضعف وفوق ذلك } وَلهُ ْ‬
‫ُ‬
‫م{‬ ‫ري ٌ‬ ‫ومرجع صالح ومآب } ك َ ِ‬
‫ن { هذا تمام لجملة ‪،‬‬ ‫قو َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سل ِهِ أول َئ ِ َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫وصف المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون‪.‬‬
‫ُ‬
‫سل ِهِ أول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬ ‫قال العَ ْ‬
‫م {‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن { هذه مفصولة } َوال ّ‬
‫م وَُنوُرهُ ْ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م لهُ ْ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫داُء ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫هُ ُ‬
‫ن { ثم استأنف الكلم فقال ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقال أبو الضحى ‪ } :‬أولئ ِ َ‬
‫قو َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬
‫م { وهكذا قال مسروق ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪،‬‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫داُء ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫} َوال ّ‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وقال العمش عن أبي الضحى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد الله في قوله ‪:‬‬
‫م { قال ‪ :‬هم ثلثه أصناف ‪ :‬يعني‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫داُء ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫دي ُ‬‫ص ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫} ُأول َئ ِ َ‬
‫ن ي ُط ِِع‬ ‫م ْ‬‫المصدقين ‪ ،‬والصديقين ‪ ،‬والشهداء ‪ ،‬كما قال ]الله[ )‪ (1‬تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ك مع ال ّذي َ‬ ‫الل ّه والرسو َ ُ‬
‫ن‬ ‫قي َ‬‫دي ِ‬‫ص ّ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ن الن ّب ِّيي َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن أن ْعَ َ‬ ‫ل فَأول َئ ِ َ َ َ ِ َ‬ ‫َ َ ّ ُ‬
‫ن { ]النساء ‪ [69 :‬ففرق بين الصديقين والشهداء ‪ ،‬فدل‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫داِء َوال ّ‬ ‫شهَ َ‬ ‫َوال ّ‬
‫ما من الشهيد ‪ ،‬كما رواه‬ ‫على أنهما صنفان‪ .‬ول شك أن الصديق أعلى مقا ً‬
‫المام مالك بن أنس ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬في كتابه الموطأ ‪ ،‬عن صفوان بن سليم ‪،‬‬
‫سار ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫عن عطاء بن ي َ َ‬
‫وسلم قال ‪" :‬إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ‪ ،‬كما تتراءون‬
‫الكوكب الدري الغابر في الفق من المشرق أو المغرب ‪ ،‬لتفاضل ما بينهم"‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬تلك منازل النبياء ل يبلغها غيرهم ؟ قال ‪" :‬بلى والذي‬
‫نفسي بيده ‪ ،‬رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين"‪.‬‬
‫اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث مالك ‪ ،‬به )‪(2‬‬
‫عن ْد َ‬
‫داُء ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫وقال آخرون ‪ :‬بل المراد من قوله ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫م { فأخبر عن المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون وشهداء‪ .‬حكاه ابن‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫جرير عن مجاهد ‪ ،‬ثم قال ابن جرير ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (3256‬وصحيح مسلم برقم )‪(2831‬‬

‫) ‪(8/22‬‬

‫مر ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن يحيى ‪ ،‬حدثنا ابن‬


‫معْ َ‬
‫حدثني صالح ابن حرب أبو َ‬
‫جلن عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن البراء بن عازب قال ‪ :‬سمعت رسول الله‬ ‫عَ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬مؤمنو أمتي شهداء"‪ .‬قال ‪ :‬ثم تل صلى الله‬
‫ن‬‫قو َ‬ ‫دي ُ‬
‫ص ّ‬‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سل ِهِ ُأول َئ ِ َ‬‫مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عليه وسلم هذه الية } َوال ّ ِ‬
‫م[ { )‪ (1‬هذا حديث غريب )‪(2‬‬ ‫عند ربهم ]ل َه َ‬ ‫َوال ّ‬
‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫داُء ِ ْ َ َ ّ ِ ْ‬ ‫شهَ َ‬
‫مُنوا ِباللهِّ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقال أبو إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون في قوله ‪َ } :‬وال ِ‬
‫م { قال ‪:‬‬ ‫عند ربهم ل َه َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫سل ِهِ ُأول َئ ِ َ‬
‫جُرهُ ْ َ ُ ُ ُ ْ‬
‫ه‬ ‫ر‬‫نو‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫مأ ْ‬ ‫داُء ِ ْ َ َ ّ ِ ْ ُ ْ‬ ‫شهَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ص ّ‬‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫وَُر ُ‬
‫يجيؤون يوم القيامة مًعا كالصبعين‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬في جنات النعيم ‪ ،‬كما جاء في‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬‫داُء ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ‬
‫ضر تسرح في الجنة‬ ‫خ ْ‬ ‫الصحيحين ‪" :‬إن أرواح الشهداء في حواصل طير ُ‬
‫حيث شاءت ‪ ،‬ثم تأوي إلى تلك القناديل ‪ ،‬فاطلع عليهم ربك اطلعة فقال ‪:‬‬
‫ماذا تريدون ؟ فقالوا ‪ :‬نحب أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل فيك فنقتل كما‬
‫قُِتلنا أول مرة‪ .‬فقال إني قضيت أنهم إليها ل يرجعون" )‪(3‬‬
‫م { أي ‪ :‬لهم عند ربهم أجر جزيل ونور عظيم‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َه َ‬
‫م وَُنوُرهُ ْ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫يسعى بين أيديهم ‪ ،‬وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ما كانوا في الدار الدنيا‬
‫من العمال ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يحيى ابن إسحاق ‪ ،‬حدثنا بن ل َِهيَعة ‪ ،‬عن عطاء بن دينار ‪ ،‬عن أبي يزيد‬
‫الخولني قال ‪ :‬سمعت فضالة بن عَُبيد يقول ‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب‬
‫يقول ‪ :‬سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬الشهداء أربعة ‪ :‬رجل‬
‫مؤمن جيد اليمان ‪ ،‬لقي العدو فصدق الله فقتل ‪ ،‬فذلك )‪ (4‬الذي ينظر‬
‫سوة رسول الله صلى الله‬ ‫الناس إليه هكذا ‪ -‬ورفع رأسه حتى سقطت قَل َن ْ ُ‬
‫عليه وسلم أو قلنسوة عمر ‪ -‬والثاني مؤمن )‪ (5‬لقي العدو فكأنما يضرب‬
‫ظهره بشوك الطلح ‪ ،‬جاءه سهم غَْرب فقتله ‪ ،‬فذاك في الدرجة الثانية ‪،‬‬
‫والثالث رجل مؤمن خلط عمل صالحا وآخر سيًئا لقي العدو فصدق الله حتى‬
‫قتل ‪ ،‬فذاك في الدرجة الثالثة ‪ ،‬والرابع رجل مؤمن أسرف على نفسه‬
‫إسراًفا كثيًرا ‪ ،‬لقي العدو فصدق الله حتى قتل ‪ ،‬فذاك في الدرجة الرابعة"‪.‬‬
‫)‪(6‬‬
‫وهكذا رواه علي بن المديني ‪ ،‬عن أبي داود الطيالسي ‪ ،‬عن ابن المبارك ‪،‬‬
‫عن ابن ل َِهيَعة ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا إسناد مصري صالح‪ .‬ورواه الترمذي من حديث‬
‫ابن لهيعة وقال ‪ :‬حسن غريب )‪(7‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حيم ِ { لما ذكر‬ ‫ج ِ‬‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬‫فُروا وَك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا أولئ ِك أ ْ‬
‫َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫السعداء ومآلهم ‪ ،‬عطف بذكر الشقياء وبين حالهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(27/133‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪ (1887‬من حديث ابن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫ولم أقع عليه عند البخاري‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬فذاك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬رجل"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(1/23‬‬
‫)‪ (7‬سنن الترمذي برقم )‪.(1644‬‬

‫) ‪(8/23‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫وا ِ‬ ‫كاث ٌُر ِفي اْل ْ‬
‫م َ‬ ‫م وَت َ َ‬‫خٌر ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫فا ُ‬
‫ة وَت َ َ‬‫ب وَل َهْوٌ وَِزين َ ٌ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌ‬‫ما ال ْ َ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫اعْل َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ب ال ْك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫طا ً‬ ‫ن ُ‬ ‫م يَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫فّرا ث ُ ّ‬‫ص َ‬‫م ْ‬ ‫ج فَت ََراه ُ ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬
‫م ي َِهي ُ‬ ‫فاَر ن ََبات ُ ُ‬ ‫ج َ‬‫ث أعْ َ‬ ‫ل غَي ْ ٍ‬ ‫َواْلوَْلد ِ ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬
‫مَتاعُ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا إ ِّل َ‬
‫ما ال ْ َ‬‫ن وَ َ‬‫وا ٌ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬
‫ض َ‬ ‫م َ‬‫فَرةٌ ِ‬‫مغْ ِ‬‫ديد ٌ وَ َ‬‫ش ِ‬‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫وَِفي اْل َ ِ‬
‫ماِء‬
‫س َ‬‫ض ال ّ‬ ‫َ‬
‫ضَها كعَْر ِ‬ ‫جن ّةٍ عَْر ُ‬‫م وَ َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬‫فَرةٍ ِ‬ ‫مغْ ِ‬‫قوا إ َِلى َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫ال ْغُُرورِ )‪َ (20‬‬
‫شاُء َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ل الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬‫ض ُ‬‫ك فَ ْ‬ ‫سل ِهِ ذ َل ِ َ‬‫مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ‬
‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ت ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ض أُ ِ‬
‫عد ّ ْ‬
‫َْ‬
‫َوالْر ِ‬
‫ظيم ِ )‪(21‬‬ ‫ل ال ْعَ ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ُذو ال ْ َ‬

‫ب وَل َهْوٌ وَِزين َ ٌ‬ ‫َ‬


‫ل‬‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاث ٌُر ِفي ال ْ‬ ‫م وَت َ َ‬ ‫خٌر ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ة وَت َ َ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫} اعْل َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ب ال ْك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫طا ً‬ ‫ن ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫فّرا ث ُ ّ‬ ‫ص َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج فَت ََراه ُ ُ‬ ‫م ي َِهي ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫فاَر ن ََبات ُ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ث أعْ َ‬ ‫ل غَي ْ ٍ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫َوالْولد ِ ك َ َ‬
‫مَتاعُ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا ِإل َ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫فَرةٌ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ديد ٌ وَ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫وَِفي ال ِ‬
‫ماِء‬ ‫س َ‬‫ض ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ْغُُرورِ )‪َ (20‬‬
‫ضَها كعَْر ِ‬ ‫جن ّةٍ عَْر ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن َرب ّك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةٍ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫قوا إ ِلى َ‬ ‫ساب ِ ُ‬
‫شاُء َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ك فَ ْ‬ ‫سل ِهِ ذ َل ِ َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ل ِل ّ ِ‬ ‫عد ّ ْ‬ ‫ض أُ ِ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫ظيم ِ )‪{ (21‬‬ ‫ف ْ ِ َ ِ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ُذو ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫حَياة ُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫موهًنا أمر الحياة الدنيا ومحقرا لها ‪ } :‬أن ّ َ‬ ‫يقول تعالى ُ‬
‫ل َوالْولد ِ { أي ‪ :‬إنما حاصل أمرها‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاث ٌُر ِفي ال ْ‬ ‫م وَت َ َ‬ ‫خٌر ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ة وَت َ َ‬ ‫وَل َهْوٌ وَِزين َ ٌ‬
‫ساِء َوال ْب َِني َ‬
‫ن‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫عند أهلها هذا ‪ ،‬كما قال ‪ُ } :‬زي ّ َ‬
‫ث‬‫حْر ِ‬ ‫ْ‬
‫مةِ َوالن َْعام ِ َوال َ‬ ‫سو ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ال ُ‬‫ْ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ضةِ َوال َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ْ‬
‫ب َوال ِ‬ ‫ن الذ ّهَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫قن ْط ََرةِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫طيرِ ال ْ ُ‬ ‫قَنا ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ب { ]آل عمران ‪[14 :‬‬ ‫مآ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عن ْد َه ُ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َوالل ّ ُ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ثم ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ونعمة زائلة فقال ‪:‬‬
‫و‬
‫ث { وهو ‪ :‬المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَهُ َ‬ ‫ل غَي ْ ٍ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫} كَ َ‬
‫ه[ { ]الشورى ‪(1) [28 :‬‬ ‫مت َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫شُر َر ْ‬ ‫طوا ]وَي َن ْ ُ‬ ‫ما قَن َ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫ل ال ْغَي ْ َ‬ ‫ذي ُينز ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ه { أي ‪ :‬يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت‬ ‫ب ال ْك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫فاَر ن ََبات ُ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أعْ َ‬
‫بالغيث ؛ وكما يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار ‪ ،‬فإنهم‬
‫ن‬
‫كو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫فّرا ث ُ ّ‬ ‫ص َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج فَت ََراه ُ ُ‬ ‫م ي َِهي ُ‬ ‫أحرص شيء عليها وأميل الناس إليها ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫ما { أي ‪ :‬يهيج ذلك الزرع فتراه مصفّرا بعد ما كان خضًرا )‪ (2‬نضرا ‪ ،‬ثم‬ ‫طا ً‬ ‫ح َ‬ ‫ُ‬
‫ما ‪ ،‬هكذا الحياة الدنيا‬ ‫سا متحط ً‬ ‫ما ‪ ،‬أي ‪ :‬يصير ي َب َ ً‬ ‫يكون بعد ذلك كله حطا ً‬
‫تكون أول شابة ‪ ،‬ثم تكتهل ‪ ،‬ثم تكون عجوًزا شوهاء ‪ ،‬والنسان كذلك في‬
‫أول عمره وعنفوان شبابه غضا طرّيا لين العطاف ‪ ،‬بهي المنظر ‪ ،‬ثم إنه‬
‫خا‬‫فد )‪ (3‬بعض قواه ‪ ،‬ثم يكبر فيصير شي ً‬ ‫يشرع في الكهولة فتتغير طباعه وَي َن ْ َ‬
‫كبيًرا ‪ ،‬ضعيف القوى ‪ ،‬قليل الحركة ‪ ،‬يعجزه الشيء اليسير ‪ ،‬كما قال‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫ف قُوّة ً ث ُ ّ‬ ‫ضعْ ٍ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ف ثُ ّ‬ ‫ضعْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫تعالى ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫ديُر { ]الروم ‪.[54 :‬‬ ‫ق ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫شاُء وَهُوَ ال ْعَِلي ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫شي ْب َ ً‬ ‫فا وَ َ‬ ‫ضعْ ً‬ ‫ن ب َعْد ِ قُوّةٍ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ولما كان هذا المثل دال على زوال الدنيا وانقضائها وفراغها ل محالة ‪ ،‬وأن‬
‫غب فيما فيها من الخير ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫ذر من أمرها ور ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫الخرة كائنة ل محالة ‪َ ،‬‬
‫حَياةُ الد ّن َْيا ِإل‬ ‫ْ‬
‫ما ال َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫ن اللهِ وَرِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫فَرةٌ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ديد ٌ وَ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫} وَِفي ال ِ‬
‫مَتاعُ ال ْغُُرورِ { أي ‪ :‬وليس في الخرة التية القريبة إل إما هذا وإما هذا ‪ :‬إما‬ ‫َ‬
‫عذاب شديد ‪ ،‬وإما مغفرة من الله ورضوان‪.‬‬
‫ن غاّر )‪ (4‬لمن‬ ‫مَتاعُ ال ْغُُرورِ { أي ‪ :‬هي متاع فا ٍ‬ ‫حَياة ُ الد ّن َْيا ِإل َ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ركن إليه فإنه يغتر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ما أخضر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬ويفقد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عار"‪.‬‬

‫) ‪(8/24‬‬
‫بها وتعجبه حتى يعتقد أنه ل دار سواها ول معاد وراءها ‪ ،‬وهي حقيرة قليلة‬
‫بالنسبة إلى الدار الخرة‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا علي ابن حرب الموصلي ‪ ،‬حدثنا المحاربي ‪ ،‬حدثنا‬
‫محمد بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها‪.‬‬
‫مَتاعُ ال ْغُُرورِ { )‪(1‬‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا ِإل َ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫اقرؤوا ‪ } :‬وَ َ‬
‫وهذا الحديث ثابت في الصحيح بدون هذه الزيادة )‪ (2‬والله أعلم‪.‬‬
‫كيع ‪ ،‬كلهما عن العمش ‪ ،‬عن شقيق ‪،‬‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ابن نمير ووَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫عن عبد الله قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬للجنة أقرب إلى‬
‫شَراك نعله ‪ ،‬والنار مثل ذلك"‪.‬‬ ‫أحدكم من ِ‬
‫انفرد بإخراجه البخاري في "الرقاق" ‪ ،‬من حديث الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به‬
‫)‪(3‬‬
‫ففي هذا الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من النسان ‪ ،‬وإذا كان‬
‫المر كذلك ؛ فلهذا حثه الله )‪ (4‬على المبادرة إلى الخيرات ‪ ،‬من فعل‬
‫الطاعات ‪ ،‬وترك المحرمات ‪ ،‬التي تكفر عنه الذنوب والزلت ‪ ،‬وتحصل له‬
‫ة‬
‫جن ّ ٍ‬‫م وَ َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫فَرةٍ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫قوا إ َِلى َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫الثواب والدرجات ‪ ،‬فقال تعالى ‪َ } :‬‬
‫ض { والمراد جنس السماء والرض ‪ ،‬كما قال‬ ‫َ‬
‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ض ال ّ‬ ‫ضَها كعَْر ِ‬ ‫عَْر ُ‬
‫ت‬
‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ضَها ال ّ‬ ‫جن ّةٍ عَْر ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬‫فَرةٍ ِ‬ ‫عوا إ َِلى َ‬
‫مغْ ِ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫في الية الخرى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ض أُ ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ت ل ِل ِ‬ ‫عد ّ ْ‬‫ن { ]آل عمران ‪ .[133 :‬وقال هاهنا ‪ } :‬أ ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ت ل ِل ْ ُ‬‫عد ّ ْ‬ ‫َوالْر ُ‬
‫ظيم ِ {‬ ‫ل العَ ِ‬‫ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ُذو ال َ‬ ‫ّ‬
‫شاُء َوالل ُ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬ ‫ض ُ‬‫ك فَ ْ‬ ‫سل ِهِ ذ َل ِ َ‬ ‫ّ‬
‫مُنوا ِباللهِ وَُر ُ‬ ‫آ َ‬
‫أي ‪ :‬هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنه عليهم وإحسانه إليهم ‪ ،‬كما‬
‫دمنا في الصحيح ‪ :‬أن فقراء المهاجرين قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ذهب أهل‬ ‫ق ّ‬
‫ّ‬
‫دثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم‪ .‬قال ‪" :‬وما ذاك ؟"‪ .‬قالوا ‪ُ :‬يصلون‬ ‫ال ّ‬
‫كما نصلي ‪ ،‬ويصومون كما نصوم ‪ ،‬ويتصدقون ول نتصدق ‪ ،‬وُيعتقون ول‬
‫ن ُعِْتق‪ .‬قال ‪" :‬أفل أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ‪ ،‬ول يكون‬
‫أحد أفضل منكم إل من صنع مثل ما صنعتم ‪ :‬تسبحون وتكبرون وتحمدون‬
‫د ُُبر كل صلة ثلًثا وثلثين"‪ .‬قال ‪ :‬فرجعوا فقالوا ‪ :‬سمع إخواننا أهل الموال‬
‫ما فعلنا ‪ ،‬ففعلوا مثله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ذلك فضل‬
‫الله يؤتيه من يشاء" )‪(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪ (27/134‬وليس في المطبوع هذه الزيادة ‪ ،‬فلعل‬
‫الحافظ رآها في نسخة أخرى‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (6415‬من حديث سهل بن سعد ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (1/387‬وصحيح البخاري برقم )‪.(6488‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬فلهذا حث تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (843‬وصحيح مسلم برقم )‪.(595‬‬

‫) ‪(8/25‬‬

‫فسك ُم إّل في كتاب من قَب َ‬ ‫َ‬ ‫صيب َةٍ ِفي اْل َْر‬ ‫ما أ َ‬
‫ن‬
‫لأ ْ‬ ‫َِ ٍ ِ ْ ْ ِ‬ ‫ض وََل ِفي أن ْ ُ ِ ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫م ِ‬‫ن ُ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ب ِ‬‫صا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫حوا ب ِ َ‬‫فَر ُ‬
‫م وَل ت َ ْ‬
‫ما فات َك ْ‬
‫وا عَلى َ‬
‫س ْ‬
‫سيٌر )‪ (22‬ل ِكي ْل ت َأ َ‬ ‫ن ذ َل ِك عَلى اللهِ ي َ ِ‬
‫ها إ ِ ّ‬‫ن َب َْرأ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ن الّنا َ‬
‫مُرو َ‬ ‫خُلو َ‬
‫ن وَي َأ ُ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬ ‫خورٍ )‪ (23‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫خَتا ٍ‬‫م ْ‬‫ل ُ‬‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬‫آَتاك ُ ْ‬
‫ميد ُ )‪(24‬‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْغَن ِ ّ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ل فَإ ِ ّ‬‫ن ي َت َوَ ّ‬
‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫خ ِ‬‫ِبال ْب ُ ْ‬

‫ن‬ ‫فسك ُم إل في كتاب من قَب َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫لأ ْ‬ ‫َِ ٍ ِ ْ ْ ِ‬ ‫ض َول ِفي أن ْ ُ ِ ْ ِ ِ‬ ‫صيب َةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫} َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حوا‬ ‫فَر ُ‬ ‫م َول ت َ ْ‬ ‫ما َفات َك ْ‬ ‫وا عَلى َ‬ ‫س ْ‬ ‫ي ل ت َأ َ‬ ‫سيٌر )‪ (22‬ل ِك ْ‬ ‫ن ذ َل ِك عَلى اللهِ ي َ ِ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫ن َب َْرأ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫س‬
‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ن وَي َأ ُ‬ ‫خلو َ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬ ‫ذي َ‬
‫خورٍ )‪ (23‬ال ِ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫خَتا ٍ‬ ‫م ْ‬‫ل ُ‬ ‫بك ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫ما آَتاك ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ميد ُ )‪{ (24‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ الغَن ِ ّ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ل فَإ ِ ّ‬ ‫ن ي َت َوَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ْ‬
‫ِبالب ُ ْ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال ‪َ } :‬‬
‫م { أي ‪ :‬في الفاق وفي نفوسكم } ِإل‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ض َول ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫صيب َةٍ ِفي الْر َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ها { أي ‪ :‬من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة‪.‬‬ ‫َ‬
‫ن ن َب َْرأ َ‬ ‫َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ن قب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ِفي ك َِتا ٍ‬
‫ها { عائد على النفوس‪ .‬وقيل ‪ :‬عائد على‬ ‫وقال بعضهم ‪ } :‬من قَبل أ َن نبرأ ََ‬
‫ِ ْ ْ ِ ْ ََْ‬
‫المصيبة‪ .‬والحسن عوده على الخليقة والبرية ؛ لدللة الكلم عليها ‪ ،‬كما قال‬
‫ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُل َّية ‪ ،‬عن منصور بن عبد الرحمن قال ‪ :‬كنت‬
‫صيب َةٍ ِفي‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫صا َ‬
‫ما أ َ‬ ‫سا مع الحسن ‪ ،‬فقال رجل ‪ :‬سله عن قوله ‪َ } :‬‬ ‫جال ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها { فسألته عنها ‪ ،‬فقال‬ ‫ن ن َب َْرأ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫م ِإل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ض َول ِفي أن ْ ُ‬ ‫الْر ِ‬
‫‪ :‬سبحان الله! ومن يشك في هذا ؟ كل مصيبة بين السماء والرض ‪ ،‬ففي‬
‫كتاب الله من قبل أن يبرأ النسمة )‪(1‬‬
‫ض { قال ‪ :‬هي السنون‪ .‬يعني ‪:‬‬ ‫َ‬
‫صيب َةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬
‫َ‬
‫وقال قتادة ‪َ } :‬‬
‫م { يقول ‪ :‬الوجاع والمراض‪ .‬قال ‪ :‬وبلغنا أنه‬ ‫سك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫دب ‪َ } ،‬ول ِفي أن ْ ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ال َ‬
‫ليس أحد يصيبه خدش عود ول نكبة قدم ‪ ،‬ول خلجان عرق إل بذنب ‪ ،‬وما‬
‫يعفو الله عنه أكثر‪.‬‬
‫درية ُنفاة العلم السابق ‪ -‬قبحهم‬ ‫ق َ‬
‫وهذه الية الكريمة من أدل دليل على ال َ‬
‫الله ‪ -‬وقال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أبو عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا حيوة وابن ل َِهيعة قال حدثنا أبو هانئ الخولني ‪:‬‬
‫عمرو بن العاص‬ ‫حُبلي يقول ‪ :‬سمعت عبد الله بن َ‬ ‫أنه سمع أبا عبد الرحمن ال ُ‬
‫در الله المقادير‬ ‫يقول ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬ق ّ‬
‫قبل أن يخلق السموات والرض بخمسين ألف سنة"‪.‬‬
‫ورواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬من حديث عبد الله بن وهب وحيوة بن شريح‬
‫ونافع بن يزيد ‪ ،‬وثلثتهم عن أبي هانئ ‪ ،‬به‪ .‬وزاد بن َوهب ‪" :‬وكان عرشه‬
‫على الماء"‪ .‬ورواه الترمذي وقال ‪ :‬حسن صحيح )‪(2‬‬
‫سيٌر { أي ‪ :‬أن علمه تعالى الشياء قبل كونها‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله ‪ ،‬عز وجل )‪ (3‬؛ لنه يعلم‬
‫ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(27/135‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (2/169‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2653‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪.(2156‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬تعالى"‪.‬‬

‫) ‪(8/26‬‬
‫ْ‬
‫م { أي ‪ :‬أعلمناكم‬ ‫ما آَتاك ُ ْ‬ ‫حوا ب ِ َ‬‫فَر ُ‬ ‫ما َفات َك ُ ْ‬
‫م َول ت َ ْ‬ ‫وا عََلى َ‬ ‫س ْ‬ ‫ي ل ت َأ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ِك َ ْ‬
‫بتقدم علمنا وسبق كتابتنا )‪ (1‬للشياء قبل كونها ‪ ،‬وتقديرنا الكائنات قبل‬
‫وجودها ‪ ،‬لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم ‪ ،‬وما أخطأكم لم يكن‬
‫ليصيبكم ‪ ،‬فل تأسوا على ما فاتكم ‪ ،‬فإنه )‪ (2‬لو قدر شيء لكان } َول‬
‫كم" أي ‪ :‬أعطاكم‪ .‬وكلهما‬ ‫م { أي ‪ :‬جاءكم ‪ ،‬ويقرأ ‪" :‬آتا ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ْ‬ ‫حوا ب ِ َ‬ ‫فَر ُ‬‫تَ ْ‬
‫متلزمان ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم ‪ ،‬فإن ذلك ليس‬
‫بسعيكم ول كدكم ‪ ،‬وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم ‪ ،‬فل تتخذوا نعم )‪(3‬‬
‫ب كُ ّ‬
‫ل‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫الله أشًرا وبطًرا ‪ ،‬تفخرون بها على الناس ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫خورٍ { أي ‪ :‬مختال في نفسه متكبر فخور ‪ ،‬أي ‪ :‬على غيره‪.‬‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫خَتا ٍ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫فَرح شكًرا‬ ‫وقال عكرمة ‪ :‬ليس أحد إل وهو يفرح ويحزن ‪ ،‬ولكن اجعلوا ال َ‬
‫والحزن صبًرا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ل { أي ‪ :‬يفعلون المنكر‬ ‫خ ِ‬ ‫س ِبالب ُ ْ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ن وَي َأ ُ‬ ‫خلو َ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬‫ذي َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ه‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ل { أي ‪ :‬عن أمر الله وطاعته } فَإ ِ ّ‬ ‫ن ي َت َوَ ّ‬‫م ْ‬ ‫ويحضون الناس عليه ‪ } ،‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فُروا أن ْت ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ت َك ُ‬ ‫ميد ُ { كما قال موسى عليه السلم ‪ } :‬إ ِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫هُوَ ال ْغَن ِ ّ‬
‫ميد ٌ { ]إبراهيم ‪.[8 :‬‬ ‫ح ِ‬‫ي َ‬ ‫ه ل َغَن ِ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ميًعا فَإ ِ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬كتابنا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬لنه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬نعمة"‪.‬‬

‫) ‪(8/27‬‬

‫َ‬ ‫لَ َ َ‬
‫س‬
‫م الّنا ُ‬ ‫قو َ‬‫ن ل ِي َ ُ‬
‫ميَزا َ‬‫ب َوال ْ ِ‬
‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ت وَأن َْزل َْنا َ‬
‫معَهُ ُ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫صُرهُ‬
‫ن ي َن ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ه َ‬‫م الل ّ ُ‬
‫س وَل ِي َعْل َ َ‬
‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬ ‫ديد ٌ وَ َ‬
‫ش ِ‬‫س َ‬‫ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ‬ ‫ح ِ‬‫ط وَأن َْزل َْنا ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬‫ِبال ْ ِ‬
‫زيٌز )‪(25‬‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ه ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫سل َ ُ‬
‫وَُر ُ‬
‫َ‬ ‫} لَ َ َ‬
‫س‬
‫م الّنا ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ل ِي َ ُ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫معَهُ ُ‬ ‫ت وَأنزل َْنا َ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫صُرهُ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬ ‫ديد ٌ وَ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫س َ‬ ‫ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ط وَأنزل َْنا ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ِبال ْ ِ‬
‫زيٌز )‪{ (25‬‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ه ِبالغَي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫وَُر ُ‬
‫ت { أي ‪ :‬بالمعجزات ‪ ،‬والحجج‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلَنا ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫سلَنا ُر ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬ل َ‬
‫ب { وهو ‪ :‬النقل‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م الك َِتا َ‬ ‫معَهُ ُ‬‫الباهرات ‪ ،‬والدلئل القاطعات ‪ } ،‬وَأنزلَنا َ‬
‫ن { وهو ‪ :‬العدل‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما‪ .‬وهو‬ ‫ميَزا َ‬ ‫المصدق } َوال ْ ِ‬
‫الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للراء السقيمة ‪،‬‬
‫ن َرب ّهِ وَي َت ُْلوه ُ َ‬ ‫َ‬
‫ه { ]هود ‪، [17 :‬‬ ‫من ْ ُ‬
‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫كما قال ‪ } :‬أفَ َ‬
‫س عَل َي َْها { ]الروم ‪ ، [30 :‬وقال ‪:‬‬ ‫وقال ‪ } :‬فِط َْرةَ الل ّهِ ال ِّتي فَط ََر الّنا َ‬
‫ن { ]الرحمن ‪ [7 :‬؛ ولهذا قال في هذه الية ‪:‬‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ضعَ ال ْ ِ‬ ‫ماَء َرفَعََها وَوَ َ‬ ‫س َ‬ ‫} َوال ّ‬
‫ط { أي ‪ :‬بالحق والعدل وهو ‪ :‬اتباع الرسل فيما أخبروا‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ْ‬
‫س ِبال ِ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫قو َ‬ ‫} ل ِي َ ُ‬
‫به ‪ ،‬وطاعتهم فيما أمروا به ‪ ،‬فإن الذي جاؤوا به هو الحق الذي ليس وراءه‬
‫دل { ]النعام ‪ [115 :‬أي ‪:‬‬ ‫صد ًْقا وَعَ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَت َ ّ‬
‫صدًقا في الخبار ‪ ،‬وعدل في الوامر والنواهي‪ .‬ولهذا يقول المؤمنون إذا‬
‫مد ُ ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ح ْ‬ ‫تبوؤوا غرف الجنات ‪ ،‬والمنازل العاليات ‪ ،‬والسرر المصفوفات ‪ } :‬ال ْ َ‬
‫ه لَ َ‬ ‫َ‬
‫ل َرب َّنا‬‫س ُ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫داَنا الل ّ ُ‬
‫ن هَ َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫ما ك ُّنا ل ِن َهْت َدِيَ ل َ ْ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫داَنا ل ِهَ َ‬ ‫ذي هَ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫حقّ { ]العراف ‪.[43 :‬‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫عا لمن أبى‬
‫ديد ٌ { أي ‪ :‬وجعلنا الحديد راد ً‬ ‫س َ‬
‫ش ِ‬ ‫ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأنزل َْنا ال ْ َ‬
‫ح ِ‬
‫الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه ؛ ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بمكة بعد النبوة ثلث عشرة سنة توحى إليه السور المكية ‪ ،‬وكلها‬
‫جدال مع المشركين ‪ ،‬وبيان وإيضاح للتوحيد ‪ ،‬وتبيان ودلئل ‪ ،‬فلما قامت‬
‫الحجة على من‬

‫) ‪(8/27‬‬

‫ول َ َ َ‬
‫مهْت َدٍ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ب فَ ِ‬ ‫ما الن ّب ُوّة َ َوال ْك َِتا َ‬ ‫جعَل َْنا ِفي ذ ُّري ّت ِهِ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫هي َ‬ ‫حا وَإ ِب َْرا ِ‬ ‫سل َْنا ُنو ً‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫سى‬ ‫عي‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ثا‬ ‫في َْنا عََلى آ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫(‬ ‫‪26‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ثي‬ ‫َ‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ ُِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫وَ‬
‫ْ‬
‫ن ات ّب َُعوه ُ َرأفَ ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ة وََرهَْبان ِي ّ ً‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫ة وََر ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫جعَلَنا ِفي قُلو ِ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫جي َ‬ ‫م وَآت َي َْناهُ ال ِن ْ ِ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫عاي َت َِها فَآت َي َْنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حق ّ ر ِ َ‬ ‫ها َ‬ ‫ما َرعَوْ َ‬ ‫ن اللهِ فَ َ‬ ‫وا‬
‫ِ َ ِ‬ ‫ض‬‫ْ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫غا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫إ‬
‫ِ ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م وَكِثيٌر ِ‬ ‫جَرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ِ‬

‫خالف )‪ (1‬شرع الله الهجرة ‪ ،‬وأمرهم بالقتال بالسيوف ‪ ،‬وضرب الرقاب‬


‫والهام لمن خالف القرآن وكذب به وعانده‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد وأبو داود ‪ ،‬من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ‪،‬‬
‫عن حسان بن عطية ‪ ،‬عن أبي المنيب )‪ (2‬الجرشي الشامي ‪ ،‬عن ابن عمر‬
‫دي‬ ‫ت بالسيف بين ي َ َ‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ب ُِعث ُ‬
‫محي ‪،‬‬ ‫ل ُر ْ‬ ‫جِعل رزقي تحت ظ ِ ّ‬ ‫الساعة حتى ُيعَبد الله وحده ل شريك له ‪ ،‬و ُ‬
‫صغار على من خالف أمري ‪ ،‬ومن َتشّبه بقوم فهو منهم" )‪(3‬‬ ‫وجعل الذلة وال ّ‬
‫ديد ٌ { يعني ‪ :‬السلح كالسيوف ‪ ،‬والحراب ‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬
‫ش ِ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ِ } :‬فيهِ ب َأ ٌ‬
‫س { أي ‪ :‬في‬ ‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬ ‫والسنان ‪ ،‬والنصال ‪ ،‬والدروع ‪ ،‬ونحوها‪ } .‬وَ َ‬
‫معايشهم كالسكة والفأس والقدوم ‪ ،‬والمنشار ‪ ،‬والزميل ‪ ،‬والمجرفة ‪،‬‬
‫واللت التي يستعان بها في الحراثة والحياكة والطبخ والخبز وما ل قوام‬
‫للناس بدونه ‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫رمة ‪ ،‬أن ابن عباس قال ‪ :‬ثلثة أشياء نزلت‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫عْلباء )‪ (4‬بن أحمد ‪ ،‬عن ِ‬ ‫قال ِ‬
‫مع آدم ‪ :‬السندان )‪ (5‬والكل َْبتان والميقَعة )‪ - (6‬يعني المطرقة‪ .‬رواه ابن‬
‫جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم‪.‬‬
‫ب { أي ‪ :‬من نيته في حمل‬ ‫ه ِبالغَي ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫صُره ُ وَُر ُ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ِي َعْل َ َ‬
‫زيٌز { أي ‪ :‬هو قوي عزيز ‪،‬‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫السلح نصرة الله ورسله ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫ينصر من نصره من غير احتياج منه إلى الناس ‪ ،‬وإنما شرع الجهاد ليبلو‬
‫بعضكم ببعض‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫} ول َ َ َ‬
‫مهْت َدٍ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ب فَ ِ‬ ‫ما الن ّب ُوّة َ َوالك َِتا َ‬ ‫جعَلَنا ِفي ذ ُّري ّت ِهِ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫هي َ‬ ‫حا وَإ ِب َْرا ِ‬ ‫سل َْنا ُنو ً‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫سى‬ ‫َ‬ ‫عي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ثا‬ ‫آ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫(‬ ‫‪26‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ٌ‬ ‫ثي‬ ‫وَك َ ِ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫ة وََرهَْبان ِي ّ ً‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ة وََر ْ‬ ‫ن ات ّب َُعوه ُ َرأفَ ً‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫جعَل َْنا ِفي قُُلو ِ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫جي َ‬ ‫م َوآت َي َْناهُ الن ْ ِ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫عاي َت َِها فآت َي َْنا‬ ‫حق ّ ر ِ َ‬ ‫ها َ‬ ‫ما َرعَوْ َ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ ف َ‬ ‫ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫م ِإل اب ْت َِغاَء رِ ْ‬ ‫َ‬
‫ها عَلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬
‫ما كت َب َْنا َ‬ ‫ها َ‬ ‫عو َ‬ ‫اب ْت َد َ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (27‬‬ ‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬
‫ِ ُْ ْ ْ َ ُ ْ َ ِ ٌ ِ ُْ ْ‬‫ثي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نوا‬ ‫ذي َ َ ُ‬
‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ال ّ ِ‬
‫حا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لم يرسل بعده رسول ول نبّيا‬ ‫يخبر تعالى أنه منذ بعث نو ً‬
‫إل من ذريته ‪ ،‬وكذلك إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬خليل الرحمن ‪ ،‬لم ينزل من‬
‫السماء كتاًبا ول أرسل رسول ول أوحى إلى بشر من بعده ‪ ،‬إل وهو من‬
‫ب{‬ ‫ما الن ّب ُوّة َ َوال ْك َِتا َ‬ ‫جعَل َْنا ِفي ذ ُّري ّت ِهِ َ‬ ‫سللته كما قال في الية الخرى ‪ } :‬وَ َ‬
‫]يعني[ )‪ (7‬حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم الذي بشر من‬
‫م قَ ّ‬
‫في َْنا‬ ‫بعده بمحمد ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليهما ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ل{‬‫جي َ‬
‫م َوآت َي َْناهُ الن ْ ِ‬‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫سى اب ْ ِ‬ ‫سل َِنا وَقَ ّ‬
‫في َْنا ب ِِعي َ‬ ‫عََلى آَثارِهِ ْ‬
‫م ب ُِر ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬على من تخلف منهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬المسيب"‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (2/50‬وسنن أبي داود برقم )‪.(4031‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬قال علياء"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬السنداب"‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬المدقة" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬والمنفعة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(8/28‬‬

‫ن ات ّب َُعوه ُ { وهم‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬


‫جعَل َْنا ِفي قُُلو ِ‬ ‫وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه } وَ َ‬
‫ة { بالخلق‪.‬‬ ‫م ً‬‫ح َ‬
‫ة { أي ‪ :‬رأفة وهي الخشية } وََر ْ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ة وََر ْ‬ ‫الحواريون } َرأ ْفَ ً‬
‫ما ك َت َب َْنا َ‬
‫ها‬ ‫ها { أي ‪ :‬ابتدعتها أمة النصارى } َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة اب ْت َد َ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وََرهَْبان ِي ّ ً‬
‫م { أي ‪ :‬ما شرعناها لهم ‪ ،‬وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم‪.‬‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ن الل ّهِ { فيه قولن ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬أنهم قصدوا بذلك‬ ‫وا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬إل اب ْت َِغاَء رِ ْ‬
‫رضوان الله ‪ ،‬قال سعيد بن جبير ‪ ،‬وقتادة‪ .‬والخر ‪ :‬ما كتبنا عليهم ذلك إنما‬
‫كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله‪.‬‬
‫عاي َت َِها { أي ‪ :‬فما قاموا بما التزموه حق القيام‪.‬‬ ‫حق ّ ر ِ َ‬ ‫ها َ‬ ‫ما َرعَوْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫وهذا ذم لهم من وجهين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬في البتداع في دين الله ما لم يأمر به‬
‫الله‪ .‬والثاني ‪ :‬في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى‬
‫الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا إسحاق بن أبي حمزة أبو يعقوب الرازي ‪،‬‬
‫حّيان ‪،‬‬
‫مقاِتل بن َ‬ ‫حدثنا السندي بن عبدويه )‪ (1‬حدثنا ب ُك َْير بن معروف ‪ ،‬عن ُ‬
‫عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده بن‬
‫مسعود قال ‪ :‬قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا ابن مسعود"‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لبيك يا رسول الله‪ .‬قال ‪" :‬هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على‬
‫ثنتين وسبعين فرقة ؟ لم ينج منها إل ثلث فرق ‪ ،‬قامت بين الملوك‬
‫والجبابرة بعد عيسى ابن مريم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فدعت إلى دين الله ودين‬
‫قتلت فصبرت ونجت ‪ ،‬ثم قامت طائفة‬ ‫عيسى ابن مريم ‪ ،‬فقاتلت الجبابرة ف ُ‬
‫أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ‪ ،‬فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين‬
‫الله ودين عيسى ابن مريم ‪ ،‬فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران ‪،‬‬
‫فصبرت ونجت‪ .‬ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق‬
‫القيام بالقسط ‪ ،‬فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت ‪ ،‬وهم الذين ذكرهم الله ‪،‬‬
‫م { )‪(2‬‬ ‫ها عَل َي ْهِ ْ‬‫ما ك َت َب َْنا َ‬‫ها َ‬
‫عو َ‬ ‫ة اب ْت َد َ ُ‬ ‫عز وجل ‪ } :‬وََرهَْبان ِي ّ ً‬
‫وقد رواه ابن جرير بلفظ آخر من طريق أخرى فقال ‪ :‬حدثنا يحيى بن أبي‬
‫حْزن ‪ ،‬حدثنا عقيل‬ ‫صِعق بن َ‬ ‫طالب ‪ ،‬حدثنا داود بن المحبر ‪ ،‬حدثنا ال ّ‬
‫سوَْيد بن غفلة ‪ ،‬عن عبد الله بن‬ ‫الجعدي ‪ ،‬عن أبي إسحاق الهمداني ‪ ،‬عن ُ‬
‫مسعود قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اختلف من كان قبلنا‬
‫على ثلث وسبعين فرقة ‪ ،‬نجا منهم ثلث وهلك سائرهم‪ "...‬وذكر نحو ما‬
‫م { هم الذين آمنوا بي‬ ‫تقدم ‪ ،‬وفيه ‪َ } " :‬فآتينا ال ّذين آمنوا منه َ‬
‫جَرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِ ُْ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ََْ‬
‫ن { وهم الذين كذبوني وخالفوني" )‪(3‬‬ ‫قو َ‬ ‫م َفا ِ‬
‫س ُ‬ ‫وصدقوني } وَك َِثيٌر ِ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ول يقدح في هذه المتابعة لحال داود بن المحبر ‪ ،‬فإنه أحد الوضاعين للحديث‬
‫‪ ،‬ولكن )‪ (4‬قد أسنده‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬السندي بن عبد ربه" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬السري بن عبد ربه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (10/211‬من طريق هشام بن‬
‫عمار ‪ ،‬عن الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن بكير بن معروف به نحوه ‪ ،‬وبكير بن‬
‫معروف متكلم فيه‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(27/138‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬ولكن"‪.‬‬

‫) ‪(8/29‬‬

‫حْزن ‪ ،‬به مثل‬ ‫صِعق بن َ‬ ‫أبو يعلى ‪ ،‬وسنده )‪ (1‬عن شيبان بن فَّروخ ‪ ،‬عن ال ّ‬
‫ذلك )‪ (2‬فقوي الحديث من هذا الوجه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ ،‬وأبو عبد الرحمن النسائي ‪ -‬واللفظ له ‪ : -‬أخبرنا الحسين‬
‫حَرْيث ‪ ،‬حدثنا الفضل بن موسى ‪ ،‬عن سفيان بن سعيد ‪ ،‬عن عطاء بن‬ ‫بن ُ‬
‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما )‪ (3‬قال ‪:‬‬ ‫السائب ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫كان ملوك بعد عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بدلت التوراة والنجيل ‪ ،‬فكان منهم‬
‫مؤمنون يقرؤون التوراة والنجيل ‪ ،‬فقيل لملوكهم ‪ :‬ما نجد شيًئا أشد من‬
‫ه فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬‫شتم يشتمونا هؤلء ‪ ،‬إنهم يقرؤون ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ]المائدة ‪ ، [44 :‬هذه )‪ (4‬اليات ‪ ،‬مع ما يعيبوننا به من‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫هُ ُ‬
‫أعمالنا في قراءتهم ‪ ،‬فادعهم فليقرؤوا كما نقرأ ‪ ،‬وليؤمنوا كما آمنا‪ .‬فدعاهم‬
‫فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والنجيل ‪ ،‬إل ما بدلوا‬
‫منها ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ما تريدون إلى ذلك ؟ دعونا ‪ :‬فقالت طائفة منهم ‪ :‬ابنوا لنا‬
‫أسطوانة ‪ ،‬ثم ارفعونا إليها ‪ ،‬ثم أعطونا شيًئا نرفع به طعامنا وشرابنا فل نرد‬
‫عليكم‪ .‬وقالت طائفة ‪ :‬دعونا نسيح في الرض ونهيم ونشرب كما يشرب‬
‫الوحش ‪ ،‬فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا‪ .‬وقالت طائفة ‪ :‬ابنوا لنا دوًرا‬
‫في الفيافي ‪ ،‬ونحتفر البار ونحترث )‪ (5‬البقول فل نرد عليكم ول نمر بكم‪.‬‬
‫وليس أحد من القبائل إل له حميم فيهم ‪ ،‬ففعلوا ذلك فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪:‬‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ها َ‬‫ما َرعَوْ َ‬ ‫ن الل ّهِ فَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫م ِإل اب ْت َِغاَء رِ ْ‬ ‫ها عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ك َت َب َْنا َ‬ ‫ها َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة اب ْت َد َ ُ‬ ‫} وََرهَْبان ِي ّ ً‬
‫عاي َت َِها { والخرون قالوا ‪ :‬نتعبد كما تعبد فلن ‪ ،‬ونسيح كما ساح فلن ‪،‬‬ ‫رِ َ‬
‫ونتخذ دوًرا كما اتخذ فلن ‪ ،‬وهم على شركهم ل علم لهم بإيمان الذين اقتدوا‬
‫بهم )‪ (6‬فلما ُبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إل القليل ‪،‬‬
‫انحط منهم رجل من صومعته ‪ ،‬وجاء سائح من سياحته ‪ ،‬وصاحب الدير من‬
‫َ‬
‫قوا‬‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ديره ‪ ،‬فآمنوا به وصدقوه ‪ ،‬فقال الله ‪ ،‬عز وجل ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫مت ِهِ { أجرين بإيمانهم بعيسى ابن‬ ‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م كِ ْ َ‬ ‫سول ِهِ ي ُؤْت ِك ُ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫فلي ْ ِ‬ ‫مُنوا ب َِر ُ‬ ‫ه َوآ ِ‬
‫مريم والتوراة والنجيل ‪ ،‬وبإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقهم‬
‫ن ب ِهِ { ]الحديد ‪ : [28 :‬القرآن ‪ ،‬واتباعهم‬ ‫شو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ُنوًرا ت َ ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫جعَ ْ‬ ‫قال )‪ } (7‬وَي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب { الذين يتشبهون‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫م أهْ ُ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ } :‬ل َِئل ي َعْل َ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫بكم } َأل ي َ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ب ِي َدِ اللهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬ ‫ض َ‬
‫ف ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ل الل ّهِ وَأ ّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫قدُِرو َ‬
‫ظيم ِ { )‪(8‬‬ ‫ل ال ْعَ ِ‬ ‫ض ِ‬‫ف ْ‬ ‫ه ُذو ال ْ َ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬ ‫يَ َ‬
‫هذا السياق فيه غرابة ‪ ،‬وسيأتي تفسير هاتين اليتين الخريين على غير هذا ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا أحمد بن عيسى ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن‬
‫وهب ‪ ،‬حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء ‪ :‬أن سهل بن أبي أمامة‬
‫حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬في مسنده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (10/272‬من طريق محمد‬
‫الحضرمي ‪ ،‬عن شيبان به ‪ ،‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/480‬من‬
‫طريق عبد الرحمن بن المبارك ‪ ،‬عن الصعق بن حزن به‪ .‬قال الحاكم ‪:‬‬
‫صحيح السناد ولم يخرجاه‪ .‬وتعقبه الذهبي‪ .‬قلت ‪" :‬ليس بصحيح ‪ ،‬فإن فيه‬
‫قا ‪ ،‬فإن شيخه‬ ‫الصعق بن حزن ‪ ،‬عن عقيل بن يحيى ‪ ،‬والصعق وإن كان موث ً‬
‫قال فيه البخاري ‪ :‬منكر الحديث"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬هؤلء"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬ونحرث"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬به"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬كما قال"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪ (27/138‬وسنن النسائي )‪.(8/231‬‬

‫) ‪(8/30‬‬

‫َ‬
‫ل‬‫جعَ ْ‬ ‫مت ِهِ وَي َ ْ‬
‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫فل َي ْ‬ ‫سول ِهِ ي ُؤْت ِك ُ ْ‬
‫م كِ ْ‬ ‫مُنوا ب َِر ُ‬ ‫ه وَآ َ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ب‬ ‫م أ َهْ ُ‬ ‫م )‪ (28‬ل ِئ َّل ي َعْل َ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ن ب ِهِ وَي َغْ ِ‬‫شو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ُنوًرا ت َ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫أ َّل ي َ ْ‬
‫شاُء‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ل ب ِي َدِ الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ل الل ّهِ وَأ ّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫قدُِرو َ‬
‫ظيم ِ )‪(29‬‬ ‫ل ال ْعَ ِ‬ ‫ض ِ‬‫ف ْ‬ ‫ه ُذو ال ْ َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬

‫مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير ‪ ،‬وهو يصلي صلة خفيفة )‬
‫‪ (1‬كأنها صلة مسافر أو قريًبا منها ‪ ،‬فلما سلم قال ‪ :‬يرحمك الله ‪ ،‬أرأيت‬
‫هذه الصلة المكتوبة ‪ ،‬أم شيء تنفلته ؟ قال ‪ :‬إنها المكتوبة ‪ ،‬وإنها صلة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخطأت إل شيًئا سهوت عنه ‪ ،‬إن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ‪" :‬ل تشددوا على أنفسكم فيشدد‬
‫عليكم ‪ ،‬فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ‪ ،‬فتلك بقاياهم في‬
‫الصوامع والديارات ‪ ،‬رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم"‪ .‬ثم غدوا من الغد‬
‫فقالوا ‪ :‬نركب فننظر ونعتبر قال ‪ :‬نعم فركبوا جميًعا ‪ ،‬فإذا هم بديار قفر قد‬
‫باد أهلها وانقرضوا وفنوا ‪ ،‬خاوية على عروشها فقالوا ‪ :‬تعرف هذه الديار ؟‬
‫قال ‪ :‬ما أعرفني بها وبأهلها‪ .‬هؤلء أهل الديار ‪ ،‬أهلكهم البغي والحسد ‪ ،‬إن‬
‫الحسد يطفئ نور الحسنات ‪ ،‬والبغي يصدق ذلك أو يكذبه ‪ ،‬والعين تزني‬
‫والكف والقدم والجسد واللسان ‪ ،‬والفرج يصدق ذلك أو يكذبه )‪(2‬‬
‫مر ‪ ،‬حدثنا عبد الله ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن زيد‬‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يع ُ‬
‫مي ‪ ،‬عن أبي إياس ‪ ،‬عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫العَ ّ‬
‫قال ‪" :‬لكل نبي رهبانية ‪ ،‬ورهبانية هذه المة الجهاد في سبيل الله عز وجل"‬
‫)‪(3‬‬
‫ورواه الحافظ أبو يعلى ‪ ،‬عن عبد الله بن محمد بن أسماء ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫المبارك به ولفظه ‪" :‬لكل أمة رهبانية ‪ ،‬ورهبانية هذه المة الجهاد في سبيل‬
‫الله" )‪(4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسين ‪ -‬هو ابن محمد ‪ -‬حدثنا ابن عياش ‪ -‬يعني‬
‫إسماعيل ‪ -‬عن الحجاج بن مروان )‪ (5‬الكلعي ‪ ،‬وعقيل بن مدرك السلمي ‪،‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن رجل جاءه فقال ‪ :‬أوصني‬
‫فقال ‪ :‬سألت عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلك ‪،‬‬
‫أوصيك بتقوى الله ‪ ،‬فإنه رأس كل شيء ‪ ،‬وعليك بالجهاد فإنه رهبانية‬
‫السلم ‪ ،‬وعليك بذكر الله وتلوة القرآن ‪ ،‬فإنه روحك في السماء وذكرك‬
‫في الرض‪ .‬تفرد به أحمد )‪(6‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَ ْ‬
‫ل‬ ‫مت ِهِ وَي َ ْ‬
‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فلي ْ ِ‬‫م كِ ْ‬ ‫ُ‬
‫سول ِهِ ي ُؤْت ِك ْ‬ ‫مُنوا ب َِر ُ‬ ‫ه َوآ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ب‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬‫م أهْ ُ‬ ‫م )‪ (28‬ل َِئل ي َعْل َ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬‫ن ب ِهِ وَي َغْ ِ‬‫شو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ُنوًرا ت َ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َأل ي َ ْ‬
‫شاُء‬‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ل ب ِي َدِ الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬
‫ض َ‬‫ف ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ل الل ّهِ وَأ ّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫قدُِرو َ‬
‫ظيم ِ )‪{ (29‬‬ ‫ل ال ْعَ ِ‬ ‫ض ِ‬‫ف ْ‬ ‫ه ُذو ال ْ َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫قد تقدم في رواية النسائي عن ابن عباس ‪ :‬أنه حمل هذه الية على مؤمني‬
‫أهل الكتاب ‪ ،‬وأنهم يؤتون أجرهم مرتين كما في الية التي في القصص )‪(7‬‬
‫وكما في حديث الشعبي عن أبي ب ُْرَدة ‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪ ،‬م "خفيفة وقعة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسند أبي يعلى )‪.(6/365‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (3/266‬وفيه زيد العمى ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (4‬مسند أبي يعلى )‪.(7/210‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬هارون"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (3/82‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (4/215‬رجال أحمد‬
‫ثقاب"‪.‬‬
‫)‪ (7‬عند تفسير الية ‪.54 :‬‬

‫) ‪(8/31‬‬

‫أبي موسى الشعري قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ثلثة‬
‫يؤتون أجرهم مرتين ‪ :‬رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران ‪،‬‬
‫واليه فله أجران ‪ ،‬ورجل أدب أمته فأحسن‬ ‫م َ‬
‫وعبد مملوك أدى حق الله وحق َ‬
‫تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين )‪(1‬‬
‫ووافق ابن عباس على هذا التفسير الضحاك ‪ ،‬وعتبة بن أبي حكيم ‪ ،‬وغيرهما‬
‫‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫ل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل‬ ‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬لما افتخر أه ُ‬
‫مُنوا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه َوآ ِ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الله هذه الية في حق هذه المة ‪َ } :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل لك ْ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫مت ِهِ { أي ‪ :‬ضعفين ‪ ،‬وزادهم ‪ } :‬وَي َ ْ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م كِ ْ َ‬ ‫سول ِهِ ي ُؤْت ِك ُ ْ‬
‫فلي ْ ِ‬ ‫ب َِر ُ‬
‫صر به من العمى والجهالة ‪ ،‬ويغفر لكم‪.‬‬ ‫ن ب ِهِ { يعني ‪ :‬هدى ي ُت َب َ ّ‬ ‫شو َ‬ ‫م ُ‬‫ُنوًرا ت َ ْ‬
‫فضلهم بالنور والمغفرة‪ .‬ورواه ابن جرير عنه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م فُْرَقاًنا‬ ‫ُ‬
‫ل لك ْ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬
‫قوا الل َ‬ ‫ن ت َت ّ ُ‬‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫وهذه الية كقوله تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ظيم ِ { ]النفال ‪.[29 :‬‬ ‫ل ال ْعَ ِ‬ ‫ض ِ‬‫ف ْ‬ ‫ه ُذو ال ْ َ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬‫م وَي َغْ ِ‬‫سي َّئات ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫فْر عَن ْك ُ ْ‬ ‫وَي ُك َ ّ‬
‫حب ًْرا من أحبار يهود ‪ :‬كم‬ ‫وقال سعيد بن عبد العزيز ‪ :‬سأل عمر بن الخطاب َ‬
‫أفضل ما ضعفت )‪ (2‬لكم حسنة ؟ قال ‪ :‬كفل ثلثمائة وخمسون )‪ (3‬حسنة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين‪] .‬ثم[ )‪ (4‬ذكر سعيد قول الله ‪،‬‬
‫مت ِهِ { قال سعيد ‪ :‬والكفلن في الجمعة‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫م كِ ْ َ‬‫عز وجل ‪ } :‬ي ُؤْت ِك ُ ْ‬
‫فلي ْ ِ‬
‫مثل ذلك‪ .‬رواه ابن جرير )‪(5‬‬
‫ومما يؤيد هذا القول ما رواه المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أيوب عن‬
‫نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬مثلكم‬
‫ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمال فقال ‪ :‬من يعمل لي من‬
‫صلة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ أل فعملت اليهود‪ .‬ثم‬
‫قال ‪ :‬من يعمل لي من نصف النهار إلى صلة العصر على قيراط قيراط ؟‬
‫أل فعملت النصارى‪ .‬ثم قال من يعمل لي من صلة العصر إلى غروب‬
‫الشمس على قيراطين قيراطين ؟ أل فأنتم الذي عملتم‪ .‬فغضبت النصارى‬
‫واليهود ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬نحن أكثر عمل وأقل عطاء‪ .‬قال ‪ :‬هل ظلمتكم من أجركم‬
‫شيئا ؟ قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء" )‪(6‬‬
‫مل ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن عبد الله بن دينار ‪ ،‬عن ابن‬ ‫مؤ َ ّ‬‫قال أحمد ‪ :‬وحدثناه ُ‬
‫عمر ‪ ،‬نحو حديث نافع ‪ ،‬عنه )‪(7‬‬
‫انفرد بإخراجه البخاري ‪ ،‬فرواه عن سليمان )‪ (8‬بن حرب ‪ ،‬عن حماد ‪] ،‬عن‬
‫أيوب[ )‪ (9‬عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (97‬وصحيح مسلم برقم )‪.(154‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬ضعف"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬وخمسين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(27/141‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(2/6‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(2/111‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬سليم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من صحيح البخاري‪.‬‬

‫) ‪(8/32‬‬

‫نافع ‪ ،‬به )‪ (1‬وعن قتيبة ‪ ،‬عن الليث ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬بمثله )‪(2‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنى محمد بن العلء ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن َبريد )‪ (3‬عن‬
‫أبي بردة ‪ ،‬عن أبي موسى ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬مثل‬
‫ما‬‫ما يعملون له عمل يو ً‬ ‫المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قو ً‬
‫إلى الليل على أجر معلوم ‪ ،‬فعملوا إلى نصف النهار فقالوا ‪ :‬ل حاجة لنا في‬
‫أجرك الذي شرطت لنا ‪ ،‬وما عملنا باطل‪ .‬فقال لهم ‪ :‬ل تفعلوا ‪ ،‬أكملوا بقية‬
‫كوا ‪ ،‬واستأجر آخرين بعدهم فقال ‪:‬‬ ‫عملكم وخذوا أجركم كامل فأبوا وت ََر ُ‬
‫أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الجر ‪ ،‬فعملوا حتى إذا كان‬
‫حين صلوا العصر قالوا ‪ :‬ما عملنا باطل ‪ ،‬ولك الجر الذي جعلت لنا فيه‪.‬‬
‫فقال أكملوا بقية عملكم ؛ فإن ما بقي من النهار شيء يسير‪ .‬فأبوا ‪،‬‬
‫ما أن يعملوا له بقية يومهم ‪ ،‬فعملوا بقية يومهم حتى غابت‬ ‫فاستأجر قو ً‬
‫الشمس ‪ ،‬فاستكملوا أجر الفريقين كليهما ‪ ،‬فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من‬
‫هذا النور" انفرد به البخاري )‪(4‬‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ل َِئل يعل َ َ‬
‫ض ِ‬‫نف ْ‬ ‫م ْ‬
‫يٍء ِ‬
‫ن عَلى ش ْ‬
‫قدُِرو َ‬
‫ب أل ي َ ْ‬
‫م أهْل الك َِتا ِ‬ ‫َْ َ‬
‫الل ّهِ { أي ‪ :‬ليتحققوا أنهم ل يقدرون على َرد ّ ما أعطاه الله ‪ ،‬ول ]على[ )‪(5‬‬
‫ه ُذو ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬‫ن يَ َ‬ ‫ل ب ِي َدِ الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫إعطاء ما منع الله ‪ } ،‬وَأ ّ‬
‫ظيم ِ {‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬ليعلم وقد ذكر عن ابن مسعود أنه قرأها ‪:‬‬ ‫قال ابن جرير ‪ } :‬ل َِئل ي َعْل َ َ‬
‫طان )‪ (6‬بن عبد الله ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬قال ابن جرير ‪:‬‬ ‫"لكي يعلم"‪ .‬وكذا ح ّ‬
‫لن العرب تجعل "ل" صلة في كل كلم دخل في أوله وآخره جحد غير‬
‫ما‬ ‫مصرح ‪ ،‬فالسابق كقوله ‪ } :‬ما منع َ َ‬
‫جد َ { ]العراف ‪ } ، [12 :‬وَ َ‬ ‫س ُ‬‫ك أل ت َ ْ‬ ‫َ َ ََ‬
‫َ‬ ‫شعِرك ُ َ‬
‫م عَلى قَْري َ ٍ‬
‫ة‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫ن { ]النعام ‪ } ، [109 :‬وَ َ‬ ‫مُنو َ‬‫ت ل ي ُؤْ ِ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫م أن َّها إ َِذا َ‬ ‫يُ ْ ُ ْ‬
‫ن { ]النبياء ‪.[95 :‬‬ ‫َ‬ ‫أ َهْل َك َْنا َ‬
‫جُعو َ‬ ‫م ل ي َْر ِ‬‫ها أن ّهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(2268‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(3459‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(2271‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬حطاب"‪.‬‬

‫) ‪(8/33‬‬

‫ع‬
‫م ُ‬
‫س َ‬ ‫كي إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫جَها وَت َ ْ‬
‫شت َ ِ‬ ‫جادِل ُ َ‬
‫ك ِفي َزوْ ِ‬ ‫ل ال ِّتي ت ُ َ‬
‫ه قَوْ َ‬‫معَ الل ّ ُ‬ ‫قَد ْ َ‬
‫س ِ‬
‫صيٌر )‪(1‬‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬
‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬‫ما إ ِ ّ‬‫حاوَُرك ُ َ‬
‫تَ َ‬

‫تفسير سورة المجادلة‬


‫وهي مدنية‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ع‬
‫م ُ‬‫س َ‬‫ه يَ ْ‬ ‫كي إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫جَها وَت َ ْ‬
‫شت َ ِ‬ ‫جادِل ُ َ‬
‫ك ِفي َزوْ ِ‬ ‫ل ال ِّتي ت ُ َ‬‫ه قَوْ َ‬ ‫معَ الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫} قَد ْ َ‬
‫صيٌر )‪{ (1‬‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬
‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ما إ ِ ّ‬‫حاوَُرك ُ َ‬‫تَ َ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن تميم بن سلمة ‪،‬‬
‫عن عُْرَوة ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬الحمد لله الذي َوسع سمعه الصوات ‪ ،‬لقد‬
‫ة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ‪،‬‬ ‫جاءت المجادل ُ‬
‫ك‬ ‫ُ‬
‫جادِل َ‬ ‫ّ‬
‫ل الِتي ت ُ َ‬ ‫ه قَوْ َ‬ ‫ّ‬
‫معَ الل ُ‬‫س ِ‬‫ما أسمع ما تقول ‪ ،‬فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬قَد ْ َ‬
‫جَها { إلى آخر الية )‪(1‬‬ ‫ِفي َزوْ ِ‬
‫قا فقال ‪ :‬وقال العمش ‪ ،‬عن‬ ‫وهكذا رواه البخاري في كتاب التوحيد تعلي ً‬
‫تميم بن سلمة ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬فذكره )‪ (2‬وأخرجه النسائي ‪ ،‬وابن‬
‫ماجة ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به )‪(3‬‬
‫وفي رواية لبن أبي حاتم عن العمش ‪ ،‬عن تميم بن سلمة ‪ ،‬عن عروة ‪،‬‬
‫عن عائشة ‪ ،‬أنها قالت ‪ :‬تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء ‪ ،‬إني لسمع‬
‫كلم خولة بنت ثعلبة ‪ ،‬ويخفى علي بعضه ‪ ،‬وهي تشتكي زوجها إلى رسول‬
‫ل شبابي ‪ ،‬ون ََثرت‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهي تقول ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أ َك َ َ‬
‫مّني ‪ ،‬اللهم إني‬ ‫هر ِ‬ ‫سّني ‪ ،‬وانقطع ولدي ‪َ ،‬‬
‫ظا َ‬ ‫)‪ (4‬له بطني ‪ ،‬حتى إذا ك َب َُرت ِ‬
‫ه‬‫معَ الل ّ ُ‬ ‫أشكو إليك‪ .‬قالت ‪ :‬فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الية ‪ } :‬قَد ْ َ‬
‫س ِ‬
‫جَها { وقال )‪ (5‬وزوجها أوس بن الصامت‪.‬‬ ‫ك ِفي َزوْ ِ‬ ‫جادِل ُ َ‬ ‫ل ال ِّتي ت ُ َ‬ ‫قَوْ َ‬
‫وقال ابن لِهيعة ‪ ،‬عن أبي السود ‪ ،‬عن عروة ‪ :‬هو أوس بن الصامت ‪ -‬وكان‬ ‫َ‬
‫خذه لممه )‪ (6‬واشتد به يظاهر من امرأته ‪،‬‬ ‫أوس امرأ به لمم ‪ ،‬فكان إذا أ َ‬
‫وإذا ذهب لم يقل شيًئا‪ .‬فأتت رسول الله تستفتيه في ذلك ‪ ،‬وتشتكي إلى‬
‫كي إ َِلى‬ ‫جَها وَت َ ْ‬
‫شت َ ِ‬ ‫جادِل ُ َ‬
‫ك ِفي َزوْ ِ‬ ‫ل ال ِّتي ت ُ َ‬ ‫معَ الل ّ ُ‬
‫ه قَوْ َ‬ ‫الله ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬قَد ْ َ‬
‫س ِ‬
‫الل ّهِ { الية‪.‬‬
‫م ‪ ،‬فذكر مثله‪.‬‬ ‫وهكذا روى هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬أن رجل كان به لم ٌ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(6/46‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(7385‬‬
‫)‪ (3‬سنن النسائي الكبرى برقم )‪ (11570‬وسنن ابن ماجة برقم )‪(188‬‬
‫وتفسير الطبري )‪.(28/5‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وبرت"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬وقالت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬أخذه لمم"‪.‬‬

‫) ‪(8/34‬‬

‫م إ ِّل الّلِئي‬ ‫ظاهرون منك ُم من ن ِسائ ِهم ما هُن أ ُمهات ِهم إ ُ‬


‫مَهات ُهُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ّ ّ َ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ن يُ َ ِ ُ َ ِ ْ ْ ِ ْ َ ِ ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫فوٌر )‪(2‬‬ ‫فو ّ غ َ ُ‬ ‫ه ل َعَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل وَُزوًرا وَإ ِ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ًَرا ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م ل َي َ ُ‬
‫م وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫وَل َد ْن َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ريُر َرقَب َةٍ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما َقاُلوا فَت َ ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ي َُعوُدو َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫سائ ِهِ ْ‬‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ظاهُِرو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫م‬‫صَيا ُ‬ ‫جد ْ ف َ ِ‬‫م يَ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خِبيٌر )‪ (3‬فَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن ب ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ظو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫سا ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ما ّ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كيًنا‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫سّتي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط ِعْ فَإ ِطَعا ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سا فَ َ‬ ‫ما ّ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مت ََتاب ِعَي ْ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫شهَْري ْ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫دود ُ اللهِ وَل ِل َ‬ ‫ْ‬
‫سول ِهِ وَت ِل َ‬ ‫ّ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫م )‪(4‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ح ُ‬‫ك ُ‬ ‫مُنوا ِباللهِ وََر ُ‬ ‫ك ل ِت ُؤْ ِ‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة ‪ ،‬حدثنا‬
‫مَر‬ ‫جرير ‪ -‬يعني بن حازم ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت أبا يزيد يحدث قال ‪ :‬لقيت امرأة عُ َ‬
‫‪ -‬يقال لها ‪ :‬خولة بنت ثعلبة ‪ -‬وهو يسير مع الناس ‪ ،‬فاستوقفته فوقف لها‬
‫ودنا منها وأصغى إليها رأسه ‪ ،‬ووضع يديه على منكبيها حتى قضت حاجتها‬
‫وانصرفت‪ .‬فقال له رجل ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬حبست رجالت قريش على‬
‫هذه العجوز ؟! قال ‪ :‬ويحك! وتدري من هذه ؟ قال ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬هذه امرأة‬
‫سمع الله شكواها من فوق سبع سموات ‪ ،‬هذه خولة بنت ثعلبة ‪ ،‬والله لو لم‬
‫تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عنها حتى تقضي حاجتها إلى أن تحضر‬
‫صلة فأصليها ‪ ،‬ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها )‪(1‬‬
‫هذا منقطع بين أبي يزيد وعمر بن الخطاب‪ .‬وقد روي من غير هذا الوجه‪.‬‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا المنذر بن شاذان )‪ (2‬حدثنا يعلى ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال ابن أبي حاتم أي ً‬
‫زكريا عن عامر قال ‪ :‬المرأة التي جادلت في زوجها خولة بنت الصامت ‪،‬‬
‫ن‬ ‫هوا فَتيات ِك ُم عََلى ال ْبَغاِء إ َ‬ ‫وأمها معاذة التي أنزل الله فيها ‪َ } :‬ول ت ُك ْرِ ُ‬
‫ن أَرد ْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫صًنا { ] النور ‪[ 33 :‬‬ ‫ح ّ‬ ‫تَ َ‬
‫صوابه ‪ :‬خولة امرأة أوس بن الصامت‪.‬‬
‫ظاهرون منك ُم من ن ِسائ ِهم ما هُن أ ُمهات ِهم إ ُ‬
‫م ِإل اللِئي‬ ‫مَهات ُهُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ّ ّ َ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ن يُ َ ِ ُ َ ِ ْ ْ ِ ْ َ ِ ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫فوٌر )‪(2‬‬ ‫فو ّ غ َ ُ‬ ‫ه ل َعَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ل وَُزوًرا وَإ ِ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ًَرا ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م ل َي َ ُ‬
‫م وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫وَل َد ْن َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ريُر َرقَب َةٍ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما َقاُلوا فَت َ ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ي َُعوُدو َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫سائ ِهِ ْ‬‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ظاهُِرو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫م‬
‫صَيا ُ‬ ‫جد ْ ف َ ِ‬‫م يَ ِ‬ ‫َ‬
‫نل ْ‬ ‫م ْ‬‫خِبيٌر )‪ (3‬فَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ملو َ‬‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن ب ِهِ َوالل ُ‬ ‫ُ‬
‫م ُتوعَظو َ‬ ‫سا ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ما ّ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كيًنا‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫سّتي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط ِعْ فَإ ِطَعا ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سا فَ َ‬ ‫ما ّ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مت ََتاب ِعَي ْ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫شهَْري ْ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫دود ُ الل ّهِ وَل ِل ْ َ‬ ‫سول ِهِ وَت ِل ْ َ‬
‫م )‪{ (4‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ح ُ‬
‫ك ُ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك ل ِت ُؤْ ِ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سعد )‪ (3‬بن إبراهيم ويعقوب قال حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا‬
‫مر بن عبد الله بن حنظلة ‪ ،‬عن ابن عبد الله بن‬ ‫معْ َ‬ ‫محمد بن إسحاق ‪ ،‬حدثني َ‬
‫ي ‪ -‬والله ‪ -‬وفي أوس بن الصامت‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫‪:‬‬ ‫قالت‬ ‫ثعلبة‬ ‫سلم ‪ ،‬عن خويلة )‪ (4‬بنت‬
‫خا كبيًرا قد‬
‫صد َْر سورة "المجادلة" ‪ ،‬قالت ‪ :‬كنت عنده وكان شي ً‬ ‫أنزل الله َ‬
‫ي‬
‫ما فراجعته بشيء فغضب فقال ‪ :‬أنت عل ّ‬ ‫ي يو ً‬ ‫ساء خلقه ‪ ،‬قالت ‪ :‬فدخل عل ّ‬
‫ي فإذا‬ ‫كظهر أمي‪ .‬قالت ‪ :‬ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ‪ ،‬ثم دخل عل ّ‬
‫هو يريدني عن نفسي‪ .‬قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬كل والذي نفس خويلة )‪ (5‬بيده ‪ ،‬ل‬
‫ي وقد قلت ما قلت ‪ ،‬حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه‪ .‬قالت ‪:‬‬ ‫تخلص إل ّ‬
‫فواثبني وامتنعت منه ‪ ،‬فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف ‪ ،‬فألقيته‬
‫ت‬‫ت إلى بعض جاراتي ‪ ،‬فاستعرت منها ثياًبا ‪ ،‬ثم خرج ُ‬ ‫عني ‪ ،‬قالت ‪ :‬ثم خرج ُ‬
‫حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فجلست بين يديه ‪ ،‬فذكرت له‬
‫ما لقيت منه ‪ ،‬وجعلت أشكو إليه ما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه الدرامي في الرد على الجهمية )ص ‪ (26‬من طريق أبي يزيد ‪،‬‬
‫عن عمر بن الخطاب به‪ .‬قال الذهبي في العلو )ص ‪" : (113‬هذا إسناد‬
‫صالح فيه انقطاع ‪ ،‬أبو يزيد لم يلحق عمر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬حدثنا الوليد بن المنذر به شاذان"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬خولة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬خولة"‪.‬‬

‫) ‪(8/35‬‬

‫ألقى من سوء خلقه‪ .‬قالت ‪ :‬فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫ن عمك شيخ كبير ‪ ،‬فاتقي الله فيه"‪ .‬قالت ‪ :‬فوالله ما برحت‬ ‫"يا خويلة )‪ (1‬اب ُ‬
‫ي القرآن ‪ ،‬فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان‬ ‫حتى نزل ف ّ‬
‫سّريَ عنه ‪ ،‬فقال لي ‪" :‬يا خويلة )‪ (2‬قد أنزل الله فيك وفي‬ ‫يتغشاه ‪ ،‬ثم ُ‬
‫جَها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جادِلك ِفي َزوْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه قوْل الِتي ت ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫معَ الل ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ي ‪ } :‬قد ْ َ‬ ‫صاحبك"‪ .‬ثم قرأ عل ّ‬
‫صيٌر { إلى قوله ‪:‬‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫ُ‬
‫حاوَُرك َ‬ ‫مع ُ ت َ َ‬
‫س َ‬‫ه يَ ْ‬‫كي إ َِلى الل ّهِ َوالل ُ‬
‫ّ‬ ‫شت َ ِ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫م { قالت ‪ :‬فقال لي رسول الله صلى الله عليه‬ ‫َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫} وَل ِل ْ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬
‫مريه فليعتق رقبة"‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت يا رسول الله ‪ ،‬ما عنده ما يعتق‪.‬‬ ‫وسلم ‪ُ " :‬‬
‫قال ‪" :‬فليصم شهرين متتابعين"‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬والله إنه شيخ كبير ‪ ،‬ما به‬
‫قا من َتمر"‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا‬ ‫من صيام‪ .‬قال ‪" :‬فليطعم ستين مسكيًنا وس ً‬
‫رسول الله ‪ ،‬ما ذاك عنده‪ .‬قالت ‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ق من تمر"‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وأنا سأعينه‬ ‫"فإنا سنعينه بعََر ٍ‬
‫سْنت ‪ ،‬فاذهبي فتصدقي به عنه ‪ ،‬ثم‬ ‫ق آخر ‪ ،‬قال ‪" :‬فقد أصبت وأح َ‬ ‫بعََر ٍ‬
‫استوصي بابن عمك خيًرا"‪ .‬قالت ‪ :‬ففعلت‪.‬‬
‫ورواه أبو داود في كتاب الطلق من سننه من طريقين ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫إسحاق بن يسار ‪ ،‬به )‪ (3‬وعنده ‪ :‬خولة بنت ثعلبة ‪ ،‬ويقال فيها ‪ :‬خولة بنت‬
‫ويلة‪ .‬ول منافاة بين هذه القوال ‪ ،‬فالمر‬ ‫خ َ‬ ‫مالك بن ثعلبة‪ .‬وقد تصغر فيقال ‪ُ :‬‬
‫فيها قريب‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫سلمة بن‬ ‫َ‬ ‫هذا هو الصحيح في سبب نزول صدر هذه السورة ‪ ،‬فأما حديث َ‬
‫خر فليس فيه أنه كان سبب النزول ‪ ،‬ولكن أمر بما أنزل الله في هذه‬ ‫ص ْ‬‫َ‬
‫السورة ‪ ،‬من العتق أو الصيام ‪ ،‬أو الطعام ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن محمد بن عمرو بن‬
‫ت امرأ‬ ‫سار ‪ ،‬عن سلمة بن صخر النصاري قال ‪ :‬كن ُ‬ ‫سَليمان بن ي َ َ‬
‫عطاء ‪ ،‬عن ُ‬
‫قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري ‪ ،‬فلما دخل رمضان تظّهرت من‬
‫امرأتي حتى ينسلخ رمضان ‪ ،‬فََرًقا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتابع في‬
‫ذلك إلى أن يدركني النهار ‪ ،‬وأنا ل أقدر أن أنزع ‪ ،‬فبينا هي تخدمني من الليل‬
‫ت على )‪(4‬‬ ‫ت غدو ُ‬ ‫إذ تكشف لي منها شيء ‪ ،‬فوثبت عليها ‪ ،‬فلما أصبح ُ‬
‫قومي فأخبرتهم خبري وقلت ‪ :‬انطلقوا معي إلى النبي )‪ (5‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فأخبره بأمري‪ .‬فقالوا ‪ :‬ل والله ل نفعل ؛ نتخوف أن ينزل فينا )‪- (6‬‬
‫أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مقالة يبقى علينا عارها ‪،‬‬
‫ت النبي صلى الله‬ ‫ت حتى أتي ُ‬‫ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك‪ .‬قال ‪ :‬فخرج ُ‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فأخبرته خبري‪ .‬فقال لي ‪" :‬أنت بذاك"‪ .‬فقلت ‪ :‬أنا بذاك‪ .‬فقال‬
‫"أنت بذاك"‪ .‬فقلت ‪ :‬أنا بذاك‪ .‬قال "أنت بذاك"‪ .‬قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬ها أناذا فأمض‬
‫ي حكم الله تعالى )‪ (7‬فإني صابر له‪ .‬قال ‪" :‬أعتق رقبة"‪ .‬قال ‪ :‬فضربت‬ ‫ف ّ‬
‫صفحة رقبتي )‪ (8‬بيدي وقلت ‪ :‬ل والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فصم شهرين"‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وهل أصابني ما أصابني إل في‬
‫الصيام ؟ قال ‪" :‬فتصدق"‪ .‬فقلت ‪ :‬والذي بعثك بالحق ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬يا خولة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يا خولة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (6/410‬وسنن أبي داود برقم )‪.(2215 ، 2214‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬إلى"‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬فينا شيء"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬عنقي"‪.‬‬

‫) ‪(8/36‬‬

‫شى ما لنا عشاء‪ .‬قال ‪" :‬اذهب إلى صاحب صدقة بني‬ ‫ح َ‬
‫لقد بتنا ليلتنا هذه وَ ْ‬
‫قا من تمر ستين‬ ‫ُزريق فقل له فليدفعها إليك ‪ ،‬فأطعم عنك منها وس ً‬
‫مسكيًنا ‪ ،‬ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك"‪ .‬قال ‪ :‬فرجعت إلى قومي‬
‫فقلت ‪ :‬وجدت عندكم الضيقَ وسوَء الرأي ‪ ،‬ووجدت عند رسول الله صلى‬
‫ي‪.‬‬
‫سَعة والبركة ‪ ،‬قد أمر لي بصدقتكم ‪ ،‬فادفعوها إل ّ‬ ‫الله عليه وسلم ال ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫فدفعوها إل ّ‬
‫سنه )‪(1‬‬
‫ح ّ‬
‫وهكذا رواه أبو داود ‪ ،‬وابن ماجة ‪ ،‬واختصره الترمذي و َ‬
‫وظاهر السياق ‪ :‬أن هذه القصة كانت بعد قصة أوس بن الصامت وزوجته‬
‫ل عليه سياق تلك وهذه بعد التأمل‪.‬‬ ‫خوَيلة بنت ثعلبة ‪ ،‬كما د ّ‬ ‫ُ‬
‫خصيف ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن بن عباس ‪ :‬أول من ظاهر من امرأته أوس‬ ‫قال َ‬
‫بن الصامت ‪ ،‬أخو عبادة بن الصامت ‪ ،‬وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك ‪،‬‬
‫شيت أن يكون ذلك طلًقا ‪ ،‬فأتت رسول الله صلى الله‬ ‫خ ِ‬
‫فلما ظاهر منها َ‬
‫سا ظاهر مني ‪ ،‬وإنا إن افترقنا‬ ‫عليه وسلم فقالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن أو ً‬
‫ه‪ .‬وهي تشكو ذلك وتبكي ‪ ،‬ولم‬ ‫حب َت َ ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ت بطني منه ‪ ،‬وَقدم ْ‬ ‫هلكنا ‪ ،‬وقد ن ََثر ُ‬
‫َ‬
‫جادِلك ِفي‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه قوْل الِتي ت ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫معَ الل ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫يكن جاء في ذلك شيء‪ .‬فأنزل الله ‪ } :‬قد ْ َ‬
‫َ‬
‫م { فدعاه‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ن عَذا ٌ‬‫َ‬ ‫ري َ‬ ‫كي إ َِلى الل ّهِ { إلى قوله ‪ } :‬وَل ِل ْكافِ ِ‬
‫َ‬ ‫جَها وَت َ ْ‬
‫شت َ ِ‬ ‫َزوْ ِ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬أتقدر على رقبة تعتقها ؟ "‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ل والله يا رسول الله ما أقدر عليها ؟ قال ‪ :‬فجمع له رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى أعتق عنه ‪ ،‬ثم راجع أهله رواه بن جرير )‪(2‬‬
‫ن عباس والكثرون إلى ما قلناه ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫ولهذا ذهب اب ُ‬
‫م { أصل الظهار مشتق‬ ‫سائ ِهِ ْ‬‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫من ْك ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُظاهُِرو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫فقوله تعالى ‪ } :‬ال ِ‬
‫من الظهر ‪ ،‬وذلك أن الجاهلية كانوا إذا تظاهر أحد من امرأته قال لها ‪ :‬أنت‬
‫سا على‬ ‫ي ك َظ َهْرِ أمي ‪ ،‬ثم في الشرع كان الظهار في سائر العضاء قيا ً‬ ‫عل ّ‬
‫الظهر ‪ ،‬وكان الظهار عند الجاهلية طلًقا ‪ ،‬فأرخص الله لهذه المة وجعل فيه‬
‫كفارة ‪ ،‬ولم يجعله طلًقا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم‪ .‬هكذا قال غير‬
‫واحد من السلف‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كَرْيب ‪ ،‬حدثنا عبيد الله بن موسى ‪ ،‬عن أبي‬ ‫ُ‬
‫كرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان الرجل إذا قال لمرأته في‬ ‫ع ْ‬‫حمزة ‪ ،‬عن ِ‬
‫حّرمت عليه ‪ ،‬فكان أول من ظاهر في‬ ‫ي كظهر أمي ‪ُ ،‬‬ ‫الجاهلية ‪ :‬أنت عل ّ‬
‫السلم أوس ‪ ،‬وكان تحته ابنة عم له يقال لها ‪" :‬خويلة بنت ثعلبة )‪.(3‬‬
‫حُرمت علي‪ .‬وقالت‬ ‫فظاهر منها ‪ ،‬فأسقط في يديه ‪ ،‬وقال ‪ :‬ما أراك إل قد َ‬
‫له مثل ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فأتت‬
‫رسول الله فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه ‪ ،‬فقال ‪" :‬ياخويلة ‪ ،‬ما أمرنا‬
‫في أمرك بشيء )‪ (4‬فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ه قَوْ َ‬
‫ل‬ ‫معَ الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫" يا خويلة ‪ ،‬أبشري" قالت ‪ :‬خيًرا‪ .‬قال فقرأ عليها ‪ } :‬قَد ْ َ‬
‫ما { إلى قوله ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫حاوَُرك َ‬ ‫مع ُ ت َ َ‬‫س َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫كي إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫شت َ ِ‬‫جَها وَت َ ْ‬‫ك ِفي َزوْ ِ‬ ‫جادِل ُ َ‬‫ال ِّتي ت ُ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ريُر َرقَب َةٍ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما َقاُلوا فَت َ ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ي َُعوُدو َ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫سائ ِهِ ْ‬ ‫ن نِ َ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ظاهُِرو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫سا {‬ ‫ما ّ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (4/37‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2213‬وسنن ابن ماجة برقم )‬
‫‪ (2062‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3299‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(28/6‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬بنت خويلد" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (4‬قي م ‪" :‬ما أمرنا فيك بشيء"‪.‬‬

‫) ‪(8/37‬‬

‫م‬ ‫جد ْ ف َ ِ‬
‫صَيا ُ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ِ‬ ‫قالت ‪ :‬وأي رقبة لنا ؟ والله ما يجد رقبة غيري‪ .‬قال ‪ } :‬فَ َ‬
‫م ْ‬
‫ن { قالت ‪ :‬والله لول أنه يشرب في اليوم ثلث مرات لذهب‬ ‫مت ََتاب ِعَي ْ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫َ‬
‫شهَْري ْ ِ‬
‫كيًنا { قالت ‪ :‬من أين ؟‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫سّتي َ‬
‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ست َط ِعْ فَإ ِطَعا ُ‬
‫م يَ ْ‬ ‫َ‬
‫نل ْ‬ ‫بصره! قال ‪ } :‬فَ َ‬
‫م ْ‬
‫سق ‪ -‬ثلثين صاعا ‪ ،‬والوسق ‪:‬‬ ‫ما هي إل أكلة إلي مثلها! قال ‪ :‬فدعا بشطر وَ ْ‬
‫ستون صاعا ‪ -‬فقال ‪" :‬ليطعم ستين مسكينا وليراجعك" )‪ (1‬وهذا إسناد جيد‬
‫قوي ‪ ،‬وسياق غريب ‪ ،‬وقد روي عن أبي العالية نحو هذا ‪ ،‬فقال ابن أبي حاتم‬
‫‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي ‪ ،‬حدثنا على بن عاصم ‪ ،‬عن داود بن‬
‫أبي هند ‪ ،‬عن أبي العالية قال ‪ :‬كانت خولة بنت د َُليج تحت رجل من النصار ‪،‬‬
‫وكان ضرير البصر فقيًرا سيئ الخلق ‪ ،‬وكان طلق أهل الجاهلية إذا أراد‬
‫ي كظهر أمي"‪ .‬وكان لها منه عيل أو‬ ‫الرجل أن يطلق امرأته ‪ ،‬قال ‪" :‬أنت عل ّ‬
‫ي كظهر أمي"‪ .‬فاحتملت‬ ‫عيلن ‪ ،‬فنازعته يوما في شيء فقال ‪" :‬أنت عل ّ‬
‫عليها ثيابها حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬وهو في بيت‬
‫عائشة ‪ ،‬وعائشة تغسل شق رأسه ‪ ،‬فقدمت عليه ومعها عَّيلها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا‬
‫خُلق ‪ ،‬وإني‬ ‫رسول الله ‪ ،‬إن زوجي ضرير البصر ‪ ،‬فقير ل شيء له سيئ ال ُ‬
‫ي كظهر أمي" ‪ ،‬ولم يرد به‬ ‫نازعته في شيء فغضب ‪ ،‬فقال ‪" :‬أنت عل ّ‬
‫حُرمت عليه"‬ ‫الطلق ‪ ،‬ولي منه عيل أو عيلن ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما أعلمك إل قد َ‬
‫ي‪ .‬قال ‪ :‬ودارت عائشة فغسلت‬ ‫فقالت ‪ :‬أشكو إلى الله ما نزل بي وأبا صبي ّ‬
‫شق رأسه الخر ‪ ،‬فدارت معها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬زوجي ضرير البصر‬
‫‪ ،‬فقير سيئ الخلق ‪ ،‬وإن لي منه عَّيل أو عيلين ‪ ،‬وإني نازعته في شيء‬
‫ي كظهر أمي" ‪ ،‬ولم يرد به الطلق! قالت ‪ :‬فرفع‬ ‫فغضب ‪ ،‬وقال ‪" :‬أنت عل ّ‬
‫إلي رأسه وقال ‪" :‬ما أعلمك إل قد حرمت عليه"‪ .‬فقالت ‪ :‬أشكو إلى الله ما‬
‫نزل بي وأبا صبيي ؟ قال ‪ :‬ورأت عائشة وجه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ت َغَّير ‪ ،‬فقالت لها ‪" :‬وراءك وراءك ؟" فتنحت ‪ ،‬فمكث رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في غشيانه ذلك ما شاء الله ‪ ،‬فلما انقطع الوحي قال ‪" :‬يا‬
‫عائشة ‪ ،‬أين المرأة" فدعتها ‪ ،‬فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"اذهبي فأتني بزوجك"‪ .‬فانطلقت تسعى فجاءت به‪ .‬فإذا هو ‪] -‬كما قالت[ )‬
‫‪ - (2‬ضرير البصر ‪ ،‬فقير سيئ الخلق‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ه قَوْ َ‬
‫ل‬ ‫معَ الل ّ ُ‬ ‫"أستعيذ بالله السميع العليم ‪ ،‬بسم الله الرحمن الرحيم } قَد ْ َ‬
‫س ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫كي إ َِلى الل ّهِ [ { )‪ (3‬إلى قوله ‪َ } :‬وال ِ‬
‫ّ‬ ‫جَها ] وَت َ ْ‬
‫شت َ ِ‬ ‫ك ِفي َزوْ ِ‬ ‫جادِل ُ َ‬
‫ال ِّتي ت ُ َ‬
‫ريُر َرقَب َةٍ [ { )‪ (4‬قال النبي‬ ‫ح ِ‬‫ما َقاُلوا ] فَت َ ْ‬
‫ن لِ َ‬
‫م ي َُعوُدو َ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫سائ ِهِ ْ‬
‫ن نِ َ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ظاهُِرو َ‬‫يُ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أتجد رقبة تعتقها من قبل أن تمسها ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال ‪" :‬أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟"‪ .‬قال ‪ :‬والذي بعثك بالحق ‪،‬‬
‫إني إذا لم آكل المرتين والثلث يكاد أن يعشو بصري‪ .‬قال ‪" :‬أفتستطيع أن‬
‫تطعم ستين مسكينا ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ل إل ]أن[ )‪ (5‬تعينني‪ .‬قال ‪ :‬فأعانه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬أطعم ستين مسكينا"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪ (28/3‬ورواه البزار في مسنده برقم )‪" (1076‬كشف‬
‫الستار" من طريق عبيد الله بن موسى ‪ ،‬عن أبي حمزة به وقال ‪" :‬ل نعلمه‬
‫بهذا اللفظ في الظهار عن النبي صلى الله عليه وسلم إل بهذا السناد ‪ ،‬وأبو‬
‫حمزة لين الحديث ‪ ،‬وقد خالف في روايته ومتن حديثه الثقاب في أمر‬
‫الظهار ؛ لن الزهري رواه عن حميد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬وهذا‬
‫إسناد ل نعلم بين علماء أهل الحديث اختلًفا في صحته ‪ ،‬وأنه صلى الله عليه‬
‫عا ‪ ،‬وحديث أبي حمزة منكر ‪ ،‬وفيه لفظ‬ ‫وسلم دعا بإناء فيه خمسة عشر صا ً‬
‫يدل على خلف الكتاب ؛ لنه قال ‪" :‬وليراجعك ‪ ،‬وقد كانت امرأته ‪ ،‬فما‬
‫معنى مراجعته امرأته ولم يطلقها ‪ ،‬وهذا مما ل يجوز على رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وإنما أتي هذا من رواية أبي حمزة الثمالي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من م‪.‬‬

‫) ‪(8/38‬‬
‫ول الله الطلق ‪ ،‬فجعله ظهاًرا‪.‬‬ ‫ح ّ‬‫و َ‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن ابن المثنى ‪ ،‬عن عبد العلى ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬سمعت أبا‬
‫العالية ‪ ،‬فذكر نحوه ‪ ،‬بأخصر من هذا السياق )‪(1‬‬
‫وقال سعيد ابن جبير ‪ :‬كان اليلء والظهار من طلق الجاهلية ‪ ،‬فوقت الله‬
‫اليلء أربعة أشهر ‪ ،‬وجعل في الظهار الكفارة‪ .‬رواه بن أبي حاتم ‪ ،‬بنحوه‪.‬‬
‫وقد استدل المام مالك على أن الكافر ل يدخل في هذه الية بقوله ‪:‬‬
‫م { فالخطاب للمؤمنين ‪ ،‬وأجاب الجمهور بأن هذا خرج مخرج الغالب‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫} ِ‬
‫م { على أن المة‬ ‫سائ ِهِ ْ‬
‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فل مفهوم له ‪ ،‬واستدل الجمهور عليه بقوله ‪ِ } :‬‬
‫ل ظهار منها ‪ ،‬ول تدخل في هذا الخطاب‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬ل تصير المرأة‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ما هُن أ ُمهات ِهم إ ُ‬
‫م ِإل اللِئي وَلد ْن َهُ ْ‬ ‫مَهات ُهُ ْ‬‫نأ ّ‬ ‫ّ ّ َ ِ ْ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ي كأمي" أو "مثل أمي" أو "كظهر أمي" )‪ (2‬وما‬ ‫بقول الرجل ‪" :‬أنت عل ّ‬
‫م‬‫أشبه ذلك ‪ ،‬ل تصير أمه بذلك ‪ ،‬إنما أمه التي ولدته ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫و‬ ‫ه ل َعَ ُ‬
‫ف ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫شا باطل } وَإ ِ ّ‬ ‫ما فاح ً‬ ‫ل وَُزوًرا { أي ‪ :‬كل ً‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫م َ‬‫من ْك ًَرا ِ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن ُ‬ ‫ل َي َ ُ‬
‫ضا عما خرج من‬ ‫فوٌر { أي ‪ :‬عما كان منكم في حال الجاهلية‪ .‬وهكذا أي ً‬ ‫غَ ُ‬
‫سبق اللسان ‪ ،‬ولم يقصد إليه المتكلم ‪ ،‬كما رواه أبو داود ‪ :‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم سمع رجل يقول لمرأته ‪ :‬يا أختي‪ .‬فقال ‪ :‬أختك هي ؟"‬
‫‪ ،‬فهذا إنكار )‪ (3‬ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك ؛ لنه لم يقصده ‪ ،‬ولو‬
‫قصده لحرمت عليه ؛ لنه ل فرق على الصحيح بين الم وبين غيرها من سائر‬
‫المحارم من أخت وعمة وخالة وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫ما َقالوا { اختلف‬ ‫ُ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ي َُعوُدو َ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫سائ ِهِ ْ‬‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ظاهُِرو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ما َقاُلوا { فقال بعض‬ ‫ن لِ َ‬‫م ي َُعوُدو َ‬‫السلف والئمة في المراد بقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫الناس ‪ :‬العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره ‪ ،‬وهذا القول باطل ‪ ،‬وهو‬
‫اختيار بن حزم )‪ (4‬وقول داود ‪ ،‬وحكاه أبو عمر بن عبد البر عن ب ُك َْير ابن‬
‫الشج والفراء ‪ ،‬وفرقة من أهل الكلم‪.‬‬
‫وقال الشافعي ‪ :‬هو أن يمسكها بعد الظهار زماًنا يمكنه أن يطلق فيه فل‬
‫يطلق‪.‬‬
‫وقال أحمد بن حنبل ‪ :‬هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فل تحل له حتى‬
‫يكفر بهذه الكفارة‪ .‬وقد حكي عن مالك ‪ :‬أنه العزم على الجماع أو المساك‬
‫)‪ (5‬وعنه أنه الجماع‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه ‪ ،‬ورفع ما كان عليه أمر‬
‫ما ل يرفعه إل‬ ‫الجاهلية ‪ ،‬فمتى تظاهر )‪ (6‬الرجل من امرأته فقد حرمها تحري ً‬
‫الكفارة‪ .‬وإليه ذهب أصحابه ‪ ،‬والليث بن سعد‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(28/3‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬كظهر أمي أو كأمي أو مثل أمي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪ (2210‬من حديث أبي تميمة الهجيمي ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬ابن جرير" والمثبت من م‪ .‬مستفاًدا من هامش ط ‪-‬‬
‫الشعب‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬أو المساك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬ظاهر"‪.‬‬

‫) ‪(8/39‬‬
‫ما‬
‫ن لِ َ‬
‫م ي َُعوُدو َ‬ ‫وقال ابن ل َِهيعة ‪ :‬حدثني عطاء ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫َقاُلوا { يعني ‪ :‬يريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬يعني الغشيان في الفرج‪ .‬وكان ل يرى بأسا أن‬
‫يغشى فيما دون الفرج قبل أن يكفر‪.‬‬
‫َ‬
‫سا { والمس ‪:‬‬ ‫ما ّ‬
‫ن ي َت َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬
‫م ْ‬‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ِ } :‬‬
‫النكاح‪ .‬وكذا قال عطاء ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومقاتل ابن حيان‪.‬‬
‫وقال الزهري ‪ :‬ليس له أن يقبلها ول يمسها حتى يكفر‪.‬‬
‫وقد روي أهل السنن من حديث عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس أن رجل قال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر‪ .‬فقال ‪" :‬ما‬
‫حملك على ذلك يرحمك الله ؟"‪ .‬قال ‪ :‬رأيت خلخالها في ضوء القمر‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فل تقربها حتى تفعل ما أمرك الله ‪ ،‬عز وجل" )‪(1‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب صحيح )‪ (2‬ورواه أبو داود والنسائي من حديث‬
‫عكرمة مرسل‪ .‬قال النسائي ‪ :‬وهو أولى بالصواب )‪(3‬‬
‫ريُر َرقَب َةٍ { أي ‪ :‬فإعتاق رقبة كاملة من قبل أن يتماسا ‪ ،‬فها‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَت َ ْ‬
‫ح ِ‬
‫هنا الرقبة مطلقة غير مقيدة باليمان ‪ ،‬وفي كفارة القتل مقيدة باليمان ‪،‬‬
‫فحمل الشافعي ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬ما أطلق ها هنا على ما قيد هناك لتحاد‬
‫الموجب ‪ ،‬وهو عتق الرقبة ‪ ،‬واعتضد )‪ (4‬في ذلك بما رواه عن مالك‬
‫بسنده ‪ ،‬عن معاوية بن الحكم السلمي ‪ ،‬في قصة الجارية السوداء ‪ ،‬وأن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬أعتقها فإنها مؤمنة"‪ .‬وقد رواه أحمد‬
‫في مسنده ‪ ،‬ومسلم في صحيحه )‪(5‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا يوسف )‪ (6‬بن موسى ‪ ،‬حدثنا عبد الله‬
‫بن نمير ‪ ،‬عن إسماعيل بن مسلم ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن طاوس ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال ‪ :‬إني‬
‫تظاهرت )‪ (7‬من امرأتي ثم وقعت عليها قبل أن أكفر‪ .‬فقال رسول الله‬
‫سا { قال ‪ :‬أعجبتني‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ألم يقل الله } من قَب َ‬
‫ما ّ‬ ‫ن ي َت َ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ِ ْ ْ ِ‬
‫؟ قال ‪" :‬أمسك حتى تكفر" )‪(8‬‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬ل يروي عن ابن عباس بأحسن من هذا ‪ ،‬وإسماعيل بن‬
‫مسلم تكلم فيه ‪ ،‬وروي عنه جماعة كثيرة من أهل العلم ‪ ،‬وفيه من الفقه أنه‬
‫لم يأمره إل بكفارة واحدة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪ (2223‬والترمذي في السنن برقم )‬
‫‪ (1990‬والنسائي في السنن )‪ (6/167‬وابن ماجة في السنن برقم )‪.(2065‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ : :‬حسن صحيح غريب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪ (2222 ، 2221‬وسنن النسائي )‪.(6/168‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬واعتمد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬الموطأ )‪ (2/777‬والمسند )‪ (5/447‬وصحيح مسلم برقم )‪.(537‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬حدثنا يونس"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬إني ظاهرت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/204‬والبيهقي في السنن الكبرى )‬
‫‪ (7/386‬من طريق إسماعيل بن مسلم ‪ ،‬عن عمرو بن دينار به نحوه ‪ ،‬وقال‬
‫الذهبي ‪" :‬فيه إسماعيل بن مسلم وهو واه"‪.‬‬

‫) ‪(8/40‬‬
‫م وَقَد ْ أ َن َْزل َْنا‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ت ال ّ ِ‬ ‫ما ك ُب ِ َ‬‫ه ك ُب ُِتوا ك َ َ‬‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫حاّدو َ‬ ‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫إِ ّ‬
‫ما‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ئ‬
‫ُ َ ِ ً َُّ ُ ْ ِ َ‬‫ب‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫عا‬ ‫مي‬ ‫ج‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ع‬‫ب‬ ‫ي‬
‫َ ْ َ ََْ ُ ُ‬ ‫م‬ ‫و‬‫ي‬ ‫(‬ ‫‪5‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫هي‬
‫ٌ ُ ِ ٌ‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫ِ ِ َ َ‬ ‫ري‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫آ ََيا ٍ َ ّ َ ٍ َ ِ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ت‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫شِهيد ٌ )‪(6‬‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سوه ُ َوالل ّ ُ‬ ‫ه وَن َ ُ‬‫صاهُ الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬‫مُلوا أ ْ‬ ‫عَ ِ‬

‫خِبيٌر {‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن ب ِهِ { أي ‪ :‬تزجرون به } َوالل ّ ُ‬ ‫ظو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ذ َل ِك ُ ْ‬
‫أي ‪ :‬خبير بما يصلحكم ‪ ،‬عليم بأحوالكم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫نل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫سا ف َ‬ ‫ما ّ‬ ‫ن ي َت َ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ن قب ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫مت ََتاب ِعَي ْ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫شهَْري ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫جد ْ ف َ ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫كيًنا { وقد تقدمت الحاديث الواردة )‪ (1‬بهذا على‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سّتي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط ِعْ فَإ ِط َْعا ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫الترتيب ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين في قصة الذي جامع امرأته في رمضان‪.‬‬
‫سول ِهِ { أي ‪ :‬شرعنا هذا لهذا‪.‬‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ك ل ِت ُؤْ ِ‬ ‫} ذ َل ِ َ‬
‫دود ُ الل ّهِ { أي ‪ :‬محارمه فل تنتهكوها‪.‬‬ ‫ح ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت ِل ْ َ‬
‫م { أي ‪ :‬الذين لم يؤمنوا ول التزموا بأحكام‬ ‫َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ِل ْ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬
‫هذه الشريعة ‪ ،‬ل تعتقدوا أنهم ناجون من البلء ‪ ،‬كل ليس المر كما زعموا ‪،‬‬
‫بل لهم عذاب أليم ‪ ،‬أي ‪ :‬في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م وَقَد ْ أنزلَنا‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫ما ك ُب ِ َ‬ ‫ه ك ُب ُِتوا ك َ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حاّدو َ‬ ‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫} إِ ّ‬
‫ما‬‫م بِ َ‬ ‫ميًعا فَي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫م ي َب ْعَث ُهُ ُ‬
‫ن )‪ (5‬ي َوْ َ‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫ت وَل ِلكافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ت ب َي َّنا ٍ‬ ‫آَيا ٍ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫شِهيد ٌ )‪{ (6‬‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَلى ك ّ‬ ‫سوه ُ َوالل ُ‬ ‫ه وَن َ ُ‬ ‫صاهُ الل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مُلوا أ ْ‬ ‫عَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬المرة"‪.‬‬

‫) ‪(8/41‬‬

‫ما ِفي اْل َْر‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫وى ث ََلث َةٍ‬ ‫ج َ‬
‫ن نَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫ن الل ّ َ‬‫م ت ََر أ ّ‬‫أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك وََل أك ْث ََر إ ِّل هُ َ‬
‫و‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫م وََل أد َْنى ِ‬ ‫سهُ ْ‬‫سادِ ُ‬‫سةٍ إ ِّل هُوَ َ‬ ‫م َ‬ ‫خ ْ‬ ‫م وََل َ‬ ‫إ ِّل هُوَ َراب ِعُهُ ْ‬
‫معه َ‬
‫م)‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫مةِ إ ِ ّ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫مُلوا ي َوْ َ‬
‫ما عَ ِ‬ ‫م ي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫كاُنوا ث ُ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬‫م أي ْ َ‬‫َ َ ُ ْ‬
‫‪(7‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وى‬ ‫ج َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ما ِفي الْر‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫ك َول أ َك ْث ََر ِإل‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬‫م ْ‬
‫َ‬
‫م َول أد َْنى ِ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫سادِ ُ‬ ‫سةٍ ِإل هُوَ َ‬ ‫م َ‬ ‫خ ْ‬ ‫م َول َ‬ ‫َثلث َةٍ ِإل هُوَ َراب ِعُهُ ْ‬
‫هُو معه َ‬
‫يٍء‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫مةِ إ ِ ّ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫مُلوا ي َوْ َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬ ‫كاُنوا ث ُ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫َ َ َ ُ ْ‬
‫م )‪{ (7‬‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ن‬ ‫ت ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ما ك ُب ِ َ‬ ‫يخبر تعالى عمن شاقوا الله ورسوله وعاندوا شرعه } ك ُب ُِتوا ك َ َ‬
‫م { أي ‪ :‬أهينوا ولعنوا وأخزوا ‪ ،‬كما فعل بمن أشبههم ممن قبلهم‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ت { أي ‪ :‬واضحات ل يخالفها ول يعاندها إل كافر فاجر‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫آ‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫أنز‬‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫}‬
‫َ َ ٍ ََّ ٍ‬ ‫َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬في مقابلة ما استكبروا عن اتباع‬ ‫هي‬
‫ٌ ُ ِ ٌ‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫ري‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫مكابر‬
‫شرع الله ‪ ،‬والنقياد له ‪ ،‬والخضوع لديه‪.‬‬
‫ميًعا { وذلك يوم القيامة ‪ ،‬يجمع الله الولين‬ ‫ج ِ‬
‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م ي َب ْعَث ُهُ ُ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ملوا { أي ‪ :‬يخبرهم )‪ (1‬بالذي‬ ‫ُ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م بِ َ‬‫والخرين في صعيد واحد ‪ } ،‬فَي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬
‫َ‬
‫سوهُ { أي ‪ :‬ضبطه الله وحفظه‬ ‫ه وَن َ ُ‬ ‫صاهُ الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫صنعوا من خير وشر } أ ْ‬
‫شِهيد ٌ { أي ‪ :‬ل‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫عليهم ‪ ،‬وهم قد نسوا ما كانوا عليه ‪َ } ،‬والل ّ ُ‬
‫يغيب عنه شيء ‪ ،‬ول يخفى ول ينسى شيًئا‪.‬‬
‫ثم قال تعالى مخبًرا عن إحاطة علمه بخلقه واطلعه عليهم ‪ ،‬وسماعه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫كلمهم ‪ ،‬ورؤيته مكانهم حيث كانوا وأين كانوا ‪ ،‬فقال ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫م ت ََر أ ّ‬
‫وى َثلث َةٍ {‬
‫ج َ‬
‫ن نَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ض َ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬
‫ت وَ َ‬
‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬
‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فيجزيهم"‪.‬‬

‫) ‪(8/41‬‬

‫جو ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِبال ِث ْم ِ‬ ‫ه وَي َت ََنا َ‬ ‫ما ن ُُهوا عَن ْ ُ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ي َُعوُدو َ‬ ‫وى ث ُ ّ‬ ‫ج َ‬‫ن الن ّ ْ‬ ‫ن ن ُُهوا عَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫أل َ ْ‬
‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫ه وَي َ ُ‬ ‫ك ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫حي ّ َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ك بِ َ‬‫حي ّوْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫ل وَإ َِذا َ‬ ‫سو ِ‬ ‫صي َةِ الّر ُ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫صيُر )‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫صل َوْن ََها فَب ِئ ْ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫م ل َوَْل ي ُعَذ ّب َُنا الل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ِفي أ َن ْ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬ ‫صي َةِ الّر ُ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫وا ِباْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫م فََل ت َت ََنا َ‬ ‫مُنوا إ َِذا ت ََنا َ‬
‫جي ْت ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪َ (8‬يا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫وى ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ما الن ّ ْ‬ ‫ن )‪ (9‬إ ِن ّ َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذي إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫وى َوات ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫وا ِبال ْب ِّر َوالت ّ ْ‬ ‫ج ْ‬
‫وَت ََنا َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ وَعَلى الل ِ‬ ‫شي ًْئا إ ِل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ضاّرهِ ْ‬ ‫س بِ َ‬ ‫مُنوا وَلي ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫ن ال ِ‬ ‫حُز َ‬ ‫ن ل ِي َ ْ‬
‫شي ْطا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫فَل ْي َت َوَك ِ‬
‫ّ‬

‫ن‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫م َول أد َْنى ِ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫سادِ ُ‬ ‫سةٍ ِإل هُوَ َ‬ ‫م َ‬ ‫خ ْ‬ ‫م َول َ‬ ‫أي ‪ :‬من سر ثلثة } ِإل هُوَ َراب ِعُهُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫ك ول أ َك ْث َر إل هُو معه َ‬
‫كاُنوا { أي ‪ :‬يطلع عليهم يسمع كلمهم‬ ‫ن َ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ َ‬
‫ضا مع ذلك تكتب ما يتناجون به ‪ ،‬مع علم الله‬ ‫وسرهم ونجواهم ‪ ،‬ورسله أي ً‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫سّرهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م ي َعْل ُ‬ ‫وسمعه لهم ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫م‬ ‫علم ال ْغُيوب { ] التوبة ‪ [ 78 :‬وقال } أ َم يحسبو َ‬
‫سّرهُ ْ‬ ‫مع ُ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن أّنا ل ن َ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َ ُ‬
‫ن { ] الزخرف ‪ [ 80 :‬؛ ولهذا حكى غير‬ ‫م ي َكت ُُبو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سلَنا لد َي ْهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ب َلى وَُر ُ‬ ‫َ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫واحد الجماع على أن المراد بهذه الية معية علم الله تعالى )‪ (1‬ول شك في‬
‫إرادة ذلك ولكن سمعه أيضا مع علمه محيط بهم ‪ ،‬وبصره نافذ فيهم ‪ ،‬فهو ‪،‬‬
‫سبحانه ‪ ،‬مطلع على خلقه ‪ ،‬ل يغيب عنه من أمورهم شيء‪.‬‬
‫م { قال‬ ‫ش ْ َِ ٌ‬ ‫لي‬‫ع‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مةِ إ ِ ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫مُلوا ي َوْ َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫المام أحمد ‪ :‬افتتح الية بالعلم ‪ ،‬واختتمها بالعلم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن ِبالث ْم ِ‬ ‫جو ْ َ‬ ‫ه وَي َت ََنا َ‬ ‫ما ن ُُهوا عَن ْ ُ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ي َُعوُدو َ‬ ‫وى ث ُ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫ن ن ُُهوا عَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫ه وَي َ ُ‬ ‫ك ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫حي ّ َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫حي ّوْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫ل وَإ َِذا َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ت الّر ُ‬ ‫صي َ ِ‬‫معْ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫صيُر )‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫س ال َ‬ ‫صلوْن ََها فَب ِئ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ُ‬ ‫مل ْ‬‫َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ِفي أ َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫صي َ ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫وا ِبالث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫م َفل ت َت ََنا َ‬ ‫جي ْت ُ ْ‬ ‫مُنوا إ َِذا ت ََنا َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ (8‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ما‬‫ن )‪ (9‬إ ِن ّ َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذي إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫وى َوات ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫وا ِبال ْب ِّر َوالت ّ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ل وَت ََنا َ‬ ‫سو ِ‬ ‫الّر ُ‬
‫هّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫شي ًْئا ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ضاّرهِ ْ‬ ‫س بِ َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا وَلي ْ َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫حُز َ‬ ‫ن ل ِي َ ْ‬ ‫شي ْطا ِ‬‫َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫وى ِ‬ ‫ج َ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫ن )‪{ (10‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫وَعَلى اللهِ فَلي َت َوَك ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ن ُُهوا عَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ ِلى ال ِ‬ ‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ]في قوله[ )‪ } (2‬أل ْ‬ ‫قال ابن أبي ن َ ِ‬
‫وى { قال ‪ :‬اليهود وكذا قال مقاتل بن حيان ‪ ،‬وزاد ‪ :‬كان بين النبي صلى‬ ‫ج َ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة ‪ ،‬وكانوا إذا مر بهم رجل من أصحاب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم ‪ ،‬حتى يظن المؤمن أنهم‬
‫خشيهم ‪ ،‬فترك‬ ‫يتناجون بقتله ‪ -‬أو ‪ :‬بما يكره المؤمن ‪ -‬فإذا رأى المؤمن ذلك َ‬
‫طريقه عليهم‪ .‬فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى ‪ ،‬فلم ينتهوا‬
‫َ‬
‫م‬‫وى ث ُ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫ن ن ُُهوا عَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫وعادوا إلى النجوى ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫ه {‪.‬‬ ‫ما ن ُُهوا عَن ْ ُ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫ي َُعوُدو َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ‪ ،‬حدثني‬
‫سفيان بن حمزة ‪ ،‬عن كثير عن زيد ‪ ،‬عن ُرَبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد‬
‫الخدري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬نبيت عنده ؛ يطُرقه من الليل أمر )‪ (3‬وتبدو له حاجة‪ .‬فلما كانت‬
‫ذات ليلة ك َُثر أهل الّنوب والمحتسبون حتى كنا أندية نتحدث ‪ ،‬فخرج علينا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬ما هذا النجوى ؟ ألم ت ُن َْهوا عن‬
‫النجوى ؟"‪ .‬قلنا ‪ :‬تبنا إلى الله يا رسول الله ‪ ،‬إنا كنا في ذكر المسيح ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬علمه تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬أمًرا" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(8/42‬‬

‫َفرقا منه‪ .‬فقال ‪" :‬أل أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي منه ؟ "‪ .‬قلنا ‪ :‬بلى‬
‫يا رسول الله‪ .‬قال ‪" :‬الشرك الخفي ‪ ،‬أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل"‪.‬‬
‫هذا إسناد غريب ‪ ،‬وفيه بعض الضعفاء )‪(1‬‬
‫ل { أي ‪ :‬يتحدثون فيما‬ ‫سو ِ‬ ‫ت الّر ُ‬ ‫صي َ ِ‬
‫معْ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن ِبالث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬ ‫جو ْ َ‬‫وقوله ‪ } :‬وَي َت ََنا َ‬
‫بينهم بالثم ‪ ،‬وهو ما يختص بهم ‪ ،‬والعدوان ‪ ،‬وهو ما يتعلق بغيرهم ‪ ،‬ومنه‬
‫صرون عليها ويتواصون بها‪.‬‬ ‫معصية الرسول ومخالفته ‪ ،‬ي ُ ِ‬
‫ه { قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬ ‫ك ب ِهِ الل ّ ُ‬‫حي ّ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م يُ َ‬ ‫ك بِ َ‬‫حي ّوْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا بن نمير ‪ ،‬عن العمش ‪] ،‬عن مسلم[ )‪ (2‬عن‬
‫مسروق ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يهود فقالوا ‪ :‬السام عليك يا أبا القاسم‪ .‬فقالت عائشة ‪ :‬وعليكم السام‬
‫و]اللعنة[ )‪ (3‬قالت ‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا عائشة ‪،‬‬
‫إن الله ل يحب الفحش ول التفحش"‪ .‬قلت ‪ :‬أل تسمعهم يقولون ‪ :‬السام‬
‫عليك ؟ فقال رسول الله ‪" :‬أو ما سمعت أقول )‪ (4‬وعليكم ؟"‪ .‬فأنزل الله ‪:‬‬
‫ه { )‪(5‬‬ ‫ك ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫حي ّ َ‬
‫م يُ َ‬‫ما ل َ ْ‬ ‫حي ّوْ َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫} وَإ َِذا َ‬
‫وفي رواية في الصحيح أنها قالت لهم ‪ :‬عليكم السام والذام واللعنة‪ .‬وأن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إنه يستجاب لنا فيهم ‪ ،‬ول يستجاب‬
‫لهم فينا" )‪(6‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا بشر ‪ ،‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس‬
‫بن مالك ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه ‪،‬‬
‫إذ أتى عليهم يهودي فسّلم عليهم ‪ ،‬فردوا عليه ‪ ،‬فقال نبي الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬هل تدرون ما قال ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬سلم يا رسول الله‪ .‬قال ‪" :‬بل‬
‫قال ‪ :‬سام عليكم ‪ ،‬أي ‪ :‬تسامون دينكم"‪ .‬قال رسول الله ‪" :‬ردوه"‪ .‬فردوه‬
‫عليه‪ .‬فقال نبي الله ‪" :‬أقلت ‪ :‬سام عليكم ؟"‪ .‬قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا ‪ :‬عليك"‬
‫أي ‪ :‬عليك ما قلت )‪(7‬‬
‫وأصل حديث أنس مخرج في الصحيح ‪ ،‬وهذا الحديث في الصحيح عن عائشة‬
‫‪ ،‬بنحوه )‪(8‬‬
‫قو ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل { أي ‪ :‬يفعلون‬ ‫ما ن َ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ِفي أن ْ ُ‬ ‫قولو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫هذا ‪ ،‬ويقولون ما يحرفون من الكلم وإيهام السلم ‪ ،‬وإنما هو شتم في‬
‫الباطن ‪ ،‬ومع هذا يقولون في أنفسهم ‪ :‬لو كان هذا نبًيا لعذبنا الله بما نقول‬
‫قا لوشك أن‬ ‫له في الباطن ؛ لن الله يعلم ما نسره ‪ ،‬فلو كان هذا نبًيا ح ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه المام أحمد في المسند )‪ (3/30‬وابن ماجة في السنن برقم )‬
‫‪ (4204‬من طريق كثير بن زيد به نحوه ‪ ،‬وقال البوصيري في الزوائد )‬
‫‪" : (3/296‬هذا إسناد حسن ‪ ،‬كثير بن زيد وربيع بن عبد الرحمن مختلف‬
‫فيهما"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من المسند )‪.(6/229‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ما أقول"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2165‬من طريق يعلى بن عبيد ‪ ،‬عن‬
‫العمش به نحوه‪.‬‬
‫)‪ (6‬انظر ‪ :‬صحيح البخاري برقم )‪ (6030‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2166‬من‬
‫حديث عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪.(27/11‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم برقم )‪.(2163‬‬

‫) ‪(8/43‬‬

‫م { أي ‪:‬‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬‫ح ْ‬ ‫يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا ‪ ،‬فقال الله تعالى ‪َ } :‬‬
‫صيُر {‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫صل َوْن ََها فَب ِئ ْ َ‬ ‫جهنم كفايتهم في الدار الخرة } ي َ ْ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الصمد ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو ؛ أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى‬
‫ما‬‫ه بِ َ‬ ‫ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ّ ُ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ :‬سام عليك ‪ ،‬ثم يقولون في أنفسهم ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫ك ب ِهِ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫حي ّ َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫حي ّوْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫ل { ؟ ‪ ،‬فنزلت هذه الية ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫نَ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صلوْن ََها فَب ِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫ن ِفي أن ْ ُ‬ ‫قولو َ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫صيُر { إسناد حسن ولم يخرجوه )‪(1‬‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه{‬ ‫ك ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫حي ّ َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫حي ّوْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن بن عباس ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫قال ‪ :‬كان المنافقون يقولون لرسول الله إذا حيوه ‪" :‬سام عليك" ‪ ،‬قال‬
‫صيُر {‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫صل َوْن ََها فَب ِئ ْ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬
‫الله ‪َ } :‬‬
‫مؤد ًّبا عباده المؤمنين أل يكونوا مثل الكفرة والمنافقين ‪َ } :‬يا‬ ‫ثم قال الله ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل{‬ ‫سو ِ‬ ‫ت الّر ُ‬ ‫صي َ ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫وا ِبالثم ِ َوالعُد َْوا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫َ‬
‫م فل ت َت ََنا َ‬ ‫جي ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا إ ِذا ت ََنا َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫مالهم على ضللهم‬ ‫أي ‪ :‬كما يتناجى به الجهلة من كفرة أهل الكتاب ومن َ‬
‫ن{‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذي إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫وى َوات ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫وا ِبال ْب ِّر َوالت ّ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫من المنافقين ‪ } ،‬وَت ََنا َ‬
‫أي ‪ :‬فيخبركم )‪ (2‬بجميع أعمالكم وأقوالكم التي أحصاها عليكم ‪ ،‬وسيجزيكم‬
‫بها‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ب َهُْز وعفان قال أخبرنا همام ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪ ،‬عن‬
‫ذا بيد ابن عمر ‪ ،‬إذ عرض له رجل فقال ‪:‬‬ ‫رز قال ‪ :‬كنت آخ ً‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صفوان بن ُ‬
‫كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم‬
‫القيامة ؟ قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إن الله‬
‫يدني المؤمن فيضع عليه ك ََنفه ويستره من الناس ‪ ،‬ويقرره بذنوبه ‪ ،‬ويقول‬
‫له ‪ :‬أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قَّرره‬
‫بذنوبه ورأى في نفسه أن قد هلك ‪ ،‬قال ‪ :‬فإني قد سترتها عليك في الدنيا ‪،‬‬
‫ب حسناته ‪ ،‬وأما الكفار )‪ (3‬والمنافقون‬ ‫طى كتا َ‬ ‫وأنا أغفرها لك اليوم‪ .‬ثم ي ُعْ َ‬
‫فيقول الشهاد ‪ :‬هؤلء الذين كذبوا على ربهم ‪ ،‬أل لعنة الله على الظالمين"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث قتادة )‪(4‬‬
‫س‬ ‫َ‬
‫مُنوا وَلي ْ َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫حُز َ‬ ‫ن ل ِي َ ْ‬ ‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫وى ِ‬‫ج َ‬
‫ما الن ّ ْ‬
‫ثم قال تعالى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما النجوى ‪-‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ْ‬
‫مؤ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ وَعَلى اللهِ فلي َت َوَك ِ‬ ‫شي ًْئا ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ضاّرهِ ْ‬‫بِ َ‬
‫ن‬ ‫ذي‬
‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ل‬
‫ِ َِ ْ ُ َ‬‫ن‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ِ َ‬‫م‬ ‫}‬ ‫ءا‬ ‫ً‬ ‫سو‬ ‫بها‬ ‫مؤمن‬ ‫يتوهم‬ ‫حيث‬ ‫‪-‬‬ ‫رة‬ ‫سا‬
‫ُ َ ّ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫وهي‬
‫مُنوا { يعني ‪ :‬إنما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشيطان وتزيينه ‪} ،‬‬ ‫آ َ‬
‫مُنوا { أي ‪ :‬ليسوءهم ‪ ،‬وليس ذلك بضارهم شيًئا إل بإذن الله ‪،‬‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫حُز َ‬
‫ل ِي َ ْ‬
‫ومن أحس من ذلك شيًئا فليستعذ بالله وليتوكل على الله ‪ ،‬فإنه ل يضره‬
‫شيء بإذن الله‪.‬‬
‫وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي حيث يكون في ذلك تأذ ٍ على مؤمن ‪،‬‬
‫كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(2/170‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فيجزيكم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬الكافرون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (2/74‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4685‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(1768‬‬

‫) ‪(8/44‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫سِح الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ف َ‬
‫حوا ي َ ْ‬ ‫س َفافْ َ‬
‫س ُ‬ ‫ِ‬ ‫جال ِ‬ ‫حوا ِفي ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫س ُ‬‫ف ّ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م تَ َ‬ ‫مُنوا إ َِذا ِقي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫شزوا يرفَع الل ّه ال ّذين آ َمنوا منك ُم وال ّذي ُ‬
‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬
‫م‬ ‫ِ ْ ْ َ ِ َ‬ ‫ُ ِ َ َ ُ‬ ‫َْ ِ‬ ‫شُزوا َفان ْ ُ ُ‬ ‫ل ان ْ ُ‬‫م وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫خِبيٌر )‪(11‬‬ ‫ن َ‬‫مُلو َ‬‫ما ت َعْ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬
‫جا ٍ‬ ‫د ََر َ‬

‫حدثنا وكيع وأبو معاوية قال حدثنا العمش ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫مسعود قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا كنتم ثلثة فل‬
‫ن اثنان دون صاحبهما ‪ ،‬فإن ذلك يحزنه"‪ .‬وأخرجاه من حديث العمش‬ ‫جي ّ‬ ‫يتنا َ‬
‫)‪(1‬‬
‫مر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪:‬‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا كنتم ثلثة فل يتناجى اثنان دون‬
‫الثالث إل بإذنه ؛ فإن ذلك يحزنه"‪ .‬انفرد بإخراجه مسلم عن أبي الربيع وأبي‬
‫كامل ‪ ،‬كلهما عن حماد بن زيد ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬به )‪(2‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬
‫سِح الل ُ‬ ‫ف َ‬‫حوا ي َ ْ‬ ‫س ُ‬‫س َفافْ َ‬
‫ِ‬ ‫جال ِ‬ ‫م َ‬‫حوا ِفي ال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ّ‬
‫م تَ َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫مُنوا إ َِذا ِقي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫شزوا يرفَع الل ّه ال ّذين آمنوا منك ُم وال ّذي ُ‬
‫م‬‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ِ ْ ْ َ ِ َ‬ ‫ُ ِ َ َ ُ‬ ‫َْ ِ‬ ‫شُزوا َفان ْ ُ ُ‬ ‫ل ان ْ ُ‬‫م وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫خِبيٌر )‪{ (11‬‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫جا ٍ‬ ‫د ََر َ‬
‫يقول تعالى مؤدًبا عباده المؤمنين ‪ ،‬وآمًرا لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض‬
‫َ‬
‫س{‬ ‫جال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حوا ِفي ال ْ َ‬ ‫س ُ‬
‫ف ّ‬ ‫م تَ َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫مُنوا إ َِذا ِقي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫في المجالس ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م { وذلك أن الجزاء من‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫سِح الل ّ ُ‬
‫ف َ‬ ‫حوا ي َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫وقرئ } في المجلس { } َفافْ َ‬
‫دا بنى الله‬ ‫جنس العمل ‪ ،‬كما جاء في الحديث الصحيح ‪" :‬من ب ََنى لله مسج ً‬
‫سر الله‬ ‫سر ي َ ّ‬ ‫معْ ِ‬ ‫سر على ُ‬ ‫له بيًتا في الجنة" )‪ (3‬وفي الحديث الخر ‪" :‬ومن ي َ ّ‬
‫عليه في الدنيا والخرة ‪] ،‬ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والخرة[ )‬
‫‪ (4‬والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" )‪ (5‬ولهذا أشباه كثيرة ؛‬
‫م {‪.‬‬‫ه ل َك ُ ْ‬‫سِح الل ّ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫حوا ي َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ولهذا قال ‪َ } :‬فافْ َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬نزلت هذه الية في مجالس )‪ (6‬الذكر ‪ ،‬وذلك أنهم كانوا إذا رأوا‬
‫ضّنوا بمجالسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫أحدهم مقبل َ‬
‫فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض‪.‬‬
‫معة وكان رسول الله صلى‬ ‫ج ُ‬
‫وقال مقاتل ابن حيان ‪ :‬أنزلت هذه الية يوم ُ‬
‫الله عليه وسلم يومئذ في الصفة ‪ ،‬وفي المكان ضيق ‪ ،‬وكان يكرم أهل بدر‬
‫من المهاجرين والنصار ‪ ،‬فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس ‪،‬‬
‫فقاموا حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬السلم عليك أيها‬
‫النبي ورحمة الله وبركاته‪ .‬فرد النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم سلموا على‬
‫القوم بعد ذلك ‪ ،‬فردوا عليهم ‪ ،‬فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم ‪،‬‬
‫سح لهم ‪،‬‬ ‫ف َ‬‫فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما يحملهم على القيام ‪ ،‬فلم ي ُ ْ‬
‫فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال لمن حوله من المهاجرين‬
‫والنصار ‪ ،‬من غير أهل بدر ‪" :‬قم يا فلن ‪ ،‬وأنت يا فلن"‪ .‬فلم يزل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/431‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2184‬ولم أقع عليه عند‬
‫البخاري عن العمش ‪ ،‬وإنما هو عنده عن منصور ‪ ،‬عن أبي وائل برقم )‬
‫‪.(6290‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪.(2183‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (450‬ومسلم في صحيحه برقم )‪(533‬‬
‫من حديث عثمان ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من صحيح مسلم )‪.(2699‬‬
‫)‪ (5‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2699‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬في مجلس"‪.‬‬

‫) ‪(8/45‬‬

‫يقيمهم بعدة )‪ (1‬النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين والنصار من‬
‫أهل بدر ‪ ،‬فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ‪ ،‬وعرف النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم الكراهة في وجوههم ‪ ،‬فقال المنافقون ‪ :‬ألستم تزعمون أن‬
‫ل عدل على هؤلء ‪ ،‬إن‬ ‫صاحبكم هذا يعدل بين الناس ؟ والله ما رأيناه قب ُ‬
‫قوما أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب لنبيهم ‪ ،‬فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه‪.‬‬
‫سح )‪(2‬‬ ‫فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬رحم الله رجل فَ َ‬
‫م لخوانهم ‪ ،‬ونزلت‬ ‫ح القو ُ‬
‫س َ‬
‫ف ّ‬‫عا ‪ ،‬فَت َ َ‬
‫لخيه"‪ .‬فجعلوا يقومون بعد ذلك سرا ً‬
‫هذه الية يوم الجمعة‪ .‬رواه بن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ ،‬والشافعي ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن‬
‫ج َ‬
‫ل‬ ‫ج ُ‬
‫ل الّر ُ‬ ‫ابن عمر ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل يقيم الّر ُ‬
‫سعوا"‪.‬‬‫حوا وَتو ّ‬ ‫س ُ‬
‫ف ّ‬
‫من مجلسه فيجلس فيه ‪ ،‬ولكن ت َ َ‬
‫وأخرجاه في الصحيحين من حديث نافع ‪ ،‬به )‪(3‬‬
‫وقال الشافعي ‪ :‬أخبرنا عبد المجيد ‪ ،‬عن ابن جريج قال ‪ :‬قال سليمان بن‬
‫موسى ‪ ،‬عن جابر بن عبد الله‪ .‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫دكم أخاه يوم الجمعة ‪ ،‬ولكن ليقل ‪ :‬افسحوا"‪ .‬على شرط‬ ‫"ل يقيمن أح ُ‬
‫السنن ولم يخرجوه )‪(4‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الملك بن عمرو ‪ ،‬حدثنا فلْيح ‪ ،‬عن أيوب عن‬
‫صعة ‪ ،‬عن يعقوب بن أبي يعقوب ‪ ،‬عن أبي‬ ‫صعْ َ‬
‫عبد الرحمن بن ]أبي[ )‪َ (5‬‬
‫ل من‬ ‫ل الرج َ‬ ‫هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل يقم الرج ُ‬
‫مجلسه ثم يجلس فيه ‪ ،‬ولكن افسحوا يفسح الله لكم" )‪(6‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سَريج )‪ (7‬بن يونس ‪ ،‬ويونس بن محمد المؤدب ‪ ،‬عن فلْيح ‪،‬‬ ‫ضا عن ُ‬ ‫ورواه أي ً‬
‫ل للرجل من مجلسه ‪ ،‬ولكن افسحوا يفسح الله‬ ‫به‪ .‬ولفظه ‪" :‬ل يقوم الرج ُ‬
‫لكم" تفرد به أحمد )‪(8‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال ‪ :‬فمنهم من‬
‫جا بحديث ‪" :‬قوموا إلى سيدكم" )‪ (9‬ومنهم من منع من‬ ‫رخص في ذلك محت ّ‬
‫ده من‬ ‫قعَ َ‬‫م ْ‬
‫وأ َ‬ ‫ْ‬
‫ما فَلَيتب ّ‬ ‫ب أن ي ََتمث ّ َ‬
‫ل له الرجال قيا ً‬ ‫ح ّ‬
‫جا بحديث ‪" :‬من أ َ‬ ‫ذلك محت ّ‬
‫النار" )‪ (10‬ومنهم من فصل فقال ‪ :‬يجوز عند القدوم من سفر ‪ ،‬وللحاكم‬
‫في محل وليته ‪ ،‬كما دل عليه قصة سعد بن معاذ ‪ ،‬فإنه لما استقدمه النبي‬
‫ما‬
‫صلى الله عليه وسلم حاك ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬بعدد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يفسح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬لم يقع هذا الحديث لي في مسند أحمد هكذا ‪ ،‬وإنما هو فيه )‪: (2/22‬‬
‫عن ابن نمير ‪ ،‬عن عبيد الله بن عمر ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ (2/45) ،‬عن‬
‫غندر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن أيوب بن موسى ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر‪ .‬وهو في‬
‫صحيح البخاري برقم )‪ (6269‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2177‬‬
‫)‪ (4‬مسند الشافعي برقم )‪" (454‬بدائع المنن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من المسند )‪.(2/523‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(2/523‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬شريح"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(2/338‬‬
‫)‪ (9‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (3043‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪ (1768‬من حديث أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (10‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪ (5229‬والترمذي في السنن برقم )‬
‫‪ (2755‬من حديث معاوية رضي الله عنه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬إسناد حسن"‪.‬‬

‫) ‪(8/46‬‬

‫في بني قريظه فرآه مقبل قال للمسلمين ‪" :‬قوموا إلى سيدكم"‪ .‬وما ذاك إل‬
‫ليكون أنفذ لحكمه ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬فأما اتخاذه ديدًنا فإنه من شعار العجم‪ .‬وقد‬
‫جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وكان إذا جاء ل يقومون له ‪ ،‬لما يعلمون من كراهته )‪ (1‬لذلك )‪) (2‬‬
‫‪(3‬‬
‫وفي الحديث المروي في السنن ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫يجلس حيث انتهى به المجلس ‪ ،‬ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك‬
‫المجلس ‪ ،‬وكان الصحابة ‪ ،‬رضي الله عنهم ‪ ،‬يجلسون منه على مراتبهم ‪،‬‬
‫فالصديق يجلسه عن يمينه ‪ ،‬وعمر عن يساره ‪ ،‬وبين يديه غالًبا عثمان‬
‫وعلي ؛ لنهما كانا ممن يكتب )‪ (4‬الوحي ‪ ،‬وكان يأمرهما بذلك ‪ ،‬كما رواه‬
‫مر ‪ ،‬عن أبي‬ ‫معْ َ‬ ‫مسلم من حديث العمش ‪ ،‬عن عمارة بن عمير ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫مسعود ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ‪" :‬ل َِيليني منكم‬
‫أولوا الحلم والن َّهى ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم" )‪ (5‬وما ذاك إل‬
‫ليعقلوا عنه ما يقوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ؛ ولهذا أمر أولئك النفر‬
‫بالقيام ليجلس الذين وردوا من أهل بدر ‪ ،‬إما لتقصير أولئك في حق البدريين‬
‫‪ ،‬أو ليأخذ البدريون من العلم بنصيبهم ‪ ،‬كما أخذ أولئك قبلهم ‪ ،‬أو تعليما‬
‫بتقديم الفاضل إلى المام‪.‬‬
‫مارة بن عمير )‪(6‬‬ ‫كيع ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عُ َ‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫التيمي )‪ (7‬عن أبي معمر ‪ ،‬عن أبي مسعود قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلة ويقول ‪" :‬استووا ول تختلفوا فتختلف‬
‫قلوبكم ‪ ،‬ليليني منكم أولو الحلم والّنهى ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين‬
‫يلونهم"‪ .‬قال أبو مسعود )‪ (8‬فأنتم اليوم أشد اختلًفا‪.‬‬
‫وكذا رواه مسلم وأهل السنن ‪ ،‬إل الترمذي ‪ ،‬من طرق عن العمش ‪ ،‬به )‪(9‬‬
‫وإذا كان هذا أمره لهم في الصلة أن يليه العقلء )‪ (10‬ثم العلماء ‪ ،‬فبطريق‬
‫الولى أن يكون ذلك في غير الصلة‪.‬‬
‫وروى أبو داود من حديث معاوية بن صالح ‪ ،‬عن أبي الزاهرية ‪ ،‬عن كثير بن‬
‫مرة ‪ ،‬عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫دوا الخلل ‪ ،‬وِليُنوا بأيدي‬ ‫حاُذوا بين المناكب ‪ ،‬و ُ‬
‫س ّ‬ ‫"أقيموا الصفوف ‪ ،‬و َ‬
‫فا وصله الله ‪ ،‬ومن‬ ‫صل ص ّ‬ ‫ذروا فرجات للشيطان ‪ ،‬ومن وَ َ‬ ‫إخوانكم ‪ ،‬ول ت َ َ‬
‫فا قطعه الله" )‪(11‬‬ ‫قطع ص ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬من كراهيته"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (2754‬من حديث أنس ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬وللمام النووي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬رسالة سماها ‪" :‬الترخيص بالقيام لذوى‬
‫الفضل والمزية من أهل السلم" أطنب في الكلم على هذه المسألة ‪ ،‬وهى‬
‫مطبوعة بدار الفكر بدمشق‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬يكتبان"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(432‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬بكير"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الليثي"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪ (4/122‬وصحيح مسلم برقم )‪ (432‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (674‬وسنن النسائي )‪ (2/87‬وسنن ابن ماجة برقم )‪.(976‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬الفضلء"‪.‬‬
‫)‪ (11‬سنن أبي داود برقم )‪.(666‬‬

‫) ‪(8/47‬‬

‫ولهذا كان أبي بن كعب ‪ -‬سيد القراء ‪ -‬إذا انتهى إلى الصف الول انتزع منه‬
‫رجل يكون من أفناء )‪ (1‬الناس ‪ ،‬ويدخل هو في الصف المقدم ‪ ،‬ويحتج بهذا‬
‫الحديث ‪" :‬ليلينى منكم أولو الحلم والنهى"‪ .‬وأما عبد الله بن عمر فكان ل‬
‫يجلس في المكان الذي يقوم له صاحبه عنه ‪ ،‬عمل بمقتضى ما تقدم من‬
‫روايته الحديث الذي أوردناه‪ .‬ولنقتصر على هذا المقدار )‪ (2‬من النموذج‬
‫المتعلق بهذه الية ‪ ،‬وإل فبسطه يحتاج )‪ (3‬إلى غير هذا الموضع ‪ ،‬وفي‬
‫الحديث الصحيح ‪ :‬بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ‪ ،‬إذ أقبل ثلثة‬
‫نفر ‪ ،‬فأما أحدهم فوجد فرجة في الحلقة فدخل فيها ‪ ،‬وأما الخر فجلس‬
‫وراء الناس ‪ ،‬وأدبر الثالث ذاهًبا‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"أل أنبئكم بخبر الثلثة ‪ ،‬أما الول فآوى إلى الله فآواه الله ‪ ،‬وأما الثاني‬
‫فاستحيا فاستحيا الله منه ‪ ،‬وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه" )‪(4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عَّتاب بن زياد ‪ ،‬أخبرنا عبد الله ‪ ،‬أخبرنا أسامة بن‬
‫زيد ‪ ،‬عن عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إل بإذنهما"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من حديث أسامة بن زيد الليثي ‪ ،‬به )‪ (5‬وحسنه‬
‫الترمذي‪.‬‬
‫وقد ُروي عن بن عباس ‪ ،‬والحسن البصري وغيرهما أنهم قالوا )‪ (6‬في قوله‬
‫تعالى ‪ } :‬إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا { )‪ (7‬يعني ‪ :‬في‬
‫شُزوا { أي ‪:‬‬ ‫شُزوا َفان ْ ُ‬ ‫ل ان ْ ُ‬‫مجالس الحرب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ومعنى قوله ‪ } :‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫انهضوا للقتال‪.‬‬
‫شُزوا { أي ‪ :‬إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا‪.‬‬ ‫َ‬
‫شُزوا فان ْ ُ‬ ‫ل ان ْ ُ‬‫وقال قتادة ‪ } :‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫وقال مقاتل ]بن حيان[ )‪ (8‬إذا دعيتم إلى الصلة فارتفعوا إليها‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬كانوا إذا كانوا عند النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في بيته فأرادوا النصراف أحب كل منهم أن يكون هو آخرهم خروجا‬
‫من عنده ‪ ،‬فربما يشق )‪ (9‬ذلك عليه ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وقد تكون له )‪(10‬‬
‫ن ِقي َ‬
‫ل‬ ‫الحاجة ‪ ،‬فأمروا أنهم إذا أمروا بالنصراف أن ينصرفوا ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫جُعوا { ] النور ‪(11) [ 28 :‬‬ ‫جُعوا َفاْر ِ‬ ‫م اْر ِ‬‫ل َك ُ ُ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما‬‫ه بِ َ‬‫ت َوالل ُ‬‫جا ٍ‬ ‫م د ََر َ‬ ‫ن أوُتوا العِل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬‫وقوله ‪ } :‬ي َْرفَِع الل ُ‬
‫سح أحد منكم لخيه إذا أقبل ‪ ،‬أو إذا‬ ‫خِبيٌر { أي ‪ :‬ل تعتقدوا أنه إذا فَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬‫ت َعْ َ‬
‫أمر بالخروج فخرج ‪ ،‬أن يكون ذلك نقصا في حقه ‪ ،‬بل هو رفعة ومزية )‪(12‬‬
‫عند الله ‪ ،‬والله تعالى ل يضيع ذلك له ‪ ،‬بل يجزيه بها في الدنيا والخرة ‪ ،‬فإن‬
‫شر ذكره ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ي َْرفَِع الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫من تواضع لمر الله َرَفع الله قدره ‪ ،‬ون َ َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ال ّذين آمنوا منك ُم وال ّذي ُ‬
‫خِبيٌر {‬‫ن َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬‫ت َوالل ُ‬ ‫جا ٍ‬ ‫م د ََر َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ِ ْ ْ َ ِ َ‬ ‫ِ َ َ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أفناد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬القدر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬محتاج"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (66‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪.(2176‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (2/213‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4845‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪.(2752‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أنهما قال"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬المجالس"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬شق"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في م ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في م ‪" :‬وإذا قيل ارجعوا" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (12‬في م ‪" :‬ورتبة" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ومنزلة"‬

‫) ‪(8/48‬‬
‫أي ‪ :‬خبير بمن يستحق ذلك وبمن ل يستحقه‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو كامل ‪ ،‬حدثنا إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن شهاب ‪ ،‬عن‬
‫أبي الطفيل عامر بن واثلة ‪ ،‬أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب‬
‫بعسفان ‪ ،‬وكان عمر استعمله على مكة ‪ ،‬فقال له عمر ‪ :‬من استخلفت على‬
‫أهل الوادي ؟ قال ‪ :‬استخلفت عليهم ابن أبزي‪ .‬قال ‪ :‬وما ابن أبزي ؟ فقال ‪:‬‬
‫رجل من موالينا‪ .‬فقال عمر ]بن الخطاب[ )‪ (1‬استخلفت عليهم مولى ؟‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬إنه قارئ لكتاب الله ‪ ،‬عالم بالفرائض ‪ ،‬قاض‪.‬‬
‫فقال عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال ‪:‬‬
‫ما ويضع به آخرين" )‪(2‬‬‫"إن الله يرفع بهذا الكتاب قو ً‬
‫وهكذا رواه مسلم من غير وجه ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به )‪ (3‬وقد ذكرت )‪ (4‬فضل‬
‫العلم وأهله وما ورد في ذلك من الحاديث مستقصاة في شرح "كتاب العلم"‬
‫من صحيح البخاري ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(1/35‬‬
‫)‪ (3‬جاء من طريق حماد بن سلمة عن حميد ‪ ،‬عن الحسن بن مسلم ‪ :‬أن‬
‫عمر استعمل ابن عبد الحارث على مكة ‪ ،‬فذكر نحوه ‪ ،‬أخرجه أبو يعلى في‬
‫مسنده )‪ (1/185‬وفيه انقطاع‪ .‬وأيضا من طريق العمش عن حبيب بن أبي‬
‫ثابت ‪ :‬أن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال ‪ :‬خرجت مع عمر ‪ ،‬فاستقبلنا أمير‬
‫مكة ‪ -‬نافع بن علقمة ‪ -‬فذكر نحو الحديث المتقدم ‪ ،‬أخرجه أبو يعلى في‬
‫مسنده )‪.(1/186‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬ذكرنا"‪.‬‬

‫) ‪(8/49‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ة ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫ج َ‬
‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫جي ْت ُ ُ‬ ‫مُنوا إ َِذا َنا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫قت َ‬ ‫م )‪ (12‬أ َأ َ ْ‬ ‫َ‬
‫موا‬‫قد ّ ُ‬
‫ن تُ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ف ْ ُ ْ‬
‫ش َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫دوا فَإ ِ ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م وَأط ْهَُر فَإ ِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صلة َ وَآُتوا‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م فأِقي ُ‬ ‫ه عَلي ْك ْ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫فعَلوا وََتا َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ت فإ ِذ ْ ل ْ‬ ‫صد َقا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫واك ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫الّزكاةَ وَأ ِ‬
‫َ‬
‫ك‬‫ة ذ َل ِ َ‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫جي ْت ُ ُ‬ ‫مُنوا إ َِذا َنا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ن تُ َ‬‫مأ ْ‬ ‫قت ُ ْ‬‫ف ْ‬‫ش َ‬‫م )‪ (12‬أأ ْ‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫دوا فَإ ِ ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م وَأط ْهَُر فَإ ِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صلة َ َوآُتوا‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م فَأِقي ُ‬ ‫ه عَلي ْك ْ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫فعَلوا وََتا َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ت فَإ ِذ ْ ل ْ‬ ‫صد ََقا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫واك ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ن )‪{ (13‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫الّزكاةَ وَأ ِ‬
‫يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬أي ‪ :‬يساره فيما بينه وبينه ‪ ،‬أن يقدم بين يدي ذلك صدقة‬
‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ك َ‬ ‫تطهره وتزكيه وتؤهله لن يصلح لهذا المقام ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫وَأ َط ْهَُر { )‪(1‬‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫دوا { أي ‪ :‬إل من عجز عن ذلك لفقده } فَإ ِ ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫م { فما أمر بها إل من قدر عليها‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت { أي ‪ :‬أخفتم من‬ ‫صد ََقا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ن تُ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫قت ُ ْ‬ ‫ف ْ‬‫ش َ‬‫ثم قال ‪ } :‬أأ ْ‬
‫استمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول ‪ } ،‬فَإ ِذ ْ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫كاةَ وَأ ِ‬ ‫صلة َ َوآُتوا الّز َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م فَأِقي ُ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫فعَُلوا وََتا َ‬ ‫م تَ ْ‬‫لَ ْ‬
‫ن{‬‫مُلو َ‬
‫ما ت َعْ َ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ذلكم" وهو خطأ‬

‫) ‪(8/49‬‬

‫فنسخ وجوب ذلك عنهم‪.‬‬


‫وقد قيل ‪ :‬إنه لم يعمل بهذه الية قبل نسخها سوى علي بن أبي طالب ‪،‬‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬نهوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه‬ ‫قال ابن أبي ن َ ِ‬
‫وسلم حتى يتصدقوا ‪ ،‬فلم يناجه إل علي بن أبي طالب ‪ ،‬قدم دينارا صدقة‬
‫تصدق به ‪ ،‬ثم ناجى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن عشر خصال ‪ ،‬ثم‬
‫أنزلت الرخصة‪.‬‬
‫وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬قال علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬آية في‬
‫كتاب الله ‪ ،‬عز وجل لم يعمل بها أحد قبلي ‪ ،‬ول يعمل بها أحد بعدي ‪ ،‬كان‬
‫عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم ‪ ،‬فكنت إذا ناجيت )‪ (1‬رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم تصدقت بدرهم ‪ ،‬فنسخت ولم يعمل بها أحد قبلي ‪ ،‬ول يعمل‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫سو َ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫جي ْت ُ ُ‬ ‫مُنوا إ َِذا َنا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫بها أحد بعدي ‪ ،‬ثم تل هذه الية ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ة { الية‪.‬‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬‫فَ َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا مهران ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن عثمان بن‬
‫المغيرة ‪ ،‬عن سالم بن أبي الجعد ‪ ،‬عن علي بن علقمة النماري ‪ ،‬عن علي‬
‫]بن أبي طالب[ )‪ - (2‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ما ترى ‪ ،‬دينار ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ل يطيقون‪ .‬قال ‪" :‬نصف دينار ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ل‬
‫شِعيرة ‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه‬ ‫يطيقون‪ .‬قال ‪" :‬ما ترى ؟" قال ‪َ :‬‬
‫فف الله عن هذه المة ‪،‬‬ ‫خ ّ‬ ‫وسلم ‪" :‬إنك زهيد )‪ (3‬قال ‪ :‬قال علي ‪ :‬فبى َ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ن ي َد َ ْ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫جي ْت ُ ُ‬‫مُنوا [ )‪ (4‬إ َِذا َنا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ ] } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫قت َ‬ ‫ة { فنزلت ‪ } :‬أ َأ َ ْ‬
‫ت{‬ ‫صد ََقا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ن تُ َ‬‫مأ ْ‬ ‫ف ْ ُ ْ‬‫ش َ‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫ج َ‬‫نَ ْ‬
‫)‪(5‬‬
‫كيع ‪ ،‬عن يحيى بن آدم ‪ ،‬عن عبيد الله‬ ‫ورواه الترمذي عن سفيان بن وَ ِ‬
‫الشجعي ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬عن عثمان بن المغيرة الثقفي ‪ ،‬عن سالم‬
‫بن أبي الجعد ‪ ،‬عن علي بن علقمة النماري ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫واك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬‫ل فَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫جي ْت ُ ُ‬ ‫مُنوا إ َِذا َنا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫لما نزلت ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ة { ]إلى آخرها[ )‪ (6‬قال )‪ (7‬لي النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما ترى‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬دينار ؟" قلت )‪ (8‬ل يطيقونه‪ .‬وذكره بتمامه ‪ ،‬مثله ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬هذا حديث‬
‫حسن غريب ‪ ،‬إنما نعرفه من هذا الوجه"‪ .‬ثم قال ‪ :‬ومعنى قوله ‪" :‬شعيرة" ‪:‬‬
‫يعني وزن شعيرة من ذهب )‪(9‬‬
‫ورواه أبو يعلى ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن يحيى بن آدم ‪ ،‬به )‪(10‬‬
‫َ‬
‫م‬‫جي ْت ُ ُ‬‫مُنوا إ َِذا َنا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م { كان‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ة { إلى } فَإ ِ ّ‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫ج َ‬‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫الّر ُ‬
‫المسلمون يقدمون بين يدي النجوى صدقة ‪ ،‬فلما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬جئت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬إنك لزهيد‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪ (28/15‬وعلي بن علقمة فيه ضعف‪ .‬قال البخاري ‪ :‬في‬
‫حديثه نظر‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (9‬سنن الترمذي برقم )‪.(3300‬‬
‫)‪ (10‬مسند أبي يعلى )‪.(1/322‬‬

‫) ‪(8/50‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م وََل ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ما غَ ِ‬ ‫وا قَوْ ً‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫أل َ ْ‬
‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫دا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ذاًبا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (14‬أعَد ّ الل ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫ب وَهُ ْ‬ ‫عََلى ال ْك َذِ ِ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل الل ّهِ فَل َهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫جن ّ ً‬ ‫م ُ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫ذوا أي ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن )‪ (15‬ات ّ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫شي ْئا أولئ ِك أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَل أوْلد ُهُ ْ‬ ‫والهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ي عَن ْهُ ْ‬ ‫ن ت ُغْن ِ َ‬ ‫‪ (16‬ل ْ‬
‫م‬‫ن ل َك ُْ‬ ‫َ‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫ي‬
‫َ ُ َ َ ْ ِ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ف‬
‫ُ َ ِ ً َ ْ ِ‬‫عا‬ ‫مي‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ع‬
‫َ ْ َ َْ َ ُ ُ‬ ‫ب‬‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬‫ي‬ ‫(‬‫‪17‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫خا ِ ُ َ‬
‫دو‬ ‫ل‬ ‫ِفيَها َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حوَذ َ عَل َي ْهِ ُ‬
‫م‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ن )‪ (18‬ا ْ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫يٍء أَل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬
‫وَي َ ْ‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن هُ ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن أَل إ ِ ّ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫م ذِك َْر الل ّهِ أول َئ ِ َ‬ ‫ساهُ ْ‬ ‫ن فَأن ْ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫نزلت الزكاة نسخ هذا‪.‬‬


‫م‬ ‫ُ‬
‫واك ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫َ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ } :‬ف َ‬
‫ة { وذلك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫َ‬
‫وسلم حتى شقوا عليه ‪ ،‬فأراد الله أن يخفف عن نبيه ‪ ،‬عليه السلم‪ .‬فلما‬
‫قال ذلك صبر كثير من الناس وكفوا عن المسألة ‪ ،‬فأنزل الله بعد هذا ‪:‬‬
‫قت َ‬ ‫} أ َأ َ ْ‬
‫ب الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫فعَُلوا وََتا َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ة )‪ (1‬فَإ ِذ ْ ل َ ْ‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬
‫ن تُ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ف ْ ُ ْ‬ ‫ش َ‬
‫َ‬
‫كاة َ { فوسع الله عليهم ولم يضيق‪.‬‬ ‫صلة َ َوآُتوا الّز َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م فَأِقي ُ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫واك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ج َ‬‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫وقال عكرمة والحسن البصري في قوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫قت َ‬ ‫ة { نسختها الية التي بعدها } أ َأ َ ْ‬
‫واك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ج َ‬‫ن ي َد َيْ ن َ ْ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ن تُ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ف ْ ُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫َ‬
‫ة { )‪ (2‬إلى آخرها‪.‬‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫َ‬
‫وقال سعيد ]بن أبي عروبة[ )‪ (3‬عن قتاده ومقاتل ابن حيان ‪ :‬سأل الناس‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬حتى أحفوه بالمسألة ‪ ،‬فقطعهم الله بهذه‬
‫الية ‪ ،‬فكان الرجل منهم إذا كانت له الحاجة إلى نبي الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فل يستطيع أن يقضيها حتى يقدم بين يديه صدقة ‪ ،‬فاشتد ذلك‬
‫فوٌر‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫دوا فَإ ِ ّ‬ ‫ج ُ‬‫م تَ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫عليهم ‪ ،‬فأنزل الله الرخصة بعد ذلك ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫م{‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫واك ُْ‬
‫م‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫َْ َ َ َ ْ َ ْ َ‬‫د‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫موا‬ ‫ّ ُ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ال‬
‫ِ َ َ ُْ ُ ّ ُ‬‫م‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫نا‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قتادة‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫مر‬ ‫ع‬
‫َ ْ َ‬ ‫م‬ ‫وقال‬
‫ة { إنها منسوخة ‪ :‬ما كانت إل ساعة من نهار‪ .‬وهكذا روى عبد الرزاق ‪:‬‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫َ‬
‫أخبرنا معمر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن مجاهد قال علي ‪ :‬ما عمل بها أحد غيري حتى‬
‫نسخت وأحسبه قال ‪ :‬وما كانت إل ساعة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫م َول ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَلي ْهِ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ما غَ ِ‬ ‫وا قَوْ ً‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫َ‬
‫ساَء‬ ‫م َ‬ ‫دا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ذاًبا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (14‬أعَد ّ الل ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫ب وَهُ ْ‬ ‫ن عََلى ال ْك َذِ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫خ ُ َ‬
‫ب‬
‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل الل ّهِ فَل َهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫جن ّ ً‬ ‫م ُ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫ذوا أي ْ َ‬ ‫ن )‪ (15‬ات ّ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ن اللهِ َ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫شي ْئا أولئ ِك أ ْ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫م َول أْولد ُهُ ْ‬ ‫والهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ي عَن ْهُ ْ‬ ‫ن ت ُغْن ِ َ‬ ‫ن )‪ (16‬ل ْ‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫هك َ‬ ‫نل ُ‬‫َ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ميًعا في َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫م ي َب ْعَثهُ ُ‬ ‫ن )‪ (17‬ي َوْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫الّنارِ هُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬
‫ْ َ ْ َ َ ِْ ُ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫(‬ ‫‪18‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ُِ َ‬ ‫بو‬ ‫ذ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِّ ُ ْ ُ ُ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫أل‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫لى‬ ‫م وَي َ ْ َ ُ َ ّ ُ ْ َ‬
‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫بو‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫م ذِك َْر الل ّهِ أول َئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫م‬‫ن هُ ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن أل إ ِ ّ‬ ‫طا ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ساهُ ْ‬ ‫ن فَأن ْ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪{ (19‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫يقول تعالى منكرا على المنافقين في موالتهم الكفار في الباطن ‪ ،‬وهم في‬
‫كل‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن ب َي ْ َ‬ ‫مذ َب ْذ َِبي َ‬ ‫نفس المر ل معهم ول مع المؤمنين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ } :‬‬
‫سِبيل { ]النساء ‪[143 :‬‬ ‫ه َ‬ ‫جد َ ل َ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ه فَل َ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ؤلِء وَ َ‬ ‫ؤلِء َول إ َِلى هَ ُ‬ ‫إ َِلى هَ ُ‬
‫َ‬
‫م { يعني ‪:‬‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ما غَ ِ‬ ‫وا قَوْ ً‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫وقال ها هنا ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (2 ، 1) (1‬في أ ‪" :‬صدقات"‪.‬‬
‫)‪ (2 ، 1) (2‬في أ ‪" :‬صدقات"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(8/51‬‬

‫ما‬
‫اليهود ‪ ،‬الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن‪ .‬ثم قال ‪َ } :‬‬
‫م { أي ‪ :‬هؤلء المنافقون ‪ ،‬ليسوا في الحقيقة ل منكم أيها‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م َول ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫هُ ْ‬
‫المؤمنون ‪ ،‬ول من الذين تولوهم وهم اليهود‪.‬‬
‫ن { يعني ‪ :‬المنافقين يحلفون‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫ب وَهُ ْ‬ ‫ن عََلى ال ْك َذِ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫ثم قال ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫على الكذب وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا ‪ ،‬وهي اليمين الغموس ‪،‬‬
‫ول سيما في مثل حالهم اللعين ‪ ،‬عياًذا بالله منه )‪ (1‬فإنهم كانوا إذا لقوا‬
‫الذين آمنوا قالوا ‪ :‬آمنا ‪ ،‬وإذا جاءوا الرسول حلفوا بالله ]له[ )‪ (2‬أنهم‬
‫مؤمنون ‪ ،‬وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به ؛ لنهم ل‬
‫قا ؛ ولهذا شهد الله‬ ‫يعتقدون صدق ما قالوه ‪ ،‬وإن كان في نفس المر مطاب ً‬
‫بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أرصد‬ ‫ملو َ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫دا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ذاًبا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬أعَد ّ الل ّ ُ‬
‫الله لهم على هذا الصنيع العذاب الليم على أعمالهم السيئة ‪ ،‬وهي موالة‬
‫ذوا‬ ‫خ ُ‬ ‫الكافرين ونصحهم ‪ ،‬ومعاداة المؤمنين وغشهم ؛ ولهذا قال تعالى } ات ّ َ‬
‫ل الل ّهِ { أي ‪ :‬أظهروا اليمان وأبطنوا الكفر ‪،‬‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫جن ّ ً‬
‫م ُ‬ ‫مان َهُ ْ‬‫أي ْ َ‬
‫واتقوا باليمان الكاذبة ‪ ،‬فظن كثير ممن ل يعرف حقيقة أمرهم صدقهم‬
‫ن‬
‫مِهي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فاغتر بهم ‪ ،‬فحصل بهذا صد عن سبيل الله لبعض الناس } فَل َهُ ْ‬
‫{ أي ‪ :‬في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم في اليمان‬
‫الكاذبة الحانثة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شي ًْئا { أي ‪ :‬لن يدفع‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬‫م َول أْولد ُهُ ْ‬ ‫والهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ي عَن ْهُ ْ‬ ‫ن ت ُغْن ِ َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫ن{‬ ‫ذلك عنهم بأسا )‪ (3‬إذا جاءهم ‪ُ } ،‬أول َئ ِ َ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬
‫ميًعا { أي ‪ :‬يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م ي َب ْعَث ُهُ ُ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَلى‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ن لك ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫هك َ‬ ‫نل ُ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫دا ‪ } ،‬فَي َ ْ‬ ‫فل يغادر منهم أح ً‬
‫يٍء { أي ‪ :‬يحلفون بالله )‪ (4‬عز وجل ‪ ،‬أنهم كانوا على الهدى‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫والستقامة ‪ ،‬كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا ؛ لن من عاش على شيء‬
‫مات عليه وبعث عليه ‪ ،‬ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم‬
‫م‬ ‫عند الناس ‪ ،‬فيجرون عليهم الحكام الظاهرة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ويحسبو َ‬
‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ََ ْ َ ُ َ‬
‫يٍء { أي ‪ :‬حلفهم ذلك لربهم ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬ ‫ش ْ‬‫عََلى َ‬
‫ن { فأكد الخبر عنهم‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫كاذُِبو َ‬ ‫م هُ ُ‬‫ثم قال منكًرا عليهم حسبانهم )‪ } (5‬أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫بالكذب‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن نفيل ‪ ،‬حدثنا زهير ‪ ،‬عن )‪(6‬‬
‫جَبير ؛ أن ابن عباس حدثه ‪ :‬أن النبي‬ ‫ماك بن حرب ‪ ،‬حدثني سعيد بن ُ‬ ‫س َ‬
‫جره ‪ ،‬وعنده نفر من‬ ‫ح َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم كان في ظل حجرة من ُ‬
‫ص عنهم الظل ‪ ،‬قال ‪" :‬إنه سيأتيكم إنسان ينظر‬ ‫المسلمين قد كان َيقل ُ‬
‫بعيني شيطان ‪ ،‬فإذا أتاكم فل تكلموه"‪ .‬فجاء رجل أزرق ‪ ،‬فدعاه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فكلمه ‪ ،‬فقال ؛ "علم تشتمني أنت وفلن وفلن ؟" ‪-‬‬
‫نفر دعاهم بأسمائهم ‪ -‬قال ‪ :‬فانطلق الرجل فدعاهم ‪ ،‬فحلفوا له واعتذروا‬
‫ن‬
‫سُبو َ‬
‫ح َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫فو َ‬
‫حل ِ ُ‬ ‫ه كَ َ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫إليه ‪ ،‬قال فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬فَي َ ْ‬
‫ن{‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫َ‬
‫كاذُِبو َ‬ ‫م هُ ُ‬‫يٍء أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫ش ْ‬ ‫أن ّهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬عياًذا بالله من ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬بأس الله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬الله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬حسابهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬حدثنا"‪.‬‬

‫) ‪(8/52‬‬

‫ن أ ََنا‬ ‫َ‬
‫ه َلغْل ِب َ ّ‬
‫ب الل ّ ُ‬
‫ن )‪ (20‬ك َت َ َ‬ ‫َ‬ ‫ه ُأول َئ ِ َ‬
‫ك ِفي اْلذ َّلي َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫حاّدو َ‬‫ن يُ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫زيٌز )‪(21‬‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫وَُر ُ‬

‫وهكذا رواه المام أحمد من طريقين ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬به )‪ (1‬ورواه ابن جرير ‪،‬‬
‫در ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬به نحوه )‪(2‬‬ ‫عن محمد بن المثني ‪ ،‬عن غُن ْ َ‬
‫ضا من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬بنحوه‪ .‬إسناد جيد ولم‬ ‫وأخرجه أي ً‬
‫يخرجوه‪.‬‬
‫م ت َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫مل ْ‬ ‫َ‬ ‫وحال هؤلء كما أخبر الله تعالى عن المشركين حيث يقول ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫َ‬
‫ف ك َذ َُبوا عََلى أن ْ ُ‬‫ن ان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ما ك ُّنا ُ‬ ‫ن َقاُلوا َوالل ّهِ َرب َّنا َ‬ ‫م ِإل أ ْ‬ ‫فِت ْن َت ُهُ ْ‬
‫ن { ]النعام ‪[24 ، 23 :‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬‫ض ّ‬ ‫وَ َ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ذِكَر اللهِ { أي ‪ :‬استحوذ على‬ ‫ساهُ ْ‬‫ن فَأن ْ َ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫حوَذ َ عَلي ْهِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ثم قال ‪ } :‬ا ْ‬
‫قلوبهم الشيطان حتى أنساهم أن يذكروا الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وكذلك يصنع بمن‬
‫استحوذ عليه ؛ ولهذا قال أبو داود ‪:‬‬
‫مْعدان‬ ‫حَبيش ‪ ،‬عن َ‬ ‫حدثنا أحمد ابن يونس ‪ ،‬حدثنا زائدة ‪ ،‬حدثنا السائب بن ُ‬
‫مري ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬ ‫بن أبي طلحة الي َعْ ُ‬
‫دو ‪ ،‬ل تقام فيهم الصلة إل قد‬ ‫َ ْ‬ ‫ب‬ ‫ول‬ ‫قرية‬ ‫في‬ ‫ثلثة‬ ‫من‬ ‫"ما‬ ‫عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫استحوذ عليهم الشيطان ‪ ،‬فعليك بالجماعة ‪ ،‬فإنما يأكل الذئب القاصية"‪ .‬قال‬
‫زائدة ‪ :‬قال السائب ‪ :‬يعني الصلة في الجماعة )‪.(3‬‬
‫ن { يعني ‪ :‬الذين استحوذ عليهم‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫ب ال ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫م‬ ‫شي ْ َ‬‫ب ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن هُ ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫حْز َ‬
‫ن ِ‬ ‫الشيطان فأنساهم ذكر الله‪ .‬ثم قال تعالى ‪ } :‬أل إ ِ ّ‬
‫ن{‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن أ ََنا‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ه لغْل ِب َ ّ‬ ‫ن )‪ (20‬ك َت َ َ‬ ‫ه ُأول َئ ِ َ‬
‫ك ِفي الذ َّلي َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫حاّدو َ‬‫ن يُ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫} إِ ّ‬
‫زيٌز )‪{ (21‬‬ ‫َ‬
‫ه قوِيّ عَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫وَُر ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(1/240‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(28/17‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪.(547‬‬

‫) ‪(8/53‬‬

‫ه وَل َوْ َ‬
‫كاُنوا‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫َل ت َ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ما َ‬ ‫ماِْ‬
‫لي َ‬ ‫ب ِفي قُُلوب ِهِ ُ‬ ‫م أول َئ ِ َ‬
‫ك ك َت َ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬‫خ َ‬ ‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫آَباَءهُ ْ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ض َ‬‫ن ِفيَها َر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها اْل َن َْهاُر َ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ُهُ ْ‬ ‫ه وَي ُد ْ ِ‬‫من ْ ُ‬‫م ب ُِروٍح ِ‬ ‫وَأي ّد َهُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ب اللهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب اللهِ أل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫َ‬
‫ه أولئ ِك ِ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬

‫ه وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫} ل تَ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ِفي قُلوب ِهِ ُ‬
‫م‬ ‫ك ك َت َ َ‬ ‫م أولئ ِ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫كاُنوا آَباَءهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفيَها‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬‫خلهُ ْ‬ ‫ه وَي ُد ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫م ب ُِروٍح ِ‬ ‫ن وَأي ّد َهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫الي َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه أولئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ب اللهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب اللهِ أل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬‫ك ِ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫َر ِ‬
‫)‪{ (22‬‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن الكفار المعاندين المحادين )‪ (1‬لله ورسوله ‪ ،‬يعني ‪:‬‬
‫حد ّ ‪ ،‬أي ‪ :‬مجانبون للحق مشاقون له ‪ ،‬هم في‬ ‫حد ّ والشرع في َ‬ ‫الذين هم في َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬في الشقياء المبعدين‬ ‫ناحية والهدى في ناحية ‪ } ،‬أولئ ِك ِفي الذ َلي َ‬
‫المطرودين عن الصواب ‪ ،‬الذلين في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫دره‬ ‫َ‬ ‫} ك َتب الل ّه لغْل ِب َ‬
‫سِلي { أي ‪ :‬قد حكم وكتب في كتابه الول وق َ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫الذي ل ُيخاَلف ول ُيمانع ‪ ،‬ول يبدل ‪ ،‬بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده‬
‫المؤمنين في الدنيا والخرة ‪ ،‬وأن العاقبة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬المحاربين"‪.‬‬

‫) ‪(8/53‬‬

‫حَياةِ الد ّن َْيا‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫للمتقين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫سوُء‬ ‫م ُ‬ ‫ة وَل َهُ ْ‬ ‫م الل ّعْن َ ُ‬ ‫م وَل َهُ ُ‬ ‫معْذَِرت ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫فعُ ال ّ‬ ‫م ل ي َن ْ َ‬ ‫شَهاد ُ ي َوْ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬‫وَي َوْ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫ه لغْل ِب َ ّ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫دارِ { ]غافر ‪ [52 ، 51 :‬وقال ها هنا } كت َ َ‬ ‫ال ّ‬
‫زيٌز { أي ‪ :‬كتب القوي العزيز أنه الغالب لعدائه‪ .‬وهذا قدر محكم‬ ‫قَوِيّ عَ ِ‬
‫وأمر مبرم ‪ ،‬أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫هّ‬
‫حاد ّ الل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬ل ت َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وَل َوْ َ‬
‫م { أي ‪ :‬ل يوادون‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫كاُنوا آَباَءهُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬
‫َّ ِ ِ ُ ِ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫القربين‬ ‫من‬ ‫كانوا‬ ‫ولو‬ ‫المحادين‬
‫ن الل ّهِ ِفي‬ ‫كافري َ‬
‫يٍء‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ك فَل َي ْ َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أوْل َِياَء ِ‬ ‫ال ْ َ ِ ِ َ‬
‫َ‬
‫ه { ]آل عمران ‪ [28 :‬الية ‪ ،‬وقال‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حذ ُّرك ُ ُ‬ ‫قاة ً وَي ُ َ‬ ‫م تُ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫قوا ِ‬ ‫ن ت َت ّ ُ‬
‫ِإل أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫شيَرت ُك ُ ْ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫م وَأْزَوا ُ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬‫خ َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأب َْناؤُك ُ ْ‬ ‫ن آَباؤُك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب إ ِلي ْك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ضوْن ََها أ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ساك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ساد َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫ها وَت ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬‫م َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫الل ّه ورسوله وجهاد في سبيله فَتربصوا حتى يأ ْتي الل ّ َ‬
‫دي‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫مرِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ ّ َ ِ َ‬ ‫َ ِ ِ ِ ََ ّ ُ‬ ‫ِ ََ ُ ِ ِ َ ِ َ ٍ ِ‬
‫ن { ]التوبة ‪[24 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫فا ِ‬‫م ال ْ َ‬‫قو ْ َ‬‫ال ْ َ‬
‫ن‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره ‪ :‬أنزلت هذه الية } ل ت َ ِ‬
‫خرِ { إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح ‪،‬‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫حين قتل أباه يوم بدر ؛ ولهذا قال عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬حين‬
‫جعل المر شورى بعده في أولئك الستة ‪ ،‬رضي الله عنهم ‪" :‬ولو كان أبو‬
‫عبيدة حّيا لستخلفته"‪.‬‬
‫م { نزلت في أبي عبيده قتل أباه يوم بدر‬ ‫وقيل في قوله ‪ } :‬وَل َوْ َ‬
‫كاُنوا آَباَءهُ ْ‬
‫م يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن ‪ } ،‬أ َْو‬ ‫م { في )‪ (1‬الصديق ‪ ،‬هَ ّ‬
‫َ َ‬
‫} أوْ أب َْناَءهُ ْ‬
‫م { في مصعب بن عمير ‪ ،‬قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ } أ َْو‬ ‫وان َهُ ْ‬
‫خ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ضا ‪ ،‬وفي حمزة وعلي وعبيدة‬ ‫م { في عمر ‪ ،‬قتل قريبا له يومئذ أي ً‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫عَ ِ‬
‫بن الحارث ‪ ،‬قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ومن هذا القبيل حين استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫المسلمين في أسارى بدر ‪ ،‬فأشار الصديق بأن يفادوا ‪ ،‬فيكون ما يؤخذ منهم‬
‫قوة للمسلمين ‪ ،‬وهم بنو العم والعشيرة ‪ ،‬ولعل الله أن يهديهم‪ .‬وقال عمر ‪:‬‬
‫ل أرى ما رأى يا رسول الله ‪ ،‬هل )‪ (2‬تمكني من فلن ‪ -‬قريب لعمر ‪ -‬فأقتله‬
‫‪ ،‬وتمكن علًيا من عقيل ‪ ،‬وتمكن فلًنا من فلن ‪ ،‬ليعلم الله أنه ليست )‪(3‬‬
‫في قلوبنا هوادة للمشركين‪ ...‬القصة بكاملها‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقوله ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫ه { أي ‪ :‬من اتصف‬ ‫من ْ ُ‬
‫م ب ُِروٍح ِ‬‫ن وَأي ّد َهُ ْ‬
‫ما َ‬
‫م الي َ‬ ‫ب ِفي قُُلوب ِهِ ُ‬ ‫ك ك َت َ َ‬
‫بأنه ل يواد من حاد الله ورسوله ولو كان أباه أو أخاه ‪ ،‬فهذا ممن كتب الله‬
‫في قلبه اليمان ‪ ،‬أي ‪ :‬كتب له السعادة وقررها في قلبه وزين اليمان في‬
‫بصيرته‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬وفي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬بل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬ليس"‪.‬‬

‫) ‪(8/54‬‬

‫ن { جعل في قلوبهم اليمان‪.‬‬ ‫ما َ‬ ‫م الي َ‬ ‫ب ِفي قُُلوب ِهِ ُ‬ ‫وقال السدي ‪ } :‬ك َت َ َ‬
‫ه { أي ‪ :‬قواهم‪.‬‬ ‫َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫م ب ُِروٍح ِ‬ ‫وقال ابن عباس ‪ } :‬وَأي ّد َهُ ْ‬
‫ي الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض َ‬
‫ن ِفيَها َر ِ‬‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ُهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي ُد ْ ِ‬
‫ه { كل هذا تقدم تفسيره غير مرة‪.‬‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬
‫عَن ْهُ ْ‬
‫ه { سر بديع ‪ ،‬وهو أنه لما سخطوا‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫وفي قوله ‪َ } :‬ر ِ‬
‫على القرائب والعشائر في الله عوضهم الله بالرضا عنهم ‪ ،‬وأرضاهم عنه‬
‫بما أعطاهم من النعيم المقيم ‪ ،‬والفوز العظيم ‪ ،‬والفضل العميم‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقوله ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬هؤلء‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬‫ب الل ّهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬
‫ب الله ‪ ،‬أي ‪ :‬عباد الله )‪ (1‬وأهل كرامته‪.‬‬ ‫حز ُ‬
‫ن { تنويه بفلحهم وسعادتهم‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫ب اللهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أل إ ِ ّ‬
‫ونصرهم )‪ (2‬في الدنيا والخرة ‪ ،‬في مقابلة ما أخبر عن أولئك بأنهم حزب‬
‫ن{‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬
‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن هُ ُ‬‫طا ِ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫الشيطان‪ .‬ثم قال ‪ } :‬أل إ ِ ّ‬
‫وقد قال بن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا هارون بن حميد الواسطي ‪ ،‬حدثنا الفضل بن‬
‫عَن َْبسة ‪ ،‬عن رجل قد سماه ‪ -‬يقال )‪ (3‬هو عبد الحميد بن سليمان ‪ ،‬انقطع‬
‫من كتابي ‪ -‬عن الذ َّيال بن عباد قال ‪ :‬كتب أبو حازم العرج إلى الزهري ‪:‬‬
‫أعلم أن الجاه جاهان ‪ ،‬جاه يجريه الله على أيدي أوليائه لوليائه ‪ ،‬وأنهم‬
‫الخامل ذكرهم ‪ ،‬الخفية شخوصهم ‪ ،‬ولقد جاءت صفتهم على لسان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" .‬إن الله يحب الخفياء التقياء البرياء ‪ ،‬الذين إذا‬
‫عوا ‪ ،‬قلوبهم مصابيح الهدى ‪ ،‬يخرجون‬ ‫قدوا ‪ ،‬وإذا حضروا لم ي ُد ْ َ‬ ‫غابوا لم ُيفت َ َ‬
‫من كل فتنة سوداء مظلمة" )‪ (4‬فهؤلء أولياء الله تعالى الذين قال الله ‪:‬‬
‫َ‬ ‫} ُأول َئ ِ َ‬
‫ن{‬‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ب الل ّهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬‫ن ِ‬‫ب الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬
‫ماد ‪ :‬حدثنا محمد بن ثور ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن الحسن قال ‪:‬‬ ‫ح ّ‬‫وقال ن َُعيم بن َ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ل تجعل لفاجر ول لفاسق‬
‫ن‬‫مُنو َ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬
‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫دا ول نعمة ‪ ،‬فإني وجدت فيما أوحيته إلي ‪ } :‬ل ت َ ِ‬ ‫عندي ي ً‬
‫ه { قال سفيان ‪ :‬يرون أنها‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫حاد ّ الل َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫نزلت فيمن يخالط السلطان‪ .‬ورواه أبو أحمد العسكري‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ : :‬عباده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬ونصرتهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬الحديث أخرجه ابن ماجة في السنن برقم )‪ (3989‬من طريق ابن لهيعة‬
‫‪ ،‬عن عيسى بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عمر‬
‫عا ‪ ،‬وفيه ابن لهيعة وقد توبع ‪ ،‬تابعه عياش بن عباس ‪ ،‬عن عيسى بن‬ ‫مرفو ً‬
‫عبد الرحمن به ‪ ،‬رواه الحاكم في المستدرك )‪ (4/328‬وقال ‪" :‬هذا حديث‬
‫صحيح السناد ولم يخرجاه"‪.‬‬

‫) ‪(8/55‬‬

‫م )‪ (1‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫َْ‬


‫ذي‬
‫َ‬
‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ض وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫َ‬
‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ح ل ِل ّهِ َ‬ ‫سب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مأ ْ‬ ‫َ‬
‫ما ظن َن ْت ُ ْ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫َ‬
‫م ِل َوّ ِ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ْ‬
‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ج ال ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫أَ ْ‬
‫َ‬
‫ث لَ ْ‬
‫م‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن الل ّهِ فَأَتاهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫م ِ‬ ‫صون ُهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ح‬‫م ُ‬ ‫مان ِعَت ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جوا وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫خُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬‫مؤْ ِ‬ ‫دي ال ُ‬ ‫م وَأي ْ ِ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫م ب ِأي ْ ِ‬ ‫ن ب ُُيوت َهُ ْ‬
‫خرُِبو َ‬ ‫ب يُ ْ‬ ‫م الّرعْ َ‬ ‫ف ِفي قلوب ِهِ ُ‬ ‫سُبوا وَقذ َ َ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م ِفي‬ ‫جلَء لعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫م ال َ‬ ‫ه عَلي ْهِ ُ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫ن كت َ َ‬ ‫صارِ )‪ (2‬وَلوْل أ ْ‬ ‫َفاعْت َب ُِروا َيا أوِلي الب ْ َ‬
‫ب الّنارِ )‪(3‬‬ ‫ذا ُ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫م ِفي اْل َ ِ‬ ‫الد ّن َْيا وَل َهُ ْ‬

‫تفسير سورة الحشر‬


‫]وكان ابن عباس يقول ‪ :‬سورة بني النضير[ )‪ .(1‬وهي مدنية‪.‬‬
‫شيم ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير‬ ‫قال سعيد بن منصور ‪ :‬حدثنا هُ َ‬
‫قال ‪ :‬قلت لبن عباس ‪ :‬سورة الحشر ؟ قال ‪ :‬أنزلت في بني النضير‪ .‬ورواه‬
‫شْيم ‪ ،‬به )‪ .(2‬ورواه البخاري من‬ ‫البخاري ومسلم من وجه آخر ‪ ،‬عن هُ َ‬
‫عوانة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬قلت لبن‬ ‫حديث أبي َ‬
‫عباس ‪ :‬سورة الحشر ؟ قال ‪ُ :‬قل ‪ :‬سورة الّنضير )‪(3‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ذي‬‫م )‪ (1‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ض وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ح ل ِل ّهِ َ‬‫سب ّ َ‬ ‫} َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫ما ظ َن َن ْت ُ ْ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م ل َوّ ِ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ج ال ّ ِ‬ ‫خَر َ‬
‫َ‬
‫ث لَ ْ‬
‫م‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن الل ّهِ فَأَتاهُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫صون ُهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مان ِعَت ُهُ ْ‬ ‫م َ‬‫جوا وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫خُر ُ‬‫يَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫مِني َ‬‫مؤْ ِ‬ ‫دي ال ُ‬ ‫م وَأي ْ ِ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫م ب ِأي ْ ِ‬‫ن ب ُُيوت َهُ ْ‬
‫خرُِبو َ‬ ‫ب يُ ْ‬ ‫م الّرعْ َ‬ ‫ف ِفي قُلوب ِهِ ُ‬ ‫سُبوا وَقَذ َ َ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫جلَء ل َعَذ ّب َهُ ْ‬
‫م ِفي‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ ُ‬
‫ب الل ّ ُ‬
‫ن ك َت َ َ‬
‫ول أ ْ‬‫صارِ )‪ (2‬وَل َ ْ‬ ‫َفاعْت َب ُِروا َيا أوِلي الب ْ َ‬
‫ب الّنارِ )‪{ (3‬‬ ‫خَرةِ عَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫م ِفي ال ِ‬‫الد ّن َْيا وَل َهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (4882‬وصحيح مسلم برقم )‪.(331‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4883‬‬

‫) ‪(8/56‬‬

‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ذ َل َ َ‬
‫ما‬
‫ب )‪َ (4‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ش ِ‬‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ه فَإ ِ ّ‬‫شاقّ الل ّ َ‬
‫ن يُ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫شاّقوا الل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫قي َ‬‫س ِ‬
‫فا ِ‬
‫خزِيَ ال َ‬ ‫ن اللهِ وَل ِي ُ ْ‬ ‫صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِ‬‫ة عَلى أ ُ‬ ‫م ً‬‫ها َقائ ِ َ‬ ‫مو َ‬‫ن ِلين َةٍ أوْ ت ََركت ُ ُ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قَطعْت ُ ْ‬
‫)‪(5‬‬

‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫} ذ َل َ َ‬
‫ب )‪(4‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه فَإ ِ ّ‬ ‫شاقّ الل ّ َ‬ ‫ن يُ َ‬‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫شاّقوا الل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫خزِ َ‬ ‫ن اللهِ وَل ِي ُ ْ‬ ‫صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫ة عَلى أ ُ‬ ‫ها َقائ ِ َ‬
‫م ً‬ ‫مو َ‬ ‫ن ِلين َةٍ أوْ ت ََرك ْت ُ ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫ما قَطعْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (5‬‬ ‫َ‬ ‫قي‬‫ِ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫يخبر تعالى أن جميع ما في السموات وما في الرض من شيء يسبح له‬
‫ت‬‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬‫ه ال ّ‬ ‫ح لَ ُ‬ ‫سب ّ ُ‬‫ويمجده ويقدسه ‪ ،‬ويصلي له ويوحده )‪ (1‬كقوله ‪ } :‬ت ُ َ‬
‫ن‬
‫قُهو َ‬‫ف َ‬‫ن ل تَ ْ‬ ‫َ‬
‫مدِهِ [وَلك ِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬
‫سب ّ ُ‬ ‫يٍء ِإل ي ُ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ن ِفيهِ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ض وَ َ‬‫سب ْعُ َوالْر ُ‬ ‫ال ّ‬
‫زيُز { أي ‪ :‬منيع الجناب‬ ‫ْ‬
‫م [ { )‪] (2‬السراء ‪ .[44 :‬وقوله ‪ } :‬وَهُوَ العَ ِ‬ ‫حهُ ْ‬ ‫سِبي َ‬ ‫تَ ْ‬
‫م { في قدره وشرعه‪.‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫} ال َ‬
‫ب { يعني ‪ :‬يهود بني‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ج ال ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬هُوَ ال ِ‬
‫النضير‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هادنهم وأعطاهم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬وحده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬

‫) ‪(8/56‬‬

‫دا وذمة ‪ ،‬على أل يقاتلهم ول يقاتلوه ‪ ،‬فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه‬ ‫عه ً‬
‫مَرد ّ )‪ (1‬له ‪ ،‬وأنزل عليهم قضاءه الذي ل‬ ‫‪ ،‬فأحل الله بهم بأسه الذي ل َ‬
‫صد ّ ‪ ،‬فأجلهم النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأخرجهم من حصونهم الحصينة‬ ‫يُ َ‬
‫التي ما طمع فيها المسلمون ‪ ،‬وظنوا هم أنها مانعتهم من بأس الله ‪ ،‬فما‬
‫أغنى عنهم من الله شيًئا ‪ ،‬وجاءهم ما لم يكن ببالهم ‪ ،‬وسّيرهم رسول الله‬
‫وأجلهم من المدينة ‪ ،‬فكان منهم طائفة ذهبوا إلى أذرعات من أعالي‬
‫الشام ‪ ،‬وهي أرض المحشر والمنشر ‪ ،‬ومنهم طائفة ذهبوا إلى خيبر‪ .‬وكان‬
‫قد أنزلهم منها على أن لهم ما حملت إبلهم ‪ ،‬فكانوا يخربون ما في بيوتهم‬
‫م‬
‫ن ب ُُيوت َهُ ْ‬
‫خرُِبو َ‬
‫من المنقولت التي يمكن أن تحمل معهم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ي ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صارِ { أي ‪ :‬تفكروا في عاقبة‬ ‫ن َفاعْت َب ُِروا َيا أوِلي الب ْ َ‬
‫مِني َ‬ ‫دي ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م وَأي ْ ِ‬
‫ديهِ ْ‬
‫ب ِأي ْ ِ‬
‫من خالف أمر الله وخالف رسوله ‪ ،‬وكذب كتابه ‪ ،‬كيف يحل به من بأسه‬
‫المخزي له في الدنيا ‪ ،‬مع ما يدخره له في الخرة من العذاب الليم‪.‬‬
‫مر‬
‫معْ َ‬
‫قال أبو داود ‪ :‬حدثنا محمد بن داود وسفيان ‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َ‬
‫‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ‪ ،‬عن رجل من أصحاب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أبي ‪ ،‬ومن كان‬
‫معه يعبد ]معه[ )‪ (2‬الوثان من الوس والخزرج ‪ ،‬ورسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر ‪ :‬إنكم آويتم صاحبنا ‪ ،‬وإنا نقسم‬
‫قاتلتكم‬‫م َ‬
‫بالله لنقاتلنه ‪ ،‬أو لتخرجنه ‪ ،‬أو لنسيرن إليكم بأجمعنا ‪ ،‬حتى نقتل ُ‬
‫ونستبيح نساءكم ‪ ،‬فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة‬
‫الوثان ‪ ،‬اجتمعوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فلما بلغ ذلك النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لقيهم ‪ ،‬فقال ‪" :‬لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ‪ ،‬ما‬
‫كانت تكيدكم بأكثر مما تريد أن تكيدوا به أنفسكم ‪ ،‬تريدون أن تقاتلوا‬
‫أبناءكم وإخوانكم ؟" ‪ ،‬فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫تفرقوا ‪ ،‬فبلغ ذلك كفار قريش ‪ ،‬فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود‬
‫‪ :‬إنكم أهل الحلقة والحصون ‪ ،‬وإنكم لتقاتلن مع صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا ‪،‬‬
‫ول يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء ‪ -‬وهي الخلخيل ‪ -‬فلما بلغ كتابهم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت بنو النضير بالغدر ‪ ،‬فأرسلوا إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬اخرج إلينا في ثلثين رجل من أصحابك ليخرج منا‬
‫ثلثون حبًرا ‪ ،‬حتى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك ‪ ،‬فإن صدقوك وآمنوا‬
‫بك آمنا بك ‪ ،‬فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫]بالكتائب[ )‪ (3‬فحصرهم ‪ ،‬قال لهم ‪" :‬إنكم والله ل تأمنوا عندي إل بعهد‬
‫دا ‪ ،‬فقاتلهم يومهم ذلك ‪ ،‬ثم غدا الَغد‬ ‫تعاهدوني عليه"‪ .‬فأبوا أن يعطوه عه ً‬
‫على بني قريظة بالكتائب ‪ ،‬وترك بني النضير ‪ ،‬ودعاهم إلى أن يعاهدوه ‪،‬‬
‫فعاهدوه ‪ ،‬فانصرف عنهم‪ .‬وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم ‪ ،‬حتى‬
‫نزلوا على الجلء‪ .‬فجلت بنو النضير ‪ ،‬واحتملوا ما أقلت البل من أمتعتهم‬
‫وأبواب بيوتهم وخشبها ‪ ،‬وكان نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه‬
‫ه عََلى‬ ‫َ‬
‫ما أَفاَء الل ّ ُ‬
‫وسلم خاصة ‪ ،‬أعطاه الله أياها وخصه بها ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ب { يقول ‪ :‬بغير قتال ‪،‬‬ ‫ل َول رِ َ‬
‫كا ٍ‬ ‫خي ْ ٍ‬
‫ن َ‬ ‫م عَل َي ْهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫ج ْ‬ ‫م فَ َ‬
‫ما أوْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫سول ِهِ ِ‬
‫َر ُ‬
‫فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها للمهاجرين ‪ ،‬قسمها بينهم ‪،‬‬
‫وقسم منها لرجلين من النصار وكانا ذوي حاجة ‪ ،‬ولم يقسم من النصار‬
‫غيرهما ‪ ،‬وبقي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ل يرد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من سنن أبي داود‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من سنن أبي داود‪.‬‬

‫) ‪(8/57‬‬

‫منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة )‪.(1‬‬
‫ولنذكر ملخص غزوة بني النضير على وجه الختصار ‪ ،‬وبالله المستعان‪.‬‬
‫سير ‪ :‬أنه لما قُِتل أصحا ُ‬
‫ب‬ ‫وكان سبب ذلك فيما ذكره أصحاب المغازي وال َ‬
‫بئر معونة ‪ ،‬من أصحاب رسول الله )‪ (2‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكانوا‬
‫سبعين ‪ ،‬وأفلت منهم عمرو بن أمية الضمري ‪ ،‬فلما كان في أثناء الطريق‬
‫راجًعا إلى المدينة قتل رجلين من بني عامر ‪ ،‬وكان معهما عهد من رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وأمان لم يعلم به عمرو ‪ ،‬فلما رجع أخبر رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لقد‬
‫قتلت رجلين ‪ ،‬لديّنهما" وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد ‪ ،‬فخرج‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك‬
‫الرجلين ‪ ،‬وكان منازل بني النضير ظاهر المدينة على أميال منها شرقيها‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق بن يسار في كتابه السيرة ‪ :‬ثم خرج رسول الله إلى‬
‫بني النضير ‪ ،‬يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر ‪ ،‬اللذين قتل )‪(3‬‬
‫عمرو بن أمية الضمري ؛ للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عقد لهما ‪ ،‬فيما حدثني يزيد بن ُرومان ‪ ،‬وكان بين بني النضير وبني عامر‬
‫عقد وحلف‪ .‬فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية‬ ‫َ‬
‫ذينك القتيلين قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬يا أبا القاسم ‪ ،‬نعينك على ما أحببت ‪ ،‬مما‬
‫استعنت بنا عليه‪ .‬ثم خل بعضهم ببعض فقالوا ‪ :‬إنكم لن )‪ (4‬تجدوا الرجل‬
‫على مثل حاله هذه ‪ -‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من‬
‫من )‪ (5‬رجل يعلو على هذا البيت ‪ ،‬فيلقي عليه صخرة ‪ ،‬فيريحنا‬ ‫بيوتهم ‪ -‬فَ َ‬
‫دهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا لذلك ‪،‬‬
‫منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أح ُ‬
‫فصعَد َ ليلقي عليه صخرة كما قال ‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫نفر من أصحابه ‪ ،‬فيهم أبو بكر وعمر وعلي ‪ ،‬رضي الله عنهم‪ .‬فأتى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم ‪ ،‬فقام وخرج‬
‫راجًعا إلى المدينة ‪ ،‬فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قاموا‬
‫في طلبه فلقوا رجل مقبل من المدينة ‪ ،‬فسألوه عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬رأيته داخل‬
‫المدينة‪ .‬فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه ‪،‬‬
‫ل الله صلى‬ ‫فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به ‪ ،‬وأمر رسو ُ‬
‫الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم‪ .‬ثم سار حتى نزل بهم‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم بقطع‬ ‫فتحصنوا منه في الحصون ‪ ،‬فأمر رسو ُ‬
‫النخل والّتحريق فيها‪ .‬فنادوه ‪ :‬أن يا محمد ‪ ،‬قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه‬
‫على من صنعه ‪ ،‬فما بال قطع النخل وتحريقها ؟‬
‫وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج ‪ ،‬منهم عبد الله ابن أبي ]بن[ )‪(6‬‬
‫ويد وداعس ‪ ،‬قد بعثوا إلى‬ ‫س َ‬
‫سلول ‪ ،‬ووديعة ‪ ،‬ومالك بن أبي قوقل )‪ (7‬و ُ‬
‫مّنعوا فإنا لن نسلمكم ‪ ،‬إن قوتلتم قاتلنا معكم ‪ ،‬وإن‬ ‫بني النضير ‪ :‬أن اثبتوا وت َ َ‬
‫خَرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم ‪ ،‬فلم يفعلوا ‪ ،‬وقذف الله في‬ ‫أخرجتم َ‬
‫قلوبهم الرعب ‪ ،‬فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف‬
‫عن دمائهم ‪ ،‬على أن لهم ما حملت البل من أموالهم إل الحلقة ‪ ،‬ففعل ‪،‬‬
‫فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به البل ‪ ،‬فكان الرجل منهم يهدم بيته عن‬
‫نجاف بابه ‪ ،‬فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به‪ .‬فخرجوا إلى خيبر ‪ ،‬ومنهم‬
‫خّلوا الموال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫من سار إلى الشام ‪ ،‬وَ َ‬
‫فكانت لرسول الله خاصة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود برقم )‪.(3004‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬أصحاب النبي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬قتلهما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬لم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فمر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬نوفل"‪.‬‬

‫) ‪(8/58‬‬
‫يضعها حيث شاء ‪ ،‬فقسمها على المهاجرين الولين دون النصار‪ .‬إل أن سهل‬
‫قًرا ‪ ،‬فأعطاهما رسول الله‬ ‫شة ذكرا فَ ْ‬ ‫خر َ‬ ‫حَنيف وأبا ُدجانة سماك بن َ‬ ‫بن ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫مير )‪ (1‬بن كعب بن‬ ‫قال ‪ :‬ولم يسلم من بني النضير إل رجلن ‪ :‬يامين بن عُ َ‬
‫عمرو بن جحاش ‪ ،‬وأبو سعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ابن إسحاق ‪ :‬قد حدثني بعض آل يامين ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫ت من ابن عمك ‪ ،‬وما هم به من شأني"‪.‬‬ ‫وسلم قال ليامين ‪" :‬ألم تر ما لقي ُ‬
‫جِعل علي أن يقتل عمرو بن جحاش ‪ ،‬فقتله‬ ‫مير )‪ (2‬لرجل ُ‬ ‫فجعل يامين بن عُ َ‬
‫فيما يزعمون‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها )‪.(3‬‬
‫وهكذا روي يونس بن ب ُك َْير ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬بنحو ما تقدم )‪.(4‬‬
‫فروا م َ‬ ‫ذي أ َ ْ‬
‫ب { يعني ‪ :‬بني النضير‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ج ال ّ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫فقوله ‪ } :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫شرِ {‪.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م لوّ ِ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫} ِ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي‬
‫سعد ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬من شك في أن أرض المحشر‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ج ال ّ ِ‬
‫خَر َ‬ ‫ذي أ َ ْ‬ ‫هاهنا ‪ -‬يعني الشام فَل ْي َْتل )‪ (5‬هذه الية ‪ } :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫شرِ { قال لهم رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م لوّ ِ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫أهْ ِ‬
‫وسلم ‪" :‬اخرجوا"‪ .‬قالوا ‪ :‬إلى أين ؟ قال ‪" :‬إلى أرض المحشر"‪.‬‬
‫وحدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن الحسن قال ‪ :‬لما‬
‫أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ‪ ،‬قال ‪" :‬هذا أول‬
‫الحشر ‪ ،‬وأنا على الثر"‪.‬‬
‫دار ‪ ،‬عن ابن أبي عدي ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬به‬ ‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن ب ُن ْ َ‬
‫)‪.(6‬‬
‫صرها ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جوا { أي ‪ :‬في مدة حصاركم لهم وق َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ما ظن َن ْت ُ ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وكانت ستة أيام ‪ ،‬مع شدة حصونهم ومنعتها ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَظّنوا أن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫سُبوا { أي ‪ :‬جاءهم‬ ‫حت َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬‫ث لَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ن الل ّهِ فَأَتاهُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫صون ُهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مان ِعَت ُهُ ْ‬ ‫َ‬
‫مكَرَ‬ ‫َ‬
‫من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ } :‬قد ْ َ‬
‫َ‬
‫ن فَوْقِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬‫ق ُ‬ ‫س ْ‬‫م ال ّ‬ ‫خّر عَل َي ْهِ ُ‬ ‫عد ِ ف َ َ‬‫وا ِ‬‫ق َ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ب ُن َْيان َهُ ْ‬ ‫م فَأَتى الل ّ ُ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن { ]النحل ‪.[26 :‬‬ ‫ث ل يَ ْ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫وَأَتاهُ ُ‬
‫جَزع ‪ ،‬وكيف ل‬ ‫ب { أي ‪ :‬الخوف والهََلع وال َ‬ ‫م الّرعْ َ‬ ‫ف ِفي قُُلوب ِهِ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَقَذ َ َ‬
‫يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي ُنصر بالرعب مسيرةَ شهر ‪ ،‬صلوات الله‬
‫وسلمه عليه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬ابن عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬بن عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪ (192 - 2/190‬وتفسير الطبري )‬
‫‪.(28/21‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬مما تقدم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فليقرأ"‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪ (28/20‬ورواه ابن سعد في الطبقات )‪ (2/42‬عن هوذة‬
‫ابن خليفة ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن الحسن به وهو مرسل‪.‬‬

‫) ‪(8/59‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { قد تقدم تفسير ابن‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫دي ال ْ ُ‬ ‫م وَأي ْ ِ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫م ب ِأي ْ ِ‬
‫ن ب ُُيوت َهُ ْ‬‫خرُِبو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي ُ ْ‬
‫إسحاق لذلك ‪ ،‬وهو نقض )‪ (1‬ما استحسنوه من سقوفهم وأبوابهم ‪ ،‬وَتحملها‬
‫على البل ‪ ،‬وكذا قال عروة بن الزبير ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪،‬‬
‫وغير واحد‪.‬‬
‫وقال مقاتل ابن حيان ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتلهم ‪ ،‬فإذا‬
‫ظهر على د َْرب أو دار ‪ ،‬هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال‪ .‬وكان )‪ (2‬اليهود‬
‫إذا علوا مكاًنا أو غلبوا على درب أو دار ‪ ،‬نقبوا من أدبارها ثم حصنوها‬
‫ُ‬
‫صارِ {‪.‬‬ ‫ودربوها ‪ ،‬يقول الله تعالى ‪َ } :‬فاعْت َب ُِروا َيا أوِلي الب ْ َ‬
‫َ‬
‫م ِفي الد ّن َْيا { أي ‪ :‬لول أن‬ ‫جلَء ل َعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ن ك َت َ َ‬
‫ول أ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫كتب الله عليهم هذا الجلء ‪ ،‬وهو النفي من ديارهم وأموالهم ‪ ،‬لكان لهم عند‬
‫الله عذاب آخر من القتل والسبي ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬قاله الزهري ‪ ،‬عن عُْرَوة ‪،‬‬
‫دي وابن زيد ؛ لن الله قد كتب عليهم أنه سيعذبهم في الدار الدنيا مع‬ ‫س ّ‬
‫وال ّ‬
‫ما أعد لهم في الخرة من العذاب في نار جهنم‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن صالح ‪ -‬كاتب الليث ‪-‬‬
‫حدثني الليث ‪ ،‬عن عقيل ‪ ،‬عن ابن شهاب قال ‪ :‬أخبرني عروة بن الزبير قال‬
‫‪ :‬ثم كانت وقعة بني النضير ‪ ،‬وهم طائفة من اليهود ‪ ،‬على رأس ستة أشهر‬
‫من وقعة بدر‪ .‬وكان منزلهم بناحية من المدينة ‪ ،‬فحاصرهم رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم حتى نزلوا من الجلء ‪ ،‬وأن لهم ما أقَّلت البل من الموال‬
‫والمتعة إل الحلقة ‪ ،‬وهي السلح ‪ ،‬فأجلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كتب عليهم في آي من التوراة ‪ ،‬وكانوا من‬ ‫قبل الشام‪ .‬قال ‪ :‬والجلء أنه ُ‬
‫سبط لم يصبهم الجلء قبل ما سلط عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫ض { إلى قوله }‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ح ل ِل ّهِ َ‬ ‫سب ّ َ‬
‫وأنزل الله فيهم ‪َ } :‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫قي َ‬‫س ِ‬‫فا ِ‬ ‫خزِيَ ال ْ َ‬‫وَل ِي ُ ْ‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬الجلء ‪ :‬القتل‪ .‬وفي رواية عنه ‪ :‬الفناء‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬الجلء ‪ :‬خروج الناس من البلد إلى البلد‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬أجلهم إلى الشام ‪ ،‬وأعطى كل ثلثة بعيًرا وسقاء ‪ ،‬فهذا‬
‫الجلء‪.‬‬
‫وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ‪ ،‬أخبرنا أحمد‬
‫بن كامل القاضي ‪ ،‬حدثنا محمد بن سعيد )‪ (3‬العوفي ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن‬
‫عمي ‪ ،‬حدثني أبي عن جدي ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان النبي )‪ (4‬صلى الله‬
‫مب َْلغ ‪ ،‬فأعطوه ما أراد منهم ‪،‬‬ ‫عليه وسلم قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل َ‬
‫فصالحهم على أن يحقن لهم دمائهم ‪ ،‬وأن يخرجهم من أرضهم ومن ديارهم‬
‫وأوطانهم ‪ ،‬وأن يسيرهم إلى أذرعات الشام ‪ ،‬وجعل لكل ثلثة منهم بعيًرا‬
‫وسقاء ‪ ،‬والجلء إخراجهم من أرضهم )‪ (5‬إلى أرض أخرى )‪(6‬‬
‫ضا من حديث يعقوب بن محمد الزهري ‪ ،‬عن إبراهيم بن جعفر بن‬ ‫وروي أي ً‬
‫محمود بن محمد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬بعض"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬وكانت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬كان رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬أرض"‪.‬‬
‫)‪ (6‬دلئل النبوة للبيهقي )‪ (3/359‬وإسناده مسلسل بالضعفاء‪.‬‬
‫) ‪(8/60‬‬

‫بن مسلمة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن محمد بن مسلمة ؛ أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني النضير ‪ ،‬وأمره أن يؤجلهم في الجلء‬
‫ثلث ليال )‪.(2) (1‬‬
‫ب الّنارِ { أي ‪ :‬حتم لزم ل بد لهم منه‪.‬‬ ‫ذا ُ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ل الله بهم ذلك‬ ‫ه { أي ‪ :‬إنما َفع َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫شاّقوا الل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫سّلط عليهم رسوله وعباده المؤمنين ؛ لنهم خالفوا الله ورسوله ‪ ،‬وكذبوا‬ ‫و َ‬
‫بما أنزل الله على رسله المتقدمين في )‪ (3‬البشارة بمحمد صلى الله عليه‬
‫شاقّ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم ‪ ،‬وهم يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم ‪ ،‬ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ب {‪.‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫ن‬ ‫ة عََلى أ ُ‬ ‫م ً‬‫ها َقائ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ِلين َةٍ أوْ ت ََرك ْت ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَط َعْت ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫وقوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫ن { اللين ‪ :‬نوع من التمر ‪ ،‬وهو جيد‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫خزِيَ ال ْ َ‬ ‫الل ّهِ وَل ِي ُ ْ‬
‫ي من التمر‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬أبو عبيدة ‪ :‬وهو ما خالف العجوة والب َْرن ِ ّ‬
‫وقال كثيرون )‪ (4‬من المفسرين ‪ :‬اللينة ‪ :‬ألوان التمر سوى العجوة‪.‬‬
‫ضا ؛‬ ‫ويرة أي ً‬ ‫قال ‪ :‬ابن جرير ‪ :‬هو جميع النخل‪ .‬ونقله عن مجاهد ‪ :‬وهو الب ُ َ‬
‫وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم )‬
‫‪ (5‬إهانة لهم ‪ ،‬وإرهاًبا وإرعاًبا لقلوبهم‪ .‬فروى محمد ابن إسحاق عن يزيد بن‬
‫رومان ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومقاتل بن حيان أنهم قالوا ‪] :‬فبعث بنو النضير[ )‪(6‬‬
‫يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إنك تنهى عن الفساد ‪ ،‬فما بالك‬
‫تأمر بقطع الشجار ؟ فأنزل الله هذه الية الكريمة ‪ ،‬أي ‪ :‬ما قطعتم وما‬
‫تركتم من الشجار ‪ ،‬فالجميع بإذن الله ومشيئته وقدرته )‪ (7‬ورضاه ‪ ،‬وفيه‬
‫نكاية بالعدو )‪ (8‬وخزي لهم ‪ ،‬وإرغام لنوفهم‪.‬‬
‫ضا عن قطع النخل ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنما هي‬ ‫وقال مجاهد ‪ :‬نهى بعض المهاجرين بع ً‬
‫مغانم المسلمين‪ .‬فنزل )‪ (9‬القرآن بتصديق من نهى عن قطعه ‪ ،‬وتحليل من‬
‫عا ‪ ،‬فقال‬ ‫قطعه من الثم ‪ ،‬وإنما قطعه وتركه بإذنه‪ .‬وقد روي نحو هذا مرفو ً‬
‫النسائي ‪ :‬أخبرنا الحسن بن محمد ‪ ،‬عن )‪ (10‬عفان ‪ ،‬حدثنا حفص بن‬
‫غياث ‪ ،‬حدثنا حبيب بن أبي عمرة ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬في‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ة عََلى أ ُ‬
‫صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫م ً‬‫ها َقائ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ِلين َةٍ أوْ ت ََرك ْت ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما قَط َعْت ُ ْ‬ ‫قوله ‪َ } :‬‬
‫ن { قال ‪ :‬يستنزلونهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل ‪،‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫خزِيَ ال ْ َ‬ ‫وَل ِي ُ ْ‬
‫ضا ‪ ،‬فلنسألن‬ ‫ضا وتركنا بع ً‬ ‫فحاك في صدورهم ‪ ،‬فقال المسلمون ‪ :‬قطعنا بع ً‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬هل لنا فيما قطعنا من أجر ؟ وهل علينا‬
‫ن ِلين َةٍ { )‪(11‬‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما قَط َعْت ُ ْ‬ ‫فيما تركنا من وزر ؟ فأنزل الله ‪َ } :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬أيام"‪.‬‬
‫)‪ (2‬دلئل النبوة )‪.(3/360‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬كثير"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬نخلهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في هـ بياض ‪ ،‬وفي م ‪" :‬بنو قريظة" وهو خطأ ‪ ،‬والمثبت من تفسير‬
‫الطبري‪ .‬ومستفادا من هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬وقدره"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬للعدو"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬فأنزل"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في م ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫)‪ (11‬سنن النسائي الكبرى برقم )‪.(11574‬‬

‫) ‪(8/61‬‬

‫كيع ‪ ،‬حدثنا حفص ‪،‬‬ ‫وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده ‪ :‬حدثنا سفيان بن وَ ِ‬
‫عن ابن جريج ‪ ،‬عن سليمان بن موسى ‪ ،‬عن جابر ‪ -‬وعن أبي الزبير ‪ ،‬عن‬
‫جابر ‪ -‬قال ‪ :‬رخص لهم في قطع النخل ‪ ،‬ثم شدد عليهم فأتوا )‪ (1‬النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬علينا إثم فيما قطعنا ؟ أو علينا‬
‫َ‬
‫ها‬
‫مو َ‬ ‫ن ِلين َةٍ أوْ ت ََرك ْت ُ ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫ما قَط َعْت ُ ْ‬ ‫وزر فيما تركنا ؟ فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪َ } :‬‬
‫ن الل ّهِ { )‪.(2‬‬ ‫ُ‬
‫صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِ‬‫ة عََلى أ ُ‬ ‫م ً‬ ‫َقائ ِ َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن موسى بن عقبة ‪،‬‬
‫عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني‬
‫حّرق‪.‬‬ ‫النضير و َ‬
‫وأخرجه صاحبا الصحيح من رواية موسى بن عقبة ‪ ،‬بنحوه )‪ (3‬ولفظ البخاري‬
‫من طريق عبد الرزاق ‪ ،‬عن ابن جريج ‪ ،‬عن موسى بن عقبة ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن‬
‫ابن عمر قال ‪ :‬حاربت )‪ (4‬النضيُر وقريظة ‪ ،‬فأجلى بني النضير وأقر قريظة‬
‫ن عليهم حتى حاربت قريظة فقتل من رجالهم وقسم )‪ (5‬نساءهم‬ ‫م ّ‬ ‫و َ‬
‫وأولدهم وأموالهم بين المسلمين ‪ ،‬إل بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه‬
‫منهم وأسلموا ‪ ،‬وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع ‪ ،‬وهم رهط‬ ‫وسلم فأ ّ‬
‫ل يهود بالمدينة‪.‬‬ ‫عبد الله بن سلم ‪ ،‬ويهود بني حارثة ‪ ،‬وك ّ‬
‫ضا عن قتيبة ‪ ،‬عن الليث بن سعد ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ :‬أن‬ ‫ولهما أي ً‬
‫ويرةُ‬‫حّرق نخل بني النضير وقطع ‪ -‬وهي الب ُ َ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة عَلى‬ ‫م ً‬‫ها َقائ ِ َ‬‫مو َ‬‫ن ِلين َةٍ أوْ ت ََركت ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما قَطعْت ُ ْ‬ ‫‪ -‬فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل فيه ‪َ } :‬‬
‫خزِيَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَل ِي ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن { )‪.(6‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫فا ِ‬ ‫صول َِها فَب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫أ ُ‬
‫جوَْيرية بن أسماء عن نافع ‪ ،‬عن عبد الله‬ ‫وللبخاري ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬من رواية ُ‬
‫حّرق نخل بني النضير )‪.(7‬‬ ‫بن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ‬
‫ولها يقول حسان بن ثابت ‪ ،‬رضي الله عنه ‪:‬‬
‫سَتطيّر‪...‬‬ ‫م ْ‬‫حريق بالب ُوََيرة ُ‬ ‫ي‪َ ...‬‬ ‫سراة بني ُلؤ ّ‬ ‫على َ‬ ‫هان َ‬ ‫وَ َ‬
‫فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول ‪:‬‬
‫سعير‪...‬‬ ‫واحيها ال ّ‬ ‫حّرق في ن َ َ‬ ‫صنيع‪ ...‬وَ َ‬ ‫ك من َ‬ ‫ه ذل َ‬ ‫أَدام الل ُ‬
‫ضيُر‪...‬‬ ‫م أيّ أْرضيَنا ن َ ِ‬ ‫ه‪ ...‬وَت َعْل ُ ُ‬ ‫سَتعلم أّينا مْنها ِبنز ٍ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬فسألوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسند أبي يعلى )‪ (4/135‬وفيه سفيان بن وكيع ‪ ،‬وهو ضعيف‪ .‬تنبيه ‪:‬‬
‫رواية سليمان بن موسى عن جابر لم أجدها في مسند أبي يعلى المطبوع‬
‫فلعلها سقطت‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (2/7‬وصحيح البخاري برقم )‪ (2021‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(1746‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬حارب"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬فقتل من رجالهم وسبى وقسم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (4884‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1746‬‬
‫)‪ (7‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬نخل بنى النضير ‪ ،‬وقطع البويرة" ‪ ،‬وقوله ‪" :‬قطع البويرة"‬
‫غير ثابت في البخاري ‪ ،‬ويبدو أنه سهو من الناسخ‪.‬‬

‫) ‪(8/62‬‬

‫كذا رواه البخاري )‪ (1‬ولم يذكره ابن إسحاق‪.‬‬


‫وقال محمد ابن إسحاق ‪ :‬وقال كعب بن مالك يذكر إجلء بني النضير وقتل‬
‫ابن الشرف ‪:‬‬
‫دوُر‪...‬‬ ‫صْرف ي َ ُ‬ ‫ك الدهُر ذو َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حُبور‪ ...‬ك َ َ‬ ‫خزيت )‪ (2‬بغَد َْرِتها ال ُ‬ ‫قد َ‬ ‫لَ َ‬
‫عظيم أمُرهُ أمٌر ك َِبيُر‪...‬‬ ‫ب‪َ ...‬‬ ‫فُروا ب َِر ّ‬ ‫وََذلك أّنهم ك َ‬
‫م من الله الّنذيُر‪...‬‬ ‫جاءهُ ُ‬ ‫ما وعلما‪ ...‬وَ َ‬ ‫وَقد أوتوا مًعا َفه ً‬
‫ة ُتنيُر‪...‬‬ ‫مب َي ّن َ ً‬ ‫صادق أّدى )‪ (3‬كتابا‪ ...‬وآيات ُ‬ ‫َنذير َ‬
‫جديُر‪...‬‬ ‫فقال )‪ (4‬ما أتيت بأمر صدق‪ ...‬وأنت بمنكر منا َ‬
‫خبيُر‪...‬‬ ‫فهم ال َ‬ ‫دقني به ال َ‬ ‫ص ّ‬
‫قا‪ ...‬ي ُ َ‬ ‫تح ً‬ ‫فقال ‪َ :‬بلى لقد أدي ُ‬
‫فوُر‪...‬‬ ‫َ‬
‫فر به ُيجَز الك ُ‬ ‫من َيك ُ‬ ‫شد‪ ...‬وَ َ‬ ‫كل ُر ُ‬ ‫َفمن ي َْتبعه ُيهد َ ل ِ ُ‬
‫حقّ الَنفوُر‪...‬‬ ‫جد ّ بهم عن ال َ‬ ‫فًرا‪ ...‬وَ َ‬ ‫ما ْأشرُبوا غَد ًْرا وك ُ ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫جوُر‪...‬‬ ‫كم ل ي َ ُ‬ ‫ن الله َيح ُ‬ ‫دق‪ ...‬وكا َ‬ ‫ي ب َِرأي ص ْ‬ ‫أَرى الله النب ّ‬
‫ن َنصيرهُ نْعم الّنصيُر‪...‬‬ ‫طه عََليهم‪ ...‬وكا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫َفأي ّد َه ُ وَ َ‬
‫صَرعة الّنضيُر‪...‬‬ ‫م ْ‬ ‫ت بعد َ َ‬ ‫كعب صريًعا‪ ...‬فَذ َل ّ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫فَُغودَر مْنه ُ‬
‫كوُر‪...‬‬ ‫شّهرة ذ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه‪ ...‬بأيدينا ُ‬ ‫م وقَد ْ عَل َت ْ ُ‬ ‫فين ث ّ‬ ‫على الك َ ّ‬ ‫َ‬
‫كعب َيسيُر‪...‬‬ ‫خا َ‬ ‫كعب أ َ‬ ‫مد إذ َدس ليل‪ ...‬إلى َ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫مر ُ‬ ‫بأ ْ‬
‫سوُر‪...‬‬ ‫ج ُ‬ ‫قة َ‬ ‫خو ث َ‬ ‫كر‪َ ...‬ومحمود ُ أ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ما ك ََره َفأنزله ب ِ َ‬ ‫فَ َ‬
‫مبيُر‪...‬‬ ‫م بما اجترموا ال ُ‬ ‫سوء‪ ...‬أَباَرهُ ُ‬ ‫َفتلك ب َُنو الّنضير بدار َ‬ ‫ْ‬
‫ل الله وَهّوَ بهم َبصيُر‪...‬‬ ‫سو ُ‬ ‫وا‪َ ...‬ر ُ‬ ‫حف َره ً‬ ‫م في الّز ْ‬ ‫غداة أتاهُ ُ‬ ‫َ‬
‫موازُروه‪ ...‬عَلى العداء وهو لهم َوزيُر‪...‬‬ ‫َ‬ ‫ن الحماةُ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫وَغَ ّ‬
‫ب وَُزوُر‪...‬‬ ‫هم كذ ٌ‬ ‫َ‬ ‫مَر َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫حال َ‬ ‫دوا‪ ...‬وَ َ‬ ‫ص ّ‬‫م فَ َ‬ ‫سلم ويحك ُ‬ ‫ل ‪ :‬ال ْ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ل َثلَثة منُهم َبعيُر‪...‬‬ ‫ُ‬
‫م د ََبال‪ ...‬لك ّ‬ ‫مرهُ ُ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ذاُقوا غ ّ‬ ‫فَ َ‬
‫خل وُدوُر )‪(5‬‬ ‫من ُْهم ن َ ْ‬ ‫قاع‪ ...‬وَغودَر ِ‬‫ُ‬ ‫قين ُ َ‬ ‫عامدين ل َ‬ ‫َوأجلوا َ‬
‫ي‬
‫قيم العَْبس ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قال ‪ :‬وكان مما )‪ (6‬قيل من الشعار في بني النضير قول ابن ل َ‬
‫‪ -‬ويقال ‪ :‬قالها قيس‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(4032‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬خربت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬أوتي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬فقالوا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(2/199‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬ومما كان"‪.‬‬

‫) ‪(8/63‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ب وَل َك ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ل وََل رِ َ‬
‫كا ٍ‬ ‫خي ْ ٍ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬‫م عَل َي ْهِ ِ‬
‫فت ُ ْ‬ ‫ج ْ‬
‫ما أوْ َ‬‫م فَ َ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ه عََلى َر ُ‬
‫سول ِهِ ِ‬ ‫ما أَفاَء الل ّ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ديٌر )‪(6‬‬ ‫َ‬
‫يٍء ق ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَلى ك ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شاُء َوالل ُ‬‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ه عَلى َ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬‫سلط ُر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ّ‬
‫الل َ‬
‫بن بحر بن طريف ‪ ،‬قال ابن هشام الشجعي ‪:‬‬
‫مَزّنم‪...‬‬ ‫سى )‪ (2‬ال ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل )‪ (1‬اليهود َ بال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫هالك‪ ...‬أ َ‬ ‫غير َ‬ ‫داٌء لمرئ َ‬ ‫أهلي ف َ‬
‫مم‪...‬‬ ‫مك ّ‬ ‫َ‬ ‫ودي ال ُ‬ ‫ب عودا بال َ‬ ‫هيض َ‬ ‫ُ‬
‫مر الَغضاة وب ُد ّلوا‪ ...‬أ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن في َ‬ ‫َيقيُلو َ‬
‫مَرم )‪(3‬‬ ‫صل وََير ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫خيَله بي َ‬ ‫حمد‪ ...‬ي ََروا َ‬ ‫م َ‬ ‫صادًقا ب ُ‬ ‫ظني َ‬ ‫ك َ‬ ‫فإن ي َ ُ‬
‫جرم‪...‬‬ ‫م ْ‬ ‫صديق ك ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫دو ما َ‬ ‫م‪ ...‬عَ ُ‬ ‫ة إن ّهُ ْ‬ ‫ن ُبهث َ َ‬ ‫عمرو ب ُ‬ ‫م بها َ‬ ‫َيؤ ّ‬
‫وم‪...‬‬ ‫ق ّ‬ ‫م َ‬‫وشيج ال ُ‬ ‫ف ال َ‬ ‫ن أطرا َ‬ ‫غى‪ ...‬ي َهُّزو َ‬ ‫مساعيُر في الوَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن أبطا ُ‬ ‫عََليه ّ‬
‫م‪...‬‬ ‫جْرهُ ِ‬ ‫ن من أْزمان عاد وَ ُ‬ ‫د‪ُ ...‬تورث ْ َ‬ ‫مهَن ّ ٍ‬ ‫شفرَتين ُ‬ ‫ل َرقيق ال ّ‬ ‫وك ُ ّ‬
‫مَتكّرم‪...‬‬ ‫جد من ُ‬ ‫هم في الم ْ‬ ‫ل َبعد َ ُ‬ ‫سالة‪ ...‬فَهَ ْ‬ ‫شا ر َ‬ ‫عني قَُري ً‬ ‫مبلغٌ َ‬ ‫من ُ‬ ‫فَ َ‬
‫مَزم‪...‬‬ ‫جون وَز ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫دا‪َ ...‬تليد ُ الّندى بي َ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م فاعلم ّ‬ ‫َ‬ ‫ن أخاك ُ‬ ‫بأ ّ‬
‫َ‬
‫معْظم‪...‬‬ ‫ُ‬
‫ن الدْنيا إلى كل ُ‬ ‫موا م َ‬ ‫س ُ‬ ‫موُركم‪ ...‬وت َ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫َفديُنوا له بالحقّ ت َ ْ‬
‫جم‪...‬‬ ‫مَر ّ‬ ‫غيب ُ‬ ‫مَر َ‬ ‫سألوهُ أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ة‪ ...‬ول ت َ ْ‬ ‫حم ٌ‬ ‫ن الله َر َ‬ ‫نبي تلَفته م َ‬
‫مم‪...‬‬ ‫مل ّ‬‫َ‬ ‫قليب ال ُ‬ ‫ة‪ ...‬لكم يا قَُريش وال َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عبَر ٌ‬ ‫مري ِ‬ ‫در لعَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن في ب َ ْ‬ ‫قد ْ كا َ‬ ‫فَ َ‬
‫مكّرم‪...‬‬ ‫َ‬ ‫مطيًعا للَعظيم ِ ال ُ‬ ‫ُ‬
‫دا‪ ...‬إليكم ُ‬ ‫م ً‬ ‫خْزَرجي ّةِ عا ِ‬ ‫داة أَتى في ال َ‬ ‫غَ َ‬
‫مْعلم‪...‬‬ ‫قا ب ِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الّرحمن َ‬ ‫م َ‬ ‫سول ِ‬ ‫عدوه‪َ ...‬ر ُ‬ ‫دس ي َْنكي َ‬ ‫ق ْ‬ ‫مَعاًنا بُروح ال ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫حقّ لم ي ََتلعْثم‪...‬‬ ‫ما أناَر ال َ‬ ‫َ‬
‫ه‪ ...‬فل ّ‬ ‫َ‬ ‫كتاب َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن الّرحمن ي َت ْلو ِ‬ ‫م َ‬ ‫سول ِ‬ ‫َر ُ‬
‫حكم )‪(4‬‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫مه الل ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫وا لمْر َ‬ ‫ُ‬
‫وطن‪ ...‬عُل ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫مَرهُ ي َْزَداد ُ في كل َ‬ ‫أَرى أ ْ‬
‫وقد أورد ابن إسحاق ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬هاهنا أشعاًرا كثيرة ‪ ،‬فيها آداب ومواعظ‬
‫وحكم ‪ ،‬وتفاصيل للقصة ‪ ،‬تركنا باقيها اختصاًرا واكتفاء بما ذكرناه ‪ ،‬ولله‬
‫الحمد والمنة‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬كانت وقعة بني النضير بعد وقعة أحد وبعد بئر معونة‪.‬‬
‫وحكى البخاري ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة أنه قال ‪ :‬كانت وقعة بني النضير‬
‫بعد بدر بستة أشهر )‪.(5‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ب وَلك ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ل َول رِكا ٍ‬ ‫خي ْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَلي ْهِ ِ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سول ِهِ ِ‬ ‫ه عََلى َر ُ‬ ‫ما أَفاَء الل ّ ُ‬ ‫} وَ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ما أَفاَء الل ُ‬ ‫ديٌر )‪َ (6‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَلى ك ّ‬ ‫شاُء َوالل ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه عَلى َ‬ ‫سل ُ‬ ‫سلط ُر ُ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬
‫مى‬ ‫قْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫ذي ال ْ ُ‬ ‫ل وَل ِ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫قَرى فَل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سول ِهِ ِ‬ ‫عََلى َر ُ‬
‫ن‬
‫ة ب َي ْ َ‬ ‫ن ُدول َ ً‬ ‫كو َ‬ ‫ي ل يَ ُ‬ ‫ل كَ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ ِ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أجلي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬بالحس"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬بين الصفا وبزمزم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(2/195‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري )‪" (7/329‬فتح"‪.‬‬

‫) ‪(8/64‬‬

‫ذي ال ْ ُ‬ ‫ما أ ََفاَء الل ّه عََلى رسول ِه م َ‬


‫قْرَبى‬ ‫ل وَل ِ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫قَرى فَل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫َ ُ ِ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫غ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫دو‬ ‫ُ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫كي‬
‫ِ‬ ‫سا‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫مى‬ ‫تا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫دي‬
‫ِ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫هوا‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫ذو‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫تا‬
‫َ‬ ‫آَ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫)‪(7‬‬

‫ن‬ ‫قوا الل ّ َ‬


‫ه إِ ّ‬ ‫ه َفان ْت َُهوا َوات ّ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬
‫م عَن ْ ُ‬ ‫ل فَ ُ‬
‫خ ُ‬
‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬
‫م الّر ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫الغْن َِياِء ِ‬
‫ب )‪{ (7‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ العِ َ‬ ‫ش ِ‬‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ل مال أخذ‬ ‫يقول تعالى مبيًنا لما الفيء وما صفته ؟ وما حكمه ؟ فالفيء ‪ :‬فك ّ‬
‫من الكفار بغير )‪ (1‬قتال ول إيجاف خيل ول ركاب ‪ ،‬كأموال بني النضير‬
‫هذه ‪ ،‬فإنها مما لم ُيوجف المسلمون عليه )‪ (2‬بخيل ول ركاب ‪ ،‬أي ‪ :‬لم‬
‫يقاتلوا العداء فيها بالمبارزة والمصاولة ‪ ،‬بل نزل أولئك من الرعب الذي‬
‫ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأفاءه الله‬
‫على رسوله ؛ ولهذا تصرف فيه كما شاء ‪ ،‬فرّده على المسلمين في وجوه‬
‫ما‬
‫البر والمصالح التي ذكرها الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬في هذه اليات ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ِ‬‫فت ُ ْ‬
‫ج ْ‬
‫ما أوْ َ‬‫م { أي ‪ :‬من بني النضير } فَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫سول ِهِ ِ‬ ‫ه عََلى َر ُ‬ ‫أَفاَء الل ّ ُ‬
‫شاُء‬‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ه عََلى َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫سل ّ ُ‬
‫ط ُر ُ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب { يعني ‪ :‬البل ‪ } ،‬وَل َك ِ ّ‬ ‫كا ٍ‬ ‫ل َول رِ َ‬ ‫خي ْ ٍ‬
‫َ‬
‫ديٌر { أي ‪ :‬هو قدير ل يغالب ول يمانع ‪ ،‬بل هو القاهر‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫َوالل ُ‬
‫لكل شيء‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قَرى { أي ‪ :‬جميع البلدان‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سول ِهِ ِ‬ ‫ه عَلى َر ُ‬ ‫ما أَفاَء الل ُ‬ ‫ثم قال ‪َ } :‬‬
‫هّ‬
‫التي ُتفَتح هكذا ‪ ،‬فحكمها حكم أموال بني النضير ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَل ِل ِ‬
‫ن { إلى آخرها والتي بعدها‪ .‬فهذه‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫قْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫ذي ال ْ ُ‬ ‫ل وَل ِ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫وَِللّر ُ‬
‫ف أموال الفيء ووجوهه‪.‬‬ ‫مصار ُ‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن مالك‬ ‫معْ َ‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو و َ‬
‫دثان ‪ ،‬عن عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كانت أموال بني‬ ‫ح َ‬ ‫بن أوس بن ال َ‬
‫النضير مما أفاء الله إلى رسوله مما لم ُيوجف المسلمون عليه بخيل ول‬
‫ركاب ‪ ،‬فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة )‪ (3‬فكان ينفق‬
‫مّرة ‪ :‬قوت )‪ (5‬سنته ‪ -‬وما بقي جعله‬ ‫على أهله منها نفقة سنته )‪ - (4‬وقال َ‬
‫في الك َُراع والسلح في سبيل الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫هكذا أخرجه أحمد هاهنا مختصًرا ‪ ،‬وقد أخرجه الجماعة في كتبهم ‪ -‬إل ابن‬
‫ماجة ‪ -‬من حديث سفيان ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به )‪ (6‬وقد‬
‫رويناه مطول فقال أبو داود ‪ ،‬رحمه الله ‪:‬‬
‫حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس ‪ -‬المعنى واحد ‪ -‬قال حدثنا‬
‫مر الزهراني ‪ ،‬حدثني مالك بن أنس ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن مالك‬ ‫بشرِ بن عُ َ‬
‫ى عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬حين تعالى‬ ‫بن أوس قال ‪ :‬أرسل إل ّ‬
‫مفضًيا إلى ُرماله ‪ ،‬فقال حين دخلت‬ ‫سا على سرير ُ‬ ‫النهار ‪ ،‬فجئته فوجدته جال ً‬
‫ف أهل أبيات )‪ (7‬من قومك ‪ ،‬وقد أمرت فيهم‬ ‫عليه ‪ :‬يا مال ‪ ،‬إنه قد د َ ّ‬
‫ت غيري بذلك ؟ فقال ‪ :‬خذه‪ .‬فجاءه )‪(8‬‬ ‫بشيء ‪ ،‬فاقسم فيهم‪ .‬قلت ‪ :‬لو أمر َ‬
‫يرفا ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أمير‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬من غير"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬عليه المسلمون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬خاصة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬سنة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬مسيرة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (1/25‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4885‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪ (1757‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2965‬وسنن الترمذي برقم )‪ (1719‬وسنن‬
‫النسائي الكبرى برقم )‪.(11575‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬أهل بنات"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬فجاء"‪.‬‬

‫) ‪(8/65‬‬
‫المؤمنين ‪ ،‬هل لك في عثمان بن عفان ‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬والزبير بن‬
‫العوام ‪ ،‬وسعد بن أبي وقاص ؟ فقال ‪ :‬نعم‪ .‬فأذن لهم فدخلوا ‪ ،‬ثم جاءه يرفا‬
‫فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬هل لك في العباس وعلي ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فأذن لهم‬
‫فدخلوا ‪ ،‬فقال العباس ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬اقض بيني وبين هذا ‪ -‬يعني ‪ :‬علًيا‬
‫‪ -‬فقال بعضهم ‪ :‬أجل يا أمير المؤمنين ‪ ،‬اقض بينهما وأرحهما‪ .‬قال مالك بن‬
‫دما أولئك النفر لذلك‪ .‬فقال عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪:‬‬ ‫ي أنهما قَ ّ‬ ‫خّيل إل ّ‬ ‫أوس ‪ُ :‬‬
‫اتئدا‪ .‬ثم أقبل على أولئك الرهط فقال ‪ :‬أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم‬
‫السماء والرض ‪ ،‬هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل‬
‫ي والعباس فقال ‪:‬‬ ‫ُنوَرث ‪ ،‬ما تركنا صدقة"‪ .‬قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬ثم أقبل على عل ّ‬
‫كما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والرض ‪ ،‬هل تعلمان أن رسول الله‬ ‫أنشد ُ ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل نورث ‪ ،‬ما تركنا صدقة"‪ .‬فقال نعم‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫ما‬
‫دا من الناس ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫فإن الله خص رسوله بخاصة لم يخص بها أح ً‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬‫ب وَلك ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ل َول رِكا ٍ‬ ‫خي ْ ٍ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ِ‬‫فت ُ ْ‬‫ج ْ‬
‫ما أوْ َ‬ ‫م فَ َ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ه عََلى َر ُ‬
‫سول ِهِ ِ‬ ‫أَفاَء الل ّ ُ‬
‫ديٌر { فكان الله أفاء إلى‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫سل َ ُ‬
‫ط ُر ُ‬ ‫سل ّ ُ‬
‫يُ َ‬
‫رسوله أموال بني النضير ‪ ،‬فوالله ما استأثر بها عليكم ول أحرزها دونكم ‪،‬‬
‫فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقة سنة ‪ -‬أو ‪ :‬نفقته‬
‫ي أولئك الرهط‬ ‫ونفقة أهله سنة ‪ -‬ويجعل ما بقي أسوة المال‪ .‬ثم أقبل عل ّ‬
‫فقال ‪ :‬أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والرض ‪ :‬هل تعلمون ذلك ؟‬
‫دكما بالله الذي بإذنه‬ ‫ي والعباس فقال ‪ :‬أنش ُ‬ ‫قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬ثم أقبل على عل ّ‬
‫تقوم السماء والرض ‪ :‬هل تعلمان ذلك ؟ قال نعم‪ .‬فلما ُتوفي رسول الله‬
‫ت وهذا‬ ‫ي رسول الله" ‪ ،‬فجئت أن َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر ‪" :‬أنا ول ّ‬
‫إلى أبي بكر ‪ ،‬تطلب أنت ميراثك عن ابن أخيك ‪ ،‬ويطلب هذا ميراث امرأته‬
‫من أبيها ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ل نورث ‪ ،‬ما تركنا صدقة"‪ .‬والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع‬
‫ي رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ت ‪ :‬أنا وَل ِ ّ‬ ‫للحق‪ .‬فوليها أبو بكر ‪ ،‬فلما توفي قل ُ‬
‫ي أبي بكر ‪َ ،‬فوليتها ما شاء الله أن أليها ‪ ،‬فجئت أنت وهذا ‪ ،‬وأنتما‬ ‫وسلم وول ّ‬
‫جميع وأمركما واحد ‪ ،‬فسألتمانيها ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إن شئتما فأنا أدفعها إليكما على‬ ‫َ‬
‫ن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫أ ّ‬
‫يليها ‪ ،‬فأخذتماها مني على ذلك ‪ ،‬ثم جئتماني لقضي بينكما بغير ذلك‪ .‬والله‬
‫جزُتما عنها فَُرّداها إلي‪.‬‬ ‫ل أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة ‪ ،‬فإن عَ َ‬
‫أخرجوه من حديث الزهري ‪ ،‬به )‪ .(1‬وقال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عارم وعفان قال حدثنا معتمر ‪ ،‬سمعت أبي يقول ‪ :‬حدثنا أنس بن‬
‫ي الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل كان يجعل له من ماله‬ ‫مالك ‪ ،‬عن نب ّ‬
‫حت عليه قريظة والنضير‪ .‬قال ‪ :‬فجعل‬ ‫النخلت ‪ ،‬أو كما شاء الله ‪ ،‬حتى ُفت َ‬
‫ي َُرد ّ بعد ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فأسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه ‪ ،‬وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ت النبي صلى الله عليه‬ ‫م أيمن ‪ ،‬أو كما شاء الله ‪ ،‬قال ‪ :‬فسأل ُ‬ ‫قد أعطاه أ ّ‬
‫ب في عنقي وجعلت تقول ‪:‬‬ ‫وسلم فأعطانيهن ‪ ،‬فجاءت أم أيمن فجعلت الثو َ‬
‫ن وقد أعطانيهن ‪ ،‬أو كما قالت ‪ ،‬فقال‬ ‫كل والله الذي ل إله إل هو ل ُيعطيك َهُ ّ‬
‫نبي الله ‪" :‬لك كذا وكذا"‪ .‬قال ‪ :‬وتقول ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود برقم )‪ (2963‬وصحيح البخاري برقم )‪ (3094‬وصحيح‬
‫مسلم برقم )‪ (1757‬وسنن النسائي )‪ (7/136‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪.(1610‬‬
‫) ‪(8/66‬‬

‫كل والله‪ .‬قال ويقول ‪" :‬لك كذا وكذا"‪ .‬قال ‪ :‬وتقول ‪ :‬كل والله‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"ويقول ‪ :‬لك كذا وكذا"‪ .‬قال ‪ :‬حتى أعطاها ‪ ،‬حسبت أنه قال ‪ :‬عشرة أمثال‬
‫أو قال قريًبا من عشرة أمثاله ‪ ،‬أو كما قال‪.‬‬
‫رواه البخاري ومسلم من ط ُُرق عن معتمر ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫خمس‬ ‫وهذه المصارف المذكورة في هذه الية هي المصارف المذكورة في ُ‬
‫الَغنيمة‪ .‬وقد قدمنا الكلم عليها في سورة "النفال" بما أغنى عن إعادته‬
‫هاهنا ‪ ،‬ولله الحمد )‪.(2‬‬
‫م { أي ‪ :‬جعلنا هذه المصارف‬ ‫من ْك ُْ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ء‬‫يا‬‫َِ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ن ُ ً َْ َ‬
‫ي‬‫ب‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫دو‬ ‫كو َ‬‫ي ل يَ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َ ْ‬
‫لمال الفيء لئل يبقى مأكلة يتغلب عليها الغنياء ويتصرفون فيها ‪ ،‬بمحض‬
‫الشهوات والراء ‪ ،‬ول يصرفون منه شيًئا إلى الفقراء‪.‬‬
‫ه َفان ْت َُهوا { أي ‪ :‬مهما‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫ل فَ ُ‬
‫خ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬‫ما آَتاك ُ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫أمركم به فافعلوه ‪ ،‬ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه ‪ ،‬فإنه إنما يأمر بخير وإنما‬
‫ينهى عن شر‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا يحيى بن أبي طالب ‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب ‪ ،‬حدثنا‬
‫سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن العوفي ‪ ،‬عن يحيى بن الجزار ‪ ،‬عن مسروق‬
‫قال ‪ :‬جاءت امرأة إلى ابن مسعود فقالت ‪ :‬بلغني أنك تنهى عن الواشمة‬
‫والواصلة ‪ ،‬أشيء وجدته في كتاب الله أو عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬شيء وجدته في كتاب الله وعن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬قالت ‪ :‬والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه‬
‫ما ن ََهاك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬ ‫الذي تقول!‪ .‬قال ‪ :‬فما وجدت فيه ‪ } :‬وَ َ‬
‫ه َفان ْت َُهوا { ؟ قالت ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫وسلم ينهى عن الواصلة والواشمة والنامصة‪ .‬قالت ‪ :‬فلعله في بعض أهلك‪.‬‬
‫ت بأسا‪.‬‬ ‫جت ‪ ،‬قالت ‪ :‬ما رأي ُ‬ ‫قال ‪ :‬فادخلي فانظري‪ .‬فدخلت فََنظرت ثم خر َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫فك ُ ْ‬
‫خال ِ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬ ‫فقال لها ‪ :‬أما حفظت وصية العبد الصالح ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ه{‬ ‫أن َْهاك ُ ْ‬
‫م عَن ْ ُ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن منصور ‪] ،‬عن‬
‫إبراهيم[ )‪ (3‬عن علقمة ‪ ،‬عن عبد الله ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬لعن الله‬
‫سن ‪ ،‬المغيرات‬ ‫ح ْ‬ ‫فلجات لل ُ‬ ‫مت َ‬ ‫الواشمات والمستوشمات ‪ ،‬والمتنمصات ‪ ،‬وال ُ‬
‫خلق الله ‪ ،‬عز وجل‪ .‬قال ‪ :‬فبلغ امرأة في البيت يقال لها ‪" :‬أم يعقوب" ‪،‬‬
‫ت‪ .‬قال ‪ :‬ما لي ل ألعن من‬ ‫ت وكي َ‬ ‫فجاءت إليه فقالت ‪ :‬بلغني أنك قلت كي َ‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وفي كتاب الله‪ .‬فقالت ‪ :‬إني لقرأ‬ ‫لعن رسو ُ‬
‫ما بين لوحيه فما وجدته‪ .‬فقال ‪ :‬إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه‪ .‬أما قرأت ‪:‬‬
‫ه َفان ْت َُهوا { ؟ قالت ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬‫ل فَ ُ‬
‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬‫} وَ َ‬
‫فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه‪ .‬قالت ‪] :‬إني[ )‪ (4‬لظن أهلك‬
‫يفعلونه‪ .‬قال ‪ :‬اذهبي فانظري‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (3/219‬وصحيح البخاري برقم )‪(4120 ، 4030 ، 3128‬‬
‫وصحيح مسلم برقم )‪.(1771‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ولله الحمد والمنة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من مسند المام أحمد والبخاري ومسلم‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫) ‪(8/67‬‬

‫َ‬ ‫ن أُ ْ‬
‫ن الل ّهِ‬‫م َ‬ ‫ضًل ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ي َب ْت َُغو َ‬‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ج ِ‬‫مَها ِ‬ ‫قَراِء ال ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫ُ‬
‫داَر‬ ‫ن ت َب َوُّءوا ال ّ‬‫ذي َ‬‫ن )‪َ (8‬وال ّ ِ‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أول َئ ِ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫واًنا وَي َن ْ ُ‬‫ض َ‬‫وَرِ ْ‬
‫ما‬ ‫م ّ‬ ‫ة ِ‬
‫ج ً‬‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫َ‬
‫م وَل ي َ ِ‬ ‫َ‬
‫جَر إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫ها َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م يُ ِ‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫َُوا ْ ِ‬
‫ن ُيوقَ ُ‬ ‫م وَل َوْ َ‬ ‫َ‬
‫ن عََلى أن ْ ُ‬
‫ه‬
‫س ِ‬‫ف ِ‬‫ح نَ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ْ‬‫ة وَ َ‬ ‫ص ٌ‬‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬‫كا َ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫فَُأول َئ ِ َ‬

‫ت شيًئا‪ .‬قال ‪ :‬لو‬ ‫هبت فلم تر من حاجتها شيئا ‪ ،‬فجاءت فقالت ‪ :‬ما رأي ُ‬ ‫فذ َ‬
‫جامعنا‪.‬‬ ‫كانت كذلك لم ت ُ َ‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث سفيان الثوري )‪.(1‬‬
‫ضا عن أبي هَُريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫وقد ثبت في الصحيحين أي ً‬
‫وسلم قال ‪" :‬إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ‪ ،‬وما نهيتكم عنه‬
‫فاجتنبوه"‪.(2) .‬‬
‫وقال النسائي ‪ :‬أخبرنا أحمد بن سعيد ‪ ،‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا منصور بن حيان ‪،‬‬
‫مر وابن عباس ‪ :‬أنهما شهدا على رسول الله‬ ‫جبير ‪ ،‬عن ابن عُ َ‬ ‫عن سعيد بن ُ‬
‫حن َْتم والّنقير والمَزّفت ‪ ،‬ثم تل‬ ‫َ‬ ‫وال‬ ‫دباء‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫عن‬ ‫نهى‬ ‫أنه‬ ‫‪:‬‬ ‫وسلم‬ ‫صلى الله عليه‬
‫ما ن ََهاك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬وَ َ‬
‫ه َفان ْت َُهوا { )‪.(3‬‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫ب { أي ‪ :‬اتقوه في امتثال أوامره‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وات ّ ُ‬
‫وترك زواجره ؛ فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه ‪ ،‬وارتكب‬
‫ما عنه زجره ونهاه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ضل ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ي َب ْت َُغو َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬
‫م وَأ ْ‬ ‫ن ِديارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫مَها ِ‬ ‫قَراِء ال ْ ُ‬ ‫} ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬
‫ن ت َب َوُّءوا‬
‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (8‬وال ّ ِ‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه ُأول َئ ِ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫واًنا وَي َن ْ ُ‬ ‫الل ّهِ وَرِ ْ‬
‫ض َ‬
‫م‬
‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫م َول ي َ ِ‬ ‫جَر إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫داَر َوالي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن ُيوقَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ح‬
‫ش ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ة وَ َ‬‫ص ٌ‬ ‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫م وَلوْ كا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن عَلى أن ْ ُ‬ ‫ما أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪{ (9‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫سهِ فَأولئ ِك هُ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/433‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4887‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2125‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (7288‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1337‬‬
‫)‪ (3‬سنن النسائي الكبرى برقم )‪.(11578‬‬

‫) ‪(8/68‬‬

‫ن‬
‫ما ِ‬ ‫قوَنا ِبا ْ ِ‬
‫لي َ‬ ‫سب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خ َ‬‫فْر ل ََنا وَِل ِ ْ‬ ‫ن َرب َّنا اغْ ِ‬‫قوُلو َ‬
‫م يَ ُ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫جاُءوا ِ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م )‪(10‬‬ ‫حي ٌ‬
‫ف َر ِ‬ ‫ك َرُءو ٌ‬ ‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬‫نآ َ‬‫ل ِفي قُُلوب َِنا ِغّل ل ِل ّ ِ َ‬ ‫وََل ت َ ْ‬
‫جعَ ْ‬

‫قوَنا‬‫سب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬


‫ذي َ‬ ‫فْر ل ََنا َول ْ‬
‫خ َ‬ ‫ن َرب َّنا اغْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جاُءوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫} َوال ّ ِ‬
‫م )‪{ (10‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ك َرُءو ٌ‬ ‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِفي قُُلوب َِنا ِغل ل ِل ّ ِ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن َول ت َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ِبالي َ‬
‫ُ‬
‫جوا‬
‫خرِ ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫يقول تعالى مبيًنا حال الفقراء المستحقين لمال الفيء أنهم } ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫واًنا { أي ‪ :‬خرجوا من‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬
‫ض َ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ي َب ْت َُغو َ‬
‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬
‫م وَأ ْ‬ ‫ن ِديارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫هَ‬
‫سول ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه } وَي َن ْ ُ‬
‫دقوا قولهم بفعلهم ‪ ،‬وهؤلء هم‬ ‫ص َ‬‫ن { أي ‪ :‬هؤلء الذين َ‬ ‫صادُِقو َ‬‫م ال ّ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬
‫سادات المهاجرين‪.‬‬
‫سدهم‬‫ح َ‬ ‫حا للنصار ‪ ،‬ومبيًنا فضلهم وشرفهم وكرمهم وعدم َ‬ ‫ثم قال تعالى ماد ً‬
‫م{‬ ‫ه‬‫ل‬‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬
‫َ َ ِ ْ ِِْ ْ‬‫م‬ ‫ن‬ ‫ما‬‫والي‬ ‫ر‬ ‫دا‬
‫ّ َ َ‬ ‫ال‬ ‫ءوا‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫ب‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫َ ِ َ ََ ّ‬‫ّ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫‪،‬‬ ‫الحاجة‬ ‫‪ ،‬وإيثارهم مع‬
‫أي ‪ :‬سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم‪.‬‬
‫قال عمر ‪ :‬وأوصي الخليفة ]من[ )‪ (1‬بعدي بالمهاجرين الولين أن يعرف لهم‬
‫وءوا الدار‬ ‫حقهم ‪ ،‬ويحفظ لهم كرامتهم‪ .‬وأوصيه بالنصار خيًرا الذين َتب ّ‬
‫واليمان من قبل ‪ ،‬أن يقبل من محسنهم ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(8/68‬‬

‫ضا )‪.(2‬‬‫وأن يعفو )‪ (1‬عن مسيئهم‪ .‬رواه البخاري هاهنا أي ً‬


‫ن ك ََرمهم وشرف أنفسهم ‪ُ ،‬يحّبون‬ ‫م ْ‬‫م { أي ‪ِ :‬‬ ‫جَر إ ِل َي ْهِ ْ‬‫ها َ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬
‫وقوله ‪ } :‬ي ُ ِ‬
‫المهاجرين )‪ (3‬ويواسونهم بأموالهم‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا حميد ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال‬
‫المهاجرون ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساةً‬
‫مؤنة ‪ ،‬وأشركونا في المهنأ ‪،‬‬ ‫فونا ال َ‬ ‫في قليل ول أحسن بذل في كثير ‪ ،‬لقد ك َ َ‬
‫م الله‬ ‫عوت ُ ُ‬‫حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالجر كله! قال ‪" :‬ل ما أثنيتم عليهم ود َ َ‬
‫لهم" )‪.(4‬‬
‫لم أره في الكتب من هذا الوجه‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا عبد الله بن محمد ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫سعيد ‪ ،‬سمع أنس بن مالك حين خرج معه إلى الوليد قال ‪ :‬دعا النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم النصار أن ُيقطع لهم البحرين ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ل إل أن ُتقطع‬
‫لخواننا من المهاجرين مثلها‪ .‬قال ‪" :‬إما ل فاصبروا حتى تلقوني ‪ ،‬فإنه‬
‫سيصيبكم ]بعدي[ )‪ (5‬أثرة"‪.‬‬
‫تفرد به البخاري من هذا الوجه )‪(6‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا الحكم بن نافع ‪ ،‬أخبرنا شعيب ‪ ،‬حدثنا أبو الزناد ‪ ،‬عن‬
‫العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قالت النصار ‪ :‬اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل‪.‬‬
‫كم في الثمرة ؟ قالوا ‪ :‬سمعنا‬ ‫ة وَنشرك ُ‬ ‫قال ‪ :‬ل‪ .‬فقالوا ‪ :‬تكفونا المؤن َ َ‬
‫وأطعنا‪ .‬تفرد به دون مسلم )‪.(7‬‬
‫ما أوُتوا { أي ‪ :‬ول يجدون في أنفسهم‬ ‫ُ‬
‫م ّ‬‫ة ِ‬ ‫ج ً‬
‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬
‫ص ُ‬‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬
‫} َول ي َ ِ‬
‫دا للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف ‪ ،‬والتقديم في‬ ‫حس ً‬
‫الذكر والرتبة‪.‬‬
‫ة { يعني ‪ :‬الحسد‪.‬‬ ‫ج ً‬
‫حا َ‬
‫م َ‬‫دورِهِ ْ‬‫ص ُ‬‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬
‫قال ‪ :‬الحسن البصري ‪َ } :‬ول ي َ ِ‬
‫ما ُأوُتوا { قال قتادة ‪ :‬يعني فيما أعطى إخوانهم‪ .‬وكذا قال ابن زيد‪.‬‬ ‫م ّ‬
‫} ِ‬
‫ومما يستدل به على هذا المعنى ما رواه المام أحمد حيث قال ‪ :‬حدثنا عبد‬
‫سا مع رسول‬ ‫جلو ً‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬كنا ُ‬ ‫معْ َ‬‫الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬يطلع عليكم الن رجل من أهل الجنة"‪.‬‬
‫ظف )‪ (8‬لحيته من وضوئه ‪ ،‬قد ت َعَّلق )‪ (9‬نعليه بيده‬ ‫فطلع رجل من النصار َتن ُ‬
‫الشمال ‪ ،‬فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ‪،‬‬
‫فطلع ذلك الرجل مثل المرة الولى‪ .‬فلما كان اليوم الثالث قال رسول الله‬
‫ضا ‪ ،‬فطلع‬
‫صلى الله عليه وسلم مثل مقالته )‪ (10‬أي ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬وأن يعفى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(4888‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يحبون من هاجر إليهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(3/200‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من صحيح البخاري‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪.(3794‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪.(2325‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬ينفض"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬قد علق"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في م ‪ : :‬مثل حاله"‪.‬‬

‫) ‪(8/69‬‬

‫ذلك الرجل على مثل حالته الولى )‪ (1‬فلما قام رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني لحيت أبي فأقسمت‬
‫ت‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫أل أدخل عليه ثلًثا ‪ ،‬فإن رأيت أن تؤويني )‪ (2‬إليك حتى تمضي فعل ُ‬
‫نعم‪ .‬قال أنس ‪ :‬فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلث الليالي )‪(3‬‬
‫فلم يره يقوم من الليل شيًئا ‪ ،‬غير أنه إذا َتعاّر تقلب على فراشه ‪ ،‬ذكر الله‬
‫وكبر ‪ ،‬حتى يقوم لصلة الفجر‪ .‬قال عبد الله ‪ :‬غير أني لم أسمعه يقول إل‬
‫خيًرا ‪ ،‬فلما مضت الثلث ليال وكدت أن أحتقر عمله ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا عبد الله ‪ ،‬لم‬
‫جر )‪ (4‬ولكن سمعت رسول الله صلى الله‬ ‫ضب ول هَ ْ‬ ‫يكن بيني وبين أبي غَ َ‬
‫عليه وسلم يقول لك ثلث مَرار )‪ (5‬يطلع عليكم الن رجل من أهل الجنة"‪.‬‬
‫ك فأقتدي‬ ‫فطلعت أنت الثلث المرار )‪ (6‬فأردت أن آوي إليك لنظر ما عمل َ‬
‫ل الله‬ ‫به ‪ ،‬فلم أرك تعمل كثير )‪ (7‬عمل ‪ ،‬فما الذي بلغ بك ما قال رسو ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬ما هو إل ما رأيت‪ .‬فلما وليت دعاني فقال ‪ :‬ما‬
‫شا ‪ ،‬ول‬ ‫هو إل ما رأيت ‪ ،‬غير أني ل أجد ُ في نفسي لحد من المسلمين ِغ ّ‬
‫دا على خير أعطاه الله إياه‪ .‬قال عبد الله ‪ :‬هذه التي بلغت بك ‪،‬‬ ‫أحسد ُ أح ً‬
‫وهي التي ل تطاق )‪.(8‬‬
‫ويد بن نصر ‪ ،‬عن ابن المبارك ‪ ،‬عن‬ ‫ُ َ‬‫س‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫والليلة‬ ‫اليوم‬ ‫ورواه النسائي في‬
‫معمر به )‪ (9‬وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين ‪ ،‬لكن رواه عقيل‬
‫وغيره عن الزهري ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن أنس )‪ .(10‬فالله أعلم‪.‬‬
‫م‬‫دورِهِ ْ‬‫ص ُ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬
‫ج ُ‬‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله ‪َ } :‬ول ي َ ِ‬
‫ما ُأوُتوا { المهاجرون‪ .‬قال ‪ :‬وتكلم في أموال‬ ‫م ّ‬‫ما أوُتوا { يعني } ِ‬
‫ُ‬
‫م ّ‬‫ة ِ‬ ‫ج ً‬‫حا َ‬‫َ‬
‫ما‬
‫بني النضير بعض من تكلم من النصار ‪ ،‬فعاتبهم الله في ذلك ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ب وَل َك ِ ّ‬ ‫ل َول رِ َ‬
‫كا ٍ‬ ‫خي ْ ٍ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫م عَل َي ْهِ ِ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫ج ْ‬
‫ما أوْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫سول ِهِ ِ‬‫ه عََلى َر ُ‬ ‫أَفاَء الل ّ ُ‬
‫ديٌر { قال ‪ :‬وقال رسول‬ ‫يٍء قَ ِ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬‫ه عََلى َ‬ ‫سل َ ُ‬‫ط ُر ُ‬ ‫سل ّ ُ‬‫يُ َ‬
‫الله ‪" :‬إن إخوانكم قد تركوا الموال والولد وخرجوا إليكم"‪ .‬فقالوا ‪ :‬أموالنا‬
‫بيننا قطائع‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أو غير ذلك ؟"‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫وما ذاك يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬هم قوم ل يعرفون العمل ‪ ،‬فتكفونهم‬
‫وتقاسمونهم )‪ (11‬الثمر"‪ .‬فقالوا ‪ :‬نعم يا رسول الله )‪(12‬‬
‫ة { )‪ (13‬يعني ‪:‬‬ ‫ص ٌ‬‫صا َ‬ ‫خ َ‬‫م َ‬‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫م وَل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬‫ن عََلى أ َن ْ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي ُؤْث ُِرو َ‬
‫حاجة ‪ ،‬أي ‪ :‬يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم ‪ ،‬ويبدءون بالناس قبلهم‬
‫في حال احتياجهم إلى ذلك‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬‬
‫جهد ُ المق ّ‬
‫ل"‪ .‬وهذا المقام‬ ‫ل الصدقة َ‬‫أفض ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬الول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬أن توريني"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬الليالي الثلث"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ول هجرة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬مرات"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬المرات"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬كبير"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في م ‪" :‬ل نطيق" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ل تطيق"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪ (3/166‬وسنن النسائي الكبرى برقم )‪.(10699‬‬
‫)‪ (10‬انظر ‪ :‬تحفة الشراف للمزى )‪ (1/395‬وكلم الحافظ بن حجر في‬
‫النكت الظراف بهامشه‪.‬‬
‫)‪ (11‬في م ‪" :‬ويقاسمونكم"‪.‬‬
‫)‪ (12‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(28/28‬‬
‫)‪ (13‬ذكر في "م" بقية الية‪.‬‬

‫) ‪(8/70‬‬

‫حب ّهِ { )‪(1‬‬ ‫م عََلى ُ‬


‫ن الط َّعا َ‬
‫مو َ‬‫ه بقوله ‪ } :‬وَي ُط ْعِ ُ‬ ‫صف الل ُ‬ ‫أعلى من حال الذين وَ َ‬
‫حب ّهِ { ]البقرة ‪.[177 :‬‬ ‫َ‬
‫ل عَلى ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ْ‬
‫]النسان ‪ .[8 :‬وقوله ‪َ } :‬وآَتى ال َ‬
‫فإن هؤلء يتصدقون وهم يحبون ما تصدقوا به ‪ ،‬وقد ل يكون لهم حاجة إليه‬
‫ول ضرورة به ‪ ،‬وهؤلء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما‬
‫أنفقوه‪ .‬ومن هذا المقام تصدق الصديق ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬بجميع ماله ‪ ،‬فقال‬
‫له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما أبقيت لهلك ؟"‪ .‬فقال ‪ :‬أبقيت‬
‫عرض )‪ (3‬على عكرمة وأصحابه يوم‬ ‫لهم الله ورسوله‪ .‬وهذا )‪ (2‬الماء الذي ُ‬
‫ج ما‬ ‫اليرموك ‪ ،‬فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه ‪ ،‬وهو جريح مثقل أحو َ‬
‫يكون إلى الماء ‪ ،‬فرده الخر إلى الثلث ‪ ،‬فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا‬
‫عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم ‪ ،‬رضي الله عنهم وأرضاهم‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬حدثنا‬
‫غزوان ‪ ،‬حدثنا أبو حازم الشجعي ‪ ،‬عن أبي هَُريرة قال ‪ :‬أتى رجل‬ ‫ُفضيل بن َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أصابني الجهد ُ ‪،‬‬
‫فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيًئا ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ف هذا الليلة ‪ ،‬رحمه الله ؟"‪ .‬فقام رجل من النصار فقال ‪ :‬أنا‬ ‫ضي ّ ُ‬
‫"أل رجل ي ُ َ‬
‫ف رسول الله صلى الله‬ ‫ضي ُ‬‫يا رسول الله‪ .‬فذهب إلى أهله فقال لمرأته ‪َ :‬‬
‫ت الصبية‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫دخريه شيًئا‪ .‬فقالت ‪ :‬والله ما عندي إل قو ُ‬ ‫عليه وسلم ل ت َ ّ‬
‫وميهم وتعالى فأطفئي السراج وَنطوي بطوننا‬ ‫شاء فن ّ‬ ‫ة العَ َ‬ ‫فإذا أراد الصبي ُ‬
‫الليلة‪ .‬ففعَلت ‪ ،‬ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬لقد عجب الله ‪ ،‬عز وجل ‪ -‬أو ‪ :‬ضحك ‪ -‬من فلن وفلنة"‪ .‬وأنزل الله‬
‫ة { )‪.(4‬‬ ‫ص ٌ‬
‫صا َ‬
‫خ َ‬‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫م وَل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫ن عََلى أ َن ْ ُ‬‫عز وجل ‪ } :‬وَي ُؤْث ُِرو َ‬
‫وكذا رواه البخاري في موضع آخر ‪ ،‬ومسلم والترمذي والنسائي من طرق ‪،‬‬
‫عن فضيل بن غزوان ‪ ،‬به نحوه )‪ .(5‬وفي رواية لمسلم تسمية هذا النصاري‬
‫بأبي طلحة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬من سلم من‬ ‫حو‬‫ل‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫فسه فَ ُ‬
‫أو‬ ‫ن ُيوقَ ُ‬
‫ُ ِ ُ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ح نَ ْ ِ ِ‬‫ش ّ‬ ‫م ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫الشح فقد أفلح وأنجح‪.‬‬
‫قال أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا داود بن قيس الفراء ‪ ،‬عن عَُبيد الله بن‬
‫سم ‪ ،‬عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ح‬
‫ش ّ‬‫ح ‪ ،‬فإن ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ت يوم القيامة ‪ ،‬واتقوا ال ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫"إياكم والظلم ‪ ،‬فإن الظلم ظلما ٌ‬
‫ّ‬
‫كوا دماءهم واسَتحلوا محارمهم"‪.‬‬ ‫ف ُ‬ ‫س َ‬ ‫أهلك من كان قبلكم ‪ ،‬حملهم على أن َ‬
‫ي ‪ ،‬عن داود بن قيس ‪ ،‬به )‪.(6‬‬ ‫قعْن َب ِ ّ‬
‫انفرد بإخراجه مسلم ‪ ،‬فرواه عن ال َ‬
‫وقال العمش وشعبة ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪ ،‬عن عبد الله بن الحارث ‪ ،‬عن‬
‫زهير بن القمر ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬اتقوا الظ ّْلم ؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ‪ ،‬واتقوا‬
‫ح ؛ فإنه أهل َ‬
‫ك‬ ‫ش ّ‬ ‫ش ‪ ،‬وإياكم وال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ّ‬
‫حش ‪ ،‬فإن الله ل يحب الفحش ول الت ّ َ‬ ‫ف ْ‬
‫ال ُ‬
‫من كان قبلكم ‪ ،‬أمرهم بالظلم فظلموا ‪ ،‬وأمرهم بالفجور ففجروا ‪ ،‬وأمرهم‬
‫بالقطيعة فقطعوا"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬حبه مسكيًنا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬وهكذا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬اعرضوه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(4889‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (3798‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2054‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪ (3304‬وسنن النسائي الكبرى برقم )‪.(11582‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (3/323‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2578‬‬

‫) ‪(8/71‬‬

‫ورواه أحمد وأبو داود من طريق شعبة ‪ ،‬والنسائي من طريق العمش ‪،‬‬
‫مّرة ‪ ،‬به )‪.(1‬‬ ‫كلهما عن عمرو بن ُ‬
‫سَهيل بن أبي صالح ‪ ،‬عن صفوان‬ ‫وقال الليث ‪ ،‬عن يزيد ]بن الهاد[ )‪ (2‬عن ُ‬
‫بن أبي يزيد ‪ ،‬عن القعقاع بن اللجلج )‪ (3‬عن أبي هريرة ‪ ،‬أنه سمع رسول‬
‫ن جهنم‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬ل يجتمع غبار في سبيل الله ودخا ُ‬
‫دا" )‪.(4‬‬
‫دا ‪ ،‬ول يجتمع الشح واليمان في قلب عبد أب ً‬ ‫في جوف عبد أب ً‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبدة بن سليمان ‪ ،‬أخبرنا ابن المبارك‬
‫‪ ،‬حدثنا المسعودي ‪ ،‬عن جامع بن شداد ‪ ،‬عن السود بن هلل قال ‪ :‬جاء‬
‫رجل إلى عبد الله فقال ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن ‪ ،‬إني أخاف أن أكون قد هلكت‬
‫ح‬
‫ش ّ‬‫ن ُيوقَ ُ‬‫م ْ‬‫فقال له عبد الله ‪ :‬وما ذاك ؟ قال ‪ :‬سمعت الله يقول ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { وأنا رجل شحيح ‪ ،‬ل أكاد أن أخرج من يدي‬ ‫حو َ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫سهِ فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ف ِ‬
‫نَ ْ‬
‫شيًئا! فقال عبد الله ‪ :‬ليس ذلك )‪ (5‬بالشح الذي ذكر الله في القرآن ‪ ،‬إنما‬
‫ما ‪ ،‬ولكن ذلك )‪(6‬‬ ‫الشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظل ً‬
‫البخل ‪ ،‬وبئس الشيء البخل" )‪(7‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن طارق بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن‬
‫أبي الهياج السدي قال ‪ :‬كنت أطوف بالبيت ‪ ،‬فرأيت رجل يقول ‪ :‬اللهم قني‬
‫شح نفسي"‪ .‬ل يزيد على ذلك ‪ ،‬فقلت له ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني إذا وقيت شح نفسي‬
‫لم أسرق ولم أزن ولم أفعل" ‪ ،‬وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬رواه ابن جرير )‪(8‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا سليمان بن عبد الرحمن‬
‫جمع بن جارية النصاري ‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫الدمشقي ‪ ،‬حدثنا إسماعيل ابن عَّياش ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫عن عمه يزيد بن جارية ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫من أدى الزكاة ‪ ،‬وقََرى الضيف ‪ ،‬وأعطى في‬ ‫وسلم قال ‪َ" :‬بريء من الشح َ‬
‫النائبة" )‪.(9‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وان َِنا ال ِ‬ ‫خ َ‬‫فْر لَنا َول ْ‬‫َ‬ ‫ن َرب َّنا اغْ ِ‬ ‫ُ‬
‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬
‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫جاُءوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقوله ‪َ } :‬وال ِ‬
‫م{‬ ‫حي ٌ‬‫ف َر ِ‬ ‫ك َرُءو ٌ‬ ‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ل ِفي قُلوب َِنا ِغل ل ِل ِ‬ ‫جعَ ْ‬
‫ن َول ت َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫قوَنا ِبالي َ‬ ‫سب َ ُ‬‫َ‬
‫هؤلء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء ‪ ،‬وهم‬
‫المهاجرون ثم النصار ‪ ،‬ثم التابعون بإحسان ‪ ،‬كما قال في آية براءة ‪:‬‬
‫ي‬
‫ض َ‬‫ن َر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِإ ِ ْ‬‫ن ات ّب َُعوهُ ْ‬ ‫صارِ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ري َ‬‫ج ِ‬
‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ن الوُّلو َ‬ ‫قو َ‬‫ساب ِ ُ‬
‫} َوال ّ‬
‫م { ]التوبة ‪ [100 :‬فالتابعون لهم بإحسان‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬‫الل ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (2/159‬وسنن أبي داود برقم )‪ (1698‬وسنن النسائي الكبرى‬
‫برقم )‪.(11583‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬الجلح"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه النسائي في السنن )‪.(6/13‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬ليس ذاك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬ذاك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (28/29‬من طريق جامع به‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(28/29‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪ (28/29‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم )‬
‫‪ (10842‬من طريق محمد بن إسحاق به ‪ ،‬وروي مرسل ً ‪ ،‬رواه الطبراني في‬
‫المعجم الكبير )‪ (4/188‬من طريق عمرو بن يحيى وإبراهيم بن إسماعيل ‪،‬‬
‫وابن حبان في الثقات )‪ (4/202‬من طريق ابن المبارك ‪ ،‬كلهم عن مجمع‬
‫ابن يحيى ‪ ،‬عن عمه مرس ً‬
‫ل‪.‬‬

‫) ‪(8/72‬‬

‫هم ‪ :‬المتبعون لثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة ‪ ،‬الداعون لهم في السر‬


‫م‬
‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جاُءوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫والعلنية ؛ ولهذا قال في هذه الية الكريم ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ن َول‬ ‫ما ِ‬ ‫قوَنا ِبالي َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬‫خ َ‬ ‫فْر ل ََنا َول ْ‬‫ن { أي ‪ :‬قائلين ‪َ } :‬رب َّنا اغْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ف‬‫ك َرُءو ٌ‬ ‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫دا } ل ِل ِ‬ ‫ضا وحس ً‬ ‫ُ‬
‫ل ِفي قُلوب َِنا ِغل { أي ‪ :‬بغ ً‬ ‫جعَ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫م { وما أحسن ما استنبط المام مالك من هذه الية الكريمة ‪ :‬أن‬ ‫حي ٌ‬‫َر ِ‬
‫ب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه‬ ‫الرافضي الذي يس ّ‬
‫قوَنا‬ ‫سب َ ُ‬‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وان َِنا ال ِ‬ ‫خ َ‬‫فْر لَنا َول ْ‬ ‫َ‬ ‫بما مدح الله به هؤلء في قولهم ‪َ } :‬رب َّنا اغْ ِ‬
‫م {‪.‬‬‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫َ‬
‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّك َرُءو ٌ‬ ‫نآ َ‬ ‫ل ِفي قُُلوب َِنا ِغل ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جعَ ْ‬
‫ن َول ت َ ْ‬
‫ما ِ‬ ‫ِبالي َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ‪ ،‬حدثنا محمد‬
‫بن بشر ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة أنها‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫قالت ‪ :‬أمروا أن يستغفروا لهم ‪ ،‬فسبوهم! ثم قرأت هذه الية ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ن { الية‪.‬‬ ‫ما ِ‬ ‫قوَنا ِبالي َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫فْر ل ََنا َول ْ‬ ‫ن َرب َّنا اغْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جاُءوا ِ‬ ‫َ‬
‫وقال إسماعيل بن عُلية ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن‬ ‫َ‬
‫عائشة قالت ‪ :‬أمرتم بالستغفار لصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫ت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬ل تذهب هذه المة‬ ‫فسببتموهم‪ .‬سمع ُ‬
‫حتى يلعن آخرها أولها"‪ .‬رواه البغوي )‪..(1‬‬
‫دد ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫سول ِهِ ِ‬ ‫ه عَلى َر ُ‬ ‫ما أَفاَء الل ُ‬ ‫الزهري قال ‪ :‬قال عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ب { قال الزهري ‪ :‬قال عمر ‪ :‬هذه لرسول‬ ‫كا ٍ‬ ‫ل َول رِ َ‬ ‫خي ْ ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ِ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫دك وكذا[ )‪ (2‬وكذا ‪ ،‬فما‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم خاصة ‪ُ ،‬قرى ]عربية ‪ :‬فَ َ‬
‫أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي‬
‫والمساكين وابن السبيل وللفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ‪،‬‬
‫م{‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جاُءوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م { } َوال ّ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫داَر َوالي َ‬ ‫ن ت َب َوُّءوا ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫فاستوعبت هذه الية الناس ‪ ،‬فلم يبق أحد من المسلمين إل له فيها حق ‪-‬‬
‫قال أيوب ‪ :‬أو قال ‪ :‬حظ ‪ -‬إل بعض من تملكون من أرقائكم‪ .‬كذا رواه أبو‬
‫داود ‪ ،‬وفيه انقطاع )‪.(3‬‬
‫مر ‪ ،‬عن‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن ثور ‪ ،‬عن َ‬
‫دثان قال ‪ :‬قرأ عمر‬ ‫ح َ‬ ‫أيوب ‪ ،‬عن عكرمة ابن خالد ‪ ،‬عن مالك بن أوس بن ال َ‬
‫م‬
‫ن { حتى بلغ } عَِلي ٌ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَراِء َوال ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬‫صد ََقا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫بن الخطاب ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ما غَن ِ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫م { ]التوبة ‪ ، [60 :‬ثم قال هذه لهؤلء ‪ ،‬ثم قرأ ‪َ } :‬واعْل َ ُ‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ن[ { )‬ ‫كي‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫مى‬ ‫تا‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫]‬ ‫بى‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ذي‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫لل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ ُ َ ّ ُ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه عَلى‬ ‫ما أَفاَء الل ُ‬ ‫‪] (4‬النفال ‪ ، [41 :‬ثم قال ‪ :‬هذه لهؤلء ‪ ،‬ثم قرأ ‪َ } :‬‬
‫رسول ِه م َ‬
‫ن{‬ ‫ما َ‬ ‫داَر َوالي َ‬ ‫ن ت َب َوُّءوا ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫قَرى { حتى بلغ للفقراء } َوال ّ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫َ ُ ِ ِ ْ‬
‫م { ثم قال ‪ :‬استوعبت هذه الية المسلمين عامة ‪،‬‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جاُءوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬

‫__________‬
‫)‪ (1‬معالم التنزيل للبغوي )‪ (8/08‬وله شاهد في صحيح مسلم برقم )‪(3022‬‬
‫عن عروة قال ‪ :‬قالت لي عائشة ‪" :‬يا ابن أختي ‪ ،‬أمروا أن يستغفروا‬
‫لصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م ‪ ،‬أ ‪ ،‬وسنن أبي داود‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪(2966‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من م‪.‬‬

‫) ‪(8/73‬‬

‫فروا م َ‬ ‫َ‬
‫ب ل َئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫وان ِهِ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ِل ِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫قوا ي َ ُ‬ ‫ن َنافَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫خرجن معك ُم وَل نطيع فيك ُ َ‬ ‫أُ ْ‬
‫ه‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫صَرن ّك ُ ْ‬ ‫م ل َن َن ْ ُ‬ ‫ن ُقوت ِل ْت ُ ْ‬ ‫دا وَإ ِ ْ‬ ‫دا أب َ ً‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫م ل َن َ ْ ُ َ ّ َ َ ْ َ ُ ِ ُ ِ ْ‬ ‫جت ُ ْ‬
‫خرِ ْ‬
‫ن ُقوت ُِلوا َل‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫جوا َل ي َ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫ن )‪ (11‬ل َئ ِ ْ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫شد ّ َرهْب َ ً‬ ‫مأ َ‬ ‫ن )‪ (12‬لن ْت ُ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ي ُن ْ َ‬ ‫ن الد َْباَر ث ُ ّ‬ ‫م لي ُوَ َل ّ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م وَلئ ِ ْ‬ ‫صُرون َهُ ْ‬ ‫ي َن ْ ُ‬
‫ميًعا إ ِلّ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫قات ِلون َك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (13‬ل ي ُ َ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ِفي ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ميًعا وَقُلوب ُهُ ْ‬
‫م‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ديد ٌ ت َ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫جد ُرٍ ب َأ ُ‬ ‫ن وََراِء ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صن َةٍ أوْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِفي قًُرى ُ‬
‫ريًبا َذاقوا وََبا َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شّتى ذ َل ِ َ‬
‫ل‬ ‫مق ِ‬ ‫ن قب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫ن )‪ (14‬ك َ‬ ‫قلو َ‬ ‫م ل ي َعْ ِ‬ ‫م قوْ ٌ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فَر‬‫ما ك َ‬ ‫فْر فل ّ‬ ‫ن اك ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن إ ِذ ْ قال ل ِل ِن ْ َ‬ ‫شي ْطا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مث ِ‬ ‫م )‪ (15‬ك َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَلهُ ْ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ك إ ِّني أ َ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫وليس أحد إل له فيها حق )‪ ، (1‬ثم قال ‪ :‬لئن عشت ليأتين الراعي ‪ -‬وهو‬
‫حمير ‪ -‬نصيبه فيها ‪ ،‬لم يعرق فيها جبينه‪.‬‬ ‫َبسرو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ب لئ ِ ْ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫وان ِهِ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫نل ْ‬ ‫قولو َ‬ ‫قوا ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن َناف ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ ِلى ال ِ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫خرجن معك ُم ول نطيع فيك ُ َ‬ ‫أُ ْ‬
‫ه‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫صَرن ّك ُ ْ‬ ‫م ل َن َن ْ ُ‬ ‫ن ُقوت ِل ْت ُ ْ‬ ‫دا وَإ ِ ْ‬ ‫دا أب َ ً‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫م ل َن َ ْ ُ َ ّ َ َ ْ َ ُ ِ ُ ِ ْ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫خرِ ْ‬
‫ن ُقوت ُِلوا ل‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫جوا ل ي َ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫ن )‪ (11‬ل َئ ِ ْ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫شد ّ َرهْب َ ً‬ ‫مأ َ‬ ‫ن )‪ (12‬لن ْت ُ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ي ُن ْ َ‬ ‫ن الد َْباَر ث ُ ّ‬ ‫م ل َي ُوَ َل ّ ّ‬‫صُروهُ ْ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬ ‫صُرون َهُ ْ‬ ‫ي َن ْ ُ‬
‫ميًعا ِإل‬ ‫ج ِ‬‫م َ‬ ‫قات ِلون َك ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن )‪ (13‬ل ي ُ َ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ذ َل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ِفي ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ميًعا وَقُلوب ُهُ ْ‬
‫م‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ديد ٌ ت َ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫جد ُرٍ ب َأ ُ‬ ‫ن وََراِء ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صن َةٍ أوْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِفي قًُرى ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ريًبا َذاُقوا وََبا َ‬
‫ل‬ ‫م قَ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫ن )‪ (14‬ك َ َ‬ ‫قلو َ‬ ‫م ل ي َعْ ِ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫شّتى ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فَر‬ ‫ما ك َ‬ ‫فْر فَل ّ‬ ‫ن اك ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل ِللن ْ َ‬ ‫ن إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫شي ْطا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫م )‪ (15‬ك َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَلهُ ْ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (16‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ك إ ِّني أ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فيها جزء"‪.‬‬

‫) ‪(8/74‬‬

‫ن )‪(17‬‬ ‫جَزاءُ ال ّ‬ ‫ن ِفيَها وَذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬


‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫خال ِد َي ْ ِ‬ ‫ما ِفي الّنارِ َ‬ ‫ما أن ّهُ َ‬ ‫عاقِب َت َهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬

‫ن )‪{ (17‬‬ ‫جَزاُء ال ّ‬ ‫ن ِفيَها وَذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫} فَ َ‬


‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫خال ِد َي ْ ِ‬ ‫ما ِفي الّنارِ َ‬ ‫ما أن ّهُ َ‬ ‫عاقِب َت َهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬
‫يخبر تعالى عن المنافقين كعبد الله بن أبي وأضرابه ‪ ،‬حين بعثوا إلى يهود‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫دونهم النصر من أنفسهم ‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬أل َ ْ‬ ‫بني النضير َيع ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫ج ّ‬ ‫خُر َ‬ ‫م لن َ ْ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ب لئ ِ ْ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫وان ِهِ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫نل ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫قوا ي َ ُ‬ ‫َنافَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { قال الله تعالى ‪:‬‬ ‫صَرن ّك ُ ْ‬ ‫م ل َن َن ْ ُ‬ ‫ن ُقوت ِل ْت ُ ْ‬ ‫دا وَإ ِ ْ‬ ‫دا أب َ ً‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫طيعُ ِفيك ُ ْ‬ ‫م َول ن ُ ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬لكاذبون فيما وعدوهم به إما أنهم )‪(1‬‬ ‫م لكاذُِبو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه ي َشهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫} َوالل ُ‬
‫قالوا لهم قول من نيتهم أل يفوا لهم به ‪ ،‬وإما أنهم )‪ (2‬ل يقع منهم الذي‬
‫م { أي ‪ :‬ل يقاتلون معهم ‪،‬‬ ‫صُرون َهُ ْ‬ ‫ن ُقوت ُِلوا ل ي َن ْ ُ‬ ‫قالوه ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫ن { وهذه‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ي ُن ْ َ‬ ‫ن الد َْباَر ث ُ ّ‬ ‫م { أي ‪ :‬قاتلوا معهم } ل َي ُوَل ّ ّ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫} وَل َئ ِ ْ‬
‫بشارة مستقلة بنفسها‪.‬‬
‫ن اللهِ { أي ‪ :‬يخافون منكم‬ ‫ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ة ِفي ُ‬ ‫شد ّ َرهْب َ ً‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬لن ْت ُ ْ‬
‫ة‬
‫شي َ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫س كَ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ريقٌ ِ‬ ‫أكثر َمنَ خوفهم من الله ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬إ َِذا فَ ِ‬
‫َ‬ ‫ة { ]النساء ‪ [77 :‬؛ ولهذا قال ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬ ‫الل ّهِ أوْ أ َ‬
‫مل‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫شي َ ً‬ ‫خ ْ‬ ‫شد ّ َ‬
‫ن{‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫جد ُرٍ { )‪(3‬‬ ‫ن وََراِء ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صن َةٍ أوْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ميًعا ِإل ِفي قًُرى ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫قات ِلون َك ْ‬ ‫ثم قال } ل ي ُ َ‬
‫جبنهم وهَلعهم ل يقدرون على مواجهة جيش السلم‬ ‫َ‬ ‫يعني ‪ :‬أنهم من ُ‬
‫بالمبارزة والمقابلة )‪ (4‬بل إما في حصون أو من وراء جدر )‪ (5‬محاصرين ‪،‬‬
‫فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬إما لنهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬إما لنهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أو من وراء جدار"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬والمقاتلة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أو من وراء جدار"‪.‬‬
‫) ‪(8/74‬‬

‫ديد ٌ { أي ‪ :‬عداوتهم ]فيما[ )‪ (1‬بينهم شديدة ‪ ،‬كما‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬


‫ش ِ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬‫سهُ ْ‬ ‫ثم قال } ب َأ ُ‬
‫ْ‬
‫م‬‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ض { ]النعام ‪ [65 :‬؛ ولهذا قال ‪ } :‬ت َ ْ‬ ‫س ب َعْ ٍ‬ ‫م ب َأ َ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ذيقَ ب َعْ َ‬ ‫قال ‪ } :‬وَي ُ ِ‬
‫شّتى { أي ‪ :‬تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين ‪ ،‬وهم‬ ‫م َ‬ ‫ميًعا وَقُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ج ِ‬‫َ‬
‫مختلفون غاية الختلف‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫م قوْ ٌ‬ ‫قال ‪ :‬إبراهيم النخعي ‪ :‬يعني ‪ :‬أهل الكتاب والمنافقين } ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ‬
‫ن{‬ ‫قُلو َ‬‫ي َعْ ِ‬
‫م{‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫م عَذا ٌ‬ ‫م وَلهُ ْ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫ريًبا ذاقوا وََبال أ ْ‬ ‫مق ِ‬ ‫ن قب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫مث ِ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ك َ‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬والسدى ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪] :‬يعني[ )‪ (2‬كمثل ما أصاب كفار‬
‫قريش يوم بدر‪.‬‬
‫م { يعني ‪ :‬يهود بني قينقاع‪ .‬وكذا‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫وقال ابن عباس ‪ } :‬ك َ َ‬
‫قال قتادة ‪ ،‬ومحمد ابن إسحاق‪.‬‬
‫وهذا القول أشبه بالصواب ‪ ،‬فإن يهود بني قينقاع كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قد أجلهم قبل هذا‪.‬‬
‫ك‬‫من ْ َ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫فَر َقا َ‬ ‫َ‬
‫ما ك َ‬ ‫َ‬
‫فْر فَل ّ‬ ‫ْ‬
‫ن اك ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل ِللن ْ َ‬ ‫ن إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َ َ‬
‫{ يعني ‪ :‬مثل هؤلء اليهود في اغترارهم بالذين وعدوهم النصر من المنافقين‬
‫جد ّ‬ ‫م { ثم لما حقت الحقائق و َ‬ ‫صَرن ّك ُ ْ‬ ‫م ل َن َن ْ ُ‬ ‫ن ُقوت ِل ْت ُ ْ‬ ‫‪ ،‬وقول المنافقين لهم ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫بهم الحصار والقتال ‪ ،‬تخلوا عنهم وأسلموهم للهلكة ‪ ،‬مثالهم في هذا كمثل‬
‫الشيطان إذ )‪ (3‬سول للنسان ‪ -‬والعياذ بالله ‪ -‬الكفر ‪ ،‬فإذا دخل فيما سوله‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫)‪ (4‬تبرأ منه وتنصل ‪ ،‬وقال ‪ } :‬إ ِّني أ َ َ‬
‫وقد ذكر بعضهم هاهنا قصة لبعض عباد بني إسرائيل هي كالمثال لهذا‬
‫المثل ‪ ،‬ل أنها المرادة وحدها بالمثل ‪ ،‬بل هي منه مع غيرها من الوقائع‬
‫المشاكله لها ‪ ،‬فقال ابن جرير ‪:‬‬
‫مْيل ‪ ،‬أخبرنا شعبة ‪ ،‬عن أبي‬ ‫ش َ‬ ‫حدثنا خلد بن أسلم ‪ ،‬أخبرنا النضر بن ُ‬
‫إسحاق ‪ ،‬سمعت عبد الله بن ن َِهيك قال ‪ :‬سمعت علًيا ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬إن راهًبا تعبد ستين سنة ‪ ،‬وإن الشيطان أراده فأعياه ‪ ،‬فعمد إلى‬
‫امرأة فأجّنها ولها إخوة ‪ ،‬فقال لخوتها ‪ :‬عليكم بهذا القس فيداويها‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فجاءوا بها إليه فداواها ‪ ،‬وكانت عنده ‪ ،‬فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته ‪،‬‬
‫فأتاها فحملت ‪ ،‬فعمد إليها فقتلها ‪ ،‬فجاء إخوتها ‪ ،‬فقال الشيطان للراهب ‪:‬‬
‫أنا صاحبك ‪ ،‬إنك أعييتني ‪ ،‬أنا صنعت هذا بك فأطعني أنجك مما صنعت بك ‪،‬‬
‫فاسجد لي سجدة‪ .‬فسجد له ‪ ،‬فلما سجد له قال ‪ :‬إني بريء منك ‪ ،‬إني‬
‫ن‬‫سا ِ‬ ‫ل ِللن ْ َ‬ ‫ن إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫أخاف الله رب العالمين ‪ ،‬فذلك قوله ‪ } :‬ك َ َ‬
‫ن { )‪.(5‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ك إ ِّني أ َ َ‬ ‫من ْ َ‬‫ريٌء ِ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫فَر َقا َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫فْر فَل َ ّ‬‫اك ْ ُ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن جده ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عمارة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن يزيد ‪ ،‬عن عبد‬
‫ما‬‫فْر فَل َ ّ‬ ‫ن اك ْ ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل ِللن ْ َ‬ ‫ن إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مث َ ِ‬‫الله بن مسعود في هذه الية ‪ } :‬ك َ َ‬
‫ن { قال ‪ :‬كانت‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ك إ ِّني أ َ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫فَر َقا َ‬ ‫كَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬إذا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬سوله له"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(28/33‬‬

‫) ‪(8/75‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ه إِ ّ‬‫قوا الل ّ َ‬ ‫ت ل ِغَد ٍ َوات ّ ُ‬‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬
‫س َ‬ ‫ٌ‬ ‫ه وَل ْت َن ْظ ُْر ن َ ْ‬
‫ف‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م ُأول َئ ِ َ‬ ‫م أ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ساهُ ْ‬ ‫ه فَأن ْ َ‬‫سوا الل ّ َ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫ن )‪ (18‬وََل ت َ ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جن ّةِ هُ ُ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫جن ّةِ أ ْ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ب الّنارِ وَأ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫وي أ ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫ن )‪ (19‬ل ي َ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫هُ ُ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫ال ْ َ‬

‫امرأة ترعى الغنم ‪ ،‬وكان لها أربعة أخوة ‪ ،‬وكانت تأوي بالليل إلى صومعة‬
‫جر بها ‪ ،‬فحملت ‪ ،‬فأتاه الشيطان فقال له ‪:‬‬ ‫راهب‪ .‬قال ‪ :‬فنزل الراهب فف َ‬
‫دق يسمع قولك‪ .‬فقتلها ثم دفتها‪ .‬قال ‪ :‬فأتى‬ ‫مص ّ‬ ‫اقتلها ثم ادفنها ‪ ،‬فإنك رجل ُ‬
‫جر‬ ‫ن إخوتها في المنام فقال لهم ‪ :‬إن الراهب صاحب الصومعة ف َ‬ ‫الشيطا ُ‬
‫بأختكم ‪ ،‬فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا‪ .‬فلما أصبحوا قال‬
‫رجل منهم ‪ :‬والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟‬
‫قالوا ‪ :‬ل بل قصها علينا‪ .‬قال ‪ :‬فقصها ‪ ،‬فقال الخر ‪ :‬وأنا والله لقد رأيت‬
‫ذلك ‪ ،‬فقال الخر ‪ :‬وأنا والله لقد رأيت ذلك‪ .‬فقالوا ‪ :‬فوالله ما هذا إل‬
‫لشيء‪ .‬قال ‪ :‬فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب ‪ ،‬فأتوه فأنزلوه‬
‫ثم انطلقوا به فلقيه الشيطان فقال ‪ :‬إني أنا الذي أوقعتك في هذا ‪ ،‬ولن‬
‫ينجيك منه غيري ‪ ،‬فاسجد لي سجدة واحدةً وأنجيك مما أوقعتك فيه‪ .‬قال ‪:‬‬
‫خذ َ فقتل )‪.(1‬‬ ‫ملكهم ت ََبرأ منه ‪ ،‬وأ ُ ِ‬ ‫فسجد له ‪ ،‬فلما أتوا به َ‬
‫وكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬وطاوس ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪ ،‬نحو ذلك‪ .‬واشتهر‬
‫عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برصيصا ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وهذه القصة‬
‫جا اتهمته امرأة َبغي بنفسها ‪ ،‬وادعت أن‬ ‫جَريج العابد ‪ ،‬فإن جري ً‬ ‫مخالفة لقصة ُ‬
‫حملها منه ‪ ،‬ورفعت أمره إلى ولي المر ‪ ،‬فأمر به فأنزل من صومعته‬ ‫َ‬
‫خربت صومعته وهو يقول ‪ :‬ما لكم ؟ ما لكم ؟ فقالوا ‪ :‬يا عدو الله ‪ ،‬فعلت‬ ‫و ُ‬
‫دا ثم‬ ‫بهذه المرأة كذا وكذا‪ .‬فقال ‪ :‬جريج ‪ :‬اصبروا‪ .‬ثم أخذ ابنها وهو صغير ج ً‬
‫قال ‪ :‬يا غلم ‪ ،‬من أبوك ؟ قال )‪ (2‬أبي الراعي ‪ -‬وكانت قد أمكنته من‬
‫ما بليًغا‬ ‫نفسها فحملت منه ‪ -‬فلما رأى بنو إسرائيل ذلك عظموه كلهم تعظي ً‬
‫وقالوا ‪ :‬نعيد صومعتك من ذهب‪ .‬قال ‪ :‬ل بل أعيدوها من طين ‪ ،‬كما كانت‪.‬‬
‫ن ِفيَها { أي ‪ :‬فكانت عاقبة‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫خال ِد َي ْ ِ‬‫ما ِفي الّنارِ َ‬ ‫ما أن ّهُ َ‬ ‫عاقِب َت َهُ َ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬
‫ك‬‫المر بالكفر والفاعل له ‪ ،‬وتصيرهما )‪ (3‬إلى نار جهنم خالدين فيها ‪ } ،‬وَذ َل ِ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬جزاء كل ظالم‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫جَزاُء ال ّ‬ ‫َ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫ت ل ِغَدٍ َوات ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قد ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ه وَلت َن ْظْر ن َ ْ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ِ‬
‫م ُأول َئ ِكَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سهُ ْ‬‫ف َ‬‫م أن ْ ُ‬ ‫ساهُ ْ‬ ‫ه فأن ْ َ‬ ‫سوا الل َ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (18‬ول ت َكوُنوا كال ِ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جن ّةِ هُ ُ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬‫جن ّةِ أ ْ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ب الّنارِ وَأ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وي أ ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ن )‪ (19‬ل ي َ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫هُ ُ‬
‫ن )‪{ (20‬‬ ‫ال ْ َ ِ ُ َ‬
‫زو‬ ‫ئ‬ ‫فا‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن عون بن أبي‬
‫حْيفة ‪ ،‬عن المنذر ابن جرير ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كنا عند رسول الله صلى الله‬ ‫ج َ‬ ‫ُ‬
‫جَتابي النمار ‪ -‬أو‬ ‫ُ ْ‬ ‫م‬ ‫عراة‬ ‫ُ‬ ‫فاة‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫قوم‬ ‫فجاءه‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫‪،‬‬ ‫النهار‬ ‫صدر‬ ‫في‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬
‫ضر ‪ ،‬بل كلهم من مضر ‪ ،‬فتغير وجه‬ ‫م َ‬‫قّلدي السيوف عامتهم من ُ‬ ‫مت َ َ‬‫‪ :‬العََباء ‪ُ -‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة ‪ ،‬قال ‪ :‬فدخل ثم‬
‫خرج ‪ ،‬فأمر بلل فأذن وأقام الصلة ‪ ،‬فصلى ثم خطب ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬يا أ َي َّها‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫حد َةٍ { إلى آخر الية ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫س َوا ِ‬
‫ف ٍ‬
‫ن نَ ْ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫خل َ َ‬
‫قك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬
‫قوا َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬‫الّنا ُ‬
‫م َرِقيًبا { ]النساء ‪ .[1 :‬وقرأ الية التي في الحشر ‪ } :‬وَل ْت َن ْظْرُ‬ ‫ن عَل َي ْك ُْ‬
‫كا َ‬‫َ‬
‫ت ل ِغَد ٍ {‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫نَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(28/33‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬ومصيرهما"‪.‬‬

‫) ‪(8/76‬‬

‫دق رجل من ديناره ‪ ،‬من درهمه ‪ ،‬من ثوبه ‪ ،‬من صاع ب ُّره ‪ ،‬من صاع‬ ‫ص ّ‬ ‫تَ َ‬
‫صرة‬ ‫تمره ‪ -‬حتى قال ‪ : -‬ولو بشق تمرة"‪ .‬قال ‪ :‬فجاء رجل من النصار ب ُ‬
‫كادت كفه َتعجز عنها ‪ ،‬بل قد عجزت ‪ ،‬ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من‬
‫طعام وثياب ‪ ،‬حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه كأنه‬
‫ن في السلم سنة‬ ‫س ّ‬ ‫من َ‬ ‫ذهبة ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪َ " :‬‬ ‫م ْ‬‫ُ‬
‫قص من أجورهم‬ ‫حسنة ‪ ،‬فله أجرها وأجر من عمل بها بعده ‪ ،‬من غير أن َين ُ‬
‫ن في السلم سنة سيئة ‪ ،‬كان عليه وِْزُرها ووزر من عمل بها‬ ‫س ّ‬ ‫شيء ‪ ،‬ومن َ‬
‫‪ ،‬من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبه ‪ ،‬بإسناد مثله )‪.(1‬‬
‫َ‬
‫ه { أمر بتقواه ‪ ،‬وهي تشمل فعل‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فقوله تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ما به أمر ‪ ،‬وترك ما عنه زجر‪.‬‬
‫ت ل ِغَد ٍ { أي ‪ :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ْت َن ْظ ُْر ن َ ْ‬
‫تحاسبوا ‪ ،‬وانظروا ماذا ادخرتم لنفسكم من العمال الصالحة ليوم معادكم‬
‫ما‬‫خِبيٌر ب ِ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه { تأكيد ثان ‪ } ،‬إ ِ ّ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫وعرضكم على ربكم ‪َ } ،‬وات ّ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم )‪ (2‬ل تخفى عليه‬ ‫مُلو َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫منكم خافية ‪ ،‬ول يغيب عنه من أموركم جليل ول حقير‪.‬‬
‫م أ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬ل تنسوا‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ساهُ ْ‬ ‫ه فَأن ْ َ‬ ‫سوا الل ّ َ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫وقال )‪َ } (3‬ول ت َ ُ‬
‫ذكر الله فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم ‪ ،‬فإن‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫الجزاء من جنس العمل ؛ ولهذا قال ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫الخارجون عن طاعة الله ‪ ،‬الهالكون يوم القيامة ‪ ،‬الخاسرون يوم معادهم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫كما قال ‪ } :‬يا أ َيها ال ّذين آمنوا ل تل ْهك ُ َ‬
‫ن ذِك ْرِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م عَ ْ‬ ‫م َول أْولد ُك ُ ْ‬ ‫وال ُك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫مأ ْ‬ ‫ُ ِ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ ّ‬
‫ن { ]المنافقون ‪.[9 :‬‬ ‫رو‬ ‫س‬ ‫خا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫أو‬ ‫ك فَ َ ُ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬
‫فعَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫ِ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة‬
‫حريز بن عثمان ‪ ،‬عن نعيم بن‬ ‫الحوطي ‪ ،‬حدثنا ]أبو[ )‪ (4‬المغيرة ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫َنمحة قال ‪ :‬كان في خطبة أبي بكر الصديق ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬أما تعلمون‬
‫أنكم تغدون وتروحون لجل معلوم ؟ فمن استطاع أن يقضي الجل وهو في‬
‫ما‬
‫عمل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فليفعل ‪ ،‬ولن تنالوا ذلك إل بالله ‪ ،‬عز وجل‪ .‬إن قو ً‬
‫سوا‬‫ن نَ ُ‬ ‫ذي َ‬‫كال ّ ِ‬‫كوُنوا َ‬ ‫جعلوا آجالهم لغيرهم ‪ ،‬فنهاكم الله تكونوا أمثالهم ‪َ } :‬ول ت َ ُ‬
‫م أ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م { أين من تعرفون من إخوانكم ؟ قدموا على ما قدموا‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ساهُ ْ‬ ‫ه فَأن ْ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫في أيام سلفهم ‪ ،‬وخلوا بالشقوة والسعادة ‪ ،‬أين الجبارون الولون الذين بنوا‬
‫المدائن وحصنوها بالحوائط ؟ قد صاروا تحت الصخر والبار ‪ ،‬هذا كتاب الله‬
‫ل تفنى عجائبه فاستضيئوا منه ليوم ظلمة ‪] ،‬وائتضحوا بسنائه وبيانه[ )‪ (5‬إن‬
‫ت‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬
‫خي َْرا ِ‬ ‫عو َ‬
‫سارِ ُ‬ ‫م َ‬
‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال ‪ } :‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫ن{‬‫شِعي َ‬ ‫كاُنوا ل ََنا َ‬
‫خا ِ‬ ‫عون ََنا َرغًَبا وََرهًَبا وَ َ‬
‫وَي َد ْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (4/358‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1017‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ " :‬وخفيها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من المعجم الكبير للطبري‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من م ‪ ،‬والمعجم الكبير‪.‬‬

‫) ‪(8/77‬‬

‫َ‬ ‫ل َوْ أ َن َْزل َْنا هَ َ‬


‫ك‬‫شي َةِ الل ّهِ وَت ِل ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫صد ّ ً‬ ‫مت َ َ‬ ‫شًعا ُ‬ ‫خا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ل ََرأي ْت َ ُ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫قْرآ َ َ‬‫ذا ال ْ ُ‬
‫ه إ ِّل هُوَ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫عال ِ ُ‬ ‫ذي َل إ ِل َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (21‬هُوَ الل ّ ُ‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫س ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫ل نَ ْ‬‫مَثا ُ‬ ‫اْل ْ‬
‫مل ِ ُ‬
‫ك‬ ‫ه إ ِّل هُوَ ال ْ َ‬ ‫ذي َل إ ِل َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫م )‪ (22‬هُوَ الل ّ ُ‬ ‫حي ُ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫شَهاد َةِ هُوَ الّر ْ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫ال ْغَي ْ ِ‬
‫ما‬‫ن الل ّهِ عَ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫مت َك َب ُّر ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫جّباُر ال ْ ُ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ن ال ْعَ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مهَي ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫سَل ُ‬ ‫س ال ّ‬ ‫دو ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ح لَ ُ‬
‫ه‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫سَنى ي ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ماُء ال ْ ُ‬ ‫س َ‬‫ه اْل ْ‬ ‫صوُّر ل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫خال ِقُ ال َْبارِئُ ال ْ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫ن )‪ (23‬هُوَ الل ّ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫م )‪(24‬‬ ‫كي‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ز‬ ‫زي‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫و‬
‫ّ َ َ ِ َ ْ ِ َ ُ َ َ ِ ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ما‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ما ِ‬
‫َ ِ ُ‬ ‫َ‬

‫]النبياء ‪ ، [90 :‬ل خير في قول ل يراد به وجه الله ‪ ،‬ول خير في مال ل ينفق‬
‫في سبيل الله ‪ ،‬ول خير فيمن يغلب جهله حلمه ‪ ،‬ول خير فيمن يخاف في‬
‫الله لومة لئم )‪.(1‬‬
‫حريز بن عثمان ‪ ،‬وهو نعيم بن‬ ‫هذا إسناد جيد ‪ ،‬ورجاله كلهم ثقات ‪ ،‬وشيخ َ‬
‫نمحة ‪ ،‬ل أعرفه بنفي ول إثبات ‪ ،‬غير أن أبا داود السجستاني قد حكم بأن‬
‫حريز كلهم ثقات‪ .‬وقد روي لهذه الخطبة شواهد من وجوه أخر ‪ ،‬والله‬ ‫شيوخ َ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جن ّةِ { أي )‪ (2‬ل‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫جن ّةِ أ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ب الّنارِ وَأ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وي أ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬‫يستوي هؤلء وهؤلء في حكم الله يوم القيامة ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫م‬
‫حَياهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫واًء َ‬‫س َ‬‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬ ‫ا ْ‬
‫مى‬ ‫وي العْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن { ]الجاثية ‪ ، [21 :‬وقال } وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫مات ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫سيُء { الية]غافر ‪ .[58 :‬قال‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ت َول ال ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫صيُر َوال ِ‬ ‫َوالب َ ِ‬‫ْ‬
‫جعَ ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫َ‬
‫م نَ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت كال ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫‪}:‬أ ْ‬
‫جارِ { ]ص ‪ [28 :‬؟ في آيات أخر دالت على أن الله ‪ ،‬سبحانه ‪،‬‬ ‫ف ّ‬ ‫كال ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫فائ ُِزو َ‬ ‫جن ّةِ هُ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫يكرم البرار ‪ ،‬ويهين الفجار ؛ ولهذا قال هاهنا ‪ } :‬أ ْ‬
‫{ أي ‪ :‬الناجون المسلمون من عذاب الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫شي َةِ الل ّهِ وَت ِل ْكَ‬ ‫َ‬ ‫} ل َوْ َأنزل َْنا هَ َ‬
‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫صد ّ ً‬ ‫مت َ َ‬ ‫شًعا ُ‬ ‫خا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ل ََرأي ْت َ ُ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫م‬‫عال ِ ُ‬‫ه ِإل هُوَ َ‬ ‫ذي ل إ ِل َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (21‬هُوَ الل ّ ُ‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫س ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫مَثا ُ‬ ‫ال ْ‬
‫مل ِكُ‬ ‫ه ِإل هُوَ ال َْ‬ ‫ذي ل إ ِل ََ‬ ‫ه ال ِّ‬ ‫م )‪ (22‬هُوَ الل ُّ‬ ‫حي ُ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫شَهاد َةِ هُوَ الّر ْ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫ال ْغَي ْ ِ‬
‫ما‬‫ن الل ّهِ عَ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫مت َك َب ُّر ُ‬ ‫جّباُر ال ْ ُ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ن ال ْعَ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مهَي ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫سل ُ‬ ‫س ال ّ‬ ‫دو ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ح لَ ُ‬
‫ه‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫سَنى ي ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ماُء ال ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫صوُّر ل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫خال ِقُ ال َْبارِئُ ال ْ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ن )‪ (23‬هُوَ الل ّ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫م )‪{ (24‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ض وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫َ‬
‫ما لمر القرآن ‪ ،‬ومبينا علو قدره ‪ ،‬وأنه ينبغي وأن تخشع له‬ ‫ً‬ ‫معظ‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫القلوب ‪ ،‬وتتصدع عند سماعه لما فيه من الوعد والوعيد الكيد ‪ } :‬ل َوْ َأنزل َْنا‬
‫شي َةِ الل ّهِ { أي ‪ :‬فإن كان‬ ‫َ‬
‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫صد ّ ً‬ ‫مت َ َ‬ ‫شًعا ُ‬ ‫خا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ل ََرأي ْت َ ُ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫هَ َ‬
‫الجبل في غلظته وقساوته ‪ ،‬لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه ‪ ،‬لخشع وتصدع‬
‫من خوف الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فكيف يليق بكم أيها البشر أل تلين قلوبكم‬
‫وتخشع ‪ ،‬وتتصدع من خشية الله ‪ ،‬وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه ؟‬
‫ن {‪.‬‬‫فك ُّرو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬‫س ل َعَل ّهُ ْ‬
‫ضرِب َُها ِللّنا َ ِ‬ ‫مَثا ُ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ } :‬وَت ِل ْ َ‬
‫ك ال ْ‬
‫ل‬ ‫ن عََلى َ‬
‫جب َ ٍ‬ ‫قْرآ َ‬‫ذا ال ْ ُ‬ ‫قال العوفي ‪ :‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬ل َوْ أنزل َْنا هَ َ‬
‫َ‬
‫شًعا[ { )‪ (3‬إلى آخرها ‪ ،‬يقول ‪ :‬لو أني أنزلت هذا القرآن على‬ ‫خا ِ‬
‫ه َ‬‫]ل ََرأي ْت َ ُ‬
‫ملته إياه ‪ ،‬لتصدع )‪ (4‬وخشع من ثقله ‪ ،‬ومن خشية الله‪ .‬فأمر الله‬ ‫ح ّ‬‫جبل َ‬
‫ن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع‪ .‬ثم‬ ‫الناس إذا نزل عليهم القرآ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المعجم الكبير )‪.(1/60‬‬
‫)‪ (2‬بياض في م‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬لصدع"‪.‬‬

‫) ‪(8/78‬‬

‫قال ‪ :‬كذلك يضرب الله المثال للناس لعلهم يتفكرون‪ .‬وكذا قال قتادة ‪،‬‬
‫وابن جرير‪.‬‬
‫وقد ثبت في الحديث المتواتر ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما‬
‫عمل له المنبر ‪ ،‬وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذع من جذوع‬
‫المسجد ‪ ،‬فلما وضع المنبر أول ما وضع ‪ ،‬وجاء النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ن الجذع وجعل )‪ (1‬يئن‬ ‫ح ّ‬ ‫ليخطب فجاوز الجذع إلى نحو المنبر ‪ ،‬فعند ذلك َ‬
‫مع من الذكر والوحي عنده‪.‬‬ ‫كن )‪ ، (2‬لما كان ُيس َ‬ ‫س ّ‬ ‫كما يئن الصبي الذي ي ُ َ‬
‫ففي بعض روايات هذا الحديث قال الحسن البصري بعد إيراده ‪" :‬فأنتم أحق‬
‫أن تشتاقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجذع" )‪ .(3‬وهكذا‬
‫هذه الية الكريمة ‪ ،‬إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلم الله وفهمته ‪،‬‬
‫لخشعت وتصدعت من خشيته )‪ (4‬فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم ؟ وقد‬
‫َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬ول َو أ َن قُرآنا سيرت به ال ْجبا ُ َ‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬ ‫ض أوْ ك ُل ّ َ‬ ‫ت ب ِهِ الْر ُ‬ ‫ل أوْ قُط ّعَ ْ‬ ‫َ ْ ّ ْ ً ُ َّ ْ ِ ِ ِ َ‬
‫موَْتى { الية ]الرعد ‪ .[31 :‬وقد تقدم أن معنى ذلك ‪ :‬أي لكان هذا القرآن‪.‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫ق‬
‫ق ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫ما ي َ ّ‬ ‫من َْها ل َ َ‬‫ن ِ‬ ‫ه الن َْهاُر وَإ ِ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫جُر ِ‬ ‫ف ّ‬
‫ما ي َت َ َ‬‫جاَرةِ ل َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫شي َةِ الل ّهِ { ]البقرة ‪.[74 :‬‬ ‫خ ْ‬ ‫ِ ْ َ‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ط‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫ماُء وَإ ِ ّ ِ ْ َ َ َ ْ ِ‬
‫ب‬ ‫ل‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫فَي َ ْ‬
‫ن‬
‫م ُ‬‫ح َ‬ ‫شَهاد َةِ هُوَ الّر ْ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬
‫عال ِ ُ‬ ‫ه ِإل هُوَ َ‬ ‫ذي ل إ ِل َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬هُوَ الل ّ ُ‬
‫م { أخبر تعالى أنه الذي ل إله إل هو فل رب غيره ‪ ،‬ول إله للوجود‬ ‫حي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫سواه ‪ ،‬وكل ما يعبد من دونه فباطل ‪ ،‬وأنه عالم الغيب )‪ (5‬والشهادة ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا والغائبات عنا فل يخفى عليه شيء في‬
‫الرض ‪ ،‬ول في السماء من جليل وحقير وصغير وكبير ‪ ،‬حتى الذر في‬
‫الظلمات‪.‬‬
‫م { قد تقدم الكلم على ذلك في أول التفسير ‪،‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ُ‬‫ح َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬هُوَ الّر ْ‬
‫بما أغنى عن إعادته هاهنا‪ .‬والمراد أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع‬
‫المخلوقات ‪ ،‬فهو رحمن الدنيا والخرة ورحيمهما ‪ ،‬وقد قال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫م عَلى‬ ‫ُ‬
‫ب َرب ّك ْ‬ ‫يٍء { ]العراف ‪ ، [156 :‬وقال } ك َت َ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫مِتي وَ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫} وََر ْ‬
‫مت ِهِ فَب ِذ َل ِكَ‬ ‫ح َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ وَب َِر ْ‬ ‫ض ِ‬‫ف ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ة { ]النعام ‪ ، [54 :‬وقال } قل ب ِ َ‬ ‫م َ‬‫ح َ‬‫سهِ الّر ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن { ]يونس ‪.[58 :‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫خي ٌْر ِ‬
‫حوا هُوَ َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ْ‬
‫فَلي َ ْ‬
‫ك { أي ‪ :‬المالك لجميع الشياء‬ ‫ه ِإل هُوَ ال ْ َ‬

Anda mungkin juga menyukai