Anda di halaman 1dari 28

‫اإلعتدال في التدين‬

‫فكرا و سلوكا و منهجا‬


Bersikap Moderat dalam Beragama
Pada Pemikiran, Sikap dan Metodeologi

َ ‫الساَل ُم َع َلى َر ُس ْول هللا‬


ُ ‫ص َّل ى‬
‫هللا‬ َّ ‫ َوالصَّ اَل ُة َو‬،‫الحَ ْم ُد ِل ّٰل ِه َّال ِذي َرض َي َل َنا اإل ْساَل َم ِد ْي ًنا‬
ِ ِ ِ ِ
ّ ،‫ َو ب ُس َّن ته‬،‫ َوبس ْي َرته‬،‫ َو َّالذ ْي َت َم َث َل به‬،‫ املَ ْب ُع ْوث َر ْح َم ًة ل ْل َعامَل ْي َن‬،‫َع َل ْيه َو َس َّل َم‬
َ ‫الد ْي ُن‬
ُّ‫الحق‬
ِ ِِ ِ ِِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ
ُ.‫املُب ْين‬
ِ
Segala puji bagi Allah yang telah meridhai Islam sebagai agama
kita, agama yang benar dan nyata. dan shalawat serta salam atas
Rasulullah SAW, yang diutus sebagai rahmat bagi semesta alam, dan
bagi yang meneladaninya, mengikuti jejak langkah dan Sunnahnya.
‫ الشرع والقانون والطريقة‬: ‫ ومن معانيه اللغوية‬،‫ فإن التدين مأخوذ من الدين‬:‫وبعد‬
‫ أي‬،‫ أو دان بالشيء أي اتخذه دينا و مذهبا‬،‫ من دان به‬،‫واملذهب وامللة والعادة والتقليد‬
ّ ‫ ودان باإلسالم دينا أي تعبد به‬،‫ أو اعتاده‬،‫اعتقده‬
‫ فالتدين هو الطريقة أو‬،‫وتدين‬
ّ ّ
‫ وفي عالقته‬،‫ وهو املنهج الذي يتبعه في حياته‬،‫املذهب الذي يسير عليه املرء نظريا وعمليا‬
. ‫ وفي خضوعه هلل تعالی‬،‫ وفي عبادته لربه‬،‫مع غيره‬
Wa ba’du, ‫ التدين‬diambil dari kata ‫الدين‬, dan dianatara makna secara
bahasa : Syariah, hukum, metode, ideologi, kepercayaan, adat dan
tradisi, siapa pun yang menganutnya, atau dianut oleh sesuatu, yaitu
menjadikannya sebagai agama dan ideologi, yaitu meyakininya, atau
terbiasa dengannya. dan menjadikan Islam sebagai agama, artinya
beribadah dan beragama dengan aturan islam, maka ‫( التدين‬beragama)
adalah dokrin, atau idiologi yang dianut seseorang dalam teori dan
praktik, dan itu adalah jalan yang dia ikuti dalam hidupnya, dalam
hubungannya dengan orang lain, dalam beribadah kepada Tuhannya,
dan dalam ketundukannya kepada Allah Ta’ala.
‫ أي‬،‫واإلسالم هو دين هللا تعالى الذي يدعو إلى االعتدال في جميع جوانب الحياة‬
. ‫االعتدال في التدين‬
‫املؤلف‬
Islam adalah agama Allah Ta’ala, yang menyerukan moderasi dalam
semua aspek kehidupan, yaitu moderasi dalam beragama
-Penulis-
: ‫تعريف االقتصاد‬

‫ من‬،‫ والعدل والتيسير‬،‫ والرشد واالستقامة‬،‫ هو التوسط واالعتدال‬: ‫االقتصاد لغة‬


: ‫ قال تعالى‬،‫ واملقتصد املعتدل‬،‫قصد في األمر قصدا واقتصد اقتصاد توسط‬
Definisi ‫( االقتصاد‬sikap sederhana):

Al-Iqtishad secara bahasa : yaitu pertengahan dan moderat, rasional


dan seimbang, adil dan mudah, berasal dari kata sederhana dalam hal
tersebut dengan sengaja dan hemat ‫( قصد في األمر‬sederhana dalam urusan)
masdarnya ‫ اقتصاد‬,‫ اقتصد‬,‫ قصدا‬artinya pertengahan dan wajan isim failnya
adalah ‫ املقتصد‬artinya orang yang adil/sederhana/moderat. Allah Ta’ala
berfirman :
ۚ َ ۡ َ َ ََ
]32:‫ ﴾ [ لقمان‬... ‫د‬ٞ ‫ فل َّما ن َّج ٰى ُه ۡم ِإلى ٱل َب ّ ِر ف ِم ۡن ُهم ُّم ۡق َت ِص‬...﴿
... maka tatkala Allah menyelamatkan mereka sampai di daratan, lalu
sebagian mereka tetap menempuh jalan yang lurus... [Luqman:32]
:‫ وقال تعالى‬،‫أي معتدل ال ينحرف نحو االفراط و ال نحو التفريط‬
Artinya bersikap moderat, tidak menyimpang ke arah berlebihan dan
tidak pula lalai. Allah Ta’ala berfirman :
َ ‫ير ّم ۡن ُه ۡم َس َٓاء َما َي ۡع َم ُل‬ٞ ‫ۖة َو َكث‬ٞ ‫ة ُّم ۡق َتص َد‬ٞ ‫م ۡن ُه ۡم ُأ َّم‬...﴿
]66:‫ون ﴾ [ املائدة‬ ّ
ِ ِ ِ ِ
...Diantara mereka ada golongan yang pertengahan. Dan alangkah
buruknya apa yang dikerjakan oleh kebanyakan mereka. [Al
Maidah:66]

: ‫ والقصد‬،‫ هو على قصد أي رشد من أمره‬: ‫ ويقال‬،‫ تلتزم الحد الوسط‬،‫أي أمة معتدلة‬
‫اتيان الشيء‪ ،‬تقول‪ :‬قصدته‪ ،‬وقصدت له‪ ,‬و قصدت إليه بمعنى‪ ,‬و القصد العدل‪ ,‬القصد‬
‫استقامة الطريق‪ ,‬و اقتصند في أمره استقام‪ ,‬و منه قوله تعالى ‪:‬‬

‫‪Yaitu umat moderat, yang memegang batasan pertengahan,‬‬


‫‪ada yang berpendapat : ia diatas kesederhanaan yaitu rasional‬‬
‫‪dalam urusannya, Alqasdu artinya :‬‬
‫َ َ َ َّ‬
‫ٱلله َق ۡ‬
‫ص ُد َّ‬
‫ٱلس ِب ِيل ‪ [ ﴾ ...‬النحل‪]9-9:‬‬ ‫﴿وعلى ِ‬
‫أي على هللا الهداي ة إلى الطري ق املس تقيم و الس فر القاص د ‪ :‬ه و امليس ر ال ذي ال مش قة‬
‫ضا َقر ٗيبا َو َس َف ٗرا َقاص ٗدا ٱَّل َّت َب ُع َ‬ ‫َ‬
‫﴿ل ۡو َك َ‬
‫ان َع َر ٗ‬
‫وك ‪ [ ﴾...‬التوبة‪]42-42:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيه‪ ,‬قال تعالى ‪:‬‬

‫واس تعمل االقتص اد في الت دين به ذه املع اني اللغوي ة نفس ها‪ ،‬ق ال الفي ومي‪" :‬قص د في‬
‫األم ر قص دأ‪ ،‬توس ط وطلب األس د‪ ،‬ولم يج اوز الح د"‪ ،‬ورض ي بالتوس ط‪ ،‬فالقص د‬
‫واالقتصاد هو االعتدال في الدين‪ ،‬والتوسط في أحكامه‪ .‬والسلوك فيها مسلكا‪ 1‬وسطا بين‬
‫املغ االة والتقص ير‪ ،‬أو بين اإلف راط والتفري ط‪ ،‬والقصد في النفق ة أو االقتص اد في النفق ة‬
‫هو التوسط بين اإلسراف والتقتير‪ ،‬ومنه قوله صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬

‫"ماخاب من استخار‪ ،‬والندم من استشار‪ ،‬والعال من اقتصدی ‪"2‬‬

‫فاالقتصاد في التدين ‪:‬‬

‫ه و االعت دال واالت زان واالس تقامة والتوس ط في جميع أم ور ال دين‪ ،‬ب دون غل و‬
‫والمغاالة‪ ،‬وبدون تقصير أو إهمال‪.‬‬

‫ق ال ال راغب األص بهاني ‪ :‬واالقتص اد على ض ربين‪ ،‬أح دهما ‪ :‬محم ود على االطالق‪،‬‬
‫وذلك فيما له طرفان ‪ :‬إفراط وتفريط‪ ،‬كالجود‪ ،‬فإنه بين اإلسراف والبخل‪ ،‬وكالشجاعة‬
‫فإنها بين التهور والجبن‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وعلى هذا قوله تعالی ‪:‬‬
‫ۡ‬ ‫َ ۡ‬
‫﴿وٱق ِص ۡد ِفي َمش ِي َك ‪ [ ﴾ ...‬لقمان ‪]19 :‬‬

‫املصباح املنير ‪ ،692 /2‬مادة تصد ‪ ،‬وانظر ‪ :‬القاموس املحيط ‪ ،327/1‬مختار الصحاح ص ‪ ،536‬معجم ألفاظ‬ ‫‪1‬‬

‫القرآن الكريم ‪.47/5‬‬

‫هذا الحديث رواه الطبراني في األوسط عن أنس بن مالك و رضي هللا عنه مرفوعا‪ ،‬واسناد ضعيف ‪ ،‬وعال ‪ :‬افتقر‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫والشطر األخير من الحديث رواه اإلمام أحمد عن ابن مسعود رضي هللا عنه ( ‪.)447/1‬‬
‫وإلى هذا النحو من االقتصاد أشار بقوله ‪:‬‬
‫َٰ َ‬ ‫َ َّ َ َ َ َ ُ ْ َ ۡ ُ ۡ ُ ْ‬
‫وا َو َل ۡم َي ۡق ُت ُر ْوا َو َك َ‬
‫ان َب ۡي َن ذ ِل َك ق َو ٗاما ﴾ [ الفرقان‪]67-67:‬‬ ‫﴿وٱل ِذين ِإذٓا أنفقوا لم يس ِرف‬

‫والثاني‪ :‬يكني به عما يتردد بين املحمود واملذموم‪ ،‬وهو فيما يقع بين محمود ومذموم‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫كالواقع بين العدل والجور‪ ،‬والقريب والبعيد‪.‬‬

‫بواعث االقتصاد في التدين ‪:‬‬

‫إن االقتص اد في ال دين ج اء ب ه الش رع الح نيف أص ال ‪،‬ويؤي ده العق ل‪ ،‬ويتف ق م ع‬


‫الفطرة البشرية‪ ،‬والواقع االنساني‪.‬‬

‫فاإلس الم لم ي أت باإليم ان والعقي دة فحس ب‪ ،‬ولم ينحصر في الغيبي ات وم اوراء‬


‫الطبيعة والكون‪ ،‬وإنما جاء لينظم عالقة اإلنسان بربه‪ ،‬وعالقة اإلنسان بنفسه‪ ،‬وعالقة‬
‫اإلنسان بأخيه اإلنسان‪ ،‬وجاء هذا التنظيم عدة وسطا‪ ،‬الافراط فيه وال تفريط‪ ،‬فأقام‬
‫اإلسالم التوازن بين ال روح والجسد والعق ل‪ ،‬وش رع األحكام إلقامة الت وازن بين ال دنيا‬
‫الى ‪:‬‬ ‫ال تع‬ ‫رة‪ ،‬فق‬ ‫واآلخ‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ ٰ َ َّ ُ َّ َ أۡل ٓ َ َۖ َ اَل َ َ َ َ َ َ ُّ ۡ ۖ َ‬
‫ٱلدن َيا َوأ ۡح ِس ن ك َم ٓا أ ۡح َس َن ٱلل ُه‬ ‫﴿و ۡٱب َت ِغ ِفيم ٓا ءاتى ك ٱلله ٱلدار ٱ ِخ رة و تنس ن ِص يبك ِمن‬
‫َ‬
‫َ ۖ‬
‫ِإل ۡي َك … ﴾ [القصص‪]77-77:‬‬

‫وهذا ماعلمه هللا تعالى للمؤمنين املتقين في دعائهم‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬


‫ٓ‬
‫ٱلنار ُأ ْو َٰل ِئ َك َل ُه ۡم َن ِص ‪ٞ‬‬
‫يب ِّم َّما‬ ‫ُّ ۡ َ َ َ َ ٗ َ أۡل ٓ َ َ َ َ ٗ َ َ َ َ َ َّ‬ ‫َ َّ َ َ َ‬
‫﴿‪ ...‬ربنٓا ءا ِتنا ِفي ٱلدنيا حسنة و ِفي ٱ ِخر ِة حس نة و ِقن ا ع ذاب ِ‬
‫َ َ ُ ْۚ َ َّ‬
‫ٱلل ُه َسر ُيع ۡٱلح َ‬
‫اب ﴾ [ البقرة‪]202-201:‬‬ ‫س‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫كسبوا و‬

‫وهذا مابینه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال ‪:‬‬

‫يركم من‬ ‫دنياه‪ ،‬والخ‬ ‫هل‬ ‫رك آخرت‬ ‫يركم من ت‬ ‫(ليس خ‬


‫‪4‬‬
‫ترك دنياه آلخرته )‬

‫املفردات في غريب القرآن الكريم ص ‪ ،404‬وانظر ‪ :‬بصائر ذوي التمييز ‪ ،272/4‬وأفرد العالمة النوي بابا بعنوان‬ ‫‪3‬‬

‫(االقتصاد في الطاعة) (نزهة املتقين شرح رياض الصالحين للنووي ‪)165/1‬‬

‫رواه الديلمي وابن عساكر عن أنس رضي هللا عنه مرفوعا‪ ،‬وسبق کامال ص ‪.31‬‬ ‫‪4‬‬

‫ول ذلك ح رم اإلس الم الرهباني ة‪ ،‬كم ا س بق‪ ،‬ألنه اء انقط اع عن الحي اة ال دنيا‪ ،‬وتعطي ل ملنافعه ا وقت ل للغرائ ز‬
‫البشرية‪ ،‬وكبت لها‪ ،‬وانحراف عن وظيفة االنسان في الكون‪ ،‬استخالفة وعمارة وبناء وعبودية هلل تعالی‪.‬‬
‫واإلسالم حقق التوازن بين غرائز اإلنسان املختلفة‪ ،‬ووجه ميوله وعواطفه الوجهة‬
‫الصحيحة‪ ،‬التي تحفظ الفرد وتخدم املجتمع‪ ،‬واألمة‪ ،‬وأقام التوازن بين الفرد واملجتمع‪،‬‬
‫بتوطيد العالق ة الس ديدة بين املواطن والدول ة‪ ،‬وع رف كال منهم ا حق ه اليق ف عن ده‪ ،‬وال‬
‫يخرج عنه‪ ،‬وبين لكل منهما واجبه ليؤديه‪ ،‬فال يخرج الفرد على الدولة واملجتمع بالعبث‬
‫والفس اد‪ ،‬واالج رام والتحكم واالحتك ار‪ ،‬والتالعب بمق درات األم ة وق وت أفراده ا‪،‬‬
‫والتتط اول الدول ة على الف رد فتس لبه حقوق ه الطبيعي ة واإلنس انية وتف رض علي ه الظلم‬
‫والطغيان واالستعباد والتسلط لتجعل منه ألة صماء‪ ،‬أو حيوانة أبكم‪ ،‬اليهتم إال بطعامه‬
‫وشرابه‪ ،‬وشهواته‪ ،‬أو عضوة عاطال أو متكاس‪ ،‬أو خام‪ ،‬أو متواكال أو سلبيا‪.‬‬

‫وقد اختار هللا هذه األمة لتكون وسطا بين األمم‪ ،‬ولتكون عادلة في سلوكها‪ ،‬شاهدة‬
‫على غيره ا‪ ،‬حامل ة آلخ ر رس الة رض يها هللا تع الى لعب اده‪ ،‬وأنزله ا من الس ماء إلى األرض‪،‬‬
‫فقال تعالى ‪:‬‬
‫ۚ‬ ‫َٰ‬ ‫ُ َ ُ إۡل‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َۡ‬ ‫َۡ ۡ َُ‬ ‫ۡ‬
‫يت لك ُم ٱ ِ ۡس ل َم ِد ٗين ا ‪﴾...‬‬ ‫﴿‪ ...‬ٱل َي ۡو َم أك َمل ُت لك ۡم ِد َينك ۡم َوأت َم ۡم ُت َعل ۡيك ۡم ِن ۡع َم ِتي َو َر ِض‬
‫[املائدة ‪]3 :‬‬

‫وبين تعالى هذا املنهج اإلسالمي الوسط بنصوص واضحة‪ ،‬ومجاالت مختلفة‪ ،‬وأحكام‬
‫كثيرة‪ ،‬وأيات متعددة‪ ،‬ثم حدد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم معالم هذا املنهج عقيدة‬
‫وشريعة دينة ونظاما‪ ،‬فهما وبيانة‪ ،‬تطبيقا وسلوكا‪ ،‬وترك أمته على محجة بيضاء‪ ،‬ليلها‬
‫كنهاره ا‪ ،‬اليزي غ عنه ا إال مال ك في املغ االة أو التقص ير‪ ،‬وأن طري ق النج اة والف وز هو‬
‫بالوسط واالعتدال واالقتصاد في جميع األمور‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬

‫وقال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬

‫(إن ه ذا ال دين يس ر‪ ،‬ولن يش ّاد ال دين أح د إال غلبه فس ّددوا وق اربوا ‪ ،‬وبش روا‪،‬‬
‫واستعينوا بالقدوة والروحة وشيء من ّ‬
‫الدلجة)‬

‫وق ال علي ه الص الة والس الم ‪(:‬إن ه ذا ال دين يس ر‪ ،‬ولن يش اد ال دين أح د إال غلبه‬
‫الدلجة‬‫فسوا وقاربوا ‪ ،‬وبشروا‪ ،‬واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من ّ‬

‫وفي رواية ‪:‬‬


‫‪5‬‬
‫وقاربوا‪ ،‬واغدوا وروحوا‪ ،‬وشيء من الدلجة القصد القصد تبلغوا‪.‬‬

‫وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬


‫‪6‬‬
‫"هلك املتنطعون"‪ .‬قالها ثالثا‪.‬‬

‫وقال عليه الصالة والسالم‪:‬‬


‫‪7‬‬
‫" أمرا بين أمرين ‪ :‬وخير األمور أوساطها‪.‬‬

‫وفي رواية ‪:‬‬

‫"ځير األمور أوسطها‪"8.‬‬

‫وفي رواية ‪:‬‬

‫"خير األعمال أوسطها"‪.9‬‬

‫وغير ذلك من اآليات واألحاديث التي سنشير إلى بعضها فيما بعد‪ ،‬وسبق بعضها اآلخر‪.‬‬

‫وهذا االقتصاد واالعتدال واالتزان والوسط واالستقامة األمور هو مايتفق مع العقل‬


‫‪10‬‬
‫السليم‪ ،‬وهو ما دعا إليه العقالء والحكماء واملصلحون في أقوالهم وأشعارهم ونصائحهم‬
‫‪.‬‬

‫قال الشاعر‪:‬‬

‫‪ 5‬هذا الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة مرفوعة ( ‪ )23/1‬في باب االيمان ‪ ،‬باب الدين يسر‪ ،‬وبدأ الباب بحديث‬
‫معلق (بدون سند) في قول النبي صلى هللا عليه وسلم‪« :‬أحب الدين الى هللا الحنيفية السمحة‪ ،‬والرواية الثانية في‬
‫كتاب الرقاق‪ ،‬باب القصد واملداومة على العمل ( ‪ ،)2373/5‬وشرح النووي ألفاظ الحديث فقال‪ :‬قوله‪« :‬إال غلبه‪،‬‬
‫أي غلبه الدين‪ ،‬وعجز ذلك املشاد عن مقاومة الدين لكثرة مطرقه‪ ،‬والغدوة سير أول النهار والروحة أخر النهار‪،‬‬
‫والدلجة آخر الليل‪ ،‬وهذه استعارة وتمثيل‪ ،‬ومعناه‪ :‬استعينوا على طاعة هللا عز وجل باالعمال في وقت نشاطكم‬
‫وفراغ قلوبكم‪ ،‬بحيث تستلنون العبادة‪ ،‬والتسأمون‪ ،‬وتبلغون مقصودكم‪ ،‬كما أن املسافر الحاذق يسير في هذه‬
‫األوقات‪ ،‬ويستريح هو ودابته في غيرها‪ ،‬فيصل املقصود بغير تعب (نزهة املتقين شرح رياض الصالحين ‪.)168/1‬‬

‫هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود وأحمد عن ابن مسعود رضي هللا عنه وسبق ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫هذا جزء من حديث رواه البيهقي ( ‪ )273/3‬وأوله "أمرا بين أمرين"‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ 8‬رواه ابن السمعاني في ذيل تاریخ بغداد بسند مجهول‪ ،‬وأخرجه ابن جرير في التفسير والبيهقي (کشف الخفا‬
‫‪.)469/1‬‬
‫‪ 9‬رواه الديلمي عن ابن عباس رضي هللا عنهما مرفوعة بالسند‪.‬‬
‫‪ 10‬انظر‪ :‬تفسير القرطبي ‪ ،95/4‬الترغيب والترهيب ‪.128/4‬‬
‫عليك بأوساط األمور فإنها‬

‫نجاة والتركب ذلوال والصعبا‬

‫وقال شاعر آخر ‪:‬‬

‫حب التناهي غلط‬

‫خير األمور الوسط‬

‫وقال شاعر ثالث ‪:‬‬


‫ّ‬
‫التذهبن في األمور فرطا‬

‫ال تسالن‪ ،‬إن سالت‪ ،‬شططا‬

‫"وكن من الناس جمعية وسطا"‬

‫وقال الحكماء ‪" :‬خير األمور الوسط‪ ،‬وشر األمور الشططا"‬

‫وأثنى الشاعر العربي الحكيم زهير بن أبي سلمي على قوم فقال ‪:‬‬

‫و وسط يرضى األنام بحكمهم‬

‫إذا طرقت إحدى الليالي بمعظم‬

‫وأثني شاعر آخر فقال‪:‬‬

‫أنتم أوسط حي علموا‬

‫لصغير األمر أو إحدى الكبر‬

‫لذلك كان الوسط واالعتدال واالقتصاد في األمور كلها محمودة بين الناس لتجافيه‬
‫عن الغلو والتقصير‪ ،‬واالفراط والتفريط‪ ،‬والتعنت واالرتخاء والتشدد و التواكل‪.11‬‬

‫أما اتفاق منهج االقتصاد واالعتدال مع الفط رة البشرية فإن الواق ع اإلنساني يؤيد‬
‫ذلك ويكشفه للعيان‪ ،‬وأنه أمر محسوس وملموس‪ ،‬فاإلنسان ضعيف في ذاته‪ ،‬وخلق من‬
‫ض عف‪ ،‬وجس مه بني ة ض عيفة‪ ،‬فك ان االقتص اد واالعت دال متفقة م ع ه ذه الفط رة‬

‫‪ 11‬روى أبو يعلى بسند ثقات عن وهب بن منبه قال‪ :‬إن لكل شي طرفين بوسطة‪ ،‬فإذا أمسك بأحد الطرفين مال‬
‫اآلخر‪ ،‬وإذا أمسك بالوسط اعتدل الطرفان فعليك باألوسط من األشياء‪( .‬کشف الخفا ‪.)1/470‬‬
‫والطبيع ة‪ ،‬وش رع هللا تع الى لعب اده من األحك ام م ا يتف ق م ع فط رتهم‪ ،‬وه و الع الم بهم‪،‬‬
‫والخالق ألجسادهم‪:‬‬
‫َّ ُ ۡ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ اَل َ‬
‫﴿أ َي ۡعل ُم َم ۡن خل َق َو ُه َو ٱلل ِطيف ٱلخ ِب ُير ﴾ [ الـملك‪]14 :‬‬

‫وق د يحس كث ير من الن اس ب القوة والنش اط‪ ،‬والهم ة العالية التحم ل األعب اء‪ ،‬ولكن‬
‫ه ذه الق وة والهم ة آني ة‪ ،‬ويجب أال يغ تر به ا اإلنس ان العاق ل‪ ،‬ألنه ا س رعان م اتزول‪ ،‬ثم‬
‫تتب دل الح ال إلى حالة أخ رى ألق ل م رض‪ ،‬وأص غر ع ارض من ع وارض الحي اة فاإلنس ان‬
‫يول د ض عيفة‪ ،‬وفي أش د ص ور الض عف والعج ز عن ش ؤون نفس ه‪ ،‬ثم يق وي ويش تد‪ ،‬ثم‬
‫يض عف وي ذبل‪ ،‬ثم ي زدي‪ ،‬وفي أثن اء الق وة يتع رض كث يرة ملرض يض عفه‪ ،‬أو لهم يقلق ه‪،‬‬
‫أولعمل يشغله‪ ،‬لذا كان التشدد والتعنت‪ ،‬واملغاالة والغلو‪ ،‬اليتحملها اإلنسان‪ ،‬ولئن صبر‬
‫عليه ا أن ا فأن ا‪ ،‬فإن ه ين وء باإلره اق‪ ،‬ثم يح اول التفلت منه ا واله روب‪ ،‬وه ذا م ا ح دث م ع‬
‫الصحابي الجليل عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما‪ ،‬عندما استأذن رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم بصوم الوصال أثناء شبابه‪ ،‬فنهاه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫وبع د الرجاء واملساومة‪ ،‬وأنه يطيق الكث ير الكث ير‪ ،‬أذن له بص وم يوم‪ ،‬وإفطار ي وم وال‬
‫تقدم به السن‪ ،‬ندم وقال ‪:‬‬
‫‪12‬‬
‫"ليتني قبلت رخصة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم"‬

‫كما سبق‪ ،‬بل حذره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم سلفا‪ ،‬فيما يرويه عبد هللا نفسه‬
‫قال‪ :‬قال لي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫"يا عبد هللا‪ ،‬التكن مثل فالن‪ ،‬كان يقوم الليل ‪ ،‬فترك قيام الليل"‪. 13‬‬

‫ويكفي االقتص اد واالعت دال من املحاس ن واملزاي ا أن ه يجنب املرء مس اوی الغل و‪،‬‬
‫ومساوى التقصير‪ ،‬وينجي صاحبه من نتائج الغلو والتقصير وأضرارهما وأخطارهما التي‬
‫تص ل أحيان ا ‪-‬كما س بق ‪ -‬إلى الكف ر والش رك‪ ،‬والهالك وال دمار‪ ،‬في ال دنيا واآلخ رة‪ .‬وإن‬
‫الغل و في ال دين‪ ،‬والتقص ير في أحكام ه‪ ،‬مرض ان خط يران‪ ،‬وينش ان عن أم راض نفس ية‪،‬‬
‫وينبعثان من مصادر خبيثة‪ ،‬كما سبق تفصيلها‪ ،‬ولذا بين اإلسالم هذه األمراض‪ ،‬وكشف‬
‫عن عوارضها‪ ،‬وأن الشيطان وراءها‪ ،‬وتتقوى من أعداء هللا والدين‪ ،‬فحذر اإلسالم منها‬
‫للوقاية واالبتعاد عنها‪ ،‬ثم وصف الدواء الناجح لها‪ ،‬ورسم الخطة السديدة‪ ،‬وحدد املنهج‬

‫‪ 12‬رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وسبق بيانه‪.‬‬


‫‪ 13‬هذا الحديث رواه البخاري (‪.)387/1‬‬
‫الق ويم‪ ،‬ليبقى املس لم مع افي في عقيدت ه وعبادات ه‪ ،‬ومعامالت ه وس لوكه‪ ،‬ويس ير على‬
‫الص راط املس تقيم ال ذي ش رعه رب الع املين من أحك ام تتحمله ا النف وس‪ ،‬وال تس أم من‬
‫ص عوبتها‪ ،‬أو تره ق من أدائه ا‪ ،‬أو تعج ز عن تنفي ذها‪ ،‬وهي في ذات ال وقت تس عی مناف ذ‬
‫الش ر‪ ،‬ودرء ب اب الفتن‪ ،‬والح د من اإلس راف في املل ذات‪ ،‬وع دم االنغم اس في الش هوات‪،‬‬
‫ليبقى اإلنس ان س وية في جمي ع ش ؤونه‪ ،‬فال يقط ع عالقت ه م ع رب ه في لحظ ة من اللحظ ات‬
‫ويحاف ظ على ص لته الس وية ب املجتمع‪ ،‬وال يس يء إليه ا‪ ،‬فيش عر بالغرب ة في وطن ه وأهل ه‪،‬‬
‫ويحكم عالقته مع نفسه‪ ،‬فال يقسو عليها‪ ،‬أو يفرط في حقوقها‪ ،‬أو يحرمها ما أحله هللا‬
‫تعالى من الطيبات‪ ،‬فتكبر به في منتصف الطريق‪ ،‬وهذا ما أراده الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم بقوله ‪:‬‬

‫"إن لرب ك علي ك حقا‪ ،‬وإن لزوجك علي ك حقا‪ ،‬وإن النفس ك عليك حقا‪ ،‬فاع ط ك ل‬
‫‪14‬‬
‫ذي حق حقه"‪.‬‬

‫دعائم االقتصاد واالعتدال في التدين‪:‬‬

‫إن منهج اإلسالم في االقتصاد واالعتدال هو الوسط الذي شرعه هللا تعالى‪ ،‬وأقام له‬
‫ال دعائم املتين ة‪ ،‬واألسس الس ليمة‪ ،‬واألحك ام الرش يدة‪ ،‬في مختل ف الج وانب‪ ،‬ونش ير إلى‬
‫بعضها ‪:‬‬

‫‪ -1‬االقتصاد في االعتقاد‪: 15‬‬

‫ج اءت العقي دة االس المية وس طا ع دال بين األدي ان والش رائع‪ ،‬وجع ل هللا األم ة‬
‫اإلس المية أم ة وس طا‪ ،‬واختاره ا على غيره ا‪ ،‬لتك ون أم ة عادل ة في س لوكها‪ ،‬ش اهدة على‬
‫غيرها ‪ ،‬حاملة اآلخر رساالت ربها‪ ،‬فقال تعالى ‪:‬‬
‫َ َ َٰ َ َ َ ۡ َٰ ُ ۡ ُ َّ ٗ َ َ ٗ ّ َ ُ ُ ْ ُ َ َ َ َ َ َّ َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ ُ‬
‫ول َعل ۡيك ۡم‬ ‫اس ويك ون ٱلرس‬
‫﴿وك ذ ِلك جعلنكم أمة وس طا ِلتكون وا ش هدٓاء على ٱلن ِ‬
‫َشه ٗ‬
‫يدا‪[ ﴾...‬البقرة ‪]143 :‬‬ ‫ِ‬
‫واألم ة الوس ط هي األم ة املعتدل ة ال تي تل زم الوسط والتوس ط‪ ،‬فال تمي ل الى ط رف‬
‫دون طرف‪ ،‬وال تأخذ جانبا من الدين أو العقيدة‪ ،‬وتهمل جانبا آخر‪ ،‬ولذا كانت العقيدة‬

‫‪ 14‬هذا جزء من حديث رواه مسلم‪ ،‬بی معناه البخاري عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما مرفوعة (‪،)387/1‬‬
‫وسبق في احدى بوابات حديث عبد بن عمرو الذي ذكرناه بطوله سابقا‪( .‬نزهة املتقين ‪.)171/1‬‬
‫‪ 15‬ألف حجة اإلسالم محمد الغزالي (‪ 505‬هـ) والعقيدة بهذا العنوان‪ ،‬والكتاب مطبوع وجيد ‪.‬‬
‫اإلسالمية صريحة في اإليمان باهلل تعالی ربا ال شريك له‪ ،‬وأنه ال يشبهه شيء من خلقه‪،‬‬
‫وهو السميع البصير‪ ،‬ال تدركه األبصار‪ ،‬وهو يدرك األبصار‪ ،‬وأنه الغني عن كل شيء‪ ،‬فال‬
‫تنفعه طاعة‪ ،‬وال تضره معصية‪ ،‬وهذه العقيدة تقوم على البساطة بشهادة التوحيد‪ ،‬ال‬
‫إل ه إال هللا‪ ،‬إل ه واح د‪« ،‬لم يل د ولم يول د * ولم يكن له كف وا أح د» م ع اإليم ان بجمي ع‬
‫األنبياء والرسل‪ ،‬دون تفريق بينهم ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َٰٓ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ّ َ مۡل ُ ۡ ُ َۚ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ون ك ٌّل َء َام َن ِبٱلل ِه َو َمل ِئك ِت ِهۦ َوك ُت ِب ِهۦ‬ ‫ول ِب َم ٓا أن ِز َل ِإل ۡي ِه ِمن ر ِب ِهۦ وٱ ؤ ِمن‬ ‫ٱلر ُس ُ‬ ‫﴿ء َام َن َّ‬
‫َ‬
‫مۡل َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ۖ ُ َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫اَل ُ‬
‫َو ُر ُس ِل ِهۦ ن َف ّ ِر ُق َب ۡي َن أ َح ٖد ِّمن ُّر ُس ِل ِهۦۚ َوق الوا َس ِم ۡع َنا َوأط ۡع َن ا غ ۡف َران َك َر َّب َن ا َو ِإل ۡي َك ٱ ِص ُير ﴾‬
‫[ البقرة‪]285:‬‬

‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫وب‬‫يل َوإ ۡس َٰح َق َو َي ۡع ُق َ‬ ‫ٱلل ِه َو َم ٓا ُأن ز َل إ َل ۡي َن ا َو َم ٓا ُأن ز َل إ َل ٰٓى إ ۡب َٰره‍ َۧم َوإ ۡس َٰم ِع َ‬
‫ُ ُ ٓ ْ َ َ َّ َّ‬
‫﴿قول وا ءامنا ِب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اَل‬ ‫ُ‬ ‫َوٱأۡل َ ۡس َباط َو َم ٓا ُأوت َي ُم َ‬
‫ون ِمن َّر ِّب ِه ۡم ن َف ّ ِر ُق َب ۡي َن أ َح ٖد ِّم ۡن ُه ۡم َون ۡح ُن‬ ‫ٱلنب ُّي َ‬
‫ِ‬
‫يس ٰى َو َم ٓا أوت َي َّ‬
‫ِ‬
‫وس ٰى َوع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ﴾ [البقرة‪]136:‬‬ ‫َل ُهۥ ُم ۡسل ُم َ‬
‫ِ‬
‫فاملسلم يعتقد‪ ،‬ويؤمن ويصدق‪ ،‬ويحترم جميع األنبياء والرسل‪ ،‬مع أنهم ماضون في‬
‫أعماق التاريخ‪ ،‬ومعظمهم ال أتباع لهم اليوم‪ ،‬وانقرضت أديانهم‪ ،‬أو تحرفت وأبتعدت عن‬
‫الخط اإللهي الحق‪ ،‬وبعضهم لهم اتباع وأنصار‪ ،‬وبقيت بعض كتبهم وعقائدهم‪ ،‬وكثيرا ما‬
‫يك ون اتب اع ه ؤالء في الصف املع ادي لإلس الم واملس لمين‪ ،‬وق د يكون وا في بعض األوق ات‬
‫اشد الناس عداوة لإلسالم واملسلمين‪ ،‬وقد يدفعهم الحقد والعداوة والتزمت والتعصب‬
‫الى التآمر على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬واغتيال نبي الرحمة‪ ،‬وإجهاض الدعوة في‬
‫مهدها‪ ،‬أو االعتداء على ديار املسلمين وبالدهم ومعتقداتهم ومقدساتهم‪ ،‬وقد يتحالفون‬
‫مع املشركين والوثنين وامللحدين في سبيل القضاء على اإلسالم واملسلمين‪ ،‬والتاريخ خير‬
‫ش اهد على ذل ك‪ ،‬وم ع كل ه ذا ن ؤمن بأنبي ائهم ورس لهم وكتبهم‪ ،‬وال نف رق بين أح د من‬
‫الرسل‪ ،‬مع االح ترام الكام ل‪ ،‬واالعتقاد الجازم بتوفر جميع ملف ات النب وة واألنبي اء بهم‪،‬‬
‫من العصمة والتبليغ واألمانة‪ ..‬وهذا ال يتنافى مع االعتقاد بأنهم متفاضلون‪ ،‬بأدلة عقلية‬
‫ومنطقية وواقعي ة‪ ،‬والنص وص الش رعية في تفض يل بعض هم على بعض‪ ،‬وأن فيهم أولي‬
‫العزم‪ ،‬والثبات والتضحية‪ ،‬والعمل الدائب‪ ،‬والجهاد والدعوة‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ٰ‬ ‫ٱلل ُۖه َو َر َف َع َب ۡع َ‬
‫ض ُه ۡم َد َر َج ٖ ۚت ‪﴾...‬‬
‫ۡ َ ُّ ُ ُ َ َّ ۡ َ َ ۡ َ ُ ۡ َ َ ٰ َ ۡ ۘ ّ ۡ ُ َّ َ َّ َ َّ‬
‫ض ِمنهم من كلم‬ ‫﴿ ِتل ك ٱلرس ل فض لنا بعض هم على بع ٖ‬
‫[البقرة‪]253 :‬‬
‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫ض َو َء َات ۡي َنا َد ُاو َۥد َز ُب ٗ‬
‫ورا ﴾ [ اإلسراء‪]55:‬‬ ‫َ َ َ ۡ َ َّ ۡ َ َ ۡ َ َّ‬
‫ٱلنب ّي‍ َۧن َع َل ٰى َب ۡع ۖ‬
‫ٖ‬ ‫﴿‪ ...‬ولقد فضلنا بعض ِ ِ‬
‫كما يعتقد املسلم حقأ بالحياة اآلخرة مع الحياة الدنيا‪ ،‬وأنه ال انفصال بينهما‪ ،‬وال‬
‫تناقض في العمل لهما‪ ،‬مع وجوب السعي لكل منهما‪ ،‬وعدم االنقطع لواحدة دون األخرى‪،‬‬
‫كما س بق‪ ،‬فال رهباني ة في اإلسالم‪ ،‬وال تتمث ل في الدين‪ ،‬وال مادية بحتة في الشريعة‪ ،‬م ع‬
‫التس ليم بالقض اء والق در ب املفهوم الش رعي الص حيح ال وارد في الق رآن الك ريم والس نة‬
‫الش ريفة‪ ،‬واالعتق اد الج ازم ب البعث والنش ور‪ ،‬والحس اب الع ادل أم ام أحكم الح اكمين‬
‫والثواب للمحسنين والعقاب للمسيئين‪ ،‬والجنة للمؤمنين‪ ،‬والنار للكفار واملشركين‪.‬‬

‫التيسير في التكاليف واألحكام ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫فمن دعائم االقتصاد واالعتدال في اإلسالم التيسير في التكليف‪ ،‬واليسر في األحكام‪،‬‬


‫والتخفي ف من األعمال‪ ،‬وذلك بنص وص ش رعية صريحة‪ ،‬ال تحتاج الى تفسير أو تأويل‪،‬‬
‫الى ‪:‬‬ ‫ال تع‬ ‫ق‬
‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫اَل‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫﴿‪ُ ...‬ي ِر ُيد ٱلل ُه ِبك ُم ٱل ُي ۡس َر َو ُي ِر ُيد ِبك ُم ٱل ُع ۡس َر ‪[ ﴾...‬البقرة‪]185 :‬‬

‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫ووصف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اإلسالم‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫"إن هذا الدين يسر"‪.16‬‬

‫وثبت في السنة النبوية أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬ما تم ر بين أم رين (من‬
‫األحكام والتكاليف واألعمال إال اختار ايسرهما‪ ،‬ما لم يكن إثما"‪. 17‬‬

‫وعندما انفعل بعض الصحابة في حادثة‪ ،‬وتشددوا فيها‪ ،‬بين لهم رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم حقيقة الدين والتكليف‪ ,‬فقال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫‪18‬‬
‫إنما بعثتم میسرین‪ ،‬ولم تبعثوا معسرین"‪.‬‬

‫‪ 16‬هذا طرف من حديث رواه البخاري عن أبي هريرة رضي هللا عنه مرفوعا‪( .‬صحيح البخاري ‪)23/1‬‬
‫‪ 17‬هذا طرف من حديث رواه البخاري ( ‪ )1306/3‬ومسلم ( ‪ )83/15‬بلفظ "إال أخذه عن عائشة رضي هللا عنها مرفوع‪.‬‬
‫‪ 18‬هذا الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة رضي هللا عنه مرفوعة ( ‪ )89/1‬رواه الترمذي ايضا عنه‪.‬‬
‫أي من ش أنكم أن تبتع دوا عن التعس ير ملا ج اء ب ه ش رعكم من اليس ر‪ ،‬وق ال علي ه‬
‫الم ‪:‬‬ ‫الة والس‬ ‫الص‬
‫"يسروا وال تعسروا‪ ،‬وبشروا والننفروا "‪.19‬‬

‫وجاء التكليف اإللهي في األحكام بحسب الطاقة البشرية‪ ،‬بالنص الصريح‪ ،‬فقال تعالى‬
‫‪:‬‬
‫ۚ‬ ‫اَّل‬ ‫اَل َ ّ ُ َّ َ‬
‫﴿ ُيك ِلف ٱلل ُه ن ۡف ًسا ِإ ُو ۡس َع َها‪[ ﴾...‬البقرة‪]286 :‬‬

‫وقال تعالى‪:‬‬
‫َ َّ ُ ْ َّ َ َ ۡ َ‬
‫ٱس َتط ۡع ُت ۡم ‪ [ ﴾ ...‬الـتغابن ‪]16 :‬‬ ‫﴿فٱتقوا ٱلله ما‬

‫وعلم هللا تعالى الدعاء للمؤمنين بقوله تعالی ‪:‬‬


‫﴿‪َ ...‬ر َّب َنا اَل ُت َؤاخ ۡذ َنٓا إن َّنس َينٓا َأ ۡو َأ ۡخ َط ۡأ َن ۚا َر َّب َنا َواَل َت ۡحم ۡل َع َل ۡي َنٓا إ ۡ‬
‫ص ٗرا َك َما َح َم ۡل َت ُهۥ َع َلى َّٱلذ َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ۡ َ ۚ َ َّ َ َ اَل ُ َ ّ ۡ َ َ اَل َ َ َ َ‬
‫ِمن قب ِلنا ربنا و تح ِملنا ما طاقة لنا ِب ِه‪[ ﴾...‬البقرة ‪]286 :‬‬

‫كما وصف القرآن الكريم رسالة محمد صلی هللا عليه وسلم بأنها لرفع اإلصر‪ ،‬فقال‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫َ ۚ‬ ‫أۡل َ ۡ َٰ َّ َ َ‬
‫ص َر ُه ۡم َوٱ غل َل ٱل ِتي كان ۡت َعل ۡي ِه ۡم‪[ ﴾...‬األعراف ‪]157 :‬‬ ‫﴿‪َ ...‬و َي َ‬
‫ض ُع َع ۡن ُه ۡم إ ۡ‬
‫ِ‬
‫وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬

‫"عليكم من األعمال ما تطيقونه"‬

‫وفي رواية‪" :‬خذوا من األعمال ما تطيقون"‪.‬‬


‫‪20‬‬
‫وفي رواية ‪" :‬خذوا من العبادة ما تطيقون‪ ،‬فإن هللا ال يسأم حتى تسأموا"‪.‬‬

‫‪ -3‬رفع الحرج واملشقة في التكليف واألحكام‪ ،‬فمن دعائم االقتصاد في التدين أن هللا‬
‫تع الى رف ع الح رج واملش قة في التش ريع‪ ،‬وأن الكلف ة واملش قة املوج ودة في العب ادات‬

‫‪ 19‬هذا الحديث رواه البخاري (‪ )38/1‬ومسلم في الجهاد والسير باب األمر بالتيسير وترك التنفير‪ ،‬عن أنس رضي هللا‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪ 20‬هذا الحديث في الرواية األولى والثانية رواه البخاري ( ‪ )695/2‬ومسلم عن عائشة رضي هللا عنها ( ‪)74 ،73/5‬‬
‫والرواية الثالثة رواها الطبراني عن أبي أمامة ‪.‬‬
‫واألحكام مشقة معتادة‪ ،‬وجرت عادة الناس على احتمالها واالستمرار عليها‪ ،‬وتدخل في‬
‫طاق ة املكل ف‪ ،‬وه ذه املش قة املعت ادة نفس ها ليس ت مقص ودة ل ذاتها من املش رع‪ ،‬وإنم ا‬
‫القص د من ه تحقیق املص الح املترتب ة عليه ا‪ ،‬ودرء املفاس د املتوقع ة منه ا‪ ،‬للحف اظ على‬
‫مقاص د الش ريعة الض رورية والحاجي ة والتحس ينية‪ ،‬وأن املكلف يتحم ل ه ذه املش قة‬
‫املعتادة كما يتحمل املريض الدواء املر من أجل الشفاء‪ ،‬فاملقصود في الصوم مثال تهذيب‬
‫النفس وتربية ال روح وتعوي د املرء على الص بر‪ ،‬واإلحس اس ب أالم الفق راء وحاج اتهم‪ ،‬إلى‬
‫غير ذلك من الحكم والفوائد‪ ،‬وليس املقصود منه إيالم النفس بالجوع والعطش‪ ،‬وكذلك‬
‫الصالة والزكاة والحج والجهاد وغيرها‪ ،‬ويجب على املكلف أن يتحرى مقاصد الشريعة في‬
‫التكلي ف‪ ،‬وال يص ح ل ه أن يقص د مج رد املش قات ال تي فيه ا‪ ،‬ومن فع ل ذل ك ظان ة زي ادة‬
‫األج ر والتق رب فق د أخط أ وال أج ر له ول ذا ق ال رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم ملن‬
‫أرادت التق رب إلى هللا تع الى‪ ،‬ون ذرت أن تحج ماش ية‪" ،‬مره ا فل تركب‪ ،‬ف إن هللا غ ني‬
‫عن مشيها" ‪.21‬‬
‫ومثلها قصة أبي اسرائيل التي مرت سابقة‪ ،‬هذا ما أراده هللا تعالى في آيات كثيرة في‬
‫كتابه الكريم‪ ،‬وامتن به على املؤمنين‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫ٱلد ِين ِم ۡن َح َر ٖ ۚج‪[ ﴾...‬الحج‪]78 :‬‬ ‫﴿‪َ ...‬ج َع َل َع َل ۡي ُك ۡم في ّ‬
‫ِ ِ‬
‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫َ ُ‬ ‫َٰ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬
‫﴿‪َ ...‬ما ُي ِر ُيد ٱلل ُه ِل َي ۡج َع َل َعل ۡيكم ِّم ۡن َح َر ٖج َول ِكن ُي ِر ُيد ِل ُيط ِّه َرك ۡم‪ [ ﴾...‬املائدة‪]6:‬‬
‫ل ذلك ق رر العلم اء ب أن الح رج مرف وع على املكل ف باتف اق‪ ،‬وأن الش ارع لم يقص د في‬
‫وأن االجم اع على ع دم وقوع ه وج ودة في التكلي ف‪ ،‬وأن‬ ‫التكلي ف إلى الش اق واإلعن ات‪ّ ،‬‬
‫الشريعة موضوعة بقصد الرفق والتيسير‪.22‬‬
‫‪ -4‬فتح ال رخص‪ ،‬واتمام ا للتيس ير في ال دين‪ ،‬واليس ر في األحك ام‪ ،‬والتكلي ف بق در‬
‫الطاق ة‪ ،‬ورف ع الح رج واملش قة‪ ،‬ش رع اإلس الم ال رخص‪ ،‬وفتح أبوابه ا في جمي ع األحك ام‬
‫تقريب ا‪ ،‬في العقي دة والعب ادات واملع امالت والس لوك‪ ،‬ف رخص ب النطق بكلمة الكف ر عن د‬
‫اإلك راه‪ ،‬وأب اح أك ل امليت ة وش رب الخم ر للض رورة وش رع ال تيمم واملس ح على الجب يرة‬
‫واملس ح على الخفين‪ ،‬والص الة قاع دة ونائم ة‪ ،‬وقص ر الص الة وجمعه ا في الس فر‪ ،‬وأب اح‬
‫اإلفط ار رمض ان للم ريض واملس افر واملرض ع والحام ل‪ ،‬كم ا رخص في بي ع املع دوم‬

‫‪ 21‬هذا الحديث رواه أبو داود بروايات كثيرة عن ابن عباس رضي هللا عنه وعن غيره ( ‪ 210/2‬وما بعدها)‪.‬‬
‫‪ 22‬انظر املوافقات للشاطبي ‪.96 ،86/2‬‬
‫للضرورة في االستصناع والسلم وغيرهما‪ ،‬ورغب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم باألخذ‬
‫بالرخصة‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫"إن هللا ّ‬
‫يحب أن توتی رخصه‪ ،‬كما يحب أن في تؤتی عزائمه"‪.23‬‬
‫والحكم ة من التيس ير ورف ع الح رج وفتح ب اب ال رخص هو التخفي ف عن العب اد‪،‬‬
‫واالقتصاد في التدين‪ ،‬واالعتدال في األحكام‪ ،‬والتوازن في املصالح‪ ،‬والرغبة في استمرار‬
‫املكلف بالس ير على منهج هللا تع الى‪ ،‬والص راط املس تقيم‪ ،‬وأال يتط رق إلي ه انقط اع في‬
‫الطري ق‪ ،‬أو بغض للش رع والعب ادة‪ ،‬أو كراهية للتك اليف‪ ،‬وأال تش غله التك اليف‬
‫‪24‬‬
‫والواجبات الدينية عن األعمال الدنيوية والواجبات الخاصة في نفسه وأهله ومجتمعه‪،‬‬
‫وغير ذلك من نتائج اإلفراط والتفريط التي مرت سابقا‬
‫‪ -5‬املداوم ة على العم ل وإن ق ل وتأكي دا إلقام ة االعت دال في الت دين‪ ،‬والت وازن بين‬
‫املص الح‪ ،‬وتق ديرة للواق ع اإلنس اني والض عف البش ري‪ ،‬وحرص ا على متابع ة الت دين‪،‬‬
‫واالس تمرار في ه‪ ،‬والس ير على منهج هللا تع الى‪ ،‬والتزام ا بالتك اليف بق در الطاقة ومق دار‬
‫الجه د‪ ،‬فق د طلب املش رع القلي ل من التك اليف والعب ادات واألحك ام وااللتزام ات بش رط‬
‫املداومة عليها‪ ،‬واملواظبة على أدائها‪ ،‬واالستمرار في تنفيذها‪.‬‬
‫وفض ل اإلس الم العم ل القلي ل املس تمر على اإلف راط والتش دد والتعنت ال ذي ي ردي‬
‫صاحبه في منتصف الطريق‪ ،‬فال يصل الى غايتة‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪25‬‬
‫"إن املنبت ال أرضا قطع‪ ،‬وال ظهرا أبقى"‬
‫وقال أيضا ‪:‬‬
‫"خذوا من األعمال ما تطيقون‪ ،‬فإن هللا ال يمل حتى تملوا‪ ،‬وكان أحب الدين البه ما‬
‫دووم صاحبه عليه"‪.‬‬
‫وفي رواية ‪:‬‬
‫ّ ‪26‬‬ ‫ّ‬
‫"وإن أحب األعمال إلى هللا ما دووم عليه‪ ،‬وإن قل"‪.‬‬

‫‪ 23‬رواه البيهقي وغيره‪.‬‬


‫‪ 24‬انظر‪ :‬املوافقات للشاطبي ‪.233 /1‬‬

‫‪ 25‬هذا الحديث رواه البزار عن جابر‪ ،‬بدى بعضه اإلمام أحمد عن أنس رضي هللا عنه وسبق شرحه‬

‫‪ 26‬هذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي هللا عنها مرفوعة‪.‬‬
‫ق ال الن ووي رحم ه هللا تع الى‪" :‬ومع نى ال يم ل هللا‪ ،‬ال ينقط ع ثواب ه عنكم‪ ،‬وج زاء‬
‫أعمالكم‪ ،‬ويعاملكم معاملة املال حتى تملوا فتتركوا‪ ،‬فينبغي لكم أن تأخذوا ما تطيقون‬
‫‪27‬‬
‫الدوام عليه اليدوم ثوابه لكم‪ ،‬وفضله عليكم"‪.‬‬
‫وعن عائش ة رض ي هللا عنه ا أن رس ول هللا ص لى هللا عليه وس لم دخ ل عليه ا‪ ،‬وعن دها‬
‫امرأة‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"من هذه ؟ فقلت امرأة ال تنام‪ ،‬تصلي‪ ،‬قال ‪ :‬عليكم من العمل ما تطيقون‪ ،‬فوهللا ال‬
‫يمل هللا حتى تملوا‪ ،‬وكان أحب الدين اليه ما داوم عليه صاحبه‪." 28‬‬
‫وعن أنس رضي هللا عنه قال‪ :‬دخل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم املسجد‪ ،‬وحبل‬
‫ممدود بيت ساريتين‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫" م ا ه ذا ؟ ق الوا‪ :‬ل زينب‪ ،‬تص لي‪ ،‬ف إذا كس لت أو ف ترت‪ ،‬أمس كت ب ه‪ ،‬فق ال‪ :‬خل وه‪،‬‬
‫ليصل أحدكم نشاطه‪ ،‬فإذا كسل أو فتر قعد"‪.29‬‬
‫قال النووي‪« :‬کسلت بكسر السين وفيه الحث على االقتصاد في العبادة‪ ،‬والنهي عن‬
‫التعمق‪ ،‬واألمر باالقبال عليها بنشاط‪ ،‬وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور‪.30"..‬‬
‫وعن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"إذا تعس أحدكم‪ ،‬وهو يصلي‪ ،‬فليرقد حتی ‪ .‬يذهب عنه النوم‪ ،‬فإن أحدكم إذا صلى‪،‬‬
‫وهو ناعس‪ ،‬ال يدري لعله يستغفر فیسب نفسه‪."31‬‬
‫وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫إذا ق ام أح دكم من اللي ل فاس تعجم الق رآن على لس انه (أي اس تغلق ولم ينطل ق ب ه‬
‫لسانه لغلبة النعاس) فلم پدر ما يقول‪ ،‬فليضجع‪."32‬‬
‫وهذا تأكيد في جميع الحاالت واألعمال تطبيقا للقاعدة والحكمة واملثل «قليل دائم‬
‫خ ير من كث ير منقط ع»‪ ،‬وعن س عد بن أبي وق اص رض ي هللا عن ه ق ال‪" :‬أراد عثم ان بن‬

‫‪ 27‬نزهة املتقين شرح رياض الصالحين للنووي ‪.166/1‬‬

‫‪ 28‬هذا الحديث رواه البخاري ومسلم‪.‬‬


‫‪ 29‬هذا الحديث رواه البخاري (‪ )386/1‬ومسلم (‪ )72/5‬وهذا لفظ مسلم‪.‬‬

‫‪ 30‬شرح النووي على صحيح مسلم ( ‪.)73/5‬‬

‫‪ 31‬هذا الحديث رواه البخاري (‪ )87/1‬ومسلم ( ‪ )74/5‬وهذا لفظ البخاري‬


‫‪ 32‬هذا الحديث رواه مسلم بلفظه ( ‪ ،)74/5‬ورواه بمعناه البخاري (‪ )87/1‬عن أنس رضي هللا عنه‬
‫مظع ون أن يتبت ل (أي ينقط ع عن النس اء وت رك ال زواج) فنه اه رس ول هللا ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم‪ ،‬ولو أجاز ذلك له الختصينا" ‪.33‬‬

‫(من الخصاء‪ ،‬وهو قطع الخميتين اللتين بهما قوام النسل‪ ،‬أو تعطيلهما عن العمل)‪.‬‬
‫‪ -6‬االقتصاد في السلوك واملعامالت ‪:‬‬
‫انت في‬ ‫ابقا ك‬ ‫اس‬ ‫تي ذكرناه‬ ‫ة ال‬ ‫ثر األمثل‬ ‫إن أك‬
‫االقتصاد في العقيدة‪ ،‬واالعتدال في العبادات‪ ،‬ولكن املشرع الحكيم والشريعة الحنيفية‬
‫السمحاء لم تقتصر على تطبيق مبدأ االقتصاد واالعتدال فيما سبق‪ ،‬ولكنها ارشدت الى‬
‫هذا املبدأ السليم في جميع املجاالت‪ ،‬وفي مختلف جوانب الحياة العملية‪ ،‬سواء كانت في‬
‫اآلداب واألخالق والسلوك االجتماعي‪ ،‬أم كانت في العادات واملباحات‪ ،‬أم كانت في نطاق‬
‫األسرة واألحوال الشخصية‪ ،‬أم كانت في دائرة املعامالت املالية والعالقات الدولية‪ ،‬وفي‬
‫القض اء والع دل‪ ،‬وغ ير ذل ك مم ا يظه ر باس تقراء األحك ام الش رعية‪ ،‬وكتب الفق ه‬
‫اإلس المي‪ ،‬ونراه ا مبثوث ة في مختل ف ف روع ال دين‪ ،‬ون ذكر هن ا طرف ة منه ا‪ ،‬لن بين دع وة‬
‫الشريعة الى االعتدال‪ ،‬دون إفراط وال تفريط‪.‬‬
‫‪ )1‬فمن ذلك أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم نهى عن االختيال في الثياب‪ ،‬والتكبر‬
‫بها‪ ،‬ونهي عن إسدال الثياب الطويلتو واالختيال فيها أمام الناس‪ ،‬فقد أخرج البيهقي أن‬
‫هرتين ‪:‬‬ ‫لم نهى عن الش‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫بي ص‬ ‫الن‬
‫"أن يلبس الثياب الحسنة التي ينظر اليه فيها ‪ ،‬أو الدنية الرثة‪ ،‬التي ينظر إليه فيها"‪.34‬‬
‫وتأكد هذا املبدأ في اللباس الشرعي املعتدل‪ ،‬فعن أبي ذر رضي هللا عنه عن النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫" ثالثة اليكلمهم هللا القيامة‪ ،‬وال ينظر اليهم‪ ،‬واليزكيهم‪ ،‬ولهم عذاب أليم"‪.‬‬
‫قال فقرأها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ثالث مرار‪ ،‬قال أبو ذر‪ :‬خابوا وخسروا‪،‬‬
‫من هم یارسول هللا؟ قال‪:‬‬
‫"املسبل‪ّ ،‬‬
‫واملنان‪ ،‬واملنفق سلعته بالحلف الكاذب‪".‬‬
‫وفي رواية ‪:‬‬

‫‪ 33‬هذا الحديث رواه بهذا اللفظ االمام أحمد ( ‪ )175/1‬رواه بلفظ قريب منه البخاري (‪ )1952/5‬ومسلم ( ‪)176/9‬‬
‫والدارمي ( ‪.)133/2‬‬

‫‪ 34‬هذا الحديث أخرجه البيهقي ( ‪ )273/3‬عن كنانة بن نعيم مرفوعا‪.‬‬


‫"املسبل ازاره "‪.35‬‬
‫قال النووي ‪" :‬يعني املسبل ازاره وثوبه أسفل من الكعبين للخيالء"‪ ،36‬كما نهى رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم عن الثياب البلية والرديئة‪ ،‬وأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد‪،‬‬
‫وغير ذلك مما بينه علماء الحديث والفقه في باب اللباس‪.‬‬
‫‪ )2‬االقتص اد في الطع ام والش راب ‪ :‬ن دب الش رع الحكيم الى االعت دال في الطع ام‬
‫والشراب‪ ،‬وأمر بعدم اإلسراف فيهما‪ ،‬فقال تعالى ‪:‬‬
‫مۡل ُ‬ ‫َ ُ ُ ْ ۡ ْ اَل ُ ُ ْۚ اَل‬
‫﴿‪...‬وكلوا َوٱش َر ُبوا َو ت ۡس ِرف ٓوا ِإ َّن ُهۥ ُي ِح ُّب ٱ ۡس ِر ِف َين ﴾ [األعراف‪]31:‬‬
‫واإلسران مجاوزة الحد‪ ،‬سواء كان بالزيادة واالعتداء ‪ ،‬أم كان بتحريم الحالل‪ ،‬وقد‬
‫حرم هللا اإلسراف في الطعام والشراب زيادة ومغاالة‪ ،‬وسوفا ومخيلة‪ ،‬وحرم اإلسراف‬
‫بمنع الطيبات وتحريم الحالل‪ ،‬ولذلك عقب هللا تعالى بعد هذه اآلية مباشرة بقوله تعالی ‪:‬‬
‫ٱلر ۡز ِ ۚق‪[ ﴾...‬األعراف‪]32:‬‬
‫َ ّ‬ ‫َ َّ ّ َٰ‬ ‫ُ ۡ َ ۡ َ َّ َ َ َ َّ َّ ٓ َ ۡ َ َ َ‬
‫﴿قل من حرم ِزينة ٱلل ِه ٱل ِتي أخرج ِل ِعب ِاد ِهۦ وٱلط ِيب ِت ِمن ِ‬
‫وقال علماء التفسير ‪ :‬إن هذه اآلية وكلوا واشربوا وال تسرفوا جمعت الطب كله‪،37‬‬
‫وهذا ما أكده رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بقوله ‪:‬‬
‫"كل وا واش ربوا‪ ،‬والبس وا وتص دقوا من غ ير مخيلة والش رف‪ ،‬ف إن هللا يحب أن ي رى‬
‫نعمته على عبده‪"38‬‬
‫وه ذا املب دأ يؤي ده ك ل ذي عق ل أو فك ر‪ ،‬وك ل حكيم أو مص لح‪ ،‬ويتف ق م ع الواق ع‬
‫والفطرة‪ ،‬ويراعي مشاعر الناس‪ ،‬ويحقق املصالح الكاملة في الحياة واملجتمع ‪ ،‬ويدفع عن‬
‫صاحبه كل مضرة أو مفسدة‪.‬‬
‫‪ )3‬االقتصاد في العادات واملباحات ‪ :‬أمر هللا تعالی باالعتدال في العادات والتصرفات‬
‫الخاص ة‪ ،‬ال تي تظه ر أم ام املجتم ع‪ ،‬وأم ر باالقتص اد ح تى في املباح ات لكيال تش غل عن‬
‫الواجبات‪ ،‬أو تكون سببا ووسيلة الى الحرام‪ ،‬نفسية واجتماعية ومسلكية‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫َ ۚ‬ ‫َ ۡ ۡ َ ۡ َ َ ۡ‬
‫ص ۡو ِت َك‪ [ ﴾...‬لقمان ‪]19 :‬‬ ‫ٱغ ُ‬
‫ض ۡ‬
‫ض ِمن‬ ‫﴿وٱق ِصد ِفي مش ِيك و‬
‫‪ 35‬هذا الحديث رواه مسام ( ‪ )114/2‬وأصحاب السنن األربعة ‪ ،‬سيدي أبو داوود أيضا (‪ )378/2‬أن رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم قال لجابر بن سليم‪ :‬واياك واسبال اإلزار‪ ،‬فانها من املخيلة ‪ ،‬وان هللا ال يحب املخيلة‪ ،‬ويدى ابو‬
‫داود أيضا ومسلم عن ابن عمر رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬من جر ثوبه خيالء لم‬
‫ينظر هللا هللا يوم القيامة"‪ .‬رواه أحمد وأصحاب السنن‪ ،‬وروی مسلم أيضا‪" :‬من جر إزاره‪ ،‬اليريد بذلك اال املخيلة‬
‫فان هللا ال ينظر اليه‪ ،‬الفتح الكبير( ‪.183/3‬‬
‫‪ 36‬نزهة املتقين شرح رياض الصالحين للنووي ‪.1091/2‬‬

‫‪ 37‬انظر محاسن التأويل ‪ ،26632‬في ظالل القرآن ‪5)(4/3‬‬


‫‪ 38‬هذا الحديث رواه أحمد ‪ ،‬وأخرج نحوه النسائي وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعة (الفتح‬
‫الكبير ‪.)321/2‬‬
‫فأمر القرآن الكريم التوسط في املشي‪ ،‬واالعتدال في الصوت ألنهما من كمال األدب‪،‬‬
‫ومحاسن األخالق‪ .‬كما نهى القران الكريم في اآلية قبلها مباشرة عن االختيال في املشي‪ ،‬أو‬
‫التعالي والتكبر على الناس‪.39‬‬
‫فقال عز وجل ‪:‬‬
‫َ َ ً ۖ َّ َّ َ اَل ُ ُّ ُ َّ ُ ۡ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫أۡل ۡ‬ ‫ص ِّع ۡر َخ َّد َك ِل َّلن َ اَل َ ۡ‬
‫﴿واَل ُت َ‬
‫َ‬
‫ور ﴾‬
‫ض مرح ا ِإن ٱلله ي ِحب ك ل مخت ٖال فخ ٖ‬ ‫ش ِفي ٱ ر ِ‬
‫اس و تم ِ‬ ‫ِ‬
‫[لقمان ‪]18 :‬‬
‫وتأكد هذا األدب اإلسالمي بغض الص وت واعتداله ح تىفي العبادة والصالة وق راءة‬
‫الق رآن‪ ،‬وعن د مخاطب ة الرس ول ص لی هللا علي ه وس لم في حيات ه‪ ،‬أو زيارت ه بع د وفات ه‪،‬‬
‫فقال تعالى ‪:‬‬
‫اٗل‬ ‫َٰ‬ ‫اَل ُ َ‬ ‫َ اَل َ ۡ َ ۡ َ اَل‬
‫ص ِت َك َو تخا ِف ۡت ِب َها َو ۡٱب َت ِغ َب ۡي َن ذ ِل َك َس ِبي ﴾ [ اإلسراء ‪]110 :‬‬ ‫﴿‪ ...‬و تجهر ِب‬
‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫ْ َ َۡ َ‬ ‫َّ اَل َ‬ ‫ص َٰو َت ُك ۡم َف ۡو َق َ‬‫وا اَل َت ۡر َف ُع ٓو ْا َأ ۡ‬ ‫َٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ‬
‫ٱلن ِب ّ ِي َو ت ۡج َه ُروا ل ُهۥ ِب ٱلق ۡو ِل ك َج ۡه ِر‬ ‫ص ۡو ِت‬ ‫﴿يأيه ا ٱل ِذين ءامن‬
‫الح ُـجـرات‪]2 :‬‬ ‫ون ﴾ [ ُ‬ ‫ط َأ ۡع َٰم ُل ُك ۡم َو َأ ُنت ۡم اَل َت ۡش ُع ُر َ‬
‫َۡ ُ ۡ َۡ َ َ َۡ َ‬
‫ض أن تحب‬ ‫بع ِضكم ِلبع ٍ‬
‫ثم أثنى هللا تعالى على من يفض صوته‪ ،‬فقال عز وجل ‪:‬‬
‫ۚ‬ ‫َّ ُ ْ َٰٓ َ َّ َ ۡ َ َ َ َّ‬
‫ٱلل ُه ُق ُل َ‬ ‫َّ َّ َ َ ُ ُّ َ َ ۡ َٰ َ ُ ۡ َ َ ُ‬
‫وب ُه ۡم ِل َّلت ۡق َو ٰى‬ ‫ول ٱلل ِه أول ِئ ك ٱل ِذين ٱمتحن‬ ‫﴿إن ٱل ِذين يغض ون أص وتهم ِعند رس ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫َل ُهم َّمغ ِف َرة َوأ ۡج ٌر َع ِظ ٌ‬
‫‪ٞ‬‬ ‫ۡ‬
‫الح ُـجـرات ‪]3 :‬‬ ‫يم ﴾ [ ُ‬
‫‪ )4‬االقتصاد في العواطف وامليول ‪ :‬إن هللا تعالى أمر باالعتدال في العواطف وامليول‪،‬‬
‫ألنها كثيرا ما تكون جياشة‪ ،‬وتتحرك النفعاالت سريعة وأنية‪ ،‬فتدفع صاحبها لإلفراط‬
‫والغلو بحسن نية‪ ،‬ويتورط في متاهات عديدة‪ ،‬ثم يصحو لنفسه فيندم على ماصدر منه‬
‫بعد فوات األوان‪ ،‬ويعض أصابعه بدون جدوى‪ ،‬ويضطر للتراجع واالعتذار أمام نفسه‪،‬‬
‫وتج اه رب ه‪ ،‬وإلى غ يره‪ ،‬فج اء الش رع نامح ة ومرش دة‪ ،‬ومعلم ة ومربي ة وداعي ة لالعت دال‬
‫واالت زان في السير وراء العواط ف وامليول‪ ،‬كالفرح والحزن‪ ،‬والحب‪ ،‬والكره‪ ،‬والض حك‬
‫والبك اء والغض ب‪ ،‬والش جاعة والته ور‪ ،‬والجبن‪ ،‬واإلق دام‪ ،‬والك رم‪ ،‬والبخ ل والش ح ‪،...‬‬
‫وغ ير ذلك من األم ور الفطري ة‪ ،‬واملش اعر الوجداني ة‪ ،‬واألحاس يس الجبلي ة‪ ،‬ف الفرح‬
‫واملسرات أمر طبيعي‪ ،‬ولكنه قد يؤدي الى البطر‪ ،‬والحزن على املصائب واملأسي قد تدفع‬
‫الى األوهام واألمراض‪ .‬فأرشد القرآن الكريم الى االعتدال في األمرين‪ ،‬فقال تعالى ‪:‬‬

‫‪ 39‬انظر محاسن التأويل ‪ ،4802/13‬في ظالل القرآن ‪.486/6‬‬


‫ّ َ ۡ اَل َ ۡ َ ۡ ْ َ َ ٰ َ َ َ ُ ۡ َ اَل َ ۡ َ ُ ْ َ َ َ ٰ ُ ۡۗ َ َّ ُ اَل ُ ُّ ُ َّ ُ ۡ َ َ ُ‬
‫ور ﴾‬
‫﴿لكي تأس وا على م ا ف اتكم و تفرح وا ِبم ٓا ءاتىكم وٱلله ي ِحب ك ل مخت ٖال ف ٍ‬
‫خ‬ ‫ِ‬
‫[الحـديد‪]23:‬‬
‫واملقصود التخفيف من شدة الحزن‪ ،‬وعدم البطر‪ ،‬والزهو بالرزق والنعمة‪ ،‬وحذر‬
‫الق رأن الك ريم أن تك ون الع داوة س ببة للظلم والحي ف عن د املخاص مة والقض اء‪ ،‬فق ال‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫َٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ ُ ْ َ َّٰ َ َّ ُ َ َ َ ۡ ۡ ۖ َ اَل َ ۡ َ َّ ُ ۡ َ َ َٔ ُ َ ۡ َ َ ٰٓ َ اَّل‬
‫﴿يأيه ا ٱل ِذين ءامن وا كون وا ق و ِمين ِلل ِه ش هدٓاء ِبٱل ِقس ِط و يج ِرمنكم ش ن‍َان ق و ٍم على أ‬
‫َ ۡ ُ ْۚ ۡ ُ ْ ُ َ َ ۡ َ ُ َّ ۡ َ ٰۖ َ َّ ُ ْ َّ َۚ َّ َّ‬
‫ٱلل َه َخب ُۢير ب َما َت ۡع َم ُل َ‬
‫ون ﴾ [ املائدة‪]8:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫تع ِدلوا ٱع ِدلوا هو أقرب ِللتقوى وٱتقوا ٱلله ِإن‬
‫وإن حص ل خالف بين الن اس فيجب أالين دفعوا الى الع داوة والبغض اء والقطيع ة‪،‬‬
‫وح رم اإلسالم الهج ر ف وق ثالثة أيام‪ ،‬كما يجب أال يحملهم الحب والصداقة واملودة الى‬
‫الوق وع في املحظ ورات واملحرم ات والتس اهل في الع ورات ‪ ....‬وفي ذل ك ورد الح ديث‬
‫الشريف عن ابن عمر رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫"أحبب حبيبك هونا ما ‪ ،‬عسى أن يك ون بغيضك يوما ما‪ ،‬وابغض بغيضك يوما ما‪،‬‬
‫عسی‬
‫أن يكون حبيبك يوما ما"‪.40‬‬
‫ق ال العجل وني ‪ -‬معقبة على الح ديث – "وفي معن اه ق ول بعض هم ‪ :‬اليكن حب ك كلف ة‪،‬‬
‫والبغضك تلفا ‪ ،‬وأخرج الخرائطي عن الحسن ‪ ،‬تنقوا اإلخوان واألصحاب واملجالس ‪،‬‬
‫وأحب وا هونا وابغض وا هون ا‪ ،‬فق د أف رط أق وام في حب أق وام فهلك وا‪ ،‬وأف رط أق وام في‬
‫بعض أقوام فهلكوا‪ ،‬وإن رأيت دون أخيك سترة فالتكشفه وما أحسن ما أخرجه الرافعي‬
‫عن أبي إسحاق السبيعي من أنه قال‪ :‬كان علي بن أبي طالب يذاكر أصحابه وجلساءه في‬
‫حسن األدب بقوله ‪:‬‬
‫وكن معدنا للخير‪ ،‬واصفح عن األذى‬
‫فإنك راء ماعملت وسامع‬
‫وأحبب إذا أحببت حبة مقاربا‬
‫فإنك ال تدري متى أنت نازع‬
‫وأبغض إذا أبغضت بغضة مقاربة‬

‫‪ 40‬هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬رواه الطبراني في األوسط والكبير‬
‫عن عمر بن الخطاب‪ ،‬وعبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهم‪ ،‬ورواه الدارقطني وابن عدي والبيهقي عن علي موقوفة‪،‬‬
‫والبخ اري في األدب املف رد‪ ،‬ورم ز الس يوطي لحس نه‪ ،‬ولعل ه العتض اده‪( .‬انظ ر كش ف الخف ا ‪54/1‬‬
‫مجمع الزوائد ‪.)88/8‬‬
‫‪41‬‬
‫فإنك ال تدري متى الحب راجع‬
‫‪ )5‬االقتصاد في في املهر‪:‬‬
‫وفي اط ار ال زواج ودف ع امله ر للم رأة رغب االس الم ب املنهج الوس ط‪ ،‬واالعت دال في‬
‫األم ر ‪ ،‬ونهي عن التغ الي واإلف راط في مق دار امله ر ‪ ،‬كم ا ح رم التفري ط في إلغ اء امله ر‬
‫والتالعب في ه واللج وء الى نك اح الش عار املح رم‪ ،‬ون اد رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫بع ادات الجاهلي ة ال تي ك ان يس لكها األولي اء في ال زواج باليت امي ب دون مه ر طمع ا بم الهن‬
‫وجمالهن دون أن يقس طوا لهن كأمث الهن‪ ،‬فعن ع روة بن الزب ير أن ه س أل السيدة عائش ة‬
‫رضي هللا عنها عن قول هللا عز وجل‪:‬‬
‫َ ۡ ۡ ُ ۡ َ اَّل ُ ۡ ُ ْ ۡ َ َٰ َ ٰ َ ُ ْ َ َ َ َ ُ ّ َ ّ‬
‫ٱلن َس ِٓاء ‪ [ ﴾ ...‬النساء‪]3:‬‬
‫ٱنكحوا ما طاب لكم ِمن ِ‬
‫﴿و ِإن ِخفتم أ تق ِسطوا ِفي ٱليتمى ف ِ‬
‫ق الت‪ :‬ي ا ابن أخ تي‪ ،‬هي اليتيم ة تك ون في حج ر وليها فتش اركه في مال ه‪ ،‬فيعجب ه ماله ا‬
‫وجمالها‪ ،‬فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها‪ ،‬فيعطيها مثل مايعطيها غيره‪ ،‬فنهوا‬
‫‪42‬‬
‫أن ينكحوهن‪ ،‬إال أن يقسطوا لهن ‪ ،‬ويبلغوا أعلى سنتهن من الصداق‪.‬‬
‫واليوم يقوم كثير من األولياء باالستيالء على مهر البنات‪ ،‬ويضعوا يدهم عليه حياء‬
‫وكره ا وتهدي دة ومس اومة لحرم انهن من مه ورهن‪ ،‬وك أن املرأة س لعة لل بيع والش راء في‬
‫مقابل املهر الذي يقتنصه العصبات من الرجال‪.‬‬
‫وم و معنا س ابقا نهي الرس ول ص لى هللا عليه وس لم – من جانب آخ ر ‪ -‬عن التغالي في‬
‫‪43‬‬
‫املهور وسبق حديث عمر رضي هللا عنه ‪" :‬ال تغالوا في املهور"‪.‬‬
‫وبين عليه الصالة والسالم أن أكثر النساء بركة أقلهن مهورا ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"خير النكاح أيسره"‪.44‬‬
‫وكما أن سلب املرأة مهرها ظلم وأي ظلم‪ ،‬فكذلك التغالي املهور‪ ،‬فانه ظلم وطغيان‪،‬‬
‫واليخفي هذا األمر على أحد‪ ،‬ومايجره‪ ،‬من ويالت ومساوي ومصائب وديون ومتاعب على‬
‫الزوجين واألفراد واملجتمع واألسر‪ ،‬وكثيرا مايقصد التفاخر والخيالء والنفاق االجتماعي‬
‫في التغالي ومالبس العروس وحفالت الزفاف ومايتعلق بذلك‪.‬‬

‫‪ 41‬کشف الخفا‪ ،‬له ‪ ،54/1‬ويقول الشاطبي في املوافقات (‪" : )762‬فاألوصاف التي مطبع عليها االنسان ‪ ...‬اليطلب‬
‫برفعها‪ ،‬والبازالة ماغرز في الجبلة منها‪ ،‬فإنه تكليف ما اليطاق ‪ ...‬ولكن يطلب قهر النفس عن الجنوح الى مااليحل‬
‫وارسالها بمقدار االعتدال فيما يحله"‪.‬‬

‫‪ 42‬رواه النسائي وغيره ‪.‬‬


‫‪ 43‬سبق بيان ذلك في املبحث األول عن الغلو واملغاالة‪.‬‬
‫‪ 44‬هذا الحديث رواه أبو داود عن عقبة بن عامر رضي هللا عنه مرفوعة‪.‬‬
‫‪ )6‬االقتصاد في النفقة واالنفاق ‪:‬‬
‫ويأتي االقتصاد واالعتدال في االنفاق في رأس القائمة وقد اقتصر العلم الحديث على‬
‫هذا الجانب من التوجيه‪ ،‬وأفرده بالدراسة والبحث‪ ،‬وصار علمة قائمة بذاته‪ ،‬واذا أطلق‬
‫االقتصاد واالعتدال لم يفهم إال هذا‪ ،‬وانصرف إليه النه يتعلق بكل فرد‪ ،‬ويحدد سياسته‬
‫الخاص ة‪ ،‬في االنف اق فاالقتص اد في النفق ة‪ ،‬واالعت دال في ال دفع واإلعط اء‪ ،‬ب دون إس راف‬
‫والتب ذير‪ ،‬وب دون ب ذخ والتقت ير‪ ،‬وب دون إف راط وال تفري ط هو ماي دعو الي ه االس الم‪،‬‬
‫ويؤي ده العق ل واملنطق‪ ،‬ويتفق م ع الواقع والحي اة‪ ،‬ويسعي نح وه الحكم اء وذوو األلباب‪،‬‬
‫وين ادي به املص لحون والوع اظ‪ ،‬والناص حون‪ ،‬ويحق ق االنس جام بين متطلب ات الحاض ر‬
‫واملستقبل‪ ،‬ولذلك جاء ذكره في مواطن كثيرة من القرآن الكريم‪ .‬فقال تعالى ‪:‬‬
‫ول ًة إ َل ٰى ُع ُنق َك َواَل َت ۡب ُس ۡط َها ُك َّل ۡٱل َب ۡس ط َف َت ۡق ُع َد َم ُل ٗ‬
‫وم ا َّم ۡح ُس ً‬
‫ورا ﴾‬
‫َ اَل َ ۡ َ ۡ َ َ َ َ ۡ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿و تجع ل ي دك مغل ِ‬
‫[اإلسراء ‪]29 :‬‬
‫ق ال الش يخ جم ال ال دين القاس مي في تفس ير ه ذه اآلي ة ‪" :‬وال تجع ل ي دك مغلول ة إلى‬
‫عنقك" أي التمسك يدك عن النفقة والعطية ملن له حق تقدم‪ ،‬بمنزلة املشدودة يده الى‬
‫عنق ه‪ ،‬ال ذي ال يق در على األخ ذ به ا واإلعط اء‪ ،‬والتبس طها ك ل البس ط أي بالتب ذير‬
‫والسرف‪ ،‬قال ابن كثير ‪ :‬أي ال تسرف في االنفاق‪ ،‬فتعطي غير طاقتك‪ ،‬وتخرج أكثر من‬
‫دخلك‪ ،‬فتقعد أي تبقى ملومة يلومك الفقراء والقرابة‪ ،‬محسورة اي نادما من الحسرة‪,‬‬
‫أو منقطعا بك الشيء عندك من حسرة السفر اذا بلغ به الجهد‪ ،‬وأثر فيه ‪ ...‬ومتى بسطت‬
‫يدك فوق طاقتك‪ ،‬قعدت بالشيء تنفقه‪ ،‬فتكون كالحسير‪ ،‬وهي الدابة التي عجزت عن‬
‫السير‪ ،‬فوقفت ضعفأ وعجزا‪.45‬‬
‫ووص ف الق رآن الك ريم عب اد هللا املتقين‪ ،‬ال ذين يس يرون على منهج رب الع املين‪،‬‬
‫ويطبق ون أحكام ه وش رعه‪ ،‬ويبتغ ون مرض اته في ال دنيا واآلخ رة‪ ،‬وس ماهم « عب اد‬
‫الرحمن» فقال تعالى عنهم ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ َ َ َ َ ُ ْ‬
‫وا َل ۡم ُي ۡسرفوا َول ۡم َي ۡقت ُروا َوك َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ان َب ۡي َن ذ ِل َك ق َو ٗاما ﴾ [ الفرقان‪]67 :‬‬ ‫ِ‬ ‫﴿وٱل ِذين ِإذٓا أنفق‬
‫أي لم يج اوزوا الح د في اإلنف اق‪ ،‬ولم يض يقوا على أنفس هم وأهليهم‪ ،‬وم ايعروهم بخال‬
‫ولوم ا ب ل ك انوا بين ذلك متوس طين‪ ،‬وخ ير األم ور أوس طها‪ ،‬ق ال الزمخش ري‪ :‬وص فهم‬
‫بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير‪ ،‬وبمثله أمر هللا تعالى (في اآلية السابقة)‪ ،‬ولى اإلمام‬
‫أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪:‬‬

‫‪ 45‬محاسن التأويل ‪.3923/10‬‬


‫‪46‬‬
‫" من فقه الرجل رفقه في معيشته"‬
‫وأخ رج أيض ا عن ابن مس عود ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ص لی هللا علي ه وس لم "ماع ال من‬
‫‪47‬‬
‫اقتصد"‪.‬‬
‫وروى البزار عن حذيفة قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬ما أحسن القصد‬
‫في الغني‪ ،‬وما أحسن القصد في الفقر‪ ،‬وما أحسن القصد في العبادة "‪.48‬‬
‫وأمر القرأن الكريم باالعتدال واالقتصاد في االنفاق ودفع الزكاة من املال‪ ،‬ونهي عن‬
‫االسراف في آية واحدة فقال تعالى ‪:‬‬
‫مۡل ُ‬ ‫ۚ‬
‫اَل ُ ُ ْ اَل‬ ‫َ َۡ َ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُُ ْ‬
‫ص ِاد ِه ۖۦ َو ت ۡس ِرف ٓوا ِإ َّن ُهۥ ُي ِح ُّب ٱ ۡس ِر ِف َين‬
‫وا َح َّق ُهۥ َي ۡو َم َح َ‬ ‫﴿…كلوا ِمن ث َم ِر ِهۦٓ ِإذٓا أثم ر وءات‬
‫﴾ [األنعام ‪]141 :‬‬
‫قال القاسمي رحمه هللا تعالى ‪« :‬النهي عن االسراف إما في التصدق‪ ،‬أي التعطوا فوق‬
‫املع روف ‪ ...‬وإما في ك ل شيء‪ ،‬قال عطاء ‪ :‬نه وا عن السرف في ك ل شيء ‪ ،‬وقال إياس بن‬
‫معاوي ة ‪ :‬ماج اوزت في ه أم ر هللا‪ ،‬فه و س ترف‪ ،‬واخت ار ابن جریر ق ول عط اء‪ ،‬ق ال ابن‬
‫كثير ‪ :‬والشك أنه صحيح لكن الظاهر‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬من سياق اآلية حيث قال تعالى ‪" :‬كلوا‬
‫من ثمره اذا أثمر" أن يكون عائدة على األكل‪ ،‬أي "التسرفوا في األكل‪ ،‬ملا فيه من مضرة‬
‫العقل والبدن‪ ،‬كقوله تعالی‬
‫َ ُ ُ ْ َ ۡ َ ُ ْ َ اَل ُ ۡ ُ ٓ ْۚ‬
‫﴿‪ ...‬وكلوا وٱشربوا و تس ِرفوا ‪ [ ﴾...‬األعراف‪]31 :‬‬
‫وفي ص حيح البخ اري تعليق ة‪" :‬كل وا واش ربوا والبس وا وتص دقوا من غ ير إس راف‬
‫والمخيلة‪ ."49‬وهذا من هذا‪.50‬‬
‫وان االقتص اد في االنف اق ه و قم ة التوجي ه اإلس المي ألن ه يع الج أم راض نفس ية في‬
‫التع الي وحب الك بر والرغب ة في الظه ور والتف اخر‪ ،‬ثم الوق وع في ش باك الش يطان عن د‬
‫االنفاق غير املشروع والتبذير في املال‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ۡ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫مۡل‬
‫َ ُ َ ۡ َ ۡ ً َّ َ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫اَل‬ ‫ات َذا ۡٱل ُق ۡر َب ٰى َح َّق ُهۥ َوٱمۡل ِ ۡس ِك َين َو ۡٱب َن َّ‬
‫ين ك ان ٓوا ِإخ َٰو َن‬ ‫ٱلس ِب ِيل و تب ِذر تب ِذيرا ِإن ٱ ب ِذ ِر‬ ‫َ‬
‫﴿و َء ِ‬
‫ورا ﴾ [ اإلسراء‪]27 :‬‬ ‫ٱلش ۡي َٰط ُن ِل َر ّب ِهۦ َك ُف ٗ‬ ‫ان َّ‬ ‫ٱلش َٰيط ۖين َو َك َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ 46‬مسند اإلمام أحمد ‪.194 /5‬‬

‫‪ 47‬مسند اإلمام أحمد ‪447/1‬‬


‫‪ 48‬محاسن التأويل ‪.4590/12‬‬
‫‪ 49‬صحيح البخاري ‪ 2181/5‬كتاب اللباس ‪ ،‬باب قول هللا تعالى‪« :‬قل من حرم زية هللا التي أخرج لعباده‪ ..‬األعراف ‪/‬‬
‫‪ ،32‬واإلس راف في األص ل ه و تج اوز الح د في ك ل فع ل أو ق ول‪ ،‬واس تعماله في اإلنف اق أش هر من غ يره‪ ،‬وه و في ه‪:‬‬
‫اإلنفاق زائدة عما ينبغي ويليق‪ ،‬واملخيلة بكسر الخاء من الخيالء وهو التكبر‪.‬‬
‫‪ 50‬محاسن التأويل ‪ 2527/6‬وما بعدها‪،‬‬
‫قال القاسمي ‪« :‬إن املبذرين كانوا إخوان الشياطين» أي أمثالهم في کفران نعمة املال‬
‫بصرفه فيما ال ينبغي‪ ،‬وهذا غاية املذمة‪ ،‬ألنه الشر من الشيطان‪ ،‬أوهم إخوانهم أتباعهم‬
‫في املصادقة واإلطاعة كما يطيع الصديق صديقه‪ ،‬والتابع متبوعه‪ ,‬أوهم قرناؤهم في النار‬
‫على س بيل الوعي د‪ ،‬والجمل ة تعلي ل املنهي عن ه عن التب ذير‪ ،‬ببي ان أن ه يجع ل ص احبه‬
‫مقرون ة معهم‪ ،‬وقول ه ‪" :‬وك ان الش يطان لرب ه كف ورة" من تتم ة التعلي ل‪ ،‬ق ال أب و‬
‫الس عود ‪ :‬أي مبالغ ا في كف ران نعمت ه تع الى‪ ،‬ألن ش أنه أن يص رف جميع م ا أعط اه هللا‬
‫تع الى من الق وى‪ ،‬الى غ ير م اخلقت ل ه من أن واع املعاص ي‪ ،‬واإلفس اد في األرض‪ ،‬وإض الل‬
‫الن اس‪ ،‬وحملهم على الكف ر باهلل‪ ،‬وكف ران نعم ة الفائضة عليهم‪ ،‬وص رفها الى غ ير ما أمر‬
‫هللا تع الى ب ه‪ ،‬وتخص يص ه ذا الوص ف بال ذكر‪ ،‬من بين س ائر أوص افه القبيح ة‪ ،‬لإلي ذان‬
‫بأن التبذير‪ ،‬الذي هو عبارة عن صرف نعم هللا تعالى الى غير مصرفها‪ ،‬من باب الكفران‬
‫املقابل للشكر الذي هو عبارة عن صرفها الى ما خلقت هي له"‪.51‬‬
‫وصف القرآن الكريم املسرفين عامة بأنهم أصحاب النار‪ ،‬فقال تعالى ‪:‬‬
‫﴿‪َ ...‬و َأ َّن ٱمۡل ُ ۡسرف َين ُه ۡم َأ ۡ‬
‫ص َٰح ُب َّ‬
‫ٱلن ِار ﴾ [ غافر‪]43:‬‬ ‫ِِ‬
‫وقال عز وجل ‪:‬‬
‫َ اَل ُ ُ ْ َ مۡل ُ‬
‫يع ٓوا أ ۡم َر ٱ ۡس ِر ِف َين ﴾ [ الشعراء‪]151 :‬‬ ‫﴿و ت ِط‬
‫ومن جهة أخرى فإن االقتصاد واالعتدال في اإلنفاق صاحبه من الصفات املذمومة‪،‬‬
‫ة في‬ ‫راض الدفين‬ ‫واألم‬
‫النفس‪ ،‬وتعشعش في زواياها كالبخل والشح والتقتير‪ ،‬ولذا قال ينجي تعالی ‪:‬‬
‫َ ُ ْ َٰٓ َ ُ ُ مۡل ُ‬ ‫ََ ُ َ ُ َ‬
‫وق ش َّح ن ۡف ِس ِهۦ فأول ِئك هم ٱ ف ِلحون ﴾ [ الـحـشـر‪]9 :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫﴿‪ ...‬ومن ي‬
‫ويكون االعتدال وسطة بين اإلفراط في التقتير والتقصير في التفريط في االسراف‪.‬‬

‫‪ -7‬االقتصاد في التشريع ‪:‬‬


‫ذكرنا سابقا أمثلة عن االقتصاد واالعتدال في السلوك واملعامالت‪ ،‬مع أدلة موجزة‬
‫لها‪ ،‬ونختم ذلك بالقول‪ :‬إن االقتصاد واالعتدال هو منهج التشريع اإلسالمي عامة في كل‬
‫فروعه وجزئيات ه وأحكام ه‪ ،‬وم ا من حكم فقهي‪ ،‬إال وق د روعيت فيه ج وانب االعت دال‬
‫والتوس ط بين أطراف ه‪ ،‬ففي أحك ام العق ود عامة راعي الش رع الحكيم الع دل واالعت دال‬
‫بين املتعاقدين‪ ،‬ليقيم التوازن بينهم‪ ،‬ويمنع الغلو واملغاالة‪ ،‬واإلفراط والتفريط‪ ،‬والجور‬

‫‪ 51‬محاسن التأويل ( ‪ 3020/10‬ومابعدها‬


‫والتقص ير‪ ،‬وفي الكس ب ش رع الط رق الحالل ‪ ،‬وح ذر من الح رام‪ ،‬وفي ب ر الوال دين أم ر‬
‫بطاعتهما حتى قرن ذلك بطاعة هللا وعبادته‪ ،‬وأن عقوقهما ومخالفتهما من الكبائر‪ ،‬ومع‬
‫ذل ك فاليج وز اإلص غاء لهم ا إن طلب ا الكف ر باهلل تع الى‪ ،‬واليس مع كالمهم ا إن ك ان في ه‬
‫معص ية هلل تع الى‪ ،‬وفي معامل ة األس رى الكف ار ال ذين أخ ذوا من أرض املعرك ة فتحج ز‬
‫ح ريتهم ولهم أحك امهم املتناس بة معهم‪ ،‬ولكن يجب مع املتهم معامل ة انس انية كريمة‬
‫بالرفق واإلطعام‪ ،‬وأوصى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اصحابة بأسرى بدر حتى كان‬
‫الصحابة يؤثرونهم على أنفسهم وأهليهم في الطعام الجيد‪ ،‬وفي ظل القضاء الذي ينظر في‬
‫الخصومات والخالفات‪ ،‬ومنع الظالمات‪ ،‬وكف يد املجرمين‪ ،‬ومنع املستبدين والغاصبين‬
‫أم ر هللا تع الى بالع دل والقسط التحقي ق االعت دال في الحق وق والواجب ات‪ ،‬واالعت دال في‬
‫املس اواة بين الخص وم‪ ،‬والع دل في العقوب ة والحكم وس ماع الش هود‪ ،‬وفي نط اق األس رة‬
‫وتربية األوالد أمر هللا تعالى بالعطف والحنان والبر واإلحسان‪ ،‬والرعاية‪ ،‬والقوامة على‬
‫األطفال‪ ،‬ولكن بدون دالل مفرط‪ ،‬والقسوة منفرة‪ ،‬وفي إطار امللكية أقر اإلسالم التملك‬
‫كحق طبيعي فطري‪ ،‬ولكنه قيد امللكية بقيود عديدة‪ ،‬ومنع استغاللها لغير ماشرعت له‪،‬‬
‫وفي جميع الحقوق التي أقرها اإلسالم حذر من التعسف في استعمال الحق‪ ،‬واإلساءة في‬
‫اس تخدامه‪ ،‬وأق ر اإلس الم مثال تع دد الزوج ات‪ ،‬وبين األحك ام ال تي ترع اه نح و الص واب‬
‫والسداد‪ ،‬والحياة الزوجية الرغيدة والسكن الزوجي‪ .‬كما أقر اإلسالم الطالق‪ ،‬وفي ذات‬
‫الوقت حدد آدابه وأحكامه وشروطه وقيوده‪ ،...‬وهكذا في جميع مصادر الشرع وموارده‪،‬‬
‫وأص وله وفروع ه‪ ،‬وقواع ده وجزئيات ه‪ ،‬يه دف الى تحقي ق االقتص اد واالعت دال‪ ،‬واألن اة‬
‫‪:‬‬ ‫والرفق‪ ،‬ويجمع ذلك الحديث الصحيح عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‬
‫"ان هللا رفيق يحب الرفق في األمر كله"‪.52‬‬
‫وفي رواية ‪:‬‬
‫ويعطي على الرفق ماال يعطي على العنف‪ ،‬وماال يعطى على ما سواه‬
‫وفي رواية ‪:‬‬
‫"إن الرفق ال يكون في شيء إال زانه‪ ،‬وال ينزع من شيء إال شانه"‪.53‬‬
‫ق ال الش اطبي رحم ه هللا تع الى ‪« :‬الش ريعة جاري ة في التكلي ف بمقتض اها على الطري ق‬
‫الوسط األعدل اآلخذ من الطرفين بقسط الميل فيه‪ ،‬الداخل تحت کسب العبد‪ ،‬من غير‬
‫مش قة علي ه وال انحالل‪ ،‬ب ل ه و تكلي ف ج ار على موازن ة تقتضي في جمي ع املكلفين غاي ة‬

‫‪ 52‬هذا الحديث رواه البخاري عن عائشة رضي هللا عنها مرفوعة ( ‪ ،)2539/6‬ومسلم (‪)146/16‬‬
‫‪ 53‬صحیح مسلم ‪146/16‬‬
‫االعت دال‪ »...‬ثم يق ول ‪« :‬ف إذا نظ رت في ذهب من محت ه وقوت ه بحس ب ذل ك‪ ،‬وك ذلك‬
‫األفع ال الطبيعية ک النوم والس هر واألك ل والش رب‪ ،‬والجم اع والحرك ة‪ ،‬والرياضة‬
‫والخلوة‪ ،‬واملخالطة وغير ذلك‪ ،‬إذا كانت وسطة بين الطرفين املذمومين كانت عدة‪ ،‬وإن‬
‫ا‪.54‬‬ ‫رت نقص‬ ‫ا وأثم‬ ‫انت نقص‬ ‫دهما ك‬ ‫رفت الى أح‬ ‫انح‬
‫وق ال ابن القيم أيض ا ‪" :‬إن الش ريعة ومبناه ا وأساس ها على الحكم ومص الح العب اد في‬
‫املعاش واملعاد‪ ،‬وهي عدل كلها‪ ،‬ورحمة كلها‪ ،‬وحكمة كلها‪ ،‬فكل مسألة خرجت عن العدل‬
‫الى الج ور‪ ،‬وعن الرحم ة الى ض دها‪ ،‬وعن املص لحة الى املفس دة‪ ،‬وعن الحكم ة الى العبث‪،‬‬
‫فليست من الشريعة‪ ،‬وإن أدخلت فيها بالتأويل‪ ،‬فالشريعة عدل هللا بين عباده‪ ،‬ورحمته‬
‫بين خلق ه‪ ،‬وظله في أرض ه‪ ،‬وحكمت ه الدال ة علي ه وعلى ص دق رس وله أتم داللة‬
‫وأصدقها"‪.55‬‬
‫ونكتفي به ذه األمثل ة الش رعية والتش ريعية عن االقتص اد واالعت دال في ال دين‪،‬‬
‫وختمناه ا ببعض القواع د العامة والنص وص الش املة ال تي تش ير إلى املنهج اإللهي في‬
‫التش ريع والتكلي ف والس لوك‪ ،‬وه و أم ر م بین‪ ،‬واض ح‪ ،‬مق رر‪ ،‬منظم‪ ،‬دقی ق‪ ،‬ش امل‪،‬‬
‫واليحت اج إال إلى ش يء واح د‪ ،‬وه و التط بيق والتنفيذ واالل تزام ليحق ق أهداف ه‪ ،‬ويج ني‬
‫ثم اره‪ ،‬ويعطي إنتاج ه وي ؤمن الس عادة والرفاهي ة لإلنس انية في ال دنيا واآلخ رة‪ ،‬ويمنح‬
‫صاحبه الرضا واالستقرار‪ ،‬والحياة الرغيدة‪ ،‬والوئام واملحبة والعافية في الدين والدنيا‪،‬‬
‫وفي العاج ل واآلج ل‪ ،‬ومن ذاق ع رف‪ ،‬وعلى هللا قص د الس بيل‪ ،‬وه و نعم املولى ونعم‬
‫النصير‪ ،‬وهو حسبنا‪ ،‬وعليه التكالن‪ ،‬والحول والقوة اال باهلل العلي العظيم‪ ،‬والحمد هلل‬
‫رب العاملين ‪.‬‬
‫الخاتمة‬

‫وبعد هذا العرض املوجز عن موقف اإلسالم من االعتدال في التدين‪ ،‬واالعتدال في‬
‫العقي دة‪ ،‬واالعت دال في املب ادی واألحك ام‪ ،‬واالعت دال في العب ادة‪ ،‬واالعت دال في االنتم اء‬
‫واالل تزام واالعت دال في الس لوك والع ادات‪ ،‬واالقتص اد في جمي ع ذلك نس تخلص النت ائج‬
‫التالية ‪:‬‬

‫‪ .1‬تح ريم املغ االة في الت دين‪ ،‬والغل و في األحك ام‪ ،‬والرهباني ة في ال دين‪ ،‬ومن ع العنت‬
‫واإلعنات في التصرفا والسلوك‪ ،‬مع التنديد بالتشدد‪ ،‬والتحذير من بواعثه ونتائجه‪.‬‬

‫‪ 54‬الفوائد ‪ ،‬له ص ‪.253‬‬


‫‪ 55‬إعالم املوقعين ‪ ،‬له ‪. 14/3‬‬
‫‪ .2‬وج وب االل تزام بأحك ام الش رع وال دين ‪ :‬ألنه ا ج اءت التحقي ق مص الح العب اد في‬
‫العاج ل واآلج ل‪ ،‬وفي ال دنيا واآلخ رة جلب النف ع لهم ودف ع الض رر واألذى عنهم‪ ،‬ل ذلك‬
‫يح رم التفريط في أم ور الش رع‪ ،‬م ع التهدي د الص ريح من التقص ير في أداء التكلي ف‪ ،‬ألن‬
‫ذل ك ينس ف مص الح املقص ر نفس ه‪ ،‬ويلح ق به الفس اد واإلفس اد‪ ،‬ويع ود علي ه بالخس ارة‬
‫واإلفالس في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪ .3‬يق رر الش رع الحكيم الشخص ية املتم يزة ألبنائ ه وأتباع ه‪ ،‬وذل ك بتحدي د الهوي ة‪،‬‬
‫والصدق في االنتماء‪ ،‬والصرامة في االلتزام‪ ،‬والوقوف عند الحق والعدل ولو كان مرة‪،‬‬
‫وأن ذلك من التعص ب املحم ود واملقب ول عقال و ش رعا‪ ،‬م ع بي ان التعصب املذموم ‪،‬‬
‫والتح ذير من العص بية العمي اء‪ ،‬وغمض الح ق لص احبه و إك راه اآلخ رين على اإليم ان‬
‫والس لوك‪ ،‬وق د يختل ط األم ران الس ابقان في املج امالت املمقوت ة‪ ،‬والتقلي د األعمى‪،‬‬
‫واملحاكاة الصماء في السلوك والعادات‪.‬‬
‫‪ .4‬ظه ر لن ا باألدل ة والنص وص موق ف اإلس الم الجلي الواض ح في الع دل والقص د‪،‬‬
‫واالعتدال واالقتصاد‪ ،‬والوسط والوسطية في االعتقاد‪ ،‬والتكليف‪ ،‬والتشريع‪ ،‬واألحكام‬
‫والع ادات‪ ،‬والس لوك وه و م ايتفق م ع املنط ق والعق ل‪ ،‬وينس جم مع الواق ع ومقتض يات‬
‫الحي اة‪ ،‬ويتف ق م ع إمكاني ات اإلنس ان وض عفه وعج زه‪ ،‬وقدرات ه وإمكانيات ه‪ ،‬وطموح ه‬
‫وآمال ه وآالم ه‪ ،‬وتعرضه للط وارئ واألم راض وال وهن والعج ز والش يخوخة‪ ،‬وتص ديه‬
‫ملقتض يات األه واء والش هوات واملي ول‪ ،‬ومعانات ه م ع الش يطان وجن ده وأتباع ه‪ ،‬وتق ديره‬
‫مللكات ه العقلي ة وقدرات ه املح دودة‪ ،‬وحواسه امللموس ة‪ ،‬لي أتي االعت دال واالل تزام‬
‫واالقتصاد منسجمأ ‪ .‬كل ذلك‪ ،‬وموافقة لهذه املعطيات‪ ،‬ليستطيع اإلنسان االستمرار في‬
‫التكليف‪ ،‬ويؤدي أعماله الحياتية وواجباته املتنوعة‪.‬‬
‫‪ .5‬يظهر من البحث أهمية الدين الحنيف‪ ،‬وحاجة الناس إليه‪ ،‬عند االلتزام بوظيفته‬
‫الصحيحة وذلك بتحقيق التوازن في اإلنسان بين روحه وجسده وعقله‪ ،‬وإقامة التوازن‬
‫بين غرائ زه املختلف ة‪ ،‬وتوجي ه ميول ه وعواطف ه الوجه ة الص حيحة ال تي تحفظ الف رد‪،‬‬
‫وتخدم املجتمع واألمة‪.‬‬
‫كما يهدف التدين الصحيح الى تحقيق التوازن بين الفرد واملجتمع‪ ،‬ألنه يقيم العالقة‬
‫السديدة بين املواطن والدولة‪ ،‬فيعرف كل منهما حقه فيقف عنده‪ ،‬واليخرج الفرد على‬
‫الدولة واملجتمع بالعبث والفساد واإلجرام والتحكم بأرزاق الشعب والتالعب بمقدرات‬
‫األم ة وأمالكه ا وق وت أفراده ا‪ ،‬والتتط اول الدول ة على الف رد فتس لبه حقوق ه الطبيعي ة‬
‫واإلنسانية‪.‬‬
‫هذا املنهج في االعتدال هو ماتصبو اليه البشرية‪ ،‬وتسعى إليه النظم العاملية اليوم‪،‬‬
‫فالشيوعية تراجعت عن غلوائها وإفراطها ومغاالتها املادية‪ ،‬واتجهت حديثة إلى التخفيف‬
‫من ذل ك‪ ،‬وتخط و خط وات في اإلص الحات االجتماعي ة واالقتص ادية والفكري ة والتربوي ة‬
‫والنفسية والدينية‪ ،‬والرأسمالية أدركت مخاطر التطرف في الفردية واألنانية واالحتكار‪،‬‬
‫وت داركت الكث ير من املغ االة والغل و في اقتص ادها‪ ،‬واتجهت إلى االعت دال في الش ؤون‬
‫االجتماعي ة والعم ل‪ ،‬ولكن كال االتج اهين الي زاالن في أول الطري ق إلقام ة التش ريع‬
‫والتنظيم املعتدل نفسية وتربوية وقانونية واجتماعية واقتصادية‪ ،‬ويحتاجان إلى سنوات‬
‫عدي دة التحقي ق ه ذا اله دف ال ذي دع ا إلي ه ال دين الح نيف‪ ،‬والش رع الحكيم‪ ،‬وق رره‬
‫وطبقه ونجح فيه قبل خمسة عشر قرنا‪.‬‬
‫ومن هن ا يس ير املؤمن الص حيح على ص راط هللا املس تقيم‪ ،‬ويتجنب مخ اطر الطري ق‪،‬‬
‫ويبتع د عن مناف ذ الش يطان‪ ،‬ويتنب ه إلى ع ثرات النفس واملال‪ ،‬وأم راض الحي اة واملجتم ع‬
‫الى ‪:‬‬ ‫ارك وتع‬ ‫ق تب‬ ‫ول الح‬ ‫ا لق‬ ‫مطمئن‬
‫ۡ َ َ َ َّ َ ۡ ٗ َ َ ُ َ َ َ ۡ َ ۡ ۡ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ال ذ َّر ٖة ش ّٗرا َي َر ُهۥ﴾ [ الـزلزلة‪]8-7:‬‬‫﴿ل َها َي ۡو َم ِئ ٖذ ِمثقال ذر ٍة خيرا ير ۥه ؛ ومن يعمل ِمثق‬
‫وملتزما بقوله تعالی ‪:‬‬
‫َٰ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ۡ َ ٗ َ َّ ُ ُۖ َ اَل َ َّ ُ ْ‬ ‫ََ ٰ َ‬
‫ٱلس ُب َل ف َت َف َّر َق ِبك ۡم َعن َس ِب ِيل ِهۦۚ ذ ِلك ۡم‬
‫وا ُّ‬ ‫﴿وأ َّن َه ذا ِص َٰر ِطي مس ت ِقيما ف ٱت ِبعوه و تت ِبع‬
‫ون ﴾ [ األنعام ‪]153 :‬‬ ‫ص ٰى ُكم بهۦ َل َع َّل ُك ۡم َت َّت ُق َ‬
‫َو َّ‬
‫ِِ‬
‫وقوله تعالی ‪:‬‬
‫ۗ‬ ‫ُ‬ ‫َ ٰ َ‬
‫﴿و َهذا ِص َٰرط َر ِّب َك ُم ۡس َت ِق ٗيما‪ [ ﴾...‬األنعام‪]126 :‬‬
‫وهو يردد يوميا عشرات املرات ماعلمه هللا من الدعاء في أعظم سور القرآن الكريم‬
‫‪:‬‬
‫‪ .6‬ه ذا املنهج الق ويم في االعت دال في الت دين عقي دة وش ريعة وس لوكا‪ ،‬ه و م ا أنزل ه‬
‫هللا تعالی لهداية عباده‪ ،‬ودعوتهم إلى الحق والصواب وهو هدية السماء لألرض‪ ،‬ورحمة‬
‫الخالق للمخلوقين ورسالة هللا إلى العاملين‪ ،‬ونصيحة االسالم للناس أجمعين‪ ،‬فمن اهتدى‬
‫فلنفس ه‪ ،‬ومن أس اء فعليه ا‪ ،‬ومارب ك بغافل عم ا يعم ل الظ املون‪ ،‬وأن ه ذا املنهج يق ف‬
‫ش امخة ص امدة‪ ،‬ثابتة خال دة‪ ،‬أم ام العقالء واملفك رين‪ ،‬وه و الص خرة العاتي ة ال تي تفجع‬
‫أعداء هللا في النيل من دينه وعباده وأتباعه‪ ،‬ليرتدد خصوم اإلسالم على أعقابهم ويموتوا‬
‫بغيظهم‪ ،‬وأن هللا تع الى لهم باملرص اد‪ ،‬ليحب ط عملهم في ال دنيا واآلخ رة ‪ ،‬وأن ت أمرهم‬
‫س يبوء بالفش ل‪ ،‬وأن هللا س يجعل ت دميرهم في ت دبيرهم‪ ،‬ولن ين الوا من دين هللا ش يئا‪،‬‬
‫وينطبق عليهم قول الشاعر ‪:‬‬
‫کناطع صخرة يوما ليومنها‬
‫فلم يضرها‪ ،‬وأوهی عظمه الوعل‪.‬‬
‫نس أل هللا تع الى الهداي ة والتوفي ق والس داد واالل تزام‪ ،‬والتط بيق والعم ل‪ ،‬وعلى هللا‬
‫قصد السبيل‪ ،‬والحمد هلل رب العاملين‪.‬‬

Anda mungkin juga menyukai