: والقصد، هو على قصد أي رشد من أمره: ويقال، تلتزم الحد الوسط،أي أمة معتدلة
اتيان الشيء ،تقول :قصدته ،وقصدت له ,و قصدت إليه بمعنى ,و القصد العدل ,القصد
استقامة الطريق ,و اقتصند في أمره استقام ,و منه قوله تعالى :
واس تعمل االقتص اد في الت دين به ذه املع اني اللغوي ة نفس ها ،ق ال الفي ومي" :قص د في
األم ر قص دأ ،توس ط وطلب األس د ،ولم يج اوز الح د" ،ورض ي بالتوس ط ،فالقص د
واالقتصاد هو االعتدال في الدين ،والتوسط في أحكامه .والسلوك فيها مسلكا 1وسطا بين
املغ االة والتقص ير ،أو بين اإلف راط والتفري ط ،والقصد في النفق ة أو االقتص اد في النفق ة
هو التوسط بين اإلسراف والتقتير ،ومنه قوله صلى هللا عليه وسلم :
ه و االعت دال واالت زان واالس تقامة والتوس ط في جميع أم ور ال دين ،ب دون غل و
والمغاالة ،وبدون تقصير أو إهمال.
ق ال ال راغب األص بهاني :واالقتص اد على ض ربين ،أح دهما :محم ود على االطالق،
وذلك فيما له طرفان :إفراط وتفريط ،كالجود ،فإنه بين اإلسراف والبخل ،وكالشجاعة
فإنها بين التهور والجبن ،ونحو ذلك ،وعلى هذا قوله تعالی :
ۡ َ ۡ
﴿وٱق ِص ۡد ِفي َمش ِي َك [ ﴾ ...لقمان ]19 :
املصباح املنير ،692 /2مادة تصد ،وانظر :القاموس املحيط ،327/1مختار الصحاح ص ،536معجم ألفاظ 1
هذا الحديث رواه الطبراني في األوسط عن أنس بن مالك و رضي هللا عنه مرفوعا ،واسناد ضعيف ،وعال :افتقر، 2
والشطر األخير من الحديث رواه اإلمام أحمد عن ابن مسعود رضي هللا عنه ( .)447/1
وإلى هذا النحو من االقتصاد أشار بقوله :
َٰ َ َ َّ َ َ َ َ ُ ْ َ ۡ ُ ۡ ُ ْ
وا َو َل ۡم َي ۡق ُت ُر ْوا َو َك َ
ان َب ۡي َن ذ ِل َك ق َو ٗاما ﴾ [ الفرقان]67-67: ﴿وٱل ِذين ِإذٓا أنفقوا لم يس ِرف
والثاني :يكني به عما يتردد بين املحمود واملذموم ،وهو فيما يقع بين محمود ومذموم،
3
كالواقع بين العدل والجور ،والقريب والبعيد.
وهذا مابینه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال :
املفردات في غريب القرآن الكريم ص ،404وانظر :بصائر ذوي التمييز ،272/4وأفرد العالمة النوي بابا بعنوان 3
رواه الديلمي وابن عساكر عن أنس رضي هللا عنه مرفوعا ،وسبق کامال ص .31 4
ول ذلك ح رم اإلس الم الرهباني ة ،كم ا س بق ،ألنه اء انقط اع عن الحي اة ال دنيا ،وتعطي ل ملنافعه ا وقت ل للغرائ ز
البشرية ،وكبت لها ،وانحراف عن وظيفة االنسان في الكون ،استخالفة وعمارة وبناء وعبودية هلل تعالی.
واإلسالم حقق التوازن بين غرائز اإلنسان املختلفة ،ووجه ميوله وعواطفه الوجهة
الصحيحة ،التي تحفظ الفرد وتخدم املجتمع ،واألمة ،وأقام التوازن بين الفرد واملجتمع،
بتوطيد العالق ة الس ديدة بين املواطن والدول ة ،وع رف كال منهم ا حق ه اليق ف عن ده ،وال
يخرج عنه ،وبين لكل منهما واجبه ليؤديه ،فال يخرج الفرد على الدولة واملجتمع بالعبث
والفس اد ،واالج رام والتحكم واالحتك ار ،والتالعب بمق درات األم ة وق وت أفراده ا،
والتتط اول الدول ة على الف رد فتس لبه حقوق ه الطبيعي ة واإلنس انية وتف رض علي ه الظلم
والطغيان واالستعباد والتسلط لتجعل منه ألة صماء ،أو حيوانة أبكم ،اليهتم إال بطعامه
وشرابه ،وشهواته ،أو عضوة عاطال أو متكاس ،أو خام ،أو متواكال أو سلبيا.
وقد اختار هللا هذه األمة لتكون وسطا بين األمم ،ولتكون عادلة في سلوكها ،شاهدة
على غيره ا ،حامل ة آلخ ر رس الة رض يها هللا تع الى لعب اده ،وأنزله ا من الس ماء إلى األرض،
فقال تعالى :
ۚ َٰ ُ َ ُ إۡل َ ُ ُ َۡ َۡ ۡ َُ ۡ
يت لك ُم ٱ ِ ۡس ل َم ِد ٗين ا ﴾... ﴿ ...ٱل َي ۡو َم أك َمل ُت لك ۡم ِد َينك ۡم َوأت َم ۡم ُت َعل ۡيك ۡم ِن ۡع َم ِتي َو َر ِض
[املائدة ]3 :
وبين تعالى هذا املنهج اإلسالمي الوسط بنصوص واضحة ،ومجاالت مختلفة ،وأحكام
كثيرة ،وأيات متعددة ،ثم حدد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم معالم هذا املنهج عقيدة
وشريعة دينة ونظاما ،فهما وبيانة ،تطبيقا وسلوكا ،وترك أمته على محجة بيضاء ،ليلها
كنهاره ا ،اليزي غ عنه ا إال مال ك في املغ االة أو التقص ير ،وأن طري ق النج اة والف وز هو
بالوسط واالعتدال واالقتصاد في جميع األمور .قال تعالى :
(إن ه ذا ال دين يس ر ،ولن يش ّاد ال دين أح د إال غلبه فس ّددوا وق اربوا ،وبش روا،
واستعينوا بالقدوة والروحة وشيء من ّ
الدلجة)
وق ال علي ه الص الة والس الم (:إن ه ذا ال دين يس ر ،ولن يش اد ال دين أح د إال غلبه
الدلجةفسوا وقاربوا ،وبشروا ،واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من ّ
وغير ذلك من اآليات واألحاديث التي سنشير إلى بعضها فيما بعد ،وسبق بعضها اآلخر.
قال الشاعر:
5هذا الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة مرفوعة ( )23/1في باب االيمان ،باب الدين يسر ،وبدأ الباب بحديث
معلق (بدون سند) في قول النبي صلى هللا عليه وسلم« :أحب الدين الى هللا الحنيفية السمحة ،والرواية الثانية في
كتاب الرقاق ،باب القصد واملداومة على العمل ( ،)2373/5وشرح النووي ألفاظ الحديث فقال :قوله« :إال غلبه،
أي غلبه الدين ،وعجز ذلك املشاد عن مقاومة الدين لكثرة مطرقه ،والغدوة سير أول النهار والروحة أخر النهار،
والدلجة آخر الليل ،وهذه استعارة وتمثيل ،ومعناه :استعينوا على طاعة هللا عز وجل باالعمال في وقت نشاطكم
وفراغ قلوبكم ،بحيث تستلنون العبادة ،والتسأمون ،وتبلغون مقصودكم ،كما أن املسافر الحاذق يسير في هذه
األوقات ،ويستريح هو ودابته في غيرها ،فيصل املقصود بغير تعب (نزهة املتقين شرح رياض الصالحين .)168/1
هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود وأحمد عن ابن مسعود رضي هللا عنه وسبق . 6
هذا جزء من حديث رواه البيهقي ( )273/3وأوله "أمرا بين أمرين". 7
8رواه ابن السمعاني في ذيل تاریخ بغداد بسند مجهول ،وأخرجه ابن جرير في التفسير والبيهقي (کشف الخفا
.)469/1
9رواه الديلمي عن ابن عباس رضي هللا عنهما مرفوعة بالسند.
10انظر :تفسير القرطبي ،95/4الترغيب والترهيب .128/4
عليك بأوساط األمور فإنها
وأثنى الشاعر العربي الحكيم زهير بن أبي سلمي على قوم فقال :
لذلك كان الوسط واالعتدال واالقتصاد في األمور كلها محمودة بين الناس لتجافيه
عن الغلو والتقصير ،واالفراط والتفريط ،والتعنت واالرتخاء والتشدد و التواكل.11
أما اتفاق منهج االقتصاد واالعتدال مع الفط رة البشرية فإن الواق ع اإلنساني يؤيد
ذلك ويكشفه للعيان ،وأنه أمر محسوس وملموس ،فاإلنسان ضعيف في ذاته ،وخلق من
ض عف ،وجس مه بني ة ض عيفة ،فك ان االقتص اد واالعت دال متفقة م ع ه ذه الفط رة
11روى أبو يعلى بسند ثقات عن وهب بن منبه قال :إن لكل شي طرفين بوسطة ،فإذا أمسك بأحد الطرفين مال
اآلخر ،وإذا أمسك بالوسط اعتدل الطرفان فعليك باألوسط من األشياء( .کشف الخفا .)1/470
والطبيع ة ،وش رع هللا تع الى لعب اده من األحك ام م ا يتف ق م ع فط رتهم ،وه و الع الم بهم،
والخالق ألجسادهم:
َّ ُ ۡ َ ََ َ اَل َ
﴿أ َي ۡعل ُم َم ۡن خل َق َو ُه َو ٱلل ِطيف ٱلخ ِب ُير ﴾ [ الـملك]14 :
وق د يحس كث ير من الن اس ب القوة والنش اط ،والهم ة العالية التحم ل األعب اء ،ولكن
ه ذه الق وة والهم ة آني ة ،ويجب أال يغ تر به ا اإلنس ان العاق ل ،ألنه ا س رعان م اتزول ،ثم
تتب دل الح ال إلى حالة أخ رى ألق ل م رض ،وأص غر ع ارض من ع وارض الحي اة فاإلنس ان
يول د ض عيفة ،وفي أش د ص ور الض عف والعج ز عن ش ؤون نفس ه ،ثم يق وي ويش تد ،ثم
يض عف وي ذبل ،ثم ي زدي ،وفي أثن اء الق وة يتع رض كث يرة ملرض يض عفه ،أو لهم يقلق ه،
أولعمل يشغله ،لذا كان التشدد والتعنت ،واملغاالة والغلو ،اليتحملها اإلنسان ،ولئن صبر
عليه ا أن ا فأن ا ،فإن ه ين وء باإلره اق ،ثم يح اول التفلت منه ا واله روب ،وه ذا م ا ح دث م ع
الصحابي الجليل عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما ،عندما استأذن رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم بصوم الوصال أثناء شبابه ،فنهاه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم،
وبع د الرجاء واملساومة ،وأنه يطيق الكث ير الكث ير ،أذن له بص وم يوم ،وإفطار ي وم وال
تقدم به السن ،ندم وقال :
12
"ليتني قبلت رخصة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم"
كما سبق ،بل حذره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم سلفا ،فيما يرويه عبد هللا نفسه
قال :قال لي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:
"يا عبد هللا ،التكن مثل فالن ،كان يقوم الليل ،فترك قيام الليل". 13
ويكفي االقتص اد واالعت دال من املحاس ن واملزاي ا أن ه يجنب املرء مس اوی الغل و،
ومساوى التقصير ،وينجي صاحبه من نتائج الغلو والتقصير وأضرارهما وأخطارهما التي
تص ل أحيان ا -كما س بق -إلى الكف ر والش رك ،والهالك وال دمار ،في ال دنيا واآلخ رة .وإن
الغل و في ال دين ،والتقص ير في أحكام ه ،مرض ان خط يران ،وينش ان عن أم راض نفس ية،
وينبعثان من مصادر خبيثة ،كما سبق تفصيلها ،ولذا بين اإلسالم هذه األمراض ،وكشف
عن عوارضها ،وأن الشيطان وراءها ،وتتقوى من أعداء هللا والدين ،فحذر اإلسالم منها
للوقاية واالبتعاد عنها ،ثم وصف الدواء الناجح لها ،ورسم الخطة السديدة ،وحدد املنهج
"إن لرب ك علي ك حقا ،وإن لزوجك علي ك حقا ،وإن النفس ك عليك حقا ،فاع ط ك ل
14
ذي حق حقه".
إن منهج اإلسالم في االقتصاد واالعتدال هو الوسط الذي شرعه هللا تعالى ،وأقام له
ال دعائم املتين ة ،واألسس الس ليمة ،واألحك ام الرش يدة ،في مختل ف الج وانب ،ونش ير إلى
بعضها :
ج اءت العقي دة االس المية وس طا ع دال بين األدي ان والش رائع ،وجع ل هللا األم ة
اإلس المية أم ة وس طا ،واختاره ا على غيره ا ،لتك ون أم ة عادل ة في س لوكها ،ش اهدة على
غيرها ،حاملة اآلخر رساالت ربها ،فقال تعالى :
َ َ َٰ َ َ َ ۡ َٰ ُ ۡ ُ َّ ٗ َ َ ٗ ّ َ ُ ُ ْ ُ َ َ َ َ َ َّ َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ ُ
ول َعل ۡيك ۡم اس ويك ون ٱلرس
﴿وك ذ ِلك جعلنكم أمة وس طا ِلتكون وا ش هدٓاء على ٱلن ِ
َشه ٗ
يدا[ ﴾...البقرة ]143 : ِ
واألم ة الوس ط هي األم ة املعتدل ة ال تي تل زم الوسط والتوس ط ،فال تمي ل الى ط رف
دون طرف ،وال تأخذ جانبا من الدين أو العقيدة ،وتهمل جانبا آخر ،ولذا كانت العقيدة
14هذا جزء من حديث رواه مسلم ،بی معناه البخاري عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما مرفوعة (،)387/1
وسبق في احدى بوابات حديث عبد بن عمرو الذي ذكرناه بطوله سابقا( .نزهة املتقين .)171/1
15ألف حجة اإلسالم محمد الغزالي ( 505هـ) والعقيدة بهذا العنوان ،والكتاب مطبوع وجيد .
اإلسالمية صريحة في اإليمان باهلل تعالی ربا ال شريك له ،وأنه ال يشبهه شيء من خلقه،
وهو السميع البصير ،ال تدركه األبصار ،وهو يدرك األبصار ،وأنه الغني عن كل شيء ،فال
تنفعه طاعة ،وال تضره معصية ،وهذه العقيدة تقوم على البساطة بشهادة التوحيد ،ال
إل ه إال هللا ،إل ه واح د« ،لم يل د ولم يول د * ولم يكن له كف وا أح د» م ع اإليم ان بجمي ع
األنبياء والرسل ،دون تفريق بينهم :
ُ َٰٓ َ َّ َّ ّ َ مۡل ُ ۡ ُ َۚ ُ َ ُ
ون ك ٌّل َء َام َن ِبٱلل ِه َو َمل ِئك ِت ِهۦ َوك ُت ِب ِهۦ ول ِب َم ٓا أن ِز َل ِإل ۡي ِه ِمن ر ِب ِهۦ وٱ ؤ ِمن ٱلر ُس ُ ﴿ء َام َن َّ
َ
مۡل َ َ َ َ ۖ ُ َ َ ُ ْ َ اَل ُ
َو ُر ُس ِل ِهۦ ن َف ّ ِر ُق َب ۡي َن أ َح ٖد ِّمن ُّر ُس ِل ِهۦۚ َوق الوا َس ِم ۡع َنا َوأط ۡع َن ا غ ۡف َران َك َر َّب َن ا َو ِإل ۡي َك ٱ ِص ُير ﴾
[ البقرة]285:
وبيل َوإ ۡس َٰح َق َو َي ۡع ُق َ ٱلل ِه َو َم ٓا ُأن ز َل إ َل ۡي َن ا َو َم ٓا ُأن ز َل إ َل ٰٓى إ ۡب َٰره َۧم َوإ ۡس َٰم ِع َ
ُ ُ ٓ ْ َ َ َّ َّ
﴿قول وا ءامنا ِب
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ َ ُ اَل ُ َوٱأۡل َ ۡس َباط َو َم ٓا ُأوت َي ُم َ
ون ِمن َّر ِّب ِه ۡم ن َف ّ ِر ُق َب ۡي َن أ َح ٖد ِّم ۡن ُه ۡم َون ۡح ُن ٱلنب ُّي َ
ِ
يس ٰى َو َم ٓا أوت َي َّ
ِ
وس ٰى َوع َ
ِ ِ ِ
ون ﴾ [البقرة]136: َل ُهۥ ُم ۡسل ُم َ
ِ
فاملسلم يعتقد ،ويؤمن ويصدق ،ويحترم جميع األنبياء والرسل ،مع أنهم ماضون في
أعماق التاريخ ،ومعظمهم ال أتباع لهم اليوم ،وانقرضت أديانهم ،أو تحرفت وأبتعدت عن
الخط اإللهي الحق ،وبعضهم لهم اتباع وأنصار ،وبقيت بعض كتبهم وعقائدهم ،وكثيرا ما
يك ون اتب اع ه ؤالء في الصف املع ادي لإلس الم واملس لمين ،وق د يكون وا في بعض األوق ات
اشد الناس عداوة لإلسالم واملسلمين ،وقد يدفعهم الحقد والعداوة والتزمت والتعصب
الى التآمر على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،واغتيال نبي الرحمة ،وإجهاض الدعوة في
مهدها ،أو االعتداء على ديار املسلمين وبالدهم ومعتقداتهم ومقدساتهم ،وقد يتحالفون
مع املشركين والوثنين وامللحدين في سبيل القضاء على اإلسالم واملسلمين ،والتاريخ خير
ش اهد على ذل ك ،وم ع كل ه ذا ن ؤمن بأنبي ائهم ورس لهم وكتبهم ،وال نف رق بين أح د من
الرسل ،مع االح ترام الكام ل ،واالعتقاد الجازم بتوفر جميع ملف ات النب وة واألنبي اء بهم،
من العصمة والتبليغ واألمانة ..وهذا ال يتنافى مع االعتقاد بأنهم متفاضلون ،بأدلة عقلية
ومنطقية وواقعي ة ،والنص وص الش رعية في تفض يل بعض هم على بعض ،وأن فيهم أولي
العزم ،والثبات والتضحية ،والعمل الدائب ،والجهاد والدعوة ،قال تعالى :
ٰ ٱلل ُۖه َو َر َف َع َب ۡع َ
ض ُه ۡم َد َر َج ٖ ۚت ﴾...
ۡ َ ُّ ُ ُ َ َّ ۡ َ َ ۡ َ ُ ۡ َ َ ٰ َ ۡ ۘ ّ ۡ ُ َّ َ َّ َ َّ
ض ِمنهم من كلم ﴿ ِتل ك ٱلرس ل فض لنا بعض هم على بع ٖ
[البقرة]253 :
وقال تعالى :
ض َو َء َات ۡي َنا َد ُاو َۥد َز ُب ٗ
ورا ﴾ [ اإلسراء]55: َ َ َ ۡ َ َّ ۡ َ َ ۡ َ َّ
ٱلنب ّي َۧن َع َل ٰى َب ۡع ۖ
ٖ ﴿ ...ولقد فضلنا بعض ِ ِ
كما يعتقد املسلم حقأ بالحياة اآلخرة مع الحياة الدنيا ،وأنه ال انفصال بينهما ،وال
تناقض في العمل لهما ،مع وجوب السعي لكل منهما ،وعدم االنقطع لواحدة دون األخرى،
كما س بق ،فال رهباني ة في اإلسالم ،وال تتمث ل في الدين ،وال مادية بحتة في الشريعة ،م ع
التس ليم بالقض اء والق در ب املفهوم الش رعي الص حيح ال وارد في الق رآن الك ريم والس نة
الش ريفة ،واالعتق اد الج ازم ب البعث والنش ور ،والحس اب الع ادل أم ام أحكم الح اكمين
والثواب للمحسنين والعقاب للمسيئين ،والجنة للمؤمنين ،والنار للكفار واملشركين.
ووصف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اإلسالم ،فقال :
وثبت في السنة النبوية أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " :ما تم ر بين أم رين (من
األحكام والتكاليف واألعمال إال اختار ايسرهما ،ما لم يكن إثما". 17
وعندما انفعل بعض الصحابة في حادثة ،وتشددوا فيها ،بين لهم رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم حقيقة الدين والتكليف ,فقال عليه الصالة والسالم :
18
إنما بعثتم میسرین ،ولم تبعثوا معسرین".
16هذا طرف من حديث رواه البخاري عن أبي هريرة رضي هللا عنه مرفوعا( .صحيح البخاري )23/1
17هذا طرف من حديث رواه البخاري ( )1306/3ومسلم ( )83/15بلفظ "إال أخذه عن عائشة رضي هللا عنها مرفوع.
18هذا الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة رضي هللا عنه مرفوعة ( )89/1رواه الترمذي ايضا عنه.
أي من ش أنكم أن تبتع دوا عن التعس ير ملا ج اء ب ه ش رعكم من اليس ر ،وق ال علي ه
الم : الة والس الص
"يسروا وال تعسروا ،وبشروا والننفروا ".19
وجاء التكليف اإللهي في األحكام بحسب الطاقة البشرية ،بالنص الصريح ،فقال تعالى
:
ۚ اَّل اَل َ ّ ُ َّ َ
﴿ ُيك ِلف ٱلل ُه ن ۡف ًسا ِإ ُو ۡس َع َها[ ﴾...البقرة]286 :
وقال تعالى:
َ َّ ُ ْ َّ َ َ ۡ َ
ٱس َتط ۡع ُت ۡم [ ﴾ ...الـتغابن ]16 : ﴿فٱتقوا ٱلله ما
كما وصف القرآن الكريم رسالة محمد صلی هللا عليه وسلم بأنها لرفع اإلصر ،فقال
تعالى :
َ ۚ أۡل َ ۡ َٰ َّ َ َ
ص َر ُه ۡم َوٱ غل َل ٱل ِتي كان ۡت َعل ۡي ِه ۡم[ ﴾...األعراف ]157 : ﴿َ ...و َي َ
ض ُع َع ۡن ُه ۡم إ ۡ
ِ
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :
-3رفع الحرج واملشقة في التكليف واألحكام ،فمن دعائم االقتصاد في التدين أن هللا
تع الى رف ع الح رج واملش قة في التش ريع ،وأن الكلف ة واملش قة املوج ودة في العب ادات
19هذا الحديث رواه البخاري ( )38/1ومسلم في الجهاد والسير باب األمر بالتيسير وترك التنفير ،عن أنس رضي هللا
عنه.
20هذا الحديث في الرواية األولى والثانية رواه البخاري ( )695/2ومسلم عن عائشة رضي هللا عنها ( )74 ،73/5
والرواية الثالثة رواها الطبراني عن أبي أمامة .
واألحكام مشقة معتادة ،وجرت عادة الناس على احتمالها واالستمرار عليها ،وتدخل في
طاق ة املكل ف ،وه ذه املش قة املعت ادة نفس ها ليس ت مقص ودة ل ذاتها من املش رع ،وإنم ا
القص د من ه تحقیق املص الح املترتب ة عليه ا ،ودرء املفاس د املتوقع ة منه ا ،للحف اظ على
مقاص د الش ريعة الض رورية والحاجي ة والتحس ينية ،وأن املكلف يتحم ل ه ذه املش قة
املعتادة كما يتحمل املريض الدواء املر من أجل الشفاء ،فاملقصود في الصوم مثال تهذيب
النفس وتربية ال روح وتعوي د املرء على الص بر ،واإلحس اس ب أالم الفق راء وحاج اتهم ،إلى
غير ذلك من الحكم والفوائد ،وليس املقصود منه إيالم النفس بالجوع والعطش ،وكذلك
الصالة والزكاة والحج والجهاد وغيرها ،ويجب على املكلف أن يتحرى مقاصد الشريعة في
التكلي ف ،وال يص ح ل ه أن يقص د مج رد املش قات ال تي فيه ا ،ومن فع ل ذل ك ظان ة زي ادة
األج ر والتق رب فق د أخط أ وال أج ر له ول ذا ق ال رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم ملن
أرادت التق رب إلى هللا تع الى ،ون ذرت أن تحج ماش ية" ،مره ا فل تركب ،ف إن هللا غ ني
عن مشيها" .21
ومثلها قصة أبي اسرائيل التي مرت سابقة ،هذا ما أراده هللا تعالى في آيات كثيرة في
كتابه الكريم ،وامتن به على املؤمنين ،فقال تعالى:
ٱلد ِين ِم ۡن َح َر ٖ ۚج[ ﴾...الحج]78 : ﴿َ ...ج َع َل َع َل ۡي ُك ۡم في ّ
ِ ِ
وقال تعالى :
َ ُ َٰ َ ُ َّ
﴿َ ...ما ُي ِر ُيد ٱلل ُه ِل َي ۡج َع َل َعل ۡيكم ِّم ۡن َح َر ٖج َول ِكن ُي ِر ُيد ِل ُيط ِّه َرك ۡم [ ﴾...املائدة]6:
ل ذلك ق رر العلم اء ب أن الح رج مرف وع على املكل ف باتف اق ،وأن الش ارع لم يقص د في
وأن االجم اع على ع دم وقوع ه وج ودة في التكلي ف ،وأن التكلي ف إلى الش اق واإلعن اتّ ،
الشريعة موضوعة بقصد الرفق والتيسير.22
-4فتح ال رخص ،واتمام ا للتيس ير في ال دين ،واليس ر في األحك ام ،والتكلي ف بق در
الطاق ة ،ورف ع الح رج واملش قة ،ش رع اإلس الم ال رخص ،وفتح أبوابه ا في جمي ع األحك ام
تقريب ا ،في العقي دة والعب ادات واملع امالت والس لوك ،ف رخص ب النطق بكلمة الكف ر عن د
اإلك راه ،وأب اح أك ل امليت ة وش رب الخم ر للض رورة وش رع ال تيمم واملس ح على الجب يرة
واملس ح على الخفين ،والص الة قاع دة ونائم ة ،وقص ر الص الة وجمعه ا في الس فر ،وأب اح
اإلفط ار رمض ان للم ريض واملس افر واملرض ع والحام ل ،كم ا رخص في بي ع املع دوم
21هذا الحديث رواه أبو داود بروايات كثيرة عن ابن عباس رضي هللا عنه وعن غيره ( 210/2وما بعدها).
22انظر املوافقات للشاطبي .96 ،86/2
للضرورة في االستصناع والسلم وغيرهما ،ورغب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم باألخذ
بالرخصة ،فقال عليه الصالة والسالم :
"إن هللا ّ
يحب أن توتی رخصه ،كما يحب أن في تؤتی عزائمه".23
والحكم ة من التيس ير ورف ع الح رج وفتح ب اب ال رخص هو التخفي ف عن العب اد،
واالقتصاد في التدين ،واالعتدال في األحكام ،والتوازن في املصالح ،والرغبة في استمرار
املكلف بالس ير على منهج هللا تع الى ،والص راط املس تقيم ،وأال يتط رق إلي ه انقط اع في
الطري ق ،أو بغض للش رع والعب ادة ،أو كراهية للتك اليف ،وأال تش غله التك اليف
24
والواجبات الدينية عن األعمال الدنيوية والواجبات الخاصة في نفسه وأهله ومجتمعه،
وغير ذلك من نتائج اإلفراط والتفريط التي مرت سابقا
-5املداوم ة على العم ل وإن ق ل وتأكي دا إلقام ة االعت دال في الت دين ،والت وازن بين
املص الح ،وتق ديرة للواق ع اإلنس اني والض عف البش ري ،وحرص ا على متابع ة الت دين،
واالس تمرار في ه ،والس ير على منهج هللا تع الى ،والتزام ا بالتك اليف بق در الطاقة ومق دار
الجه د ،فق د طلب املش رع القلي ل من التك اليف والعب ادات واألحك ام وااللتزام ات بش رط
املداومة عليها ،واملواظبة على أدائها ،واالستمرار في تنفيذها.
وفض ل اإلس الم العم ل القلي ل املس تمر على اإلف راط والتش دد والتعنت ال ذي ي ردي
صاحبه في منتصف الطريق ،فال يصل الى غايتة ،قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :
25
"إن املنبت ال أرضا قطع ،وال ظهرا أبقى"
وقال أيضا :
"خذوا من األعمال ما تطيقون ،فإن هللا ال يمل حتى تملوا ،وكان أحب الدين البه ما
دووم صاحبه عليه".
وفي رواية :
ّ 26 ّ
"وإن أحب األعمال إلى هللا ما دووم عليه ،وإن قل".
25هذا الحديث رواه البزار عن جابر ،بدى بعضه اإلمام أحمد عن أنس رضي هللا عنه وسبق شرحه
26هذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي هللا عنها مرفوعة.
ق ال الن ووي رحم ه هللا تع الى" :ومع نى ال يم ل هللا ،ال ينقط ع ثواب ه عنكم ،وج زاء
أعمالكم ،ويعاملكم معاملة املال حتى تملوا فتتركوا ،فينبغي لكم أن تأخذوا ما تطيقون
27
الدوام عليه اليدوم ثوابه لكم ،وفضله عليكم".
وعن عائش ة رض ي هللا عنه ا أن رس ول هللا ص لى هللا عليه وس لم دخ ل عليه ا ،وعن دها
امرأة ،فقال :
"من هذه ؟ فقلت امرأة ال تنام ،تصلي ،قال :عليكم من العمل ما تطيقون ،فوهللا ال
يمل هللا حتى تملوا ،وكان أحب الدين اليه ما داوم عليه صاحبه." 28
وعن أنس رضي هللا عنه قال :دخل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم املسجد ،وحبل
ممدود بيت ساريتين ،فقال :
" م ا ه ذا ؟ ق الوا :ل زينب ،تص لي ،ف إذا كس لت أو ف ترت ،أمس كت ب ه ،فق ال :خل وه،
ليصل أحدكم نشاطه ،فإذا كسل أو فتر قعد".29
قال النووي« :کسلت بكسر السين وفيه الحث على االقتصاد في العبادة ،والنهي عن
التعمق ،واألمر باالقبال عليها بنشاط ،وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور.30"..
وعن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال :
"إذا تعس أحدكم ،وهو يصلي ،فليرقد حتی .يذهب عنه النوم ،فإن أحدكم إذا صلى،
وهو ناعس ،ال يدري لعله يستغفر فیسب نفسه."31
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :
إذا ق ام أح دكم من اللي ل فاس تعجم الق رآن على لس انه (أي اس تغلق ولم ينطل ق ب ه
لسانه لغلبة النعاس) فلم پدر ما يقول ،فليضجع."32
وهذا تأكيد في جميع الحاالت واألعمال تطبيقا للقاعدة والحكمة واملثل «قليل دائم
خ ير من كث ير منقط ع» ،وعن س عد بن أبي وق اص رض ي هللا عن ه ق ال" :أراد عثم ان بن
(من الخصاء ،وهو قطع الخميتين اللتين بهما قوام النسل ،أو تعطيلهما عن العمل).
-6االقتصاد في السلوك واملعامالت :
انت في ابقا ك اس تي ذكرناه ة ال ثر األمثل إن أك
االقتصاد في العقيدة ،واالعتدال في العبادات ،ولكن املشرع الحكيم والشريعة الحنيفية
السمحاء لم تقتصر على تطبيق مبدأ االقتصاد واالعتدال فيما سبق ،ولكنها ارشدت الى
هذا املبدأ السليم في جميع املجاالت ،وفي مختلف جوانب الحياة العملية ،سواء كانت في
اآلداب واألخالق والسلوك االجتماعي ،أم كانت في العادات واملباحات ،أم كانت في نطاق
األسرة واألحوال الشخصية ،أم كانت في دائرة املعامالت املالية والعالقات الدولية ،وفي
القض اء والع دل ،وغ ير ذل ك مم ا يظه ر باس تقراء األحك ام الش رعية ،وكتب الفق ه
اإلس المي ،ونراه ا مبثوث ة في مختل ف ف روع ال دين ،ون ذكر هن ا طرف ة منه ا ،لن بين دع وة
الشريعة الى االعتدال ،دون إفراط وال تفريط.
)1فمن ذلك أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم نهى عن االختيال في الثياب ،والتكبر
بها ،ونهي عن إسدال الثياب الطويلتو واالختيال فيها أمام الناس ،فقد أخرج البيهقي أن
هرتين : لم نهى عن الش ه وس لى هللا علي بي ص الن
"أن يلبس الثياب الحسنة التي ينظر اليه فيها ،أو الدنية الرثة ،التي ينظر إليه فيها".34
وتأكد هذا املبدأ في اللباس الشرعي املعتدل ،فعن أبي ذر رضي هللا عنه عن النبي صلى
هللا عليه وسلم قال :
" ثالثة اليكلمهم هللا القيامة ،وال ينظر اليهم ،واليزكيهم ،ولهم عذاب أليم".
قال فقرأها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ثالث مرار ،قال أبو ذر :خابوا وخسروا،
من هم یارسول هللا؟ قال:
"املسبلّ ،
واملنان ،واملنفق سلعته بالحلف الكاذب".
وفي رواية :
33هذا الحديث رواه بهذا اللفظ االمام أحمد ( )175/1رواه بلفظ قريب منه البخاري ( )1952/5ومسلم ( )176/9
والدارمي ( .)133/2
40هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي هللا عنه ،رواه الطبراني في األوسط والكبير
عن عمر بن الخطاب ،وعبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهم ،ورواه الدارقطني وابن عدي والبيهقي عن علي موقوفة،
والبخ اري في األدب املف رد ،ورم ز الس يوطي لحس نه ،ولعل ه العتض اده( .انظ ر كش ف الخف ا 54/1
مجمع الزوائد .)88/8
41
فإنك ال تدري متى الحب راجع
)5االقتصاد في في املهر:
وفي اط ار ال زواج ودف ع امله ر للم رأة رغب االس الم ب املنهج الوس ط ،واالعت دال في
األم ر ،ونهي عن التغ الي واإلف راط في مق دار امله ر ،كم ا ح رم التفري ط في إلغ اء امله ر
والتالعب في ه واللج وء الى نك اح الش عار املح رم ،ون اد رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم
بع ادات الجاهلي ة ال تي ك ان يس لكها األولي اء في ال زواج باليت امي ب دون مه ر طمع ا بم الهن
وجمالهن دون أن يقس طوا لهن كأمث الهن ،فعن ع روة بن الزب ير أن ه س أل السيدة عائش ة
رضي هللا عنها عن قول هللا عز وجل:
َ ۡ ۡ ُ ۡ َ اَّل ُ ۡ ُ ْ ۡ َ َٰ َ ٰ َ ُ ْ َ َ َ َ ُ ّ َ ّ
ٱلن َس ِٓاء [ ﴾ ...النساء]3:
ٱنكحوا ما طاب لكم ِمن ِ
﴿و ِإن ِخفتم أ تق ِسطوا ِفي ٱليتمى ف ِ
ق الت :ي ا ابن أخ تي ،هي اليتيم ة تك ون في حج ر وليها فتش اركه في مال ه ،فيعجب ه ماله ا
وجمالها ،فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها ،فيعطيها مثل مايعطيها غيره ،فنهوا
42
أن ينكحوهن ،إال أن يقسطوا لهن ،ويبلغوا أعلى سنتهن من الصداق.
واليوم يقوم كثير من األولياء باالستيالء على مهر البنات ،ويضعوا يدهم عليه حياء
وكره ا وتهدي دة ومس اومة لحرم انهن من مه ورهن ،وك أن املرأة س لعة لل بيع والش راء في
مقابل املهر الذي يقتنصه العصبات من الرجال.
وم و معنا س ابقا نهي الرس ول ص لى هللا عليه وس لم – من جانب آخ ر -عن التغالي في
43
املهور وسبق حديث عمر رضي هللا عنه " :ال تغالوا في املهور".
وبين عليه الصالة والسالم أن أكثر النساء بركة أقلهن مهورا ،وقال :
"خير النكاح أيسره".44
وكما أن سلب املرأة مهرها ظلم وأي ظلم ،فكذلك التغالي املهور ،فانه ظلم وطغيان،
واليخفي هذا األمر على أحد ،ومايجره ،من ويالت ومساوي ومصائب وديون ومتاعب على
الزوجين واألفراد واملجتمع واألسر ،وكثيرا مايقصد التفاخر والخيالء والنفاق االجتماعي
في التغالي ومالبس العروس وحفالت الزفاف ومايتعلق بذلك.
41کشف الخفا ،له ،54/1ويقول الشاطبي في املوافقات (" : )762فاألوصاف التي مطبع عليها االنسان ...اليطلب
برفعها ،والبازالة ماغرز في الجبلة منها ،فإنه تكليف ما اليطاق ...ولكن يطلب قهر النفس عن الجنوح الى مااليحل
وارسالها بمقدار االعتدال فيما يحله".
52هذا الحديث رواه البخاري عن عائشة رضي هللا عنها مرفوعة ( ،)2539/6ومسلم ()146/16
53صحیح مسلم 146/16
االعت دال »...ثم يق ول « :ف إذا نظ رت في ذهب من محت ه وقوت ه بحس ب ذل ك ،وك ذلك
األفع ال الطبيعية ک النوم والس هر واألك ل والش رب ،والجم اع والحرك ة ،والرياضة
والخلوة ،واملخالطة وغير ذلك ،إذا كانت وسطة بين الطرفين املذمومين كانت عدة ،وإن
ا.54 رت نقص ا وأثم انت نقص دهما ك رفت الى أح انح
وق ال ابن القيم أيض ا " :إن الش ريعة ومبناه ا وأساس ها على الحكم ومص الح العب اد في
املعاش واملعاد ،وهي عدل كلها ،ورحمة كلها ،وحكمة كلها ،فكل مسألة خرجت عن العدل
الى الج ور ،وعن الرحم ة الى ض دها ،وعن املص لحة الى املفس دة ،وعن الحكم ة الى العبث،
فليست من الشريعة ،وإن أدخلت فيها بالتأويل ،فالشريعة عدل هللا بين عباده ،ورحمته
بين خلق ه ،وظله في أرض ه ،وحكمت ه الدال ة علي ه وعلى ص دق رس وله أتم داللة
وأصدقها".55
ونكتفي به ذه األمثل ة الش رعية والتش ريعية عن االقتص اد واالعت دال في ال دين،
وختمناه ا ببعض القواع د العامة والنص وص الش املة ال تي تش ير إلى املنهج اإللهي في
التش ريع والتكلي ف والس لوك ،وه و أم ر م بین ،واض ح ،مق رر ،منظم ،دقی ق ،ش امل،
واليحت اج إال إلى ش يء واح د ،وه و التط بيق والتنفيذ واالل تزام ليحق ق أهداف ه ،ويج ني
ثم اره ،ويعطي إنتاج ه وي ؤمن الس عادة والرفاهي ة لإلنس انية في ال دنيا واآلخ رة ،ويمنح
صاحبه الرضا واالستقرار ،والحياة الرغيدة ،والوئام واملحبة والعافية في الدين والدنيا،
وفي العاج ل واآلج ل ،ومن ذاق ع رف ،وعلى هللا قص د الس بيل ،وه و نعم املولى ونعم
النصير ،وهو حسبنا ،وعليه التكالن ،والحول والقوة اال باهلل العلي العظيم ،والحمد هلل
رب العاملين .
الخاتمة
وبعد هذا العرض املوجز عن موقف اإلسالم من االعتدال في التدين ،واالعتدال في
العقي دة ،واالعت دال في املب ادی واألحك ام ،واالعت دال في العب ادة ،واالعت دال في االنتم اء
واالل تزام واالعت دال في الس لوك والع ادات ،واالقتص اد في جمي ع ذلك نس تخلص النت ائج
التالية :
.1تح ريم املغ االة في الت دين ،والغل و في األحك ام ،والرهباني ة في ال دين ،ومن ع العنت
واإلعنات في التصرفا والسلوك ،مع التنديد بالتشدد ،والتحذير من بواعثه ونتائجه.